المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا

‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا

الظرف: وقت أو مكان ضمنا

في باطراد كهنا امكث أزمنا (1)

عرف المصنف الظرف بأنه: زمان أو مكان ضمن معنى في باطراد نحو أمكث هنا أزمنا فهنا ظرف مكان وأزمنا ظرف زمان وكل منهما تضمن معنى في لأن المعنى امكث في هذا الموضع وفي أزمن.

واحترز بقوله ضمن معنى في مما لم يتضمن من أسماء الزمان أو المكان معنى في كما إذا جعل اسم الزمان أو المكان مبتدأ أو خبرا نحو يوم الجمعة يوم مبارك ويوم عرفة يوم مبارك والدار لزيد فإنه لا يسمى ظرفا والحالة هذه وكذلك ما وقع منهما مجرورا نحو سرت في يوم الجمعة وجلست في الدار على أن في هذا ونحوه خلافا في تسميته ظرفا في الاصطلاح وكذلك ما نصب منهما مفعولا به نحو بنيت الدار وشهدت يوم الجمل.

واحترز بقوله باطراد من نحو دخلت البيت وسكنت الدار وذهبت الشأم فإن كل واحد من البيت والدار والشأم متضمن معنى في ولكن تضمنه معنى في ليس مطردا لأن أسماء المكان المختصة لا يجوز حذف في معها فليس البيت والدار والشأم في المثل

(1)" الظرف " مبتدأ " وقت " خبر المبتدأ " أو مكان " معطوف على وقت " ضمنا " فعل ماض مبني للمجهول، وألف الاثنين نائب فاعل، وهو المفعول الاول " في " قصد لفظه: مفعول ثان لضمن " باطراد " جار ومجرور متعلق بضمن " كهنا " الكاف جارة لقول محذوف، هنا: ظرف مكان متعلق بامكث " امكث " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أزمنا " ظرف زمان متعلق بامكث أيضا.

ص: 191

منصوبة

على الظرفية وإنما هي منصوبة على التشبيه بالمفعول به لأن الظرف هو ما تضمن معنى في باطراد وهذه متضمنة معنى في لا باطراد.

هذا تقرير كلام المصنف وفيه نظر لأنه إذا جعلت هذه الثلاثة ونحوها منصوبة على التشبيه بالمفعول به لم تكن متضمنة معنى في لأن المفعول به غير متضمن معنى في فكذلك ما شبه به فلا يحتاج إلى قوله باطراد ليخرجها فإنها خرجت بقوله ما ضمن معنى في والله تعالى أعلم.

فانصبه بالواقع فيه: مظهرا

كان وإلا فانوه مقدرا (1)

حكم ما تضمن معنى في من أسماء الزمان والمكان النصب والناصب له ما وقع فيه وهو المصدر نحو عجبت من ضربك زيدا يوم الجمعة عند الأمير أو الفعل نحو ضربت زيدا يوم الجمعة أمام الأمير أو الوصف نحو أنا ضارب زيدا اليوم عندك.

وظاهر كلام المصنف أنه لا ينصبه إلا الواقع فيه فقط وهو المصدر وليس كذلك بل ينصبه هو وغيره كالفعل والوصف. (2)

(1)" فانصبه " انصب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به " بالواقع " جار ومجرور متعلق بانصب " فيه " جار ومجرور متعلق بالواقع " مظهرا " خبر لكان الآتي مقدم عليه " كان " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الواقع " وإلا " إن: شرطية، ولا: نافية، وفعل الشرط محذوف: أي وإلا يظهر " فانوه " الفاء واقعة في جواب الشرط، انو: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به، والجملة في محل جزم جواب الشرط " مقدرا " حال من الهاء في " انوه ".

(2)

اعلم أن الذي يقع في الظرف هو الحدث، فإذا قلت " جلست أمامك " =

ص: 192

والناصب له إما مذكور كما مثل أو محذوف جوازا نحو أن يقال متى جئت؟ فتقول يوم الجمعة وكم سرت؟ فتقول فرسخين والتقدير جئت يوم الجمعة وسرت فرسخين.

