الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل لو)
لو حرف شرط في مضى ويقل
…
إيلاؤها مستقبلا لكن قبل.
وهي في الاختصاص بالفعل كإن
…
لكن لو أن بها قد تقترن.
وإن مضارع تلاها صرفا
…
إلى المضي نحو لويفي كفى.
ذكر في هذا الفصل وما بعده بعض أدوات تتعلق بباب الشرط، وبعض أدوات لا تتعلق به.
أما ما يتعلق بباب الشروط ف (لو) وهي التي ابتدأ بها، و (أما) و (لولا) و (لوما) لأنهما في معنى الشرط مثل (لو) وقد يقعان تحضيضا. وذكرها في هذا الموضع واضح التناسب.
وأما ملا تعلق بباب الشرط فحروف التحضيض. لكن ذكرها هنا لوجهين:
أحدهما: أنه لما ذكر ما يشترك في البابين، وهو (لولا) و (لوما) فإنهما يقعان في باب الشرط وفي باب التحضيض أدرج ذكر سائر أدوات التحضيض بالانجرار، لمشاركه (لولا) و (لوما) في ذلك.
والآخر: أن أدوات التحضيض لم يكن لها باب تختص به، فذكرها في آخر هذا الباب فصلا على حده، إذ لا بد من ذكرها، وشركها مع أدوات مثلها
مطلقا من غير اعتبار معنى.
ولنرجع إلى كلامه فنقول تقع (لو) على وجهين في الكلام:
أحدهما: ان تكون مصدريه كأن، وأن، وكي، ومنه قوله تعالى:"ودوا لو تدهن فيدهنون".
وقوله "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة".
ولم يتعرض الناظم في هذا النظم على ذكر أحكام الموصولات الحرفية أصلا، وذكر أحكامها من حيث هي موصولات، بل إنما ذكرها من حيث تعلقها بأبواب أخر، كالعمل ونحوه، فلذلك سكت عن ذكر هذا الوجه.
والثاني: أن تكون شرطيه، وهي التي تعرض لها الآن فقال:(لو حرف شرط) ومعنى كونها حرف شرط أنها تقتضي جملتين: الأولى منهما مستلزم للثانية فالأولى شرط، والثانية جواب ذلك الشرط.
فإذا قلت: لو قام زيد لقام عمرو، فأنت قد أتيت ب (لو) لتجعل قيام زيد يلزم من وجوده قيام عمرو. فالجملة الأولى كجملة الشرط في (إن) والثانية كجملة الجواب، من حيث كانت كل واحده من الجملتين الأوليين سببا في كل واحده من الأخريين.
لكن الأحكام مختلفة، فمن الاختلاف بينهما أن (لو) إنما تكون حرف شرط في المضي لا في الاستقبال / ولذلك قال الناظم:"حرف شرط في مضي" أي إنها مخالفة لأدوات الشرط في ذلك، فإنك إذا قلت:
لو قام زيد لقام عمرو فالمراد أن قيام زيد لو كان واقعا فيما مضى لكان قيام عمرو، فالمراد أن قيام زيد لو كان واقعا فيما مضى لكان قيام عمر، واقعا أيضا لوقوعه فيما مضى، بخلاف ما إذا قلت: إن قام زيد قام عمرو، فإن معناه إن يكن من زيد قيام فيما يستقبل يكن من عمرو قيام أيضا بسببه.
وقد تضمن قوله: "في مضي" أت الفعل الواقع بعدها، جوابا أو شرطا، إنما يكون ماضيا صيغة، كما يكون ماضيا معنى، وقد اشعر بهذا أيضا قوله:"ويقل: إيلاؤها مستقبلا".
ومن ذلك قوله تعالى: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" وقوله: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه". وهو كثير. وهذا هو الباب الأغلب في الاستعمال.
