المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعدي الفعل ولزومه - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌تعدي الفعل ولزومه

‌تعدي الفعل ولزومه

علامة الفعل المعدى أن تصل

ها غير مصدر به نحو عمل (1)

ينقسم الفعل إلى متعد ولازم فالمتعدي: هو الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جر نحو ضربت زيدا. واللازم: ما ليس كذلك وهو ما لا يصل إلى مفعوله إلا بحرف جر (2) نحو مررت بزيد أو لا مفعول له

(1)" علامة " مبتدأ، وعلامة مضاف، و" الفعل " مضاف إليه " المعدى " نعت للفعل " أن " مصدرية " تصل " فعل مضارع منصوب بأن، وسكن للوقف، وفاعله ضمير

مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، و" أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ، والتقدير: علامة الفعل المعدى وصلك به ها إلخ " ها " مفعول به لتصل، وها مضاف و" غير " مضاف إليه، وغير مضاف، و" مصدر " مضاف إليه " به " جار ومجرور متعلق بتصل " نحو " خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك نحو، ونحو مضاف، و" عمل " قصد لفظه: مضاف إليه.

(2)

أكثر النحاة على أن الفعل من حيث التعدي واللزوم ينقسم إلى قسمين: المتعدي، واللازم، ولا ثالث لهما، وعبارة الناظم والشارح تدل على أنهما يذهبان هذا المذهب، ألا ترى أن الناظم يقول " ولازم غير المعدى " والشارح يقول " واللازم ما ليس كذلك " وذلك يدل على أن كل فعل ليس بمتعد فهو لازم، فيدل على انحصار التقسيم في القسمين.

ومن العلماء من ذهب إلى أن الفعل من هذه الجهة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الاول المتعدي، والثاني اللازم، والثالث ما ليس بمتعد ولا لازم، وجعلوا من هذا القسم الثالث الاخير " كان " وأخواتها، لانها لاتنصب المفعول به ولا تتعدى إليه بحرف الجر، كما مثلوا له ببعض الافعال التي وردت تارة متعدية إلى المفعول به بنفسها وتارة أخرى متعدية إليه بحرف الجر، نحو شكرته وشكرت له ونصحته ونصحت له وما أشبههما وقد يقال: إن " كان " ليست خارجة عن القسمين، بل هي متعدية، وحينئذ يكون =

ص: 145

نحو قام زيد ويسمى ما يصل إلى مفعوله بنفسه فعلا متعديا وواقعا ومجاوزا وما ليس كذلك يسمى لازما وقاصرا وغير متعد ويسمى متعديا بحرف جر.

وعلامة الفعل المتعدي أن تتصل به هاء تعود على غير المصدر وهي هاء المفعول به نحو الباب أغلقته واحترز بهاء غير المصدر من هاء المصدر فإنها تتصل بالمتعدي واللازم فلا تدل على تعدي الفعل فمثال المتصلة بالمتعدي الضرب ضربته زيدا أي ضربت الضرب زيدا ومثال المتصلة باللازم القيام قمته أي قمت القيام.

فانصب به مفعوله إن لم ينب

عن فاعل نحو تدبرت الكتب (1)

= المراد من المفعول به هو أو ما أشبهه كخبر كان، أو يقال: إن المقسم هو الافعال التامة، فليست " كان " وأخواتها من موضع التقسيم حتى يلزم دخولها في أحد القسمين، كما انه قد يقال: إن نحو شكرته وشكرت له لم تخرج عن القسمين، بل هي إما متعدية، وحرف الجر في شكرت له زائد، أو لازمة، ونصبها للمفعول به في شكرته على نزع الخافض.

(1)

" فانصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " به " جار ومجرور متعلق بانصب " مفعوله " مفعول: مفعول به لانصب، ومفعول مضاف والهاء مضاف إليه " إن " شرطية " لم " نافية جازمة " ينب " فعل مضارع، فعل الشرط، مجزوم بلم، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مفعوله،؟ الشرط محذوف، والتقدير: إن لم ينب مفعوله عن فاعل فانصبه به " عن فاعل "؟ مجرور متعلق بينب " نحو " خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك نحو " تدبرت "؟ فاعل " الكتب " مفعول به، ونحو مضاف، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله =

ص: 146

شأن الفعل المتعدي أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله نحو تدبرت الكتب فإن ناب عنه وجب رفعه كما تقدم نحو تدبرت الكتب.