أو وجوبا كما إذا وقع الظرف صفة نحو مررت برجل عندك أو صلة نحو جاء الذي عندك أو حالا نحو مررت بزيد عندك أو خبرا في الحال أو في الأصل نحو زيد عندك وظننت زيدا عندك.

فالعامل في هذه الظروف محذوف وجوبا في هذه المواضع كلها والتقدير في غير الصلة استقر أو مستقر وفي الصلة استقر لأن الصلة لا تكون إلا جملة والفعل مع فاعله جملة واسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة (1) والله أعلم.

= فالجلوس - وهو الحدث - هو الذي وقع أمامك، وكذلك إذا قلت " أنا جالس أمامك " وكذلك إذا قلت " كان جلوسي أمامك " واعلم أيضا أن المصدر يدل على الحدث بدلالة المطابقة، لان كل معناه هو الحدث، والفعل والصفة يدلان على الحدث بدلالة التضمن، لان الفعل معناه الحدث والزمان، والصفة معناها الذات والحدث القائم بها أو الواقع منها أو عليها أو الثابت لها، والناظم لم يصرح بأنه أراد أن الذي ينصب الظرف هو اللفظ الدال على الحدث بالمطابقة، بل كلامه يصح أن يحمل على ما يدل بالمطابقة أو بالتضمن، فيكون شاملا للمصدر والفعل والوصف، وعلى هذا لا يرد اعتراض الشارح أصلا.

(1)

ذكر الشارح أربعة مواضع يجب فيها حذف العامل في الظرف، وهي: أن يكون صفة، أو صلة، أو خبرا، أو حالا، وبقى عليه موضعان آخران:(الاول) أن يكون الظرف مشغولا عنه، كقولك: يوم الجمعة سافرت فيه.

والتقدير: سافرت يوم الجمعة سافرت فيه، ولا يجوز إظهار هذا العامل، لان المتأخر عوض عنه، ولا يجمع بين العوض والمعوض في الكلام (الثاني) أن يكون الكلام قد سمع بحذف العامل، نحو =

ص: 193

وكل وقت قابل ذاك وما

يقبله المكان إلا مبهما (1)

نحو الجهات والمقادير وما

صيغ من الفعل كمرمى من رمى (2)

يعني أن اسم الزمان يقبل النصب على الظرفية (3) مبهما كان نحو:

سرت

= قولك لمن يذكر أمرا قد قدم عليه العهد: حينئذ الآن، وتقدير الكلام: قد حدث ما تذكر حين إذ كان كذا واسمع الآن، فناصب " حين " عامل، وناصب " الآن " عامل آخر، فهما من جملتين لا من جملة واحدة، والمقصود نهي المخاطب عن الخوض فيما يذكره، وأمره بالاستماع إلى جديد.

(1)

" وكل " مبتدأ، وكل مضاف، و" وقت " مضاف إليه " قابل " خبر المبتدأ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله ضمير مستتر فيه " ذاك " ذا: اسم إشارة مفعول به لقابل، والكاف حرف خطاب " وما " نافية " يقبله " يقبل: فعل مضارع، والهاء مفعول به ليقبل " المكان " فاعل يقبل " إلا " حرف استثناء دال على الحصر " مبهما " حال، والتقدير: لا يقبل النصب على الظرفية اسم المكان في حال من الاحوال إلا في حال كونه مبهما.

(2)

" نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك نحو، ونحو مضاف، و" الجهات " مضاف إليه " والمقادير " معطوف على الجهات " ما " الواو عاطفة، ما: اسم موصول معطوف على الجهات " صيغ " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها صلة " من الفعل " جار ومجرور متعلق بصيغ " كمرمى " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " من رمى " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من مرمى، وتقدير الكلام: وذلك كائن كمرمى حال كونه مأخوذا من مصدر رمي.

