الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أخذ في ذكر نوع خامس من المعارف فقال:
المعرف بأدة التعريف
…
أدة التعريف ي الألف واللام، وهو الذي أخذ يتكلم على المعرف بها فقال:
أل حرف تعريف أو اللام فقط
…
فنمط عرفت قل في النمط
اعلم أنه تكلم على الأداة أولا ولم يتكلم على المعرف بها إلا بقوله: (فنمط عرفت قل فيه النمط) لأن الاسم الداخل عليه "أل" ليس فيه بحسب قصده حكم يتفصل وإنما التفصيل في أداة التعريف، فلذلك اقتصر على ذكرها وذكر أقسامها وأحكامها دون أحكام الاسم المعرف، لأن أحكامه تابعة لأحكامها.
فتقول أولا: (أل حرف تعريف) بيان الأصل فيها وأنها في الوضع الأول تفيد التعريف وما عدا ذلك من أقساما فمفرع عنها، لأن الأصل دللتها على معنى، فزيادتا لغير معنى على خلاف الأصل، ودلالتها على غير التعريف مبنى عليه كالتي للمح الصفة والغالبة، وأما الموصولة فاسم كالذي/ والتي فليست من أنواع هذه، بل يطلق عليها "أل" باشتراك الاسم كمنذ ومذ الاسميتين مع الحرفيتين، والكاف و "عن" و "على" ونحو ذلك. فقد تبين أن الأصل فيها وهي حرف الدلالة على معنى التعريف، ثم إنه خير هاهنا بين أمرين في تعيين الحرف المعرف.
أحدهما: أن يكون "أل" بكمالها، كما تدل "قد" على معنى التوقع و "لم" على النفي، وما أشبه ذلك.
والثاني: أن يكون حرف التعريف اللام وحدا دون الهمزة، وهما وجهان مسوقان مساق التخيير في اعتقاد أحدهما، وكأنه خير بين القولين المنقولين عن النحويين، فذكر عن الخليل أن "أل" بكمالها هي حرف التعريف، وأنها بمنزلة "قد" و "لو" و "هل" و "بل" وحكي عنه أنه كان يسميها "أل" كقولنا:"قد" وأنه لم يكن يعبر عنها بالألف واللام، كما يعبر عن "قد" بالقاف والدال ولا عن "هل" بالهاء واللام، وهذه عادة الناظم في هذا النظم حسب ما أنت رائيه.
وذهب غير إلى أن حرف التعريف هو اللام وحدها، وأما الهمزة فزيدت ليتوصل بها إلى النطق باللام؛ لأنا ساكنة، كما جئ بهمزة الوصل في غير هذا الموضع ليتوصل إلى النطق بالساكن، هذا هو الذي يفهم ها هنا من إطلاق العبارة حيث قال:(أو اللام فقط) وقد جعل المؤلف الخلاف هنا في موضعين، أعني في غير هذا النظم:
أحدهما: ما المعرف أهو "أل" بكمالها أم اللام وحدها؟
فمذهب الخليل وسيبويه أنا "أل" بكمالها، ومذهب غيرهما أنها اللام فقط، وهذا هو الذي بين هنا.
والثاني: إذا قلنا: إنا "أل" بكمالها فهل الهمزة أصلية أم زائدة؟ فمذهب سيبويه عنده أنها زائدة، ومذهب الخليل أنها أصلية.
وأما إن قيل: إنها اللام وحدها فلا نزاع أن الهمزة همزة وصل.
فالحاصل من الخلاف في "أل" ثلاثة أقوال:
أحدها: أن حرف التعريف اللام خاصة.
والثاني: أنه "أل" بكمالها، والهمزة همزة وصل.
والثالث: كذلك إلا أن الهمزة همزة قطع.
ومذهب الناظم في غير هذا الكتاب هو ما نسب إلى سيبويه والخليل، ويشعر أن ذهب إلى ذلك هنا تعبيره عنه بـ "أل" لا بالألف واللام، ولا باللام، كما يعبر عنه غيره وتقديمه له حيث قال:(أل حرف تعريف) وتأخير المذهب الآخر وإنما ساق ذلك مساق التخيير لتنظر أنت في مدارك القولين.
وإذا ثبت ذلك لم يؤخذ من هنا حكم على الهمزة، وإنما يؤخذ له ذلك من فصل همزة الوصل من باب التصريف، إذ نص هنالك أنها زائدة، فمذهبه إذا ما نقل عن سيبويه، ولكل واحد من هذه المذاهب حجة تعضده، وشاهد يؤيده، فمن الدليل للخليل أن هذه الهمزة ثبتت حيث تحذف همزات الوصل البتة، وذلك في نحو {قلء الله أذن لكم} ، {ء الله خير أما يشركون} ، {ء آلذكرين حرم أم الأنثيين} ، وقالوا: يا الله وآفا الله، عند بعضهم، وما أشبه ذلك، فقد أنشد سيبويه لغيلان: /
عجل لنا هذا وألحقنا بذال
…
بالشحم إنا قد مللناه بجل
فأفرد "أل" وأعادها في البيت الثاني وذلك يدل على قوة اعتقادهم لقطعا فصار قطعهم "أل" وهم يريدون الاسم بعدها كقطعهم "قد" وهو يريد الفعل بعدها كقول النابغة الذبياني:
أفد الترحل غير أن ركابنا
…
لما تزل برحالنا وكأن قد
التقدير: وكأن قد زالت فقطع "قد" من الفعل كقطع "أل" من الاسم، وعلى هذا قالوا:"ألى" في التذكر، كما قالوا: قدى.
ومن الدليل للمذهب الآخر وهو زيادة الهمزة وعروها عن الدلالة- أنهم أوصلوا حرف الجر إلى ما بعد حرف التعريف نحو: عجبت من الرجل ومررت بالغلام وذلك يدل على أن حرف التعريف غير فاصل بين الجار والمجرور، وإنما كان كذلك لأنه في نهاية اللطافة والاتصال بما عرفه، ولا يكون كذلك إلا لأنه حرف واحد لاسيما وهو ساكن، ولو كان عندهم حرفين كـ "هل" و "بل" و "قد" لما جاز الفصل لاستقلال الحرف، ومن ثم أنكروا على الكسائي قراءة، {ثم ليقطع} بإسكان اللام، و {ثم ليقضوا} ، لأن "ثم" قائمة بنفسها، ليست كالواو والفاء، وأيضا فإن التنكير لما كان مدلولا عليه بحرف واحد وهو التنوين كان التعريف الذي هو مقابله مدلولا عليه بحرف واحد وهو اللام؛ لأن الشيء يحمل على ضده، كما يحمل على نظيره.
وأما المذهب الثالث فمتعلقه ظاهر لفظ سيبويه حيث قال: في باب عدة ما يكون عليه الكلام، وقد جاء على حرفين ما ليس باسم ولا فعل فذكر "أم" و "بل" وغيرهما. ثم قال: وأل حرف تعريف الاسم، فأخذ ابن مالك من هذا أن "أل" هي المعرفة بجملها، وذكر في ألف الوصل أن الهمزة موصولة، فاجتمع من ذلك ما تقدم والكلام في استقصاء الأدلة والفصل بين الخصوم له مجال مواسع لا يليق بما نحن فيه الآن، وإنما ذكرت بعض ذلك توجيها، وسيأتي في باب التصريف ما في هذا الخلاف من النظر بحول الله ومشيئته.
