المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد ثلاثة بالتاء قل للعشره … في عد ما آحاده مذكره. في - شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية - جـ ٦

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌العدد ثلاثة بالتاء قل للعشره … في عد ما آحاده مذكره. في

‌العدد

ثلاثة بالتاء قل للعشره

في عد ما آحاده مذكره.

في الضد جرد والمميز اجرر

جمعا بلفظ قلة في الأكثر.

شرع الناظم- رحمه الله في الكلام على الأعداد ومميزتها، وابتدأ ب (ثلاثه/ وثلاث) وترك ذكر (واحد، واثنين) لأنه إنما يتكلم فيما يتعلق بالمقاييس النحوية، واحد، واثنان ونحوهما من باب اللغة، وقد تقدم أن اثنين واثننتين يجريان كابنين وابنتين، وكذلك ثنتان كاثنتين، فالذي لما قبل الثلاثة في العدد من الألفاظ: واحد للمذكر، وواحدة للمؤنث، واثنان، واثنتان، وثنتان للمثنى، ولا يحتاجان إلى التفسير، فلا يقال: اثنا دراهم، ولا ثنتا أذرع، وكذلك (الواحد) لا يقال: واحد دراهم، ولا واحدة أذرع، وما جاء بخلاف ذلك فشاذ نحو، قول الراجز:

ص: 238

كأخ خصييه من التدلدل

ظرف عجز فيه ثنتا حنظل

هذا إذا أرادوا أن ياتوا بألفاظ العدد أنفسها، وإنما لم يحتاجوا فيها إلى التفسير استعناء عنه، إما لإتيانهم في الكلام بما يبينها، كقولك: عندي من الأولاد اثنان، ومن البنات ثنتان، ونحو ذلك.

وإما الإتيان بالمعدود نفسه، وهو أحرى بعدم التفسير، للاستغناء بلفظ الإفراد ولفظ التثنية، كقولهم: رجل، ورجلان، وامرأة، وامرأتان، وبنت، وبنتان، ونحو ذلك، فإذا أكدوا بالبيان أتوا بألفاظ العدد تابعة، فقالوا: رجل واحد، وامرأة واحدة، ورجلان اثنان، وامرأتان ثنتان، وشبه ذلك. وهذا كله ليس من هذا الباب، فلذلك لم يتعرض الناظم لذكره، ولإرادة الاختصار، ولا تعرض لذكر ذلك لما كان به بأس، لأنه تكميل كما فعل غيره من النحويين.

وقوله: (ثلاثة بالتاء قل للعشرة) إلى آخره.

يعني أنك إذا عددت ما كانت آحادة مذكرة لا مؤنثة، من ثلاثة إلى عشرة، فإنك تأتي في ألفاظ العدد فيه بالتاء التي للتأنيث، فتقول: ثلاثة رجال، وأربعة رجال، وخمسة رجال، وستة رجال، وكذلك في: سبعة، وثمانية، وتسعة، حتى تنتهي إلى العشرة، وهذا معنى "للعشرة" أي منتهيا إليها، واللام قد تأتي بمعنى (إلى) كقوله تعالى: } سقناه لبلد ميت}. وقوله: } كل يجري لأجل مسمى}. وخص ذلك بالثلاثة إلى العشرة، لأن ما فوق ذلك له حكم آخر.

وأما إذا كان العدد للمؤنث فبخلاف المذكر، لا تلحقه التاء، بل يجرد اسم

ص: 239

العدد منها، وذلك قوله:(في الضد جرد) والضد هو ضد المذكر المذكور، وهو المؤنث/ ومفعول "جرد" محذوف، وهو ثلاثة وما بعده إلى العشرة، أي جرد هذه الأسماء عن التاء المذكورة، فتقول: ثلاث بنات، وأربع أخوات، وما أشبه ذلك.

والتأنيث المذكور هنا هو التأنيث المعنوي، كان حقيقا أو مجازيا، لا التأنيث اللفظي الذي هو بالتاء، كطلحة وحمزة، ونحو ذلك، فإنك تقول: ثلاثة طلحات، وأربعة حمزات، ولا تقول: ثلاث أو أربع. وكذلك في التذكير، إنما المعتبر التذكير المعنوي لا اللفظي، فزينب، وهند، ودعد ألفاظ لا تأنيث فيها، ومع ذلك لا تلحق التاء في عدها، لأنها في المعنى مؤنثة، فتقول: ثلاث زيانب، وأربع دعدات، ونحو ذلك. وكذلك التأنيث المعنوي المجازي، كدار ونار، ونحو ذلك، فإن التأنيث فيها معنوي بالمجاز، فتحذف التاء من العدد معها.

وشرط في التذكير والتأنيث هنا أن يكون في الآحاد، لأنه قال:"في عد ما آحاده مذكرة" ثم قال: "في الضد جرد" أي في ضد ما ذكر من الآحاد المذكورة، وهي الآحاد المؤنثة، فلذلك يقال: ثلاثة سجلات، وأربعة سرادقات، وخمسة حمامات، وستة دنينيرات، وما أشبه ذلك، لان المفرد مذكر، فيعتبر وإن كان الجمع مؤنثا.

وطائفة من النحويين خالفت هذا، فاعتبرت لفظ الجمع لا لفظ المفرد، فيقولون: ثلاث سجلات وأربع حمامات، وخمس سرادقات، ونحو ذلك.

والعرب على خلاف ما قال هؤلاء، بل هم يلحقون التاء في هذا، وهو مذهب البصريين، وإياه أختار الناظم على ما دل عليه كلامه.

ص: 240

وعلى هذا التقدير فكل اسم فيه لغتان، التذكير والتأنيث، فإن لحاق التاء وعدم لحاقها معتبر بذلك، فعلى لغة التذكير تأتي بالتاء في العدد، وعلى لغة التأنيث تسقطها، فتقول في (لسان، وعضد، وحال): ثلاثة ألسنة، وثلاث ألسن، وثلاثة أعضاد، وثلاث أعضاد، وثلاثة أحوال، وثلاث أحوال.

واختلف بعد تقرير الحكم النحويون في سبب لحاق التاء عند المذكر، وعدم لحاقها في عد المؤنث، وكان الأصل أن يكون عد المذكر بلفظ مذكر، وعد المؤنث بلفظ مؤنث.

فقال بعضهم: إن ذلك للمشاكلة والمناسبة بين الأصول والفروع، فكأنهم جعلوا أصلا مع / أصل، وفرعا مع فرع، وذلك أن ألفاظ العدد كلها مؤنثة، فمنها ما هو مؤنث بعلامة، كثلاثة وأربعة، ومنها ما هو مؤنث بغير علامة، كثلاث وأربع، والمؤنث بالعلامة أصل للمؤنث بغير علامة.

والمعدود أيضا على قسمين: مذكر ومؤنث، والمذكر أصل للمؤنث، فجعلوا الأصل من اسم العدد مع الأصل من المعدود، فقالوا: ثلاثة رجال، وجعلوا الفرع من ألفاظ العدد مع الفرع من المعدود، فقالوا: ثلاث نسوة.

وهذا التعليل ظاهر من أبي القاسم الزجاجي. وعلل السيرافي بأن الثلاث إلى العشر من المؤنث مؤنثات الصيغة، فالثلاث كعناق، وأتن وعقرب، فصارت بمنزلة ما فيه علامة التأنيث، ولا يجوز أن تدخل تاء التأنيث على مؤنث كان تأنيثه بعلامة أو بغير علامة.

ص: 241

وأما الثلاثة إلى العشرة من المذكر فإنما أدخلت الهاء فيها لأنها واقعة على جماعة، والجماعة مؤنثة، والثلاث من ثلاثة مذكر، فأدخلت التاء عليه لتأنيث الجماعة.

وعلى هذا إذا سمي ب (ثلاث) الأول رجل لم ينصرف كعناق، إذا سمي به رجل، ولو سمي ب (ثلاث) من (ثلاثة) لا نصرف، لأنه بمنزلة (سحاب) من (سحابة) وقد علل بأشياء كثيرة، يكفي هذا منها.

وعلى الناظم هنا سؤلات:

أحدهما: انه اعتبر في لحاق التاء وعدم لحاقها مفرد المعدود، فعلى حكمه، من تذكير أو تامميث، أجرى اللحاق وعدمه، ولم يبين أن ذلك بالنسبة إلى الجمع أو غيره. والنحويون يقولون: إن المعدود إذا كان جمعا حقيقة فلا بد من اعتبار المفرد، كان الجمع مذكرا او مؤنثا، إلا ما ذكر من الخلاف، وكلامه على هذا صحيح.

وإن كان اسم جمع أو اسم جنس اعتبر عند المؤلف اسم الجمع أو اسم الجنس، ولم يعتبر المفرد، فتقول: ثلاث من الشاء ذكور، وثلاث من النساء، وثلاث ذود، وأربع من الخيل، وتقول: ثلاثة رهط، قال تعالى: } وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض} الآية.

وتقول على طريقته أيضا: ثلاث من النخل، وثلاثة من النخل، لأن النخل يذكر ويؤنث، قال تعالى: } كأنهم أعجاز نخل خاوية}. وقال: } كأنهم أعجاز

ص: 242

نخل منقعر} وتقول: ثلاث من البط ذكور، وثلاث من الحمام، ونحو ذلك/ لأن اسم الجنس هنا فاعتبر، ولو فرض أنه مذكر للحقت التاء. هذه طريقة المؤلف.

ولبعض المتأخرين في ذلك طريقة أخرى في اسم الجنس خاصة، وهو انه يعتبر واحده ليس إلا، فتقول: ثلاث نخل، لا غير، لأن واحدة (نخلة) وهي مؤنثة وأما اسم الجمع فكما تقدم.

وذهب ابن عصفور والأبذي إلى أن اسم الجمع إما أن يكون لعاقل أو غيره، فإن كان لعاقل اعتبر واحده لا غير، لأن الإخبار عنه إخبار المذكر، وإعادة الضمير عليه كذلك، وإن كان لغير عاقل عومل معاملة المؤنث، لأن الإخبار عنه إخبار المؤنث، وإعادة الضمير عليه كذلك.

وإن كان اسم جنس فوجهان، واعتبارا بتذكير لفظه وتأنيثه، وربما كان مؤنثا في الاستعمال لا غير، أو مذكرا لا غير، فاعتبر في العدد لفظه لذلك، فهذا طريقة ثالثة.

وظاهر كلام الناظم اعتبار الواحد خاصة، إذ لم يقيد ذلك يكون المفسر جمعا أو غيره، فإذا أخذ على إطلاقه خرج عن كلام الناس، وعن كلام نفسه في "التسهيل" وغيره. قال في "شرح التسهيل" لما شرح ما أراد شرحه من لفظ التسهيل: فالحاصل أن نحو (ثلاثة) وأخواتها لتأنيث واحد مفسرها، لا لتأنيثه إن كان جمعا، ولتأنيثه نفسه دون تعرض

ص: 243

لواحده إن كلام اسم جنس أو جمع. والذي يقتضي هذا النظم، ان يقال: ثلاث من النخل، خاصة، وأن يقال في نحو (ذود) إذا أريد به المذكر، ثلاثة ذود ذكور، ثلاثة من الخيل ذكور، كذلك. وهذا لا يقال. وقد كان يمشي له هذا الحكم في اسم الجنس على رأي من يرى ذلك، لكنه لا يمشي له في اسم الجمع أصلا، لان أسماء الجموع معتبرة في نفسها، ولا اعتبار بآحادها اتفاقا من أهل الطرق الثلاثة، فكلامه غير محصل.

والسؤال الثاني: أن التذكير والتأنيث إما أن يريد به اللفظي أو المعنوي، وكلاهما مشكل.

أما اعتبار اللفظي من غير اعتبار معنى فيلزمه أن يقول: ثلاث طلحات، وأربع حمزات، ونحو ذلك، وهو باطل اتفاقا، وأن يقول: ثلاثة زيانب، وأربعة دعود، في جمع: زينب، ودعد، ونحوه.

