الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصور والممدود
إذا اسم استوجب من قبل الطرف
…
فتحًا وكان ذا نظير كالأسف
فلنظيره المعل الآخر
…
ثبوت قصر بقياس ظاهر
كفعل وفعل في جمع ما
…
كفعلة وفعلة نحو الدمى
قد تقدم قبل هذا معنى المقصور والممدود، وأن المقصور عند النحويين هو الاسم المعرب الذي قصره عن ظهور الإعراب فيه كون آخره ألفًا، أو قصر عن لحاقه بالممدود.
وأن الممدود هو الاسم المعرب الذي آخره همزة قبلها ألف زائدة، لأنه إذا كان كذلك زيد في مد الألف بسبب الهمزة.
ثم كل واحد منها يدرك من كلام العرب بوجهين:
أحدهما: جهة السماع والنقل، وهذا غير لائق ذكره بالنحوى من حيث هو نحوي، وإنما هو وظيفة اللغوي، فمن ذكر منه من النحويين شيئًا فليس من جهة كونه نحويًا.
والثاني: جهة القياس، وهذا هو اللائق بكتب النحويين، لأنهم إنما يتكلمون فيما كان مقيسًا من اللغة، فالناظم أخذ يذكر هذا القسم في كتابه، ويرشد إلى وجه القياس فيه.
وابتدأ بالكلام على قياس المقصور فقال: "إذا اسم استوجب من قبل الطرف فتحًا" إلى آخره.
يعني أن الاسم إذا استوجب أن يكون قبل آخره فتحة لابد منها، ولا مبالاة بما قبل ذلك وما بعده، فهذا الاسم إذا كان له نظير في نوعه، كما كان لـ (الأسف) نظير، كقولهم: الحزن، والفرح، والطرب، والأشر، والبطر، ونحو ذلك من المصادر التي تجري على (فعل يفعل) فإن نظيره من المعتل الآخر يكون مقصورًا قياسًا.
وقد اشتمل هذا العقد على أشياء:
أحدها: كون هذا الاسم/ مفتوح ما قبل الآخر، نحو: البطر، والأشر، والأسف، الممثل به، وكذلك المدخل، والمخرج، والمدخل، والمخرج.
وهذا لابد منه، لأنه إن لم يكن كذلك لم يتأت نظيره من المعتل أن يكون آخره ألفًا إذ لا موجب لقلب الواو والياء ألفًا إذ لم يكن ما قبلهما مفتوحًا، نحو القاضي، والداعي، والشجي، والعمى، فلا يكون مقصورًا، بل منقوصًا.
وأيضًا يلزم من فتح ما قبل الآخر، ألا يحول بين الفتحة وبينه الألف الزائدة، فإنه إن حالت الألف بينهما لم يكن المعتل الآخر مقصورًا، بل ممدودًا كـ (فعال) مصدر (فاعل) فإنه يأتي في المعتل ممدودًا، نحو: عادي عداء، ونادي نداء، ونظيره من الصحيح: قاتل قتالاً، وضارب ضرابًا، وصارم صرامًا.
والثاني: كون ذلك الاسم ذا نظير، ومعنى ذلك أن يكون القياس جاريًا في مثله أن يبنى منه ما يراد، وهذا لا يتأتى إلا فيما كان من الأسماء دائرًا مع الأفعال في الجريان عليها، والاطراد باطرادها، وذلك
المصادر، وأسماء المفعولين، وأسماء المصادر، والزمان والمكان، ونحو ذلك مما يطرد بناؤه.
هذا المراد بالنظير ومنه مثاله: الذي هو (الأسف) فإنه مصدر لـ (فعل يفعل) تقول: أسف أسفًا، كما تقول: حزن حزنًا، وفرح فرحًا، وطرب طربًا، وما أشبه ذلك، فإن مثل هذا جار على وتيرة في القياس، ولا يعتد بما خرج عن ذلك لندوره.
فأما إن لم يكن كذلك، بل هو مما قبل آخر مفتوح ذا نظير في القياس، فلا يعتبر في هذا التعريف، لعدم حصول التفرقة بينه وبين الممدود، إلا أن يسمع، فهو القسم السماعي المذكور قبل، كقولك: عنب، وجمل، وجعفر، فإنه وإن كان له موازن، نحو: حمى، وفتى، وعلقى، غير نظيرٍ له، إذ لم يجريا على القياس واحد، فهو موقوف على النقل.
وهذا معنى قول سيبويه: ومن الكلام ما لا يدرى أنه منقوص حتى تعلم أن العرب تكلم به، فإذا تكلموا به منقوصًا علمت أنها ياء وقعت بعد فتحة أو واو، ولا يستطيع أن تقول: ذا لكذا، كما لا تستطيع أن تقول: قالوا: (قدم لكذا، ولا قالوا: (جمل) لكذا، وكذلك نحوهما/ قال: فمن ذلك: قفا، ورحى، وأشباه ذلك، لا يفرق بينهما وبين (سماء) كما لا يفرق بين (قدم) وبين (قذال) إلا أنك إذا سمعت قلت: هذا فعل، وهذا فعال.