ثم قال: (فمنط عرفت قل فيه النمط) يعني أنك إذا أردت تعريف لفظ "نمط" فأدخل عليه "أل" و "قل فيه النمط" فيصير بأل معرفة بعد أن كان نكرة دونها وهذا مثال يدل على نظائره فرجل وفرس وبلد وقمر إذا أردت تعريفها فقل: الرجل والفرس والبلد والقمر، وكذلك ما أشبهه ولم يعتن هنا بذكر أنواع التعريف في هذا الحرف وأنواع تعريفه ثلاثة:
أحدها: تعريف العهد وهو ينقسم إلى تعريف عهد حسي كقوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول} وإلى
تعريف (عهد) علمي كقوله تعالى {إذ هما في الغار} ، وقوله:{إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى} .
والثاني: تعريف الجنس نحو قولك: الرجل خير من المرأة. وقال تعالى: {إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا} .
والثالث: تعريف الحضور كقولك: هذا الرجل وسأقوم اليومض والساعة.
هذه أقسام "أل" في التعريف، وبقى في كلام/ الناظم شيء وذلك أنه كان حقه أن يقول: عرفته، فتأتى بضمير المفعول، أو يعدى الفعل إلى "نمط" فيقول:(فنمطا عرفت) لأن النصب لا يكسر الوزن فلم أتى بعرفت غير معدي؟
فالجواب: أن عرفت في موضع الصفة لـ "نمط"، وعلى هذا يستقيم معنى البيت فإنما أراد فنمط معرف يقال فيه النمط وحذف الضمير من الجملة الواقعة صفة كما حذفه جرير في قوله- أنشده سيبويه-:
أبحت حمى تهامة بعد نجد
…
وما شيء حميت بمستباح
وأنشد أيضا قول الحارث بن كلدة:
وما أدرى أغيرهم تناء
…
وطول العهد أم مال أصابوا
فـ "حميت" و "أصابوا" في موضع الصفة كأنه قال: محمى ومصاب، وإذا كان معنى "عرفت" في البيت على الصفة، فلا سبيل إلى النصب في "نمط" بـ "عرفت" لأن الصفة من تمام الاسم فهي كبعضه، وبعض الشيء لا يعمل في بعضه، هذا معنى تعليل سيبويه، فإن قيل: هذا مشكل من جهة اللفظ والمعنى، أما من جهة اللفظ فإن نمطا لما كان المراد به نفس اللفظ كان معرفة لا نكرة، وذلك شأن ما يراد به مجرد اللفظ، فإنك تقول: رجل المنكر، لا يبتدأ به ولا يصح أن تقول: رجل منكر على أن تجعله صفة لأنه قد صار علما به، كما صار أفعل وفعلان وسائر الأمثلة الموزونة بها أعلاما على المثل التي توزن بها فلم جعلت "عرفت" نعتا لـ "نمط" والمراد مجرد اللفظ لا غير ذلك؟
وأما من جهة المعنى فلأنه في معنى (فنمط) إذا عرفته قل (فيه النمط) و (نمط المعرف) لا تدخل عليه "أل" لأن تعريفه إن كان بالإضافة فلا تدخل عليه "أل" وكذلك إن كان علما لا تدخله "أل" وإن كان معرفا بها فلا تدخل عليه أيضا مرة أخرى، وإنما كان وجه العبارة أن يقول: فنمط أردت تعريفه
قل فيه النمط (إذ لا يقال فيه النمط) إلا وهو نكرة مراد التعريف لا وهو معرفة.
فالجواب: أن يقال: أما الأول فإن نمطا لم يرد عينه هنا بالقصد الأول وإنما جاءت إرادة لفظه بالعرض، لأن المقصود لفظ ما أي لفظ كان، فكأنه قال: فأي لفظ أردت تعريفه أدخل عليه "أل" هذا معنى كلامه، وإنما جاء تعيين لفظ نمط بالقصد الثاني، وإذا كان مقصود هذا لم يكن معرفة وصح وصفه بالجملة وأبين من هذا أن يكون أصله معرفة لكنه أتى به منكرا- كما ينكر العلم كقولك: هذا زيد مقبل، تريد زيدا من الزيود ومقبل نعته، فكذلك هنا أي: فنمط من الأنماط معرف قل فيه النمط وهذا بين.
وأما الثاني: فإن معنى (عرفت) في كلامه إرادة التعريف فكأنه قال:
"فنمط" أردت تعريفه وهذا في الكلام العربي الفصيح موجود، ففي القرآن الكريم:{وكم من قرية أهلكناها} الآية، المعنى: أردنا إهلاكها "فجاءها بأسنا" ويقع ذلك مع إذا نحو: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} ، {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} وإذا كان (هذا) موجودا في الكلام فلا مانع من استعماله والنمط: ضرب من البسط، والنمط أيضاً:
الجماعة من الناس أمرهم واحد، وفي الحديث: خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي قال أبو عبيد: النمط: هو الطريقة/ يقال: ألزم هذا النمط، قال: والنمط أيضا: الضرب من الضروب والنوع من الأنواع، يقال: ليس هذا من ذلك النمط، أي: من ذلك النوع، وهذا المعنى يقال في المتاع والعلم وغير ذلك.
***
ثم ذكر ما جاء من الألف واللام بخلاف الأصل من الدلالة على التعريف فقال:
وقد تزاد لازما كاللات
…
والآن والذين ثم اللاتى
ولاضطرار كبنات الأوبر
…
كذا وطبت النفس يا قيس السرى
اعلم أن "أل" قد تخرج عن أصلها فلا تدل على تعريف، وهي إذ ذاك قسمان:
أحدهما: ما لا يفيد معنى آخر فهذه تسمى زائدة.
الثاني: ما يفيد معنى آخر سوى التعريف، وهذا القسم هو الذي للمح الصفة وأما الألف واللام الغالبة فهي راجعة إلى التي تفيد التعريف فابتدأ بذكر القسم الأول وهو قسم الأول وهو قسم الزائدة وجعله نوعين:
أحدهما: ما كانت زيادته لازمة البتة.
والثاني: ما كانت زيادته اضطرارية.
فأما الأول: فهو الذي أراد بقوله: (وقد تزاد لازما كاللات) إلى آخره، يعني أن العرب قد تزيد قليلا "أل" لغير معنى في مثل هذه الألفاظ المذكورة بحيث: لا تنفك عنها، وهذه العبارة لا تدل على أن هذه الزيادة موقوفة على السماع إذ لم يبين ذلك، بل نبه على قلة وجود ذلك وإشعاره بالقلة بحرف قد لا يشعر بقياس ولا بعدمه، لأن القليل قد يقاس عليه في بعض المواضع، وقد لا يقاس عليه بخلاف ما إذا أتى بلفظ القلة فاعتبره.
فالحاصل أنه سكت عن ذلك ولا ش أن هذا النحو مما لا يقاس عليه، وإنما يتلقى من السماع، إذ لم يكثر كثرة يقاس عليها ولا ظهر فيه وجه قياس فيوقف على محله، وهذا في الزيادة اللازمة.
وأما التي للاضطرار فأولى بعدم القياس في الكلام وكذلك في الشعر أيضا، إذ لم تكثر زيادتها كثرة توجب قياسا، كما كثر فيه قصر الممدود وصرف ما لا ينصرف وشبه ذلك، فجاز القياس فيه.