وإن اعتبر التذكير والتأنيث المعنوي فيلزمه أن يقول: ثلاثة من البط ذكور، وأربعة / من القرود ذكور، وثلاثة عقارب ذكور، وغير ذلك مما له تأنيث معنوي، فكان يفرق بين الذكر والأنثى في هذا، وذلك غير صحيح لا يقول به أحد، فإن الأجناس، التي لها تأنيث معنوي، وتذكير معنوي، منها ما يكون فيه اللفظ تابعا للمعنى، كامرأة، وامرئ، وغلام، وجارية ونحو ذلك، ومنها ما لا يكون فيه اللفظ تابعا للمعنى، بل يكون الأمر بالعكس، فالبقرة، والشاة، والبطة، والحية، والعقرب، والحمامة، ونحو ذلك، مؤنثة اللفظ، كان المدلول ذكرا أو أنثى، فتقول: هذه حمامة ذكر، وحمامة أنثى، وهذه شاة ذكر، وشاة أنثى، وكذلك سائرها، فتعامل اللفظ على التأنيث في الإخبار عنه، والإشارة إليه، وإعادة الضمير عليه، وغير ذلك.

ص: 244

من الأحكام الجارية على المؤنث.

وإذا كان اعتبار التأنيث المعنوي أو اللفظي غير مطرج، واعتبار التذكير اللفظي أو المعنوي كذلك غير مطرد- لم يصح إطلاقه هنا، كان غير مستقيم.

والجواب عن السؤال الأول أنه لم يتعرض في هذا النظم للكلام على اسم الجمع واسم الجنس، وذلك أن المعدود لا بد أن يتبع العدد تمييزا له، إذ لا يعرف المعدود من غير أن يذكر، وإذا كان كذلك فالناظم إنما ذكر هنا التمييز مقيدا بكونه جمعا بقوله:(والمميز اجرر جممعا) فهو إنما اعتبر الجمع خاصة، ولا شك أن المعتبر في لحاق التاء في العدد وعدم لحاقها ما يميز به، فإذا ميز بجمع اعتبر واحده في التذكير والتأنيث، فعومل اسم العدد على تلك القصد.

وأما إذا ميز بغير ذلك فله حكم آخر لم يتعرض إليه بنص، فلا اعتراض عليه إلا من جهة ترك ذكر ذلك مع كثرته في تمييز الأعداد.

ويجاب عنه بأن التمييز بالجمع الحقيقي أكثر، فلم يمكنه بالنسبة إلى قصد الاختصار إلا ذكره وحده.

والجواب عن السؤال الثاني أن التذكير والتأنيث إنما يعتبر هنا بالمعاملة اللفظية، أعني معاملته في الإخبار عنه، وعود الضمير عليه، والإشارة إليه، وغير ذلك، فإذا كان معاملا في ذلك: معاملة المذكر اعتبر فيه التذكير البتة، ولا ينظر إلى غير ذلك، وإذا كان يعامل معاملة المؤنث اعتبر فيه التأنيث كذلك، وعلى هذا الترتيب تارة يكون اللفظ تابعا للمعنى، كما في: رجل وامرأة، وغلام، وجارية، وتارة يكون الأمر/ بالعكس، كما

ص: 245

في حمامة، وعقرب، وحية، ونحو ذلك، فالاعتماد في التذكير والتأنيث لي استعمال العرب، ولذلك لم يقيدها الناظم بلفظي ولا معنوي، بل قال:"في عد ما آحاده مذكرة" و "في الضد حرد" يريد ما كان من الجمع آحاده مذكرة أو مؤنثة، ولم يقل: لفظيا ولا معنويا، فيرجع في ذلك الأحكام. وذلك واضح إن شاء الله تعالى. ثم قال:"والمميز اجرر جميعا" إلى آخره.

يريد أن مميز هذا العدد الذي هو من ثلاثة إلى عشرة، إذا أتى به، فإنه يأتي وقد توفرت فيه ثلاثة أوصاف:

أحدها: أن يكون مجرورا، فتحرز بذلك من مميز (احد عشر) وما بعده، إلى (تسعة عشر) وما بعده إلى (تسعة وتسعين) فتقول: خمسة أثواب، وأربعة رجال، وثلاثة أعبد، ونحو ذلك. وهذا لازم فيه.

وأما النصب فبابه الشعر أو نادر الكلام الذي لا يقاس عليه، كما قام بعضهم: خمسة أثوابا. والمؤلف يحكي هذا في الثلاثة وما بعدها إلى العشرة، ولكنه لم يرها هنا الاعتماد عليه، وتبع في ذلك سيبويه، إذ لم يجز مثل هذا إلا في الشعر، وأنشد في مثله قول الربيع بن ضبع الفزاري.

إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب المسرة والفتاء

ص: 246

وقد أجاز ابن خروف النصب في الكلام، وجعل الخفض هو الأكثر، قياسا على (العشرين) وكلام العرب على الإضافة، لان هذا النوع شبيه بإضافة الشيء إلى نوعه الذي هو منه، كثوب خز، وباب ساج، وخاتم حديد، وكذلك أضيف: مائة ثوب، وألف ثوب، ونحو ذلك، لأنه الأصل فيه.

ولم يذكر هنا وجه خفض الممير، وكان من حقه أن يبين ذلك، لأن المميز هنا إذا خفض على وجهين:

إحدهما: أن يخفض بالإضافة، وهو الأكثر، والآخر: أن يكون مخفوضا ب (من) نحو: ثلاثة من الرجال، وهذا أقل من الأول إذا كان الممير جمعا، فغن كان اسم جمع أو اسم جنس فلا بد من الإتيان ب "من" وما جاء على خلاف ذلك فغير مقيس عند المؤلف، فقد يذهب الوهم في إطلاقه الخفض إلا ما لا يسوغ.

والجواب: أنه لما يذكر للجر أداة، ولم يأت بها دل ذلك على أن الخفض إنما هو بالإضافة لا بغيرها، وما جاء من الجر ب (من) فقليل.

وأما اسم الجمع واسم الجنس فقد تقدم أنه لم يتكلم فيه، فلا يعترض به.

والثاني: أن يكون جمعا، والجمع هنا هو الحقيقي/ وتحرز به من اسم الجنس واسم الجمع.

أما اسم الجنس فمفرد، ولذلك تقول: نخل طويل، ونخل طويلة، فتعامله معامله المفرد.

وأما اسم الجمع فكذلك أيضا، ألا ترى أنك تقول: هو الأنعام، وتجمع (الرهط) جمع المفرد، فتقول: أرهط وأراهط: جمع الجمع، نحو:

ص: 247

كلب، أكلب، وأكالب، فما أراد إلا الجمع الحقيقي.

وإطلاقه يشعر بأن هذا لا يختص بجمع تكسير دون جمع سلامة، بل يكون جمع مؤنث سالم، ونحو: سبع بقرات، وسبع سماوات، ويكون جمع مذكر سالك، نحو: ثلاث سنين، وأربع سنين، ويكون جمع تكسير، نحو: ثلاثة رجال، وأربعة أكلب، وثلاثة قرود.

وما جاء مما عومل معاملة الجمع من غيره فقليل لم يعتبره، نحو قوله تعالى: } وكان في المدينة تسعة رهط} وقول صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة" وقول العرب: ثلاثة أشياء، و"أشياء" اسم جمع عند سيبويه والجمهور،

وقولهم: خمسة رجلة، وكان الأصل في مثل هذا ألا يضاف، بل يجر ب (من) لكنه عومل معاملة الجمع الحقيقي.

وقد وجه هذا الاستعمال في (أشياء) و (رجلة) بأنهما كان لهما نصيب من الجمع على (أفعال) فلما عدلا، هذا إلى (فعلاء) وهذا إلى (فعلة) جعلا كالنائبين عن جمعيهما، ولذلك لحقتهما التاء في اسم العدد، فقالوا: ثلاثة أشياء، وثلاثة رجلة، بخلاف (ذود) و (رهط) فإنهما لما لم يكن لهما مفرد من لفظهما يستحق جمعا عدل إليهما، فكان ذلك فيهما على خلاف القياس.

والثالث: أن يكون ذلك الجمع جمع قلة، لا جمع كثرة، وهذا الوصف هو المراد بقوله:(بلفظ قلة).

ص: 248

وحاصل المسألة أن المعدود إما أن يكون له جمع قلة فقط، أو جمع كثرة فقط، أو الجمعان معا.

فإن كان له جمع قلة فقط فهو الذي يميز به ليس غير.

وجموع القلة في التكسير: أفعل وأفعال، وأفعلة، وفعلة. وجمعا السلامة للقلة عند طائفة. ولذلك لما قال حسان بن ثابت:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما.

قيل له: لقد قللت جفان قومك وأسيافهم.

فعلى هذا القول: سبع سماوات، وسبع بقرات، وتسع آيات، وثلاثة أرسان، لأن هذه الأشياء إنما جمعت جمع قلة، أي على مثال القلة.

وإن/ كان له جمع كثرة فقط أتى به على ذلك للضرورة، نحو: خمسة دراهم، وستة دنانير، وأربعة رجال، أو أناسي.

وإن كان له الجمعان معا فالأكثر أن يؤتى بجمع القلة، نحو: ثلاثة أكلب، وأربعة أفلس، وخمسة أكبش، ونحو ذلك. وقد يجوز: ثلاثة كلاب، وأربعة فلوس، وخمسة كباش. وقد قالوا: ثلاثة كلاب، مع وجود (أكلب)

ص: 249

ولكنه قليل.

ولذلك قال الناظم: (بلفظ قلة في الأكثر) يعني أن الأكثر في كلام العرب أن يضاف إلى العدد جمع القلة لا جمع الكثرة.

وقد دخل له في هذه العبارة القسم الثاني، وهو ماله جمع كثرة فقط، فإنه، وإن كان يضاف العدد إلييهه ولا بد، فهو قليل في بابه، فعلى الجملة أضافة العدد إلى جمع الكثرة قليل.

ومما جمع فيه التمييز على لفظ الكثرة، وإن كان له مثال قلة (ثلاثة قروء) مع أن له (أقراء) ومنه في الحديث:(دعى الصلاة أيام أقرائك) ولم تقل العرب: ثلاثة اقراء، كأنهم استغنوا بجمع الكثرة عن جمع القلة.

قال المؤلف: لأن واحده (قرء) كفلس، وجمع مثله على (أفعال) شاذ، فترك لمخالفته القياس، وكذلك (شسع) قالوا: ثلاثة شسوع، مع أن له (أشساعا) وجمع مثله على (أفعال) مطرد، إلا ان أكثر العرب يستغنون ب (شسوع) عن (أشساع) فعدل عن جمع القلة لذلك، وكذلك (أربعة شهداء) عدل عن (أشهاد) فأوثر عليه، مع أن (أفعالا) يجمع عليه مثل: شاهد وشهيد وشهيد، كشريف وأشراف، وصاحب وأصحاب.

فقد تقرر من هذا كله إن الإتيان بجمع القلة هو الأكثر، والإتيان بجمع الكثرة قليل.

ووجه التفسير بجمع الكثرة وجهان:

ص: 250

أحدهما: أن يكون من إضافة الشيء إلى جنسه، فهي من الإضافة التي على تقدير (من).

والثاني: أن يكون من إضافة الجزء إلى الجملة، فهي بمعنى الإضافة التي بمعنى اللام. وهنا نظر من أوجه:

أحدها: أن قوله: في الأكثر) يمكن أن يرجع إلى قوله: (بلفظ قلة) فيكون قد نبه على ما جاء هنا بلفظ الكثرة، كما تقدم تمثيله، ويمكن رجوعه إلى الأوصاف الثلاثة، فإن كل واحد منها أكثري كما تقدم.

