الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
}
التأنيث}
علامة التأنيث تاء أو ألف
…
وفي أسام قد روا التا كالكتف
اعلم أن من المعاني المدلول عليها بالألفاظ أشخاص الجواهر، وهي على قسمين: حيوان وجماد.
والحيوان ضربان: ذكر وأنثى، فاللفظ الموضوع ليدل على الذكر فقط فرقت العرب بينه وبين اللفظ الذي وضع ليدل على الأنثى فقط في أحكام كثيرة، كالإخبار، والوصف، والإشارة، وغيرها.
ولما كان هذان المعنيان لا يكونان إلا للأسماء كانت تلك الأحكام التي قصدت التفرقة بها مختصة بالأسماء.
ثم إن العرب قسمت الأسماء الدالة على الأشخاص بالنظر إلى تلك الأحكام على ثلاثة أقسام:
قسم التزمت فيه أحكام اللفظ الدال على الذكر، وقسم التزمت فيه الأحكام الدالة على الأنثى، وقسم جوزت فيه الأمرين.
فإذن التذكير والتأنيث، عند النحويين، هو أن يخبر عن اللفظ على صفة ما، أو يشار إليه كذلك، إلى غير ذلك من الأحكام الخاصة بكل واحد.
فظهر أن التذكير والتأنيث خاص بالأسماء/ ولم ينص الناظم على هذه الاختصاص، ولكن لما كانت العلامات الفارقة بين المذكر والمؤنث
التي يذكرها إثر هذا من خصائص الأسماء - أشعر ذلك بكونه للأسماء خاصة، وإلا فالأفعال والحروف لا يصح الإخبار عنها، ولا الإشارة إليها، ولا تصغيرها.
فإن قيل: فهم يقولون: الأفعال مذكرة، والحروف تذكر وتؤنث.
فالجواب أن المحققين إنما يقولون في الأفعال: إنها لا تأنيث فيها، لا أنهم يثبتون لها التذكير، وإن أطلقوا عليها لفظ التذكير فعلى هذا المعنى. وأما الحروف فإنما استقر التذكير والتأنيث فيها، حيث سموا بلفظ الحرف، كقوله:
وليت يقولها المحزون
وهي إذ ذاك أسماء، فيصح فيها التذكير والتأنيث. ولبسط الكلام على هذا المعنى موضع غير هذا، فليس هذا من ضرورة هذا الشرح.
وقول الناظم: (علامة التأنيث كذا" تعيين للعلامة، وذلك لا يكون إلا بعد ثبوت استحقاق لها.
والقاعدة أن العلامة إنما تلحق ما لا يدرك فيه ذلك المعنى المعلم عليه، وأصل الأسماء التذكير، لأنه الأغلب عليها، ألا ترى أعم الألفاظ الدالة على المعاني الموجودة "شيء" و"الشيء" مذكر.
قال سيبويه: لأن الأشياء كلها أصلها التذكير، ثم يختص بعد. يعني
أن التأنيث إنما يكون في الخاص لا في العام، فالأعم "شيء" وهو مذكر، فإذا خرج عن أصله من التذكير المدرك بغير علامة، فلابد من العلامة الدالة على ما خرج إليه، فقالوا:(قائم) إذ أرادوا المذكر، و (قائمة) إذ أرادوا المؤنث، وكذلك: امرؤ، وامرأة، وابن وابنه. ونحو ذلك.
وإذا ثبت استحقاق المؤنث العلامة انصرف النظر إلى تعيينها، فعين الناظم للتأنيث علامتين، فقال:(علامة التأنيث تاء أو ألف).
يعني أنها منحصرة في هذين القسمين، فلا يوجد في تحقيق الاستقراء علامة ثالثة. وقد عدها الزجاجي ثلاثا، وجعل الثالثة الهمزة في نحو (حمراء) وجعلها بعضهم خمسًا، وعدمنها الياء في (هذي) و (تفعلين) والكسرة في نحو. ضربت) وجعلها ابن الأنباري خمس عشرة علامة، المختص منها بالأسماء ثمانية: الألف المقصورة، والممدودة، والتاء في نحو:(بنت، وأخت) والتاء في نحو (قائمة، وطلحة) / والألف والتاء في نحو (الهندات) والنون نحو (هن، وأنتن) والكسرة نحو (أنت) والياء نحو (هذي). والباقي في الأفعال والحروف. والثابت من هذه كلها ما ذكره الناظم، أما الهمزة فهي الألف في الحقيقة، لأنها لو كانت الهمزة هي العلامة حقيقًة لثبتت في الجمع إذا قلت في (صحراء): صحارى، فكنت تقول: صحارئُ، وهذا لا تقوله العرب، وإنما قالوه بالياء، فصارت في الجمع ياء، فدل على أنها غير أصلية.
وأما الياء في (هذي) فليست بعلامة، وإنما جاء التأنيث من
الصيغة، وكذلك القول في كسرة (ضربت) ونون (هن) و [تاء](بنت، وأخت) ليست بتاء التأنيث، لسكون ما قبلها، وهو غير الألف، وتاء (هندات) هي المذكورة أولا، والألف قبلها سبقت للجمع.
وأما الياء في (تفعلين) فضمير عند سيبويه، فهي كالنون في (تفعلن) ولم يقولوا إنها علامة للتأنيث، بل صيغة تدل على المؤنث.
وأما مذهب الأخفش فيها فلم يرتضه الناظم، وإنما اختار مذهب سيبويه، على ما تقدمت الإشارة إليه في باب (الضمائر).
وقوله: "تاء أو ألف" ارتضاء لمذهب أهل البصرة في كون العلامة هي التاء لا الهاء، فإن الكوفيين يزعمون أن أصل التاء هاء، ويعكس البصريون.
والدليل على صحة مذهب البصريين أن الوقف موضع تغيير، فالأولى أن يدعى التغيير فيه لا في الوصل.
وأيضًا فقد تأتي التاء علامة حيث لا تقلب هاء في الوقف، وذلك في الجمع بالألف والتاء.
وأيضًا فمن العرب من لا يبدلها هاء في الوقف. وهذه مرجحات لما ذهب إليه الناظم، والخطب في المسألة يسير، إذا ليس باختلاف في حكم يبنى عليه في الكلام شيء.
وقوله: (تاء أو ألف) فأتى بـ (أو) التي هي لأحد الشيئين، إشارًة إلى أن العلامتين لا تتواردان على محل واحد، فلا تجتمعان في كلمة واحدة. فلا يقال في (ذكرى) مثلا: ذكراة، ولا في - حبلى): حبلاة، لصحة الأجتزاء بإحداهما
عن الأخرى، وما أوهم خلاف ذلك، فعلى خلاف ظاهره.
ومن ها هنا روي عن أبي عبيدة أنه قال: ما رأيت أظرف من أمر النحويين، يقولون: إن علامة التأنيث لا تدخل على علامة التأنيث، وهم يقولون: علقاة.
/ وقد قال العجاج:
فكر في علقى وفي مكور
يريد أبو عبيدة أنه قال: "علقى" فلم يصرف للتأنيث، ثم قالوا مع هذا:"علقاة" أي فألحقوا تاء التأنيث ألفه.
قال أبو عثمان: كان أبو عبيدة أجفى من أن يعرف هذا، وذلك أن من قال:(علقاة) فالألف عنده للإلحاق بباب (جعفر) كألف (أرطى) فإذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان عليه، وجعل الألف للتأنيث، فهي مع التاء للإلحاق، ومع عدمها للتأنيث، ولهذا نظائر كـ (بهمي، وبهماة) و (شكاعى، وشكاعاة) و (سماني، وسماناة) و (باقلا، وباقلاة) ومن المددود (طرفاء، وطرفاءة) و (قضباء، وقضباءة) و (حلفاء، وحلفاءة) فمن لم يلحق التاء فالهمزة للتأنيث، ومن ألحقها فلغير التأنيث.
ثم قال: (وفي أسام قدروا التا كالكتف) الأسامي على (أفاعل):
جمع أسماء، الذي هو جمع اسم، فأسام جمع الجمع، على حذف الزيادة.
ولما كانت علامة التأنيث منحصرة في علامتين، ولكل واحدة حكم يتعلق بها في الكلام على كل واحد من القسمين، وابتدأ بذكر التاء.
ثم ما فيه التاء على وجهين:
أحدهما: ما ظهرت فيه التاء، فهذا لا تفصيل فيه، ولا حكم يتعلق به، لأنه الأصل، إلا ما نذكره في التاء الفارقة إثر هذا.
والثاني: ما لم تظهر فيه العلامة، وهي حقيقة بأن تظهر. فأخذ في التنبيه على ذلك فيها، ويعني أن الأسماء المؤنثة بالتاء على وجهين:
أحدهما: ما ظهرت فيه، نحو: شجرة، وثمرة، وبطة، وحمامة، وتمرة، وقائمة، وقاعدة.
والثاني: ما لم تلحقه علامة تأنيث، بل لفظه لفظ المذكر، وأجرت العرب عليه أحكام المؤنث، فلابد من تقدير التاء في ذلك الاسم المؤنث، لأن دخولها فيه هو الأصل، فإذا لم تدخل كان على تقديرها، نحو ما ذكر من (الكتف) فإن التاء مقدرة فيها.
وتقدير التاء يحتمل معنيين في كلامه:
أحدهما: أن يكون مراده أنها مقدرة في آخر الكلمة، لا يمنع من ظهورها مانع إلا الاستعمال، وقد ترجع إذا استعملت استعمالاً آخر، وهذا هو الثاني، ومنه مثاله، ومنه (عين) و (شمس) و (فخذ) و (قدم) و (ساق) و (عضد) و (كبد) و (كرش) و (أذن) ونحو ذلك، وهو كثير، فهو على تقدير التاء في آخره، حتى كأنك قلت: عينة، وشمسة، وفخذة.
والدليل على ظهورها في التصغير، نحو: كتيفة، وعيينة، وشميسة،
وفخيذة، وقديمة، وسويقة، وكذلك سائرها، إلا ألفاظًا/ جاءت عن العرب مصغرة بغير تاء شذوذا، وسيأتي ذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى. فيكون هذا التقدير لا مانع له إلا الاستعمال خاصة، من غير أن يكون معوضا عنه، وعلى هذا ينطبق مثاله إن كان المثال أتى به مقصودًا له.
والثاني: أن يقصد ما هو أعم من هذا، وهو أن يكون المؤنث على تقدير الهاء، سواء أظهرت في التصغير أم لم تظهر، فهي في حكم المقدر.
أما الثلاثي فكما تقدم، وأما الرباعي فالحرف الرابع فيه قام مقام الهاء نحو: عناق، وذراع، وعقاب، و (لسان) فيمن أنث و (أتان) ولذلك إذا صغروا هذا الصنف لم يلحقوه الهاء إلا ما شذ، ومنعوا صرفه، كما يمنعون صرف ما فيه الهاء، فهذا القسم كأن الهاء موجودة فيه لفظا، فهي إذن مقدرة الظهور كالثلاثي، وهذا أولى أن يحمل عليه كلامه.
والدليل على أنه على تقدير التاء أنه إذا صغر المزيد منه تصغير الترخيم ظهرت، نحو: عنيقة في (عناق) وذريعة في (ذراع) وشبه ذلك،
لكن يشكل هذا الكلام مع كلامهم في مسألة أخرى، وذلك أنهم يقسمون المؤنث على ثلاثة أقسام، باعتبار ما يحتاج إلى العلامة وما لا يحتاج إليها:
أحدها: ما الاسم فيه مستحق للتفرقة بين المذكر والمؤنث، لكون اللفظ أطلق عليهما معًا، وهذا أكثر ما يوجد في الصفات، كقائم وقائمة، وقاعد وقاعدة، وكريم وكريمة. ومنه في غير التاء أحمر وحمراء، وأصفر وصفراء، وأفضل وفضلى، وسكران وسكرى، ونحو ذلك.