ثم قال: "ويقل إيلاؤها مستقبلا" يعني أن الباب فيها أن الفعل لا يقع بعدها إلا ماضيا، لكنه قد يقع بعدها المستقبل قليلا، وأراد بالمستقبل هنا المستقبل الزمان، سواء كان ماضيا أو مضارعا، فيجوز عنده أن يقال: لو قام زيد لقام عمرو، بمعنى لو يقوم زيد فينا يستقبل لقام عمرو. ومن ذلك قوله تعالى: } فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به}. ولذلك يقدر بعض الناس (لو) بإن) كأنه قال: وإن افتدى به لم يقبل منه. وقال تعالى: } وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم}.
وقال الشاعر:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت
…
على ودوني جندل وصفائح.
لسلمت تسليم البشاشة أوزقا
…
إليها صدى من جانب القبر صائح.
فالمعنى في الآية: وليخش الذين إن تركوا، وكذلك البيت. وهذا قليل في الكلام، ولكنه مقبول كما قال الناظم:"لكن قبل" وإشارته بقوله: "قبل" إلى أن السماع به ثابت لا يقبل التأويل إلا بتكلف، والحمل على الظاهر هو الواجب حتى يدل دليل على خلافه، فالشواهد المتقدمة لا مدفع فيها.
وهو تنكيت على من يجعل (لو) مختصة بالمضي أبدا، وأنها لا يقع بعدها المستقبل، ويتأول ما جاء من ذلك رادا على من ذهب إلى الجواز، وهم طائفة من النحويين، ومنهم الفراء على ما حكاه عنه الزمخشري في "المفصل"، والظاهر ما قاله الناظم، وإليه ذهب في "التسهيل" أيضا.
ولما كان ما جاء من الشواهد على ذلك مقبولا دل على كونه قياسا، وإن كان وقوع الماضي بعد (لو) هو الأكثر.
ثم قال: "وهي في الاختصاص/ بالفعل كإن" إلى آخره.
يعني أن (لو) حكمها في وقوع الفعل بعدها حكم (إن) يقع الفعل بعدها لزوما، فكذلك (لو) فكما لا يجوز أن تقول: إن زيد قائم أكرمتك، كذلك لا تقول: لو زيد قائم لقام عمرو، بل لا بد من ولاية الفعل، إلا ما شذ نحو قول عدي بن زيد:
لو يغير الماء خلقي شرق
…
كنت كالغصان بالماء اعتصاري.
لكن لا تلزم ولاية الفعل ل (لو) في اللفظ، كما لا يلزم ذلك في (إن) فكما تقول: إن زيد قام أكرمته، فكذلك تقول: لو زيد قام لأكرمته، قال الله تعالى: } قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي} الآية، فهو على تقدير فعل يفسره قوله "تملكون" أي لو تملكون خزائن رحمة ربي، كما كنت فاعلا ذلك، بنحو قولك} إن امرؤ هلك} الآية وقوله: } وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} الآية.
ومن ذلك في (لو) قول بعض العرب: "لو ذات سوار لطمتني" وكذلك تقول: ألا ماء ولو باردا، على تقدير (كان) كما تقول: إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فهي في هذه الأحكام مثل (إن) فلذلك أحال في اختصاصها بالفعل على (إن) إلا أن (لو) تختص عنده بحكم زائد على (إن) وذلك صحة وقوع (أن) المفتوحة الهمزة المشددة بعدها، وذلك قوله مستدركا ذلك الحكم:"لكن لو بها قد تقترن".
أراد: لكن (لو) قد تقترن بها (أن) ف (أن) مبتدأ خبره ما بعده، والجملة خبر "لكن".
يعني: قد تأتي بعدها تليها، بخلاف (إن) فإن ذلك لا يكون فيها، وذلك قولك: لو أن زيدا جاءني لأكرمته، ولو أنه كلمني لأحسنت إليه، ومنه قوله تعالى: } ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به}. الآية.
} ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة}، } ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا}، الآية، وهو كثير.