والثالث: ما ينبني على ذلك، ويطرد باطراده، وهو كون ما آخره
معتل بالياء أو بالواو، ويكون مقصورًا، ويعرف ذلك منه قياسًا، وذلك لأنه إذا كان مجيئة مفتوح ما قبل الآخر قياسًا، وكان الأصل التصريفي أن الواو والياء إذا تحركا وانفتح ما قبلهما انقلبا ألفا - حصل من ذلك معرفة المقصور منه قياسًا، فتقول: عمى عمى، وشجى شجًا، وهوى هوى، لأن نظيره: فرح فرحًا، وبطر بطرًا، ونحوه.
وهذا العقد قد اشتمل، من معرفة المقصور قياسًا، على أنواع شتى، ذكر منها نوعين تأنيسًا بالباقي:
أحدهما: جمع ما كان من الأسماء على (فِعلة) بكسر الفاء، فإن القياس أن يكون على (فعل) فيقع ما قبل الآخر فيه مفتوحًا، فتنقلب الياء والواو في المعتل ألفًا، فالصحيح نحو كسرة وكسر، وإبرة وإبر.
ونظيره من المعتل نحو: حلية وحلى، بالكسر، وجذوة وجذى، وجزية وجزى، وجرية الماء وجرى، ولحية ولحى، ودنية ودنى، وفدية وفدى، وفرية وفرى، وبنية وبنى، ومشية ومشى، ونحو ذلك.
والثاني: جمع ما كان من الأسماء على (فعلة) بضم الفاء، فإن القياس منه (فعل) فيقع ما قبل الآخر فيه مفتوحًا، فيكون المعتل مقصورًا، فالصحيح نحو: قربة وقرب، وغرفة وغرف.
ونظيره من المعتل: عروة وعرى، وعدوة الواداي وعدى، وحبوة وحبى، وخطوة وخطى، وخصية وخصى، وكنية وكنى، وقوة وقوى، وكدية وكدى، وربوة وربى، ورؤية ورؤى، ورشوة ورشى، ودمية ودمى، وهو مثاله في النظم، وهذان النوعان هما اللذان مثل بهما الناظم.
والثالث: ما كان من المصادر لـ (فعل يفعل) واسم الفاعل منه إما على
(فعل) أو (أفعل) أو (فعلان) فإن المعتل الآخر منها يقع مقصورًا، لأن نظيره من الصحيح مفتوح ما الآخر.
فالأول نحو: هوى يهوى هوى، فهو هو، وذوى يذوى ذوى، فهو ذو، وصدى/ يصدى صدى، فهو صد، وتوى يتوى توى، وهو تو، أي هالك، ودوى يدوى دوى، وهو دوٍ، أي أصابه داء.
ونظيره من الصحيح: بطر يبطر بطرًا فهو بطر، وفرح يفرح فرحًا، وهو فرح.
والثاني نحو: عمى يعمى عمى، فهو أعمى، وعشى يعشى عشى، وهو أعشى، وقنى الأنف يقنى قنى، أي طال، وهو أقنى، وقعى الرجل قعى، وهو أقعى، والقعا: رجوع طرف الأنف إلى أعلاه.
ونظيره من الصحيح: يعور الموت عورًا، فهو أعور، وحول حولاً، فهو أحول.
والثالث نحو: صدى صدى، وهو صديان، وطوى يطوى طوى، وهو طيان.
ونظيره من الصحيح: عطش يعطش عطشًا، وهو عطشان، وغرث غرثًا، فهو غرثان.
والرابع: ما كان من اسم المفعول من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف، فالمعتل الآخر من هذا يقع مقصورًا، لأن نظيره من الصحيح مفتوح ما قبل الآخر، فتقول من (أعطى) ونحوه: هو معطى، ومدنى، ومقصى ومحمى، ومرضى.
ونظيره: مكرم، ومدخل، ومخرج.
وتقول من (اشترى) ونحوه: مشترى، ومفترى، ومعتدى عليه، ومقتدى به، ومعتنى به، ونظيره: مكتسب، وملتمس، ومكتتب.
وتقول: من (استدعى) ونحوه: مستدعى ومستقضى، ومستقصى، ومستدنى. ونظيره: مسترجع، ومستبعد.
وعلى هذا السبيل يجرى سائر ما كان من أسماء المفعولين مبنيًا من فعل زائد على الثلاثة.
والخامس: ما كان من أسماء المصادر وأسماء الزمان والمكان مبنيًا من فعل زائد على الثلاثة، نحو: معطى، ومستدعى. وبالجملة لفظه كلفظ اسم المفعول سواء، أو نظيره من الصحيح مفتوح ما قبل الآخر، هذا فيما كان فعله زائدًا على الثلاثة.
فأما الثلاثي فاسم المصدر والزمان والمكان منه أيضًا مقصور قياسًا، لكنه ليس مما يعتبر بالنظير، لأن نظيره يختلف، فتارة يكون الزمان والمكان فيها ما قبل آخره مكسورًا، وتارة يكون مفتوحًا، على ما هو مبين في غير هذا الكتاب.
نعم يدخل له تحت هذا العقد المصدر منه، فإنه مفتوح قياسًا، فيكون/ المعتل من أسماء المصادر مقيسًا بنظره من الصحيح.
