الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
}
كم، وكأين، وكذا}
ميز في الاستفهام كم بمثل ما
…
ميزت عشرين ككم شخصا سما.
وأجزان تجره من مضمرا
…
إن وليت كم حرف جر مظهرا.
هذا الباب يذكر فيه ألفاظا جرت مجرى أسماء العدد في طلب التمييز، لأنها تؤدي معنى العدد.
فإذا قلت: كم رجلا رأيت؟ فمعناه: إذا قلت: كم رجال رأيت. أعشرين أم ثلاثين أم كذا؟ وكذلك إذا كانت خبرية إذا قلت: كم رجل رأيت. أي عددا كثيرا منهم رأيت، فالأولى سؤال عن عدد، والثانية تكثير للعدد/ على جهة الافتخار أو غيره. وهي في أدائها له على الوجهين مبهمة، فأتى بحكم التمييز معها، ولم يذكر فيه غير ذلك من أحكامها، لأنها في سائر الأحكام كغيرها من الأسماء، فتقع فاعلة، ومفعولة، ومبتدأة، ونحو ذلك من المواقع.
وأيضا فثبت التصدير ل (كم) من حيث أدت معنى حرف الاستفهام، وهو مذكور في غير هذا الموضع.
و(كأين) مثلها في ذلك لأنها بمعناها في التكثير. والذي يخرج من حكم التصدير (كذا) فإنك تقول: رأيت كذا وكذا رجلا، وكذا وكذا رجلا رأيت، لكن هذا يدل على أنها ليست مثل (كم) في معناها من كل وجه.
وسيأتي النظر في هذا آخر الباب إن شاء الله.
وتكلم الناظم أولا على (كم) وقسمها قسمين: استفهامية وخبرية.
وبدأ بالاستفهامية فقال: "ميز في الاستفهام كم" لأنها الأصل، ولذلك تقول طائفة من النحويين: إن الخبرية محمولة في البناء على الاستفهامية، لأن الخبرية خالية من موجب البناء وقد تقدم الكلام في هذا، والنظر في سبب بنائها في كلا قسميها في "المعرب والمبني" حيث قال:"والساكن كم" فأغني ذلك عن إعادته.
ويريد أن (كم) الاستفهامية إذا أردت أن تميزها ميزتها بمثل ما تميز به (عشرين) من العدد. وقد تقدم أن مميز (العشرين) ونحوه واحد منصوب، فكذلك تفعل هنا، فتأتي بواحد منصوب، فتقول: كم درهما أعطيت؟ وكم ثوبا ملكت؟ ومنه مثاله: كم شخصا سما؟ والشخص: سواد الإنسان وغيره، وهو مذكر يقع على المذكر والمؤنث. وسما: أي علا وارتفع، أي كم شخصا ارتفع؟
وفي تقييده تمييز (كم) هنا بكونه كتمييز (عشرين في الإفراد يعطي معنيين:
أحدهما: أنه ارتضى مذهب البصريين في لزوم إفراد التمييز في الاستفهامية، فلا يجوز أن تقول: كم أثوابا ملكت؟ ولا كم دراهم أعطيت؟ لأن (كم) أجريت في التمييز مجرى عدد لا يكون مميزه إلا واحدا، فلا ينبغي أن يخالف به ذلك الباب. قال سيبويه: لم يجز يونس والخليل: كم غلمانا لك؟ لأنك لا تقول: عشرون ثيابا لك، إلا على وجه (لك مائة بيضا) و (عليك راقود خلا).
يعني أنه لا يأتي/ مجموعا إلا أن يكون منصوبا على الحال، ويكون إذ ذاك التمييز محذوفا، كأنك قلت: كم صبيا لك غلمانا، أي حالة كونهم علمانا.
وعلى هذا التقدير فلا بد أن تقول: كم لك غلمانا؟ ولا يصح تقديم (الغلمان) على المجرور، لأنه عامل غير متصرف، فلا يعمل في الحال متقدمة عليه، إذ لا تقول: عبد الله قائما فيها.
وأما إذا أفردت (الغلمان) فالتقديم والتأخير بين المجرور والتمييز، وهو (الغلام) جائز، لأن العامل (كم) من حيث جرى مجرى الاسم التام بالتنوين أو بالنون، نحو: رطل زيتا، وعشرين درهما.
والمعنى الثاني: أن المنصوب بعدها لا يكون ذلك مجرورا، كما لا يكون ذلك في تمييز العشرين، فكما لا تقول: عشر ودرهم، وثلاثو ثوب، كذلك لا تقول: كم رجل عندك. وأنت تستفهم.
لكن لما كان ميز كم) قد اختص بموضع يجوز فيه جر التمييز دون "باب عشرين" أخذ يذكر ذلك، فقال:"وأجزان تجره من مضمرا" إلى آخره.
يعني أن المميز يجوز أن يجر وإن كان مميزا للاستفهامية، ولكن لا يجوز ذلك إلا بشرط أن تكون (كم) مجرورة بحرف جر مظهر، فإذا كانت كذلك جازجر التمييز، فتقول: بكم درهم اشتريت ثوبك؟ وعلى كم جذع بيتك مبني؟ فلو كانت (كم) عير مجرورة بحرف لم يجز أن يكون
ما بعدها من المميز مخفوضا، نحو: كم درهما أعطيت؟ وكم غلاما ملكت. ومذلك ما أشبه ذلك.