أما الأول: فعلى طريقة ابن خروف، حيث جعل النصب جائزا، والجر هو الأكثر.

وأما الثاني: فلأنه قد جاء ما يخالفه كتسعة رهط، وخمس ذود ونحوه. وهذا أولى من الاحتمال الأول.

والثاني: أن النحويين يجعلون من / جموع القلة جمع التصحيح، فاقتضى ذلك أن يكون أولى من جمع الكثرة في التكسير، وليس كذلك.

قال المؤلف في "التسهيل": ولا يجمع المفسر جمع تصحيح، ولا بمثال كثرة من غير باب (مفاعل) إن كثر استعمال غيرهما إلا قليلا.

فجعل جمع التصحيح في هذا الباب كجمع الكثرة، لا يصار إليه في غير ضرورة إليه إلا قليلا، فلا يجمع بالألف والتاء، ولا بالواو والنون، وإن كان قابلا لهما، مع وجود جمع قلة. وقد أطلق القول هنا في جمع القلة كيف ما كان، فاقتضى أنه أولى.

ص: 251

وقد يقال: إنه لم يرد هنا إلا جمع التكسير، وترك جمع التصحيح فلم يذكره، ولكن كلامه لا يعطي شيئا من هذا أو يقال: إن هذا الجمع عنده جمع للقلة أو الكثرة، فيجري مجرى جمع الكثرة.

والثالث: أنه لم يرتض مذهب المبرد في إجازة إضافة العدد إلى جمع الكثرة، قياسا على تأويل: ثلاثة من كذا، وأربعة من كذا، فيقول: ثلاثة كلاب، وثلاثة حمير. وجعل من ذلك قوله تعالى: } ثلاثة قروء}.

ورد عليه بأن ذلك لو جاز لم يكن للقصر على القلة معنى، لأن كل جمع للكثرة صالح لأن يقدر ب (من) فكان يقال: ثلاثة فلوس، وثلاثة دور، ونحو ذلك. ولما كانت العرب قد تحررت جمع القلة إلا في القليل دل على أن ذلك القصد عندهم غير معتبر.

ومائة والألف للفرد أضف

ومائة بالجمع نزرا قد ردف.

لما كانت مراتب العدد أربعا، مرتبة الآحاد، والعشرات والمئين، والآلاف، وابتدأ بذكر مرتبة الآحاد، وحكم التمييز معها، وأنه جمع مخفوض ذكر ما يشاركه في الخفض لا في الجمع، وهو (مائة) و (ألف).

ونصب (المائة والألف) ب"أضف" و"للفرد" معلق به، أي: أضف المائة والألف للفرد، يعني أن هذين العقدين، وهما (مائة، وألف) مميزهما مفرد لا جمع، ومخفوض بالإضافة لا منصوب، فتقول: مادة رجل وألف رجل، ولا يقال: مائة رجال، ولا ألف رجال إلا ما نذر في (المائة) مما يذكر إثر هذا.

ص: 252

ولما يعين هنا للمذكر محلا، ؟ وللمؤنث محلا، ولم يذكر علامة ولا تركها دل على أن (المائة، والألف) كذلك يكونان للمذكر والمؤنث معا، فتقول: مائة امرأة، وألف امرأة، ونو ذلك، وهو صحيح.

ونبه بكونه يجربا لإضافة على أن ذلك هو الباب فيها، وما جاء على غير ذلك فنادر، نحو قول الربيع بن ضبع:

/* إذا عاش الفتى مائتين عاما* البيت

ثم ذكر أن (المائة) قد يأتي تمييزها بجمع لكن قليلا، وذلك قوله:"ومائة بالجمع نزرا قد ردف".

يعني أن (مائة) جاءت مردفة بالجمع تمييزا قليلا. ومن ذلك قوله تعالى: } ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين} بإضافة (مائة) إلى (سنين) وهي قراءة حمزة والكسائي.

(مائة) مرفوع بالابتداء، خبره (قد ردف) أي قد تبع بالجمع. ولعل قائلا يقول: إن قوله: "ومائة بالجمع نزرا قد ردف" لم يعين فيه جرا ولا نصبا، فمن أين يعلم أنه قصد جمعا مضافا؟

فالجواب: أنه وصف المميز أولا بوصفين، وهما الإفراد والإضافة، ثم استدرك على وصف الإفراد شيئا، فبقي الوصف الآخر على وضعه، وهو الإضافة، فلا يمكن أن يريد غيره.

وإنما كان (مائة، وألف) مضافين إلى مفرد، فخالفا (عشرا) وبابه

ص: 253

في الإضافة إلى الجمع، وخالفا (عشرين) وبابه في الإضافة إلى منصوب، لأن (المائة) اجتمع فيها ما افترق في (عشر) و (عشرين) من الإضافة والإفراد، لأنها عقد العشرة، وتلي التسعين، فأخذت منهما حكمين، فالمائة من التسعين كالعشرة من التسعة.

وربما لم يقولوا في (الألف): ألف رجال، ولا ألف رجلا، لأن (الألف) عوض من قولك: عشر مائة، وحكمها حكم ثلثمائة، وأربعمائة، فلما كان عوضا مما يميز بمفرد مضاف عومل معاملة ما عوض منه، فقيل: ألف رجل، وألف امرأة.

ووجه الإضافة إلى الجمع في قوله تعالى: } ثلاثمائة سنين} أنه وضع الجمع موضع المفرد، لان المفرد هنا في معنى الجمع، فحسن لذلك، جعله الناظم نزرا، لأن هذا لم يكثر في كلام العرب، وإنما كثر الإفراد، والمتبع هو السماع.

واعلم أن الناظم أهمل هنا ذكر مسألتين:

إحداهما: تمييز (مائة، وألف) إذا ثنيا، فإن الحكم فيهما حكم المفرد، فتقول: مائتا رجل، وألفا رجل، وقد ينصب في الشعر كما تقدم، وترك ذكر هذا قريب، اتكالا على أن المثنى حكمه حكم المفرد في التمييز، ومثل هذا لا يشكل إلحاقه بما ذكر.

والثانية: تمييز ثلاث، وأربع، إلى التسع، إذا أضيف إلى (المائة) كيف

ص: 254

تكون (المائة) إذ ذاك من الإفراد أو الجمع، إذ الوهم يذهب إلى الجمع، فيقول مثلا: ثلاث مئين، أو مئات، أو مئى كما قال:

- وحاتم الطائي وهاب المئى*

/ ويكون العذر له في هذا الوهم أن (الثلاثة) وما بعدها إلى (العشرة) يفسر بجمع مخفوض. كثلاثة رجال، ولذلك جعله سيبويه القياس، فقال: وأما تسعمائة وثلاثمائة، فكان ينبغي أن يكون في القياس مئين ومئات، ولكنهم شبهوه بعشرين. وأحد عشر، حيث جعلوا ما يبين به العدد واحدا، لأنه اسم لعدد، كما أن عشرين اسم لعدد. ثم بين أنه لا يستنكر أن يوضع المفرد موضع الجمع، وأنشد على ذلك.

ص: 255

وأيضاً فذلك الحكم ثابت في (الألف) إذا جاء مميزا للثلاثة وأخواتها، نحو: ثلاثة آلاف، وأربعة آلاف، ونحو ذلك، بخلاف (المائة).

وأيضا فربما جاء ذلك مصرحا به في الشعر، كما قال كعب بن مالك الأنصاري.

ثلاثة آلاف ونحن نصية

ثلاث مئين إن كثرتا فأربع.

فالقياس إنما هو إفراد (المائة) فتقول: ثلاثمائة، وأربعمائة، قال الله تعالى: } ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين} الآية، وهو الوجه، وما عداه سماع لا يقاس عليه، وإن كان أصلا قياسيا، لأن السماع غلبه، والسماع هو المقدم ما لم يكن القياس مستعملا، فيكونا معا معتبرين في القياس. وهذه مسألة بيانها في الأصول، فكان من حقه أن يبين ذلك، لأنه ضروري.

ولم يحتج إلى ذكر حكم (ثلاثة) وأخواته مع (مائة، وألف) لأن كلامه أولا يشمله، إذا كان (الألف) لفظا مذكرا فتلحق التاء، فتقول: ثلاثة آلاف، وأربعة آلاف، ولفظ (المائة) مؤنث، فلا تلحق التاء، فتقول: ثلثمائة، وأربعمائة، وكذلك ما بعد إلي (تسعمائة).

وأحد اذكر وصلنه بعشر

مركبا قاصد معدود ذكر.

لما أتم الكلام على (الثلاثة) و (العشرة) وما بينهما أخذ يذكر ما فوق

ص: 256

ذلك من (أحد عشر) إلى (تسعة عشر) لأنه نوع من أنواع العدد، له حكم مخالف لأحكام غيره، ويوافق في بعض.

وابتدأ بذكر (أحد) و (إحدى) فبين أنك تذكر (أحد) هذا اللفظ موصولا بعشر، مفتوح الشين دون تاء، إذا قصدت أن تعد آحادا مذكرة، فجعل (أحد عشر) مخصوصا بالمعدود المذكر، كقولك: أحد عشر رجلا، وأحد عشر جملا، وأحد عشر كتابا، ونحو ذلك.

والتذكير هنا/ على ما فسر في الفصل قبل هذا، وكذلك التأنيث، لكن جعله مركبا، أي صل (احد) ب (عشر) مركبا معه، ولا شك في أن التركيب يوجب البناء وهو تركيب المزج، فكأنه قال: ركبه معه وابنه.

وهذا حكمه، وذلك أن (أحد عشر) كان أصله في القياس: أحد وعشرة، بالعطف، لكن العرب ركبتهما، فجعلتهما كالكلمة الواحدة، كما فعلت في (مارسرجس) و (رامهرمز) و (بلالاباذ) ونحو ذلك. وبنت (أحد) على الفتح، على حسب ما فعلت في غيره.

فالتركيب سبب بناء (أحد) وكذلك (إحدى) في المؤنث وكان التركيب سببا للبناء، لأن الكلمة الثانية لما عوملت معاملة الجزء من الأولى صارت مفتقرة إليها افتقار الحرف إلى ما بين معناه، فرجع البناء بالتركيب إلى شبه (الافتقار) وقد تقدم مثل هذا التقرير في موضع احتيج إليه فيه.

وأما بناء (عشر) من (أحد عشر) فسيذكر حيث تعرض الناظم للتنبيه عليه إن شاء الله تعالى.

وقوله: (قاصد معدود) منصوب على الحال من ضمير (اذكر) و"مركبا) أيضا منصوب على الحال من "احد) أي اذكر أحد مركبا مع

ص: 257

عشر حالة كونك قاصدا لمعدود ذكر، وهو على حذف المضاف، أي قاصد عد معدود ذكر، ثم قال: وقل لدى التأنيث إحدى عشره

والشين فيها عن تميم كسره.

يعني أنك إذا عددت المؤنث قلت: إحدى عشرة، فصيرت (أحدا) إلى (إحدى) على وزن (فعلي) وألحقت (عشر) التاء مع إسكان الشين عند أهل الحجاز. ودل عل ذلك إتيانه بلغة بني تميم، وهو كسر الشين، بقوله: (والشين فها عن تميم كسره" أي أن بني تميم يجعلون على الشين كسرة.