وقد يرفع المفعول وينصب الفاعل عند أمن اللبس كقولهم خرق الثوب المسمار ولا ينقاس ذلك بل يقتصر فيه على السماع. (1)

= في محل جر مضاف إليه، والمراد بالمفعول في قوله " فانصب به مفعوله " هو المفعول به، لامرين، أحدهما: أن المفعول عند الاطلاق هو المفعول به، وأما بقية المفاعيل فلابد فيها من التقييد، تقول: المفعول معه، والمفعول لاجله، والمفعول فيه، والمفعول المطلق.

وثانيهما: أن الذي يختص به الفعل المتعدي هو المفعول به، فأما غيره من المفاعيل فيشترك في نصبه المتعدي واللازم، تقول: ضربت ضربا، وقمت قياما، وتقول: ذاكرت والمصباح، وسرت والنيل، وتقول: ضربت ابني تأديبا، وقمت إجلالا للامير، وتقول: لعبت الكرة أصيلا، وخرجت من الملعب ليلا.

(1)

قال السيوطي في همع الهوامع (1 / 186) : وسمع رفع المفعول به ونصب الفاعل، حكوا: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، وقال الشاعر: مثل القنافذ هداجون قد بلغت نجران أو بلغت سوآتهم هجر فإن السوآت هي البالغة، وسمع أيضا رفعهما، قال:[إن من صاد عقعقا لمشوم] كيف من صاد عقعقان وبوم وسمع نصبهما، قال: قد سالم الحيات منه القدما [الافعوان والشجاع الشجعما] والمبيح لذلك كله فهم المعنى وعدم الالباس، ولا يقاس على شئ من ذلك " اه وقال ابن مالك في شرح الكافية: " وقد يحملهم ظهور المعنى على إعراب كل واحد من الفاعل والمفعول به بإعراب الآخر، كقولهم: خرق الثوب المسمار، ومنه قول الاخطل مثل القنافذ.

البيت " اهـ.

والظاهر من هذه العبارات كلها أن الاسم المنصوب في هذه المثل التي ذكروها هو الفاعل، والاسم المرفوع هو المفعول، وأن التغير لم يحصل إلا في حركات الاعراب،

لكن ذهب الجوهري إلى أن المنصوب هو المفعول به، والمرفوع هو الفاعل، والتغيير =

ص: 147

والأفعال المتعدية على ثلاثة أقسام:

أحدها: ما يتعدى إلى مفعولين وهي قسمان أحدهما ما أصل المفعولين فيه المبتدأ والخبر كظن وأخواتها والثاني ما ليس أصلهما ذلك كأعطى وكسا.

والقسم الثاني: ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل كأعلم وأرى.

والقسم الثالث: ما يتعدى إلى مفعول واحد كضرب ونحوه.

ولازم غير المعد ى وحتم

لزوم أفعال السجايا كنهم (1)

كذا افعلل والمضاهي اقعنسسا

وما اقتضى: نظافة أو دنسا (2)

أو عرضا أو طاوع المعدى

لواحد كمده فامتدا (3)

= إنما حصل في المعنى، وهذا رأي لجماعة من النحاة، وقد اختاره الشاطبي، وانظر ما ذكرناه واستشهدنا له في مطلع باب الفاعل.

(1)

" ولازم " خبر مقدم " غير " مبتدأ مؤخر، وغير مضاف و" المعدى " مضاف إليه " وحتم " فعل ماض مبني للمجهول " لزوم " نائب فاعل لحتم، ولزوم مضاف، و" أفعال " مضاف إليه، وأفعال مضاف، و" السجايا " مضاف إليه " كنهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كنهم.

(2)

" كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " افعلل " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " والمضاهي " معطوف على قوله " افعلل " السابق، وهو اسم فاعل، وفاعله ضمير مستتر فيه، وقوله " اقعنسسا " مفعوله، وقد قصد لفظه " وما " اسم موصول: معطوف على المضاهي " اقتضى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا

تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " نظافة " مفعول به لا قتضى " أو دنسا " معطوف على قوله نظافة.

