المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التنازع في العمل - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌التنازع في العمل

‌التنازع في العمل

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل (1)

والثان أولى عند أهل البصره

واختار عكسا غيرهم ذا أسره (2)

التنازع عبارة: عن توجه عاملين إلى معمول واحد (3) نحو: ضربت

(1)" إن " شرطية " عاملان " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن اقتضى عاملان " اقتضيا " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الاعراب مفسرة " في اسم " جار ومجرور متعلق باقتضى " عمل " مفعول به لاقتضى، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة " قبل " ظرف متعلق باقتضى، أو بمحذوف يقع حالا من قوله عاملان: أي حال كون هذين العاملين واقعين قبل الاسم، وقبل مبني على الضم في محل نصب " فللواحد " الفاء لربط الجواب بالشرط، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " منهما " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الواحد " العمل " مبتدأ مؤخر (2)" والثاني " مبتدأ " أولى " خبر المبتدأ " عند " ظرف متعلق بأولى، وعند مضاف، و" أهل " مضاف إليه، وأهل مضاف، و" البصرة " مضاف إليه " واختار " فعل ماض " عكسا " مفعول به لاختار " غيرهم " غير: فاعل اختار، وغير مضاف، وضمير الغائبين مضاف إليه " ذا " حال من غيرهم، وذا مضاف و" أسره " مضاف إليه، وهو بضم الهمزة والمراد به ذا قوة، وأصله - بضم الهمزة - الدرع الحصينة، أو قوم

الرجل ورهطه الاقربون، ويجوز فتح الهمزة، والاسرة - بالفتح - الجماعة القوية.

(3)

قد يكون العاملان المتنازعان فعلين، ويشترط فيهما حينئذ: أن يكونا متصرفين نحو قوله تعالى: (آتوني أفرغ عليه قطرا) ، وقد يكونان اسمين، ويشترط فيهما حينئذ أن يكونا مشبهين للفعل في العمل، وذلك بأن يكونا اسمي فاعلين، نحو قول الشاعر: عهدت مغيثا مغنيا من أجرته فمن: اسم موصول تنازعه كل من مغيث ومغن، أو بأن يكونا اسمي مفعول كقول كثير: =

ص: 157

_________

= قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها أو بأن يكونا مصدرين كقولك: عجبت من حبك وتقديرك زيدا، أو بأن يكونا اسمي تفضيل كقولك: زيد أضبط الناس وأجمعهم للعلم، أو بأن يكونا صفتين مشبهتين نحو قولك: زيد حذر وكريم أبوه، أو بأن يكونا مختلفين، فمثال الفعل واسم الفعل قوله تعالى (هاؤم اقرءوا كتابيه) ومثال الفعل والمصدر قول الشاعر: لقد علمت أولى المغيرة أنني لقيت فلم أنكل عن الضرب مسمعا فقوله " مسمعا " اسم رجل، وقد تنازعه من حيث العمل كل من " لقيت " و" الضرب ".

ومنه تعلم أنه لا تنازع بين حرفين، ولا بين فعلين جامدين، ولا بين اسمين غير عاملين، ولا بين فعل متصرف وآخر جامد، أو فعل متصرف واسم غير عامل.

ويشترط في العاملين - سوى ما فصلن - شرط ثان، وهو: أن يكون بينهما ارتباط، فلا يجوز أن تقول " قام قعد أخوك " إذ لا ارتباط بين الفعلين:

والارتباط يحصل بواحد من ثلاثة أمور: (الاول) أن يعطف ثانيهما على أولهما بحرف من حروف العطف، كما رأيت (الثاني) أن يكون أولهما عاملا في ثانيهما، نحو قوله تعالى:(وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله) العاملان هما ظنوا وظننتم، والمعمول المتنازع فيه هو (أن لن يبعث الله) و" كما ظننتم " معمول لظنوا، لانه صفة لمصدر يقع مفعولا مطلقا ناصبه ظنوا.

(الثالث) أن يكون جوابا للاول، نحو قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) ونحو قوله جل شأنه:(آتوني أفرغ عليه قطرا) .