(3)

أنت تعلم أن الفعل يدل بالوضع على شيئين، أحدهما الحدث، وثانيهما الزمن، ويدل على المكان بدلالة الالتزام، لان كل حدث يقع في الخارج لابد أن يكون وقوعه في مكان ما، فلما كانت دلالة الفعل على الزمان لانه أحد جزءي معناه الوضعي قوى على نصب ظرف الزمان بنوعيه المبهم والمختص، ولما كانت دلالته على المكان بالالتزام

لا بالوضع لم يقو على نصب جميع الاسماء الدالة على المكان، بل تعدى إلى المبهم منه لكونه دالا عليه في الجملة، وإلى اسم المكان المأخوذ من مادته، لكونه بالنظر إلى المادة قوى الدلالة على هذا النوع.

ص: 194

لحظة وساعة أو مختصا إما فإضافة نحو سرت يوم الجمعة أو بوصف نحو سرت يوما طويلا أو بعدد نحو سرت يومين.

وأما اسم المكان فلا يقبل النصب منه إلا نوعان أحدهما المبهم والثاني ما صيغ من المصدر بشرطه الذي سنذكره والمبهم كالجهات الست نحو فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف ونحو هذا كالمقادير نحو غلوة وميل وفرسخ وبريد (1) تقول جلست فوق الدار وسرت غلوة فتنصبهما على الظرفية.

وأما ما صيغ من المصدر نحو مجلس زيد ومقعده فشرط نصبه قياسا أن يكون عامله من لفظه نحو قعدت مقعد زيد وجلست مجلس عمرو فلو كان عامله من غير لفظه تعين جره بفي نحو جلست في مرمى زيد فلا تقول جلست مرمى زيد إلا شذوذا.

ومما ورد من ذلك قولهم هو مني مقعد القابلة ومزجر الكلب ومناط الثريا (2) أي كائن مقعد القابلة ومزجر الكلب ومناط الثريا والقياس هو مني في مقعد القابلة وفي مزجر الكلب وفي مناط الثريا ولكن نصب شذوذا ولا يقاس عليه خلافا للكسائي وإلى هذا أشار بقوله:

(1) الغلوة - بفتح الغين المعجمة وسكون اللام - فسرها المتقدمون بالباع مائة باع، والباع: مقدار ما بين أصابع يديك إذا مددتهما محاذيتين لصدرك، ومنهم من قدر الغلوة برمية سهم، ومنهم من قدرها بثلثمائة ذراع، والميل: عشر غلوات، فهو ألف

باع، والفرسخ: ثلاثة أميال، والبريد: أربعة فراسخ.

(2)

يقول العرب " فلان مني مقعد القابلة " يريدون أنه قريب كقرب مكان قعود القابلة عند ولادة المرأة من المرأة، ويقولون " فلان مني مزجر الكلب " يريدون أنه بعيد كبعد المكان الذي تزجر إليه الكلب، ويراد بهذا الذم، ويقولون " فلان مني مناط الثريا " يريدون أنه في مكان بعيد كبعد الثريا عمن يروم أن يتصل بها، وهذا كناية عن عدم إدراكه في الشرف والرفعة، يعني أنه فريد في شرفه ورفعة قدره.

ص: 195

وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما في أصله معه اجتمع (1)

أي وشرط كون نصب ما اشتق من المصدر مقيسا أن يقع ظرفا لما اجتمع معه في أصله أي أن ينتصب بما يجامعه في الاشتقاق من أصل واحد كمجامعة جلست ب مجلس في الاشتقاق من الجلوس فأصلهما واحد وهو الجلوس.