وقد يكون في الأسماء، كامرئ وامرأة، وابن وابنة، ونحو ذلك،
وسيأتي ذكره إن شاء الله. فهذا القسم هو الذي إذا لم تلحق العلامة في المؤنث، وهو محتاج إليها، فهو حقيق أن تقدر فيه الهاء.
والثاني: أن يكون المؤنث مخالفًا لفظه لفظ المذكر، لأنه صيغ دلالًة على المؤنث خاصة، فلا حاجة هنا إلى العلامة، لصيرورته معروفًا بالصيغة نفسها، فإن دخلت فيه فلتأكيد التأنيث، وذلك نحو:(عناق) فإنه في مقابلة (جدي) و (رخل) في مقابلة (حمل) وكذلك: حمار وأتان، وشيخ وعجوز، ورجل وامرأة، وغلام وجارية، وفرس ذكر وحجر، وضبعان وضبع، بكر وقلوص، وأسد ولبؤة/، ومن هذا كثير، فكان ينبغي على هذا ألا يجعلوا ما لم تلحق الهاء على تقديرها أصلا، وإلا فما الفائدة في هذا؟
والثالث: أن يكون المؤنث لا مشاركة للمذكر فيه، كحائض، وطاهر، وطامث، وقاعد - يعنى عن الحيض - وطالق، ومذكر، ومحمق، ومطفل، وذئبة مجر، ومخشف، معزل، ومقرب - أي قرب ولادها - نحو ذلك، فهذا أيضًا مما لا يحتاج إلى علامة، فتقديرها مشكل على هذا.
والناظم قد أطلق القول في التقدير بقوله: (وفي أسام قدروا التا كالكتف).
والجواب: أن يقال: الأصل في التاء أن تدخل للتفرقة بين المذكر والمؤنث، كما سيأتي بعد إن شاء الله، لكنها قد تدخل قياسًا، كما في
الصفات التي تقع على المذكر والمؤنث بلفظ واحد، وقد تدخل سماعًا كما في امرئ وامرأة، وابن وابنة، ورجل ورجلة. وهذا الثاني لا ضابط له إلا السماع.
وأما الأول فهو الذي ينظر فيه، من حيث هو داخل تحت النظر القياسي، ولكن الجميع غير متخلف عن التفرقة، حسبما يأتي أن شاء الله وهكذا هي في جميع أصنافها، فإذا ظهرت العلامة فذاك، وإذا لم تظهر فالأحكام تبين أنها على تقدير التاء، ويستدل على ذلك بالأحكام، كالتصغير وغيره.
وأما ما ذكر من نحو: حمار وأتان، ورجل وامرأة، وشيخ وعجوز، فسماع لا يعتد به في القياس، ومع ذلك فهو في تقدير التاء، بدلالة الأحكام.
وأما باب (حائض، وطالق، ومطفل) فالأصل أن تلحقه العلامة، إلا أنه منع من ذلك مانع، سيذكر إن شاء الله.
ولم يتكلم في هذا الباب إلا على التاء الفارقة وما لحق بها، لأن الباب وضعه للتفرقة بين المذكر والمؤنث على الجملة، وهو الأصل كما تقدم، وما عداه من أقسام التاء فطواري عليها بعد ثبوت أصلها، فلا اعتراض على الناظم في تقدير التاء في ما لا تاء فيه من المؤنث، فإنه صحيح.
ثم أشار إلى ما يعرف به كون اللفظ على تقدير التاء فقال:
ويعرف التقدير بالضمير
…
ونحوه كالرد في التصغير
يعني أن تقدير التاء في الأسماء المؤنثة التي ليس فيها تاء يعرف بأشياء يظهر بها، ويتبين أنها مؤنثات لا مذكرات على ظاهر لفظها. وعين من/ تلك الأشياء شييئن، وأشار إلى الباقي، فقوله:(بالضمير) تعيين لأحدهما، وقوله:(ونحوه) إشارة إلى ما بقى من الأشياء المعرفة.
ثم جاء بواحد من المشار إليه، وهو الرد في التصغير، والمراد يكون هذه الأشياء معرفة أن تأتي في كلام العرب على ذلك السبيل، فتكون العرب هي التي اعادت على الاسم المفروض ضمير المؤنث، أو صغرته، فأعادت التاء في التصغير وكذلك غيرهما من الأحكام، لا أنه يريد أنك تعيد عليه ضمير المؤنث، فتعرف بذلك أنه مؤنث، لأن إعادة المتكلم ضمير المؤنث على الاسم ثان عن معرفته بكونه مؤنثا، فلو توقفت معرفة كونه كؤنثا على إعادة ضمير المؤنث عليه لزوم الدور، وألا يعرف أبدًا، فإنما يريد أن العرب وجدناها أعادت ضمير المؤنث على الاسم، فعرفنا بذلك إعتقادها فيه، وأنه التأنيث، وكذلك التصغير وغيره مما سيذكر بحول الله.
وإذا حصل ذلك في الأسماء من الاستقراء عاملناها بعد - إذا احتجنا إلى الإخبار عنها، أو إعادة الضمير عليها، أو غير ذلك - معاملة المؤنث، وهذه فائدة ذكر ذلك في كتب النحو، وإلا فالتعريف بتذكير المذكر وتأنيث المؤنث من وظيفة اللغوي، حتى يأخذها منه النحوي مسلمة.
فأما ما ذكر من الضمير فهو أن يعود على الاسم ضمير المؤنث،
كما تقول: الدار تهدمت، والشمس طلعت، وأعجبني طلوعها قال تعالى: } والشمس تجري لمستقر لها}. وقال تعالى: } وإن الدار الأخرة لهي الحيوان}. وقال تعالى: } جهنم يصلونها}.
هذا الأمر العام ما جاء على خلاف ذلك: فإما شاذ وإما على التأويل فقوله:
فلا مزنة ودقت ودقها
…
ولا أرض أبقل إبقالها
فأعاد على "الأرض" ضمير المذكر - شاذ، وكذلك ما جاء من نحو قوله تعالى: } السماء منفطر به}، هو على أن "منفطرًا" على معنى النسب، كحائض، ومرضع، ومطفل، وكذلك قوله: بعض أصابعه قطعتها، فأعاد ضمير المؤنث على "البعض" وهو مذكر، وإنما ذلك على التأويل كما تقدم في باب "الإضافة".
وأما ما ذكر من الرد في التصغير فمعناه أن ترجع التاء المقدرة في تصغير ذلك الاسم/ الذي تلحقه العلامة، وذلك قولهم في (عين): عيينة،
وفي (يد): يدية، وفي (أذن): أذينة، وما أشبه ذلك، وهذا هو الأكثر، والأكثر كاف، فلا ينقض هذا التعريف ما جاء من نحو: فريس، وقويس، وعريب. والفرس والقس والعرب مؤنثات، فإن هذا قليل نادر فلا يعتد به.
والتعريف بالتصغير مختص بالثلاثي من الأسماء، لأن التاء لا ترجع في التصغير قياسًا إلا في الثلاثي. وأما الرباعي وما فوقه فلا تلحق التاء إلا سماعًا، كما سيأتي ذكره في "التصغير".
وأما ما أشار إليه بـ"نحو" فمن ذلك إسناد الفعل بالتاء نحو: طلعت الشمس، وتهدمت الدار، وانفطرت السماء، ورجعت الإصبع، وهذا إنما تدل على التأنيث إذا لحقت التاء، فإن لم تلحق لم يدل، إلا أن يكون الفاعل ضميرا، فيرجع إلى عود ضمير المؤنث كما تقدم.
ومن ذلك عدم لحاق التاء في أسماء العدد، فإنه إنما تسقط العلامة مع المؤنث، نحو: ثلاث أفراس، وأربع أذرع، وست أعين، وثلاث أتن، وخمس أعقب، جمع: أتان، وعقاب.
وكذلك في العدد المعطوف وفي المركب كما تقدم.
وما جاء على خلاف ذلك فقليل خارج عن القياس المطرد، نحو قولهم: ثلاث شخوص، و"الشخص" مذكر، وإنما اعتبر فيه المعنى إذا أراد النساء، قال ابن أبي ربيعة، أنشده سيبويه:
فكا نصيري دون من كنت أتقي
…
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
وكذلك قولهم: ثلاثة أنفس، مع أن "النفس" مؤنثة، إنما أرادوا أن "النفس" عندهم إنسان، فحملوه على المعنى، والباب، على قولهم: ثلاثة أنفس.
ومما خالف المشهور قول الحطيئة، أنشده سيبويه:
ثلاثة أنفس وثلاث ذود
…
لقد جار الزمان على عيالي
ومن ذلك لحاق التاء الوصف، نحو قوله تعالى: } وتعيها أذن واعية} قوله تعالى: } وللدار الآخرة خير}.
ومن ذلك الإشارة إشارة المؤنث، نحو: هذه عين، وهذه قدر، قال تعالى: } هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون}، وقال تعالى: } هذه النار التي كنتم بها تكذبون}.
فإن جاء ما ظاهره خلاف هذا فمؤول، كقوله تعالى: } هذا رحمة من ربي} فالإشارة هنا إلى الأمر المتقدم الذكر في قوله: } فما اسطاعوا أن يظهروه} يعني (السد) فهو راجع إلى ذلك المذكور الذي هو (السد).
ومن ذلك الجمع على (أفعل) / فيما كان من الثلاثي الأصول قبل آخره مدة كفعال، وفعال، وفعال، وفعيل، نحو: عناق وأعنق، وأتان وأتن، وذراع وأذرع، ولسان وألسن، وعقاب وأعقب، وكراع وأكرع - فيمن أنث - ويمين وأيمن، ونحو ذلك، فإن هذا البناء من الجمع مختص بما كان من هذه الأبنية للمؤنث، كما اختص بها في المذكر (أفعله) نحو: حمار وأحمرة، وقذال وأقذلة، وإهاب وآهبة، ونحو ذلك.
وقد يأتي على خلاف ذلك، فيجمع المذكر على (أفعل) كطحال وأطحل، وجبين وأجبن، وهو قليل لا يعتد بمثله في الاعتراض على القاعدة المستمرة.
ومن ذلك الإخبار نحو: أذنك واعية، وعين زيد ناظرة، ويقرب هذا من الصفة.
ومن ذلك الحال، نحو: رأيت الشمس طالعة، والدار منهدمة.
هذه جملة ما ذكر الناس في معرفة تقدير التاء في المؤنث غير الحقيقي، وهي تسعة تضاف إلى العلامتين المتقدمتين، وهما التاء والألف، فيصير الجميع إحدى عشرة علامة.
وزاد بعضهم كسر الكاف والتاء في نحو: ضربك، وضربت، وذلك فيما إذا خاطبت الاسم غير العاقل على جهة المجاز، كقوله تعالى: } وقيل يا أرض ابلعي ماءك} وينضاف على هذا الاعتبار ياء الواحد المخاطبة، كقولك: افعلي، ولم نعده فيما تقدم، لأنه داخل في التفسير بالضمير، فإن الكاف المكسورة، والتاء المكسورة ضمير مؤنث بجملته، كالياء في (افعلي) وكالهاء في (ضربتها) ولذلك تصح أن ترجع الأخبار والوصف والحال إلى شيء واحد، لأنها في تحصيل الإخبار واحدة.
ولا تلي فارقة فعولاً
…
أصلاً المفعال والمفعيلا
كذاك مفعل وما يليه
…
تا الفرق من ذي فشذوذ فيه
ومن فعيل كقتيل إن تبع
…
موصوفة غالبًا التا تمتنع
اعلم أن التاء الفارقة هي اللاحقة للاسم الذي ينطلق على المذكر والمؤنث بلفظ واحد، فلا يفهم التذكير ولا التأنيث حقيقة من إطلاق اللفظ بمجرده، بل إنما يسبق التذكير، فجعلت العرب التاء مبينة للمؤنث، ومفرقة، بينه وبين المذكر.
وهذه التاء الفارقة غالب أمرها، وأكثر استعمالها في الصفات، لأنها التي جاءت في اللفظ/ واقعًا على المذكر والمؤنث بعينه لكونها مشتقة ومبينة من مادة واحدة، وعلى بناء واحد.