ووقعت "قد" هنا في قوله: "قد تقترن" في غير موضعها، لأنها تستعمل للتقليل، وليس وقوع (أن) بعد (لو) بقليل، بل هو كثير، فكان حقه ألا يأتي بها
وفي قوله: "لكن لو أن بها قد تقترن" إشارة إلى أنها في وقوع (أن) بعدها على غير حكمها لو لم تقع بعدها، لأنها قبل وقوع (أن) بعدها مختصة بالفعل كما قال، فلو كانت إذا وقعت (أن) بعدها على ذلك الحكم بحيث يقدر لها فعل يعمل فيها يكون واليا ل (لو) في التقدير، لم يحتج إلى هذا الاستدراك، فلا بد أن يكون الحكم عنده مخالفا، وما ذاك إلا أن (أن) وما بعدها في تقدير اسم مبتدأ محذوف الخبر] وإن كان لا يتكلم به [كأنك إذا قلت:(لو أنك قائم) لو قيامك موجود، فصارت ك (لولا) في وقع المبتدأ/ بعدها محذوف الخبر، وإن كان لا يتكلم به، وب (لولا) شبهها سيبويه. وهذا الذي ذهب إليه الناظم هنا من أن (أن) وما بعدها في تقدير مبتدأ هو مذهب سيبويه والجمهور.
وذهب المبرد إلى اطراد وقوع الفعل بعدها، فجعل (أن) وما بعدها في موضع اسم مرفوع على الفاعلية بفعل مضمر، كما كان ذلك حين وقع بعدها الاسم في نحو قوله تعالى: } قل لو أنتم تملكون}. الآية.
ورأى أن اطراد الحمل على الفعل بعد (لو) أولى من الاختلاف.
وقال ابن خروف: والأولى أن يكون على إضمار (كان) الشأنية، وتكون جملة الابتداء أو الخبر مفسرة، قال: ويجوز أن تكون الجملة
الاسمية وقعت موقع الفعلية.
وذهب أبو الحسن في "المسائل الصغير" إلى أن (أن) بعد (لو) زائدة، وكرر الاسم للتوكيد، كما كرر في قولهم: ضربت القوم بعضهم، وأعمل (أن) وإن ككانت زائدة، كما أعملت الحروف الزائدة، واحتج له الفارسي في "التذكرة".
وما ذهب إليه الناظم هو الأظهر، لأن الإضمار على خلاف الأصل، وقد يكون الشيء في موضع على حال، فيخالف به في آخر عن تلك الحال إلى حال أخرى، كما نصبوا (غدوة) مع (لدن) فقالوا:
لدن غدوة حتى دنت لغروب.
ولا ينصبون بعد (لدن) إلا (غدوة) وكما قالوا: اذهب بذي تسلم، فأضافوا إلى الفعل والمراد الاسم، لكنهم لا يستعملون مع (ذي) إلا الفعل، ولهذا نظائر، ف (أن) بعد (لو) من هذا القبيل.
وأيضا فإن (أن) مشبهة بالفعل، ولذلك عملت عمله، وهو الرفع والنصب، وحملت في ذلك على (لولا) لأنها أختها من جهة المعنى.
وأيضا فالحمل على الظاهر، وإن أمكن أن يكون المراد غيره أصل من أصول العربية، وهو معتمد عند الناظم، وسيبويه يقول به مواضع، ألا ترى كيف جعل (سيدا) من ذوات الياء، مع إمكان جعله من ذوات الواو بالاشتقاق من قولهم: ساد يسود، ولكنه آثر الظاهر، وكذلك دعوى الزيادة على خلاف الظاهر.
وفي إطلاق الناظم القول في المسألة إشكال ما، وذلك أن غيره يشترط في وقوع (أن) بعد (لو) أن يكون خبرها فعلا، وذلك ليكون عوضا من ظهور الفعل بعد (لو) وعلى هذا كلام العرب كقوله تعالى: } ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا} الآية. وقال: } ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك} الآية.} ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة} /} ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} الآية. وهو من الكثرة بحيث لا يحصى، فلا بد من اشتراطه، إذ لا يجوز أن يقال: لو أن زيدا حاضري لأكرمته. وإطلاق النظم يقتضي الجواز، لأنه لم يقيد (أن) بأن يكون خبرها فعلا.
والجواب: أن ذلك غير مشترط، وإنما اشترطه السيرافي.