ويشترط في العاملين أيضا: أن يكون كل واحد منهما موجها إلى المعمول من غير فساد في اللفظ أو في المعنى، فخرج بذلك نحو قول الشاعر: أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس

ص: 158

وأكرمت زيدا فكل واحد من ضربت وأكرمت يطلب زيدا بالمفعولية وهذا معنى قوله إن عاملان إلى آخره.

وقوله: قبل معناه أن العاملين يكونان قبل المعمول كما مثلنا ومقتضاه أنه لو تأخر العاملان لم تكن المسألة من باب التنازع.

وقوله: فللواحد منهما العمل معناه أن أحد العاملين يعمل في ذلك الاسم الظاهر والآخر يهمل عنه ويعمل في ضميره كما سيذكره.

= فليس كل واحد من " أتاك أتاك " موجها إلى قوله " اللاحقون "، إذ لو توجه كل واحد إليه لقال: أتوك أتاك اللاحقون، أو لقال: أتاك أتوك اللاحقون، بل المتوجه إليه منهما هو الاول، والثاني تأكيد له، وخرج قول امرئ القيس بن حجر الكندي ولو أن ما أسعى لادنى معيشة كفاني، ولم أطلب، قليل من المال

وذلك لان كلا من " كفاني " و" لم أطلب " ليس متوجها إلى قوله " من المال " إذ لو كان كل منهما متوجها إليه لصار حاصل المعنى: كفاني قليل من المال ولم أطلب هذا القليل، وكيف يصح ذلك وهو يقول بعد هذا البيت: ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي وإنما قوله " قليل من المال " فاعل كفى، وهو وحده المتوجه إلى العمل فيه، وأما قوله " ولم أطلب " فله معمول محذوف يفهم من مجموع الكلام، والتقدير: كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك.

ويشترط في العاملين أيضا: أن يكونا متقدمين على المعمول كالامثلة التي ذكرناها والتي ذكرها الشارح، فإن تقدم المعمول فإما أن يكون مرفوعا وإما أن يكون منصوبا فإن تقدم وكان مرفوعا نحو قولك " زيد قام وقعد " فلا عمل لاحد العاملين فيه، بل كل واحد منهما عامل في ضميره، وإن كان منصوبا نحو قولك " زيدا ضربت وأهنت " فالعامل فيه هو أول العاملين، وللثاني منهما معمول محذوف يدل عليه المذكور، أولا معمول له أصلا، وإن توسط المعمول بين العاملين نحو قولك " ضربت زيدا وأهنت " فهو معمول للسابق عليه منهما، وللمتأخر عنه معمول محذوف بدل عليه المذكور، وقد أشار الشارح إشارة وجيزة إلى هذا الشرط.

ص: 159

ولا خلاف بين البصريين والكوفيين أنه يجوز إعمال كل واحد من العاملين في ذلك الاسم الظاهر ولكن اختلفوا في الأولى منهما (1) .

فذهب البصريون إلى أن الثاني أولى به لقربه منه.

وذهب الكوفيون إلى أن الأول أولى به لتقدمه.

وأعمل المهمل في ضمير ما

تنازعاه والتزم ما التزما (2)

(1) رأى البصريون أن إعمال ثاني العاملين أولى من إعمال الاول منهما لثلاث حجج: الاولى: أنه أقرب إلى المعمول، وهي العلة التي ذكرها الشارح.

الثانية: أنه يلزم على إعمال الاول منهما الفصل بين العامل - وهو المتقدم - ومعموله - وهو الاسم الظاهر - بأجنبي من العامل، وهو ذلك العامل الثاني، ومع أن الفصل بين العامل والمعمول مغتفر في هذا الباب للضرورة التي ألجات إليه، فهو خلاف الاصل على الاقل.

الثالثة: أنه يلزم على إعمال العامل الاول في لفظ المعمول أن تعطف على الجملة الاولى - وهي جملة العامل الاول مع معموله - قبل تمامها، والعطف قبل تمام المعطوف عليه خلاف الاصل.