وأما الأسماء الجوامد فالتاء الفارقة لا تلحقها إلا قليلا، نحو: امرئ وامرأة وابن وابنة، وشيخ وشيخة، على ما يذكر.
وإنما كثر في الجوامد عندهم التفرقة بالألفاظ، نحو: جدي وعناق، ورجل وامرأة، وشيخ وعجوز، وجمل وناقة، وما أشبه ذلك.
وقد يعتدون بالتفرقة بالوصف بـ"الذكر" و"الأنثى" نحو: حية ذكر، وحية أنثى، وبطة ذكر، وبطة أنثى، وفرس ذكر، وفرس أنثى، ونحو ذلك، وهذا بخلاف الصفات، فلذلك احتاجوا فيها إلى التاء الفارقة.
فأراد الناظم أن هذه التاء لا تلحق من الأوصاف ما كان على بناء من هذه الأبنية المذكورة، وهي خمسة: فعول ومفعال، ومفعيل، ومفعل، وفعيل، وهذه الأبنية من أبنية الصفات، وإياها قصد، فلم يرد أنها لا تلحق هذه الأبنية مطلقا، سواء كانت أسماء أو صفات، وإنما قصد ما كان ذلك مشتقًا جاريًا على موصوف، لفظًا أو تقديرًا، فنحو: خروف، وعتود، وعمود، وعجوز، وشبه ذلك، مما هو على وزن (فعول) من الأسماء.
وكذلك: منقار، ومصباح، ومفتاح، ومحراب، ومسمار، ونحو ذلك، مما جاء على (مفعال).
وكذلك: منبر، ومرفق، ومحجن، ومدرى، ونحوه، مما جاء على (مفعل)،
وكذلك (مفعيل) نحو: منديل، ومشريق، وهو مدخل الشمس من الباب.
وكذلك: بعير وقضيب، وكثيب، وجريب، ونحوه مما هو على (فعيل) لا تدخل له في مراده، لأن التاء الفارقة قلما يحتاج إليها فيها، فلم يعتبرها كذلك الناظم.
فأما (فعول) الذي قصده من الصفات فمثاله قولهم: امرأة صبور وظلوم،
وغضوب، وقتول، وعدو، وغشوم.
وكذلك: امرأة كنود، وكفور، وطروح، أي تطرح ثيابها، ثقة بحسن خلقها، وناقة كتوم، أي لا تكاد ترغو، وناقة ضروس سيئة الخلق عند الحلب، وناقة ضجور، أي ترغو عند الحلب، لأنه يشق عليها، وناقة زحوف، أي تجر رجليها تمسح بهما الأرض، وشاة عزوز، ضيقة الإحليل، وكذلك: الحصور، وناقة جروز، شديدة/ الأكل، وكذلك المرأة قال:
إن العجوز خبة جروزا
…
تأكل كل ليلة قفيزا
وامرأة نزور، قليلة اللبن. قال العباس بن مرداس:
بغاث الطير أكثرها فراخًا
…
وأم الصقر مقلاة نزور
وأنشد ابن مالك في "شرح التسهيل":
كرب القلب من جواه يذوب
…
حين قال الوشاة هند غضوب
فأتى بغضوب بغير هاء.
وإنما لم تدخل التاء الفارقة هنا، لأن دخولها - كما تقدم - بالحمل على الفعل، فإنما يصح دخولها في الصفة ما بقيت على أصلها، من الجريان على الفعل، فإذا خرجت عن ذلك لم يحسن الجريان على الفعل، وذلك أن (فعولاً) مصروف عن (فاعل) هنا، و (فاعل) هو الجاري في القياس صفة على (فعل، يفعل) وأما (فعول) فغير جار على (فعل) أصلا، كما جرى (مفعل) على (أفعل) فلحقته التاء؟
وكذلك (فعل) جرى على (فعل) و (فعيل) بمعنى (فاعل) جرى على (فعل) فمكرم جار على: إكرم يكرم، وحذر جار على حذر يحذر، وظريف جار على ظرف. ومعنى الجريان هنا أنه الموضوع اسم الفاعل له بحكم الأصل، فصار (فعول) ليس بجار على هذا التقرير، فلم تلحقه العلامة.
هذا تعليل ابن الأنباري ومثله لابن خروف.
وأطلق القول هنا في منع الإلحاق لفعول، وهو غير صحيح لأن (فعولا) على وجهين:
أحدهما: أن يكون بمعنى (فاعل) فهو الذي لا تلحقه التاء كما ذكر.
والثاني: أن يكون بمعنى (مفعول) فحكمه أن تدخله التاء مطلقا، ليفرقوا بين القصدين، وذلك قولهم: ناقة حلوبة، أي محلوبة، وهذه أكولة الراعي، للشاة التي يسمنها لنفسه. وقال الله تعالى: } فمنها ركوبهم ومنها يأكلون}. لم
يؤنث لأن القصد: فمنها ما يركبون، فلم يقصد التأنيث، وفي مصحف عبد الله "فمنها ركوبتهم" وهي قراءة عائشة وأبي بن كعب، أي: مركوبتهم. وقال الأصمعي: الركوبة: ما يركبون، والعلوفة: ما يعلفون، والحلوبة: ما يحلبون، والحمولة: ما احتمل عليه الحي من بعير أو حمار أو غيره.
وقال الله تعالى: } ومن الأنعام حمولة وفرشًا} والقتوبة من الإبل التي تقتبها بالقتب، وهو رحل صغير قدر السنام. وقالوا: جارية قصورة، إذا كانت محبوسة/ ليست بخارجة، وهذه: رضوعة الفصيل، أي مرضوعته، والنسولة: التي يتخذ نسلها، والجزوزة: التي تجز أصوافها، وطروقة الفحل: ما بلغ أن يحمل عليه الفحل. ومن هذا كثير.
فهذا القسم لا تمتنع منه التاء أصلا، كما لا تمتنع من اسم المفعول، وقد احترز من هذا القسم في "التسهيل"، فقال: أو (فعول) بمعنى (فاعل) فكان إطلاقه هنا مخلاً.
والجواب: أن قوله: "أصلاً" بين المراد منه، لأنه حال من (فعول) تقديره: لاتلى فارقة (فعولاً) حالة كونه أصلاً، ومعنى كونه أصلاً أن يكون بمعنى (فاعل) لأنه أكثر من (فعول) بمعنى (مفعول) فهو أصل له بهذا الاعتبار وبهذا فسره ابن الناظم في "شرحه".
وأما (مفعال) فمثاله: امرأة مذكار، ومئناث، ومحماق، ومعطار،
إذا كانت تلد الذكور، والإناث، والحمقى، ومعطاء، من العطية، وسحابة مدرار، وناقة ملواح، يعني سريعة العطش، وأيضًا لوحها السفر، وشاة ممغار ومنغار، إذا كان من عادتها أن تحلب لبنًا يخالطه دم، وناقة معجال، إذا ألقت ولدها لغير تمام، وملحاح، للتي لا تكاد تبرح الحوض، وامرأة ميسان، من الوسن، ومنعاس، من النعاس، ومكسال، من الكسل، ونخلة ميقار، من الوقر، وميئخار، من التأخير.
وإنما لم تدخل التاء هنا لنحو مما امتنع له دخولها في (فعول) إذ هي صفة لا تجري على فعل.
قال ابن الأنباري: وانعدالها عن الصفات الجارية أشد من انعدال (صبور، وشكور) وما أشبهه من المصروف عن جهته، لأنه شبه بالمصادر لزيادة هذه الميم فيه، ولأنه مبني على غير فعل، ويجمع على (مفاعيل) ولا يجمع المذكر بالواو والنون، ولا المؤنث بالألف والتاء إلا قليلا.
وأما (مفعيل) فمثاله قولهم: امرأة معطير، من العطر، ومئشير، من الأشر، وهو البطر، وفرس محضير، أي كثير العدو، وامرأة منطيق.
وهو أقل في الوجود من (مفعال) والعلة التي لأجلها امتنعت التاء منه هي ما تقدم ذكره في (مفعال).
وأما (مفعل) بفتح العين وكسر الميم فمثاله: امرأة مرجم، ومنه: مطعن، ومدعس، ومقول، يقال/ ذلك للذكر والأنثى بلا تاء، وعلة عدم اللحاق مثل ما تقدم.
وأما (فعيل) فسيأتي ذكره أثر هذا إن شاء الله.
وقول الناظم: "وما تليه تا الفرق من ذي شذوذ فيه" ذي إشارة إلى هذه الأبنية المذكورة، يعني أن ما لحقته من هذه الأبنية التاء التي للفرق بين المذكر والمؤنث، فإنما لحقته شذوذًا لا على الاطراد، ونادرًا يحفظ ولا يقاس عليه.
ونبه بهذا الكلام على ما جاء في السماع مخالفًا لما تقدم أنه مطرد.
فمما شذ في (فعول) قولهم: هي عدوة الله.
ووجه بأنه أجرى مجرى (صديقة) وقال الكسائي: جعلوها اسما كالذبيحة، فقد دخلت تاء الفرق في (فعول) ولكنه شاذ، وإنما قال:"تا الفرق" احتزازًا من التاء اللاحقة لفعول، وليست للفرق أصلا، كقولهم: امرأة صرورة، ومنونة، أي كثيرة الامتنان، وعروفة بالأمور، ولجوجة، من اللجاج، وفروقة، من الفرق، وملولة، من الملل، وألوفة، إذا كانت تألف، ومن هذا كثير، فالهاء في مثل هذا ليست للفرق.
والدليل على ذلك قولهم: رجل صرورة، ومنونة، وعروفة، ولجوجة.
وكذلك سائر المثل، يستوى فيها المذكر والمؤنث مع وجود التاء، فأين معنى الفرق فيها؟ وإنما لاحقه للمبالغة، كما سيأتي التنبيه عليه آخر الفصل إن شاء الله.
فلما كانت التاء هنا لاحقة في (فعول) كثيرًا جدًا بين مقصوده أولاً بقوله: "ولا تلي فارقة"، وثانيًا بقوله:"تا الفرق".
وأما (مفعال) فلا أعلم مجئ التاء فيه للفرق، ولكن جاءت تاء المبالغة فيه كثيرًا، وهي التي تحرز الناظم منها، نحو رجل مجذامة، أي قاطع للأمر،
قال الهذلي:
يجيب بعد الكرى لبيك داعيه
…
مجذامة لهواة قلقل عجل
و(مجذام) أيضًا.
ورجل معزابة، ورجل مطرابة، وما أشبه ذلك، مما تدخله التاء في المذكر، فلا يصح فيه ادعاء الفرق.
ومما شذ في (مفعيل) قولهم: رجل مسكين، وامرأة مسكينة، شبهوها بفقيرة، فالتاء فيها للفرق، فإن جاء في هذا البناء (مفعيلة) فإما للفرق شذوذًا، وإما لغيره، ولا يبالي بالكثرة فيه.
ومما شذ في (مفعل) / ناقة مصكة، وجمل مصك، أي قوي شديد.
قال سيبويه: و (مفعل) قد جاءت الهاء فيه كثيرًا، نحو: مطعن ومدعس.
قال: ويقال: مصك، ومصكة، ونحو ذلك.
فقد جعل سيبويه لحاق الهاء هنا للفرق كثيرًا، ولكنه عند الناظم لم يبلغ الأطراد، بل هو عنده قليل بالنسبة إلى عدم لحاق التاء، ومدعس ويطعن ليس مما تلحقه التاء في المؤنث، نص على ذلك السيرافي.
ثم قال الناظم: "ومن فعيل كفتيل""من فعيل" متعلق بقوله: "تمتنع" أي تمتنع التاء أيضًا من (فعيل) وقد مضى ما في هذا التعلق من الخلاف، لأن معمول خبر المبتدأ هنا قد تقدم، حيث لا يجوز للعامل أن يتقدم.