السادس: ما كان من أسماء الفاعلين قياسه (أفعل) فإنه يكون مقصورًا إن اعتل آخره، نحو: عشى فهو أعشى، وعمى فهو أعمى، وجلى فهو أجلى، إذا انحسر الشعر عن مقدم رأسه، وما كان نحو ذلك.
ونظيره من الصحيح: شتر فهو أشتر، وصلع فهو أصلع، وعور فهو أعور.
وقد قدم الناظم أنه قياس فيما كان من الأفعال على (فعل) غير متعد، وكذلك سائر ما كان من (أفعل فعلاء) جاريا على القياس فمعتله مقصور، لأن ما قبل آخره نظيره من الصحيح مفتوح.
والسابع: ما كان من أسماء الأجناس بين واحده وجمعه إسقاط التاء، وكان ما قبل آخره نظيره من الصحيح مفتوح، فهو مقصور قياسًا، لأن جمع أسماء الأجناس المخلوقة بإسقاط التاء قياس، حسب ما ذكر أرباب الكتب المبسوطة وغيرهم، فتقول: قطاة وقطا، وقناة وقنى، ونواة ونوى، وحصاة وحصى، وسداة وسدى، وهو البلح.
ونظيره من الصحيح: شجرة وشجر، وتمرة وتمر.
وكذلك إذا كان مكسور الأول أو مضمومه، نحو: العدى، جمع العداة، والعدى: الصفائح من الصخور، والحكى: جمع الحكاة، وهي العظاءة، وما كان من نحو ذلك.
والثامن: ذكره في "التسهيل" وهو ما كان من الأسماء على وزن (مفعل) مرادًا به آلة الفعل، نحو: المهدى، للطبق الذي يهدى فيه والمقرى، للجفنة أو العس أو الصحفة التي يؤتى فيها بقرى الضيف، والمقلى الذي يقلى عليه.
ونظيره من الصحيح: مقرض، ومفتح، ومسن، ومقص، ومطرقة، ومبضع، وهو كثير من ذلك.
إلا أن هذا، على طريقة التعريف، غير مسلم، وإن كان صحيحًا في نفسه،
لأن (مفعلاً) في الآلات يشاركه (مفعال) كمقراض، ومفتاح، ومسمار، ومنساج، وما أشبه ذلك، فيقول القائل: لعل نظير: مهدى، ونحوه، مفتاح، ومسمار، لا مبضع ومنجل، فلا يهتدي الطالب إلى طريق المقصور، ولا يفرق بينه وبين الممدود. وهذا هو العمدة في هذا الباب.
وقد احتاط الشلوبين على هذا المعنى، حتى رد على من جعل (فعلى) جمعًا من الأبنية التي يطرد فيها القصر، ونقض عليه بمثل (قصباء، وطرفاء) في الجمع. قال: فإن قلت: ذلك اسم جمع / وهذا جمع. فالجواب: أنه لا يتبين الفرق بين اسم الجمع والجمع في هذه الإلسن إلا لمن قتل هذه الصناعة علمًا، فالإحالة للناشئين أو المتوسطين على ذلك خطأ.
هذا ما قاله، وما نحن فيه أحرى وأحق أن يحتاط فيه، وألا يجعل في هذا الباب معرفًا للمقصور وإن كان قياسًا.
والتاسع: ما كان من الجموع على (فعل) جمعا لـ (الفعلى) أنثى (الأفعل) فإن المعتل الآخر فيه مقصور، لأن نظيره من الصحيح مفتوح ما قبل الآخر، نحو: العليا والعلى، والدنيا والدنى، ونظيره الفضلى والفضل، والكبرى والكبر، ونحو ذلك.
هذه المثل ونحوها مما قصد الناظم بعقده في قياس المقصور.
وقد نقصه عقد ثانٍ لا يقصر على مقاومة ما ذكره، وذلك لأن النحويين يثبتون القياس في المقصور بطريقتين:
أحدهما: طريق الاعتبار بالنظير، وهو ما تقدم ذكره.
والآخر: طريق الاطراد وإن لم يكن نظير من الصحيح، وله أمثلة:
أحدها: ما كان من الأسماء في آخره ألف، وهو في معنى (المشي) نحو: البشكى، والمرطى، والخوزلى، والهيدبى.
فهذا النوع قد اطرد فيه في كلامهم القصر، فمتى جاءت لفظة وفي آخرها ألف، وهي من أسماء (المشي) ولم يدر قصرها من مدها، حكم عليها بالقصر، لاطراد نظائرها على القصر.
والثاني: ما جاء من المصادر على بناء (الفعيلى) نحو: الخطيبى، والرميا، والخليفى. فهذا أيضًا قد اطرد فيه القصر، إلا ما شذ من قولهم: الخصيصاء، والفخيراء، فهو من الشاذ المسموع غير المقيس، على أن المؤلف في "التسهيل" جعل هذا البناء من قبيل المشترك بين المقصورة والممدودة، فلا يكون من هذا على مذهبه.
والثالث: ما كان على (فعلى) تأنيث (الأفعل) نحو: الكبرى، والصغرى، والفضلى، ونحو ذلك، فهو مطرد في القصر لا ينكسر أبدًا.