فإذن أهل الحجاز على السكون المتقدم، فتقول على لغة أهل الحجاز: إحدى عشرة، واثنتا عشرة، وثلاث عشرة، بإسكان الشين، وتكسرها في لغة بني تميم فتقول: إحدى عشرة، واثنتا عشرة، ونحو ذلك، وهذا كله في التأنيث لا في التذكير، لأنه قدم الكلام في التذكير أنه مفتوح الشين بلا تاء، وهكذا مطلقا، ولم يقيده بلغة دون لغة، فدل أنه لا يقال في لغة بني تميم: أحد عشر، أصلا، وإنما يكون ذلك في (عشرة) إذا عددت المؤنث، وذلك أن أهل الحجاز يقرءون: } فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} / بالإسكان. وبنو تميم يكسرون، قرأ طلحة بن مصرف ومجاهد وعيسى بن عمر في جماعة (اثنتا عشرة عينا) وكذلك روى هارون وعبد الوارث والخفاف عن أبي عمرو بن العلاء هنا، وفي

ص: 258

"الأعراف" قال ابن جنى: لغة أهل الحجاز في غير العدد نظير] عشرة [عشرة، يكسرون الثاني، فيقولون: نبق وفخذ، وبنو تميم يسكنون فيقولون: نبقة، وفخذ. قال: فلما ركب الأسمان، يعني العدد، استحال الوضع، فقال بني تميم: إحدى عشرة، وثنتا عشرة إلى تسع عشرة بكسر الشين، وقال أهل الحجاز: عشرة، بسكونها، ثم بين أن ذلك من جملة الانحرافات التي لحقت العدد، ومن نقض العادة الذي كثر فيه. وأتى بنظائر لذلك.

وقوله: "والشين فيها عن تميم كسرة" لا يشعر بالتزام الكسرة ولا بد، بل يدل على أن كسرة الشين من لغتهم. ويبقى بعد ذلك النظر في كونهم يلتزمون ذلك أولا، لم يدل عليه. وحسن ما فعل، فإن لتميم لغة أخرى في هذا يشركهم فيها قيعس فيما نقل، وهي فتح الشين، فيقولون إحدى عشرة واثنتا عشرة، وهي قراءة مروية عن الأعمش، وعن طلحة بن مصرف. والأشهر عن تميم الكسر، فلذلك لم ينقل الناظم غيره.

ثم قال:

ومع غير أحد وإحدى

ما معهما فعلت فافعل قصدا.

ص: 259

"مع" الأولى متعلقة ب"افعل" و"ما" موصولة في موضع نصب على المفعولية ب (افعل) و "معها" متعلق ب "فعلت" وهي صلة "ما" والعائد محذوف تقديره: ما معهما فعلته وتقدير الكلام/ افعل مع غير أحد وإحدى، وهو ثلاثة، وأربعة، وما بعدها إلى تسعة، فإنك تفعل به مع (عشر) مثل ما فعلت بهما معه.

والذي فعل مع أحد وإحدى أمور:

أحدها: انه أتى بأحد مع عشر من غير تاء في (عشر) دالا على عد ما آحاده مذكرة، فكذلك تأتي به مع غير أحد، نحو: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر.

وقد مر في الكلام المتقدم حكم ثلاثة وأربعة وما بعدها إلى الستة، من أن التاء تلحقها في عد المذكر، فكذلك تفعل ها هنا/ أيضا كما مثل.

وأما (إحدى) فإنه أتى به مع (عشرة) بتاء في (عشرة) دالا على ما آحاده مؤنثة، فكذلك يكون الحكم هنا.

وتقدم أن (ثلاثة) وما بعدها تجرد من التاء مع المؤنث، فكذلك تفعل هنا، فتقول: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، على تسع عشرة.

وقد تحصل من هذا أن (عشرة) في هذا الفصل خالفت حكمها في الفصل الثاني قبل، إذ كانت قبل تلحقها التاء مع المذكر، وتجرد مع المؤنث، وصار الحكم على العكس. وما عدا (العشرة) باق على حكمه الأول، كما سينبه عليه.

وإنما خالفوا الحكم فيها، وكان الأصل أن يقال في المذكر ثلاثة

ص: 260

عشرة، كراهية لاجتماع علامتي تأنيث، لأنهما بلفظ واحد، فإن مدلول تاء (ثلاثة) و (عشرة) تذكير المعدود، فاتحدا لفظا ومعنى، فكره اجتماعهما في شيئين، هما كالشيء الواحد.

وهذا بخلاف (إحدى عشرة) فإن علامتيه قد اختلفا معنى، لأن مدلول تاء (عشرة) التذكير، ومدلول ألف (إحدى) التأنيث، واختلفتا لفظا، لأن هذه ألف، وهذه تاء، ولذلك اجتمعت العلامتان بوجه ما في نحو: حمراوات، ولم تجتمع التاء أن في: طلحات ونحوه، فلم يكن اجتماع العلامتين في (إحدى عشرة) كاجتماع (ثلاثة عشرة) لوقيل، فرفضوه لذلك.

وخالفوا الحكم في المؤنث أيضا، وكان الأصل أن يقولوا: ثلاث عشر، كما خالفوه في المذكر، ولأن ثلاثا وعشر بناء أن مختصان بالمؤنث، فكرهوا أن يتركوهما كذلك لأنهما كالعلامتين.

ولما كان (النيف) مقدما على (العقد) تركوه مع التذكير بالعلامة على أصله، ومع التأنيث بلا علامة على أصله أيضا، تقديما للدلالة على المقصود.

الأمر الثاني: التركيب، فلما ركبوا في (أحد عشر)، و (إحدى عشرة) وبنوه على الفتح، فكذلك في (ثلاثة عشر) و (ثلاث عشرة) وأخواتهما، وما ذكر من علة البناء جار هنا، لا فرق بينهما، فتقول: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وكذلك: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، إلى سائر الأخوات.

الأمر الثالث: جريان اللغتين في (عشر) عند عد المؤنث، فتقول: ثلاث عشرة امرأة، بالإسكان على مذهب أهل الحجاز، وثلاث عشرة امرأة، بالكسر على مذهب بني تميم، ويجوز الفتح أيضا على مذهبه ومذهب قيس على ما

ص: 261

تقدم. وكذلك في أربع عشرة/، وخمس عشرة، وما بعده إلى تسع عشرة.

و(قصدا) في كلامه مصدر في موضع الحال، وهو من القصد الذي هو بين الإسراف والإقتار، وهو العدل، ومنه قوله تعالى: } واقصد في مشيك} أي ليكن عدلا بين السرعة والإبطاء، وأنشد سيبويه:

على الحكم المأتي يوما إذا قضى

قضيته أن لا يجور ويقصد.

لما قدم أن لفظ (العشرة) مخالف لما تقدم له فيه قبل ذلك، خاف أن يتوهم أن الحكم في غيره كذلك أيضا، يخالف ما تقدم، فاستدرك هنا التنبيه على ذلك، وأن الحكم الأول باق، من تجريدها مع عد المؤنث، وإلحاقها التاء مع عد المذكر، فتقول: ثلاثة عشر رجلا، وثلاث عشر امرأة، ونحو ذلك إلى التسعة والتسع، وقد تقدم وجه ذلك وعلته. فكأنه يقول: الثلاثة والتسعة وما بينهما من أخواتهما حكمهما في التركيب كما تقدم قبل التركيب، فكما تقول: ثلاثة رجال، وثلاث بنات، كذلك تقول: ثلاثة عشر رجلا، وثلاث عشرة بنتا، وهذا كله إنما هو في ما عدا: اثنى عشر، واثنتي عشرة، لأن لهما حكما آخر، ولذلك قال:"ولثلاثة وتسعة وما بينهما" إلى آخر، ولم يقل: ولاثنين وتسعة وما بينهما. فلما خرجا عن ذلك الحكم أخذ يذكرهما فقال:

ص: 262

وأول عشرة اثنتي وعشرا

إثنى إذا أنثى تشا أو ذكرا.

وأليا لغير الرفع وارفع بالألف

والفتح في جزأي سواهما ألف.

يعني أنك تولي لفظ (عشرة) بالتاء بإسكان الشين أو كسرها، لفظ (اثنتي) هكذا بلا نون، أي تجعل (عشرة) تلي (اثنتي) وهكذا لفظ (عشر) بفتح الشين من غير تاء، تجعله يلي (اثني) فتقول في الأول: اثنتي عشرة، وفي الثاني: اثني عشر، وذلك إذا أردت أن تعد الإناث، أو أردت أن تعد الذكور.

وقوله: "إذا أثنى تشا" راجع إلى قوله: "وأول عشرة اثنى".

وقوله: "أو ذكرا" راجع إلى قوله: "وعشرا اثنى" فكأنه قال: أول عشرة اثنتي إذا أنثى تشاء، وأول عشر/ اثنى إذا ذكرا تشاء، فرد الأول إلى الأول، والثاني إلى الثاني، من باب "اللف والنشر". ومنه قوله تعالى: } ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله}.

ص: 263

والحاصل أنك تقول في المؤنث: رأيت اثنتي عشرة امرأة، و] تقول في المذكر [اثنتي عشر رجلا. وتعيينه بألف الوصل لا يدفع (اثنتي) بلا ألف، فإنهما مترادفان فإن، فتقول: ثن عشرة، كما تقول: اثنتي عشرة.

فإن قلت: إن قوله: "إذا أنثى تشا أو ذكرا" عبارة مشكلة، وإن كان المعنى مفهوما، غذ الأولى أن لو قال: إذا إناثا تشاء أو ذكورا، أي قصدت بالعدد الذكور أو الإناث، وليس المقصود الإفراد في هذا لأنه يعد. وأيضا فقوله:"إذا أنثى تشاء" إنما تحصيل العبارة: إذا عد انثى تشاء، وأما أن يريد نفس الأنثى فلا.

فالجواب أن قوله: "إذا أنثى تشاء أو ذكرا" ليس المقصود منه الإناث أو الذكور في قصد الناظم، بل قصده حكاية التمييز، كأنه قال: إذا أردت اثنتي عشرة أنثى، أو اثني عشر ذكرا، فنصب (أنثى) و (ذكرا) على حكاية التمييز، أي إذا أردت التفسير بهذين اللفظين، وصار (أنثى) وذكرا عبارة عن جنس التمييز الذي ينصب بعدهما. وهذا ظاهر، والله أعلم.

ثم قال: "واليا لغير الرفع وارفع بالألف) يعني أن هذين اللفظين وهما (أثنى واثنتي) معربان، لا مبنيان، كما بنيت سائر ألفاظ هذا النوع، وهما في إعرابهما كالمثنى، يرفعان بالألف، وينصبان ويخفضان بالياء، فتقول: هؤلاء اثنا عشر رجلا، واثنتا عشرة امرأة، قال تعالى: } فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} وفي النصب: رأيت اثنى عشر، واثنتي عشرة، وكذلك الخفض. وقال: } وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما} وقد تقدم التنبيه على إعرابهما في

ص: 264

باب "المعرب والمبني" في قوله: "اثنان واثنتان كابنين وابنتين يجريان".

فقد يقول القائل: هذا تكرار لا يحتاج إليه، إذ كان الأولى به أن يقتصر على الموضع الأول، فيترك ذكر ذلك ها هنا.

فيقال في الجواب عن هذا: إن ما ذكر هنا لا بد منه، ولو لم يذكره لأخل، وذلك أنه قدم أن هذا النوع مما وقع مركبا/ والمركب مبني، بلا بد، فلولا ذكر التنبيه على إعراب هذين اللفظين لشملهما ظاهر القاعدة، فكان يوهم أنهما مبنيان مع بعدهما، فنبه على الإعراب فيهما، وأنهما باقيان على ما كانا عليه. ومن هنا زلهما في الذكر وحدهما عن سائر الألفاظ، من (أحد عشر) و (ثلاثة عشر) وأخواتهما.

فإن قلت: فلم أعرب والموجب لبنائهما قائم، فإن القصد منهما ومن غيرهما من أخواتهما واحد، وأخواتهما مبنيات، فكان الأولى الحاقهما بهما؟

فالجواب: أن أخواتهما إنما بنيت لوقوع ما بعدها منها، موقع تاء التأنيث كسائر ما بنى للتركيب، ولذلك بنى الصدر على الفتح، بخلاف (اثنتي، واثنى) فإن الثاني فيهما إنما وقع منهما موقع نون الاثنين، وما قبل ذلك محل إعراب لا بناء، فصار إلى كمضاف إليه، فلم يبطل الإعراب.