يعني (فعيلاً) الذي هو مثل (قتيل) إذا جرى صفة على موصوف مذكور لفظًا أو معنى، فإن التاء تمتنع منه غالبا، يعني تاء الفرق فالألف في قوله:"التا تمتنع" لتعريف العهد في الذكر وقد تضمن هذا الكلام، لامتناع دخول تاء الفرق، شرطين:
أحدهما الذي أعطاه المثال في قوله: "كقتيل" وهو (فعيل) بمعنى (مفعول) وذلك (فعيلاً) يأتي على وجهين في الاستعمال المشهور، فأحد الوجهين أن يكون بمعنى (فاعل) فهذا لابد من لحاق علامة الفرق فيه، نحو: كريمة، وشريفة، وظريفة، وعليمة، ورحيمة، ونبيلة، وعتيقة في الجمال، وما أشبه ذلك، فجرى مجرى (فاعل) لأن (فعيلاً) يجري على الفعل نحو: ظرفت، فهي ظريفة، ففعيل جار اسم فاعل على (فعل) اطرادًا، فصار كفاعل مع (فعل).
ومن هذا القسم تحرز الناظم حين نبه بالمثال، من حيث كان دخول التاء هنا قياسًا، وعلى هذا ما جاء من المعتل ظاهر أمره أنه (فعيل) وكان بمعنى (فاعل) فدخلته التاء في المؤنث، فهو (فعيل) حقيقة، نحو: امرأة حيية، وبهية وعيية، فإن لم تدخله التاء حمل على أنه ليس على وزن (فعيل) حقيقة، وإنما هو (فعول) كبغي في قوله تعالى: } وما كانت أمك بغيًا} فلم تدخل التاء، والأصل (بغوى) ثم صيره الإعلال إلى (بغي).
وهذا الموضع مزلة قدم، وقد سأل المازني جماعة من نحويي الكوفة/ بحضرة الواثق، فلم يأتوا بوجه الصواب فيها، فسأله الواثق عنها فقال: لو كان (بغى) على تقدير (فعيل) بمعنى (فاعله) لحقتها الهاء، مثل: كريمة وظريفة، وإنما تحذف الهاء إذا كانت في معنى (مفعولة) نحو: امرأة قتيل، وكف خضيب، و (بغى) هذا ليس بفعيل ماهو (فعول) ثم ذهب في المسألة إلى تمامها، نقل القصة الزبيدي.
والوجه الثاني: هو الذي أراده الناظم، وهو أن يكون (فعيل) بمعنى (مفعول) نحو: امرأة قتيل، وشاة ذبيح ونطيح، وعين كحيل، وكف خضيب، ولحية دهين، وناقة نهيس ولسيع، إذا لسعتها الحية، وكذلك: لديغ وذميم، أي مذمومة، وامرأة لعين، وشتيم، وستير، بمعنى: مستورة، وناقة كسير، وعقير، وبقير، أي بقر بطنها ومن ذلك كثير.
فهذه كلها بمعنى (مفعول) فلم تلحقها التاء فرقا بين اسم الفاعل والمفعول، ولحقت اسم الفاعل دون المفعول، لأنه مبني على الفعل، أي جار عليه كما تقدم، بخلاف اسم المفعول.
وهذه العلة جارية في (فعول) بمعنى (فاعل) أو (مفعول) فإنها إذا كانت بمعنى (فاعل) لم تجر على الفعل، فلم تلحقها التاء، ولحقت في المفعول فرقا بينهما بهذا علل ابن الأنباري.
والشرط الثاني: لامتناع دخول تاء الفرق: أن يكون (فعيل) الذي بمعنى (مفعول) قد تبع موصوفة، وذكر معه، وذلك قوله:"إن تبع موصوفه" وضمير "تبع" هو "فعيل".
ومثال ذلك ما تقدم من قولك: كف خضيب، ولحية دهين.
وقال تعالى: } وقالت عجوز عقيم}
ويدخل تحت هذه التبعية ما لو كانت الصفة خبرًا عن موصوفها، نحو: شاتك ذبيح، وكفك خضيب، فإنها جارية عليه من جهة المعنى.
وكذلك الحال، نحو: مررت بناقتك طليحًا، ورأيت كفك خضيبًا.
ويدخل أيضًا تحت معنى التبعية التبعية تقديرًا لا لفظًا، كقولك: مررت بامرأتين صريع وجريح، ورأيت نساءك ما بين لديغ وجريح، ونحو ذلك.
فأما إن تتبع الصفة التى على (فعيل) موصوفها، فمفهوم هذا الشرط أن التاء لا تمنع، بل تدخل على المؤنث مطلقا، وذلك صحيح.
وقد أعطى هذا الكلام، على ما وقع من التفسير المتقدم، أن (فعيلاً) غير الجاري على الموصوف هو الذي استعمل استعمال الأسماء، لأنه إذا لم يكن كذلك كان على تقدير الموصوف. وقد ثبت أن مثل هذا داخل في لفظ التابع لموصوفه، ومثال هذا قولهم: أكيلة السبع، وقال الله تعالى: } والمتردية والنطيحة}، وقرأ الشعبي:"وأكيلة السبع" وكذلك:
الذبيحة، وفريسة الأسد، والضحية، وفي الحديث:"كما يمرق السهم من الرمية".
وقولهم: (هذه قتيلة بني فلان) من هذا، كقولهم: هذه فريسة الأسد.
فالوجه الذي لأجله لحقت التاء في غير التابع لموصوفه هو استعماله استعمال الجوامد، فصار مستقلاً في الحكم بنفسه، لا يفتقر إلى ما يجري عليه.
وقوله: "غالبًا" نبه به على أن ما اجتمع فيه الشرطان من (فعيل) فعدم لحاق التاء فيه غالب أكثري.
وقد يأتي في كلام العرب بالتاء على غير الغالب، فيوقف على محله، ولا يقاس عليه، قالوا: ناقة بكيء، إذا قل لبنها، كأنها منعته. ويقال: بكيئة أيضًا.
ويقال: نعجة ذبيحة، ونعجة نطيحة، والأكثر ذبيح، ونطيح.
وقالوا: امرأة ستير، وستيرة، وأمة رقيق، ورقيقة، وأمة عتيق، وعتيقة، أي معتقة، وامرأة جليدة، أي مجلودة، وملحفة جديد.
قال الفراء: وبعض قيس يقولون: جديدة، هذا إن قيل إنهما بمعنى مجدودة، أي مقطوعة.
وقد غلط الفارسي في "التذكرة" من قال هذا، لأنه مأخوذ من الجدة ضد الخلوقة. قال: ولا معنى للقطع في هذا، ولو كان كذلك لم تدخله الهاء.
وقد حكى سيبويه إدخالها، قال: وهذا من الشاذ عن الاستعمال، وإن
لم يكن شاذًا عن القياس، لأن القياس كان أن تدخل التاء كما تدخل في ظريفة، وشريفة، ونحوهما، إلا أنه شذ في أحرف، نحو: ريح خريق، وكتيبة خصيف، وأحرف أخر.
وقد تدخل التاء الفارقة هنا قليلا، نحو: رجل رهين بعمله، وامرأة رهينة، قال الله تعالى: } كل امرئ بما كسب رهين} وقال تعالى: } كل نفس بما كسبت رهينة} ويقال للرجل: أخيذ، أي أسير، وللمرأة: أخيذة، حكاه ابن الأنباري عن يعقوب.
وحصر الناظم عدم اللحاق في هذه الأبنية الخمسة يشعر بأن ما جاء من غيرها، ولم تلحقه التاء، ليس في الحقيقة، فمن ذلك (فاعل) و (مفعل) و (مفاعل) فإن التاء لا تلحقها في الأكثر كغيرها مما ذكر.
تقول في الأول: امرأة حائض، وطالق، وطاهر، وطامث، وعاقر، ونحو ذلك، فلا تلحق التاء وتقول في الثانية: امرأة محمق، ومذكر، ومؤنث، وذئبة مجر، وظبية مخشف، ومغزل، ومطفل ونحوه.
وتقول في الثالث: قطاة مطرق، إذا دنا خروج بيضها، وناقة مملح، إذا كان فيها شيء من شحم، ومعضل، إذا اشتد النتاج عليها.
وتقول في الرابع: ناقة مجالح، إذا درت في القد والجوع، وناقة مقامح، إذا أبت أن تشرب الماء، ومعالق، في معنى: علوق، وهي التي
لا ترأم بأنفها ولا تدر، ومغار، إذا نفرت فرفعت الدرة، وممارن، إذا ضربت فلم تلقح، فكثر ذلك من الفحل ومنها. ومن ذلك أشياء.
فهذه أبنية ليست مما تقدم، وإن لم تلحقها التاء في المؤنث، لأنها جارية في المعنى على مذكر، كأنه قال: شيء حائض، أو مطفل، أو مطرق، أو نحو ذلك، أو تكون على معنى النسب، لا على معنى الفعل، كأنه قال: ذات كذا، إذ لو كانت على معنى الفعل لكانت بالتاء مطلقا، كقولك: حائضة غدًا، نحو ذلك. وهكذا تقول العرب إذا أرادت معنى الفعل.
وقد جعل ابن الأنباري هذه الأبنية، ما عدا فاعلاً، مما لا تلحقه التاء في المؤنث، وجعل (فاعلاً) على وجهين، فما كان للمذكر والمؤنث لحقته التاء للتفرقة، وما اختص بالمؤنث لم تلحقه التاء، وهو مذهب الفراء فيه، فجعل الاختصاص بالمؤنث مجردًا مما لا يحتاج معه إلى التاء. وارتضاه ابن الأنباري، ورد هذا المذهب جماعة البصريين، والناظم منهم، ولتفصيل الكلام في ذلك مجال واسع لا يسع ذكره في هذا المختصر، ويكفيك منه أن العرب لا تقول: امرأة حائض غدًا، إذا أرادت معنى الفعل، وإنما تقول: حائضة غدًا (فلو كان عدم لحاق التاء لأجل الاختصاص فلا يتوهم تذكير - لكانوا خلقاء أن يقولوا: امرأة حائض غدًا) وعلى هذا ألزم من ألزمه ألا تلحق التاء في الفعل إذا كان ذلك الفعل لا حظ للذكر فيه، نحو: طمث هند، وحاض فاطمة، إذ
التفرقة حاصلة، من جهة المعنى بين هذا وبين قولك: قام زيد وخرج عمرو.
وقد رام ابن الأنباري الانتصار للفراء في هذا بما لا حاجة إلى ذكره، فإن اردت الاطلاع عليه فانظره في "المذكر والمؤنث" له.
وعلى الجملة فالبصريون أقرب إلى الصواب في المسألة والله أعلم. وهنا مسألتان:
إحداهما: أن الناظم لما كان قد قيد التاء بالفرق في هذا الفصل، إذ قال:"ولا تلي فارقة فعولاً" ولم يقل: ولا تلي فعولاً - أشعر ذلك من كلامه بأن التاء تأتي غير فارقة، فلابد من ذكر أنواع التاء المشهورة وهي خمسة:
أحدهما: التي ذكر، وهي تأتي في الأسماء والصفات، أما في الصفات فظاهر، لأنها محمولة في ذلك على الفعل، كطالع وطالعة.
وأما في الأسماء فهي على وجهين:
الأول: أن تكون فارقة بين المذكر والمؤنث وإن اختلف اللفظان، بمعنى أنهم لما أرادوا أن يؤنثوا أتوا بالعلامة، وتركوا المذكر على أصله، نحو: غرفة، وقرية، ومدينة، وعمامة، وشقة، وبلدة، فهذا ما أرادوا تأنيثه. وقالوا: حجر، وتراب، وثوب، ودرهم، ومنزل، وقمر، فهذا ما أرادوا تذكيره، فقد حصل الفرق بالتاء هنا على الجملة، لأن التأنيث غير معروف في مثل هذا إلا من جهة اللفظ، وهو بأحد العلامتين. وحين أعوزت العلامة رجعوا إلى أحكامٍ أخر لفظيةٍ، عرفوا بها كون اللفظ في تقديرها، كدار وشمس، وقد تقدم.