والرابع: ما كان على (فعلى) من المؤنث، ومذكره على (فعلان) نحو: غضبان وغضبى، وسكران وسكرى، فإن القصر في ذلك مطرد لا ينكسر.
والخامس: ما كان المجموع على مثال (فعالى) نحو: سكارى أو (فعالى) نحو: صحارى.
والسادس: كل ما كان / من المعتل الآخر مجموعًا على (أفعال) فإن مفرده مقصور إذا كان آخره ألفًا، نحو: عصى وأعصاء، ورحى وأرحاء، وقفًا وأقفاء، ونحو ذلك.
والسابع: كل ما كان جمعًا على (فعلى) فإنه مقصور قياسًا، نحو: مريض ومرضى، وجريح وجرحى، وأحمق وحمقى، وزمن وزمنى وهذا الذي اعترض أبو علي الشلوبين كما تقدم، إذ وجد طرفاء، وحلفاء، ونحوه ولكن يزيل الاعتراض عنه أن يقال: كل (فعلى) كان جمعًا لفعيل أو فعل أو أفعل: بمعنى: مصاب، أو موجع، ولا إشكال بعد هذا.
والثامن: كل ما كان اسمًا لزمان أو مكان من فعل ثلاثي، نحو: المرى، والمرعى، والمجلى، ونحو ذلك. وقد تقدم التنبيه عليه.
فهذه أنواع ثمانية، ذكرها النحويون لاطرادها في أنفسها، وإن لم يكن لها نظير من الصحيح. والناظم لم يلتفت إليها كما ترى، ولم يعقدها بعقد كما عقد الأنواع الآخر، وعلى أنه كذلك فعل في "التسهيل" فاقتصر على العقد بالنظير، وترك عقد الاطراد على شهرته، وكثرة فائدته. والاعتراض عليه في "التسهيل" أقوى منه في هذا النظم المختصر. ومثل هذا الاعتراض يلزمه في الممدود أيضًا، على حسب ما يذكر إن شاء الله تعالى.
و"الدمى" في تمثيله: جمع دمية، والدمية: الصورة من العاج ونحوه، تشبه بهن النساء، قال الشاعر:
ومثل الدمى شم العرانين ساكن بهن الحياء لا يشعن التقافيا
وقال الآخر في واحد "الدمى":
أو دمية صور محرابها
…
أو درة شيفت إلى تاجر
وما استحق قبل آخر ألف .... فالمد في نظيره حتما عرف
كمصدر الفعل الذي قد بدئ
…
بهمز وصل؛ ارعوى وكارتأى
هذا عقد الممدود الذي يبين المقيس منه، وهو التعريف بالنظير، يريد أن ما كان من الأسماء قد استحق أن يكون قبل آخره ألف، فإن نظيره من المعتل ممدود وجوبًا، ولم يقيد النظير بالمعتل وإن كان الحق فيه ذلك، كما أنه لم يقيد الأول بالصحيح، وكان الوجه ذلك أيضًا، اتكالا على فهم ذلك من التقييد في المقصور، لأنه قال: ثمة "فلنظيره المعل الآخر" إلى آخره.
وقال / في الصحيح: "وكان ذا نظير كالأسف" فقيده بالمثال، وذلك يدل على أن الممدود نظر المقصور في ذلك التقييد، فكأنه قال: وما استحق قبل آخره ألفًا من الصحيح الآخر فلنظيره المعل الآخر المد حتمًا عرف.
وقد تقدم أن الممدود هو ما آخره همزة قبلها ألف زائدة، لذا الكلام يعطى أشياء:
أحدها: كون هذا الاسم قبل آخره ألف، وبهذا يتأتى في المعتل أن
يكون ممدودًا، ما آخره معتل وقبله ألف، فالحكم فيه أن تنقلب الواو أو الياء همزة، لأن القاعدة مستمرة أن الواو والياء إذا وقعتا طرفًا بعد ألف زائدة قلبتا همزة، نحو: الاستدعاء، والابتداء، في نظير: الاسترسال، والاقتدار، ونحوه.
والثاني: كون الاسم ذا نظير، وقد تقدم أن معناه أن يكون القياس جاريًا في مثله أن ينبني منه ما يراد، وهو إنما يتأتى فيما كان من الأسماء دائرا مع الأفعال، ومتصرفها، وذلك المصادر وما إليها.
والثالث: ما ينبني على ذلك، وهو كون النظير المعل ممدودًا لزومًا كما تقدم، فلا يكون مقصورًا إلا إن اضطر شاعر، كما سيأتي ذكره إن شاء الله آخر الباب.
ثم ذكر نوعًا مما يكون ممدودًا قياسًا بقوله: (كمصدر الفعل الذي قد بدئا بهمز وصل).
يعني أن مصدر الفعل، أي المعتل الآخر، والذي بدئ ماضيه بهمزة الوصل، يكون ممدودًا مطلقًا، لوقوع نظيره من الصحيح ذا ألف زائدة قبل الآخر، فينقلب الحرف المعتل، فيما آخره معتل همزة.
