المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

}‌ ‌ الحكاية} /إحك بأي ما لمنكور سئل … عنه بها في - شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية - جـ ٦

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: }‌ ‌ الحكاية} /إحك بأي ما لمنكور سئل … عنه بها في

}‌

‌ الحكاية}

/إحك بأي ما لمنكور سئل

عنه بها في الوقف أو حين تصل

الحكاية في اصطلاح النحويين: أن تنطق بمثل ما نطق به المتكلم، أو ببعضه، أو بما يؤدي إعرابه، إشعارًا تتعلق ما بين الكلامين.

فإذا قلت: قال زيد: عمرو منطلق، فأنت قد أتيت بمثل كلامه لتعلم أن ما نطقت به هو عين ما نطق به. وكذلك إذا نطقت ببعضه.

والحكاية على ثلاثة أقسام:

حكاية الكلام كله، وهذا هو المحكي بالقول، والمحكي في باب "التسمية بالجمل" وما أشبهها، نحو قلت: عمرو منطلق، ونحو: تأبط شرًا، وبرق نحره المسمي به.

وهذا القسم لم يتعرض له الناظم في هذا النظم أصلاً، ولا أشعر بحكم من أحكامه إلا بالانجرار، فحيث تكلم على كسر (إن) وفتحها قال هنالك:"أو حكيت بالقول" وحيث تكلم على (العلم) وأقسامه قال: "وجملة وما بمزج ركبا" وفصل "حكاية القول" وفصل "التسمية" مما أهمله، كما أهمل من باب الضمائر "الفصل" وغير ذلك.

ص: 321

والثاني: حكاية بعض الكلام.

والثالث: حكاية مثل الإعراب الحاصل في بعض الكلام وهذان الفصلان هما اللذان تكلم عليهما هنا.

وابتدأ بالثالث، وهو حكاية مثل الإعراب فقط، وذلك بـ (أي) وبـ (من) إذا قصد بهما حكاية النكرات، فإن قصد بهما حكاية المعارف الذي يذكر في القسم الآتي بعد هذا إن شاء الله.

وكان الأصل في حكاية النكرات بـ (أي) أو (من) أن تذكر معهما المحكيات، كما تذكر المعارف، لأنه هو المقصود بالحكاية، لكن إنما يحكى في الاستعمال بالأداتين خاصة، وذلك قوله في (أي):"احك بأي مالمنكور" وكذلك قال في (من) وسبب ذلك أنه إذا قيل لك: جاءني رجل، فأردت أن تعيد لفظ "الرجل" فإما أن تعيده معرفة أو نكرة على ما كان، فإن أعدته نكرة، وهو القياس في الحكاية، لم يستقم، لأن النكرة إذا أعيدت بلفظها لم يفهم منها أن مدلولها هو الأول.

(ألا ترى أنك إذا قلت: أكرمت رجلاً وضربت رجلاً، لم يفهم أن الثاني هو الأول) ولهذا أخذ كثير من الناس "إن لكل عسر يسرين" من قوله تعالى: } فإن مع العسر يسرًا. إن مع العسر يسرًا}. لأنه لو أراد اليسر الأول لقال: إن مع العسر اليسر، كما قال تعالى: } كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً. فعصى فرعون الرسول}.

ص: 322

وإن أعدت الرجل المقصود/ حكايته بالألف واللام، وهو القياس، لم تجز حكايته، لأن لم يعد بلفظه، فانصرفوا عن هذا إلى حكاية إعرابه خاصة، وذلك بـ (أي) و (من).

وشرع في الحكاية بـ (أي) فقال: (احك بأي مالنكور سئل عنه بها)

"ما" واقعة على الإعراب وغيره، من الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، ونحو ذلك وهي الأحوال الحاصلة في النكرة المحكية، يعني أنك تحكي بلفظ (أي) ما استقر للاسم النكرة إذا أريد السؤال عنه بها، وذلك أن الحكاية إنما تقع بـ (أي) أو (من) إذا سئل عنه بإحدى الأداتين، فتقول لمن قال:(رأيت رجلاً): أيًا، ولمن قال:(جاءني رجل): أي، ولمن قال:(مررت برجل): أي. فسألت عن تعيينه بـ (أي) وقوله: "في الوقف أو حين تصل" يعني يعني أن الحكاية بـ (أي) لا تختص بالوقف، كما تختص به (من) كما سيأتي إن شاء الله، بل يجوز لك إذا وصلت أن تقول في (جاءني رجال): أي يا هذا؟ وفي (مررت برجل): أي يا فتى؟ وفي (رأيت رجلاً): أيًا يا فتى؟

وكذلك إذا وقفت، فتقول في حكاية المنصوب: أيًّا؟ واقفًا على الألف. وفي حكاية المرفوع والمجرور: أي، بالإسكان أو الإشمام أو غيره. هذه حكاية المفرد المذكر.