وهذا الفصل المجمل قد اشتمل على مسائل:
إحداها قوله: "وأجزان تجره من" فجعل الجر إذا حصل الشرط جائزا لا واجبا، وهذا صحيح، فإن لك أن تقول: بكم درهما اشتريت ثوبك؟ وعلى كم ابنا تتفق؟ .
قال سيبويه عن الخليل: القياس النصب، وهو قول عامة الناس.
فأثبت أنه قول عامة العرب، وأنه القياس، وذلك لأن العرب عاملت (كم) الاستفهامية معاملة اسم منون، كما عوملت (خمسة عشر) تلك المعاملة، وكلاهما مبني لا تنوين فيه.
وقد تقدم التنبيه على هذا، فإذا كان كذلك كان الأولى والقياس ألا يختلف الحكم مع الجر وغيره.
والثانية قوله: (وأجز إن تجره من مضمرا) فجعل الجر على إضمار (من) بغير ذلك. وهذا مذهب جمهور البصريين.
/ قال ابن خروف: هو مذهب الخليل وسيبويه والجماعة، فقولك: بكم درهم اشتريت ثوبك؟ على تقدير: بكم من درهم اشتريت ثوبك؟ وهذا في القياس ضعيف، من حيث كان حرف الجر لا يجوز حذفه إلا في النادر والشاذ، ولكن ألجأهم إلى تقديره ما تقدم من العرب عاملت (كم) هنا معاملة المنون، فصارت من تلك الجهة لا سبيل إلى خفض مميزها، كما لا سبيل إليه في (عشرين) مع بقاء النون، فاضطروا إلى تقدير الحرف.
قال سيبويه: فأما الذين جروا فإنهم أرادوا معنى (من) ولكنهم حذفوها تخفيفا على اللسان، وصارت (علي) عوضا منها. قال: ومثل ذلك: الله لا أفعل. فإذا قلت: لاها الله لا أفعل، لم يكن إلا لجر، وذلك أنه يريد: لا والله. ولكنه صار (ها) عوضا من اللفظ بالحرف الذي يجر، وعاقبه. ومثل ذلك: الله لتفعلن؟ إذا استفهمت، أضمروا الحرف الذي يجر وحذوها تخفيفا على اللسان، وصارت ألف الاستفهام بدلا منه في اللفظ معاقبا ..
ولهذا نظائر أخر، مثل ما ذكره سيبويه في حذف الحرف الجار والتعويض. وقد حكى النحاس عن الزجاج أنه كان يخفض المميز هنا بكم، ولا يحذف شيئا.
وذكر ابن با بشاذ وحده أن مذهب إضمار الجار ليس مذهب المخففين. وقوله فاسد، ومذهب الجمهور المحققين، كما تقدم، إضمار الحرف.
قال ابن خروف: ولا يمكن الخفض بها، لأنها بمنزلة عدد ينصب ما بعده قولا واحدا، فيجب لما حمل عليه، ونزل منزلته، أن يكون كذلك.
قال المؤلف: فلو خفضا ما بعدها مرة ونصبته مرة لزم تفضيل الفرع على الأصل، وأيضا لو كانت صالحة للجر بها إذا دخل عليها حرف جر لصلحت للجر بها إذا عريت من الحروف الجارة، إذ لا شيء من الميزات الصالحة لنصب مميزها ولجره بإضافتها إليه يشترط في إضافته أن يكون هو مجرورا، فإذن الحق ما ذهب إليه الجمهور.
المسألة الثالثة قوله: "ووليت كم حرف جر" فقيد الجر بكونه بحرف،
فاقتضى ذلك أن الجر إن كان باسم، وهو الجر بالإضافة، لم يكن الحكم ذلك، بل الواجب النصب، فتقول: غلام كم رجلا ملكت؟ ودراكم رجلا/ دخلت؟ وما أشبه ذلك، ولا تقول: غلام كم رجل ملكت؟ كما لا تقول: كم علام ملكت؟ وإن كان الجميع على تقدير (من) لأن التمييز على هذا المعنى استقر في هذه الأوجه كلها، فإنما يقال حيث سمع، لأنه على خلاف القياس والمطرد.
ولم ينبه الناظم على أن النصب هنا هو الأكثر، كما تقدم عن الخليل، لأنه قد لا يعتبر مثل هذا، بل يطلق الجواز، وإن كان أحد الوجهين أرجح من لآخر، كما مر في مواضع.
والمسألة الرابعة لاحقة بقوله: "ككم شخصا سما" وهو أن هذا المثال ليس بقيد في كون التمييز متصلا ب (كم) في هذا الباب، بل إنما أتى ذلك فيه بحكم الاتفاق، إذ كان يجوز لك أن تقول: كم سما شخصا؟ كم عندك غلاما. وكم لك ثوبا؟ وما أشبه ذلك. ومنه قولهم: كم ترى الحرورية رجلا، إلا أن الاتصال ب (كم) أقوى من الانفصال، وإن كان الانفصال عربيا جيدا.
قال سيبويه: وزعم الخليل أن: كم درهما لك؟ أقوى من: كم لك درهما؟ وإن كانت عربية جيده. ثم علل ذلك- وإن كانت (كم) بمنزلة (عشرين) وعشرون لا يجوز فيها الفصل إلا في الشعر- بأن (كم) صار ذلك فيها عوضا من التمكن الذي فاتها دون عشرين، لأن (كم) لا تقع إلا مبتدأة في الكلام، ولا يجوز تأخيرها فاعلة ولا مفعولة، فلا تقول: رأيت كم
رجلا؟ وتقول: كم رجل أتاني، ولا تقول: أتاني كم رجل، بخلاف (عشرين) فإم الفصل معها قبيح، لا تقول: أتاك ثلاثون اليوم درهما، لأن العدد هنا لا يقوى قوة اسم الفاعل في جواز الفصل، ثم أنشد من الشاذ قول الشاعر، أنشده سيبويه:
على أنني بعد ما قد مضى
…
ثلاثون للهجر حولا كميلا.