ومثل الناظم ما كان مصدر الفعل بهمزة الوصل بمثالين أحدهما: (ارعوى) وهو (أفعل).
والثاني: (ارتأى) وهو (افتعل) من الرأى، ومصدر (ارعوى) الارعواء و (ارتأى) الارتاء.
ومثل ذلك: اقتدى اقتداء، واستوى استواء، وارتوى ارتواء، واكتسى اكتساء.
ونظيره من الصحيح: اقتدر اقتدارًا، واحتمل احتمالا، واكتسب
اكتسابًا، وهكذا كل ما كان بهمزة الوصل في أوله، كما قال، نحو: انحنى انحناء، وانقضى انقضاء، ونظيره: انطلق أنطلاقًا.
وكذلك: اسلنقى اسلنقاء، واحرنبى احرنباء، ونظيره من الصحيح: اسحنكك اسنحكاكًا، واحرنجم احرنجامًا.
وكذلك: استسقى استسقاء، واستعدى استعداء./ ونظيره: استعظم استعظامًا، واستعلم استعلامًا، وكذلك سائرها.
إلا أن تقييده الهمز المبدوء به بالوصل تقييد عائد بنقص في القانون، لأن كل فعل مبدوء بهمزة زائدة، سواء كانت همزة وصل أو همزة قطع، فمصدره ممدود قياسا، نحو: أعطى اعطاء، وأمضى إمضاءً، وأغنى إغناءً، وآتى إيتاءً. ونظيره من الصحيح: أكرم إكرامًا، وأسلم إسلامًا، وألم إعلم إعلامًا، فلو قال:
كمصدر الفعل الذي قد بدئا
…
بزائد الهمز كأعطى وارتأى
لعم وكان أكثر فائدة.
وما أتى به الناظم مثال لقاعدته، وهي تشمل أنواعًا: أحدها: ما ذكره.
والثاني: ما كان مصدرًا لفعل على (فاعلت) نحو: رامي رماءً، وزاني زناءً، وعادى عداءً، وهادى هداءً، ووالي ولاءً.
ونظيره من الصحيح: قاتل قتالاً، وضارب ضرابًا. وهذا وإن كان المطرد في مصدره (المفاعلة) فإن المقصود (الفعال) وأنه ليس بمقصور، إذ لا يتوهم في (المفاعلة) قصر، فلا يخطر ببال الناظر. والنظر هنا إنما
هو في تمييز الممدود من المقصور، إذ يشكل فيهما بحسب المد والقصر.
والثالث: ما كان من المصادر صوتًا مضموم الأول نحو: الدعاء، والمكاء، والحداء، والرغاء، والثغاء والنداء بالضم، حكاه ابن جنى، وحكى أن الفراء سمعه كذلك، وسمع: الصياح، والصياح، ومنه البكاء، فأما البكا فهو الحزن نفسه عند الخليل.
فكل هذا ممدود، لأن نظيره من الصحيح قبل آخره ألف زائده، نحو: النباح، والبغام، والصراخ، والخوار، والجؤار.
والرابع: ما كان من ذلك مجموعًا على (أفعلة) قياسًا، نحو: أفنية، وأرشية، وأقبية هو جمع: رشاء، وفناء، وقباء، وكذلك: أبنية، وأحذية، وأردية.
فلا يجوز أن يكون الواحد مقصورًا، فيكون (أفعلة) جمعًا للثلاثي، لأنه و (فعلة) في الأكثر جمعان لما زاد على الثلاثة، وما جاء على خلاف ذلك فشاذ، نحو جمعهم (ندى) على: أندية.
ونظيره من الصحيح: قذال وأقذلة، وحمار وأحمرة، وخوان وأخونة، ونحو ذلك.
والخامس: كل اسم جمع جمع قلة، فإنه لا يكون ذلك الجمع فيه مقصورًا وإنما يكون ممدودًا، كرحى وأرحاءٍ، وقفا وأقفاءٍ، وشلو وأشلاءٍ، وقنو وأقناءٍ، وظبى وأظباءٍ، ونحو ذلك من أصناف الثلاثي، فكل ذلك/ لا يجمع جمع قلة على (أفعل) لأن (أفعل) لا يكون جمعًا. ونظير ذلك من الصحيح: طلل أطلال، وعدل وأعدال، وقفل وأقفال.
والسادس: ما كان من المعتل اللازم على (فعل) أو (فعلة) فإن جمعه على (فعال) ممدود - نحو: ظبى وظباء، ودلو ودلاء، وقشوة وقشاء، وجدى وجداء، ونهى ونهاء، ونجو ونجاء، وعجوة وعجاء، وحظوة وحظاء، وخطوة وخطاء، ولعوة ولعاء.
فمثل هذا لا يكون الجمع فيه مقصورًا إلا ما شذ، نحو: قرية وقرى.
ونظيره من الصحيح: جبل وجبال، وكلب وكلاب، وهضبة وهضاب، وقصعة وقصاع، ونحو ذلك.
والسابع: كل ما كان معتل الآخر، قبل حرف العلة فيه ألف زائدة، وفيه تاء التأنيث، وهو من الأجناس المخلوق التي تجمع قياسًا بحذف الهاء، فإن الجمع منها ممدود، نحو: عظية وعظاء، وعباية وعباء، ودرحاية ودرحاء. وهو نظير: قطاة وقطا، في المقصور. ونظيره من الصحيح: جرادة وجراد.