فإن حكيت المفرد المؤنث قلت في الوصل إذا قلت لك: (رأيت امرأة): أية يا فتى؟ أو قيل لك: (هذه امرأة): أية يا فتى، وفي الجر: أية يا هذا. وتقول في الوقف: أيه، بإبدال التاء هاء.

وفي التثنية: (أيان)؟ في الرفع و (أيين)؟ وفي الجمع: (أيون؟ )

ص: 323

و (أيين؟ ) في المذكر، و (أيات)؟ في المؤنث. هذا الذي أعطى كلامه، وهي اللغة الشهرى. وفيها لغة ثانية، وهي إبقاء (أي) في المؤنث والجمع على حالها في الإفراد.

قال المبرد: ولو أفردت (أيًا) في الاثنين والجمع، وذكرته في المؤنث لجاز. و (أي) إذا حكي بها باقية على أصلها من الإعراب، فلذلك إذا حكيت بها المفرد عاملتها معاملة اسم منون، فلا تلحق آخرها شيئا زائدا، بخلاف (من) فإنك تلحق المدات علامة على الإعراب.

وكذلك تثني (أيا) وتجمعها كالجمع الحقيقي، بخلاف (من) فإنها مبنية، فما لحق آخرها من علامة فهو دليل على حالة المحكى، من تثنية وغيرها، لا أنه يثنى أو يجمع حقيقة، إذ من شرط ذلك الإعراب كما تقدم ذكره.

وقوله/: "في الوقف أو حين تصل" يعني أن الحكاية بـ (أي) هنا مطلقة في الوصل والوقف، وإنما كان كذلك لأن (أيا) كزيد وعمرو في دخول التنوين، فكان حكمه في الوصل والوقف كحكم زيد، بخلاف (من) فإنها في الوصل مبنية على السكون، فليس لها ما يلحقها، من إعراب، ولا علامة تثنية ولا جمع، لأنها غير مستحقة لذلك، فألحقوها العلامات في الوقف، إذ لم تقو قوة (أي) في الحكم.

ثم أخذ الناظم يذكر حكم (من) مع النكرات فقال:

ص: 324

ووقفًا احك ما لمنكور بمن

والنون حرك مطلقًا واشبعن

وقل منان ومنين بعدلي

إلفان كابنين وسكن تعدل

وقل لمن قال أتت بنت منه

والنون قبل تا المثنى مسكنه

والفتح نزر وثل التا والألف

بمن بإثرذا بنسوة كلف

وقل منون ومنين مسكنا

إن قيل جا قوم لقوم فطنا

وإن تصل فلفظ من لا يختلف

ونادر منون في نظم عرف

لما كانت (أي) معربًة، تصلح لوجوه الإعراب، وصفة تصلح عى الجملة للتثنية، والجمع، والتأنيث، لم يحتج الناظم إلى تفصيل ذلك كله، بل قال: احك بها مالمنكور، واكتفى بذلك، علمًا بأنها تقبل تلك الأحكام كسائر المعربات.

وأما (من) فإنها مبنية، لا تصلح للحاق إعراب، ولا تثنية، ولا جمع، ولا تأنيث.

والحكاية بها لابد فيها من لحاق علامات تؤدي تلك الأحوال اللاحقة للمحكي ضرورة، فاحتاج إلى ذكرها وتفصيلها، إذ لا تنضم إلى عقد، حتى تعد بأشخاصها.

ثم إن (من) لها حالان: حال وصل، وحال وقف، لأنها الحال التي تكون فيها الحكاية، فقال:"ووقفًا احك مالمنكور بمن".

ص: 325

يعني أن النكرة يحكى مالها من حال إعراب، وإفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث، بلفظ (من) في الوقف، أي إذا وقف، أي إذا وقفت على (من).

لكن إذا حكيت بها فللمحكي بها ست أحوال:

الحالة الأولى: حالة الإفراد والتذكير، وهي التي ابتدأ بها فقال:"والنون حرك مطلقًا وأشبعن".

والذي دل على أن مراده الإفراد أنه أتى/ بعد ذلك بالتثنية والجمع. والذي دل على أن مراده التذكير إتيانه بعد ذلك بالتأنيث.

وقد تقدم أن المحكى لا يذكر معها، فذكر هنا أن النون من (من) تحرك للقا، يعني بالحركات الثلاث: الضمة، والفتحة، والكسرة، لا يقتصر بها على حركة دون حركة، وتشبع بعد ذلك الحركات، فيتولد منها الأحرف الثلاثة: الألف، والواو، والياء، فمن الفتحة الألف، ومن الضمة الواو، ومن الكسر الياء.