يذكرنيك حنين العجول
…
ونوح الحمامة تدعو هديلا.
ولأجل ما اعتبر من هذا التصرف المذكور جاز جرها إذا دخل عليها حرف الجر، فخالفت بذلك باب (عشرين) إذ لا يجوز الجر في (عشرين) لما تقدم من ضعفه عن اسم الفاعل.
ووجه المؤلف جواز الفصل بأن العدد المميز بمنصوب مستطال بالتركيب إن كان مركبا، وبالعلامتين في الآخر إن كان (العشرين) أو إحدى أخواتها، فوضع التمييز من العدد بعيد وإن كان بلا فصل، فلو فصل/ بشيء لاواداد هذا، فمنع الفصل إلا في الضرورة، و (كم) بخلاف
ذلك، فلم يلزم اتصال مميزها.
فإن قلت: كلام الناظم يعطي بسياقه أنه لا بد من ولاية التمييز ل (كم) لأنه لما جعله في التمييز مثل (عشرين) وكان التمييز مع (عشرين) تلزم ولايته له كما تقدم آنفا، فكذلك يكون الحكم مع (كم) ويرشح هذا المعنى التمثيل بما اتصل فيه التمييز، وهو قوله: فإن جاز ذلك في (عشرين) جاز في (كم) لا محالة بنص كلامه، وأما في حالة الإفراد فيعطى قطعا عدم جواز الجر بمن، وهو جائز.
والثاني: أن جر] تمييز [(كم) بعد الاستفهامية شرط فيه شرطا واحدا، وهو جر (كم) بالحرف، واقتصر عليه.
وقد ذكر الناس لذلك شرطا ثانيا، وهو أن يكون التمييز متصلا ب (كم) نحو: بكم درهم اشتريت ثوبك؟ فلو كان مفصولا بينهما/ فليس إلا النصب، نحو: بكم اشتريته درهما؟ ولا يجوز: بكم اشتريته درهم؟
وعلل الشلوبين هذا الشرط بأنهم لما جعلوا الحرف الخافض ل (كم) كالعوض من الخالف المحذوف، لم يفهم مقامه إلا إذا كان المخفوض متصلا به، أو في حكم المتصل فالمتصل نحو: الله لتفعلن، والذي في حكمه: على كم جذع بيتك مبني؟ لأن "جذعا" وإن لم يتصل ب "على" في اللفظ، فهو في حكم المتصل، لأن (كم) متصل بها، والتمييز متصل ب (كم) فكأن (على) متصلة بالتمييز، فإذا فصل بينهما نحو: بكم اشتريت ثوبك درهما؟ - لم يجز الخفض، لأن التفسير لم يتصل، فالمجوز
للخفض مفقود، فامتنع فلزم النصب، فكلام الناظم يقتضي جواز: بكم اشتريت ثوبك درهم؟ فذلك لا يجوز كما ذكر.
والثالث: أن قوله (إن وليت كم حرف جر مظهرا) أتى فيه بلفظ "مظهر" وظاهره حشو، لان قوله:"إن وليت كم" يعطي أنه مظهر، وأيضا فهو.
(كم شخصا سما" وإذا كان كذلك لم يعط كلامه ما فسر به أولا، بل ضده، لكن ضده غير صحيح لما تقدم ذكره عن أهل العربية، فصار كلامه هنا مشكلا.
فالجواب: أن كلامه هنا لا يعطي المساواة بين (عشرين) و (كم) فيما ذكرت، لانه إنما قال: ميزه بما ميزت به عشرين، فهو إنما عرف بالتمييز نفسه، وأنه ميز بمميز (عشرين) ولم يتعرض لغير لذلك، من التعريف بكونه متصلا أو منفصلا، لأن هذا تعريف بأمر خارج عن حقيقة التمييز في نفسه، ومراده التعريف بحقيقته، فصح التفسير المتقدم، وزال الإبهام المورد. إلا أنن في كلامه نظرا في أمر آخر، وذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يقتضي أن تمييز (كم) لا يجوز جره بمن، لأن قوله:"ميز في الاستفهام كم بمثل ما ميزت عشرين" ظاهر في لزوم النصب، من حيث كان مميز (عشرين) لازم النصب أيضا، إذ لا يجوز لك أن تقول: في (عشرين درهما): عشرون من درهم، فكذلك يكون مميز (كم) لأنه محال عليه في الحكم، كما أحال عليه في الإفراد، ولزوم لإفراد، ومنع الجر بالإضافة، فيقتضي أن لا يقال: ] كم من درهم عندك؟ لا يقال [: إن مميز (عشرين) يجوز جره بمن على وجه، وهو أن يؤتى به جمعا، نح: عشرين من الدراهم، وإذا ثبت جره
بمن على الجملة جاز مثل ذلك في (كم) أن يقال في (كم): كم من الدراهم عندك: الأصل، فمم تحرز به؟
والجواب عن الأول: أن كلامه غنما هو فيما يحتاج إليه (كم) من التمييز، وهل يجوز فيه الجر على الإضافة، وكيف يكن من إفراد أو جمع. على هذا دل كلامه في هذا الباب. وأما النصب وحكمه من كونه لازما، أغير لازم، بل يجز جره، أكونه نكرة أغير ذلك- فباب ذكر ذلك باب "التمييز" لذلك لم يفسر كلامه ألا إلا بما زاد على باب "التمييز" المطلق، إذ لم يذكر حكم كنه منكرا، ولا ممنوع التقديم، ولا غير ذلك من أحكامه، وإنما ذكر هنا ما يختص بباب (كم) كما ذكر في "باب العدد" من أحكام التمييز ما يختص به، وهو قد قال في "باب التمييز":
واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد
…
والفاعل المعني كطب نفسا تفد.