وظاهر كلام المصنف أن المقادير وما صيغ من المصدر مبهمان أما المقادير فمذهب الجمهور أنها من الظروف المبهمة لأنها وإن كانت معلومة المقدار فهي مجهولة الصفة وذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنها ليست من الظروف المبهمة لأنها معلومة المقدار وأما ما صيغ من المصدر فيكون مبهما نحو جلست مجلسا ومختصا نحو جلست مجلس زيد.

وظاهر كلامه أيضا أن مرمى مشتق من رمى وليس هذا على مذهب البصريين فإن مذهبهم أنه مشتق من المصدر لا من الفعل.

وإذا تقرر أن المكان المختص وهو ما له أقطار تحويه لا ينتصب ظرفا فاعلم أنه سمع نصب كل مكان مختص مع دخل وسكن ونصب

(1)" وشرط " مبتدأ، وشرط مضاف، و" كون " مضاف إليه، وكون

مضاف، و" ذا " مضاف إليه، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه " مقيسا " خبر الكون الناقص " أن " مصدرية " يقع " فعل مضارع منصوب بأن، وسكنه للوقف، وفاعله ضمير مسنتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذا الذي هو إشارة للمأخوذ من مصدر الفعل، و" أن " ومنصوبها في تأويل مصدر خبر المبتدأ " ظرفا " حال من فاعل يقع المستتر فيه " لما " جار ومجرور متعلق بقوله " ظرفا " أو بمحذوف صفة له " في أصله، معه " جار ومجرور وظرف، متعلقان باجتمع الآتي " اجتمع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من إجتمع وفاعله لا محل لها صلة " ما " المجرور محلا باللام.

ص: 196

الشأم مع ذهب نحو دخلت البيت وسكنت الدار وذهبت الشأم واختلف الناس في ذلك فقيل هي منصوبة على الظرفية شذوذا وقيل منصوبة على إسقاط حرف الجر والأصل دخلت في الدار فحذف حرف الجر فانتصب الدار نحو مررت زيدا وقيل منصوبة على التشبيه بالمفعول به. (1)

(1) في هذه المسألة أربعة أقوال للنحاة ذكر الشارح منها ثلاثة: (الاول) أن هذه الظروف المختصة منصوبة على الظرفية كما انتصب الظرف المكاني المبهم عليها، إلا أن ذلك شاذ لا يقاس عليه، وهو مذهب المحققين من النحاة، ونسبه الشلوبين للجمهور، وصححه ابن الحاجب.

(الثاني) أن هذه الاسماء منصوبة على إسقاط حرف الجر، يعني على الحذف والايصال، كما انتصب " الطريق " في قول الشاعر (وانظر الشاهد رقم 159) : لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب

وهذا مذهب الفارسي، ومن العلماء من ينسبه إلى سيبويه، وقد اختاره ابن مالك.

(الثالث) أن هذه الاسماء منصوبة على التشبيه بالمفعول به، وذلك لانهم شبهوا الفعل القاصر بالفعل المتعدي، كما نصبوا الاسم بعد الصفة المشبهة التي لا تؤخذ إلا من مصدر الفعل القاصر، وهذا إنما يتم لو أن الافعال التي تنصب بعدها هذه الاسماء كانت كلها قاصرة.

(الرابع) أن هذه الاسماء منصوبة على أنها مفعول به حقيقة، وعللوا هذا القول بأن نحو " دخل " يتعدى بنفسه تارة وبحرف الجر تارة أخرى، وكثرة الامرين فيه تدل على أن كل واحد منهما أصل، وهذا أيضا يتجه لو أن جميع الافعال التي تنصب بعدها هذه الاسماء كانت من هذا النوع، إلا أن يخص هذا القول بنحو " دخل " مما له حالتان تساوتا في كثرة الورود، بخلاف نحو " ذهب ".

