المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌{الإخبار بالذي والألف واللام} - شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية - جـ ٦

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌{الإخبار بالذي والألف واللام}

/ ‌

{الإخبار بالذي والألف واللام}

ما قيل أخبر عنه بالذي خبر

عن الذي مبتدأ قبل استقر.

وما سواهما فوسطه صله

عائدها خلف معطي التكملة.

هذا الباب يسمى "باب الإخبار" وضعه النحويون بقصد التدريب والامتحان، ولأنه يعرض فيه مسائل صعبة، قد يغلط فيها الكبراء من أهل هذا الشأن لقلة التدرب فيه، وفيه فائدة، وهي القدرة على التصرف في الكلام، ولذلك يسمى عند القدماء "سبك النحو".

وقد كثر فيه النحويون، ووضعوه على أبواب النحو، كباب الفاعل، والمبتدأ والخبر و (كان) وجميع المفعولات، والتوابع، والإعمال، وغير ذلك، ليحصل للطالب بالامتحان فيه ملكة يقوى بها على التصرف.

وأول ما تعرض الناظم إليه في هذا الباب التعريف بمعنى "الإخبار" وهو عند النحويين أن تدخل (الذي) على الكلام الذي فيه الاسم المخبر عنه، واقعة على معنى ذلك الاسم، ثم تبدل من ذلك الاسم ضميرا على حسبه في الإعراب، والإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، ويكون ذلك الضمير عائدا على ذلك الموصول أيضا على حسب ذلك الضمير، ومطابقا له فيما تقدم، ثم تصير ذلك الاسم الذي أردت الإخبار عنه خبرا للموصول، وباقي الجملة صلة الموصول.

ص: 205

فإذا قيل لك: أخبر عن "زيد" من قولك: (قام زيد) بالذي- قلت: الذي قام زيد، ففي "قام" ضمير فاعل يعود على "الذي" وهو الواقع في موضع "زيد" إلا أنه استتر لأنه مفرد مذكر، واتصل لأنه لا مانع له من الاتصال.

والدليل على ذلك أنه لو كان مثنى لقلت: اللذان قاما الزيدان، أو مجموعا لقلت: الذين قاموا الزيدون، فيبرز الضمير. و"زيد" في آخر الكلام خبر "الذي".

وهذا معنى ما أراده الناظم- رحمه الله بقوله: "ما قيل أخبر عنه بالذي خبر عن الذي" إلى آخره.

يعني أن الاسم الذي يقال لك إذا سئلت عنه: أخبر عنه ب (الذي) يقع خبرا عن (الذي) حالة كونه (الذي) قد استقر مبتدأ أول الكلام، فعلى هذا لا بد من تقديم (الذي) مرفوعا على الابتداء، والاسم المخبر عنه مؤخر عنه، لأنه قد قيد (الذي) بأنه قبل الخبر استقر مرفوعا على الابتداء، ف "مبتدأ حال من "الذي" لأن المراد به في النظم مجرد اللفظ المخبر به في / المسألة.

ثم قال: وما سواهما فوسطه صلة" يعني أن ما سوى (الذي) والاسم المخبر عنه، فاجعله وسطا ما بين (الذي) وذلك الاسم، صلة ل (الذي) نحو: الذي ضربته زيد، ف (الذي) قد سبق مرفوعا على الابتداء، و "زيد" هو المخبر عنه ب (الذي) وما توسط بينهما وهو قولك: "ضربته" في هذا المثال صلة ل (الذي) ولا بد لكل صلة من عائد يعود عليها، فأخبر أن العائد هو "خلف معطي لتكلمة" ويريد بـ"معطي

ص: 206

التكملة": "زيدا" في المثال المذكور وهو الاسم المخبر عنه، لأن الكلام به تم وكمل، فهو الذي أعطى تكملة الكلام، وخلفه هو الضمير الموضوع في موضعه، وهو هنا الهاء في "ضربته" ونبه بهذا على أنه لا بد للمخبر عنه ممن يخلفه في موضعه، وهو الضمير العائد على الموصول، كما تقدم في التعريف أولا.

وقوله:

نحو الذي ضربته زيد فذا

ضربت زيدا كان فادر المأخذا.

هذا مثال مبين لمراده، ونبه على أصله، وهو ضربت زيدا، وقد تقدم بسطه.

ثم قال: "فادر المأخذا" أي: فاعلم مأخذ الإخبار عن "زيد" من قولك/ ضربت زيدا، حتى تصير إلى قولك: الذي ضربته زيد، على ما تقدم شرحه.

ثم نبه على وجوب مراعاة الاسم المخبر عنه في الإتيان بالموصول، من الإتيان بالموافق لا بالمخالف، فقال:

وبالذين والذين والتي

أخبر مراعيا وفاق المثبت.

يريد أنك تراعي في الإخبار عن الاسم أن يكون الموصول موافقا له في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير أو التأنيث، فإذا كان الاسم المخبر عنه مفردا مذكرا قلت: الذي ضربته زيد، كما تقدم، فجئت ب (الذي) لأنها واقعة على المفرد، و "زيد" مفرد، ولا بد أن يخلفه الضمير مفردا أيضا مذكرا مثله.

وإن كان مثنى نحو: ضربت الزيدين. قلت: اللذان ضربتهما الزيدان، فأتيت ب (الذي) مثنى، وبالضمير مثنى.

ص: 207

وإن كان مجموعًا نحو: ضربت الزيدين.

قلت: الذين ضربتهم الزيدون، وكذلك في التأنيث، فتقول في (ضربت هندا، وضربت الهندين، وضربت الهندات): التي ضربتها هند، واللتان ضربتهما الهندان، واللاتي ضربتهن الهندات، و"المثبت" في كلامه هو الاسم المخبر عنه، فقد انطبق التعريف المتقدم في تفسير الإخبار على ما أرده بهذا الكلام.

إلا أنه يرد على الناظم وغيره في هذا الكلام إشكال، لأنه يقتضي أن يكون/ الاسم المفروض هو المخبر عنه، و "الذي" أو "لألف واللام" وهو المخبر به، لأنهم يقولون:"باب الإخبار بالذي وبالألف واللام، وكذا قال الناظم: "ما قيل أخبر عنه بالذي" فجعل "الذي" مخبرا به، والاسم هو المخبر عنه، وما تقدم من التفسير يقتضي أن يقال: أخبر عن "الذي" لأنه المجعول مبتدأ، والاسم هو المخبر به.

وقد أجاب النحويون عن هذا بأجوبة، منها لابن عصفور أنهم إنما أرادوا بقولهم:"الإخبار بالذي وبالألف واللام" أن يخبر عن المسمى، ويكون اسم المخبر عنه في وقت الإخبار (الذي) أو الألف واللام، ألا ترى أنك إذا قلت: الذي قام زيد، أو القائم زيد، فالاسم الواقع على المخبر عنه إنما هو "زيد" لأن المخبر عنه هو الفاعل.

وقال ابن الضائع: الأقرب أن يكون الكلام محمولا على معنى، وذلك أن "زيدا" هو المخبر عنه في الحقيقة. فإذا قلنا: القائم زيد، فزيد صاحب الصفة، وهو المخبر عنه في الحقيقة، وغن كان في اللفظ خبرا، فعبروا عنه بأنه مخبرا عنه نظرا إلى الحقيقة؟ .