والدليل على هذا القصد فيهما أن العرب تصنيف إلى (عشر) في قولك: أحد عشر، وثلاثة عشر، ونحوه، فتقول: هذه أحد عشرك، وثلاثة عشرك، ولا تضيف إلى (عشر) في قولك: اثنى عشر، واثنتي عشرة، فلا تقول: هذه اثنا عشرك، ولا اثنتا عشرك، كما لا يقال: اثنانك،

ص: 265

ولا غلامانك، ولا نحو ذلك، فدل على ما قاله النحويون في هذين اللفظين.

ثم قال: "والفتح في جزأي سواهما ألف" يعني أن ما عدا هذين اللفظين المتقدمين ألف في جزأيه فتح آخرهما، فهو المستعمل فيهما. والجزءان هما جزءا المركب، صدره وعجزه فأحد عشر جزءان مبنيان على الفتح، وكذلك ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وأخواتها إلى تسعة عشر، من المذكر، وتسع عشرة من المؤنث.

وقد نبه بهذا الكلام على فوائد:

إحداها: أن اللفظين معا مبنيان، إذ كلن لفظ الفتح إنما نطلقه غالبا على حركة البناء، كالضم والكسر، أما بناء الصدر فقد تقدم بيانه، وأما بناء العجز فقالوا: غنه بني لتضمنه معنى الحرف العاطف، لأن الأصل فيها: أحد وعشرة، وثلاثة وعشرة، وهكذا إلى آخرها، مثل: أحد وعشرون، وثلاثة وعشرون، ونحوها، لكنهم ضمنوا العجز معنى ذلك الحرف، فبنوه لذلك، وإلا فلو لم يكن مبنيا لجرى بوجوه الإعراب، غير منصرف/ كمعد يكرب، ورامهرمز، وبابه. وقد قالوا في عجز (اثنى عشر) و (اثنتي عشرة): إنه مبني لوقوعه موقع النون، والأولى طرد الحكم في كون البناء لتضمن معنى الواو العاطفة.

فإن قلت: تنبيهه على بناء الصدر تكرار، لأنه قد تقدم له ذكر ذاك في قوله:"وأحد اذكر وصلنه بعشر مركبا" فنبه على موجب البناء، وهو التركيب، فما له كرر هذا وليس من عادته ذلك؟

فالجواب: أن ذكر البناء هنا مفهوم من ذكر الفتح، والقصد ذكر بناء العجز، وجاء معه التنبيه على بناء الصدر بالعرض لا بالقصد، وإنما

ص: 266

ذكر بالقصد ما صرح به، وهو البناء على الفتح، وأما البناء فلازم له، فما تقدم ذكره لا يجعل مقصودا له، وما لم يذكره ينبغي أن يجعل مقصودا.

والفائدة الثانية: التنبيه على الحركة المبني عليها، وهي الفتحة، وهو نصه، فأما الصدر فإنما بني على الفتحة، لأن العجز منه واقع موقع تاء التأنيث، وما قبل تاء التأنيث مفتوح، فكذلك ما أشبهه، وقد تقدم التنبيه على أوجه الشبه بين المركب والمؤنث بالتاء في باب "ما لا ينصرف".

وأما بناء العجز على الفتح فلقصد التخفيف، لخفة الفتحة دون أختها.

والفائدة الثالثة: التنبيه على أن المألوف والمعتاد فيها إنما هو الفتح، فما جاء على خلاف ذلك فليس بمعتاد، فهو إذن قليل.

والقليل الذي جاء على خلاف المعتاد له موضعان:

أحدهما: إذا أضيفت، فإن من العرب من يعربها في آخر العجز فيقول: هؤلاء خمسة عشرك، ورأيت خمسة عشرك، ومررت بخمسة عشرك، يجعلها كبعلبك قال سيبويه: وهي لغة رديئة. والذي عول عليه في ذلك بقاء البناء على الفتح، وهو الذي ألف في كلام العرب كما قال الناظم، فيقال: هؤلاء خمسة عشرك شبهه سيبويه ب (اضرب أيهم أفضل) في عدم تأثيرها بالعامل.

والثاني: (ثماني عشرة) في عد المؤنث، فإنه كلامه يعطي أن الفتح هو المألوف فيه وكذلك الحكم، فإن أشهر اللغات فيه: هذه ثماني عشرة. قال السيرافي: وهو الاختيار عند النحويين كأخواتها.

ص: 267

ومنهم من يقول: ثماني عشرة، شبه بمعد يكرب، وأيادي سبا، وقالي قلا، نحو.

ومنهم من يحذف الياء ويبقى الكسرة، فيقول/: ثمان عشرة.

ومنهم من يقلب الكسرة فتحة، فيقول: ثمان عشرة، ومنه قول الأعشى:

ولقد شربت ثمانيا وثمانيا

وثمان عشرة واثنتين وأربعا.

ومما جاء في هذه اللفظة من غير المألوف إضافة الصدر إلى العجز، أنشد الكوفيون عليه قول الشاعر:

كلف من عنائه وشقوته

بنت ثماني عشرة من حجته.

عومل معاملة (معد يكرب) فيمن يضيف، ولكنه شاذ جدا، قال السيرافي في البيت: لم يعرفه البصريون.

والفائدة الرابعة: أنه لما ذكر أن الفتح هو المألوف والمعتاد عند العرب أشعر ذلك بأنه القياس، وأن غيره مما ليس بمعتاد ولا معروف ليس بقياس، ودل على أن مذهبي الأخفش والفراء ليسا بمرضيين عنده.

ص: 268

أما الأخفش فإنه أجاز أن تعرب هذه المركبات في أواخرها إذا أضيفت، قياسا على ما حكاه سيبويه من اللغة الرديئة، فهو عنده قياس، فيقول: هؤلاء خمسة عشرك، وثلاثة عشرك، ومررت بخمسة عشرك، ونحو ذلك، ونقل سيبويه يعطي أنها لغة غير مرتضاه، فلا ينبغي القياس عليها.

وأما الفراء فإنه أجاز إعراب هذه المركبات إعراب: عبد الله، وامرئ القيس، سواء أضيفت أم لم تضف، فيقول: هؤلاء خمسة عشر، وخمس عشرة، قياسا على ما أمشد من قوله:

*بنت ثماني عشرة من حجته*

قال الفراء: وإذا أضفت الخخمسة عشر إلى نفسك رفعت الخمسة، فتقول: ما فعلت خمسة عشري؟ ورأيت خمسة عشري، فإنما أعربت الخمسة لإضافتك العشر، فلما أضيفت العشر] إلى الياء منك [، لم يستقم للخمسة إن تضاف وبينهما عشر، فأضيفت عشر لتصير اسما، كما صار ما بعدها بالإضافة اسما. قال الفراء: سمعتها من أبي فقعس وأبي الهيثم العقيلي.

وهذا من القليل الذي ينقل ولا يعتد بمثله، ولا يبنى عليه.

وهاتان الفائدتان الأخيرتان قد نبه الناظم عليهما تصريحا إثر هذا بقوله:

ص: 269

وإن أضيف عدد مركب

يبقى البنا وعجز قد يعرب.

لأنهما مأخوذتان هنا بالمفهوم، والتصريح بهما أحسن.

ثم بين تمييز (العشرين) وأخواتها/ و (أحد عشر) وأخواتها فقال

وميز العشرين لا تسعينا

بواحد كأربعين حينا.

يعني أن (العشرين) وأخواتها، وهي (الثلاثون) و (الأربعون) و (الخمسون) وما بعدها إلى التسعين) تميز بمفرد منصوب.

أما كونه مفردا فهو قوله: "بواحد" فلا يفسر بجمع، فلا يقال: عشرون دراهم، ولا ثلاثون أثوابا، لان المطلوب تمييز جنس المعدود، والمفرد يكفي من ذلك.

والجمع هو الأصل، إذا كان الأصل أن يقال: عشرون من الدراهم، لكنهم أرادوا التخفيف، فأتوا بالمفرد عوضا من الجمع، لما يؤدي من معناه.

وإن جاء ما ظاهره خلاف ذلك فمؤول، كقول علقمة بن عبدة:

فكان فيه ما أتاك وفي

تسعين أسرى مقرنين صفد.

ف" أسرى" ليس بتمييز، وإنما هو صفة للتسعين، والتمييز محذوف، أي تسعين رجلا أسرى، وكذلك ما أنشد في الحماسة من قول

ص: 270

ابن ماوية:

تجودت في مجلس واحد

قراها وتسعين أمثالها.

ف " امثالها" بدل وليس بتمييز.

وقد أجاز السيرافي إذا أردت أن تجمع جماعات مختلفة أن تفسر (العشرين) ونحوها بجماعة، فتكون (عشرين) كل واحد منها جماعة، ومثل ذلك: التقى الخيلان، فتقول على هذا: عشرون خيلا، قال:

تبقلت من أول التبقل

بين رماحي مالك ونهشل.

قال: فتقول على هذا: عشرون رماحا، تريد: عشرين قبيلة، لكل واحدة منها رماح. وقال:

ص: 271

سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا

فكيف لو قد سعى عمرو عقالين.

لأصبح الناس أوبادا ولم يجدوا

عند التفرق في الهيجا جمالين.

وكلام الناظم يدفع هذا الجواز، ودفعه ظاهر، لأن مبني على قولهم: خيلان وجمالان، ونحو ذلك، وهو قليل، فلا ينبغي أن يبني عليه. ومثل هذا القياس يلزمه في المركب أيضا، وفي (مائة) و (ألف). وسينبه على ذلك إثر هذا إن شاء الله.

وأما كون المميز منصوبا فيعطيه مثاله، وهو قوله:"كأربعين حينا" ف "حينا" مفرد منصوب، وإلزامه النصب بما أشار إليه المثال ودليل على أنه لا يعتبر الخفض/ بالإضافة قياسا، فلا يقال: ثلاثو درهم، ولا أربعو ثوب، كما مائة درهم، ومائتا ثوب.

وقد حكى الكسائي أن من العرب من يضيف (العشرين) وأخواته إلى المفسر منكرا أو معرفا، فيقول: عشرو درهم، وثلاثو ثوب، وأربعو عبد، ولم يعول عليه الناظم في القياس، فلذلك لم يذكره.

وإنما نصب (عشرون) وأخواته تشبيها ب (ضاربين زيدا) وذلك أنهم لما أفردوه زادوه تخفيفا أيضا بحذف (من) وأعملوا (العشرين) في

ص: 272

(درهما) فنصبوه تشبيها ب (ضاربين) في ثبات النون والنصب، وحذفها والخفض على الجملة، لأنك تقول: ضاربون زيدا، وضاربوا زيد، وكذلك تقول: عشرون درهما، وتحذف النون وتخفض، وذلك إذا كان ما بعدها مالكا أو نخوة، نحو: عشرو زيد، كما تقول: غلمان زيد، فلما كانت (عشرون) ك (ضاربين) في هذا المعنى، وكانت تقتضي مفسرا كما يقتضي (ضاربون) معمولا- نصب به لذلك.

واعلم أن الناظم لم يتعرض هنا لحال (لنيف) مع هذه العقود. والحكم فيها أن العقود تعطف بالواو على (النيف) فتقول: أحد وعشرون، واثنان وثلاثون وثلاثة وأربعون.

وكان حقه أن يذكر ذلك، ترك ذلك للعلم به، وعلى أنه قد ذكر لزوم الواو مع اسم الفاعل المشتق من العدد، نحو: الحادي والعشرين، ونحو ذلك.

وأما حكم (النيف) مع لحاق التاء مع المذكر، وعدم لحاقها مع المؤنث، فتشمله القاعدة الأولى.