ورأى الكوفيون أن إعمال الاول أولى من إعمال الثاني لعلتين: الاولى: أنه أسبق وأقدم ذكرا، وهي التي ذكرها الشارح.

والثانية: أنه يترتب على إعمال العامل الثاني في لفظ المعمول المذكور أن تضمر ضميرا في العامل الاول منهما، فيكون في الكلام الاضمار قبل الذكر، وهو غير جائز عندهم، وخلاف الاصل عند البصريين.

ولكل فريق من الفريقين مستند من السماع عن العرب.

ثم إنه قد يوجد في الكلام ما يوجب إعمال الثاني كما في قولك: ضربت بل أكرمت زيدا، وقد يوجد فيه ما يوجب إعمال الاول كما في قولك: لا أكرمت ولا قدمت زيدا.

(2)

" وأعمل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المهمل " =

ص: 160

كيحسنان ويسيء ابناكا

وقد بغى واعتديا عبداكا (1)

أي إذا أعملت أحد العاملين في الظاهر وأهملت الآخر عنه فأعمل المهمل في ضمير الظاهر والتزم الإضمار إن كان مطلوب العامل مما يلزم ذكره ولا يجوز حذفه كالفاعل وذلك كقولك يحسن ويسيء ابناك فكل واحد من يحسن ويسيء يطلب ابناك بالفاعلية فإن أعملت الثاني وجب أن تضمر في الأول فاعله فتقول يحسنان ويسيء ابناك وكذلك إن أعملت الأول وجب الإضمار في الثاني فتقول يحسن ويسيئان ابناك ومثله بغى واعتديا عبداك وإن أعملت الثاني في هذا المثال قلت بغيا واعتدى عبداك ولا يجوز ترك الإضمار فلا تقول يحسن ويسيء إبناك ولا بغى واعتدى عبداك لأن تركه (2) يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل

= مفعول به لاعمل " في ضمير " جار ومجرور متعلق بأعمل، وضمير مضاف، و" ما " اسم موصول: مضاف إليه " تنازعاه " فعل ماض وفاعل ومفعول، والجملة لا محل لها صلة الموصول " والتزم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت " ما " اسم موصول مفعول به لالتزم " التزما " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لامحل لها صلة.

(1)

" كيحسنان " الكاف جارة لقول محذوف، يحسنان: فعل وفاعل " ويسئ " فعل مضارع " ابناكا " ابنا: فاعل يسئ مرفوع بالالف لانه مثنى، وابنا مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " وقد " حرف تحقيق " بغى " فعل ماض " واعتديا " فعل وفاعل " عبداكا " فاعل بغى، ومضاف إليه.

(2)

يريد أن ترك الاضمار يؤدي إلى حذف الفاعل، وهذا كلام قاصر، ولابد من تقدير ليصح، فإ ترك الاضمار لا يؤدي إلى حذف الفاعل فقط، لجواز أن يظهر مع كل عامل معموله، والكلام التام أن يقال: إن ترك الاضمار يلزم منه أحد أمرين، الاول التكرار إذا أظهرت مع كل عامل معموله، والثاني حذف الفاعل، وكلاهما محظور.

ص: 161

ملتزم الذكر وأجاز الكسائي ذلك على الحذف بناء على مذهبه في جواز حذف الفاعل وأجازه الفراء على توجه العاملين معا إلى الاسم الظاهر وهذا بناء منهما على منع الإضمار في الأول عند إعمال الثاني فلا تقول يحسنان ويسيء ابناك وهذا الذي ذكرناه عنهما هو المشهور من مذهبهما في هذه المسألة.

ولا تجي مع أول قد أهملا

بمضمر لغير رفع أوهلا (1)

بل حذفه الزم إن يكن غير خبر

وأخرنه إن يكن هو الخبر (2)

(1)" ولا " ناهية " تجئ " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مع " ظرف متعلق بتجئ، ومع مضاف و" أول " مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " أهملا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أول، والجملة في محل جر صفة لاول " بمضمر " جار ومجرور متعلق بتجئ " لغير " جار ومجرور متعلق بأوهل الآتي، وغير مضاف، و" رفع " مضاف إليه " أو هلا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر، والجملة في محل جر صفة لمضمر.