(3)

" أو عرضا " معطوف على قوله نظافة في البيت السابق " أو طاوع " أو: =

ص: 148

اللازم: هو ما ليس بمتعد وهو ما لا يتصل به هاء ضمير غير المصدر ويتحتم اللزوم لكل فعل دال على سجية وهي الطبيعة نحو شرف وكرم وظرف ونهم وكذا كل فعل على وزن افعلل نحو اقشعر واطمأن أو على وزن أفعنلل نحو اقعنسس واحرنجم أو دل على نظافة ك طهر الثوب ونظف أو على دنس ك دنس الثوب ووسخ أو دل على عرض نحو مرض زيد واحمر أو كان مطاوعا لما تعدى إلى مفعول واحد نحو مددت الحديد فامتد ودحرجت زيدا فتدحرج.

واحترز بقوله لواحد مما طاوع المتعدي إلى اثنين فإنه لا يكون لازما بل يكون متعديا إلى مفعول واحد نحو فهمت زيدا المسألة ففهمها وعلمته النحو فتعلمه.

وعد لازما بحرف جر

وإن حذف فالنصب للمنجر (1)

= حرف عطف، وطاوع: فعل ماض معطوف على اقتضى، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة " المعدى " مفعول به لطاوع " لواحد " جار ومجرور متعلق بالمعدى " كمده " متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كمده " فامتدا " الفاء عاطفة، امتد: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جواز تقديره هو.

(1)

" وعد " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لازما "

مفعول به لعد " بحرف " جار ومجرور متعلق بعد، وحرف مضاف و" جر " مضاف إليه " وإن " شرطية " حذف " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حرف جر " فالنصب " الفاء لربط الجواب بالشرط، النصب: مبتدأ " للمنجر " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط.

ص: 149

نقلا وفي أن وأن يطرد

مع أمن لبس: كعجبت أن يدوا (1)

تقدم أن الفعل المتعدي يصل إلى مفعوله بنفسه وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف جر نحو مررت بزيد وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعوله بنفسه نحو مررت زيدا قال الشاعر:

159 -

تمرون الديار ولم تعوجوا

كلامكم علي إذا حرام

(1)" نقلا " مفعول مطلق، أو حال صاحبه اسم المفعول المفهوم من قوله " حذف " وتقديره منقولا " وفي أن " جار ومجرور متعلق بيطرد الآتي " وأن " معطوف على أن " يطرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف المفهوم من حذف " مع " ظرف متعلق بيطرد، ومع مضاف و" أمن " مضاف إليه، وأمن مضاف و" لبس " مضاف إليه " كعجبت " الكاف جارة لقول محذوف، عجبت: فعل وفاعل " أن " مصدرية " يدوا " فعل مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه حذف النون، وواو الجماعة فاعله، و" أن " ومنصوبها في تأويل مصدر مجرور بمن المحذوفة، والتقدير: عجبت من وديهم أي إعطائهم الدية والجار والمجرور متعلق بعجب.

159 -

البيت لجرير بن عطية بن الخطفي.

اللغة: " تعوجوا " يقال: عاج فلان بالمكان يعوج عوجا ومعاجا - كقال يقول

قولا ومقالا - إذا أقام به، ويقال: عاج السائر بمكان كذا، إذا عطف عليه، أو وقف به، أو عرج عليه وتحول إليه، ورواية الديوان أتمضون الرسوم ولا نحيا.

الاعراب: " تمرون " فعل وفاعل " الديار " منصوب على نزع الخافض، وأصله: تمرون بالديار " ولم تعوجوا " الواو للحال، ولم: نافية جازمة، تعوجوا: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف النون، وواو الجماعة فاعل، والجملة في محل نصب حال " كلامكم " كلام: مبتدأ، وكلام مضاف وضمير المخاطبين مضاف إليه " على " جار ومجرور متعلق بحرام " حرام " خبر المبتدأ.