هذه الأنواع ونحوها داخل تحت عقد الناظم، ونقصه العقد الثاني، كما نقصه في المقصور، وهو عقد الاطراد وإن لم يكن له نظير من الصحيح، وتحته أنواع.
أحدها: كل جمع على (فعلاء) بل نقول: كل اسم جمعًا كان أو غير جمع، كان على (فعلاء) فإنه ممدود اطرادا.
أما الجمع فلا ينكسر، نحو: علماء، وحلماء، وفقهاء، وظرفاء، وشرفاء، ونحو ذلك.
وأما المفرد فنحو: العشراء، والعرواء، والعداء، والنفساء، والقوباء، والخيلاء، والرحضاء، والصعداء.
ولم يأت مثل هذا على (فعلى) مقصورًا إلا نادرًا نحو شعبى، وإربى، وهي ستة ألفاظ معدودة. وقد تقدمت.
والثاني: ما كان من الجمع على (أفعلاء) فإنه ممدود، نحو: أولياء، وأصدقاء، وأشقياء، وأصفياء، وأبرياء.
والثالث: ما كان من الصفات على (فعلاء) مؤنث (لأفعل) الذي ليس للتفضيل، نحو: حمقاء، وحمراء، وصفراء، وبيضاء، ودرداء، وعوراء، وشعلاء، وبلقاء، ونحو ذلك.
وقد قال ابن خروف. بدل هذه الأنواع: كل ما كان في آخره همزة التأنيث، يريد: من (فعلاء) و (فاعلاء) و (فاعولاء) / و (أفعلاء) و (فعالاء) ونحو ذلك.
قال ابن الضائع: وهذا لا ينبغي أن يذكر في القياس كذا، إلا أن يكون قد اطرد في بعض أبنية ألا يكون مقصورًا.
فهذه جملة نقصت الناظم، وهي أكيدة كالجملة التي ذكر، ولم يعتمد في "التسهيل" من القياس إلا على ما ذكر هنا، وهو الاعتبار بالنظير المطرد، فلعله رأى لذلك وجهًا أداة إلى الاقتصار، عليه وهو متبع في هذا لسيبويه، إذ لم يذكر إلا ما اعتبر بالنظير.
ويقال: أرعوى عن القبيح، إذا كف عنه، وارتأى الشيء: افتعل من الرأي، بمعنى التدبير.
والعادم النظير ذا قصرو ذا
…
مد بنقل كالحجى وكالحذا
يعني أن ما كان من المقصور أو الممدود عادمًا للنظير، لم يطرد في بابه، ولا كثر كثرة تقضى له بالقياس، فهو مستند إلى النقل، ومتلقى من السماع، موضعه كتب أهل اللغة، لا مدخل فيه للنحو.
وقوله: "ذا قصر" حال من ضمير "العادم" أي الذي عدم النظير في هذه الحال، و"بنقل" متعلق باسم فاعل محذوف للعلم به، وهو خبر المبتدأ الذي هو "العادم" أي ثابت بالنقل.
ثم مثل المسموع من المقصور بمثال، وهو (الحجى) ومثل الممدود بمثال آخر وهو "الحذاء" وإنما قصره لضرورة الوزن، فزما "الحجى" فهو العقل، قال الشاعر:
فإن لج في هجري صفحت تكرمًا
…
لعل الحجى بعد الغروب يثوب.
والحجى: الستر أيضًا، وبه سمى العقل حجى لأنه ستر لصاحبه من أن يظهر منه الفعل القبيح، وقال ثعلب: الحجى: الملجأ، وهو بمعنى الستر، وأنشد:
ذكرني سعدًا دعاء بالقرى
…
ونسم الريح إلى غير حجى.
ونظيره في كونه مسموعًا: العصا، والرحى، والفتى، والغنى، والتوى،
والربا، والرضا، وكثير من ذلك.
وأما (الحذاء) فهو ما ينتعل به، وهو أيضًا: القد، يقال: فلان جيد الحذاء، أي جيد القد، وحذاء. كل شيء إزاؤه، ويقال لظلف الشاه، وحافر الدابة وخف البعير حذاء.
ونظيره في السماع: الغذاء، والغطاء، والغناء المسموع، والكساء، والسماء، والسناء، والذماء، والزكاء، ونحو ذلك.
وفي كلامه هنا نظر، وذلك أنه ذكر أولاً أن ما كان له نظير/ من الصحيح فهو في القصر أو المد قياس، ثم ذكر هنا أن ما عدم النظير فليس بقياس، فاقتضى أن ما ليس له نظير من الصحيح في بابه فمسموع، وذلك على إطلاقه باطل، فإن من المقصور والممدود ما ليس له نظير من الصحيح، وهو مع ذلك مطرد في بابه، ويؤخذ بالقياس، كما ذكر في العقد الذي فاته، فمثل (فعلاء) تأنيث (الأفعل) و (فعلى) أنيث (فعلان) يقتضي أنه غير مأخوذ قياسًا، وإنما هو موقوف على النقل، وذلك غير صحيح، بل على قسمين: مقيس، وغير مقيس.