ص: 208

قال: فإن قيل: قلم لم يتمموا الحقيقة فيقدموه، فيجعلوه مخبرا عنه كما هو المخبر عنه في الحقيقة؟

قلت: تأخيره وتقديم (الذي) أقرب مأخذا غفى الصنعة، بأن تجعل الموصول أول الجملة التي فيها الاسم المخبر عنه، وتجعله آخرا، وتجعل في موضعه ضميرا يعود على الموصول معربا بإعرابه، وترفعه فتجعله خبرا عن الموصول في اللفظ.

وأيضا فإذا أخرته لم يجز أن يكون (الذي) صفة، فلذلك بنوا على تأخيره.

قال: ومما يدل على أن هذا إرادتهم قولهم: أخبر عن زيد، فلا يمكن أن يتنزل إلا على هذا. قال: وإنما يتوجه قول ابن عصفور في قولهم: أخبر بالذي. انتهى.

وقد وجه بأنه على القلب، وبأن (عن) بمعنى الباء، وذلك بعيد، والله أعلم.

قبول تأخير وتعريف لما

أخبر عنه ها هنا قد حتما.

كذا الغنى عنه بأجنبي أو

بمضمر شرط فراع ما رعوا.

لما عرف بمعنى الإخبار أتى بالشروط المعتبرة في الاسم المخبر عنه، إذ كان الاستقراء يعطي أن ليس كل اسم يجوز الأخبار عنه أو به، فلا بد من مراعاة ذلك، وإذ ذاك يصح القياس في مسائل الإخبار.

وأتى هنا بشرط أربعة للاسم المخبر عنه/ لا بد منها:

ص: 209

أحدها: أن يقبل التأخير، وهو قوله:(قبول تأخير) وهو مبتدأ خبره قوله: (قد حتما) أي أن شرط قبول التأخير في المخبر عنه حتم لازم لا بدد منه، فإذا صح جواز التأخير في الاسم جاز الإخبار عنه، فإذا أخبرت عن "زيد" من قولك: زيد قائم- قلت: الذي هو قائم زيد، فجاز ذلب لأن تأخير "زيد" جائز في الجملة، فلو لم يجز التأخير لم يجز الإخبار، وذلك الاسم المتضمنة لمعنى الاستفهام، وسائر ما يرلزم التصدير، نحو: أيهم قام؟ ؟ فلا يجوز الإخبار عن "أي" فلا تقول: الذي هك قام ايهم؟ لأن "أيا" لها صدر الكلهم.

وكذلك إذا أخبرت عن "من" من قولك: من جاءك؟ أو (ما) من قولك: ما عندك؟

وكذلك أسماء الشرط لا يخبر عنها، لان لها صدر الكلام، فلا تقول إذا أردت الإخبار عن "أيهم" من قولك:(أيهم يكرمني أكرمه): الذي هو يكرمني أكرمه أيهم. وكذلك سائر أسماء الشرط، كالاستفهام سواء.

وأيضا فإذا عوضت الضمير من اسم الشرط، أو من اسم الاستفهام، زال معنى الشرط، وزال معنى الاستفهام، لأن الضمير لا يتضمن معنى حرف، فاختلف معنى الصلة بعد دخولها. ويختص اسم الشرط بأن ما بعده من الفعل مجزوم، فيلزم أن يكون الضمير جازما، وذلك غير موجود في كلام العرب.

ومما يلزم التصدير فلا يخبر عنه (كم) الخبرية، فلا يجوز أن تخبر عن (كم) من قولك: كم بطل جدلت، فتقول: الذي هو بطل جدلت كم، لما يلزم فيها من محالات عربية، منها الجر بالضمير، وإبطال معنى (كم) حين جئ بضميرها، والتأخير فيها.

ومن ذلك ما أضيف إلى واحد من الأسماء المتقدمة، نحو: غلام من يأتك

ص: 210

فأكرمه، وغلام من أكرمك؟ وغلام كم رجل جاءك؟ فلا تقول: الذي هو من يأتك فأكرمه غلام، ولا الذي هو من أكرمك غلام، ولا نحو ذلك.

ومنها الاسم المضاف، نحو: جاءني غلام زيد، فالغلام لا يجوز تأخيره، لأنه عامل في المضاف إليه، وكالجزء منه فلا يتأخر، فلا تقول: الذي جاءني هو زيد غلام، وأيضا فيلزم أن يكون الضمير خافضا، وذلك لا يصح، وأيضا فيكون "الغلام" مقطوعا عن الإضافة، وهو غير جائز، فإنما يخبر عنه مع المضاف إليه، فتقول: الذي جاءني غلام زيد.

ومنها ضمير الأمر والشأن نحو: هو زيد قائم، فلا يجوز الإخبار عنه، لأنه لازم التقديم على الجملة الواقعة خبرا له، فلا يجوز أن تقول /: الذي هو زيد قائم هو، لأنك إذا أضمرته كانت الجملة خبرا لذلك الضمير، فيلزم أن يكون فيها عائد عليه، لأنه ليس بضمير للشأن، وإنما يستغني عن إعادة الضمير من الجملة ضمير الشأن وحده، وخلفه ليس كذلك.

وأيضا فتكون (الذي) هنا واقعة على الجملة التي هي (زيد قائم) فتصير (الذي) نائبة عن ضمير الأمر، وذلك لا يجوز. قاله ابن الضائع. وعلل ذلك ابن عصفور بأنه يلزم أن يعود ضمير الأمر إذا أخرته على ما قبله، وذلك لا يجوز.

فمن هذه الأنواع وأشباهها تحرز بقوله: "قبول تأخير".

والشرط الثاني: لجواز الإخبار قبول الاسم التعريف، وذلك قوله:(وتعريف) وهو معطوف على (تأخير) كأنه قال: قبول تأخير وقبول تعريف.

فإذا قبل الاسم التعريف صح الإخبار عنه، وذلك لأنه لا بد من

ص: 211

إضماره وجعل ضميره حالا محله ومعربا بإعرابه، والضمير معرفة، فلا بد من اشتراط التعريف، فإذا أخبرت عن "قائم" من قولك: زيد قائم- قلت: الذي زيد هو قائم، وهذا على مذهب غير ابن السراج، وسيأتي التنبيه عليه إن شاء الله. فمثل "قائم" يقبل التعريف، فيجوز الإخبار عنه، فإن لم يصح تعريفه لم يصح الإخبار عنه.

وتحت هذا أنواع، منها الحال، فلا يجوز الإخبار عن "قائما" من قولك: ضربت زيدا قائما، لأن الحال من شرطها التنكير، وأنت لو أخبرت عنها لجعلت الضمير خلفا منها، فقلت: الذي ضربت زيدا إياه قائم، فأدى على إن ينتصب الضمير على الحال، وهو معرفة، وذلك غير مستقيم.

ومنها التمييز، لما يلزم من تنكيره أيضا، فإنك لو أخبرت عنه لجعلت الضمير خلفا منه، يعرب بإعرابه، وذلك ممتنع، فلا تقول إذا أردت الإخبار عن "زيتا" من قولك: عندي رطل زيتا: الذي عنده رطل إياه زيت، ولا يجوز ذلك.

ومنها المجرور ب (رب) نحو: رب رجل يقول ذلك، فلا تقول: الذي ربه يقول ذلك رجل، لما يلزم من تعريف مخفوض "رب" ومن شرط "رب" ألا تخفض إلا النكرة.

ومنها مخفوض "كل" نحو: كل رجل يأتني أكرمه، فلا يجوز أن تقول: الذي كله ياتني أكرمه رجل، لما يؤدي إليه من خفض "كل" للمعرفة المفردة ذلك لا يجوز، إذ لا يقال: كل الرجل أكرمه، وإنما يجوز ذلك إذا قلت: كل الرجال أكرمهم. ويجوز أن يخبر عن مخفوضها إذ ذاك، فتقول: الذين كلهم أكرمهم الرجال.