وهذا كله حكاية الأحوال الثلاثة التي للمنكر المحكى، وهي الرفع والنصب والجر، فتقول إذا حكيت (جاءني رجل): منو؟ ، أو (رأيت رجلاً): منا؟ أو (مررت برجل) مني؟ :

هذا هو الأعرف في كلام العرب، وما حكى سيبويه عن يونس: أنه سمع من بعض العرب: ضرب من منًا؟ فجعل (من) كـ (أي) يحكي بها في الوصل - نادر يحفظ، واستبعده سيبويه، وقال: لا تكلم به العرب، ولا يستعمله ناس كثير. ثم أجرى (منون أنتم؟ ) على هذا.

ص: 326

قال: وينبغي لهذا ألا يقول: منو، في الوقف، ولكن يجعله كأي، يعني معربا.

ولما كان هذا شاذًا لم يبن عليه الناظم. وهذا الذي ذكر في إلحاق الحركات ثم الحروف هو مذهب السيرافي، إذ قال: إن الحركات لحقت بيانًا لإعراب المحكى، ثم أشبعوا، فهذه الحروف، كحروف الإطلاق، تبع للحركات، من السكون.

وحكي عن المبرد عكس هذه القضية، وأنهم إنما أرادوا أولاً الحروف، ثم أتبعوها زيادة الحركات، فالحروف هي التي أحرزت لفظ الأول.

وصوب ابن خروف ما ذهب إليه المبرد، ولم يذكر للتصويب وجهًا.

ومذهب السيرافي هو ظاهر كلام المؤلف في "التسهيل" على موافقة النظم، فعلى رأي الناظم تكون الألف والياء من المدات المجهولة، التي تعينها الحركات التي قبلها، وجملة المدات عشرة.

ثم ذكر ما قال ابن خروف في "باب الندبة" وما ذكر ابن عبيدة في إعراب المثنى والمجموع، ثم قال: وعلى رأي غير الناظم يكون الأمر في

ص: 327

الأحرف بخلاف ذلك قال ابن الضائع: والأمر في ذلك قريب.

الحالة الثانية: حالة التثنية والتذكير، وذلك قوله:"وقل منان ومنين بعدلي إلفان كابنين".

يعني أنك إذا حكيت ما للمثنى ألحقت علامتين كعلامتي المثنى، فتقول لمن قال:(لي إلفان) /: منان؟ ولمن قال: (رأيت ابنين) أو (مررت بابنين): منين؟ إلا أن النونين مسكنتان، لأنهما في الوقف، ولا يكون الوقف على حركة.

وإنما نبه على هذا بقوله: "وسكن تعدل" لأنه أتى بهما في النظم، أعنى بالنونين في (منان ومنين) محركتين، إذ لم يمكنه أن يسكنهما لئلا بجتمع ساكنان في الشعر في غير قافية، وذلك لا يجوز، ولم يأت من ذلك شيء في الرجز ولا في غيره، إلا ما جاء في عروض من أعاريض "المتقارب" وهو قوله:

رمنا قصاصًا وكان التقاص

فرضًا وحتمًا على المسلمينا

وهو فيه مختص بالعروض أيضا، فلذلك احتاج إلى قوله:"وسكن تعدل" أي سكن النون التي حركتها اضطرارًا

تصب العدل في كلام العرب، لأن وضعها على السكون، إذ هي مبنية لا معربة، فليس الألف والواو والياء بإعراب فيها، لثبات موجب البناء، ولو كان إعرابًا لكان الدرج أولى أن يثبت فيه، ولكنه من تغيير

ص: 328

الوقف، وغير على هذا النحو لتكون فيه دلالة على المسئول عنه.

وقد نبه تمثيله بقوله: "لي الفان" على كيفية الحكاية على الجملة كما تقدم، وإنما أتى بالمثالين، ولم يقصد حكم الاجتماع في الحكاية، فإنه لو قصد ذلك لكان (من) الأول غير لاحق به علامة، لكونها تنافى الوصل، وذلك أنه إذا اجتمع في الكلام الأول اسمان، فأردت أن تسأل عنهما وتحكيهما - فإما أن يختلف إعرابهما أولاً، فإن اختلف أتيت لكل واحد بأداة تحكيه بها، فتقول في (لي إلفان كابنين): من ومنين؟ فتركت العلامة في الأول لأنه غير موقوف عليه، فلا تلحقه العلامة، كما سيأتي في كلامه إن شاء الله.

فإن عكست فقلت: لي كابنين إلفان - قلت: من ومنان؟ وكذلك في الإفراد، تقول في (ضرب رجل، وضربت رجلاً) من؟ وفي (ضربت رجلاً، وجاءني رجل): من ومنو؟ . وعلى هذا السبيل في الأحوال كلها، ولا يجوز أن تثنى أو تجمع مع اختلاف الإعراب، لبطلان الحكاية.

وإن اتفق إعرابهما نحو: (جاءني رجل وامرأة) قلت: من، ومنو؟ على سبيل ما تقدم، وكذلك في التثنية والجمع، وكذلك إذا قلت:(رأيت امرأةً ورجلاً) قلت: من، ومنا؟ على ما تقدم.