وكذلك إطلاقه لإتيان بالعشرين للتسعين، من غير تفريق فيها بين مذكر ومؤنث، يشعر بأن التفريق فيها مهمل، فيجوز أن تعد بها المذكر والمؤنث، فتقول: عشرون رجلا، وعشرون امرأة، ونحو ذلك، كما كان ذلك في (مائة، ولف) وإنما فرق بين المذكر والمؤنث في (العشرة) وحدها من جملة العقود، وأما (النيف) فهو الذي التزم ذلك فيه. ثم قال:

وميزوا مركبا بمثل ما

ميز عشرون فسوينهما.

يعني أن العدد المركب، وهو من (أحد عشر) إلى (تسعة عشر) ميزته

ص: 273

العرب بمفرد منصوب، كما ميزت (عشرين) وأخواته بواحد منصوب.

وقصده أن هذا التمييز المذكور هو المعتبر في هذا النوع من العدد، لا دخول لغير ذلك فيه، كما كان ذلك في (عشرين) فلا يفسر بمخفوض/ ولا بجمع، فلا يقال: أحد عشر دراهم، ولا أحد عشر درهم.

أما النصب فلأن العرب جعلت المركب كالمنون، وعاملته، معاملته، قال سيبويه. قال السيرافي: لا يصح إلا ذلك، لأن لأصل خمسة وعشرة، فليس بعد الخمسة شيء أضيفت إليه، فوجب أن تكون منونة ومحل العشرة محل الخمسة، فكانت منونة مثلها.

وأيضا فلم تر شيئين جعلا اسما واحدا، وهما مضافان أو احدهما فوجب النصب لذلك، كذا قال السيرافي في التعليل فانظر فيه.

وأما الإفراد فلما تقدم من أنه كاف لعلم المقدار.

وقوله: "فسوينهما" يريد: سو بين المركب في هذا الحكم، وهو وجوب الإفراد والنصب، وبين (عشرين) وأخواته. ونكت بذلك على ما ذهب إليه الزمخشري في "الكشاف" في قوله تعالى: } وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما} من أن "أسباطا" تمييز.

قال الزمخشري: فإن قلت: مميز ما عدا العشرة مفرد، فما وجه مجيئه مجموعا؟ فالجواب: أن المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط لا سبط، فوضع "أسباطا" موضع قبيلة، كما قال:

ص: 274

*بين رماحي مالك ونهشل*

قال المؤلف: فمقتضى ما ذهب إليه أن يقال: رأيت أحد عشر أنعاما، إذا أريد إحدى عشرة جماعة، كل واحدة منها أنعام. قال ولا بأس برأيه في ذلك لو ساعده استعمال، لكن قوله:(كل قبيلة أسباط لا سبط) مخالف لما يقوله أهل اللغة، من أن السبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب. قال: فعلى هذا معنى} قطعناهم اثنتي عشرة أسباطا} قطعناهم اثنتي عشرة قبائل، ف (أسباط) واقع موقع (قبائل) لا موقع قبيلة، فلا يصح كونه تمييزا، وإنما هو بدل، والتمييز محذوف. وعلى هذا المحمل حمل الآية أيضا غير ابن مالك، كالشلوبين وابن أبي الربيع وغيرهما.

وقد جعل هذا بعضهم قياسا، على أن يكون بدلا يقوم مقام التمييز، وهذا غير ممتنع، وإنما الممتنع أن ينصب على التمييز كما قاله الزمخشري.

وما رآه السيرافي في (عشرين) وأخواته من جواز التمييز بالجمع على التقدير الممذكور جار له هنا، إذ لا فرق بين أن تقول: / هذه/ عشرون خيلا، وثلاثون رماحا، وبين أن تقول إحدى عشرة خيلا، وثلاث عشرة رماحا، فيكون الناظم أيضا قد تحرز من هذا المذهب:

وإن أضيف عدد مركب

يبقى البنا وعجز قد يعرب

ص: 275

يعني أن العدد المركب إذا أضيف فإن البناء يبقى على ما كان عليه قبل الإضافة. وهذا الكلام مؤذن أولا بجواز الإضافة إلى العدد المركب، فتقول: هذه أحد عشرك، وثلاثة عشر زيد، فيبقى على ما كان عليه من البناء على الفتح، وذلك في الجزءين معا، فالصدر لتركيبه مع الثاني، والجز لتضمنه معنى الحرف، وهذا الاستعمال هو الأكثر في كلام العرب ..

وقد يعرب العجز، يعني قد يقع الإعراب في آخر العجز، فتقول: هؤلاء أحد عشرك، ومررت بأحد عشر زيد، كما يعرب المركب في آخره، وقد مر ذكر هذا.

ويريد أن العجز هو المعرب، وما عداه مبنى، ولا يؤخذ من هذا أن إعراب العجز يؤدي إلى إعراب الصدر ضرورة، غذ كان إعرابه لا يمكن إلا باستقلاله بنفسه، وإزالة التركيب، وذلك يستلزم أن يكون مضافا إليه، والأول مضاف، فيصيران معا معربين، كامرئ القيس، وعبد الله، ونحوه، لأنا نقول: ذلك غير لازم، ولا يستلزم إعراب العجز إعراب الصدر. ألا ترى أن المركب تركيب مزج مبني الصدر، معرب العجز، فالصدر في مسألته باق على الحكم الذي قدم فيه، وهو البناء، ولا يصح أن يقال: لعله نبه على كلا السماعين، وما حكاه سيبويه، وما حكاه الفراء، وقد ذكر قبل، لأنا نقول: إن الناظم إنما قال: "وعجز قد يعرب" فأفرد العجز وحده بالإعراب، ولو كان مراده ذلك لقال: وقد يعرب المركب، أو ما يعطي هذا المعنى، فإنما نبه على ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب: خمسة عشرك. قال: وهي لغة رديئة.

ص: 276

قال ابن خروف: يقول: هي كبعلبك في الرداءة، ولهذا قال الناظم:"وعجز قد يعرب" فنبه على قلتها وضعفها.

وصغ من اثنين فما فوق إلى

عشرة كفاعل من فعلا

واختمه في التأنيث بالتا ومتى

ذكرت فاذكر فاعلا بغير تا

هذا الفصل يذكر فيه اسم الفاعل المشتق من أسماء العدد، ويقرر/ الحكم الذي له في قوانين النحو. وله في هذا الباب ثلاثة مواضع:

أحدها: الآحاد من اثنين إلى عشرة. والثاني: من أحد عشر إلى تسعة عشر والثالث: من عشرين إلى تسعين.

وأحكامه مختلفة باختلاف هذه المواضع، فذكر كل فصل على حدته، وابتدأ بذكره مع الآحاد، لكنه قدم مقدمة نقلية، تشمل جميع المواضع، وهي الإخبار عن جواز صوغ اسم الفاعل من هذه الألفاظ، فقال:"وصغ من اثنين فما فوق" إلى آخره. يعني أنه يجوز أن تصوغهن هذه الألفاظ التي هي: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وخمسة، وما بعدها إلى العشرة اسما يوازن اسم الفاعل المبني من فعل ثلاثي، وهو (فاعل) الجاري على (فعل) فتقول: ثان، وثالث، ورابع، وخامس، وهكذا إلى عاشر، كأنك تجريها على/ ثنيت، وثلثت، وربعت، إلى: عشرت، كما تقول: ضارب من (ضربت) وحامل من (حملت) ونحو ذلك.

وإنما قال: "كفاعل من فعلا" فبين أن ذلك إنما يكون كالمبني من الثلاثي، تحرزا من سبق الفهم إلى جواز البناء على موازنة اسم الفاعل

ص: 277

من غير الثلاثي. كمفعل، ومتفعل، ومفتعل، ونحوه، فإن مثل هذا لا يجوز وهو قد قال:"كفاعل" ف (فاعل) قد يكون عبارة عن اسم الفاعل، لا عن نفس البناء.

وإنما نبه على جواز الصوغ هنا، لأنه على خلاف الأصل، ألا ترى أنه على حد الوجهين يصاغ من نفس اسم العدد لا من مصدره، وذلك إذا كان بمعنى بعض أصله، فليس فيه رائحة من معنى الاشتقاق الذي في نحو: ضارب من (ضرب) فلما كان كذلك احتاج إلى الإعلام بأن ذلك سائغ ومنقول من كلام العرب، وعليه ينبني الكلام في هذا الفصل.

والبناء الذي نبه عليه هنا على وجهين:

أحدهما: أن يكون من اسم العدد نفسه، فتقول: ثالث ثلاثة، ورابع أربعة، وخامس خمسة، فهذا لم يقع بناؤه من مصدر استعمالي أصلا، إذ لا يقال: ثلثت الثلاثة ثلثا، ولا ربعت الأربعة ربعا، ولا خمست الخمسة، ولا ما أشبه ذلك، فلم يكن له مصدر تشتق منه هذه الصيغة، فثالث مشتق من لفظ (الثلاثة) ورابع من (أربعة) وهكذا ما عداها. وهو داخل في الاشتقاق السماعي، وهو الاشتقاق / من أسماء الأجناس، كتربت يداه من (الترب) واستحجر الطين، من (الحجر) واستتيست الشاة، من (التيس) على ما هو مبين في علم "الاشتقاق".

والوجه الثاني: أن يكون البناء من المصدر حقيقة، فتقول: ثالث اثنين، ورابع ثلاثة، وخامس أربعة، ونحو ذلك، فهذا النوع لم يقع بناؤه من اسم العدد نفسه، لأنك تقول: ثلثت الاثنين، وربعت الثلاثة، وخمست الأربعة، ونحو ذلك. هذا وإن كان المصدر مشتقا من اسم العدد، فإن

ص: 278

المصدر الاستعمالي هو الأصيل في الاشتقاق، بخلاف أسماء الأجناس، كما ذكر في "كتاب الاشتقاق" وكلا القسمين هو المذكور بعد هذا.

ولما كانت ألفاظ العدد مخالفة لسائر الأسماء في لحاق علامة التأنيث، فإنها تلحق إذا أريد بها المذكر، وتسقط إذا أريد بها المؤنث، على عكس الأمر في سائر الأسماء- خاف أن يتوهم أن حكم المخالفة منسحب على اسم الفاعل فيه، فنص على أن حكمه موافق لسائر الأسماء فقال:"واختمه في التأنيث بالتاء" إلى آخره.

يعني أنك تلحقه التاء إذا أردت به المؤنث، فتقول: ثالثة ثلاث ورابعة أربع، وخامسة خمس، وكذلك في المخالف نحو: رابعة ثلاث، وخامسة أربع، وما أشبه ذلك.

وتسقطها إذا أردت المذكر فتقول: ثالث ثلاثة، ورابع أربعة، وكذلك ثالث اثنين، ورابع ثلاثة ونحو ذلك.

و"بالتاء" متعلق ب"اختمه" و"في التأنيث" حال من ضمير "اختمه" البارز، أي اختمه بالتاء حال كونه في التأنيث، جعل التأنيث له ظرفا مجازا.

ثم بين مواضع القسمين المذكورين، وهما اسم الفاعل المشتق من اسم العدد، والمشتق من المصدر، والحكم فيهما، وتنزيل اللفظ على معناهما، فقال:

وإن ترد بعض الذي منه بني

تضف إليه مثل بعض بين

ص: 279

وإن ترد جعل الأقل مثل ما

فوق فحكم جاعل له احكما.

اعلم أن مدلول اسم الفاعل في باب العدد واحد من آحاده مطلقا، فثالث، أو رابع، مدلوله فرد من أفراد الثلاثة، أو من أفراد الأربعة، لأن (فاعلا) و (فاعلة) في سائر الأبواب معناه واحد وواحدة، فكذلك هنا، فإذن لا يستعمل في هذا الباب/ إلا كذلك لمقصد خاص في الإخبار بذلك الواحد، أو الإخبار عنه.