ومنها المخفوض باسم (لا) العاملة عمل (إن) نحو: لا غلام رجل عندك،

ص: 212

فلا يجوز أن تقول: الذي لا غلامه عندك رجل/ لما يؤدي إليه من عمل (لا) في المعرفة، وذلك لا يصح. وهذه أمثلة تدل على ما كان من شاكلتها.

الشرط الثالث: أن يصح الاستغناء عن المخبر عنه بأجنبي يوضع موضعه في كلام الذي هو فيه، وهو قول الناظظم:(كذا) الغنى عنه بأجنبي) والضمير في (عنه) للاسم المخبر عنه، أي الاستغناء عنه بأجنبي عنه حتم أيضا، فإن كان كذلك صح الإخبار عنه، كما إذا أخبرت عن (الكاف) من قولك: زيد أكرمك، فإنك تقول: زيد أكرمه أنت، لأن الأجنبي يصح أن يوضع في موضع (الكاف) استغناء به عنه، فتقول: زيد أكرم عمرا.

فإن كان لا يصح الاستغناء عنه لم يصح الإخبار عنه، وذلك الضمير الرابط قبل الأخبار، كالهاء في (زيد ضربته) لا يجوز الإخبار عنه، لأنه يلزم أن يجعل في موضعه ضمير يعود على الموصول، فيزول ربطه.

فإن قيل: يبقى متأخرا يربط الخبر- فالجواب: أنه إذا أخر فلا يبقى في الخبر، ومثاله لوجاز: الذي زيد ضربته هو: فزيد مبتدأ، خبره "ضربته" والجملة صلة (الذي) فإن جعلت ضمير "ضربته" عائدا على "زيد" بقى (الذي) دون ضمير عائد عليه من صلته. وذلك ممتنع. وإن جعلته عائدا على (الذي) بقي المبتدأ وهو (زيد) لا ضمير له في خبره، وذلك ممتنع أيضا.

وهذا المنع منسحب على ما لو كان الرابط ظاهرا، كأسماء الإشارة في نحو قوله تعالى: } ولباس التقوى ذلك خير}. فإن أردت الإخبار عن

ص: 213

"ذلك" من قولك: قيام زيد ذلك حسن، ] قلت [الذي قيام زيد هو حسن ذلك، لأن "هو" عائد على (الذي) فيبقى المبتدأ بلا رابط.

وكذلك إذا كان الرابط تكرار المبتدأ بلفظه، نحو: زيد ضربت زيدا.

فغن كان في الجملة رابط ثان عائد على المبتدأ جاز الإخبار عنه لوجود الشرط، وهو الاستغناء عنه بأجنبي، نحو قولك: زيد ضربته في داره، فالهاء في "ضربته" يصح أن يجعل في موضعه أجنبي، نحو قولك: زيد ضربته في داره، فإذن يصح أن تقول: الذي ضربته في داره هو، فالهاء في "ضربته" تعود إلى (الذي) وبقى ضمير "في داره " رابطا للخبر بالمخبر عنه، وهو "زيد" و "هو" الأخير عائد على "زيد" أيضا.

الشرط الرابع: أن يصح الاستغناء عنه بمضمر يحل محله، وذلك قوله:"او بمضمر" تقدير كلامه: كذا الغناء عنه بمضمر شرط، أي معتبر مراعي، وذلك لأن الاسم المخبر عنه لا بد من جعل المضمر يخلفه في أحكامه إذا أخر، فلا بد إذن من صحة إضماره، فإذا قلت: ضربت زيدا، فزيد يصح إضماره فتقول: ضربته، إذن أن تخبر عنه فتقول: الذي ضربته زيد.

فإن لم يصح إضماره لم يصح الإخبار عنه، ولهذا أمثلة:

منها النعت، إذا أخبرت عنه دون المنعوت لم يجز، نحو: ضربت زيدا العاقل، فلا يجوز أن تقول: الذي ضربت زيدا إياه العاقل، لما يؤدي إليه من وقوع الضمير نعتا، وذلك ممنوع.

ومنها الاسم المنعوت، فلا تقول: الذي ضربته العاقل زيد، لما يؤدي إليه من نعب المضمر، وذلك لا يجوز، اللهم إلا أن تريد الإخبار عن المنعوت بنعته، فيجوز ذلك، نحو قولك في المثال المذكور: الذي ضربته زيد العاقل، وإضماره

ص: 214

يصح لأن النعت والمنعوت بمنزلة الاسم المفرد، فزيد الأحمر عند من لا يعرف زيدا وحده بمنزلة زيد عند من يعرفه وحده، وأنت تقول: زيد العاقل جاءني، فتضمره بنعته، فلذلك يسوغ الإخبار عنه.

ومنها الأسماء العاملة كلها، لا يجوز الإخبار عنها، لأنها لا يصح أن تضمر، فلو قلت: ضربك زيدا حسن وهو عمرا قبيح- لم يجز، لما يؤدي إليه من إعمال الضمير، وذلك غير جائز عند أهل البصرة، فإذن إن أردت الإخبار عن "ضربك" فقلت: الذي هو زيد أحسن ضربك، لم يجز، لبعد الضمير عن العمل.

وأجاز ذلك أهل الكوفة، فيقال: إذن على مذهبهم في قولك: زيد ضارب عمرا، إذا أخبرت عن "ضارب": الذي زيد هو عمرا ضارب.

والسماع بمثل ما ذهبوا إليه لا يكون إلا في الشاذ، نحو قول زهير:

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجم.

كأنه قال: وما الحديث عنها بالحديث المرجم، وقد مر بيانه في "إعمال المصدر" ولكن يجوز على كلا المذهبين إذا أخبرت عنه بمفعوله فقلت: الذي زيد هو ضارب عمرا، وكذلك تقول في قولك: / (ضربك زيدا حسن) الذي هو حسن ضربك زيدا، لأن العامل على هذا يجوز إضماره، لأنك تقول: ضربك زيدا حسن تبعتة فيه، فالهاء في "فيه" عائدة إلى الضرب" بمعموله.

واختلفوا في الخبر إذا كان مشتقا هل يجوز الإخبار عنه، نحو: زيد قائم، بناء على أن الضمير يخلفه أولا؟

ص: 215

فمن النحويين من منع هذا، لأن المشتق يتحمل ضميرا، والضمير لا يتحمله.

قال/ ابن الضائع: وهذا لا يلزم إلا في الموضع الذي يشترط فيه الاشتقاق، وبالجملة في الموضع الذي يخالف الإضمار الإظهار.

والناظم لم يلتزم أحد القولين، وغنما التزم ما ينبني عليه الخلاف.

ومنها المفعول له، لا يجوز الإخبار عنه عند ابن عصفور، لأنه لا يصح أن يقع في موضعه المضمر معربا كإعرابه.

فإذا قلت: قمت إجلالا لزيد، فأخبرت عن "إجلال" فقلت: الذي قمت إياه إجلال لزيد، فهذا غير صحيح، لأنه يصح أن يعرب "إياه" مفعولا له أصلا.

وغير ابن عصفور أجاز الإخبار عنه، لكن لا على نصب الضمير، إذ هو ممنوع عند الجميع، كما قال ابن عصفور، بل على أن تدخل عليه اللام، فتقول: الذي قمت له إجلال لزيد.