/ وقال ابن خروف: ينبغي ألا يجوز هنا (منين) لأنهم كانوا يجيزون بـ (من) من حيث كان أحدهما موصولا، وقد ذهبت منه العلامة.

ويتركب هنا سائل في الحكاية بـ (من) و (أي)، لا حاجة إلى نقلها من حيث قصد الشرح.

الحالة الثالثة: حالة الإفراد والتأنيث، وذلك قوله: "وقل لمن قال

ص: 329

أتت بنت منه".

يعني أن حكاية المفرد المؤنث بـ (من) أن تلحق (من) تاءً، وتبدلها هاءً للوقف، ويكون ما قبلها مفتوحا، لأن تاء التأنيث التي شأنها أن تبدل هاء لابد من فتح ما قبلها، فتقول لمن قال لك:(أتت بنت): منه؟ على وزن (سنه) وكذلك إذا قلت: (رأيت بنتًا) تقول: منه؟ أو (مررت ببنت) تقول: منه؟

ولم ينبه هنا على اختلاف في آخر (منه) بحسب اختلاف إعراب المحكى، إعلامًا بأن الحكم لا يختلف في التأنيث مع الإفراد، فإنها إذ ذاك تشبه (أية) في الحكاية بـ (أي).

ولم يحتج إلى التنبيه على إسكان الهاء، لأنها كذلك وقعت في النظم، والحال حال وقف، فاستغنى عن ذكر ذلك.

ولما كانت (أية) لا تختلف بحسب اختلاف الإعراب في المفرد أجروا (منه) مجراها حين أشبهتها، ولما كانت (منه) على هذا السبيل قاسها يونس على (أية) مطلقا، فأجاز الحكاية بها في الوصل والوقف، فتقول في (جاءتني امرأة): منه يا هذا؟ وفي (رأيت امرأًة): منًة يا فتى؟ وفي (مررت بامرأة): منة يا هذا؟ بتحريك النون قبل التاء، على شاكلة (أية) من كل وجه، فتكون عنده معربة.

وهذا لم يرتضه الناظم، فلذلك جعل الحكاية بها في الوقف خاصة، وهو رأى سيبويه،

ولم يرتض مذهب شيخه يونس، قال: وإنما يجوز هذا على قول شاعر

ص: 330

قاله مرةً، ثم لم يسمع بعد، وأنشد:

أتوانارى فقلت منون أنتم

وألزمه سيبويه أنه كذلك ينبغي أن يقول إذا آثر ألا يغيرها في الصلة، قال: وهذا بعيد.

الحالة الرابعة: حالة التثنية والتأنيث. ولما كان حال المثنى هنا معلومًا من حال المثنى في التذكير لم يحتج إلى التنبيه على لحاق العلامتين، لكن احتاج إلى التعريف بما زاد على العلامتين، وهو حكم النون التي قبل التاء، فحكي فيها وجهين:

أحدهما: / الإسكان، وهو الأكثر والمعروف في الكلام، وذلك قوله:"والنون قبل تا المثنى مسكنة".

يعني أن هذا هو الحكم المطلق فيها، والقياس المطرد، فإذا حكيت نحو (جاءتني امرأتان) قلت: منتان، أو نحو (رأيت امرأتين) أو (مررت بامرأتين) قلت: منتين. قال سيبويه: وإن قال: رأيت امرأتين، قلت:

ص: 331

منتين، كما قلت: أيتين، إلا أن النون مجزومة، وإنما سكنت لأن أصلها كذلك، فـ (منه) أصلها منت، ساكنة النون، كبنت، وهنت، لكن لما أرادوا الوقوف عليها حركوا ما قبلها، فإذا صاروا بها إلى الوصل صيرت كما كانت في الأصل.

والوجه الثاني: فتح النون، فتقول: منتان، ومنتين. وعلى ذلك نبه بقوله:"والفتح نزر" أي قليل، وقد حكى ذلك في "التسهيل" أيضًا.

والحالة الخامسة: حالة جمع المؤنث، وذلك قوله:"وصل التاء والألف بمن بإثرذا بنسوة كلف".

يريد أن حكم حكاية جمع المؤنث بـ (من) أن تصل بها ألفًا وتاء، فإذا قال:(هذا بنسوة كلف) قلت: منات، وكذلك إذا قال: هؤلاء نسوة، ورأيت نسوًة، اللفظ واحد لا يختلف بحسب اختلاف الإعراب، إجراء له مجرى (أيات) في جمع المؤنث، والتاء مسكنة لأنه موقوف.

والكلف: الولوع بالشيء، كلفت به: كلفًا، والصفة منه كلف.

والحالة السادسة: حاله جمع المذكر، وذلك قوله:"وقل منون ومنين مسكنًا" إلى آخره.

يعني أنك إذا حكيت المجموع تلحق الأداة التي بها الحكاية، وهي (من) واوًا ونونًا في الرفع، وياءً ونونًا في النصب والجر، وتسكن النون، وذلك قوله:"مسكنًا" لأنه حالة وقف، فتقول لمن قال:(جاء قوم): منون، ولمن قال: (جئت

ص: 332

لقوم): منين، وكذلك لمن قال:(رأيت قومًا) منين.