ولما كان ما تحت "قد" في قوله: "وقد تزاد" منقسما إلى القسمين وكان كل واحد منهما منتظما تحتها، وكان مسكوتا عن قياس ذلك في الأول كان مسكوتا عنه أيضا في الثاني، أعني عن القياس في الشعر فلقائل أن يقول: هذا تقصير من الناظم لعدم التنبيه على القياس فيه أو عدمه
ويجاب عن ذلك بأنه قد أشعر بذلك إشعارا خفيا من جهة أنه لم يعقد
فيها أصلا ولا أتى بقانون الزيادة ولا بما يشعر به، وإنما أتى بأمثلة من الضربين مطلقة تشير إلى أنها كذلك وردت، ولو أراد القياس لقال: وقد تزاد لازما، في نحو كذا، أو فيما كان يشبه كذا أو ما أشبه هذه العبارة، فلما اقتصر على أمثلة مطلقا ولم يقدم لها قانونا دل على أنها عنده سماعية لا قياسية، ثم أتى بأمثلة أربعة للقسم الأول:
أحدها: "اللات" وهو اسم/ صنم كان بالطائف، وأصله "اللات" اسم فاعل وهو رجل كان يلت السويق للحاج إذا قدموا، وكانت العرب تعظم ذلك الرجل لإطعامه الناس في كل موسم، ويقال: إنه عمرو بن لحى بن قمعة، وقيل: ربيعة بن حارثة وهو والد خزاعة، وعمر عمرا طويلا، فلما مات اتخذ مقعده الذي كان يلت فيه السويق منسكا، ثم طال الأمر بهم إلى أن عبدوا تلك الصخرة التي كان يقعد عليها ومثلوها صنما وسموها اللات اشتقوا لها اسما من اللت. وقد قرأ ابن عباس:{أفرأيتم اللات} على فاعل من لت، فالألف واللام في "اللات" عند الناظم زائدتان، وهو مذهب الأخفش
فيها وفي "العزى" ويدل على صحة مذهبه أنهما علمان بمنزلة يغوث ويعوق ونسر ومناة وغير ذلك من أسماء الأصنام، فهذه كلها أعلام غير محتاجة في تعريفها إلى أداة، وليست من باب الحارث والعباس من الأوصاف التي سمي بها، فدخلها الألف واللام لتلمح أصلها وإذا كان كذلك وجب أن تكون فيها زائدة، وأيضا فيؤكد زيادتها لزومها الاسم كلزومها في الذي والآن.
فإن قيل: فقد حكى أبو زيد لقيته فينة والفينة. وقالوا في الشمس: إلهة والإلاهة، وليست فينة وإلهة بصفتين، فيجوز تعريفهما وفيهما اللام كالحارث والعباس ..
فالجواب: أن هذا مما اعتقب عليه تعريفان:
أحدهما: بالعلمية، والآخر بالألف واللام ولم نسمعهم. قالوا: عزى ولالات بغير أداة، فدل لزوم اللام على زيادتا وأن ما هي فيه ليس مما اعتقب عليه تعريفان: هذا توجيه ابن جنى، وهو ظاهر في اللات، وأما في العزى ففيه بحث تكلم عليه ابن جنى ليس من مطلب هذا الشرح، إذ لم يتعرض له الناظم.
والثاني: من الأمثلة "الآن" وهو اسم للزمان الحاضر والألف واللام فيه زائدة على ذلك الأخفش، وقد خالف في ذلك طائفة وجعلوها للتعريف من الأصل الأول، واستدل ابن جنى على زيادتها وأنها ليست للتعريف بأنا
اعتبرنا جميع ما لامه للتعريف فوجدنا إسقاطها منه جائزا كالرجل والغلام، ولم تقل العرب فيما بلغنا فعلته آن كما قالوا: فعلته الآن، فدل هذا على أنها ليست للتعريف ولا أيضا للمح الصفة، فإن التي للمح الصفة يجوز إسقاطها، فدل لزومها أيضا على أنها ليست للمح الصفة، بل هي زائدة، كما يزاد غيرها من الحروف، ثم يبقى النظر في تعريفها وذلك على رأى الفارسي وابن جنى بألف ولام تضمن الآن معناها، كما بنيت "أمس" لتضمن معناها، وعلى رأى الزجاج بالإشارة.
والثالث: "الذين"، فالألف واللام فيه أيضا زائدة كما قال والدليل على ذلك: أنه من الأسماء الموصولات، وقد وجد من الموصولات ما ليس فيه ألف ولام وهو معرفة كـ "من" و "ما" و "أي"، فهذا يدل على أن "الذين" معرفة لا بالألف واللام، وأيضا لو كانت فيه للتعريف لقالوا "لذين" من غير ألف ولام، إذ لم نجدها تعرف إلا حيث يجوز إسقاطها كما تقدم، وهذه لا تسقط البتة، وإن سقطت فذلك من النوادر غير المعتد بها، فدل ذلك على أنها لغير التعريف وليست أيضا/ للمح الصفة، فلم يبق إلا أن تكون زائدة.
وقد ذهب ابن خروف إلى أن تعريف "الذين" وأخواته من الموصولات الداخلة عليها الألف واللام بهما لا بالصلة، وأن ما ليست فيه معرف بها تقديرا كـ "أي" و "من" و "ما" وخطأ من زغم أن
تعريفها بالصلة قال: وكيف ذلك وهي جمل وقد تكون صفات وهي نكرات، ثم استدل على أن تعريفهما إنما هو بالألف واللام، أن ما هي فيه لا يكون نكرة البتة بخلاف ما ليست فيه فإنه قد يكون نكرة "كمن" و "ما" و "أي" وما استدل به ليس له فيه حجة، أما أولا فإن أصل وضع الموصول أن يتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل، إذ لم يمكنهم أن يدخلوا الألف واللام على الجمل، فأتوا بما يصح فيه ذلك وهو الموصول كالذي والتي، فأدخلوها عليه فصح لهم الوصف بالجملة بإصلاح لفظها بتصديرها بما فيه الألف واللام.
وأما "من" و "ما" و "أي" فإنما لم يوصف بها لعدم الألف واللام فيها إذ هي المسوغة لأن تجرى الجملة صفة للمعرفة فراعوا اللفظ كما راعوا لفظ كل وبعض فلم يصفوهما بالمعرفة حيث لفظهما لفظ النكرة، ولا- أيضا- وصفوهما بالنكرة اعتبارا بالمعنى ومعناهما معنى المعرفة، وبهذا المعنى يجاب عن اختصاص "أي" و "من" و "ما" بوقوعها نكرات موصوفة، لأن ألفاظها النكرات، بخلاف الذي والتي ونحوهما.
قال الفارسي في "الإغفال": إنما حسن الوصف بالذي من بين أخواته لمكان حرف التعريف فيه وأنه لم يحدث تعريفا فهو لفظ المحدث التعريف فأجرى في هذه الأشياء مجراه، فهذا نص من الفارسي فيما ذكرته، وأيضا فإن فيهما ابهاما ليس في الذي وأخواتها فلذلك لم يوصف بها وهي موصولات، بخلاف "الذي" وأخواتها.
وأما ثانياً: فإن أيا و "ما" و "من" لا تقع نكرات موصوفة إلا مع العرو عن الصلات والخلو عنها، فإذا وجدت الصلات لم يصح أن تقع نكرات، وهذا من أدل الدليل على أن تعريفها بالصلة لا بالألف واللام مقدرة، إذ التعريف فيها يدور مع الصلة وجودا وعدما، ولم نجده يدور مع الألف واللام، كذلك فدل على أن علة التعريف الصلة لا الألف واللام فالصحيح إذا ما ذهب إليه الناظم من زيادتها.