ومنها الاسم الواقع بعد خافض لا يقع بعده مضمر كالكاف، وحتى، والتاء، ومن، والواو، و"ذو" بمعنى: صاحب، فإذا قلت: زيد كعمرو، فأردت الإخبار عن "عمرو" لم يجز، لأنك تقول: الذي زيد كعمرو، وذلك لا يجوز إلا في الضرورة، نحو قوله:

ص: 216

فلا ترى بعلا ولا حلائلا

كهو ولا كهن إلا حاظلا.

فإن (الكاف) إنما تخفض الظاهر لا المضمر.

وكذلك إذا قلت: ألقى رحله حتى الزاد، فأردت أن تخبر عن "الزاد" لم يجز، إذ كنت تقول: الذي ألفى رحله حتاه الزاد، و (حتى) لا تخفض المضمر إلا اضطرارا نحو قوله:

فلا والله لا يلقى أناس

فتى حتاك يا ابن أبي يزيد.

وكذلك (ذو) إذا قلت: رأيت ذال المال، لا يجوز أن تخبر عنه، فتقول: الذي رأيت ذاه المال لأن (ذا) لا يجر المضمر إلا نادرا، نحو:

- أبان ذوي أرومتها ذووها*

وكل ما كان مثل هذه الأنواع يمتنع الإخبار عنها.

هذه جملة الشروط التي جاء بها الناظم- رحمه الله لجواز الإخبار عن الاسم.

وقوله: (فراع ما رعوا) يقال: راعي الأمر يراعيه، إذا نظر إلام يصير.

ص: 217

وراعيته أيضاً: لاحظته، وراعيته أيضا: من مراعاة الحقوق، أي المحافظة عليها، وراعيت الشيء: حفظته، ومنه: راعي الإبل والماشية كلها.

أي لاحظ ما حفظوا من هذه الشروط، وانظر إلى ماذا يصير الأمر فيها تجدها ضرورية لاشتراط.

وعلى الناظم في هذا الفصل نظر من وجهين:

أحدهما: أنه أتى بأربعة شروط، كرر منها اثنين على شدة محافظته على الاختصار واجتناب الإكثار.

والثاني: أنه اقتصر فترك شروطا معتبرة عند النحويين، لا بد منها، إذ بها يصح الإخبار، / وبدونها لا يستقيم، والتي ترك أكثر من التي ذكر، وهذا غريب. فأما التكرار فإنه شرط قبول التعريف في الاسم المخبر عنه، وشرط الاستغناء عنه بمضمر، وهذان في الحقيقة شرط واحد، إذ شرط فبول التعريف داخل في اشتراط وقوع المضمر موقعه، فلو أسقط اشتراط قبول التعريف لخرج له الحال والتمييز ومخفوض (رب) و (كل) وغير ذلك مما تقدم شرحه، عن أن يخبر عنه، لأن كل واحد منها لا يخلفه المضمر، ولا يستغنى عنه به، وإذا كان كذلك ثبت أن اشتراط قبول التعريف فضل لا يحتاج إليه.

ولما ظهر هذا التكرار لابن الضائع، حين أتى النحويون بالشرطين المفترقين، أعتذر عن ذلك بأن من الأسماء ما لا يجوز أن يضمر، لأن إعرابه يناقض التعريف، والمضمر معرفة، يعني كالحال والتمييز، ومنها ما لا يجوز أن يضمر لأن له حكما آخر يناقض الإضمار، كالنعت والمنعوت. قال: فلهذا جاء وابهما شرطين، وإلا فجواز الإضمار يعم الوجهين. قال:

ص: 218

ويمكن أن يكون الحال والتمييز مثالين للثاني، لأن إضمارهما يمتنع من الوجهين: التعريف، وأنهما لمعنى لا يدل الإضمار عليه، فالإضمار يبطل المعنى المراد منهما، كما في النعت والمنعوت. هذا ما قاله ابن الضائع.

ولا يجري اعتذاره في هذا النظم، لأن مقصوده الاختصار والجمع للمسائل المتعددة في اللفظ اليسير، بخلاف غيره ممن قصد البسط. ويسوغ الاعتذار عنه بما ذكر.

وأيضا فإني أقول: أن اشتراط قبول التأخير غير محتاج إليه مع اشتراطه الاستغناء بأجنبي أو بمضمر، وذلك أن قبول التأخير احتراز من أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، و (كم) الخبرية، وما أضيف إلى واحد من ذلك، ومن المضاف، وكل واحد من هذه لا يصح الاستغناء عنه بالضمير أصلا، لأن الضمير لا يؤدي معناه، ولا يخفض ما بعده، وقد تقدم التنبيه على ذلك، وهو احتراز أيضا من ضمير الشأن والقصة، وهو مما لا يصح فيه الاستغناء بأجنبي، إذ لا يقع موقعه غيره، ولذلك لم يقع ضميره موقعه كما تقدم، فإذن الشرطان الأولان فضل غير محتاج إليهما.

وأما الاقتصار، وترك ما هو محتاج إليه، فإنه أهمل ذكر شروط سبعة سوى ما ذكر:

أحدها: أن يكون في الإخبار عن ذلك الاسم فائدة، كجميع/ ما تقدم من الأمثلة الجائزة، فلو عرى الإخبار عن الفائدة لم يسغ فإذا قيل لك: أخبر عن "ضرب" من قولك: ضربت ضربا- لم يجز، لأنك إذا قلت: ] الذي [ضربته ضرب- كان غير مفيد، لأن كل أحد يعلم أن الذي

ص: 219

ضربت ضرب، وقد رد مذهب أهل الكوفة في معاملتهم ضمير المتكلم والمخاطب، إذا أخبر عنه معاملة الظاهر حين أجازوا في الإخبار عن "أنا" من قولك: أنا قائم: الذي أنا قائم أنا، وفي: أنت قائم الذي أنت قائم أنت، وإنما رده أهل البصرة لأوجه، منها كون الخبر غير مفيد فالفائدة، ولا بد، مطلوبة في الإخبار.

وكذلك لا يجوز أن يخبر عن "اثنين" من قولك: هذا ثاني اثنين، فلا تقول: الذي هذا ثانيهما اثنان، ولا عن "ثلاثة" من قولك: هذا ثالث ثلاثة، فلا تقول: الذي هذا ثالثهم ثلاثة، ولا ما كان نحو ذلك، لأن كونهما اثنين، أو كونهم ثلاثة قد تقرر قبل المجئ بالخبر، فكان الإخبار غير مفيد، فامتنع ذلك، والأمثلة في هذا كثيرة.

والثاني: أن يكون ذلك الاسم متصرفا، يجري بوجوه الإعراب، ويقع فاعلا، ومفعولا، ومبتدأ، وخبرا، ونحو ذلك، وعلى الجملة فالمطلوب أن يصح استعماله مرفوعا خبرا، فأما إذا كان غير متصرف، ولزم طريقة واحدة، فلا يجوز الإخبار عنه، لما يؤدي إليه من إخراج الاسم عا ألزمته العرب، نحو (سحر) ليوم بعينه، لا يجوز الإخبار عنه، لأنه كان يخرج من لزوم نصبه على الظرفية إلى الرفع، وذلك غير جائز، وكذلك: سبحان الله، وعندك، وما أشبه ذلك، فلو أخبرت عن (سحر) من قولك: خرجت سحر، لقلت: الذي خرجت فيه سحر، وذلك لا يجوز. وكذلك لو قلت في (عندك): من (زيد عندك) - الذي زيد فيه عندك- لم يصح.