وأتى بمثالين في مثال واحد، وليس قصده بذلك الحكاية المفردة، أعني أن يقع السؤال في لفظ واحد، بل أراد حكاية كل واحد من المرفوع والمخفوض على حدته، ولو أراد ذلك لقال: وقل من ومنين، لأن (من) الأولى وقعت في الوصل، كما تقدم في مثله.

و"فطناء" ممدود، جمع فطن، وهو الفهم.

وقال الجوهري: الفطنة كالفهم، يقال: فطن للشيء، إذا فهمه وعلمه، وفطن، بالكسر، فطانًة، وفطانيةً، وفطنةً: صار فطنًا.

وبعد تقرير هذا الحكم، فهنا مسألتان متعلقتان:

إحداهما: أن/ الحكاية بـ (من) إنما تكون لمن يعقل، وهذا وضع (من) أن تكون كذلك، على ما هو مقرر عند النحويين واللغويين، بخلاف (أي) فإنها تكون لمن يعقل ولما لا يعقل. فإذا قال:(رأيت حمارًا) قلت (أي) وإذا قال: (رأيت رجلاً) قلت: (منا) و (أيًا) إن شئت، لأن (أيًا) تصلح لهما، وإذا قال:(رأيت رجلاً وحمارًا) قلت: من وأيًا، أو (حمارًا ورجلاً): أيًا ومنا.

والناظم لم يتكلم في هذا النظم على تعيين (ما) ولا (من) ولا (أي) ولا ذكر على ماذا تقع، فقد يقول القائل: هذا نقص، إذ يتوهم منه عدم الاختصاص، وجواز وقوع (من) على كل شيء.

والجواب: أن في هذا الكلام ما يشعر بمقصوده، وأن (من) إنما يحكي بها من يعقل، وأن (أيًا) بخلاف هذا الالتزام، وذلك أنه أطلق القول في (أي) ولم يقيدها في الحكاية بشيء دون شيء. وأما (من) فقيدها

ص: 333

بالمثل، إذ لم يأت بمثال إلا لمن يعقل، فدل ذلك على اختصاص (من) بمن يقل.

وأيضًا المسألة لغوية، ودخولها في النحو بالعرض، فليس تفسير معناها أو معنى غيرها بضروري عليه.

المسألة الثانية: أن ما تقدم في الحكاية هو المشهور في كلام العرب.

وحكى سيبويه عن يونس: أن ناسًا من العرب يلتزمون في الحكاية بـ (من) المدات الثلاث التي للمفرد أبدًا، سواء كانت لمثنى أو مجموع أو مفرد، فيقولون في من قال:(جاءني رجل): منو، و (رجلان): منو، و (جاءني رجال) منو، وفي (رأيت رجالاً): منا، وكذلك في (رأيت رجلين): منا، وفي (مررت برجلين): مني، ونحو ذلك، لا يعيرون الحكم الحكم الحاصل مع المفرد في المثنى ولا مجموع. قالوا: وكذلك في المؤنث يقولون في نحو: (جاءتني امرأة) منو، كما في (جاءني رجل) وفي نحو:(جاءتني امرأتان): منو، وكذلك في سائر المثل لا يخالفون الحكم وإن اختلفت الأحوال. والذين يقولون هذا يقولون في (أي): أي وأيًا وأي، عني واحدًا أو اثنين، أو جماعًة، أو مذكرا أو مؤنثا.

وإنما فعلوا ذلك حملاً على معنى (من) لأنه يعني بها الواحد، والاثنان، والجماعة، والحكم اللفظي باق على إفراده، فتقول: من قال ذلك؟ وأنت تعني أكثر من واحد، أو مؤنثًا.

وكذلك (أي) تقول: أي قال ذلك؟ فأقروا (من) و (أيا) على حكم

ص: 334

اللفظ، وهو الواحد/. ولما كانت هذه اللغة أقليًة لم يذكرها، وذكر اللغة المشهورة. وهنا تم كلامه على حكم (من) في الوقف.

وأما حكمها في الوصل فأخذ يذكره فقال: "وإن تصل فلفظ من لا يختلف".

يعني أن (من) إذا حكيت بها النكرة، فوصلت كلامك، ولم تقف على (من) فإن لفظها لا يختلف باختلاف الأحوال التي للمحكي، كما اختلف لفظها حالة الوقوف عليها، فتقول لمن قال:(جاءني رجل): من يا هذا؟ أو (جاءني رجلان) من يا هذا؟ أو (جاءني رجال): من يا هذا؟

وكذلك في التأنيث، ولا تقول منا يا هذا؟ ولا منه، ولا منان، ولا منون، ولا منات، إذا وصلت. وقد تقدم وجه ذلك، وأن (من) لا تستحق تثنيًة ولا جمعًا، ولا تأنيثًا، بخلاف (أي) فإنها صفة مستحقة لذلك، فلم تقو (من) أن تكون مثلها في الوصل، وليس هاهنا أن توصل (من) بالمحكي، فإن المحكي إذا كان نكرًة مرفوض الذكر، كما تقدم.