والرابع: "اللاتي" وهو جمع "التي" كما أن "الذين" جمع "الذي" واللام فيهما واحد، وكذلك فيما كان من بابهما نحو: الذي والتي واللائين واللاء واللواتي والألى وما أشبه ذلك. ولازما من قوله: (وقد تزاد لازما) اسم فاعل يمكن أن يكون حالا من المصدر المفهوم من (تزاد) كـ "شديدا" من قولك: ضربته شديدا وكأنه قال: وتزاد زيدا لازما.
ثم ذكر القسم الثاني من الزيادة فقال: (ولاضطرار كبنات الأوبر) أي: وقد تزاد أيضا للاضطرار الشعري، لا على اللزوم ولا على الجواز، وأتى لذلك بمثالين:
أحدهما: زيدت فيه اللام في العلم وذلك "بنات الأوبر" وهو اسم علم لضرب من الكمأة صغار ذات زغب، هذا ما حكى الجوهري، وذكر ابن
سيده عن أبي حنيفة قال: هي كمأة أمثال الحصى يكن في النقض من واحدة إلى عشر وهي رديئة الطعم، وهي أول الكمأة قال: وقال: مرة هي مثل الكمأة وليست بكمأة وهي صغار. وأصله أن لا تدخله الألف واللام، بل تقول: هذه بنات أوبر، واحدها ابن أوبر وأنشد الأصمعي:
ومن جنى الأرض ما تأتي الرعاء به
…
من ابن أوبر والمفرود والفقعه
فأدخلوا عليها الألف/ واللام في الشعر ضرورة فقالوا: "بنات الأوبر" وإشارة الناظم إلى ما أنشده ابن جنى وقال: أخبرنا أبو علي قال: أخبرني أبو بكر، عن أبي العباس، عن أبي عثمان قال:
سألت الأصمعي عن قول الشاعر:
ولقد جنيتك اكمؤا وعساقلا
…
ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
لم أدخل الألف واللام؟ فقال: أدخل ذلك زيادة للضرورة كقول الآخر:
*باعد أم العمرو من أسيرها*
قال ابن جنى وأنشدني أبو علي، عن أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي
*يا ليت أم العمرو كانت صاحبي*
يريد أم عمرو، وهذا على رواية من روى العمر- بالعين المهملة- وإلا فالأشهر الغمر- بالغين المعجمة- قاله ابن سيده ومثل ذلك أيضا قول الآخر- أنشده ابن جنى: -
يقول المجتلون عروس تيم
…
سوى أم الحبين ورأس فيل
أراد: أم حبين، وأنشد أيضا عن الفارسي:
أما ودماء لا تزال كأنها
…
على قنة (العزى) وبالنسر عندما
وأنشد غيره:
*أما ودماء مائرات تخالها*
وهو أبين في الإعراب والمثال الثاني زيدت فيه الألف واللام في التمييز ضرورة، لأن التمييز من شرطه أن يكون نكرة على مذهب البصريين، فإذا جاء بالألف واللام حكمنا بأنه من الضرائر الشعرية، كما زيدت في بنات الأوبر، وذلك المثال قوله:(كذا وطبت النفس يا قيس) أراد: وكذا بحرف العطف أي: وكذا في هذا المثال الآخر، وهو قطعة من بيت أنشده في الشرح هكذا وهو:
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا
…
صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو
وأنشده السيرافي هكذا:
رأيتك لما عرفت جلادنا
…
رضيت وطبت النفس يا بكر عن عمرو
فقول الناظم: (وطبت النفس) فأتى في لفظه بالواو حكاية للبيت،
ولأجل الحكاية لم يقل: "كذا طبت النفس" و "يا قيس" من لفظ البيت الذي فيه الشاهد، فأدخل الألف واللام على نفس، وهو تمييز منقول من الفاعل، ومثل ذلك من التمييز ما قال الآخر:
علام ملئت الرعب والحرب لم تقد
…
لظاها ولم تستعمل البيض والسمر
وقوله: (ولا ضطرار) مفعول له جره باللام وإن استوفى شروط النصب، فيجوز أن يقال: وقد تزاد اضطرارا وهو جائز، لكنه قليل، نص الناظم على ذلك في بابه وجاء بقوله:"السرى" صفة لقيس تكملة للبيت، والسرى: الشريف. يقال: رجل سرى، من قوم سراة، وجمع السراة: سروات. ويقال في فعله: سرا يسرو وسرى- بالكسر- يسرى سروا فيهما، وسرو يسرو سراوة، ويبقى بعد في هذا الكلام نظر من وجهين:
أحدهما: أنه جعل "بنات الأوبر" مما زيدت فيه الألف واللام اضطرارا ومن مذهبه الذي تقرر قبل أن ما جاء في الشعر مما يتأتى تحويله إلى ما ليس بضرورة، فليس حكمه حكم الضرورات، فإذا نظرنا فيما عده ضرورة هنا وجدناه يتأتى مساقه على غير جهة الضرورة، فقد كان يمكنه في الأول أن يقول: ولقد نهيتك عن بنات أوبر بغير ألف ولام ولا ينكسر الوزن، وإنما فيه زحف وهو الوقص، وذلك/ حذف التاء من متفاعلن وذلك جائز، فلم يضطر على مذهب ابن مالك إلى زيادة الألف واللام، فجعله ذلك من الاضطرار على مذهبه غير صحيح.
فإن قال: إن إسقاط الألف واللام وإن كان لا يكسر الوزن غير منقاد للطبع انقياد عدم إسقاطها، فهو على هذا التقدير ضرورة.
فالجواب: إنه لم يراع مثل ذلك حين أمكن عنده في قوله:
*
…
صوت الحمار اليجدع*
أن يقال: "حمار يجدع" وهذا لا ينقاد للطبع انقياد الآخر، فمثل ذلك التقدير جار على طريقته وكان يمكنه في الثاني أن يقول: ونفس طبت يا قيس عن عمرو، فإن تقديم التمييز عنده جائز في الكلام، وإن كان قليلا فليس بضرورة عنده، وإذا كان قليلا فعدم التقديم مع إمكانه دليل على أن الألف واللام لم يدخلها للضرورة فقد ناقض هنا الناظم أصله الذي أصل.
والثاني على تسليم أنه لم يبن على تلك القاعدة أن دخول الألف واللام على التمييز ليس بضرورة، إذ لم يختص بالشعر وإنما يعد ضرورة المختص بالشعر كصرف ما لا ينصرف ونحو ذلك، وهذا ليس من ذلك، إذ قد جاء في الكلام مثل ذلك نحو ما حكى البغداديون أن من العرب من يقول: قبضت الأحد عشر الدرهم.
وفي الحديث: "أن امرأة كانت تهراق الدماء"، والحديث عند ابن مالك حجة في إثبات القوانين وبناء القياس عليه.
فإن قيل: إن الألف واللام في هذا ونحوه زائدة أيضا، وقد نص على ذلك في "شرح التسهيل" فدخلت إذا في دعوى الزيادة قيل: كان يسلم هذا لولا أنه علل الزيادة بالضرورة، إذ قال:"ولاضطرار كبنات الأوبر" إلى آخره.
فالحاصل أن هذا الموضع جرى فيه الناظم على غير تأمل، وأقصى ما وجدت في الاعتذار عن الأول من النظرين أنه أخطأ في مجرد التمثيل خاصة.