(2)

" بل " حرف عطف، ومعناه - هنا - الانتقال " حذفه " حذف: مفعول مقدم لالزم، وحذف مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " الزم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " يكن " فعل مضارع ناقص، فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر " غير " خبر يكن.

وغير مضاف و" خبر " مضاف إليه " وأخرنه " الواو عاطفة، أخر: فعل

أمر مؤكد بالنون الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ونون التوكيد حرف لامحل له من الاعراب، والهاء مفعول به لاخر " إن " شرطية " يكن " فعل =

ص: 162

تقدم أنه إذا أعمل أحد العاملين في الظاهر وأهمل الآخر عنه أعمل في ضميره ويلزم الإضمار إن كان مطلوب الفعل مما يلزم ذكره كالفاعل أو نائبه ولا فرق في وجوب الإضمار حينئذ بين أن يكون المهمل الأول أو الثاني فتقول يحسنان ويسيء ابناك ويحسن ويسيئان ابناك.

وذكر هنا أنه إذا كان مطلوب الفعل المهمل غير مرفوع فلا يخلو إما أن يكون عمدة في الأصل وهو مفعول ظن وأخواتها لأنه مبتدأ في الأصل أو خبر وهو المراد بقوله إن يكن هو الخبر أولا فإن لم يكن كذلك فإما أن يكون الطالب له هو الأول أو الثاني فإن كان الأول لم يجز الإضمار فتقول ضربت وضربني زيد ومررت ومر بي زيد ولا تضمر فلا تقول ضربته وضربني زيد ولا مررت به ومر بي زيد وقد جاء في الشعر كقوله:

160 -

إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

جهارا فكن في الغيب أحفظ للعهد

وألغ أحاديث الوشاة فقلما

يحاول واش غير هجران ذي ود

= مضارع ناقص فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر " هو " ضمير فصل لا محل له من الاعراب " الخبر " خبر يكن، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إن يكن مضمر غير الرفع هو الخبر فأخرنه.

160 -

البيتان من الشواهد التي لم نقف لاحد على نسبتها لقائل معين.

اللغة: " جهارا " بزنة كتاب - أي عيانا ومشاهدة، وتقول: رأيته جهرا وجهارا وكلمت فلانا جهرا وجهارا.

وجهر فلان بالقول جهرا، كل ذلك في معنى العلن، قال الله تعالى:(وأسروا قولكم أو اجهروا به) وقال الاخفش في قوله تعالى: (حتى نرى الله جهرة) أي عيانا يكشف عنا ما بيننا وبينه " الغيب " أصله ما استتر عنك ولم =

ص: 163

_________

= تره، ويريد به ههنا ما لم يكن الصاحب حاضرا " أحفظ للعهد " يروى في مكانه " أحفظ للود " والود بضم الواو في المشهور، وقد تكسر الواو، أو تفتح - المحبة " ألغ " يريد لا تجعل لكلام الوشاة سبيلا إلى قلبك " الوشاة " جمع واش، وهو الذي ينقل إليك الكلام عن خلانك وأحبائك بقصد إفساد ما بينكم من أواصر المحبة " يحاول " هو مضارع من المحاولة، وأصلها إرادة الشئ بحيلة.

المعنى: إذا كانت بينك وبين أحد صداقة، وكان كل واحد منكما يعمل في العلن على إرضاء صاحبه، فتمسك بأواصر هذه المحبة في حال غيبة صديقك عنك، ولا تقبل في شأنه أقوال الوشاة، فإنهم إنما يريدون إفساد هذه الصداقة وتعكير صفوها.