ثم نبه على ما جاء مخالفا لهذا الحكم شاذًا في الشعر، فألحقوا العلامة وصلاً، وذلك قوله:"ونادر منون في نظم عرف".

يعني أن لحاق العلامة في الوصل قد جاء، لكن إنما عرف في النظم، ومختصا بلحاق الواو والنون، فعين اللفظ المسموع خروجًا عن عهدة السماع، ولأجل ما قال سيبويه من أنه قول شاعر، قاله مرًة، ثم لم يسمع بعد.

والبيت المشار إليه هو قول شمر بن الحارث، وينسب أيضًا إلى

ص: 335

تأبط شرًا:

أتو ناري فقلت منون أنتم

فقالوا الجن قلت عموا ظلاما

وينشد أيضًا: "عموا صباحا" وهو صحيح، وقع كذلك في قصيدة حائيًة منسوبة إلى جذع بن سنان الغساني، فهما شاهدان، لا كما قال أبو القاسم الزجاجي.

فأتى في البيت بالعلامتين، وذلك في الوصل، وحمله سيبويه على لغة من قال: ضرب من منا.

قال: فإنما يجوز (منون) على هذا، فهو عنده معرب كـ (أي) فجمعه الشاعر على هذا.

وقال الكسائي: وربما احتاج الشاعر فزاد هذه الزوائد في الوصل.

قال ابن خروف: وتوجيه سيبويه أجود، وهو أن يكون معربًا، وجمعه كـ (أي) قال ابن الضائع: ويظهر ذلك من كلام سيبويه لأنه قال: / ينبغي أن لا يقول: (منو) في الوقف، ولكن يجعله كـ (أي) يعني

ص: 336

معربا، ً ووجه الزجاج البيت بأنه وقف عن (من) وسكت، ثم ابتدا. وهو بعيد.

وقد حكى الكوفيون أن منهم من يجعل الزيادة في مستأنف الاستفهام، فتقول: منو أنت؟ ومنان أنتما؟ ومنون أنتم؟ فيكون البيت على هذا.

وعلى الجملة فالبيت نادر لا يقاس عليه.

وكأن قول الناظم: "في نظم عرف" أنه يبكت على ما حكى الكوفيون من ذلك، ويكون هذا من فوائد تعيينه لـ (منون) والله أعلم.

ولما أتم الكلام على حكاية النكرة أخذ يتكلم في حكاية المعرفة، فقال:

والعلم احكينه من بعد من

إن عريت من عاف بها اقترن

اعلم أن الاسم المعرفة يصح أن يؤتى به إثر (من) في النكرة، ولم يكتفوا بهما في المعرفة حتى يذكروا الاسم بعدهما، لأن السؤال عنهما من وجهين مختلفين، فالسؤال عن ذات النكرة، لا عن صفتها، فيقول المجيب: زيد أو عمرو.

وإذا قيل: رأيت عبد الله، فإنما يحتاج إلى تخصيصه بالنعت، فلابد من ذكر المنعوت حتى يقال: العاقل، أو الكريم، أو نحو ذلك.

هذا تعليل السيرافي. وأفاد أنه لا يكتفي عن المعرفة بـ (أي) ولا بـ (من) وهو الذي نبه عليه الناظم بقوله: "والعلم احكينه من بعد من" فلم يكتف كما أكتفى في النكرة.

وتضمن كلام الناظم ما يحكى من المعارف وما لا يحكى، وما شرط الحكاية

ص: 337

فيما يحكى.

وجملة ذلك أن كل معرفة اجتمع فيها ثلاثة أوصاف فهو الذي يحكى في المسألة:

أحدها: أن يكون تعريفه بالعلمية، وذلك قوله:"والعلم احكينه" فتقول إذا قيل: (جاء زيد): من زيد؟ وإذا قال: (رأيت زيدًا): من زيدًا؟ وإذا قال: (مررت بزيد): من زيد؟ فتأتي به على إعراب الكلام الأول في اللفظ، وإن كان إعرابه في التحصيل مبتدأً أو خبر مبتدأ، وكذلك (أي) و (من) في حكاية النكرة.