والثاني: أن تكون فارقة بين المذكر والمؤنث مع اتفاق اللفظ، وهو على وجهين:
أحدهما: أن تكون التفرقة بين المذكر والمؤنث.
والآخر: أن تكون التفرقة بين الواحد والجمع.
فالأول هو ظاهر قصد الناظم، وله في السماع كثرة، لكن في المؤنث والمذكر المعنوي، كقولهم: امرؤ وامرأة، والمرء والمرأة، وهر وهرة، وعقرب وعقربة، ووعل ووعلة، وأتان وأتانة، وطائر وطائرة، وجؤذر وجؤذرة، وثور وثورة، وشيخ وشيخة. وفيما نسخ من القرآن: } الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة}
وغلام وغلامة، أنشد الفارسي وغيره:
ومركضة صريحي أبوها
…
يهان لها الغلامة والغلام
ورجل ورجلة، أنشد الفارسي أيضًا وغيره:
خرقوا جيب فتاتهم
…
لم يراعوا حرمة الرجله
وبرذون وبرذونة؛ أنشد ابن الأنباري للنابغة الجعدي:
وبرذونة بل البراذين ثغرها
…
وقد شربت من آخر الصيف أيلا
وحمار وحمارة، وبكر، للفتى من الإبل، وبكرة للأنثى، قال عروة:
أكلف من عفراء ستين بكرة
…
ومالي يا عفراء غير ثمان
وأسد وأسدة. وثم أشياء غيرها هذا.
والثاني: هو التفرقة بين الواحد والجمع، نحو تمرو تمرة، وشجر وشجرة، وبقر وبقرة، وبر وبرة، وجراد وجرادة، وذلك في أسماء الأجناس، ألحقوا التاء هنا دلالة على المفرد، فإذا لم تلحق دلت على الجنس، ويتبع ذلك التأنيث، فالتمرة مؤنثة، وكذلك الشجرة، وسائر مفردات الجنس.
وأما الجنس فللعرب فيه التذكير والتأنيث، نحو قوله تعالى: } كأنهم أعجاز نخل منقعر} وفي آية أخرى: } نخل خاوية}.
وقد جاء هنا التأنيث بالعكس، فأنثوا الجنس، وذكروا المفرد، قالوا: رجل
بغال وجمال، فإذا أرادوا الجمع قالوا: بغالة وجمالة، أنشد الفارسي قال: أنشد أبو عبيدة:
حتى إذا أسلكوهم في قتائدة
…
شلا كما تطرد الجمالة الشردا
وحمار للواحد، وحمارة للجمع، ومنه الكمء للواحد، والكمأة للجميع.
قال أبو عمرو: سمعت يونس يقول: هذا كمء كما ترى، لواحد الكمأة، فيذكرونه، فإذا أرادوا جمعه قالوا: هذه كمأة.
وقال أبو زيد: قال منتجع: كمء واحد، وكمأة للجميع وقال أبو خيرة: كمأة للواحد، وكمء للجميع، فمر رؤبة بن العجاج فسألوه فقال: كمء وكمأة، كما قال منتجع.
وهذا النوع قليل، والشاعر هو الأول.
والنوع الثاني: من أنواع التاء: أن تأتي للمبالغة في المدح أو الذم، وذلك قولك: رجل علامة، ونشابة وسألة، من السؤال، وروية.
وقال أبو الحسن في قولهم: (رجل فروقة، وملولة، وحمولة): ألحقوها التاء للتكثير، كنيابة وراوية.
وقالوا: رجل فقاقة، وهلباجة، أي أحمق، ورجل زميلة، أي جبان
ضعيف، ورجل تلقامة وتلعابة. وقد يسقطون التاء من هذه الأسماء.
ووجه المبالغة أنه ذهب به إلى الداهية في المدح، وإلى معنى البهيمة في الذم، قاله الفراء.
والنوع الثالث: أن تلحق على معنى النسب، نحو: المهالبة، جمع مهلبي، والمناذرة، جمع منذري، والأشاعثة، جمع أشعثى، والأشاعرة جمع أشعري، فجاء الجمع المكسر في هذه الأشياء على حد جمع التصحيح، في كون ياء النسب حذفت فيهما، فصارت التاء اللاحقة في التكسير دالة على النسب، كما صار الجمع بالواو والنون دالاً على ذلك.
والنوع الرابع: أن تأتي للعجمة، وجعلها المؤلف في "التسهيل" للتعريف لا للعجمة، نحو: موازجة، جمع موزج، وهو الخف، وجوارية، جمع: جورب، وسبابجة، جمع سبيجي، وهو قوم من السند، كانوا بالبصرة يستأجرون، قالوا: والهاء فيه للعجمة والنسب.
والنوع الخامس: أن تأتي عوضًا من محذوف، وذلك نوعان:
أحدهما: أن تكون عوضًا من محذوف غير لازم الحذف، وهي اللاحقة لمثال (مفاعيل) في الجمع، نحو: جحجاح، للسيد، وجحاجحة، وزنديق وزنادقة، وفرزان وفرازنة، ونحو ذلك.
ويجوز أن تأتي بالياء ولا تأتي بالهاء، وهما متعاقبان، قالوا: والتاء في هذا النوع لحاقها عوضًا قياس مطرد، فتقول في (قنديل): قنادلة،
وفي (منديل): منادلة، وما أشبه ذلك.
والثاني: أن تعوض من لازم الحذف، نحو: رئة، وشية، وفئة، ومائة، وبابه، فالتاء هنا لازمة، إذ لا يرجع ما عوضت منه.
وجعلوا أيضًا من أنواع التاء أن تكون لتأنيث الجمع نحو: صياقلة، وصيارفة، وقشاعمة.
وكذلك التاء في (أفعلة) و (فعلة) ونحو ذلك كم أبنية الجموع.
وجعلوا من ذلك إتيانها لتأكيد التأنيث، استيثاقًا منه وتوكيدًا، وهو نحو: غرفة، وكدية، وعقبة. وقد تقدم تسويغ هذا النوع في نوع ما جاء للفرق بين المذكر والمؤنث. وإنما نبهت على أقسام التاء لتنبيه الناظم كما تقدم، وإلا لكان هذا الشرح غنيًا عن ذلك، ولكن القصد استجلاب الفائدة مع اتباع النظم، لا النقل المطلق، فإن الكتب المبسوطة أغنت عن هذا. والله ينفع بالقصد بفضله.
المسألة الثانية: أنه لما قال: "ولا تلي فارقة" أي حال كونها فارقة - دل على أن التاء التي ذكر، وهي تاء التأنيث، هي المنقسمة، لأنه أعاد الضمير على التاء المتقدمة الذكر في قوله:"علامة التأنيث تاء أو ألف" ثم قسمها هنا إلى فارقة وغير فارقة، فدل على أنها تاء ألف التأنيث في جميع الأقسام، وهذا صحيح، نص عليه الفارسي في "التذكرة" فقال حين ذكر التاء، وأن التي للعوض يجتزأ بها عن المرة الواحدة، قال: لأن هذه التاء، وإن اختلفت معانيها، فكان منها ما يدل على الواحد من الجنس،
نحو: جرادة وجراد، ومنها ما يدل على العجمة نحو الموازجة، والسبابجة، ومنها ما يدل على النسبة نحو: المهالبة. ومنها ما يكون بدلاً من حرف كان يلحق الكلمة، نحو: زنادقة - فكلها تجتمع في أنها علامة تأنيث، ألا ترى إنك إذا سميت بشيء من هذه الضروب، التي تلحقه الهاء مع اختلافها، اتفقت في أنها لا تنصرف في المعرفة، فهذا يدل على أنه كالشيء الواحد، والقبيل المفرد، ومن ثم لم يجز أن تدخل في أوصاف القديم سبحانه، نحو: علامة، لأن لحاقها للتكثير لم يخرجها عن أن تكون للتأنيث.
وما قاله صحيح، فكأن الناظم نبه على هذا المعنى، وهو حسن من التنبيه إذا كان قصده.
ولما أتم الكلام على ما يتعلق بالتاء من الأحكام شرع في الكلام على حكم (الألف) ومواضعها، فقال:
وألف التأنيث ذات قصر
…
وذات مد نحو أنثى الغر
والاشتهار في مباني الأولى
…
يبديه وزن أربى والطولى
ومرطى ووزن فعلى جمعا
…
أو مصدرًا أو وصفة كشعبى
وكحبارى سمهى سبطرى
…
ذكرى وحثيثى مع الكفرى
كذاك خليطى مع الشقارى
…
واعز لغير هذه استندارا
قسم الألف التي للتأنيث قسمين:
ألفًا مقصورة، وهي ذات القصر، وهي الباقية على أصالتها، ولكونها قصرت عن الحركة سميت مقصورة، أو لكونها لم يقع قبلها مدة.
وألفًا ممدودة، وهي ذات المد، ولما كان حرف المد موجودا قبلها، وهي آتية بعده نسب المد إليها.
ومثل الممدودة بأنثى الغر، والغر: جمع الأغر، وهو ذو الغرة، والغرة: بياض في جبهة الفرس، يقال: فرس أغر، والأغر: الأبيض.
وعلى الوجهين فالأنثى: غراء على (فعلاء) فالألف هنا ممدودة، وهي التي صارت همزة لضرورة الإعلال، لأنها اجتمعت مع ألف المد، وهما ألفان فلا يجتمعان، فقلبوها همزة.
وترك المقصورة لبيانها في نفسها، من حيث هي باقية على أصلها.
ثم أخذ يذكر مواضع الألف المقصورة، ومواضع الممدودة لأنهما قد تلتبسان على الطالب، إذ كانت الهمزة تأتي آخر الكلمة فلا يعرف كونها للتأنيث، وقد تأتي للإلحاق، وقد تأتي للتكثير، فتلتبس إحداها بالأخرى، وأيضًا قد تأتي الكلمة وآخرها يحتمل أن يكون ممدودًا أو مقصورًا أو فيه الوجهان. وهذا الاحتمال إما بحسب المتعلم، وإما بحسب الأمر في نفسه.
فمثال التباس همزة التأنيث بهمزة الإلحاق (فعلاء) ومثال التباس الألفين (فعلى) وسيأتي بيان ذلك بحول الله.
والتفرقة بين هذه الألفات أكيد في الصناعة، لما ينبني عليه من
الأحكام في (ما لا ينصرف) وفي (التصغير) وغيرهما.
وأيضًا فإن المقصورة قد تلتبس بالمدود، بحيث لا يعلم في الكلمة هل آخرها مقصور أم ممدود، وذلك كله لا ينضبط في أعيان الأسماء، وإنما ذلك حظ اللغوي، فأمكنهم، ومنها ما ليس كذلك بل يكون مشتركًا مثل (فِعْلَى) بكسر الفاء، نحو: ضبطها بالأبنية فإن من الأبنية التي آخرها ألف ما يكون مختصًا بألف التأنيث.
ذفرى، وذفرى، هو ذو وجهين. وقالوا: معزى ودفلى، فالأولى للإلحاق، والثانية للتأنيث، وكذلك بناء (فعللى) مشترك للألف والهمزة، و (أفعلا) و (فعللا) ومن ذلك كثير، فأرادوا أن يحصروا الأبنية التي تختص بالنوع الواحد دون الآخر، على عادتهم في ضبط ما يرجع من اللغة إلى القياس.
فذكر الناظم ذلك، وابتدأ بالأبنية المختصة بالألف المقصورة، فقال "والاشتهار في مباني الأولى" إلى آخره.
"الاشتهار" مبتدأ، خبره "يبديه" و"في مباني" متعلق بـ"الاشتهار" والمباني: جمع مبنى، أراد به الأبنية أنفسها و"يبديه" أي يظهره وزن كذا وكذا.
يعني أن الألف الأولى في الذكر، وهي المقصورة، اشتهر في مبانيها هذه العدة في الأمثلة المذكورة، فلا توجد فيها الألف إلا التأنيث.
وقيد ذلك بالاشتهار، لأن ما ذكر هي التي كثر عنده فيها استعمالاً، بخلاف غيرها من الأبنية، وإن اختصت بالتأنيث فإنها لم تشتهر، ولم يكثر فيها الاستعمال، كما كثر في هذه. وسينبه آخرًا على هذا.