الاعراب: " إذا " ظرف زمان تضمن معنى الشرط، مبني على السكون في محل نصب " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء ضمير المخاطب اسمه، وجملة " ترضيه " من الفعل مع فاعله المستتر ومفعوله في محل نصب خبر كان، والجملة من كان ومعموليها في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي جملة الشرط " ويرضيك " فعل ومفعول به " صاحب " فاعل يرضيك، وجملة يرضيك وفاعله ومفعوله في محل نصب معطوفة على جملة ترضيه التي قبلها " جهارا " منصوب على الظرفية تنازعه كل من الفعلين السابقين " فكن " الفاء لربط الجواب بالشرط، كن: فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في الغيب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال " أحفظ " خبر كن " للعهد " جار ومجرور متعلق بأحفظ.

الشاهد فيه: قوله " ترضيه ويرضيك صاحب " فقد تقدم في هذه العبارة عاملان - وهما " ترضي " و" يرضي " - وتأخر عنهما معمول واحد - وهو قوله " صاحب " - وقد تنازع كل من " ترضي " و" يرضي " ذلك الاسم الذي بعدهما وهو " صاحب " والاول يطلبه مفعولا به، والثاني يطلبه فاعلا، وقد أعمل الشاعر فيه الثاني وأعمل الاول في ضميره الذي هو الهاء، والجمهور يرون أنه كان يجب على الشاعر ألا يعمل الاول في الضمير، لان هذا الضمير فضلة يستغنى الكلام عنه، وذكر الضمير مع العامل الاول يترتب عليه الاضمار قبل الذكر، والاضمار قبل الذكر لا يجوز، وقد ارتكبه الشاعر، من غير ضرورة ملجئة إلى ارتكاب هذا المحظور، فإنهم إنما أجازوا في =

ص: 164

وإن كان الطالب له هو الثاني وجب الإضمار فتقول ضربني وضربته زيد ومر بي ومررت به زيد ولا يجوز الحذف فلا تقول ضربني وضربت زيد ولا مر بي ومررت زيد وقد جاء في الشعر كقوله:

161 -

بعكاظ يعشي الناظر يـ

ن إذا هم لمحوا شعاعه

والأصل لمحوه فحذف الضمير ضرورة وهو شاذ كما شذ عمل المهمل الأول في المفعول المضمر الذي ليس بعمدة في الأصل.

= هذا الباب - الاضمار قبل الذكر، إذا كان الضمير فاعلا، مثلا، لانه لا يستغنى الكلام عنه، ولا يجوز حذفه، والضرورة يجب أن تتقدر بقدرها، ومنهم من منع الاضمار قبل الذكر مطلقا.

161 -

البيت لعاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، من كلمة رواها أبو تمام حبيب بن أوس في ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزي: 2 / 256 بتحقيقنا) وقبل هذا البيت قولها: سائل بنا في قومنا وليكف من شر سماعه

قيسا، وما جمعوا لنا في مجمع باق شناعه فيه السنور والقنا والكبش ملتمع قناعه اللغة:" عكاظ " بزنة غراب - موضع كانت فيه سوق مشهورة، يجتمع فيها العرب للتجارة، والمفاخرة " يعشي " مضارع من الاعشاء، وأصله العشا، وهو ضعف البصر ليلا " لمحوا " ماض من اللمح، وهو سرعة إبصار الشئ " شعاعه " بضم الشين - ما تراه من الضوء مقبلا عليك كأنه الحبال، والضمير الذي أضيف الشعاع إليه يجوز أن يكون عائدا على عكاظ، لانه موضع الشعاع، ويجوز أن يكون عائدا على القناع الذي ذكرته في البيت السابق على هذا البيت.

المعنى: تريد أن أشعة سلاح قومها مما تضعف أبصار الناظر إليها، تكنى بذلك عن كثرة السلاح وقوة بريقه ولمعانه.

الاعراب: " بعكاظ " جار ومجرور متعلق بقولها " جمعوا " في البيت السابق =

ص: 165

هذا كله إذا كان غير المرفوع ليس بعمدة في الأصل فإن كان عمدة في الأصل فلا يخلو إما أن يكون الطالب له هو الأول أو الثاني فإن كان الطالب له هو الأول وجب إضماره مؤخرا فتقول ظنني وظننت زيدا قائما إياه وإن كان الطالب له هو الثاني أضمرته متصلا كان أو منفصلا فتقول ظننت وظننيه زيدا قائما وظننت وظنني إياه زيدا قائما.