ولا شك أن التمييز في باب (كم) ليس بذي العدد، لأن ذا العدد هو ما كان بعد عشرين وثلاثين وخمسة عشر ونحو ذلك، هذا وإن كان هنا محمولا عليه معنى فليس إياه حقيقة، ولا هو أيضا فاعل معنى، فثبت جواز جره بمن ظاهرة، وأنه لا يلزم ذلك في هذا الباب، لأنه لو ذكر، تكرار لا يحتاج إليه. وهذا واضح وأما النظر الثاني: فلم يحضرني الآن جوابه. والظاهر أنه لازم له، إلا أن يقال: إنما تكلم على الأمر الشائع في تمييز (كم) وهو كونه متصلا/ بها، وهو الذي مثل به، ويكون ما عداه من الفصول مسكونا عن حكمه، وأنه إنما اقتصر على الشرط الواحد بناء على هذا المقصد، وهذا ضعيف كما ترى، فلو قال مثلا:
تقدير من معه أجز إن يل كم
…
ووليت كم حرف جر ملتزم.
أو ما يعطى هذا المعنى لحصل القصد مكملا، ولم نقيه من مقصد بيته إلا أن الجر مصاحب لتقدير (من) وذلك معلوم، كما علم أن (كم) مجرورة بقوله:(إن وليت كم حرف جر مظهرا).
والجواب عن الثالث: أن "مظهرا" أتى به على جهة الاحتياط، وحيث قدم إضمار حرف جر، وهو (من) فخاف أن يتوهم استصحاب الإضمار، فذكر قيد الإظهار لذلك، والله أعلم.
ولما أتم الكلام على أحد قسمي (كم) ذكر القسم الآخر فقال:
واستعملنها مخبرا كعشره
…
إو مائة ككم رجال أو مركب.
وهو قسم الخبرية، يعني أن ل (كم) استعمالا آخر على أنها خبرية، فإذا جئت بها في الكلام فأنت مخبر بها أو عنها، وقد تجردت من معنى الاستفهام، وهو أصلها، فإذا قلت: كم رجل قصدني، وكم عبد لي- فالمقصود الإخبار بكثرة من جاءني من الرجال قاصدا لي، وكثرة من العبيد، فكأن الكلام في تقدير: كثير من الرجال قصدني، وكثير من العبيد لي، فهذا معنى الإخبار فيها، وفيها معنى الافتخار، ولذلك شبهها سيبويه ب (رب) وجعل معناها كمعناها، إلا أنهما عنده للتكثير.
وقصده تقرير حكم التمييز معها إذا كانت خبرية، ولذلك قال:(واستعملنها مخبرا كعشرة) أي كعشرة إذا ميزت، أو كمائة كذلك، ولذلك قيده
بالمثال، وهو قوله:(ككم رجال أو مرة) ويستفاد على هذا من كلام الناظم فوائد:
إحداها: أن لها في التمييز وجهين، أحدهما أن يكون جمعا ومفردا، فإنه جعله كعشرة أو مائة، والمتقرر في (عشرة) التمييز بجمع، نحو: عشرة أثواب، وعشرة غلمان، ونحو ذلك، والمتقرر في (مائة) التمييز بواحد، نحو: مائة رجل، ومائة غلام، فكذلك تقول هنا في (كم) إذا أخبرت: كم رجال أعطيت، وكم غلمان ملكت.
والفائدة الثانية: خفض ذلك التمييز في كلا حالتيه كما تقدم تمثيل، فكما يلزم الخفض في مفسر (عشرة) و (مائة) فكذلك فيما حمل عليه. ووجه ذلك حملها على ما مفسره من / العدد مخفوض، وهو (عشرة) و (مائة) وبهذا أشعر تشبيه الناظم، وهي الفائدة الثالثة، وذلك لأن الخفض فيها أولا للفرق بينها وبين الاستفهامية، فحصل التفريق في التفسير. ولما كانت (كم) تعطي معنى العدد، وكان العدد في التفسير على وجهين، صرفوا وجهي (كم) في التفسير إلى وجهي تفسير العدد، لكن خصوا الخبرية بالخفض، والاستفهامية بالنصب، لأن (كم) الخبرية تستعمل في المباهاة والافتخار، كما تستعمل (رب) في ذلك فحملت عليها.
وأيضا فإن (كم) للتكثير، و (رب) للتقليل، فحملوها على ضدها، إذ كان من كلامهم حمل الشيء على ضده.
ألا ترى أن النحويين استدلوا على أن (طال) فعل، بضم العين، لما كان ضده، وهو (قصر) على ذلك البناء، ومن ذلك أشياء كثيرة.