وعد من الأبنية المشهورة اثنى عشر بناء.
البناء الأول: بناء (أربى) وهو (فعلى) بضم الفاء وفتح العين، من أبنية التأنيث بالألف، فلا توجد ألفة للإلحاق، إذ ليس في الكلام وزن (فعلل) ولا يكون أيضًا ممدودًا على ما قال: والأربى: الداهية، قال الشاعر:
فلما غسى ليلى وأيقنت أيها
…
هي الأربى جاءت بأم حبوكرى
ومثله (الأرنى) وهو حب بقل يطرح في اللبن، فيثخنه ويحببه، و (أدمى) لموضع.
وقيل: الأدمى: حجارة حمر في أرض بني قشير، و (جنفى) اسم موضع، و (الجعبى) عظام النمل التي يعضضن، ولهن أفواه واسعة. و (شعبى) موضع.
البناء الثاني: بناء (الطولى) وهو (فعلى) بضم الفاء وإسكان العين.
يختص بالتأنيث بالألف، إذ ليس في الكلام (فعلل) بناء أصيلا على مذهب سيبويه والجمهور، فجخدب وجندب ونحوهما، مفرعان عند الضم، وهو عند الأخفش بناء أصيل، فالإلحاق به سائغ، وقد حكى في الإلحاق به (سؤدد) وسيأتي الكلام عليه في التصريف إن شاء الله تعالى.
وأيضًا فـ (فعلاء) ممدودًا أتت همزته للألحاق، نحو: قوباء، هو ملحق بقسطاس، فلذلك عد (فعلى) من الختص بألف التأنيث.
و (الطولى) تأنيث الأطول، وهو قياس في "أفعل التفضيل" إذا دخلت عليه الألف واللام، ومثله: الكبرى، والصغرى، والطريقة المثلى، والأخرى، والأولى، وذلك كثير.
ومثله في غير التفضيل (الأنثى) و (العذرى) من العذر، واليسرى، والعسرى، والعمرى، من الإعمار، و (العقبى) العاقبة، و (العتبى) الرجوع عما عوتبت عليه والحمى، والحبلى، و (حزوى) موضع، وذلك كثير.
البناء الثالث: بناء (مرطى) وهو (فعلى) بفتح الفاء والعين.
يختص بالتأنيث بالألف أيضًا، إذا ليس في الكلام وزن (فعلل) وأيضًا فإن (فعلاء) بالمد منتف على ما يقتضيه كلامه.
و(المرطى) السريعة من الإبل، يقال: فرس يعدو المرطى، وهو فوق التقريب، ودون الإهذاب، قال طفيل.
تقريبها المرطى والجوز معتدل
…
كأنها سبد بالماء مغسول
وقال الأفوه:
وركوب الخيل تعد والمرطى
…
قد علاها نجد فيه احمرار
وأكثر استعمال هذا البناء في الحركة والسرعة يقال: ناقة وثبى:
شديدة الوثب، وناقة وكرى: شديدة العدو، وناقة وكفى، أي سريعة، وناقة بشكى: سريعة، وناقة ملسى، أي تمر مرًا سريعًا، وكذلك الجمزى: عدو "فيه نزو، وناقة شمجى، أي سريعة. وتكون في غير ذلك، يقال: لقيته الندرى، أي في الندرة، وذفرى: اسم لروضة بعينها، وصورى: موضع، وبردى: نهر بدمشق.
البناء الرابع: بناء (فعلى) بفتح الفاء وإسكان العين.
وهذا المثال على وجهين في الاستعمال:
فأحدهما: أن يختص بالتأنيث بالألف.
والآخر: ألا يختص بذلك، فذكر الناظم هنا ما يحتاج إليه، وترك ما عدا ذلك، فللاختصاص بالتأنيث بالألف ثلاثة مواضع وهي التي عدها:
أحدها: أن يكون جمعًا لا مفردت، فإنه إذا كان جمعًا لم يكن فيه إلحاق في المفردات، وأيضًا فلم يأت الجمع هنا ممدودًا، وما أوهم خلاف ذلك فهو اسم جمع لا جمع حقيقة، نحو حلفاء، وقصباء. ومثاله: مريض ومرضى، وجريح وجرحى، وقتيل وقتلى، وهالك وهلكى، وصريع وصرعى، ، وهو كثير.
والثاني: أن يكون مصدرًا، فإن الإلحاق بالألف فيها معدوم، ولم يأت مصدر على (فعلاء) ممدودًا، ومثاله: الدعوى، والنجوى، والعدوى، والرعوى، من الرعاية أو الارعواء، والفتوى، والشكوى.
والثالث: أن يكون صفة، ومثه بشبعى، وهو تأنيث (شبعان) و (فعلى فعلان) قياس، نحو: سكران وسكرى، وغضبان وغضبى، وملآن وملأى، وريان وريا، وحران وحرى، وصديان وصديا، وشهوان وشهوى، وظمآن وظمأى، ونحو ذلك.
وتحرز بالصفة من الاسم، فإن الاسم، على (فعلى) مشترك الألف بين التأنيث والإلحاق، فالتأنيث نحو: علقى، ورضوى، وسلمى، وعوى، والإلحاق نحو: علقى، بالتنوين ويقال: جاء القوم تترى، ينون ولا ينون، وقرئ بالوجهين قوله تعالى: } ثم أرسلنا رسلنا تترا} ومعناه: واحد خلف آخر، ومنه أيضًا: أرطى، منونا لا غير.
و(فعلى) أيضًا مشترك بين المد والقصر إذا كان اسمًا، فمن المقصور ما ذكر آنفًا. والممدود نحو: النعماء، والقصباء، والحلفاء، والشعراء.
وإنما قيد الصفة بالمثال ليبين لك أي صفة أراد، إذ ليس كل صفة على (فعلى) تختص بالألف دون الهمزة، بل تأتي الصفة على قسمين:
أحدهما: أن تختص بالألف دون الهمزة، وذلك ما كان فيه تأنيث (فعلان) نحو: سكرى، وغضبى، وريا، وتأنيث: سكران، وغضبان، وريان. ومنه مثاله، لأنه تأنيث (شبعان).
والآخر: أن تختص بالهمزة دون الألف، وذلك ما كان منها تأنيث (الأفعل) نحو: حمراء، وصفراء، وصهباء، وسوداء، على ما سيذكره في فصل الممدودة، فلإخراج هذا القسم قيد (فعلى) بالمثال. والله أعلم.
وأما ما عدا هذه الثلاثة فلا تختص بالتأنيث، بل قد تكون للتأنيث وللإلحاق، وقد يأتي ممدودًا أيضًا مختصًا بهمزة التأنيث كما ذكر.
البناء الخامس: بناء (حبارى) وهو (فعالى) بضم الفاء.
يختص بالتأنيث بالألف، إذ ليس في الأسماء بناء (فعالل) فيلحق
به، وأيضًا فلم يأت هذا البناء ممدودًا، والحبارى: طائر، قال الشاعر:
توقى بأطراف القران وعينها
…
كعين الحبارى أخطأتها الأجادل
ويروى "توقى" ومثله (الخزامى) لخيري البر. ويقال: قصاراك أن تفعل، أي غايتك، و (جمادى) للشهر، و (النعامى) ريح الجنوب، و (الشكاعى) شجرة ذات شوك كثير، وزنابى العقرب: قرنها، والذنابى: الذنب، ويقال: هو منبت الذنب. والسمانى: طائر، ونحو ذلك.
البناء السادس: بناء سمهى وهو (فعلى) بضم الفاء وتشديد العين مفتوحة.
يختص بالتأنيث بالألف، لأن مثال (فعلل) و (فعلاء) غير موجود، والسمهى: الباطل، يقال: ذهب في السمهى، إذا ذهب في الباطل، وأيضًا فيقال: للهواء الذي بين السماء والأرض السمهى. ويقال السمهى: الذي يقال له مخاط الشيطان.
ومثله الحلكى، وهي شحمة الأرض، وبدرى، من البدار.
البناء السابع: بناء (سبطرى) وهو (فعلى) بكسر الفاء وفتح العين وتشديد اللام.
يختص أيضًا بالتأنيث بالألف لعدم مثال (فعلل) و (فعلاء).
والسبطرى: مشية فيها تبختر، نقله القالي عن ابن دريد. ومثله (الضبعطى) كلمة يفزع بها الصبيان، و (الزبعرى): الضخم.
البناء الثامن: بناء (ذكرى) وهو (فعلى) بكسر الفاء وإسكان العين.
والذكرى: مصدر، نحو وله تعالى: } تبصرة وذكرى لكل عبد منيب}.
ونبه بهذا المثال على أن اختصاص هذا البناء بألف التأنيث إنما يكون في المصادر، وذلك أن هذا البناء على وجهين:
أحدهما: أن يأتي مصدرًا وهو المقصود، فلا تكون ألفة للإلحاق، لأن الإلحاق فيه تابع للإلحاق في الفعل، والفعل عرى عن ذلك، ولا يكون ممدودًا أيضًا، لعدمه في المصادر، ومثله: السيمى.
والآخر: أم يأتي اسمًا، فليس بمختص بألف التأنيث، بل قد يكون كذلك، نحو: الدفلى، والشعرى، و (الحجلى) للحجل.
وقد تكون ألفة للإلحاق، فإن وزن الواحد، نحو: الذفرى، فإن للعرب فيه وجهين، منهم من يقول: ذفرى أسيلة، ممنوع الصرف، ومنهم من يقول: ذفرى أسيلة مصروفًا.
وقد تأتي أيضًا ممدودة للإلحاق، نحو: علباء وحرباء، فلأجل هذا أتى بالمثال من المصدر ليحرز مراده.
البناء التاسع: بناء (حثيثى) وهو (فعيلي) بكسر الفاء والعين وتشديدها.
ويختص بالتأنيث بالألف، وإذ ليس في الكلام مثال (فعيلل) ويقتضى أيضًا عدم (فعيلاء) وهو اسم مصدر من: حثثته على الشيء، أي: خضضته عليه.
وهذا البناء مختص بأسماء المصادر، فمن ذلك: الهجيري، بمعنى العادة، وأيضًا بمعنى الهجر من الكلام، والهزيمي، من الهزيمة، والخصيصى من: خصصت، والخليفى: الخلافة، والرميا: من رميت، والرديدى: من رددت، والمكيثى: من المكث، والدليلى من الدلالة.
البناء العاشر: بناء (الكفرى) وهو (فعلى) بضم الفاء وفتح العين وتشديد اللام.
يختص بالتأنيث بالألف، إذ ليس في الكلام مثال فعلل، ولا فعلاء.
والكفرى، والكافور: وعاء طلع النخل، سمى بذلك لأنه يكفره، أي يغطيه. والشيبانى يجعله الطلع نفسه، والفراء يجعله الطلع حين يشق. قال القالى: والأول هو الصحيح، لأن الاشتقاق يدل على صحته ومثله:(عرضى) من الاعتراض.
البناء الحادي عشر: بناء (خليطى) وهو (فعيلى) بضم الفاء وتشديد العين المفتوحة.
يختصف بالتأنيث بالألف لفقد بناء (فعيلل) و (فعيلاء)
والخليطى: من الاختلاط، يقال: وقعوا في الخليطى، أي اختلط
عليهم أمرهم، ومثله النهيبى، من الانتهاب، وذهبت أبله في العميهى والكميهى، إذا تفرقت في كل وجه، فلم يدر أين ذهبت، واللغيرى: الحفيرة الملتوية التي يحفرها اليربوع، والشريطي: من الاشتراط.
البناء الثاني عشر: بناء (الشقارى) وهو (فعالى) بضم الفاء وفتح العين المشددة.
يختص بألف التأنيث لأن مثال (فعالل) و (فعالاء) غير موجود.
والشقارى: نبت، ومثله: الحوارى، للدقيق المعروف، والعوارى، والخبازى الخضارى، والزبادى، أسماء نباتات.