ص: 220

فإن قيل: لم لا يجوز الإخبار عنه، ويبقى منصوبا فيكون خبرا عن (الذي)؟

فالجواب: أنه لا يجوز ننصبه خبرا إلا أن يكون ظرفا للمخبر عنه، والإخبار إنما هو أن تجعل الاسم الموصول هو المخبر عنه في المعنى، وإذا كان ظرفا له كان غيره، ولم يكن الظرف مخبرا عنه في المعنى. وهذا الشرط معتمد في "باب الإخبار" أيضا.

والثالث: أن يكون غير تابع، ما عدا العطف بالحرف، فالنعت لا يجوز الإخبار عنه كما تقدم.

وكذلك عطف البيان عند بن أبي الربيع وطائفة، لأن عطف/ البيان إنما يؤتى به بيانا، وأنت إذا أخبرت عنه، فجعلت في موضعه الضمير، فالضمير ليس ببيان، وإنما هو مبهم يحتاج إلى البيان.

وكذلك التوكيد لا يجوز الإخبار عنه، لأن التوكيد إنما هو بألفاظ مخصوصة محصورة، والإخبار عنه يؤدي إلى تأكيد الظاهر بالمضمر مطلقا، وهو لا يجوز.

وأما البدل فكذلك لا يجوز الإخبار عنه عند طائفة من النحويين، وقبحه المازني، لأنك إذا قلت: مررت برجل أخيك، فأخبرت عن البدل قلت: الذي مررت برجل به أخوك، فأتيت به، لا يستقل الكلام بدونه، ولذلك كان عند بعض النحويين في تقدير جملة أخرى.

وقد أجاز فيه ذلك طائفة أخرى، وإليه مال ابن الضائع، وسوى بين البدل في هذا وبين العطف بالحرف. والمعطوف يجوز الإخبار عنه، فكذلك البدل، فكما تقول في (رأيت زيدا وعمرا) إذا أخبرت عن "عمرو": الذي

ص: 221

رأيت زيدًا وإياه عمرو، فكذلك تقول في (رأيت زيدا أبا عبد الله) الذي رأيت زيدا إياه أبو عبد الله. وقد أجازه سيبويه: أزيد ضربت عمرا وأخاه. فكذلك يجوز: أزيد رأيت عمرا أخاه؟ وليس هذا موضع ذكر ذلك.

والرابع: ألا يكون عامله اللفظي مقدرا غير منطوق به، فإن كان كذلك لم يجز الإخبار عنه.

فإذا قلت: ما أنت إلا سيرا، فأردت الإخبار عن "سير" لم يجز، لأنك تقول: الذي ما أنت إلا إياه سير، والضمير لا يدل على فعل، فيبقى إذ ذاك بغير ناصب، وذلك ممتنع. وكذلك إذا قلت: له صوت صوت حمار. لا تقول فيه: الذي له صوت إياه صوت حمار.

ومن ها هنا قالوا في الإخبار عما كان من المصادر نحو: تبسمت وميض البرق: من زعم أنه منصوب بفعل مضمر، أي أومضت وميض البرق، لم يجز الإخبار عنه لما تقدم. ومن نصبه بهذا الظاهر. وهو مذهب المازني، أجاز الإخبار عنه، فتقول على مذهبه: الذي تبسمته وميض البرق، والمذهب الأول مذهب سيبويه.

والخامس: جواز وقوعه في الواجب، تحرزا من الأسماء اللازمة للنفي في الاستعمال، كأحد، وعريب، وكتيع، ونافخ، ونحو ذلك، فإن الإخبار عنها غير جائز، لما يؤدي إليه من استعمالها في الواجب على خلاف وضعها. فإذا أردت الإخبار عن "أحد" من قولك: ما رأيت أحدا، فقلت: الذي ما رأيته أحد، فقد

ص: 222

أوجبت للذي ما رأيته أنه أحد، وذلك غير جائز، وكذلك سائر الأسماء/ المختصة بالنفي، بخلاف ما إذا أردت الإخبار عن "زيد" مثلا من قولك: ما رأيت زيدا، فإنك تقول: الذي ما رأيته زيد، فصح الإخبار، لأن "زيدا" يصح وقوعه في الواجب، نحو قولك: رأست زيدا، وجاءني زيد، وهذا ظاهر.

وقد وجه ابن عصفور المنع هنا أيضا بأن "أحدا" يراد به العموم، وعلى هذا وضعه، و"الذي" إنما يراد به واحد معين، فلم يطابق الإخبار المخبر عنه.

والسادس: أن يكون الاسم المخبر عنه بعض ما يصح الوصف به، من جملة، أو جملتين في حكم الجملة الواحدة مثل ما تقدم، والجملتان اللتان في حكم الجملة الواحدة كجملتي الشرط والجزاء، فتقول في الإخبار عن "زيد" من قولك:(إن قام زيد قام عمرو): الذي إن قام قام عمرو زيد، وفي الإخبار عن "عمرو": الذي إن قام زيد قام عمرو. وجملتي القسم والجواب، فتقول في الإخبار عن "زيد" من قولك:(والله لأكرمن زيدا): الذي والله لأكرمنه زيد. وجملتي التنازع، فتقول في الإخبار عن "الزيدين" من قولك:(أكرماني أكرمت الزيدين): اللذان أكرماني وأكرمتها الزيدان. وعن ضمير المتكلم: الذي أكرماه وأكرمهما الزيدان أنا. والجملتين المرتبطتين بالفاء، فتقول في الإخبار عن "زيد" من قولك:(يطير الذباب فيغضب زيد): الذي يطير الذباب فيغضب زيد، وعن "الذباب" الذي يطير فيغضب زيد الذباب.

فساغ الإخبار عن الاسم في هذه لأمثلة لصحة الوصف بها، فلو

ص: 223

لم يصح الوصف لم يخبر عنها، كالاسم في الجملة الطلبية أو الإنشائية نحو: اضرب زيدا، ولعل زيدا قائم، وعسى زيد أن يقوم وما أشبه ذلك، فلا يجوز أن تقول: الذي اضربه زيد، ولا الذي لعله قائم زيد، ولا ما أشبه ذلك.

وكذلك الاسم في الجملتين المستقلتين، وليس في الأخرى ضميره، نحو: قام زيد وخرج عمرو، فلا تقول في الإخبار عن "زيد" الذي قام وخرج عمرو زيد، إذ لا عائد على الجملة الثانية. وهذا الشرط استدركه ابن الناظم في "شرجه" وكأنه عنده ضروري في الموضع.

والسابع: أن يكون الاسم تاما لابعض اسم في الحقيقة، لأنه إن كان كذلك لم يصح الإخبار عنه، كالاسم الثاني من المركب في لغة الإضافة، نحو:"كرب" من: معد يكرب، والاسم الثاني من أكلني، نحو "بكر/ من: أبي بكر، وكذلك الأسماء المسمى بها من المضاف والمضاف إليه، نحو:"امرئ" من امرئ القيس، وكذلك "قبان" من: حمار قبان، و"قترة" من: ابن قترة، إذ كان (كرب، وبكر، والقيس، وقبان، وقترة) حين استعملت في هذه الأسماء غير مراد بها معنى، ولا مسمى تحتها، وإنما هي بمنزلة الدال من (زيد) لأنها في تعليقها على مسمياتها كزيد في تعليقه على مسماه، فكما لا يخبر عن جزء (زيد) كذلك لا يخبر عنا تنزل منزلته، فلو أردت الإخبار عن "بكر) من قولك:(أكرمت أبا بكر) فقلت: الذي أكرمت أباه بكر، لم يصح، وكذلك في (رأيت امرأ القيس)

ص: 224

لا تقول: الذي رأيت امرأه القيس.