الشاهد فيه: قوله " تمرون الديار " حيث حذف الجار، وأوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذي كان مجرورا، فنصبه، وأصل الكلام " تمرون بالديار " ويسمى ذلك: =

ص: 150

أي: تمرون بالديار ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير أن وأن بل يقتصر فيه على السماع وذهب أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي وهو الأخفش الصغير إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسا بشرط تعين الحرف ومكان الحذف نحو بريت القلم بالسكين فيجوز عنده حذف الباء فتقول بريت القلم السكين فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف نحو رغبت في زيد فلا يجوز حذف في لأنه لا يدرى حينئذ هل التقدير رغبت عن زيد أو في زيد وكذلك إن لم يتعين مكان الحذف لم يجز نحو اخترت القوم من بني تميم فلا يجوز الحذف فلا تقول اخترت القوم بني تميم إذ لا يدرى هل الأصل اخترت القوم من بني تميم أو اخترت من القوم بني تميم.

وأما أن وأن فيجوز حذف حرف الجر معهما قياسا مطردا بشرط أمن اللبس كقولك عجبت أن يدوا والأصل عجبت من أن يدوا أي من أن يعطوا الدية ومثال ذلك مع أن بالتشديد عجبت من أنك قائم فيجوز حذف "من" فتقول: عجبت أنك قائم فإن حصل لبس لم يجز

= " الحذف والايصال " وهذا قاصر على السماع، ولا يجوز ارتكابه في سعة الكلام، إلا إذا كان المجرور مصدرا مؤولا من " أن " المؤكدة مع اسمها وخبرها، أو من " أن " المصدرية مع منصوبها.

ومثل هذا الشاهد قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: غضبت أن نظرت نحو نساء ليس يعرفنني مررن الطريقا ومحل الاستشهاد قوله " مررن الطريقا " حيث حذف حرف الجر ثم أوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذي كان مجرورا فنصبه، وأصل الكلام: مررن بالطريق، وفيه شاهد آخر للقياسي من هذا الباب، وذلك في قوله " غضبت أن نظرت " وأصله: غضبت من أن نظرت.

ص: 151

الحذف نحو رغبت في أن تقوم أو رغبت في أنك قائم فلا يجوز حذف في لاحتمال أن يكون المحذوف عن فيحصل اللبس.

واختلف في محل أن وأن عند حذف حرف الجر فذهب الأخفش إلى أنهما في محل جر وذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب (1) وذهب سيبويه إلى تجويز الوجهين.

(1) أما الذين ذهبوا إلى أن المصدر المنسبك من الحرف المصدري ومعموله في محل نصب بعد حذف حرف الجر الذي كان يقتضى جره فاستدلوا على ذلك بشيئين: أولهما: أن حرف الجر عامل ضعيف، وآية ضعفه أنه مختص بنوع واحد هو الاسم، والعامل الضعيف لا يقوى على العمل إلا إذا كان مذكورا، فمتى حذف من الكلام زال عمله.

وثاني الدليلين: أن حرف الجر إذا حذف من الكلام وكان مدخوله غير " أن " و" أن " فنحن متفقون على أن الاسم الذي كان مجرورا به ينصب كما في بيت عمر وبيت جرير السابق (رقم 159) وكما في قول ساعدة بن جؤية الهذلي: لدن بهز الكف يعسل متنه فيه، كما عسل الطريق الثعلب وكما في قول المتلمس جرير بن عبد المسيح يخاطب عمرو بن هند ملك الحيرة: آليت حب العراق الدهر أطعمه والحب يأكله في القرية السوس أراد الاول: كما عسل في الطريق، وأراد الثاني: آليت على حب العراق، فلما حذفا حرف الجر نصبا الاسم الذي كان مجرورا، فيجب أن يكون هذا هو الحكم مع أن وأن.

وأما الذين ذهبوا إلى أن المصدر في محل جر بعد حذف حرف الجر فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بالسماع عن العرب.