ص: 197

وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرف في العرف (1)

وغير ذي التصرف: الذي لزم

ظرفية أو شبهها من الكلم (2)

ينقسم اسم الزمان واسم المكان إلى: متصرف وغير متصرف فالمتصرف من ظرف الزمان أو المكان: ما استعمل ظرفا وغير ظرف كـ"يوم" و"مكان"

(1)" وما " اسم موصول مبتدأ أول " يرى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، وهو المفعول الاول " ظرفا " مفعول ثان ليرى، والجملة لا محل لها صلة الموصول " وغير " معطوف على قوله " ظرفا "" السابق " وغير مضاف، و" ظرف " مضاف إليه " فذاك " الفاء زائدة، واسم الاشارة مبتدأ ثان " ذو " خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل

رفع خبر المبتدأ الاول، وزيدت الفاء في جملة الخبر لان المبتدأ موصول يشبه الشرط في عمومه، وذو مضاف، و" تصرف " مضاف إليه " في العرف " جار ومجرور متعلق بتصرف.

(2)

" وغير " مبتدأ، وغير مضاف، و" ذي " مضاف إليه، وذي مضاف، و" التصرف " مضاف إليه " الذي " اسم موصول: خبر المبتدأ " لزم " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذي، والجملة من لزم وفاعله لا محل لها صلة الذي " ظرفية " مفعول به للزم " أو شبهها " معطوف على مفعول لفعل محذوف تقديره: أو لزم ظرفية أو شبهها، وليس يجوز أن يكون معطوفا على قوله " ظرفية " المذكور في البيت، إذ يصير حاصل المعنى أن من الظرف ما يلزم الظرفية وحدها، ومنه الذي لزم شبه الظرفية وحدها، والقسم الاول صحيح، والقسم الثاني على هذا الذي يفيده ظاهر البيت غير صحيح، وإنما الصحيح أن الظرف ينقسم إلى قسمين، أحدهما: الذي يلزم الظرفية وحدها ولا يفارقها، وهو نوع من غير المتصرف، وثانيهما: الذي يلزم الامرين الظرفية وشبهها، نعني أنه إذا فارق الظرفية لم يفارق شبهها، وهو النوع الآخر من غير المتصرف " من الكلم " جار ومجرور متعلق بلزم أو بشبه أو بمحذوف حال من " غير ذي التصرف ".

ص: 198

فإن كل واحد منهما يستعمل ظرفا نحو سرت يوما وجلست مكانا ويستعمل مبتدأ نحو يوم الجمعة يوم مبارك ومكانك حسن وفاعلا نحو جاء يوم الجمعة وارتفع مكانك.

وغير المتصرف: هو مالا يستعمل إلا ظرفا أو شبهه نحو سحر إذا أردته من يوم بعينه (1) فإن لم ترده من يوم بعينه فهو متصرف كقوله تعالى: {إِلَاّ آلَ لُوطٍ} نجيناهم بسحر وفوق نحو جلست فوق الدار فكل واحد من سحر وفوق لا يكون إلا ظرفا (1) .

والذي لزم الظرفية أو شبهها عند ولدن والمراد بشبه الظرفية أنه لا يخرج عن الظرفية إلا باستعماله مجرورا ب من نحو خرجت من عند زيد ولا تجر عند إلا ب من فلا يقال خرجت إلى عنده وقول العامة خرجت إلى عنده خطأ. (2)

(1) مثل الشارح للظرف الذي لا يفارق النصب على الظرفية بمثالين: أحدهما " سحر " إذا أردت به سحر يوم معين، وهذا صحيح، وثانيهما " فوق " والتمثيل به لهذا النوع من الظرف غير صحيح، بل الصواب أنه من النوع الثاني الذي لزم الظرفية أو شبهها، بدليل مجيئه مجرورا بمن في قوله تعالى:(فخر عليهم السقف من فوقهم) وفي آيات أخر.