وأيضا فلما كانت للتكثير أشبهت من العدد ما هو كثير، وهو
(مائة) ونحوها، فحملت عليها، إذ كانت تفسر بالمفرد والجمع، نحو: مائة رجل، وثلاثمائة سنين، أو يقال: كان حق (مائة) أن تفسر بجمع كما قرر النحاة، لكن عدل إلى المفرد، فظهر في (كم) الوجهان، ولما استحقت الخبرية الخفض تعين النصب للاستفهامية.
وأيضا فلما كانت (كم) سؤالا عن العدد قليله وكثيره أعطيت ما للمتوسط منه، لأن الوسط عدل بين الطرفين.
والفائدة الرابعة: أن الخفض في مميز (كم) بالإضافة لا ب (من) مقدرة تقديرها مع الاستفهامية، وذلك أنه قرر أن حكم (كم) هنا حكم (عشرة) و (مائة) والتمييز معهما مخفوض بالإضافة اتفاقا، فكذلك يكون الحكم في (كم) على هذا التقدير.
وأيضا فلو كان عنده بمن مقدرة لبين ذلك، كما بينه في الاستفهامية، لأنه من الأحكام التي تفتقر إلى البيان، فلما لم يفعل ذلك دل على أن الخفض بما ظهر، وهو الإضافة.
قال سيبويه: واعلم أن (كم) في الخبر بمنزلة اسم يتصرف في الكلام غير منون يجر ما بعده إذا أسقط التنوين، فجعلها سيبويه بمنزلة اسم غير منون، نحو: ثلاثة: أثواب، فالجر، ولا بد، بالإضافة.
وذهب الفراء إلى أن الجر بعدها بإضمار (من) كما قال أهل البصرة في الاستفهامية إذا انجر ما بعدها لم يرتضه الناظم، وإنما ارتضى مذهب
الجماعة، لأنه لو كان/ الجر ب (من) مقدرة لكان جوازه مع الفصل مساويا لجوازه بلا فصل، لأن معنى (من) مراد، واستعمالها شائع مع الاتصال والانفصال، فلو كان عملها بعد الحذف جائز البقاء مع الاتصال لكان جائز البقاء مع الانفصال نثرا ونظما. وكما كان الأمر بخلاف ذلك دل على أن الخفض بما ظهر لا بمقدر.
وقوله: (ككم رجال أو مره) أصل "مرة" مرأة، لكن سهل الهمزة بحذفها والقاء حركتها على الساكن قبلها، وهو القياس في مثلها. وقد حكى: المراة، والكمأة في: المرأة، والكمأة، وعلى هذا التسهيل وقع الحم في الهجاء، بكتبه بألف بعد الراء، على خلاف كتب: المرء، والخبئ.
وبقي في هذا الحكم الذي قرره الناظم نظر من أوجه:
أحدها: أن كلامه يقتضي أن حكم التمييز مع (كم) كحكمه مع (عشرة) في جميع أحواله، وقد تقرر في باب "العدد" أن تمييز (عشرة) بجم القلة غالبا لا بجمع الكثرة، فإحالته عليه هنا تقرر أن الغالب هنا كذلك، فلا يقال: كم جمال ملكت، إلا قليلا مسموعا. وإنما الشائع: كم أجمال ملكت، لأنك تقول: عشرة أجمال، ولا تقول عشرة جمال، إلا مسموعا، كقولهم: ثلاثة كلاب، وهو مفهوم غير مستقيم، لأن (كم) تقتضي الإضافة إلى جمع الكثرة، من حيث كانت للتكثير.
والثاني: إن أحالته في الحكم على (مائة) يعطي أن التمييز يجوز وقوعه نكرة، ومعرفا بالألف واللام، لأن الحكم في تمييز (مائة) كذلك، فتقول: مائة درهم، ومائة الدرهم،
إما وقوعه مع (كم) نكرة فصحيح، وأما وقوعه معرفة فغير صحيح، إذ لا يصح أن يقال: كم الغلام عندك، أصلا، وهذا أيضا لازم في الجمع، لأنك تقول: ثلاثة الأثواب، ولا تقول: كم الأثواب عندك.
الثالث: أن تمثيله إما أن يؤخذ على صفته كما أتى به، فيعطى أن مميز الخبرية لا يجوز الفصل بينه وبين (كم) فلا يجوز إلا أن تقول: كم رجل جائني، وهو غير صحيح، لأن الفصل جائز، لكنه لا بد معه من النصب، فتقول: كم عندك غلاما، ولم ملكت عبدا، وأنشد سيبويه لزهير:
تؤم سنانا وكم دونه
…
من الأرض محدوبا غارها.
وأنشد أيضا للقطامي: :
كم نالني منهم فضلا على عدم
…
إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل.
قال سيبويه: قال: /يعني الخليل: إذا فصلت بين (كم) وبين الاسم بشيء واستغنى عليه السكوت أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين
يجعلونها بمنزلة اسم منون، لأنه قبيح أن يفصل بين الجار والمجرور، لأن المجرور داخل في الجار، فصارا كأنهما كلمة واحدة، والاسم المنون يفصل بينه وبين الذي يعمل فيه، تقول هذا ضارب بك زيدا، ولا تقول: هذا ضارب بك زيد، ثم أنشد البيتين.
وإما أن يؤخذ كلامه على جواز الفصل فيقتضي أن الجر ثابت معه قياسا، ولا يجوز الجر مع الفصل إلا شاذا، نحو ما أنشده في الكتاب من قول الشاعر:
كم فيهم ملك أغر وسوقة
…
حكم بأردية المكارم محتبى.
وأنشد أيضا:
كم في بني سعد بن بكر سيد .... ضخم الدسيعة ماجد نفاع.