فمن ذلك قول الفرزدق من قصيدة يمدح فيها عبد المطلب بن عبد الله المخزومي: وما زرت ليلى أن تكون حبيبة إلي، ولا دين بها أنا طالبه فقوله " ولا دين " مروى بجر دين المعطوف على المصدر المنسبك من " أن تكون إلخ " =

ص: 152

وحاصله: أن الفعل اللازم يصل إلى المفعول بحرف الجر ثم إن كان المجرور غير أن وأن لم يجز حذف حرف الجر إلا سماعا وإن كان أن وأن جاز ذلك قياسا عند أمن اللبس وهذا هو الصحيح.

والأصل سبق فاعل معنى كمن

من ألبسن من زاركم نسج اليمن (1)

إذا تعدى الفعل إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الأصل فالأصل تقديم ما هو فاعل في المعنى نحو أعطيت زيدا درهما فالأصل تقديم

زيد

= وذلك يدل على أن هذا المصدر مجرور، لوجوب تطابق المعطوف والمعطوف عليه في حركات الاعراب.

وقد حذف الفرزدق حرف الجر وأبقى الاسم مجرورا على حاله قبل الحذف، وذلك في قوله.

إذا قيل: أي الناس شر قبيلة؟ أشارت كليب بالاكف الاصابع أصل الكلام: أشارت إلى كليب، فلما حذف " إلى " أبقى " كليب " على جره.

فلما رأى سيبويه رحمه الله! - تكافؤ الادلة، وأن السماع ورد بالوجهين، ولا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، جوز كل واحد منهما.

(1)

" والاصل " مبتدأ " سبق " خبر المبتدأ، وسبق مضاف، و" فاعل " مضاف إليه " معنى " منصوب على نزع الخافض، أو تمييز " كمن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كمن - إلخ " من " حرف جر، ومجروره قول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال " ألسن " فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " من " اسم موصول: مفعول أول لالبس " زاركم " زار: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، وضمير المخاطبين مفعول به، والجملة لا محل لها صلة " نسج " مفعول ثان لالبس، ونسج مضاف و" اليمن " مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف.

ص: 153

على درهم لأنه فاعل في المعنى لأنه الآخذ للدرهم وكذا كسوت زيدا جبة وألبسن من زاركم نسج اليمن ف من مفعول أول ونسج مفعول ثان والأصل تقديم من على نسج اليمن لأنه اللابس ويجوز تقديم ما ليس فاعلا معنى لكنه خلاف الأصل.

ويلزم الأصل لموجب عرى

وترك ذاك الأصل حتما قد يرى (1)

أي يلزم الأصل وهو تقديم الفاعل في المعنى إذا طرأ ما يوجب ذلك وهو خوف اللبس نحو أعطيت زيدا عمرا فيجب تقديم الآخذ منهما ولا يجوز تقديم غيره لأجل اللبس إذ يحتمل أن يكون هو الفاعل.

وقد يجب تقديم ما ليس فاعلا في المعنى وتأخير ما هو فاعل في المعنى نحو أعطبت الدرهم صاحبه فلا يجوز تقديم صاحبه وإن كان فاعلا في المعنى فلا تقول أعطيت صاحبه الدرهم لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو ممتنع والله أعلم. (2)

(1)" ويلزم الاصل " فعل وفاعل " لموجب " جار ومجرور متعلق بيلزم " عرى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى موجب، والجملة في محل جر نعت لموجب " وترك " مبتدأ، وترك مضاف واسم الاشارة من " ذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الاصل " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة " حتما " حال من نائب الفاعل المستتر في " يرى " الآتي، وتقديره باسم مفعول: أي محتوما " قد " حرف تقليل " يرى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترك، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.

(2)

تلخيص ما أشار إليه الشارح والناظم في هذه المسألة أن للمفعول الاول مع المفعول الثاني - اللذين ليس أصلهما المبتدأ والخبر - ثلاثة أحوال، الحالة الاولى يجب =

ص: 154

وحذف فضلة أجز إن لم يضر

كحذف ما سيق جوابا أو حصر (1)

الفضلة: خلاف العمدة والعمدة: ما لا يستغنى عنه كالفاعل والفضلة ما يمكن الاستغناء عنه كالمفعول به فيجوز حذف الفضلة إن لم يضر

كقولك

= فيها تقديم الفاعل في المعنى، والحالة الثانية يجب فيها تقديم المفعول في المعنى، والحالة الثالثة يجوز فيها تقديم أيهما شئت، وسنبين لك مواضع كل حالة منها تفصيلا.