والقصد به في الاستعمال وجهان:

أحدهما: أن تقصد به قصد البعض، بمعنى أنك تريد الإخبار عن واحد من آحاد العدد، من حيث هو بعضها خاصة، وهذا معنى قوله:"وإن ترد بعض الذي منه بني" أي إن ترد بعض العدد الذي بني اسم الفاعل من لفظه، فالحكم أن تحكم له بحكم البعض البين، أي الظاهر الموجود في نص الكلام، فتقول: ثالث ثلاثة، ورابع أربعة، فتضيف (الثلاثة) إلى (ثالث) و (الأربعة) إلى (رابع) كما تضيف لفظ البعض لو قلت: بعض ثلاثة، وبعض أربعة، لأن معناه مثل معناه.

وقد اشتمل هذا الكلام على حكمين:

أحدهما: لزوم الإضافة في هذا القصد، لان معنى اسم الفاعل هذا معنى البعض، فكما أن البعض يلزم الإضافة، فكذلك ما كان في معناه. وسبب ذلك أنه مشتق من اسم العدد نفسه، فلا إشعار له بالاشتقاق الذي يؤدي معنى الفعل، وهو سبب العمل. ومن هنا لم تنطق العرب بالفعل كما تقدم قبل، فلا يجوز إذن أن يقال: هذا ثالث ثلاثة، كما

ص: 280

لا يقال: هذا بعض ثلاثة، إذ لا ناصب له، وهذا مذهب الجمهور.

وقد أجاز الأخفش النصب والتنوين في هذا القسم، فتقول: هذا ثالث ثلاثة ورابع أربعة، ونحو ذلك، وكانه قاس ذلك على قول العرب: ثنيت الرجلين، إذا كنت الثاني منهما، فها هنا يصح أن يقال: هذا ثان اثنين، وهو بمعنى: أحد اثنين أو بعض اثنين، فكذلك ينبغي على هذا أن يقال: هذا ثالث ثلاثة، بمعنى واحد من ثلاثة، وكذلك رابع أربعة، وخامس خمسة، ونحو ذلك.

ورده المؤلف بأن موازن (فاعل) المشار إليه إذا أريد به معنى (بعض) لا فعل له، فإن العرب لا تقول: ثلثت الثلاثة، ولاربعت الأربعة، وجاز ذلك في (ثاني اثنين) لأن له فعلا يجري مجرى القسم الثاني الجاري مجرى اسم الفاعل.

والحكم الثاني: أن يكون الإضافة إلى المتفق لا إلى المختلف، فتقول: ثالث ثلاثة، ورابع أربعة، لأن المعنى أحد ثلاثة، أو بعض ثلاثة. ولا يصح أن تقول في هذا الفصل: ثالث/ اثنين، ولا رابع ثلاثة، ونحو ذلك، لأن قصد البعض هنا يفسد المعنى، إذ كان المعنى: بعض اثنين وهو ثالث، أو بعض ثلاثة وهو رابع، وهذا فاسد وهذا الحكم لم ينص عليه الناظم نصا، ولكن تركه لتضمن الاشتراط المعنوي إياه، وهو كونه بمعنى (بعض).

والقصد الثاني من القصدين في (فاعل) من أسماء العدد: أن تريد به معنى جعل الأقل من العدد مثل ما فوقه، فإذا كان (ثلاثة) أردت أن تجعله (أربعة) أو (خمسة) أردت أن تجعله (ستة) فاسم الفاعل هنا

ص: 281

تحكم له بحكم "جاعل" اسم الفاعل من (جعل) وذلك قوله: "وإن ترد جعل الأقل مثل ما فوق" إلى آخره.

يريد أنك تحكم له بحكم اسم الفاعل من كل وجه، فتقول: هذا ثالث اثنين، بالإضافة، كما تقول: هذا جاعل الاثنين ثلاثة، وكذلك تقول: هذا ثالث اثنين، كما تقول: هذا جاعل الاثنين ثلاثة.

ويتضمن هذا الكلام أيضا حكمين:

أحدهما: عدم لزوم الإضافة، بل تجوز الإضافة وحذف التنوين، والنصب مع التنوين، كما في اسم الفاعل، وأيضا فيشترط فيه ما يشترط فيه ما يشترط في اسم الفاعل، ويجري على ما يجري عليه من الأحكام، فإذا كان بمعنى الماضي لم يعمل، وإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال جاز إعماله، ولا يعمل إلا بشروط تقدم ذكرها في "اسم الفاعل" كالاعتماد على حرف نفي، أو استفهام، أو نداء، أو وقوعه خبرا، أو حالا، أو صفة، أو نحو ذلك مما تقدم ذكره، لأن (ثانيا) و (ثالثا) هنا من: ثنيت، وثلثت، كما كان (جاعلا) من: جعلت.

والثاني: أنه لا يضاف إلى ما كان من العدد موافقا، فلا تقول بهذا المعنى هذا ثالث ثلاثة، وغنما تقول: هذا ثالث اثنين، ورابع ثلاثة، لأن معنى (جاعل) لا يتصور إلا مع المخالف، ف (ثالث اثنين) يصح على معنى، جاعل الاثنين ثلاثة، بخلاف (ثالث ثلاثة) فإنه لا يصح فيه ذلك، وقد تقدم التنبيه على هذا المعنى، وكلامه يشعر بهذين الحكمين، لأنه قال:"وإن ترد جعل الأقل مثل ما فوق" فهذا مستلزم للمخالفة. قال" فحكم جاعل له احكما" فهذا معنى إجازة النصب فيه والتنوين.

إلا أن هذا الفصل فيه نظر من وجهين:

ص: 282

أحدهما: أنه قال" وضغ من اثنين فما فوق" ثم بين أن الاستعمال/ على وجهين، بمعنى (بعض) وبمعنى (جاعل) فاقتضى هذا الكلام أن يجوز صوغ (فاعل) بمعنى (جاعل) من اثنين، ومن شرطه لا يضاف إلا إلى العدد المخالف، فيقال: هذا ثان واحدا، وهذا ثاني واحد، كما تقول: هذا ثالث اثنين، وهذا ثالث اثنين، لكن هذا لا يقال.

وقد ذكر المؤلف في "شرح التسهيل" أن العرب لم تستعمل (ثانيا) بمعنى (جاعل) وإنما جعلته بمعنى (بعض) والتزمت ذلك فيه. وأصل النقل في منع ذلك لسيبويه.

وأيضا فمقتضى كلامه لزوم الإضافة في اسم الفاعل الذي بمعنى (بعض) مطلقا، وقد تقدم أنه يستعمل ذا وجهين في (ثان) كالذي بمعنى (جاعل) حكاه أيضا المؤلف كما تقدم. فيجوز على ما نقل أن يقال: هذا ثاني اثنين بالإضافة، وثان اثنين، بالتنوين والنصب، لأنك تقول: ثنيت الاثنين، ولا يصح هنا أن يكون بمعنى (جاعل) إذ لا يمكن أن يقال: جعلت الاثنين اثنين. فإطلاق الناظم الكلام في هذه المسألة يؤدي إلى معنى غير صحيح.

والوجه الثاني: أن قوله: "فحكم جاعل له احكما" يقتضي أن جواز الوجهين في هذا الباب يساوي الجواز في اسم الفاعل مطلقا، وقد قالوا في الإضافة في هذا الباب.

ص: 283

إنها أولى، بخلاف باب "اسم الفاعل"، فإن الإضافة فيه ليست بأولى من النصب، وفرق بينهما بعض شيوخنا بأن اسم الفاعل مشتق من أصل، وهو المصدر، واسم الفاعل هنا مشتق من فرع، لأنه مشتق من مصدر اشتق من اسم العدد، فحيث ضعف الاشتقاق قويت الإضافة، وحيث قوي الاشتقاق ضعفت الإضافة. وإذا ثبت هذا ظهر أن إطلاق الناظم القول بأن حكم اسم الفاعل هنا حكم (جاعل) مطلقا فيه ما ترى.

والجواب عن الأول لا يحضرني الآن.

وأما الثاني فإن سلم الفرق بينهما في ذلك الحكم فلا خلل في ذلك، لجواز الوجهين على الجملة. وقد مضى له من هذا أشياء يترك فيه الترجيح، إذ لا محذور يلقى في ذلك الإطلاق.

وقوله: "مثل بعض بين""بعض" هنا المراد به هذا اللفظ، ولكن نكره كما ينكر العلم إذا قلت: مررت بزيد وزيد آخر، لأن/ الألفاظ أعلام على أنفسها، لأنك تقول: هذا زيد ثلاثيا، ولا تجرى عليه النكرة صفة، فكان حقه أن يقول: مثل بعض البين، أي المذكور في اللفظ، لكن ذهب مذهب تنكيره فصح وقد مر نحو من هذا في "باب المعرف بالأداة".

وقوله: "فحكم جاعل له احكما""حكم" منصوب على المصدر المشبه به، أي احكم حكما مثل حكم (جاعل) ولا يكون اسما، لأن التعدي إلى الاسم بالباء، فإنما يقال: احكم بحكم كذا، ولا يحمل على حذف الباء، لأن باب:

*تمروت الديار ولم تعوجوا*

ص: 284

شاذ والكاف في قوله: "كفاعل من فعلا" اسم تعدى إليه "صغ" أي صغ مثل فاعل، فجعل الكاف اسما، كما قال الأعشى:

أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل.

فالكاف في "كالطعن" في موضع رفع على الفاعلية، وقال امرؤ القيس:

فإنك لم يفخر عليك كفاخر

ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب.

وإن أردت مثل ثاني اثنين

مركبا فجئ بتركيبين.

أو فاعلا بحالتيه أضف

إلى مركب بما تنوي يفي.

وشاع الاستغنا بحادي عشرا

ونحوه وقبل عشرين اذكرا.

وبابه الفاعل من لفظ العدد

بحالتيه قبل واو يعتمد

ص: 285

هذا هو الموضع الثاني من مواضع اسم الفاعل المشتق من اسم العدد] وهو العدد [من أحد عشر إلى تسعة عشر.

واعلم أن الاشتقاق هنا إنما يكون بمعنى (بعض) لا بمعنى (بعض) لا بمعنى (جاعل) فلذلك قال: "وإن أردت مثل ثاني اثنين مركبا" فبين بقوله: "ثاني اثنين" أن المستعمل هنا إنما هو اسم الفاعل الذي بمعنى (جاعل) اسم فاعل حقيقة، واسم الفاعل إنما يبنى من الثلاثي المفرد كما تقدم. والمبنى منه هنا مركب لا مفرد، فهو أكثر حروفا من الثلاثي، وأيضا فلا يبنى من المركب اسم في صريح كلام العرب، وما جاء من نحو قولهم: عبقسي وعبشمي لا يبنى عليه، ومن هنا منعه أبو الحسن الأخفش، فإذن لا يتصور هنا هذا الاستعمال.

فإن قلت: احذف الجزء الثاني من الأول فأقول: هذا ثالث اثني عشر، ورابع ثلاثة عشر ونحو ذلك.

فالجواب: أن ذلك لا ينبغي أيضا/ أن يجوز، لأنه فرع ذلك الممتنع ومحذوف منه، فيمتنع بامتناعه، اللهم إلا أن يثبت من كلامهم: ربعت الثلاثة عشر، أو نحوه، فإنه يصح على هذا أن يقال: هذا رابع ثلاثة عشر.

وفي "التذكرة" عن أصحاب سيبويه جواز ذلك، لأن (عشر) في حذف، فهو بمنزلة ما ليس في الكلام، فإنما بني (فاعل) من (ثلاثة) و (أربعة) التي في الكلام.

ص: 286

قال أبو علي: يقوي ذلك أن (حادي) ونحوه معرب، فدل الإعراب على أن ذلك المحذوف ليس معنيا به، وصار مثل الأسماء التي تجري على الفعل. هذا ما قال.