هذه جملة الأبنية التي أشار إليها الناظم، وقيدها بالشهرة، وكثرة الاستعمال بقوله:(والاشتهار في مباني الأولى) إلى آخره.
ثم نص على أن ما عدا هذه الأبنية نادر في الأبنية المختصة بالتأنيث، فقال:"واعز لغير هذه استندارًا".
أي أنسب لغير هذه الأبنية المذكورة الاستندار والقلة، ولم يذهب إلى ذكرها على التفصيل، لقلة استعمالها، ولكونها في عدم الفائدة الكلية كنقل اللغة الذي لا يذهب إليه النحوى من حيث هو نحوى.
وقد حصر في "التسهيل" ما اشتهر وما لم يشتهر، ولابد من ذكر بعض تلك النوادر المشار إليها في كلامه.
فمن ذلك (أفعلاوى) ثلاثيًا مضاعف اللام، نحو (الدفقى) لمشية فيها تدفق وإسراع، و (الجيضى) لمشية فيها اختيال، و (الهمقى) مشية فيها تمايل، وهو نادر.
ومنها (فاعلى) نحو: الباقلى، بتشديد اللام. قال القالى: ولا أعلم له نظيرًا في الكلام.
ومنه (فعليًّا) نحو: مرحيا، من المرح، وقلهيًّا، ودربيًّا، وبرديًّا، وهو من النادر أيضًا.
ومنها (فعلوتا) والذي حكى منه: الرهبوتا والرحموتا.
ومنها (فعلنا) نحو: العرضنى، ولم ينقل القالى غيره.
ومنها (إفعلى) نحو: إيجلى، قال القالي: ولم يأت على هذا غيره.
ومنها (إفعيلى) نحو: إهجيرى، وإجريَّا، وهو نادر، ونحو هذا من الأبنية النادرة.
وعزا الشيء عزوًا وعزيًا: نسبه. وأتى بـ"الاستندار" في معنى الندور، وهو السقوط والشذوذ.
ثم على الناظم في هذا الفصل بحسب قصده اعتراضات:
أحدهما: أنه نص على أنه يأتي بالأشهر من أبنية الألف المقصورة، وقد وجدنا من هذه الأبنية ما ليس بمشهور ولا كثير.
فمنها (أربى) فهو قليل نادر، قال أبو بكر خطاب: وقد شذ من (فعلى) ثلاثة أحرف، أتت مقصورة، وهي (الأربى) للداهية، و (شعبى) اسم بلد، و (أدمى) اسم موضع، ولم يحك غير هذه الثلاثة الأحرف. ونحو هذا قال غيره حين جعلوا (فعلى) من الأبنية المختصة بالمد.
فهذا ضد ما ذهب إليه الناظم فيه، وجملة ما حكى القالي فيه، وهو المتتبع للسماع، والحافظ للنوادر، ما تقدم التمثيل به ولم يزد، وقال: إنه قليل جدًا.
وقال سيبويه في "الأبنية" ويكون على (فعلى) وهو قليل في الكلام، ثم حكى ثلاثة ألفاظ.
ومنها (شمهى) فهو نادر. قال سيبويه: وجاء على (فعلى) وهو قليل، قالوا: السمهى، وهو اسم، والبدرى، وهو اسم.
ولم يحك منه القالى إلا ثلاثة الألفاظ المتقدمة، فهو أندر من (فعلى) وقد جعله الناظم من الأبنية الشهيرة.
ومنها (سبطرى) فهو نادر أيضًا، ولم يذكر منه القالى إلا ثلاثة الألفاظ المذكورة قبل، نعم حكى من (فعلى) الثلاثي: الحمقى، والدفقى، والجيضى خاصة، والجميع إذا اجتمع من قبيل النادر غير المشهور، فهو، على كل تقدير، على غير ما زعم الناظم.
وقال سيبويه في الأبنية: ويكون على مثال (فعلى) وهو قليل، قالوا: السبطرى، وهو اسم والضبغطى، وهو اسم.
ومنها (الكفرى) فهو من قبيل النادر أيضًا، إنما حكى منه القالي: عرضى، وكفرى، وسلحفى، ثم قال: ولا نعلم أتى من هذا المثال، غير ما ذكرنا، هذا مع أنه أدخل فيه (سلحفى) وهو رباعي، ليس مثل (الكفرى) فالذي صح من نقله فيه لفظان خاصة.
وقال في تقرير الأبنية: إن هذا البناء قليل جدًا.
وقال سيبويه: ويكون على (فعلى) قالوا: العرضى، وهو اسم.
ومنها (الشقارى) فهو من النادر، إذ لم يحك منه القالى غير ما تقدم، إلا أنه لم ينص على أنه نادر، وكذلك سيبويه لما ذكر بناء (فعالى) لم ينبه على ندوره، فلعله استند إلى هذا القدر.
هذا ما على الناظم في شهرة هذه الأبنية.
وعليه في بناء (الطولى) نظر من جهة أخرى، لأنه جعله مختصًا، إذ ليس له ما يلحق به، لعدم (فعلل) أصل بناء. وقد أثبت الناظم في "التصريف" فعللاً، جريًا على مذهب الأخفش والكوفيين، وهو مذهب يترجح عند القائل به بقولهم: سؤدد، فألحقوه ببرقع وجخدب، والإلحاق إنما يكون بما هو أصل بناء، فعلى هذا يكون ما جاء من نحو (بهماة) ملحقًا، لأن الألف يمتنع مع التاء أن تكون للتأنيث كما تقدم، وعند ذلك لا يكون (فعلى) مختصًا بالتأنيث.
وقد يجاب عن هذا بوجهين:
أحدهما: أن مثاله يفيد مراده، وهو أنه مثل بفعلى الأفعل، فقد يقال: لم يرد إلا هذا بخصوصه، وعلى هذا لا يدخل له ما لم يكن من باب التفضيل الذي يكون فيه الإلحاق.
والثاني: أن (بهماة) حكى نادرًا جدًا، ليس له في هذا البناء نظير، ولم يكثر فيه استعمال التاء، فلا يعتد به في نقض أصل شائع الاستعمال، وهو الاختصاص بالتأنيث.
الاعتراض الثاني على كلامه: أنه ذكر في هذه الأبنية ما ليس مختص بالألف المقصورة، بل يشاركها فيها الممدودة، وقد جعلها في كتاب "التسهيل" من قبيل المشترك وذلك بناء (أربى) وبناء (مرطى) وبناء (حثيثي) وبناء (خليطى).
فأما بناء (أربى) وهو (فعلى) فهو أشهر في الممدود منه في المقصور، ولذلك جعلوا بناء (فعلى) مثلما يعرف به الممدود من المقصور، لاطراده في الممدود، واعتذروا عن نحو (أربى) وأشباهه بالقلة والندور.
ومثاله في المجموع: علماء، وحكماء، وفقهاء، وهو كثير.
وفي المفردات ناقة عشراء، والعدواء للشغل، والعرواة: الرعدة، والغلواء، والرحضاء: العرق.
والقوباء، والخيلاء، والنفساء، والبرحاء، وهو يتنفس الصعداد، ونحو ذلك.
وأما بناء (مرطى) وهو (فعلى) فقد جاء منه: قرماء، لموضع، وجنفاء، لموضع أيضًا، والسحناء: الهيئة، كالسحناء، ودأتاء وتأداء، للأمة، وتسكن الهمزة أكثر فيها. وقالوا: نفساء، في: نفساء، وهي قليلة، والأشهر نفساء، لكن المد في (فعلى) قليل، نبه عليه سيبويه، فكأنه لا يتمكن الاعتراض لهذا.
وأما بناء (حثيثى) وهو (فعيلى) فقد جاء منه: الفحيراء، والخصرياء والزليلاء، والمكيثاء، ذكرهما اللحياني.
وأما بناء (خليطى) وهو (فعيلى) فقد تشركه الألف الممدودة، نحو قولهم: دخيلاء، حكى الزبيدي: أنا أعلم بدخيلائك.
وهذه الثلاثة نادرة في المد، والذي يتمكن الاعتراض به هو الأول، على أن المؤلف قد أثبت في "التسهيل" أربعة الأبنية من المشترك ولم يفرق بين قلة وكثرة.
ثم ذكر الألف الممدودة فقال:
لمدها فعلاء أفعلاء
…
مثلت العين وفعللاء
ثم فعالاً فعللاً فاعولا
…
وفاعلاء فعليا مفعولا
ومطلق العين فعالا وكذا
…
مطلق فاء فعلاء أخذا
يعني أن لمد ألف التأنيث مختصة، لا تشركها فيها الألف المقصورة، ولا أيضًا يشركها فيها ألف الإلحاق أو التطويل، بل تكون هذه الأبنية كالعلم الممدودة، فتدخل بذلك فيما ينضم وينحصر بالقياس من اللغة. وجملة الأبنية التي ذكر سبعة عشر بناء:
أحدها: (فعلاء) بفتح الفاء وإسكان العين.
يختص بالتأنيث بالهمزة، لأن (فعلالاً) في غير المضاعف معدوم، إلا ما حكى شاذًا من قولهم: ناقة بها خزعال، أي ظلع. والقسطال: الغبار، وذلك غير معتد به.
أما (فعلاء) بكسر الفاء، أو (فعلاء) بضمها، فلا يختص بالتأنيث، لوجود (فعلال) و (فعلال) في نحو: قسطاس، وقرطاس، بل هذان البناءان يختصان بالإلحاق، كما اختص (فعلاء) بالتأنيث هذا مذهب البصريين.
ومن مثل (فعلاء) قولهم: السراء والضراء، والنعماء، تأنيث (الأفعل) في قولهم: بيضاء، وصفراء، وسوداء، وصهباء، وذلك كثير.
وليس مشتركا للممدودة والمقصورة وإن كان الناظم قد ذكر (فعلى) قبل هذا، لأنه إنما ذكرها في مواضع لاحظ فيها للممدودة، وهي كونها جمعًا، أو مصدرًا، أو صفة لمؤنث (فعلان) ولذلك قيدها فقال:"أوصفه كشبعى" وهي في هذه المواضع الثلاثة لاحظ فيها للمد، وإنما تمد في غيرها، وهي عند ذلك مختصة بالمد، لاحظ فيها للقصر.
البناء الثاني: (أفعلاء) بفتح الهمزة وكسر العين، وهو أحد ما قيد بقوله:"مثلث العين" أي مضبوط العين بثلاث الحركات، الضمة والفتحة، والكسرة.
يختص بالتأنيث بالهمزة لعدم بناء (أفعلال). ومن مثله في المفردات: الأربعاء، لليوم المعروف، والأرمداء، للرماد.
وهو في الجمع كثير، نحو: أولياء، وأصفياء، وأنبياء، وأوصياء، وما أشبه ذلك. وليس مشتركا لها وللمقصورة.
البناء الثالث: (أفعلاء) بفتح الهمزة والعين، وهو الذي يعطيه التقييد أيضًا.
يختص بالتأنيث لعدم مثله في الأصول.
ومن مثله: الأربعاء، لليوم المعروف.
قال الأصمعي: اليوم: الأربعاء، بفتح الباء، والأعرف الأربعاء بكسر الباء، إلا في جمع ربيع. وقد حكى أبو زيد عن بني عقيل أنهم يقولون: الأربعاء، بكسر الباء، فهما ثابتان. وهذا البناء قليل في الكلام.
البناء الرابع: (أفعلاء) بفتح الهمزة وضم العين، وهو الثالث مما أعطاه تقييد الناظم.
بالتأنيث بالهمزة، كما ذكر في أخويه.
ومن مثله: الأربعاء، لعمود من أعمدة الخباء.
قال القالي: ولم يأت منه غير هذا الحرف، ولم يذكر سيبويه هذا المثال في الأبنية، وإنما جاء من قبل أهل الكوفة، و (أربعاء) أيضًا: موضع.
البناء الخامس: (فعللاء) بفتح الفاء واللام.
يختص بتأنيث الهمزة، لفقد مثال (فعللال).