وقصر ذي المد اضطرارًا مجمع
…
عليه والعكس بخلف يقع.
هذه المسألة من لواحق باب المقصور والممدود، وهي: هل يجوز قصر الممدود، ومد المقصور أم لا؟
أما في الكلام المنثور فهذا لا يكون، لأن ما يقاس في الكلام لا يكون مأخوذ القياس إلا من الكلام، ومثل هذا لم يأت إلا في الشعر، فلا ينقل إلى الكلام، وهذا ما لا خلاف فيه، فلذلك قال:"وقصر ذي المد اضطرارًا مجمع" فقيده بحال الضرورة، وذلك إنما يكون في الشعر لا في الكلام،
ويعني أن هاهنا مسألتين:
إحدهما: مجمع عليها، يريد أنها مجمع على جوازها.
والأخرى: مختلف في جوازها ومنعها.
أما الجائزة بإجماع، على ما ذكر، فقصر الممدود، وذلك قوله:"وقصر ذي المد اضطرارًا مجمع عليه" وذلك أن يضطر شاعر إلى قصد ما هو بحق الأصل ممدود، وهو كما إذا إراد أن ينطق في شعره بـ"كساء" ولا يستقيم له الوزن مع بقاء المد فيه، فيقصره فيقول:"الكسا" هكذا على وزن الحمى والحجى.
وقد جاء مثل هذا كثيرًا في الشعر، فمنه قول الراجز:
لابد من صنعا وإن طال السفر
وقال الآخر:
والقارح العدا وكل طمرة
…
ما إن تنال يد الطويل قذالها.
أراد "صنعاء" و"العداء" وهو (فعال) من العدو، وقال شميت بن زنباع:
ولكنما أهدى لقيس هدية
…
يفي من اهداها له الدهر إثلب.
وأنشد الفراء:
فلو أن الأطبا كان حولي
…
وكان مع الأطباء الأساة.
ومن ذلك كثير.
ولم يذكر الناظم كيفية القصر، ولا ما الذي يحذف؟ الزائد أم الأصلي؟ والقياس حذف الزاائد، وهو الألف التي قبل الآخر.
وأما المسألة المختلف/ فيها فمد المقصور، فأجازه الكوفيون والأخفش من البصريين، ومنعه سائر البصريين، وذلك لوجهين:
أحدهما: القياس، وهو أن مد المقصور على خلاف الأصل، بخلاف قصر الممدود فإنه على الأصل، إذ القصر هو الأصل، بدليل أن الممدود لا تكون ألفه ألا زائدة، وألف المقصور قد تكون أصلية وزائدة، وإن كانت ألف الممدود زائدة أبدًا - فالزيادة على خلاف الأصل، فإن لا ينبغي أن يخرج عن الأصل إلى غير أصل.
والثاني: أن السماع به إما معدوم، إن تؤول ما أتوا به من ذلك، وإما شاذ لا يبلغ القياس.
وحجة الكوفيين وجهان أيضًا: القياس، من جهة الإجماع على
جواز إشباع الحركات في الضرورة، فتصير حروفًا، كقوله:
كأن في أنيابها القرنفول
وقوله:
أعوذ بالله من العقراب
وقوله، أنشده سيبويه:
نفى الدنانير تنقاد الصياريف
وذلك كثير، فمد المقصور إنما هو من هذا القبيل، فليجز كما جاز ذلك.
والسماع، فقد جاء عن العرب، نشده لأخفش وغيره:
سيغنيني الذي أغناك عني
…
فلا فقر يدوم ولا غناء.
والغنى: مقصور، وأنشد الكوفيون:
قد علمت أخت بني السعلاء
…
وعلمت ذاك مع الجزاء.
أن نعم مأكولاً على الخواء
…
يالك من تمرو من شيشاء.
ينشب في المسعل واللهاء
قالوا: قمد (السعلى) و (الخوى) وكذلك (اللها) لأنها مقصورة، وأنشد ابن الأنباري:
إنما الفقر والغناء من الله فهذا يعطى وهذا يحد.
وأنشد أيضًا:
لم نرحب بأن شخصت ولكن
…
مرحبًا بالرضاء منك وأهلا.
ولم يشر الناظم إلى مذهب له في المذهبين، بل قال:"والعكس بخلف يقع" يعني عكس قصر الممدود، وهو مد المقصور.
وقد أول البصريون هذه الأبيات، ورموها بجهالة القائلين، والإنصاف أن ما نقلوه فهم ذوو عهدته، وهم محمولون على الصدق، والتأويل بعيد، إلا أن ذلك نادر شاذ، لا يبلغ مبلغ أن يكون جائزًا كقصر الممدود.
ثم يعاد النظر مع الناظم في هذه المسألة من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها من مسائل الضرائر المختصة بالشعر، فهي، من هذا الوجه،
غير/ محتاج إليها في تكثير سواد المختصرات، ونظمه من المختصرات التي يكون ما هو أقل منها إجحافًا، فلم أتى بهذه المسألة، مع أنه محتاج إلى أن يأتي عوضها بقاعدة أو قانون يتعلق بالكلام، وهو أحوج إلى ذلك، إذ ينقصه من العربية المحتاج إليها كثير.