وقد حكى بعضهم أنه يقال: ربعت الثلاثة عشر. وقالوا: معي عشرة فأحدهن لي، فهذا بمنزلة رابع ثلاثة عشر، فتقول: هذا حادي عشرة، وحاد عشرة، فصح من هذا أن المركب من العدد يمتنع أن يبنى منه بمعنى (جاعل) إذا كان البدء من مركب، ولا يمتنع إذا كان من غير مركب.

فإن قلت: فإذا كان حكى هذا جاز إذن في المركب استعمال الذي بمعنى (جاعل) مطلقا، والناظم قد قيد ذلك بمثل (ثاني اثنيين) فكان ينبغي أن يطلق القانون إطلاقا، إذ قد أجازوا ذلك، نص عليه الشلوبين وغيره، وهو موافق لما حكى، ولا يلزم من امتناع البناء امتناع البناء من غيره.

فالجواب: أن السماع بذلك، أعني بقولهم: ربعت الثلاثة عشر، ونحوه نادر، فلم يعتبره، وعلى اطراحه بني في "التسهيل"، فلا اعتراض عليه فيما ذهب إليه، ومع أن شيخنا الأستاذ- رحمه الله عمم الجواز مطلقا قياسا على ذلك المسموع، وذلك ظاهر من جهة أن التركيب لازم إما لفظا وإما تقديرا، وهو مانع من البناء على الإطلاق. وأما اسم الفاعل بمعنى (بعض) فيسوع استعماله في المركب وغيره، إذ يسوغ لك أن تبنيه من اسم العدد،

ص: 287

وتركبه مع غيره فتقول: ثالث عشر ثلاثة عشر، ونحو ذلك.

وذكر الناظم- رحمه الله من الاستعمال في لمركب ثلاثة أوجه أحدها: أن تأتي بتركيبين اثنين، وذلك قوله:"فجئ بتركيبين" نحو قولك: حادي عشر أحد عشر، وثاني عشر، وكذلك إلى تاسع عشر تسعة عشر هذا في المذكر.

وتقول في المؤنث: هذه حادية عشر إحدى عشرة، وثانية/ عشر ثنتي عشرة، وكذلك ما بعده إلى تاسعة عشر تسع عشرة.

وتشبيه بثاني اثنين يعطي أن التركيب الأول مضاف إلى الثاني، وذلك صحيح، ولذلك تأتي بالياء في اثنى عشر، إذا قلت: ثاني عشر اثني عشر.

وقوله: "فجئ بتركيبين" دليل على أن (الحادي) ونحوه هنا مركب كأحد عشر، وذلك صحيح، لأنه اسم غير مشتق كأحد، فيكون إذن بناؤه على الفتح، وهذا يعطي أن يكون ما آخره ياء قبلها كسرة، كحادي وثاني مفتوحا كغيره، إلا أنهم أجازوا في الوجهين: الفتح لأن هذه الياء تتحرك في المؤنث، نحو: حادية عشرة، والإسكان جريا على ما اطرد في الأسمين المركبين نحو: معد يكرب قاله الشلوبين.

والوجه الثاني: أن تحذف العجز من التركيب الأول، ويبقى التركيب الثاني على حاله، وهو الذي أراد بقوله:"أو فاعلا بحالتيه أضف إلى مركب" البيت.

يعني أنه يجوز لك أن تأتي ب (فاعل) وحده مضافا إلى المركب الثاني، فتقول: هذا حادي أحد عشر، وثاني اثنى عشر، وثالث ثلاثة

ص: 288

عشر، ونحو ذلك، فإنه موف بالغرض الذي أردت، إذ كان المحذوف في حكم المنطوق به، وهو العجز من المركب الأول.

وقوله: "بحالتيه" يريد حالتي التذكير والتأنيث، فمثال التذكير ما ذكر، ومثال التأنيث: حادية إحدى عشرة، وثالثة ثلاث عشرة، ونحوه، وقوله:"أضف" يريد أن حكم الإضافة باق، لكن يبقى حكم اسم الفاعل إذا حذف ما بعده، هل يبقى على تركيبه أو يرجع إلى الإعراب. ولم يتكلم الناظم عليه، والحكم فيه الرجوع إلى الأصل من الإعراب، إذ لا يمكن أن يبنى مع التركيب الثاني، لأن ثلاثة أشياء لا تصير شيئا واحدا.

ولا يقال: يبقى على بنائه الأول، لأن المحذوف مقدر- لأنا نقول: البناء للتركيب اللفظي وقد زال، وأيضا فالرجوع إلى الأصل يكون بأدنى سبب، ولا يخرج عن أصله إلا بسبب قوي. وإذا ثبت هذا كان حكمه حكم الأسماء المعربة التي آخرها ياء في استتار الضمة والكسرة وظهور الفتحة فتقول: هذا حادي أحد عشر، ورأيت حادي أحد عشر، ونحوه.

وقوله: (بما تنوي يفي"/ المجرور متعلق ب (يفي) الفعل مجزوم على جواب قوله: (أضف) و"فاعلا" مفعول ب "أضف" والتقدير: أضف وفاعلا بحالتيه إلى مركب يف ما تنوي، أي يعط من المعنى ما يعطيه الأصل من غير إخلال إذا هو حذف لدليل.

والوجه الثالث: أن تحذف العجز من التركيب الأول، والصدر من التركيب الثاني، استغناء بما ثبت عما حذف من الأول لما أثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني لما أثبت نظيره في الأول، وهو قوله:(وشاع الاستغنا بحادي عشرا) يعني أن هذه الكيفية من الاستعمال شائعة

ص: 289

مستعملة كثيًرا عندهم في (حادي عشر) وما أشبهه من الألفاظ المركبة إلى (تاسع عشر) وذلك لأنها أقرب إلى غرضهم من الاختصار واجتناب الإكثار.

ومثله في الكلام العربي شائع، ومنه قوله تعالى: } ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن} الآية، المعنى حتى يطهرن ويتطهرن، فإذا طهرن، يريد: من الدم، وتطهرن: يعني بالماء، فأتوهن من حيث أمركن الله. وقال تعالى: } قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا برئ مما تجرمون}. التقدير: فعلي إجرامي، وأنتم براء منه، وعليكم إجرامكم وأنا برئ منه.

وحكم التذكير والتأنيث في هذا الوجه كما تقدم، فتقول: ثالث عشر، وثالثة عشرة، إلا أن الحكم من البناء أو الأعراب في الأول لم يذكره.

أما الثاني فبناؤه ظاهر لبقاء سببه، وهو تضمن معنى الحرف كما تقدم.

والأول يجوز فيه الوجهان: بقاء الإعراب والإضافة، فتقول: هذا حادي عشر، ورأيت حادي عشر، بفتح الياء على حد سائر المعربات، وكأنه على نية حذف الجزء الثالث الذي هو صدر التركيب الثاني. وبعضهم ينسب هذا الوجه إلى البصريين. وبناء الجزءين أحدهما مع الآخر، فيقول: هذا ثالث عشر، ورابع عشر، ويجوز في (حادي) و (ثاني) مع (عشر) الوجهان المذكوران، وهما الفتح والإسكان، وينسب إلى الكوفيين.

وعلى هذا الوجه يصير قولك: هذا ثالث عشر بعد التركيب الذي ذهبوا إليه على صورة: ثالث عشر، الذي هو على حد: هذا ثالث، فيقع اللبس بين

ص: 290

المعنيين، لكن يعتبر المعنى بالقرائن وما يقتضيه/ المساق، ولما لم يذكر الناظم وجه هذا الاستعمال الثالث دل على أن كلا القولين فيه ممكن عنده.

وعلى إجازة الوجهين، من الإضافة والتركيب مطلقا، اعتمد الشلوبين، ولم ينسبهما، بل أخذ بهما معا، وكأنهما عنده ثابتان نقلا عن العرب، فلا غشكال إذن في الجواز، وما نسب إلى الكوفيين والبصريين ينبغي أن يستظهر عليه وانظر نقل السيرافي.

قوله: "وشاع كذا" يعني أن هذا الوجه هو الشائع الكثير، وكذلك في "شرح التسهيل" جعله غالبا، فهو أكثر استعمالا من الوجهين الأولين، ويليه في كثرة الاستعمال الثاني، وهو ما حذف منه عجز الأول، ويليه الوجه الأول، فهو أقل الاستعمالات. قال سيبويه: وبعضهم يقول: ثالث عشر ثلاثة عشر، فعزاه إلى بعض العرب لا إلى جميعهم.

ومثل هنا بحادي عشر، لأنه أول أعداد هذا العقد، وأيضا فقال ابنه: لم يمثل بثاني عشر، ليتضمن التمثيل فائدة التنبيه على ما التزموه حين صاغوا (أحدا) و (إحدى) على (فاعل) و (فاعلة) من القلب، وجعل الفاء بعد اللام، فقالوا: حادي عشر، وحادية عشر، والأصل: واحد وواحدة.

ثم ذكر الموضع الثالث من مواضع اسم الفاعل المشتق من اسم العدد، فقال:(وقبل عشرين اذكرا وبابه الفاعل) إلى آخره.

ص: 291

يعني أن فوق العشرين حكمه أن يؤتى فيه باسم الفاعل مشتقا من (النيف) معطوفا عليه العشرون بالواو العاطفة. وقد تضمن قوله: (من لفظ العدد) البناء من (واحد) وما بعده، فتقول: الحادي والعشرون، والحادي والثلاثون، إلى آخره، ولا يستعمل (الحادي) إلا مع (عشرة) و (عشرة) وأخواتهما، تقول: الثاني والعشرون، والثالث والعشرون، إلى التاسع والعشرين.

وقوله: (وبابه) يعني به الثلاثين، والأربعين، والخمسين إلى التسعين فتقول: الحادي والثلاثون، والثاني والأربعون، ونحو ذلك.

وقوله: "بحالتيه" يعني حالتي التذكير والتأنيث، فالتذكير كما مثل، والتأنيث نحو: الحادية والثلاثون، والثانية والعشرون، والخامسة والخمسون، / ونحو ذلك، واسم الفاعل هنا بمعنى (بعض) لا بمعنى (جاعل) لأنك إذا قلت: الحادي والثلاثون، استوى مع قولك: الواحد والثلاثون.

وأيضا فلا فعل له يشتق من مصدره، فلا يكون بمعنى (جاعل) ولم ينبه الناظم على هذا اتكالا على إدراك القارئ له.

وقوله: (قبل واو يعتمد) يعني أنه لا بد من العطف، إذ لا يقال: حادي عشرين، كمما يقال: خامس خمسة.

فإن قلت: ما مراده بقوله: "يعتمد" فالظاهر أنه فضل غير محتاج إليه، إذ كان قوله:"قبل واو" يجزى عنه، وليست عادته؟

فالجواب: أنه محتاج إليه، والذي قصد به أن الواو هي المعتمد في هذا الموضع من حروف العطف، كما كانت هي المعتمدة في: واحد

ص: 292

وعشرين، وثلاثة وثلاثين، فكما لا يجوز أن يقال: أحد ثم عشرون، ولا أحد فعشرون، إذ بل يصح الترتيب فيه عقلا، لأن الجميع اسم لهذه العده، فكذلك لا تقول: الحادي ثم العشرون، لنفس ذلك المعنى.

وأيضا فلفائدة أخرى، وذلك أنه قدم في المركب أنك تقول: ثالث ثلاثة عشر، و (ثلاثة عشر) هنا نظير ما بعد العاطف في الثالث والعشرين، وتقول ثالث عشر ثلاثة عشر، فتأتي بعجز المركب الأول، ونظيره في القياس في العشرين أن تقول: هذا ثالث عشرين ثلاثة وعشرين، فيحصل الإتيان بعشرين غير معطوف أصلا، وكما هو الحكم في خامس خمسة، وثالث ثلاثة، فلما كان ذلك احتاج إلى التنبيه على تأكيد الواو في الموضع، وأنها لا بد منها، وعلى ذلك كلام العرب، وما يعطيه القياس مطرح فيه والله أعلم.

ص: 293