ومن مثله: عقرباء، وحرملاء، وكربلاء، وثرمداء، وهي أسماء مواضع.
وقالوا: لا أدري أي البرنساء هو أي: أي الناس هو. وهذا
المثال جعله سيبويه (فعللاء) فالنون عنده أصلية.
البناء السادس: (فعالاء) بكسر الفاء.
يختص بالتأنيث بالهمزة، لعدم بناء (فعالال).
ومن مثله: القصاصاء، للقصاص. زعموا أن أعرابيًا وقف على بعض أمراء العراق فقال: القصاصاء أصلحك الله، أي: خذلى القصاص. ولم يذكر سيبويه (فعالاء) وهو من مستدرك الزبيدي، وليس من الأبنية المشتركة، إذ ليس في أبنية المقصورة ما هو على (فعالى) وقد نفاه سيبويه عن الكلام.
البناء السابع: (فعللاء) بضم الفاء واللام.
يختص بالتأنيث بالهمزة، لعدم بناء (فعللال).
ومن مثله: القرفصاء، يقال: قعد القرفصاء، إذا قعد على قدميه، وأمس الأرض إليتيه وهو قليل.
ولم يذكر (فعللاء) بكسر الفاء واللام، نحو قولهم: ليلة طرمساء، وطلمساء، أي مظلمة، وأرض جلحظاء، أي لا شجر بها.
ولعله تركه لكونه من المشترك لأن (فعللى) موجود، نحو: هندبا. وحكى الفراء: قعد القرفصا، إذا ضممت القاف مددت، وإذا كسرتها قصرت. وقد جعله المؤلف في "التسهيل" من المشترك. البناء الثامن:(فاعولاء) بضم العين.
يختص بالتأنيث، لعدم بناء (فاعولل) ومن مثله: عاشوراء اليوم المعروف، وقالوا: أصابتهم ضارواء منكرة وهي من الضر، وهو قليل في الكلام.
البناء التاسع: (فاعلاء) يختص بالتأنيث أيضًا، لعدم مثله في الأصول.
ومن مثله: الغابياء، والقاصعاء، والنافقاء، أسماء لحجرة اليربوع، والراهطاء: تراب يخرجه اليربوع من حجره ويجمعه، وكذلك الدائماء، ومنه أيضًا: الباقلاء، وعادياء، اسم أبي السموءل الغساني، وليس بمشترك لها وللمقصورة.
البناء العاشر: (فعلياء) بكسر الفاء واللام.
يختص بالتأنيث، لعدم مثل (فعليال) ومن مثله: الكبرياء، والجربياء، لريح الشمال، ويختص بالممدودة، فلا تشاركها المقصورة فيه.
البناء الحادي عشر: (مفعولاء) يختص بالتأنيث كغيره.
ومن مثله: المشيوخاء، للشيوخ، المبغولاء، للبغال، والمحموراء، للحمير، والمتيوساء، للتيوس، والمعبوداء، للعبيد، والمصغوراء: الصغار، والمكبوراء: الكبار.
ويكثر في أسماء الجموع كما ذكر، ويقال أرض مسلو ماء، كثيرة السلم، ومحضوراء، اسم ماء، وليس بمشترك لها وللمقصورة.
البناء الثاني عشر: (فعالاء) بفتح العين والفاء، وهو أحد ما أعطاه قوله:"ومطلق العين فعالا" يعني عدم اختصاص العين بحركة من الحركات الثلاثة، بل يكون البناء معتبرا بأي حركة تحركت عينه، من الضم أو الفتح أو الكسر. وأما الفاء فمفتوحة البتة.
ولما أتى بمدة بعد العين لزم من كل حركة ما يناسبها من المدات، فالفتحة تناسبها الألف، فتقول:(فعالاء) والضمة تناسبها الواو، فتقول:
(فعولاء) والكسرة تناسبها الياء، فتقول:(فعيلاء).
ولم يحتج إلى التنبيه على هذا اكتفاء بعلم السامع بذلك، ولزوم ذلك للتحريك.
و(فعالاء) يختص بالتأنيث بالهمزة، لعدم بناء (فعالال) ولم يجعله مشتركا وإن كان في الكلام (فعالى) لأن (فعالى) مختص بالجمع، وأيضًا ليست هي ألف التأنيث على الحقيقة، وكلامه في ألف التأنيث في المفردات، وإن أرادها في الجمع فحيث هي باقية على أصلها ووضعها الأول، لا بعد التغيير.
ومن مثله: العجاساء، للعظيمة من الإبل، والثلاثاء، لليوم، والبراكاء: أن يبركوا إبلهم، وينزلوا عن خيلهم، ويقاتلوا رجالة. وبراكاء كل شيء: معظمه، والطباقاء: الذي ينطبق أمره، والدباساء: الجرادة الأنثى، والخصاصاء: الفقر.
البناء الثالث عشر: (فعولاء) وهو أحد الثلاثة المقيدة.
يختص بالتأنيث، لفقد مثاله في الأصول، وليس بمشترك لها وللمقصورة.
ومن مثله: حرواء، وجلولاء، لبلدين، والحروقاء: الحراق، والكشوثاء، وهو نبات، والدبوقاء: العذرة.
البناء الرابع عشر: (فعيلاء) وهو ما أعطاه التقييد أيضًا في كلامه.
يختص بالتأنيث، لعدم ما يلحق به من الأصول، وهو أيضًا غير مشترك.
ومن مثله: القربثاء، والكريثاء، لضرب من البسر، والكثيراء: الذي يلصق به الشعر، وسميراء: بلد.
البناء الخامس عشر: (فعلاء) بفتح الفاء والعين، وهو أحد ما يعطيه قوله:"وكذا مطلق فاء فعلاء أخذا" أي: بأي حركة تحركت الفاء، من الضم أو الفتح أو الكسر، مع فتح العين لا غير. الجميع مختص بالتأنيث، إذ ليس في الكلام مثال (فعلال) ولا (فعلال) ولا (فعلال)
فأما (فعلاء) فمثاله: قرماء، لموضع، وكذا جنفاء، ودأثاء وثأداء الأمة، والسحناء للسخاء، والغالب إسكان العين في الثلاثة، ونفساء: لغة في نفساء.
البناء السادس عشر: (فعلاء) بضم الفاء، وهو مما أعطاه إطلاق الفاء.
ومثاله: القرباء، والرحضاء، للعرق، والنفساء، والرهطاء، لحجر من جحرة اليربوع، وكذلك القصعاء، والخيلاء. ويقال: فعل ذلك في غلواء شبابه، أي أوله.
البناء السابع عشر: باقي الثلاثة، وهو (فعلاء) بكسر الفاء ومثاله: العنباء، للعنب، والحولاء، للماء الخارج مع الولد، والخيلاء، لغة في الخيلاء، والسيراء، للثوب المسير، أي: الذي فيه خطوط، وأيضًا نبت، وأيضًا الذهب.
هذه جملة ما ذكر من الأبنية المعرفة بالألف الممدودة، ولم يلتزم الإتيان بما عدا هذا، فورد عليه في هذا المساق سؤالان:
أحدهما: أنه لا يخلو أن يكون قصده بالإتيان بهذه الأبنية وحدها، لأجل أن ما عداها نادر بالنسبة إليها، كما قال في المقصورة:"واعز لغير هذه استندارا" أو يكون قصد الإتيان بمثل منها فقط، وكلا الأمرين غير سديد.
أما إن كان قصده أن ما ذكر هو الأكثرى، وما عداه أقلى، فليس الأمر كذلك، لأنه ذكر أمثلة نادرة الاستعمال جدًا، وترك أمثلة لا تقصر عما ذكر في الاستعمال.
فمما ذكر من الأبنية الشاذة (أفعلاء). قال القالي حين مثله بأربعاء: ولم يأت [من هذا المثال غيره. و (أفعلاء) كذلك لم يأت منه غير: أربعاء. ولم يذكره سيبويه. و (فعالاء) لم يأت] منه إلا القصاصاء قالوا: وهو نادر شاذ، ولم يثبته سيبويه. قال القالي: والكلمة إذا حكاها أعرابي واحد لم يجب أن تجعل أصلاً، لأنه يجوز أن تكون كذبًا، ويجوز أن تكون غلطًا أيضًا فلم يسمع من ذلك الأعرابي إلا على باب الملك، ولم يسمع منه بعد.
قالوا: فلعله بالعجلة واللهف زل لسانه، فلا يقبل منه لهذا الاحتمال و (فعلللاء) لم يذكر القالي إلا القرفصاء.
ونص سيبويه على قلته، ولم يذكر منه إلى هذا الحرف.
و(فاعولاء) قليل، لم يحك منه القالي إلا عاشوراء، وضاروراء.
وكذلك (فعلياء) لم يحك منه إلا لفظين تقدما، وهما: كبرياء، وجربياء.
وكذلك (فعولاء) قليل، نص عليه سيبويه قال: ويكون على فعولاء في الاسم، وهو قليل.
وكذلك (فعيلاء) قليل، نص عليه سيبويه أيضًا، ولم يحك منه القالي إلا أربعة الألفاظ المتقدمة.
وكذلك (فعلاء) قليل جدًا، وكذلك (فعلاء) أيضًا، فإذن أكثر ما ذكر من الأبنية قليلة الاستعمال.
وقد ترك أبنية أخر، منها (فيعلاء) نحو: ديسكاء، و (فعولاء) نحو: عشوراء، و (يفاعلاء) نحو: ينابعاء، و (تفعلاء) نحو: تركضاء، و (تفعلاء) نحو: تفرجاء، و (فعنلاء) نحو: برنساء، عند غير سيبويه. و (فعللاء) نحو: قرفصاء، و (فنغلاء) و (فنعلاء) نحو: عنصلاء، وعنصلاء، و (مفيعلاء) نحو: مشيخاء، ومرعزاء و (فعيعلاء) نحو: مزيقياء، و (فعلاء) نحو: سلحفاء.
هذه أبنية مختصة بالتأنيث، وغير مشتركة لها وللمقصورة فكان حقه أن يذكرها، كما ذكر أمثالها.
وأما إن كان قصد الإتيان ببعض المثل لينبه على ما بقي، فذلك غير مفيد في صناعة النحو، لأن المثل لا تعطى في مثل هذا النقل قاعدة يستند إليها، لكون الألف الممدودة لا تنضبط إلا بحصر الأبنية، كما انحصرت المقصورة بذلك، وذلك هو الذي قصد فيها، فكان الواجب أن يقصد هنا مثل ذلك القصد.
وأيضًا فكا أتى به من الأبنية كثير، والمثل يكفي منها القليل، لا سيما لمن قصد الاختصار.
والسؤال الثاني: أن ما ذكر من الأبنية لا يعين كثير منها الألف الممدودة، لوقوع اشتراك المقصورة معها فيها، وإذا كان كذلك لم يوثق بالجميع في إثبات ألف ممدودة، إذ ما من بناء إلا ويمكن للناظر فيه أن يكون مشتركًا، كما كان
غيره كذلك، فمن المشترك (أفعلاء) فإنهم قالوا: الأجفلي، والأوتكى.
ومنه (فعللاء) فقد قالوا: جحجبى، وقرقرى، وقهقرى.
ومنه (فعللاء) فقد قالوا: القرفصا، مقصورًا. حكاه أبو حاتم.
و(فاعولاء) فقد قالوا: بادولاء، اسم موضع.
و(فعلاء) فقد قالوا: المرطى، والبشكى، ونقرى، وهو كثير، وقد أثبته الناظم بناء للمقصورة (كما تقدم، و (فعلاء) / كذلك أيضًا، فقد قالوا: أربى، وأدمى، وشعبى، وقد أثبته الناظم للمقصورة) أيضًا.
فهذه ستة أبنية للمشترك في قسم المشترك، أثبتها في "التسهيل"، وإذا كانت مشتركة فكيف تتميز فيها الألف المقصورة من الممدودة، فالحاصل أن هذا الحصر من الناظم في هذا الباب من القسمين معًا غير مرضي على مقاصد النحو التي قصدها. والله أعلم.