والثاني: أنه أتى بها على مساق الجواز القياسي، إذ قال:"وقصر ذي المد اضطرارًا مجمع عليه" يعني على جوازه، وهذا الكلام يعطى أنه جائز قياسًا، وما محله الضرورة كيف يجوز قياسًا؟ بل هذا الكلام شبه المتناقص، لأن الضرورة تؤذن بوقفه على محله، والجواز القياسي يؤذن بتسويغ النطق به للمولد والعربي ابتداء، فهذا مشكل.
والثالث: أن الناظم حكى الإجماع في جواز قصر ذي المد هكذا مطلقا، وليس النقل كذلك إلا عمن عدا الفراء، وأما الفراء فلا يجيزه إلا باشتراط، فهو لا يجيز قصر ما لا يجوز أن يأتي في بابه مقصورًا، نحو:(فعلاء) تأنيث (الأفعل) في نحو: حمراء وبيضاء، فمثل هذا لا يجوز عنده أن يقصر، لأن مذكره: أبيض وأحمر، فـ (ففعلاء) تأنيث (أفعل) لا يكون إلا ممدودًا، وكذلك حكم كل ما يقتضى القياس أن يكون ممدودًا لا غير، وهكذا يقول في مد المقصور: لا يجوز عنده إلا في ما لا يجئ في بابه ممدودًا، نحو:(فعلى) تأنيث (فعلان) في مثل: سكرى وغضبى، فلا يجوز مده لأن (فعلى) تأنيث (فعلان) لا يأتي ممدودًا أبدًا، وكذلك كل ما يقتضي القياس أن يكون مقصورًا.
والحاصل: أن ما كان مده أو قصره داخلا تحت القياس المتقدم لا يجيز الفراء المخالفة فيه في ضرورة ولا غيرها، وأما ما عدا ذلك فهو
الذي يجوز فيه ذلك عنده، فتقول على مذهبه في (رحى، وهدى، وحجى): رحاء، وحجاء، وهداء، لأنها إذا مدت صارت إلى مثل: سماء، ودعاء، ورداء.
وتقول في (سماء، ودعاء ورداء): سمًا، ودعًا، وردًا، لأنها إذا قصرت صارت إلى مثال: رحى، وهدى، وحمى هكذا النقل عنه، فإطلاق الإجماع في المسألة غير صحيح، وكذلك إطلاق الخلاف في مد المقصور، وفيه التفصيل المذكور عن الفراء، مشكل أيضًا.
والجواب/ عن الأول: أن المسألة شهيرة الموقع عند النحويين، وهي عندهم من المسائل الطبولية. وقد جعلها ابن الأنباري من مسائل "كتاب الإنصاف". فالتنبيه عليها حسن في هذا المختصر، كما فعل ذلك في مسألة "صرف ما لا ينصرف في الشعر وعكسها" فهما في الشهرة سواء، فلذلك ذكرها.
والجواب عن الثاني: إن باب "ضرائر الشعر" على قسمين منها ما يكون الشاعر مضطرًا إليها كثيرًا، فتعم بها البلوى، حتى يكثر وجودها في الشعر للضرورة، وتبلغ أن يقاس عليها فيه، كما يكثر الحكم في الكلام، حتى يبلغ مبلغ القياس فيه. وقصر الممدود من هذا القبيل، فقد كثر في النظم كثرة لا يعد مرتكبها في الشعر اختيارًا لاحنًا ولا خارجًا عن كلام العرب.
وفي "الضرائر" من هذا جملة، كصرف ما لا ينصرف، وتخفيف
المشدد في الوقف، والترخيم في غير النداء، ونحو ذلك. ومنها ما يكون موقوفًا على محله من السماع، لا يجوز لشاعر مولد استعماله لندوره في الضرائر، كقوله أنشده سيبويه:
قواطنًا مكة من ورق الحمى
وقولهم في (الجلد): الجلد، قال:
إذا تجرد نوح قامتا معه
…
ضربًا أليمًا بسبت يلعج الجلدا.
وما كان نحو ذلك، ومثل هذا لا يقال فيه: إنه جائز، فعلى الجملة، والأمر فيما يختص بالشعر بالنسبة إلى الشعر، كالأمر فيما يكون في الكلام حرفًا
بحرف وقد بينت هذا المعنى، في ما أظن في "الأصول".
وعلى هذا القانون يعن هنا اعتذار عن الناظم في مثل هذا الموضع، وهو أن يأتي بجملة من مسائل الضرائر، وما يقاس منها وما لا، ليبنى عليها الشاعر، كما يبنى غير الشاعر على ما يذكر من القوانين المطلقة. وقد تقدم التنبيه على مثل هذا.
والجواب عن الثالث: أن الإجماع المحكى في قصر الممدود صحيح على الجملة، إذا الفراء يجيزه على الجملة، لكن يشترط في الجواز، فهو باعتبار ذلك يطلق عليه أنه مجيز، وأيضًا فلما كان خلافه شاذًا لم يعتد به خلافًا.