قال ابن الضائع: وجرى منه على غلط، يعني من السيرافي، وتبعه عليه الزمخشري في"المفصل" ورده ابن الضائع وابن مالك بأن وقوع خبر (أن) غير فعل شائع في كلام العرب، كقوله تعالى: } ولو أنما في
الأرض من شجرة أقلام} الآية. ومنه قول الشاعر:
لو أن حيا مدرك النجاح
…
أدركه ملاعب الرماح.
وقال الآخر:
ولو أن ما أبقيت مني معلق
…
بعود ثمام ما تأود عودها.
أنشدهما المؤلف على ما حكاه عنه ابنه في "التكملة" وأنشد أيضا غير هذين، وأنشد النحويون للفرزدق:
على حالة لو أن في القوم حاتما
…
على جوده لضن بالماء حاتم.
والظاهر أن ذلك لا يلزم، بل يقع خبر (أن) فعلا واسما، وإن كان وقوع الفعل أكثر.
ثم قال: "وإن مضارع تلاها صرفا إلى المضي" يعني أن المضارع إذا تلاها، أي وقع بعدها، فإنه ينصرف بوقوعه بعدها إلى المضي، فيصير في ذلك مثل (لم) و (لما) و (ربما) فتقول: لو يقوم زيد لأكرمته، ومنه قوله تعالى: } ولو ترى إذ وقفوا على النار} الآية.} ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب}.} ولو ترى إذ وقفوا على ربهم}} لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون}} وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}.
فالمضارع في هذه الآيات وأشباهها مصروف إلى الماضي، وكذلك في قول الشاعر.
لو يسمعون كما سمعت كلامها
…
خروا لعزة ركعا وسجودا.
ومنه قوله: "لو يفي كفى" أي لو وفي لنا بعهده كفى مؤنة التعب أو الطلب أو نحو ذلك.
وفي هذا الإطلاق شيء، وذلك أن الناظم قد ذكر أولا أن الأكثر أن يقع بعدها الماضي، وقد يقع بعدها المستقبل قليلا، وفي كلا الحالتين لا يمتنع أن يقع بعدها المضارع وغيره، وإذا كان كذلك فإذا أريد بما بعدها الاستقبال فقد يكون ما بعدها ماضي الصيغة كقوله:
*ولو أن ليلى الأخيلية سلمت*
وقد يكون مضارعا نحو ما أنشده المؤلف من قوله الشاعر:
لا يلفك الراجيك إلا مظهرا
…
خلق الكرام ولو تكون عديما.
وإذا كان/ الأمر في (لو) على هذا فلا يصح إطلاق القول بأن المضارع إذا وقع بعدها يصرف إلى الماضي إلا بأن يدعى أن المضارع لا يقع بعدها بمعنى الاستقبال أصلا، وذلك شيء لم يثبت في كلام العرب. ولهذا قال المؤلف في "التسهيل" حين ذكر مخلصات المضارع إلى الماضي: ولو الشرطية غالبا، فقيد بالغلبة تنبيها على أن ذلك غير لازم فيها.
فما فعله الناظم فيه ما ترى، إلا أن يقال: إنه لم يعتبر ما جاء من ذلك، إذ هو قليل في قليل، وهو وقوع الفعل بعدها مستقبلا، فلذلك ترك ذكره.
ولم يتعرض هنا في (لو) إلى حكم جوابها، وعلى أي وجه، وليس في مثاله ما يشعر بذلك، لأنه لو قصد ذلك لأتى باللام، لأن الفعل المثبت إذا وقع جوابا لها لحقته اللام غالبا، وإن كان مضارعا فإنما يقع مقرونا ب (لم) الجازمة، أو ماض منفي ب (ما) وما عدا هذا فنادر، وليس للناظم في هذا كلام، وهو إخلال بالمسألة، إذ لا يعرف من كلامه كيف جوابها، فلو قال مثلا.
تجاب بالماضي بلام أو بما
…
أو بالمضارع بلم قد جزما.
لكفى في هذا الحكم، لأن الغالب على جوابها هذا.