وأنشد أيضاً:
كم بجود مقرف نال العلا
…
وكريم بخلة قد وضعه.
وهذا شاذ محفوظ غير منقاس، ويبعد أن يلتزم مذهب الفراء والكوفيين الذين يضمرون (من) فيجيزون الجر مع الفصل، لأنه مذهب مخالف للقياس والسماع، وقد خالفه في "التسهيل" و"شرحه" وظاهر كلامه هنا، وإذا كان كذلك لم يستقم كلامه على كل تقدير.
والرابع: أنه لم يعرج على جواز النصب مع الخبرية، فأعطى أنه ممتنع، كما امتنع في (عشرة) و (مائة) إذ لا يجوز النصب فيهما إلا نادرا، نحو: ثلاثة أثوابا، وقوله:
*إذا عاش الفتى مائتين عاما*
وهذا غير ما نقله الناس، بل النصب معها جائز حملا على الاستفهامية، لأنها أصلها، فأما مع الفصل فالنصب ظاهر، وقد تقدم، وأنه لازم لا جائز. وأما مع عدم الفصل فقال سيبويه: واعلم أن ناسا من العرب يعملونها فيما بعدها
في الخبر، كما يعملونها في الاستفهام، فينصبون بها كأنها اسم منون. قال: ويجوز لها أن تعمل في هذا الموضع في جميع ما عملت فيه (رب) إلا أنها تنصب لأنها منونة ثم أنشد أبياتا. ثم قال: وبعض العرب ينشد قول الفرزدق:
كم عمة لك يا جرير وخالة
…
فدعاء قد حلبت على عشارى
فهم كثير، ومنهم الفرزدق.
هذا كلام الإمام، ونقل المؤلف في "شرح التسهيل" عن بعضهم أن النصب بعدها لغة تميم.
والخامس: أنه لم يبين جواز دخول/ (من) على التمييز، فيقال: كم من غلام ملكت، وهو استعمال شائع في الكلام، ومنه قوله تعالى:
} وكم من ملك في السماوات} الآية. وقال: } وكم أرسلنا من نبي في الأولين}.
والجواب عن الأول: أن المقصود إنما هو الإضافة إى المجموع خاصة، وإجازة ذلك رفعًا لتوهم من يتوهم المنع من التمييز بالجمع، كما امتنع في (كم) الاستفهامية، وإنما عين (عشرة) لأن التمييز بالجمع مستعمل فيها هكذا على الجملة.
وبقى كونه جمع قلة أو جمع كثرة لم يتكلم عليه، وقد يشير إليه تمثيله برجال، لأنه جمع كثرة، وإذا اعتبرت المعنى في البابين وجدت باب (كم) للتكثير، فلا يضاف إلا إلى جمع الكثرة، إلا أن يعدم أو يأتي على خلاف القياس، وباب (عشرة) للتقليل، فلا يضاف إلا إلى جمع قلة، إلا أن يعدم أو يأتي على خلاف القياس.
وباب "العدد" مما يضاف فيه الشيء إلى جنسه، كقولك: ثوب خز، فالثوب خز، وتقول: ثلاثة أكلب، فالثلاثة أكلب، ولا يحسن أن يقال: ثلاثة كلاب، لأن الثلاثة لا يحسن أن يطلق عليها (كلاب) لاختصاص (الفعال) بالكثرة، وكون الثلاثة قليلًة، فكذلك يكون الأمر في الجمع مع (كم) لا يحسن أن يقال: كم أكلب عندك، وإنما الوجه: كم كلاب، لأن مدلول (كم) كثير، فينبغي أن يضاف إلى الجمع الكثير.
ومن هنا قال بعضهم: إنما جمع التمييز مع (كم) حملاً على ما كان الأصل في (مائة) و (ألف) لا حملاً على (عشرة) وبابه، لبنائهما في القلة
والكثرة.
والجواب عن الثاني: أن كون التمييز نكرة هو الأصل مطلقًا، ولذلك يلزمه التنكير، ومع ذلك فإنما تعرف كما مر في بابه، فتمثيله برجال ومرة يقيد ما أراده من التنكير، ومع ذلك فإنما تعرف مع (المائة) لما احتيج إلى تعريف المضاف وهو (المائة) إذ لا يمكن تعريفها بالألف واللام، من أجل أنه لا يجمع بين الألف واللام والإضافة.
وأما (كم) فإنها شبيهة بـ (رب) في أداء معنى الافتخار، وهي أشبه بـ (رب) منها بـ (مائة) من جهة المعنى و (رب) لا تخفض إلا النكرات، فكذلك ما كان في معناها، فلم يصلح في (كم) التعريف، لعدم قبول معناها للتعريف، وإذا كان كذلك لم يحتج إلى التحرز منه، لكونه أمرًا لاحقًا بعد / حصول التمييز، وهو نكرة.
والجواب عن الثالث: أنه حكم بالخفض حكمًا مطلقًا، ولاشك أن الخفض بالإضافة. وقد تقدم في باب "الإضافة" منع الفصل بين المضاف والمضاف إليه إلا في الشعر، أو في مواضع ليس هذا منها، وإذا كان الفصل ممتنعًا مع الخفض بقي النظر: هل يجوز مع الرجوع إلى النصب، فتقول: كم لك غلامًا، أو لا يجوز رأسًا؟
وظاهر ما في نظمه عدم جواز الفصل مع الخفض، وهو صحيح وسكت عن جواز النصب، وكأنه إنما تكلم على ما أعطاه مثاله.