أما الحالة الاولى فلها ثلاثة مواضع، أولها: أن يخاف اللبس، وذلك إذا صلح كل من المفعولين أن يكون فاعلا في المعنى، وذلك نحو " أعطيت زيدا عمرا " وثانيهما: أن يكون المفعول في المعنى محصورا فيه، نحو قولك " ما كسوت زيدا إلا جبة، وما أعطيت خالدا إلا درهما " وثالثها: أن يكون الفاعل في المعنى ضميرا والمفعول في المعنى اسما ظاهرا نحو " أعطيتك درهما ".

وأما الحالة الثانية فلها ثلاثة مواضع أيضا، أولها: أن يكون الفاعل في المعنى متصلا بضمير يعود على المفعول في المعنى نحو " أعطيت الدرهم صاحبه "، إذ لو قدم لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وثانيها: أن يكون الفاعل في المعنى منهما محصورا فيه، نحو قولك " ما أعطيت الدرهم إلا زيدا " وثالثها: أن يكون المفعول في المعنى منهما ضميرا والفاعل في المعنى اسما ظاهرا، نحو قولك " الدرهم أعطيته بكرا " وأما الحالة الثالثة ففيما عداما ذكرناه من مواضع الحالتين، ومنها قولك " أعطيت زيدا ماله " يجوز أن تقول فيه: أعطيت ماله زيدا، فالضمير إن عاد على متأخر لفظا فقد عاد على متقدم رتبة.

(1)

" وحذف " مفعول به مقدم لاجز، وحذف مضاف و" فضلة " مضاف إليه " أجز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " لم " جازمة نافية " يضر " فعل مضارع مجزوم بلم، وجملته فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف، وجواب الشرط محذوف، وتقدير الكلام: إن لم يضر حذف الفضلة فأجزه " كحذف " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كائن كحذف و" ما " اسم موصول: مضاف إليه

" سيق " فعل ماض مبني " للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " جوابا " مفعول ثان لسيق " أو " عاطفة " حصر " فعل ماض مبني للمجهول معطوف على سيق.

ص: 155

في ضربت زيدا ضربت بحذف المفعول به وكقولك في أعطيت زيدا درهما أعطيت ومنه قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} وأعطيت زيدا ومنه قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} وأعطيت درهما قيل ومنه قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} التقدير والله أعلم حتى يعطوكم الجزية.

فإن ضر حذف الفضلة لم يجز حذفها كما إذا وقع المفعول به في جواب سؤال نحو أن يقال من ضربت؟ فتقول ضربت زيدا أو وقع محصورا نحو ما ضربت إلا زيدا فلا يجوز حذف زيدا في الموضعين إذ لا يحصل في الأول الجواب ويبقى الكلام في الثاني دالا على نفي الضرب مطلقا والمقصود نفيه عن غير زيد فلا يفهم المقصود عنه حذفه.

ويحذف الناصبها إن علما

وقد يكون حذفه ملتزما (1)

يجوز حذف ناصب الفضلة إذا دل عليه دليل نحو أن يقال من ضربت؟ فتقول زيدا التقدير ضربت زيدا فحذف ضربت لدلالة ما قبله عليه وهذا الحذف جائز وقد يكون واجبا كما تقدم في باب الاشتغال نحو زيدا ضربته التقدير ضربت زيدا ضربته فحذف ضربت وجوبا كما تقدم والله أعلم.

(1)" ويحذف " فعل مضارع مبني للمجهول " الناصبها " الناصب: نائب فاعل

يحذف، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله ضمير مستتر فيه، و" ها " ضمير الغائب العائد إلى الفضلة مفعول به " إن " شرطية " علما " فعل ماض مبني للمجهول، فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الناصب " وقد " حرف تقليل " يكون " فعل مضارع ناقص " حذفه " حذف: اسم يكون وحذف مضاف وضمير الغائب العائد إلى الناصب مضاف إليه " ملتزما " خبر يكون

ص: 156