وأجاز المازني الإخبار عن جميع ذلك، فسوغ أن يقال: الذي أكرمت أباه بكر والذي رأيت حماره قبان، وسائر ما يتصور منها، مستدلا على الجواز بقول الشاعر:

*أو حيث على قوسه قزح*

فأخبر عن "قزح" من "قوس قزح" وهي القوس التي في السماء، و"قزح" وحده ليس تحته معنى:

قال ابن عصفور: وهذا لا حجة فيه لأن "قزح" اسم شيطان، فلعل قول العرب: قوس قزح، على نسبة القوس إلى الشيطان، فلا يكون بمنزلة قبان، ولا قترة.

قال ابن الضائع: وهذا ضعيف جدا وشاذ، لا يقاس عليه.

فهذه شروط سبعة أهمل الناظم ذكرها، فاقتضى كلامه جواز كل ما منعت هذه الشروط من المسائل المتقدمة في التمثيل، وما كان من بابها، وذلك فاسد.

ولم يظهر لي في الوقت جواب عن النظر الأول.

وأما النظر الثاني: فإن ذكر هذه الشروط غير ضروري عليه.

أما الشرط الأول، وهو حصول الإفادة، فإن ذلك معلوم من خارج، ومن النظم، لأنهم إنما يأتون بالإخبار على طريق أنه كلام مستقل، وذلك يستلزم

ص: 225

كونه ذا فائدة، إذ يشترطون في الكلام الإفادة، كما قال الناظم:(كلامنا لفظ مفيد كاستقم) فلم يذكر هذا الشرط لأجل هذا.

وأما اشتراط التصرف فمعلوم من فرض المسألة، لأن فرض الإخبار إنما هو فيما يصح الإخبار عنه أو به، والأسماء غير المتصرفة لا يجوز أولا الإخبار بها ولا عنها، فلا يتصور فيها الإخبار إذ ذاك.

وأما اشترط كون غير تابع، فلا يلزم ذكره أيضا، لأن النعت وعطف البيان داخلان تحت شرط االغناء عن المخبر عنه بمضمر.

أما النعت: فقد تقدم بيانه، وأما عطف البيان فمن منع ذلك فيه علل بأن/ خلفه غير مبين كنفس المعطوف، وهذا راجع إلى أن الضمير لا يقع في موضعه، ولا يستغنى به عنه.

وأما البدل فالظاهر فيه الجواز كما تقدم ذكره.

وأما اشتراط ظهور العامل اللفظي فراجع أيضا إلى أن الضمير لا يستغنى به عنه، لان وقوع المصدر بنفسه في نحو: ما أنت إلا سيرا، فيه دلالة على العامل، بخلاف الضمير فإنه لا يدل عليه، فلم يقع إذن خلفا له.

وأما اشتراط وقوعه في الواجب فكذلك أيضا داخل تحت اشتراط الاستغناء عنه بالضمير، لأن الأسماء المستعملة في النفي عامة فيما دلت عليه، والضمير الذي يخلفها خاص لا عام، لأنه عائد على "الذي" و "الذي" واقع في الواجب فلا يعم، فلم يغن عنه إذن.

وأما اشتراط صحة الوصف به غير محتاج إليه في هذا الباب، لأنه خاص بباب الموصول لا بباب الإخبار، وقد تقدمت الإشارة

ص: 226

إليه في بابه.

وأما اشتراط التمام في الاسم فداخل تحت اشتراط الإفادة، وقد تقدم جوابه.

هذا ما ظهر من الجواب عن الشروط، وفي بعضه ضعف.

ثم أخذ يذكر حكم الإخبار بالألف واللام فقال:

وأخبروا هنا بأل عن بعض ما

يكون فيه الفعل قد تقدما.

إن صح صوغ صلة منه لأل

كصوغ واق من وقى الله البطل.

يعني أن النحويين أخبروا في هذا الباب بالألف واللام، ويريد الموصولة، كما أخبروا ب (الذي) و (التي) وفروعهما عن بعض ما يكون فيه الفعل مقدما.

و"ما" هنا موصولة واقعة على الكلام الذي يخبر عن بعضه. والكلام الذي يتقدم فيه الفعل هو الجملة الفعلية، و"البعض" هنا أيضا واقع على الاسم، كأنه قال: أخبروا هنا بأل عن الاسم الذي هو بعض كلام يتقدمه الفعل، أي الاسم الواقع في الجملة الفعلية.

فإذا قلت: قام زيد، فزيد بعض هذه الجملة الفعلية، وكذلك ضرب زيد عمرا، فزيد وعمرو بعضان من الجملة، وكذلك ما أشبهه.

ومثال ذلك أن تريد الإخبار عن "زيد" من قولك: (قام زيد) بالألف واللام، فإنك تقول: القائم زيد، وذلك بأن تبدل من العامل في الاسم الذي تريد الإخبار عنه بالألف واللام واسم الفاعل إن كان العامل فيه فعل فاعل، أو تسم مفعول إن كان العامل فيه فعل مفعول، ثم تدخل عليه الألف واللام التي بمعنى (الذي)

ص: 227

و (التي) وتبدل/ من الاسم الذي تريد الإخبار عنه في موضعه ضميرا على حسبه في الإعراب، والإفراد والتثنية والجمع، ويكون ذلك الضمير عائدا على الألف واللام، إذ قد تقدم من كلام الناظم أنها اسم في "باب الموصول" والألف واللام في الأحوال كلها على حال واحدة، ثم تصير ذلك الاسم الذي أردت الإخبار عنه خبرا لذي الألف واللام، ف (القائم) في مسألتنا قد استتر فيه ضمير عائد على الألف واللام، وهو خلف: "زيد؟ في الرفع على الفاعلية.

وكل ما تقدم من الشروط المشترطة في الإخبار ب (الذي) جارية هنا، إذ لم يخص الناظم ذلك الاشتراط ب "الذي" دون غيرها لقوله:

قبول تأخير وتعريف لما

أخبر عنه ههنا قد حتما.

فقوله: (هاهنا) يعني في هذا الباب لا في (الذي) خاصة، ولذلك قال في هذا الموضع:"وأخبروا هنا" أي في المواضع الذي أخبر فيه ب (الذي) والموضع الذي يخبر فيه ب (الذي) لا بد من توفر الشروط فيه، فكذلك فيما وقع موقعها، واستعمل في موضعها.

ويزيد هذا الموضع شرطين ذكرهما الناظم زيادة على تلك الشروط المذكورة قبل:

أحدهما: أن يكون الكلام المتضمن للاسم المخبر عنه جملة فعلية، وهي التي يتقدمها الفعل، وذلك قوله:"عن بعض ما يكون فيه الفعل قد تقدما".