وأما الزيادة للضرورة فموجودة، إذ لم يرد المثال المذكور بعينه، بل أراد أيضا ما كان نحوه، وقد تقدمت أبيات يصعب إيرادها مع إسقاط الألف واللام كقوله:
*باعد أم العمرو
…
... *
وقوله:
*علام ملئت الرعب*
وإذا كان كذلك ثبت الأصل الذي بنى عليه من الزيادة على الجملة.
فإن قيل: كيف يثبت مع كون "بنات الأوبر"، و "طبت النفس"، بمنزلة
ما جاء في الكلام، فقد زيدت الألف واللام إذا لغير الضرورة وهو الإشكال الأول بعينه؟
قيل: هذا سؤال وارد ولا جواب لي عنه الآن، وليس كل داء يعالجه الطبيب.
وأما الثاني: فإن ما جاء في الكلام من ذلك قد يخرج على غير زيادة فقولهم: قبضت الأحد عشر الدرهم، قصد فيه التعريف، لكن الشائع أن يعرف الأول خاصة، ثم إنهم شذوا فعرفوا الثاني مع الأول فقالوا: قبضت الأحد عشر درهما، ثم زادوا شذوذا فعرفوا ما لا يحتمل التعريف إتباعا لما يحتمله على الجملة، فليس إذا من قبيل النكرات أعني الدرهم وإنما هو معرفة.
وقوله في الحديث: "تهراق الدماء" منصوب على التشبيه بالمفعول به لا على/ التمييز، نص على ذلك في "شرح التسهيل" وسيأتي ذلك في باب التمييز إن شاء الله، وإذا كان كذلك صح ما قاله من أن الزيادة في نحو:(طبت النفس) للاضطرار والله أعلم.
***
وأما القسم الثاني: من الألف واللام الخارجة عن أصلها من التعريف، وذلك ما يدخل على الأسماء المنقولة من الصفات ونحوها لتلمح الأصل، وتسمى التي للمح الصفة فقد قال فيه:
وبعض الأعلام عليه دخلا
…
للمح ما قد كان عنه نقلا
كالفضل والحارث والنعمان
…
فذكر ذا وحذفه سيان
الضمير في (عليه) عائد على بعض، وفي (دخلا) عائد على "
أل" وذكره، لجواز التذكير والتأنيث في الحرف و"ما" واقعة على الأصل المنقول منه العلم وعائده ضمير عنه والضمير في (نقلا) و (كان) عائد على بعض أيضا، ويعني أن بعض الأسماء الأعلام قد دخلت عليه "أل" ليتلمح بها الأصل الذي نقل عنه هذا العلم.
واعلم أن العلم الذي شأنه هذا لابد فيه من أربعة أوصاف كلها مشار إليها بهذا الكلام:
أحدها: أن يكون منقولا لا مرتجلا لقوله: (للمح ما قد كان عنه نقلا) فلازم أن يكون له أصل نقل منه إلى العلمية لتكون الألف واللام يلمح بها فلا تدخل على مرتجل البتة.
والثاني: أن تكون داخلة عليه بعد التسمية لأن قوله: (للمح ما قد كان عنه نقلا) يريد به لأن يلمح بدخولها أصل الاسم المسمى به، وذلك يستلزم أن تكون داخلة بعد التسمية؛ لأنها لو كانت داخلة قبلها أو معها لاستهلكت التسمية معناها فلم تدل على شيء، وهذا هو الفرق بين الألف واللام التي للغلبة والزائدة وبين التي للمح الأصل، فإن الغالبة كانت داخلة قبل التسمية، ثم وقعت التسمية عليها، وكذلك ما لم تتقدمه لكن قارنته في التسمية كالنضر والنعمان "ولفظة الله" على رأيه في "شرح التسهيل" وكذلك السموأل واليسع من المرتجلات على ما قال هنالك أيضا، فالأداة في هذه الأشياء مقارنة للتسمية، فليست لتلمح الأصل في النضر ونحوه، وكذلك في السموأل ونحوه، وهذا الثاني يخرج بالوصف الأول. وبينهما أيضا فرق آخر حكمي وهو: أن التي للمح الأصل يجوز لحاقها وعدم لحاقها على حد سواء أو ما
هو نحو ذلك بخلاف الغالبة وغيرها فإنها لازمة ولا يجوز حذفها إلا نادرا لا يعتد به. قال سيبويه: فإن أخرجت الألف واللام من الصعق والنجم لم يكن معرفة من قبل أنك إنما صيرته معرفة بالألف واللام، كما صار ابن رألان معرفة برألان، فلو ألغيت رألان لم يكن معرفة. يعني أن الألف واللام من حقيقة الاسم في العلمية وهذا الفرق منبه عليه بقوله:(فذكر ذا وحذفه سيان).
والثالث: أن يقصد بدخولها لمح الأصل، لأنه قال:(للمح) كذا، أي: دخل لأجل أن لمح فيه الأصل، فهذا ولابد مستلزم لتذكر الأصل والتماحه، فلو لم يلمح الأصل لم تدخل البتة؛ لأن الاسم إذ ذاك بمنزلة زيد وعمرو، فكما أن زيدا وعمرا لا تدخل عليه الألف واللام، فكذلك ما كان بمعناه، ولذلك تجد كثيرا من الصفات المسمى بها لا تدخل عليها كمالك وحاتم ومتمم وفاطمة وعائشة/، وما أشبه ذلك.
والرابع: أن يكون الاسم يصلح أن تدخل عليه الألف واللام قبل التسمية وهذا معنى تلمح الأصل بها، لأن إلحاقها إشعار بان الاسم كأنه باق على أصله لم ينتقل إلى علمية، فإذا كان كذلك فكل علم نقل مما يصح أن يدخل عليه فهو الذي تدخل عليه بعد النقل والتسمية فلا تدخل على العلم المنقول من الفعل نحو: يزيد ويشكر وتغلب، ومن ثم
كان دخولها على يزيد في قول ابن ميادة:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
…
شديدا بأعباء الخلافة كاهله
ضرورة كما كان ضرورة في نحو:
*باعد أم العمرو من أسيرها*
ولم يحكم له بأنه على لمح الأصل لهذا الذي تقدم، وقد بسط الفارسي هذا المعنى في "التذكرة" بسطا حسنا ثم قال: فمن قرأ من القراء: {الليسع} استقام أن يتأول فيه أنه عربي جعل الشيء بعينه. فأما من قرأ: {الليسع} ، فلا ينبغي له أن يحمله على أنه يفعل من وسع، دخل فيه اللام لأن ذلك لا وجه له ولكنه أعجمي معرب وافق لفظه لفظ المضارع وليس به- انتهى كلامه- وكذلك لا تدخل على المنقول من مضاف ومضاف إليه، كما إذا سميت بضارب (زيد أو بصاحب عمرو)، إذ لا يصح دخول الألف واللام على المضاف وإن فرضت صلاحيته للمح الأصل فيه، هذه الأربعة أوصاف يقتضيها كلامه ولابد منها. وعبارته في "التسهيل" عن هذا المعنى قوله:
وفي المنقول من مجرد صالح لهما ملموح به الأصل وجهان، ثم مثل ذلك بقوله:(كالفضل والحارث والنعمان)، فأتى بثلاثة أمثلة تشير إلى ثلاثة أنواع مما يلمح فيه الأصل.
أحدها: الفضل، وهو منقول من مصدر فضل الرجل يفضل فضلا:
إذ ظن ذا فضل فهذا تدخل عليه الألف واللام وعلى ما كان من نوعه مثل قيس، من قاس يقيس قيسا وزيد من زاد يزيد زيدا، وأوس من آسه يؤوسه أوسا، أي أعطاه، وعمرو إذا اعتقدت أنه منقول من العمر الذي هو الحياة.