والجواب عن الرابع، وهو جواز النصب مع عدم الفصل، أنه نص في "التسهيل" أنه نادر، وأن الوجه الخفض. وإذا كان عنده قليلاً
فلا ضير في ترك ذكره.
والجواب عن الخامس، ظاهر مما علم من أن التمييز جائز ظهور (من) معه إلا مع الفاعل المعنى، وباب "العدد" وهذا من قسم ما يجوز ذلك فيه، فلم يحتج إلى ذكره.
ككم كأين وكذا وينتصب
…
تمييز ذين وبه صل من تصب
هذان اللفظان، وهما (كأين) و (كذا) مما يلحقان بباب (كم) لأنهما عبارة عن العدد، وكناية عنه.
ويعني أنهما مثل (كم) في المعنى، وفي طلب التمييز، لأن معنى (كأين) كمعنى (كم) الخبرية، فقولك: وكأين من غلام ملكت. فهو كقولك: كم من غلام ملكت.
وكذلك (كذا) في أحد معنييها، تقول: لي عنده كذا درهمًا، أو كذا وكذا درهمًا، أي دراهمك متعددة. ومعناها الآخر أنها كناية عن الشيء تقول: فعلت كذا، ولم أفعل كذا، فهل النظر من جهة المعنى.
وأما كونهما مثل (كم) في طلب التمييز فلأن قولك: (كأين أعطيتك) مبهم محتاج إلى تفسير المعطى ما هو، كما كان قولك:(كم أعطيت) محتاجًا إلى التفسير.
وكذلك (له عندي كذا) و (لي عنده) مبهم لا يفهم معناه حتى يفسر. فهذا معنى قوله: "ككم كأين وكذا" ولا يريد أنهما مثل (كم) في جميع الأحكام، لأن من أحكام (كم) في جميع الأحكام، لأن من أحكام (كم) أن لها صدر الكلام، وذلك مفقود في (كذا) وإن وافقتها (كأين) في ذلك.
ثم بين حكم التمييز مع هذين، وأنه منصوب لا مجرور، فقال:"وينتصب تمييز ذين".
يعني أن تمييز (كأين) و (كذا) مخالف لتمييز (كم) فينتصب هنا، بخلاف الخبرية، فتقول: كأين رجلاً قد رأيت، وكأين / قد أتاني رجلاً، وهما من أمثلة سيبويه، وتقول: أعطيته كذا درهمًا، وأعطاني كذا ثوبًا، وأنشد المؤلف في النصب بعد (كأين).
اطرد اليأس بالرجا فكأين
…
أملاً حم يسره بعد عسر
و(كائن) مثل (كاعن) لغة فيها ثانية من الخمس. والثالثة (كأين) بوزن (كعين) والرابعة: بتقديم الياء على الهمزة، بوزن (كيعن). والخامسة:(كئن) مثل (كعن).
ويقتضي هذا الكلام أنه يمنع الخفض بالإضافة كمفسر الخبرية، فلا يقال: كأين رجل جاءني، ولا جاءني كذا رجل.
قال في "شرح التسهيل": وكان حقهما أن يضافا إلى مميزهما، كما تضاف (كم) التي تساويهما في المعنى، لكن منع من إضافة (كأين)
أنها لو أضيفت لزم نزع تنوينها، وهي مستحقة للحكاية، لأنها مركبة من كاف التشبيه وأي، فكانت بمنزلة (يزيد) مسمى به لزم الحكاية كالجملة.
وأما (كذا) ففيها ما في (كأين) من التركيب الموجب للحكاية، وفيها زيادة مانعة من الإضافة، وذلك أن عجزها اسم لم يكن له قبل التركيب نصيب في الإضافة، فأبقى على ما كان عليه.
هذا ما قاله المؤلف، وهو تعليل ما عين هنا من النصب، ونكت به على مذهبين في هذين اللفظين:
أحدهما: مذهب ابن خروف في (كأين) حيث أجاز في تمييزها الجر مطلقًا، وأنه يجوز فيه الجر بـ (من) وبغير (من) بفصل، وبغير فصل، فأطلق القول في جواز جره بالإضافة. ووجه بقاء التنوين بأنه صار عند التركيب نونًا، وكتب بالنون، ووقف بالنون.
قال: ويمكن أن تكون الكاف دخلت على كلمة على وزن (فيعل) لم تستعمل مفردًة، فركبت مع الكاف فقيل:(كأين) ولم يحك في ذلك سماعًا من العرب، وإنما قال الخليل: إن جرها أحد من العرب فعسى أن يجرها بإضمار (من) كما جاز ذلك فيما ذكرنا في (كم) ولم يحك الخليل سماعًا في الجر، فالظاهر أن الجر بالإضافة لا يجوز على ما علل به المؤلف المنع دل كلام الخليل هنا فتأمله.
والثاني من المذهبين: مذهب المبرد في (كذا) لأنه أجاز الجر في تمييزها بالإضافة، مفردًا ومجموعًا، فيقال على مذهبه: أعطيتك كذا دراهم، وكذا درهم، بناءً على جعله (كذا وكذا) / بالعطف بمنزلة عدد
معطوف، و (كذا كذا) بلا عطف بمنزلة عدد مركب و (كذا) بمنزلة عدد مضاف، والعدد المضاف على وجهين: مضاف إلى مفرد، وهو (مائة) و (ألف) ومضاف إلى مجموع، وهو (ثلاثة) وبابه، فنزل حكم (كذا) على ذلك.