فإذا كان كذلك صح الإخبار بالألف واللام، كما إذا أخبرت عن

ص: 228

"زيد" من قولك: ضرب زيدا عمرا، فإنك تقول: الضارب عمرا زيد، والضمير الذي هو خلف "زيد" مستتر تظهر علامته في التثنية والجمع كقولك الضاربنان عمرا الزيدان، والضاربون عمرا الزيدون فإن أخبرت عن عمرو قلت: الضاربه زيد عمرو، وكان الأصل أن يقال: الضارب زيد إياه عمرو، لأن موضع المفعول بعد "زيد" لكنه لما كان الاتصال ممكنا لم يعدل عنه، لأنه ممكن التقديم، ولا فاصل بينه وبين عامله يمنع من اتصاله، فلا بد من الاتصال، ولا بد من التقديم على الفاعل، إذ ليس في الكلاك: زيد ضرب عمرو وإياه، وعلى هذا النحو تقول في نحو: علم زيد عمرا أخاك، إذا أخبرت عن "زيد" قلت: العالم عمرا أخاك زيد، وإن أخبرت عن "عمرو" قلت: العالمه زيد أخاك عمرو، إذا وصلت الضمير، وإن فصلته تركته في موضعه الأصلي فقلت: العالم زيد عمرا إياه أخاك عمرو، وإن أخبرت عن "الأخ"/قلت: العالم زيد عمرا إياه أخوك، إذا فصلت، وإن وصلت قلت: العالمه زيد عمرا أخوك.

فإن كانت الجملة غير فعلية، سواء أكانت عرية عن الفعل جملة، نحو: زيد أخوك، أم فيها فعل مؤخر، نحو: زيد يقوم- فلا يصح الإخبار فيها عن الاسم، لتعذر صوغ اسم الفاعل أو اسم المفعول.

فإذا قيل لك: أخبر عن سزيد" من قولك: (زيد قائم) بالألف واللام، فالمسألة لا تتصور، وكذلك: زيد قام وعمرو أكرمته، ونحو ذلك، لأن الفعل في ذلك غير متقدم، وذلك لأن الألف واللام إنما توصل باسم الفاعل واسم المفعول، نحو: الضارب، والمضروب، وذلك لا يبنى إلا من الفعل. وكا جاء من قول الشاعر:

ص: 229

من القوم الرسول الله منهم

لهم دانت رقاب بني معد

فشاد لا يقاس عليه.

وأيضا فلا يبنى من الفعل أينما وقع، وإنما يبنى منه إذا كان صدر الجملة، فلو كانت الجملة الفعلية لكن تقدم مفعولها عليها، نحو: زيدا ضرب عمرو- بل لم يسغ إلا أن يتقدم الفعل.

وكذلك إذا كان الفعل متقدما على جميع معمولاته، لكن تقدمت عليه أداة من الأدوات الداخلة للمعاني أو للعمل في ذات الفعل، فلا يصح الإخبار أيضا، ويدل على ذلك قوله:"يكن فيه الفعل قد تقدما" فنص على التقدم بإطلاق.

فإذا دخلت عليه أداة لم يصح إطلاق التقدم إلا مجازا، فإذا أردت الإخبار عن "زيد" في (ما يقوم زيد) أو (لا يقوم زيد) لم يسغ مع (ما) أو مع (لا) صوغ اسم الفاعل.

وقد قيد في "التسهيل"، الفعل المصوغ منه بأن يكون موجبا، تحرزا من المنفى. وكذلك إذا أردت الإخبار عن "زيد" في قولك:(لم يقم زيد) و (إن قام زيد قام عمرو) وما أشبه ذلك. والإخبار عنا ب (الذي) سائغ، فتقول: الذي ما يقوم زيد، والذي لا يقوم زيد، والذي لم يقم زيد، والذي إن قام قام عمرو زيد.

وسبب المنع عنا ما في الألف واللام من عدم تأتي صوغ الصلة ل (أل) مع تلك الأدوات المتقدمة، فكأن الفعل معدوم وجودا.

والشرط الثاني: أن يصح صوغ اسم الفاعل من ذلك الفعل، وبناؤه منه، وذلك قوله:"إن صح صوغ صلة منه لأل" والضمير في "منه" يعود إلى الفعل.

ص: 230

والصوغ بمعنى البناء والتحليق، يقال: صغت الشيء أصوغا، كأنه قال: إن صح أن يبنى من ذلك الفعل ما يكون صلة لأل، ولم يعين / هنا اسم فاعل من اسم مفعول، بل عبر بالصلة، لأنها أعم، وقد تقدم في باب "الموصول" أن الألف واللام توصل بالصفة الصريحة، من اسم فاعل، أو اسم مفعول، لكن إنما يصاغ اسم الفاعل من فعل الفاعل، واسم المفعول من فعل المفعول، وهذا معلوم.

فمثال الصلة من اسم الفاعل ما تقدم من المثل، ومنه مثال الناظم الذي أشار إليه وهو "واق من وقى الله البطل". فإذا أخبرت عن اسم "الله" بالألف واللام من المسألة قلت: الواقي البطل الله، أو من "البطل" قلت: الواقية الله البطل.

ووقى الله الرجل، يقيه وقايه- بالكسر- أي حفظه. والبطل: الشجاع، يقال: بطل- بالضم- يبطل، بطوله، أي شجع.

ومثاله من اسم المفعول، كما إذا أخبرت عن "زيد" من قولك:(ضرب زيد) فإنك تقول: المضروب زيد، وخلف "زيد" مستتر في "ضرب الزيدان) عائد على الألف واللام، وتظهر علامته في غير الإفراد إذا قلت في (ضرب الزيدان) أو (الزيدون): المضروبان الزيدان، والمضروبون الزيدون.

وكذلك إذا قلت: علم زيد أخاك، فأردت الإخبار عن "زيد" قلت: المعلوم أخاك زيد. وعن الأخ قلت: المعلومه زيد أخوك، أن فصلت قلت: المعلوم زيد إياه أخوك.

فإن كل الفعل لا يصح أن يصاغ منه صلة لأل، فلا يتصور الإخبار بالألف واللام.

ص: 231

والفعل الذي لا يتصور ذلك فيه على أوجه:

منها أن يكون غير متصرف، بل شبيها بالحرف كليس، فمثل هذا إذا وقع صدر الجملة لا يصح الإخبار فيها بالألف واللام، لأنه لا يصح أن يبني منه اسم فاعل.

فإذا قيل لك: أخبر عن "زيد" من قولك: ليس زيد منطلقا فقل لا يصح، بخلاف "كان" وأخواتها، وإن لم تتمحص للفعليه لعدم دلالتها على الحدث، فإنها تتصرف تصرف الأفعال الحقيقية، فتقول إذا أخبرت عن زيد من قولك:(كان زيد أخاك) الكائن أخاك زيد، وفي الإخبار عن "الأخ" تقول: الكائن زيد إياه أخوك، أو الكائنه زيد أخوك. وأما (ليس) فإنها هي في حكم (ما) فلا يبنى منها شيء أصلا.

ومنها أن يكون الفعل دالا على الحدث والزمن، قابلا للتصرف، لكنه لم يتصرف فيه اتفاقا لا استغناء، نحو:(تبارك) و (سقط في يده) و (ينبغي) وما كان من بابها. فإنها لم يستعمل منها فعل مغاير، ولا يبنى من مصادرها غيرها إن فرض وجود مصادرها فإذا قيل لك: أخبر عن اسم "الله" من قولك: (تبارك الله) لم يسغ، لأن العرب لم تستعمل منه:(متبارك) / فلا تقول: المتبارك الله، وكذلك "زيد" من قولك: سقط في زيد، لا تقول: المسقوط في يده زيد، وكذلك سائرها.

ومنها أن يكون الفعل متصرفا إلا أنه لم يستعمل منه اسم فاعل ولا مفعول، نحو (يذر، ويدع) فلا يجوز فيها الإخبار بالألف واللام، فلا تقول في (يدع زيد): الوادع زيد، ولا في (يذر زيد): الواذر زيد، لرفض العرب

ص: 232

لذلك، استغناء باسم الفاعل من (تبارك الله) وكذلك إن كان متصرفا، لكنه لم يستعمل منه اسم مفعول، فلا يجوز الإخبار هنا إذا كان فعل الجملة مبنيا للمفعول، ومثله اين عصفور بقولهم: غلب زيد، إذا جعل غالبا، قال: ولا يقال في هذا المعنى: مغلب. قال: وإنما المغلب المغلوب.