والثاني: الحارث، وهو منقول من الصفة تقول: حرث يحرث فهو حارث، وتدخل عليه هذه الألف واللام وعلى ما كان مثله نحو: عباس وقتال وحسن وجراح وما أشبه ذلك
والثالث: النعمان، وهو منقول من اسم عين وهو الدم، ومنه سميت شقائق النعمان لشبه لونها به، وهذا أيضا مما تدخل عليه الأداة عنده، وعلى ما كان من نوعه كأوس إذا جعلته قد نقل من الأوس وهو الذئب وكذلك ما أشبهه، فقد نبه على أنواع المنقول من الاسم، فالأول منقول من اسم المعنى، والثاني منقول من الصفة، والثالث منقول من اسم العين، وفيما قرره هنا نظر من وجهين:
أحدهما: أن ظاهر كلامه يقتضي القياس في جميع ما ذكر من الأنواع الثلاثة فيجوز على قوله أن تقول في قيس القيس وفي زيد الزيد وفي عمرو العمرو في غير ضرورة كما تقول في فضل الفضل، وكذلك يجوز على قوله/ في مالك المالك وفي فاطمة الفاطمة وفي حاتم الحاتم، كما تقول في قاسم القاسم وفي عباس العباس، وكذلك تقول في حجر الحجر وفي حبل الحبل وفي جعفر الجعفر وفي بكر البكر، كما تقول في نعمان النعمان وهذا كله غير صحيح، لأن مثل هذا لا يقاس عليه
وإنما بابها كلها السماع فلا يتعدى بواحد منها ما سمع.
والحاصل من هذا أن المفردات كلها من الأعلام المنقولة الجائز قبل التسمية دخول الألف واللام عليها، يجوز أن تدخل عليه الألف واللام الآن وما أظن أحدا يقول بهذا.
والثاني: أنا إذا سلمنا القياس فإنما يصح في نوع واحد منها وهو المنقول من الصفة فهنالك ذكر الناس لمح الصفة وأصلوا معناه، وفيه تكلم سيبويه والخليل حيث قالوا: الحارث والحسن والعباس، إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه، يعني على أصل الصفة ولم يجعلوه سمي به، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه، ومن قال: حارث وعباس فهو يجري مجرى زيد. قال ابن خروف: وهذا في كل صفة سمى بها. ولما تكلم الفارسي في "التذكرة" على قول الشاعر:
* ...... وبالنسر عندما*
قال: فالقول إن اللام هنا ليس على حد قولك: العباس وعباس، لأن من أدخل اللام هنا جعله الشيء بعينه، ومن لم يدخل جعل الاسم علما بمنزلة زيد وأسد، ثم قال: ومن قال في الحارث والعباس حارث وعباس، لم يقل إذا سمى باسم جنس غير صفة بإلحاق لام التعريف، ألا ترى أنهم لم يقولوا في رجل اسمه ثور أو يربوع أو أسد الثور ولا اليربوع ولا الأسد.
قال: فإن قلت: فقد قالوا الفضل في رجل اسمه فضل، فإنما ذلك لأنه على حد الصفة كأنهم جعلوه عبارة عن الحارث بعينه من حيث جاز وحسن أن يقصد بذلك، كما حسن أن يقصد بالحارث والعباس قال: فدخلت اللام هنا،
كما دخلت في الحارث والصعق فأنت ترى أنهم إنما يجعلون لمح الأصل في الصفة ويعتذرون عما جاء منها في المصدر وينفون ذلك عن اسم الجنس جملة، وهو الذي لا يصح غيره، فهذا من الناظم غير صواب.
ووجه ثالث: وهو أنه مثل هذا بالنعمان وجعله مما يجوز تجرده من الألف واللام وعدم تجرده، وهو قد جعله في "شرح التسهيل" من قسم العلم الذي قارنت الأداة نقله فلزمته فقال في "التسهيل": بعد تقرير أن ذا الغلبة تلزمه اللام غالبا إن كان معرفا بها قبل ذلك، ومثله ما قارنت الأداة نقله أو ارتجاله. قال في "الشرح": ويشارك ذا الغلبة المصاحبة للأداة فيما نسب إليه ما قارنت الأداة نقله كالنضر والنعمان أو ارتجاله كالسموأل واليسع فلا يجرد هذان النوعان إلا لنداء أو غيره من العوارض التي يجرد لها الأعشى ونحوه من الأعلام الغالبة، ثم ذكر أن هذا آكد في عدم التجرد من ذي الغلبة ما هو مسطور هنالك، وهذا مناقض لما نص عليه في نظمه هذا، فأحد الموضعين غير صحيح، إما كلامه هنا أو في الشرح، إذ لا/ يستقيم أن يصحا معا، لأنهما حكمان متناقضان على شيء بعينه ففي هذا كله ما ترى.
والجواب: عن الأول والثاني أن القياس في الأنواع الثلاثة ألا مانع منه لأنه إذا كانت العرب قد أرتنا مذهبها في لمح الأصل ورأينا ذلك يكثر في السماع فبيناه على شرطه، وكون العرب لم تقل ذلك في جملة منها (لم يكن منها ترك) تركا للقياس، وإنما كان لفقد الشرط وهو لمح الأصل لا أنه عندها لا يلمح، فإذا لمحنا نحن الأصل أدخلنا الألف واللام ولم يبق محذور، وهذا رأيه في "شرح التسهيل" فإنه ذكر فيه أن العلم إذا كان منقولا من صفة أو مصدر أو اسم عين وكان عند التسمية به مجردا من أداة التعريف جاز في استعماله غالبا أن يلمح به الأصل فتدخله الأداة قال: وأكثر دخولها على منقول من صفة كحسن وعباس وحارث ويلي دخولها على منقول من مصدر كفضل وقيس، ويليه دخولها على منقول من لسم عين كليث وخرنق. فهذا هو الذي ذهب إليه هنا- والله أعلم- ولا أعلم من قال بذلك غير ابن مالك.
وفي كلام الزمخشري في "المفصل" إشارة إلى شيء من ذلك في غير المنقول من اسم عين، والذي يثبت من ذلك في القياس إن ثبت اعتباره نوع من المنقول من الصفة وإن جاء غير ذلك فهو مسموع نحو: فضل وخرنق وأما أن يقال بالقياس في الجميع فلا.
واعلم أن في القول بالقياس في هذه الأنواع أخذا من كلام الناظر نظرا وذلك أنه قال: (وبعض الأعلام عليه دخلا) وهذا البعض يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يريد كل ما كان منها مفردا، لأن العلم منه مفرد، ومنه غير مفرد كالمركب والمضاف، وهذا الحكم مختص بالمفرد دون غيره، وهو بعض من جنس العلم فكأنه يقول: والمفرد من الأعلام عليه دخلا وهذا يقتضي القياس كما نص عليه في غير هذا.
والثاني: أن يريد ما أدخلته العرب عليه من المفردات فكأنه يقول: وبعض الأعلام أدخلت العرب عليه الألف واللام، وهذه حكاية سماع لا تشعر بقياس، ويؤيد ذلك إتيانه بالفعل الماضي من قوله: دخل ولم يقل يدخل، فإن كان مراده الوجه الأول فهو جار على طريقته في "التسهيل" و"شرحه" لكنه خالف الناس فيما ذهب إليه.