فلو كان الاسم غير علم لم تجز حكايته. فإذا قيل: (رأيت أخاك) قلت: من أخوك؟ أو (مررت بالرجل) قلت: من الرجل؟ فترفعه لا غير، ولا يحكى ألا على قول من قال/: دعنا من تمرتان، وقد قيل له: ما عنده تمرتان، وليس بقرشيًا، لمن قال: أليس قرشيًا؟ وهو قليل ضعيف لا يبني على مثله قياس. والفرق أن الأصل والقياس ألا يجوز، ولذلك قال سيبويه: وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال، وهو أقيس الوجهين. غير أنهم أرادوا أن يحكوا كلام المسئول لئلا يتوهم أن السؤال عن غير من قدم، وأيضًا الحكاية تغيير، والأعلام كثرت في كلامهم، فأجازوا فيها لذلك ما لم يجيزوا في غيرها، كالترخيم، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين، فلذلك اشترط هنا العلمية.

ويجرى مجرى (زيد) و (عبد الله) في جواز الحكاية الكنية واللقب،

ص: 338

لأنهما من أقسام العلم، وقد قال في باب العلم:"واسما أتى وكنيًة ولقبًا"

فتقول إذا قيل لك: (رأيت أبا عبد الله): من أبا عبد الله؟ وإذا قيل لك: (مررت بقفة) من قفة؟ وهذا ظاهر.

وهذا الوصف يقتضى أن الناظم لم يرتض ما روي عن يونس أن الحكاية جائزة في جميع أقسام المعارف، فتقول في من قال:(رأيت أخاك) من أخاك؟ وفي من قال: (رأيت الرجل): من الرجل؟ ونحو ذلك.

وهذا المذهب غير مرضي عند سيبويه والمحققين، وإنما ذلك عندهم كقوله: دعنا من تمرتان، وأيضًا فهو غير مسموع، وإنما لم يرتضه الناظم إما لضعف النقل عن يونس، إذ حكاه المبرد عن يونس في "مقتضبه" ولم يحكه عنه سيبويه، فغمزه السيرافي بأن قال: لا أدري من أين له هذه الحكاية؟ وإما لضعف الجواز في القياس، فإن للأعلام من التغيير ما ليس لغيرها كما تقدم.

قال سيبويه: ولا يجوز في غير الاسم الغالب، لأنه الأكثر في كلامهم، وهو الأول الذي به يتعارفون.

والثاني: أن يكون السؤال عنه بـ (من) فإذا كان كذلك جارة الحكاية، كالمثل المتقدمة، فإن سئل عنه بـ (أي) لم تجز الحكاية، فإذا قيل:(رأيت زيدًا) قلت: أي زيد؟ أو (مررت بزيد) قلت: أي زيد؟ لذلك قال سيبويه: فإذا قيل:

ص: 339

(رأيت زيدًا) قلت: أي زيد؟ فليس إلا الرفع، تجريه على القياس. ووجهوا اختصاص الحكاية بـ (من) بوجهين:

أحدهما: كثرة استعمال (من) قال سيبويه: وإنما جازت/ الحكاية في (من) لأنهم لـ (من) أكثر استعمالاً، وهم يغيرون الأكثر في كلامهم عن حال نظائره.

والثاني: أن (من) مبنية لا يظهر فيها قبح الحكاية لسكونها في كل حال، بخلاف (أي) فإنه لو حُكي بها فقيل: أي زيدًا؟ وأي زيد؟ لظهر القبح في اختلاف إعرابي المبتدأ والخبر.

قال ابن الضائع: والأول أولى، وعليه اعتمد سيبويه، وعلل ابن خروف بالوجهين، وزاد ثالثا وهو كون (من) على حرفين. وفي ضمن هذا الشرط حصل حكم (أي) في باب "الحكاية" من كلام الناظم، فلم يغفل ذكر ذلك.

والثالث: خلو (من) من أن يقترن بها عاطف داخل عليها، فإنه إذا كان كذلك لم تجز الحكاية، ورجع إلى القياس، فإذا قيل لك: رأيت زيدًا، فقلت: ومن زيد؟ فليس إلا الرفع، وكذلك في: مررت بزيد، ونحوه. وكذلك الفاء إذا قلت: فمن زيد؟

وسبب ذلك أن الغرض بالحكاية بيان أن المسئول عنه هو المتقدم الذكر لا غير، فإذا عطفت جملة السؤال على كلام المسئول صار في ذلك بيان أن المسئول عنه هو الأول، لأنك لا تبتدئ سؤالاً عما لم يذكر مصدرًا

ص: 340

بحرف العطف، إذ كان حرف العطف لازمًا للتوسط بين معطوف ومعطوف عليه.

ثم النظر في هذا الكلام من وجهين:

أحدهما: أن ما ذكره من الحكاية عند اجتماع الشروط هي لغة أهل الحجاز وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال ولا يحكون، بل يقولون لمن قال:(جاء زيد، أو رأيت زيدًا، أو مررت بزيد): من زيد؟ بالرفع. قال سيبويه: وهو أقيس الوجهين.

وإذا كان كذلك فاقتصاره على إحدى اللغتين، مع أن الأخرى فصيحة ومشهورة وغير قاصره في الكثرة والقياس عن غيرها، غير لائق بهذا المختصر، بل كان حقه أن يذكرهما، كما ذكر اللغتين في باب (فعال) فيما لا ينصرف، وغير ذلك.