وما فرضه ابن عصفور مثالا لو ثبت كذلك لكان صحيحا، ولكن الجوهري حكى في (المغلب) أنه المغلوب كثيرا. قال: والمغلب أيضا من الشعراء المحكوم بالغلبة على قرنه. فقد حكى الجوهري ما لم يحكه ابن عصفور، ولكن ابن عصفور اتبع في ذلك ما نقل عن يونس، ونقله ابن قتيبية، أنه يقال للشاعر إذا غلب: مغلب، وإذا غلب قيل غلب، وسلمه ابن السيد، ولم يحك خلافه. فعلى هذا يصح الاستشهاد بالمثال المذكور.

فإن قلت: هل صوغ اسم الفاعل أو المفعول عند الناظم لازم في باب الإخبار حين اشترط في الفعل أن يصح منه الصوغ، أم ليس عند بلازم، لأنه لم يحتم القول بالصوغ، بل شرط صحته، ولا يلزم من إمكان الصوغ وصحة وجوده حتما؟ .

فالجواب: أن هذا الموضع لم يتعرض فيه للزوم الصوغ، وإنما الباب جار على باب "الموصول" وقد مر له فيه ما يقتضي صحة وصل الألف واللام بالفعل المضارع في الاختيار، وإن كان قليلا بالنسبة إل وصلها بالصفة، فلا مانع من

ص: 233

اعتباره هاهنا، لأن الجميع من باب "الموصول" فإذن يصح لك أن تدخل الألف واللام على الفعل نفسه، إذا كان مضارعا، لا إذا كان غير مضارع، فتقول في الإخبار عن "زيد" من قولك:(يضرب زيد عمرا) اليضرب عمرا زيد، كأنك قلت: الضارب عمرا زيد، وفي الإخبار عن "عمرو": اليضربه زيد عمرو، كما في اسم الفاعل مطلقا. وقد تقدم التنبيه على أن هذا المذهب للمؤلف مذهب مخترع/ نحلة مبتدعة، خالف جميع النحويين، وطريقة العرب، وهو مذهب فاسد بعيد عن الصواب.

ولما كان الوصف الذي به وصلت الألف واللام تارة يجري على من هو له، كما تقدم، فلا يحتاج إلى زيادة على ما ذكر من الحكم، وتارة يجري على غير من هو له، فلا بد من بروز الضمير الذي رفعته الصفة- أخذ يذكر ذلك فقال:

وإن يكن ما رفت صلة أل

ضمير غيرها أبين فانفصل.

يريد أن الصفة الواقعة صلة للألف واللام إذا رفعت الضمير- ولا ترفع الضمير إلا وهو عائد على الألف واللام، إذ لا بد من ضمير من الصلة عائد على الموصول- فإن ذلك الضمير إذا كان لغير الصلة، أي ليس واقعا عليها من جهة المعنى، لا بد من فصله وإبرازه، ليكون فصله وإبرازه دليلا على أن الوصف جرى على غير من هو له، إذ لو بقى موصولا لالتبس، وقد مر هذا في باب "الابتداء" حيث تعرض له الناظم.

وهذا الكلام تضمن ثلاث مسائل، واحدة بالتصريح، واثنتان بالمفهوم.

ص: 234

إحداها: أن يكون مرفوع الصلة غير ضمير، بل ظاهرا، فهذا لا ضمير يبرز فيه، وإنما مرفوعه ظاهر، لكن لا بد من ضمير عائد على الألف واللام، ليس بمرفوع، فيكون في نفسه بارزا اتصل بالصفة أو انفصل لموجب غير الإخبار، وذلك إذا أردت أن تخبر "عمرو" من قولك: ضرب زيد عمرا، فإنك تقول: الضاربه زيد عمرو، فالألف واللام هنا لغير "الضارب" وغنما هي لصاحب الضمير المنصوب، وهو "عمرو" فقد جرت الصفة على غير من هي له، وهذا شأنها إذا رفعت الظاهر أبدا، ولا يلزم في ذلك محذور (اللبس).

وكذلك إذا أخبرت عن "زيد" من قولك: ضرب أخو زيد عمرا. قلت: الضارب أخوه عمرا زيد، وما أشبه ذلك.

ولما كان اللبس مع رفع الظاهر منتفيا صيروا الضمير المرفوع بالصفة عند اللبس كالظاهر بالفصل، لزوال اللبس بظهوره، تشبيها له بالظاهر حقيقة.

وهذه المسألة هي التي أحرز بقوله: (وإن يكن ما رفعت صلة أل ضمير غيرها) فأخرج الظاهر من هذا الحكم، إذ لا مدخل له فيه.

والثانية: أن يكون مرفوع الصلة ضميرا، لكنه ضمير الألف واللام، فمقتضى كلامه/ انه لا يفصل ولا يبان، وهذا صحيح، لأنه لا يفصل إلا عند اللبس، وذلك عند جريان الصلة على غير من هي له، فالألف واللام معناها معنى الصلة، والضمير المرفوع عائد على الألف واللام، فانتظم الكلام، فلا موجب للفصل، وذلك كقولك: ضرب زيد، فإذا أخبرت عن

ص: 235

"زيد" قلت: الضارب زيدد، فالألف واللام والصلة معا لزيد، فلا يبرز الضمير، وكذلك ما أشبه هذا.

والثالثة: هي المنصوص عليها، وهي أن يكون مرفوع الصلة ضميرا ليس لها من جهة المعنى، فلا بد هنا من إبرازه، لانه عائد على الألف واللام، والألف واللام ليست للصلة، فقد جرت الصفة على غير من هي له، فإذا أخبرت عن "زيد" من قولك: ضربت زيدا- قلت: الضاربه أنا زيد، فأبرزت الضمير المستتر في "الضارب" وليس العائد على الألف واللام، لأن الألف واللام لزيد، وهو المفعول، لا للمتكلم و"الضارب" للمتكلم لا لزيد، فوجب إبراز الضمير.

وكذلك إذا أخبرت عن الكاف من (ضربتك) قلت: الضاربه أنا أنت، فالألف واللام ل (أنت) والصفة ل (أنا) فلم يستتر الضمير.

وكذلك إذا أخبرت عن الياء في (ضربتني) قلت: الضاربه أنت أنا، فالألف واللام هنا ل (أنا) و"الضارب" هو "أنا" وإن شئت قلت في هذه المسألة: الضاربي أنت أنا، فأتيت بالضمير العائد على الألف واللام على المعنى، على حد قول الشاعر:

وأنا الذي قتلت بكرا بالقنا

وتركت تغلب غير ذات سنام

وعلى هذا الوجه أتى النحويون بالبيت المشهور، الذي أنشده ابن النحاس

ص: 236

في "كافيه" وقال أنسد أبو بكر بن شقير النحوي:

كيف أشكو منك ما حل بنا

أنا أنت الضاربي أنت أنا

وأبنت الشيء، أبنيه، أي أزلته وأذهبته. وأبنته أيضا: قطعته وفصلته. ومن قولهم: ضربه فأبان رأسه من جسده، وهذا الثاني هو مقصود الناظم، أي قطع من الفعل فانفصل.

ص: 237