وإن كان مراده الثاني فهو موافق للناس، مخالف لرأيه في غير هذا الموضع وكان هذا المحمل أولى إذا احتمل كلامه كذلك، وعبارته في أصل المسألة موافقة في المعنى لعبارة الزمخشري حيث قال: وبعض الأعلام تدخله لام التعريف وذلك على نوعين: لازم وغير لازم، وفسر اللازم باللام الغالبة، ثم قال: وغير اللازم في نحو: الحارث والعباس والمظفر والفضل والعلاء، وما كان صفة في أصله أو مصدرا، هذا منتهى كلامه وهو محتمل كاحتمال كلام الناظم، إلا أن الناظم زاد الاسم المنقول من اسم عين وهو النعمان ونحوه.
وأما النظر الثالث: فإني لا أحقق الآن أي الوجهين/، هو الجاري على كلام العرب، فإليك النظر في ذلك.
ثم ذكر حكم الألف واللام هنا فقال: (فذكر ذا وحذفه سيان)"ذا": إشارة إلى الألف واللام، يعني أن لحاقها وعدم لحاقها سيان: ليس أحدهما بأكثر من الآخر، ولا أحدهما لازما دون الآخر، كما تقدم في الزائدة فإن أردت لحاقها فلك ذلك، وإن لم ترد ذلك فالتجرد عنها جائز فتقول: حارث والحارث وعباس والعباس وفضل والفضل وخرنق والخرنق وليث والليث، وبهذين مثل في الشرح المنقول من اسم العين، ووقع لفظ الحذف هنا على تسامح حيث قال:(فذكر ذا وحذفه سيان) إذ الحذف إنما يستعمل فيما كان ثابتا بحكم الأصل، ثم أزيل والألف واللام هنا ليس الأصل فيها الإثبات ثم حذفت، بل الأمر هاهنا بالعكس إذ الأصل عدم اللحاق، لأنه علم وقبل العلمية لم يكن لازما لها، كما لزمها الاسم الغالب، فكان حقه أن يقول: فذكر ذا وتركه سيان أو نحو هذا، ولكنه أطلق على عدم اللحاق حذفا مجازا وتوسعا في العبارة، ويقال: هما سيان، إذا استويا والواحد: سي، وحقيقة معناه: مرادفة مثل، ومنه "لاسيما" وقال الحطيئة في مفرد "سيان":
فإياكم وحية بطن واد
…
ضمور الناب ليس لكم بسي
ويقال أيضا مما سواءان وهما سواء.
***
(ثم قال):
وقد يصير علما بالغلبة
…
مضاف أو مصحوب أل كالعقبه
ذو الغلبة من الأعلام هو: كل اسم اشتهر به بعض ماله معناه اشتهارا تاما حتى صار بحيث إذا أطلق ذلك اللفظ لم يفهم منه غير ذلك الشيء (وهذا معنى كونه صار علما بالغلبة. أي: بغلبة ذلك الاسم لذلك الشيء) من بين سائر ما ينطلق عليه الاسم حتى يصير في عداد الأسماء الأعلام المحضة كزيد وعمرو فحقيقة الأمر فيه أنه علم في الأصل الاستعمالي، وأما في الأصل القياسي فهو من المعرف بأداة التعريف، إذ لم يزل معناها، ولو زال معناها لصار نكرة، فلذلك لم يعد الناظم الألف واللام هنا ضربا آخر كما عد الزائدة والتي للمح الأصل وهذا فرق ما بينهما وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وبه أيضا يظهر الفرق بين العلم بالوضع وبين العلم بالغلبة، فإن العلم بالوضع إنما وضع لإبانة "شخص من سائر الأشخاص، وليس فيه دلالة على وجود معنى ذلك الاسم في الشخص الذي سمى به فاختصاصه المسمى به شخصا بعينه ليميزه عن غيره أوجب تعريفه، وهذا إذا اشترك فيه المسمون لم يكن بينهم اتفاق يجب به اشتراكهم في الاسم؛ لأن جماعة سموا بزيد لا يختصون بمعنى جمعهم على تسمية زيد يباينون به من اسمه عمرو، وأما العلم بالغلبة فإن أصله أن يكون معرفة باللام أو بالإضافة، وهذا
يجب لمن سمي به التعريف، لكن لمعنى يوجب تلك التسمية له ولمن شاركه في ذلك المعنى كالرجل وغلام زيد فلا يختص أحد هذين وما أشبههما باسم دون سائر من فيه ذلك المعنى (كزيد وغلام/ رجل)، ثم إنه قد يغلب على ذلك الاسم على بعض المسمين به ممن شاركهم في معناه حتى يصير له كالعلم الذي (يعرف به إذا ذكر مطلقا، ولا يعرف به غيره ممن شاركه إلا بعهد تقدم، إلا أن) أصل تعريفه الألف واللام أو بالإضافة باق بدليل زوال تعريفه بزوالهما والعلم بالوضع ليس كذلك، فهذا فرق ما بينهما ثم نبه الناظم على أن ذا الغلبة على وجهين:
أحدهما: المضاف، وهو ما غلب عليه الاسم المشترك فيه وهو مضاف.
والثاني: "مصحوب أل" وهو ما غلب عليه الاسم وهو قد صحبته الألف واللام فمثال الأول ابن رألان، فإن ابن رألان أصله أن يصلح لكل من كان ابنا لرألان حتى أنه اختص بجابر الطائي السنبسي وحده، فإذا أطلق لم يدل إلا عليه، ما لم يكن ثم عهد في غيره ومثله ابن عباس، وابن عمر وابن الزبير وما أشبه ذلك.
ومثال الثاني: "العقبة" وهو مثاله، فإن العقبة اسم لكل طريق صاعد في الجبل، ثم اختص بعقبة منى التي تضاف إليها الجمرة فيقال: جمرة العقبة ومثله الصعق لخويلد بن نفيل، وكذلك
الصديق، والفاروق، والنجم، والثريا، والدبران، والأعشى، والأخطل، وكذلك الكعبة، والمدينة، وما أشبه ذلك.
***
ثم أخذ يذكر حذف الألف واللام وهذه وهل هو جائز أم لا، فقال:
وحذف أل ذي إن تناد أو تضف
…
أوجب وفي غيرهما قد تنحذف
(حذف) مفعول بـ "أوجب"، أي: أوجب حذف "أل" وذي إشارة إلى "أل" وهي نعت لها وأنث على اعتبار الكلمة، كما ذكر في مواضع أخر على معنى اللفظ نحو قوله:(فذكر ذا وحذفه سيان) و "أوجب" هو الدال على جواب "إن" وليس بجواب صناعي، وإلا وجب أن يأتي بالفاء، والذي سوغ كونه في الحكم غير جواب أن معموله قد تقدم على الشرط، وتقدم المعمول مؤذن بتقدم العامل، فكأن الفعل مقدم على فعل الشرط، ومع هذا فإن فيه مما يختص بالشعر الإتيان بفعل الشرط مضارعا، وذلك لا يكون إلا عند الإتيان بالجواب الحقيقي، وأما إذا حذف الجواب ودل عليه كما هنا فمختص بالشعر ونحو هذا مما في الشعر ما أنشد سيبويه من قول الشاعر:
*والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب*
ويعني الناظم أن "أل" هذه التي في الاسم الغالب- ودل على أنه أرادها الإشارة بأداة العرب- تحذف إذا ناديت ذلك الاسم أو أضفته حذفا واجبا، فلا يجوز بقاؤها مع واحد منهما فلا تقول: يا الأعشى ولا يا الأخطل، وإنما تقول: يا أعشى ويا أخطل.