والثاني: أنه أخل ببعض الشروط في لغة أهل الحجاز، ولابد منها، وتركها إخلال، وذلك أن الناس ذكروا لها خمسة شروط، الثلاثة المذكورة.

والرابع: ألا يكون الاسم المراد حكايته متبوعا بتابع ببان، ألا ما جعل مع تابعه كالكلمة الواحدة، وذلك نحو ما تقدم، فإن كان متبوعا بنعت، نحو مررت/ بزيد الطويل، أو بعطف بيان، نحو: مررت بزيد أبي عبد الله، أو بتوكيد، نحو: مررت بزيد نفسه، أو ببدل، نحو: مررت بزيد أخيك - فلا سبيل إلى الحكاية، فلا تقول فيها كلها إلا (من زيد

ص: 341

الطويل؟ ) بالرفع، و (من زيد أبو عبد الله؟ ) و (من زيد نفسه؟ ) و (من زيد أخوك؟ ) وإنما فعل ذلك استغناء بإطالته عن الحكاية، وذلك أن الغرض بالحكاية بيان أن المسئول عنه هو المتقدم الذكر لا غير، وإذا ذكر الاسم الأول منعوتا، أو معطوفا عليه، أو مؤكدًا، أو مبدلا منه، ثم أعيد كذلك في السؤال علم أن السؤال وارد على ذلك المذكور، فلم يحتج إلى الحكاية، كما لم يحتج إليها مع عطف جملة السؤال بالواو.

فإن كان التابع مع ما تبعه كالشيء الواحد جازت الحكاية، نحو: رأيت زيد بن عمرو، فيمن جعلهما بمنزلة اسم واحد، فإن تقول: من زيد بن عمرو؟

والخامس: ألا يكون معطوفا عليه بالحرف، لكن هذا الشرط ليس على الإطلاق، بل فيه تفصيل، وذلك أنك إذا عطفت في الجملة المسئول عنها، فسئل عنها، فإن سيبوبه نقل عن يونس أنه يرده إلى الأصل والقياس، فإذا قيل: رأيت زيدًا وعمرًا، قلت: من زيد وعمرو؟ هكذا مطلقا، وذلك لأنه يظهر منه السؤال عن المذكور، لأنه بعيد أن يسأل عن غيره، واتفق في ذلك الغير أن شرك معه مثل ما شرك مع الأول، وإذا كان قد تعين المسئول عنه فلا فائدة للحكاية. وهذا ما قال يونس.

وحكى سيبويه عن قوم أنهم قاسوا وأتبعوا الثاني الأول، يعني أنهم حكوا، لكنهم اعتبروا الأول، فإن كان مما يحكى حكوه، وحكوا معه الثاني، سواء كان مما يُحكى أولاً، فيقولون في من قال:(رأيت زيدًا وأخاك): من زيدًا وأخاك؟ فأبعوا أخاك في لحكاية، وإن كان لا يُحكى وحده.

وإن كان الأول مما لا يُحكى تركوا الحكاية، وأتبعوا الثاني الأول في ترك

ص: 342

الحكاية، وإن كان مما يُحكى وحده فيقولون في من قال:(رأيت أخاك زيدًا): من أخوك وزيد. قال سيبويه: وهذا حسن.

فإذا ذكروا (من) مع المعطوف كان لكل واحد حكمه، فإذا قال: رأيت زيدًا وأخاك، قلت: من زيدًا؟ ومن أخوك؟ أو قال: رأيت أخاك/ وزيدًا، قلت: من أخوك؟ ومن زيدًا، وشبهه سيبويه بقولهم: تبًا له وويحًا، فتتبع إذا لم تذكر "له" فإذا ذكرت "له" كان لكل حكمه، فقلت: تبًا له، وويح له.

فالحاصل أن المعطوف والمعطوف عليه بالحرف إنا ألا يحكى أصلا، وإما أن يعتبر المتقدم، وذلك إذا لم تكرر (من) وكلام الناظم يقتضي خلاف ذلك كله.

ويمكن الجواب عن الأول بأن ليس من شرطه في هذا المختصر أن يأتي بنقل اللغتين جميعًا، بل قد يجتزئ بنقل لغة الحجاز يين لكونها أشهر، وبها نزل القرآن.

ألا تراه في باب (ما) إنما ذكر الإعمال فيها خاصة، وهي لغة أهل الحجاز وترك لغة بني تميم وإن كانت هي الجارية على القياس، كما قال سيبويه: فذلك غير ضائر. وأما الثاني: فالظاهر وروده، فلو قال مثلا:

والعلم احك بعد من إن يخل من

تابع أو من عاطف بمن قرن

أو ما يُعطى هذا المعنى - لحصل المقصود، ولم يبق عليه اعتراض، ويكون شرط نفي التبعية مطلقا بناء على قول يونس في المعطوف والمعطوف عليه.

ص: 343