ومن الظروف التي لا تفارق النصب على الظرفية " قط " و" عوض " ظرفين للزمان أولهما للماضي وثانيهما للمستقبل، وهما خاصان بالوقوع بعد النفي أو شبهه، ومنها أيضا " بدل " إذا استعملته بمعنى مكان، كما تقول: خذ هذا بدل هذا، ومنها أيضا الظروف المركبة كقولك: أنا أزورك صباح مساء، ومنزلتك عندنا بين بين، ومنها أيضا " بينا " و" بينما " ومنها " مذ، ومنذ " إذا رفعت ما بعدهما وجعلتهما خبرين عنه، فهما مبنيان على الضم أو السكون في محل نصب كقط وعوض.

(2)

قد قال العرب الموثوق بعربيتهم: " حتى، ومتى " فأدخلوا حتى على ظرف =

ص: 199

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك في ظرف الزمان يكثر (1)

ينوب المصدر عن ظرف المكان قليلا كقولك جلست قرب زيد أي مكان قرب زيد فحذف المضاف وهو مكان وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب بإعرابه وهو النصب على الظرفية ولا ينقاس ذلك فلا تقول آتيك جلوس زيد تريد مكان جلوسه.

ويكثر إقامة المصدر مقام ظرف الزمان نحو آتيك طلوع الشمس وقدوم الحاج وخروج زيد والأصل وقت طلوع الشمس ووقت قدوم الحاج ووقت خروج زيد فحذف المضاف وأعرب المضاف إليه بإعرابه وهو مقيس في كل مصدر. (2)

= الزمان وقالوا: " إلى أين " و" إلى متى " فأدخلوا " إلى " الجارة على ظرف الزمان والمكان، وهذا شاذ من جهة القياس، ومعنى هذا أنه يصح لنا إدخال " حتى " الجارة على لفظ " متى " من بين أسماء الزمان، وإدخال " إلى " الجارة على لفظ " متى " ولفظ " أين " من بين جميع الظروف، اتباعا لهم، ولا يجوز القياس على شئ من ذلك.

(1)

" وقد " حرف تقليل " ينوب " فعل مضارع " عن مكان " جار ومجرور متعلق بينوب " مصدر " فاعل ينوب " وذاك " الواو للاستئناف، واسم الاشارة مبتدأ، والكاف حرف خطاب " في ظرف " جار ومجرور متعلق بيكثر الآتي، وظرف مضاف، و" الزمان " مضاف إليه " يكثر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذاك، والجملة من يكثر وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.

(2)

ذكر الشارح - تبعا للناظم - واحدا مما ينوب عن الظرف، وهو المصدر، وبين أن نيابة المصدر عن ظرف الزمان مقيسة بحيث يجوز لك أن تنيب ما شئت من المصادر عن ظرف الزمان وأن نيابته عن ظرف المكان سماعية يجب ألا تستعمل منه إلا ما ورد عن العرب، وقد بقى عليه أشياء تنوب عن الظرف زمانيا أو مكانيا: =

ص: 200

_________

= الاول: لفظ " بعض " ولفظ " كل " مضافين إلى الظرف، نحو " بحثت عنك

كل مكان، وسرت كل اليوم " وذلك من جهة أن كلمتي بعض وكل بحسب ما تضافان إليه، وقد مضى في باب المفعول المطلق أنهما ينوبان عن المصدر في المفعولية المطلقة.

الثاني: صفة الظرف، نحو " سرت طويلا شرقي القاهرة ".

الثالث: اسم العدد المميز بالظرف، نحو " صمت ثلاثة أيام، وسرت ثلاثة عشر فرسخا ".

الرابع: ألفاظ معينة تنوب عن اسم الزمان، نحو " أحقا " في قول الشاعر: أحقا عباد الله أن لست صادرا ولا واردا إلا علي رقيب وفي نحو قول الآخر: أحقا أن جيرتنا استقلوا فنيتنا ونيتهم فريق وفي نحو قول الآخر: أحقا بني أبناء سلمى بن جندل تهددكم إياي وسط المجالس وفي نحو قول الآخر: أحقا أن أخطلكم هجاني

ص: 201