وفي الحديث: "إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان". وأنشد سيبويه:
يا زبرقان أخا بني خلف
…
ما أنت ويب أبيك والفخر
وأنشد لجرير بن عبد الله البجلي:
*يا أقرع بن حابس يا أقرع*
ووجه ذلك أنه لا يجوز الجمع بين حرف النداء والألف واللام وسيأتي بيان ذلك في باب النداء إن شاء الله حيث تعرض له الناظم/، وكذلك لا يجوز أن تقول: يا الأخطل القوم ولا يا الأعشى همدان، وإنما تقول: أخطل القوم وأعشى همدان ونابغة بني ذبيان وأعشى قيس.
أنشد سيبويه- للنابغة الجعدي: -
ألا أبلغ بني خلف رسولا
…
أحقا أن أخطلكم هجاني
وأنشد ابن جني:
ولو بلغت عوا السماء قبيلة
…
لزادت عليها نهشل وتعلت
ووجه هذا أيضا أنه لا يصح الجمع بين الألف واللام والإضافة في غير باب الحسن الوجه وما أشبهه وسيأتي ذلك في بابه إن شاء الله.
فإن قيل: يرد على هذا الحكم سؤالان.
أحدهما: أنه أوجب حذف "أل" في هذين الموضعين فلا يجوز عنده غير ذلك فيهما، أما في الإضافة فذلك ظاهر، وأما في النداء فلم يجب، ولهم في نداء ما فيه الألف واللام ثلاثة أوجه:
أحدها: حذفها كما ذكر.
والثاني: التوصل بأي نحو: يأيها الرجل.
والثالث: اسم الإشارة نحو: يا هذا الرجل، وهذا مما فيه الألف واللام فلقائل أن يقول: قد تجوز هذه الأوجه الثلاثة هنا، والثاني أن هذا الحكم إن كان ضروري الذكر هنا، فكذلك ما تقدم مما فيه الألف واللام زائدة أو غيرها فكان حقه أن يذكر حكمها مع النداء والإضافة وإن لم يكن ضروريا، وإنما باب ذلك باب النداء، وباب الإضافة، فكان من حقه أن يدع ذكره إلى أبوابه، لكنه لم يفعل، بل خص الألف واللام الغالبة بالذكر هنا، فما وجه ما فعل من ذلك؟
فالجواب عن الأول: أن من شرط الألف واللام التي يتوصل بأي أو بهذا إلى نداء ما هي فيه أن تكون جنسية نحو: يأيها الرجل ويأيها الناس، وكذلك يا هذا الإنسان ويا هذا الرجل والألف واللام في النابغة والصعق ونحوهما ليست كذلك، فلا يصح إذا نداؤها بأي ولا بهذا، فلم يبق إلا ما ذكره الناظم من حذفها، فهو إذ ذاك واجب لا يصح العدول عنه إلى غيره، وعن الثاني أن مراده هنا بيان لزوم الألف واللام في ذي الغلبة، لا بيان حذفها مع النداء والإضافة، بل معنى كلامه أن الألف واللام لا تحذف من ذي الغلبة إلا لعارض يلزم معه حذفها أو في قليل من الكلام فبين العارض ما هو حتى يظهر أين يلزم إثباتها، ودل على ذلك قوله بعد:(وفي غيرهما قد تنحذف) أي: قليل، ولزم من ذلك أن القياس والكثير في كلام العرب ألا تنحذف، بل تثبت مطلقا، فأما ما تقدم من أنواع الألف واللام فغير محتاجة إلى هذا النوع من التنبيه، فالزائدة لا تحذف البتة، إما لأنها لا تقبل النداء ولا الإضافة كالآن، أو لا تقبل أحدهما كالذين واللاتي، وهي لا تقبل
أيضاً الحذف في النداء لصلاحية أي معها كقوله تعالى: {وقالوا يأيها الذي نزل عليه الذكر} . وإما لندوره فلم يعتد بما يمكن فيه على قلة من الإضافة كاللات، وأما التي للمح الأصل. فقد قال فيها:(فذكر ذا وحذفه سيان) فصارت في عدا المعرفة، فلم يحتج إلى ذكر فيها (إلا في بابه)
فإن قيل: فقد نقصه موضع ثالث يجب فيه حذف الألف واللام وهو قياس، وذلك مع "لا" التي لنفي الجنس كما تقول: لا سماك الليلة طالع ولا نابغة بعد نابغة بني ذبيان، وقد قالت العرب- أنشده سيبويه: -
*لا هيثم الليلة للمطي*
وقال الآخر:
*إن لنا عزى ولا عزى لكم*
وما أشبه/ ذلك، وهو لم يذكره فاقتضى أن الألف واللام لا تحذف مع لا إلا قليلا لقوله بعد ذكر الموضعين (وفي غيرهما قد تنحذف) وليس ذلك بصحيح، بل الحذف معها واجب وجوبه مع يا والإضافة.
فالجواب: أن ما جاء من دخول "لا" على العلم قليل وغير مقيس.
ألا ترى أنه اشترط في اسم "لا" أن يكون نكرة، أعني عند بنائه معها حيث قال:(عمل إن اجعل للا في نكره). فلم يحكم بدخولها وعملها في معرفة، فعلى ذلك بني هاهنا.
فالحاصل أنه لم يذكر حكم الألف واللام هنا مع النداء والإضافة سدى، وأنه إنما خصها بذكر هذا الحكم ليرى لزوم الألف واللام في غير هذين الموضعين، وعلى هذا المعنى نبه في "التسهيل" بقوله: ويلزم ذا الغلبة باقيا على حاله ما عرف به قبل دائما إن كان مضافا وغالبا إن كان ذا أداة، فأشار بقوله: باقيا على حاله إلى التحرز مما يعرض له من زوال اختصاصه بقصد تنكيره. أو ندائه.
وقوله: (وفي غيرهما قد تنحذف)"قد": المراد به التقليل هنا، وعلى هذا المعنى يستعملها الناظم في كتبه وذلك ثابت (فيما) أنشد سيبويه للهذلي:
قد أترك القرن مصفرا أنامله
…
كأن أثوابه مجت بفرصاد
فقد هنا بمعنى ربما وضمير "غيرهما" عائد على النداء، والإضافة
المفهومين من قوله: (إن تنادي أو تضف) وذلك جائز كقوله تعالى: {وإن تشكروا يرضه لكم} ، أي يرضي الشكر لكم، وضمير "تنحذف" عائد على "أل" يعني أن حذف الألف واللام هذه التي للغلبة قد يأتي حذفها فيما عدا النداء والإضافة لكن قليلا ومثال ذلك ما حكى سيبويه من قولهم:"هذا يوم اثنين مباركا فيه".
وحكى ابن الأعرابي أن من العرب من يقول: هذا عيوق طالعا، وزعم أن ذلك جائز في سائر النجوم، ولعل ذلك بالسماع وإلا فالظاهر من الناظم أنه سماع، ولما بين أن الحذف قليل (هنا) دل على أن الإثبات هو الباب الشهير فيها والقياس المستتب وهو كما ذكر.
وهنا فرغ من بيان أقسام المعارف وبقى له قسم المضاف لم يتكلم عليه هنا فأخره إلى الموضع الأليق به، وعند ذلك تم له ما قصد من ذكر أحكام المفرد التي يجب تقديمها قبل الخوض في أحكام المركب.
***