قالوا: وما قاله المبرد دعوى وقياس في اللغة، ولا سماع من العرب في ذلك، فلا يعتبر، ولا يؤخذ مثل ذلك إلا بالمشافهة من العرب.
ثم قال الناظم: "وبه صل من تصب" الضمير عائد على التمييز، يعني أنه يجوز لك أن تصل بالتمييز هنا لفظ (من) فتجره بها، فإنه صحيح وقياس مطرد، بل هو الأغلب في (كأين) ألا تراه إنما جاء في القرآن مجرورًا بها، كقوله تعالى: } وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير}. وقوله: } فكأين من قرية أهلكناها}.
وقال الشاعر:
وكائن بالأباطح من صديق
…
تراه لو أصبت هو المصابا
وأنشد سيبويه لعمرو بن شأس:
وكائن رددنا عنكم من مدجج
…
يجئ أمام القوم يردى مقنعا
قال سيبويه: إن أكثر العرب إنما يتكلمون بها مع (من).
ووجه ذلك المبرد بأنه إذا قال: كأين رجلاً أهلكت، يجوز أن يكون تمييزًا فيكون في معنى (جميع) ويجوز أن يكون مفعولاً بـ (أهلكت) أي كأين مرة أهلكت رجلاً؛ فيكون الرجل واحدًا، فإذا أدخل (من) بين ذلك المراد، وكذلك تقول على ما اقتضاه هذا الكلام: أعطيته كذا من درهم.
ثم إذا تقرر هذا فيقال هذا الكلام معترض من أوجه:
أحدها: أنه شبه (كأين) و (كذا) بـ (كم) و (كم) على قسمين: خبرية، واستفهامية. أما الاستفهامية فلاحظ لـ (كأين وكذا) فيها، لأنهما عريان عن معناها، إلا ما حكى المؤلف في (كأين) شاذًا مستقري من حديث أبي مع ابن مسعود حيث قال له: كأين تعد سورة الأحزاب؟ فقال عبد الله: ثلاثًا وتسعين. كأنه قال: كم تعد؟ ولم يأت في غير هذا، فلا معول على قياس مثله، ولا ثبوته من غير ذلك.
وأما الخبرية: فهي التي حملا عليها، ولذلك قال في "التسهيل": معنى (كأين) و (كذا) كمعنى (كم) الخبرية. وإذا ثبت هذا فإطلاق القول في (كم) يؤخذ له منه أحد أمرين:
إما أنها مثل أحد قسميها غير معين، وإما مثلها في كلا قسميها، فيكون مستعملين في الخبر والاستفهام مثل (كم) وهذا لا / يقوله أحد.
والثاني: أنه ذكر نصب التمييز، ولم يبين كونه مفردًا، أو مجموعًا أو يجوز فيه الأمران، والحكم فيه الإفراد لا غير، بخلاف مميز (كم) فإنه قد يكون مفردًا أو مجموعًا، وترك التقييد بالإفراد يوهم جواز كونه مجموعًا، وذلك إخلال.
والثالث: أنه أطلق القول في جواز إلحاق (من) للتمييز اللاحق لهما، إذ قال:"وبه صل من تصب" وضمير "به" عائد على تمييز "هذين" والإشارة لـ (كأين) و (كذا) فالتمييز المراد في كلامه تمييزهما معًا.
فأما إلحاق (من) لتمييز (كأين) فقد تقدم بيانه. وأما إلحاقه لتمييز (كذا) فغير مستقيم بنص المؤلف نفسه، لأنه ألزمه النصب مطلقًا.
قال في "الشرح": وأما (كذا) فلم يجئ مميزها إلا منصوبًا، وأنشد عليه بيتًا لم أقيده.
وقال ابن خروف: ولا يكون مفسر (كذا وكذا) إلا منصوبًا، لأنها حملت على (كم) في الاستفهام في النصب. ولم أر نصًا مخالفًا لهذين، فعبارته مختلة.
والجواب عن الأول أن يقال: إنما شبه الناظم (كأين) و (كذا) بـ (كم) التي هي أعم من الاستفهامية والخبرية، لأنها، في كلا قسميها،
كناية عن عدد مبهم محتاج إلى التفسير، وكونهما بعد ذلك في الاستعمال مثل (كم) الخبرية أولاً - أمر آخر، محل بيانه اللغة، ويدل على هذا القصد وصحته أن سيبويه فسرهما على هذا المعنى، فإنه لما ذكر (كذا) قال: وهو مبهم في الأشياء بمنزلة (كم) وهو كناية للعدد بمنزلة (فلان).
ثم قال: وكذلك: كأين رجلاً قد رأيت زعم ذلك يونس.
وإذا كان هذا القصد صحيحًا أن يصار إليه كان حمل الكلام عليه أولى، وليس بمناقض لتفسير من فسرهما بأنهما مثل (كم) الخبرية لأنهما مع صحة التفسير لا يستعملان إلا في الخبر، فلا إبهام ولا إيهام.
والجواب عن الثاني: أن قصده الإفراد، ويؤنس به أنهما محمولان على (كم) ولما كان المنصوب في باب (كم) لازم الإفراد كان ما أشبهه وما حمل عليه كذلك، وكذلك في باب "العدد" لا يكون في النصب إلا مفردًا، فلم يتطرق إليه توهم الجمع، وفي هذا الجواب ما ترى.
وأما الاعتراض الثالث فوارد عليه، ولا أجد له الآن مخلصًا منه.