ومعنى البيتين أنك إذا أهملت الأول لم تأت معه بضمير غير مرفوع وهو المنصوب والمجرور فلا تقول ضربته وضربني زيد ولا مررت به ومر بي زيد بل يلزم الحذف فتقول ضربت وضربني زيد ومررت ومر بي زيد إلا إذا كان المفعول خبرا في الأصل فإنه لا يجوز حذفه بل يجب الإتيان به مؤخرا فتقول ظنني وظننت زيدا قائما إياه.

= " يعشي " فعل مضارع " الناظرين " مفعول به ليعشي " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " هم " تأكيد لضمير متصل بفعل محذوف، والتقدير: إذا لمحواهم " لمحوا " فعل ماض وفاعله، والجملة لا محل لها من الاعراب مفسرة " شعاعه " شعاع: فاعل يعشي مرفوع بالضمة الظاهرة، وشعاع مضاف وضمير الغائب مضاف إليه.

الشاهد فيه: قوله " يعشي.

لمحوا شعاعه " حيث تنازع كل من الفعلين " شعاعه " فالفعل الاول وهو " يعشي " يطلبه فاعلا له، والفعل الثاني وهو " لمحوا " يطلبه مفعولا، وقد أعمل فيه الاول، بدليل أنه مرفوع، وأعمل الثاني في ضميره، ثم حذف ذلك الضمير ضرورة، وأصل الكلام قبل تقديم العاملين " يعشي الناظرين شعاعه إذا لمحوه " ثم صار بعد تقديمهما " يعشي الناظرين إذا لمحوه شعاعه " ثم حذفت الهاء من " لمحوه " فصار كما ترى في البيت.

ومذهب الجمهور أن ذلك الحذف لا يجوز لغير الضرورة وذلك من قبل أن ذكره لا يترتب عليه محظور الاضمار قبل الذكر، وفي حذفه فساد، وهو تهيئة العامل للعمل ثم قطعه عنه من غير علة ولا سبب موجب له.

وذهب قوم إلى أن حذف الضمير في مثل هذه الحال جائز في سعة الكلام، وذلك لان هذا الضمير فضلة لا يجب ذكرها.

ص: 166

ومفهومه أن الثاني يؤتى معه بالضمير مطلقا مرفوعا كان أو مجرورا أو منصوبا عمدة في الأصل أو غير عمدة.

وأظهر أن يكن ضمير خبرا

لغير ما يطابق المفسرا (1)

نحو أظن ويظناني أخا

زيدا وعمرا أخوين في الرخا (2)

أي يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهرا إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسره لكونه خبرا في الأصل عما لا يطابق المفسر كما إذا كان في الأصل خبرا عن مفرد ومفسره مثنى نحو أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين ف زيدا مفعول أول لأظن وعمرا معطوف عليه وأخوين مفعول ثان لأظن والياء مفعول أول ليظنان فيحتاج إلى مفعول ثان فلو أتيت به ضميرا

فقلت أظن ويظناني إياه زيدا أخوين

(1)" أظهر " فعل أمر مبني على السكون، وكسر للتخلص من التقاء الساكنين وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " يكن " فعل مضارع ناقص فعل الشرط " ضمير " اسم يكن " خبرا " خبر يكن " لغير " جار ومجرور متعلق بخبر، وغير مضاف و" ما " اسم موصول مضاف إليه " يطابق " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة " المفسرا " مفعول به ليطابق، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: إن يكن ضمير خبرا لغير ما يطابق المفسر فأظهره: أي جئ به اسما ظاهرا.

(2)

" نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك نحو " أظن " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " ويظناني " فعل وفاعل ومفعول أول " أخا " مفعول ثان ليظناني " زيدا " مفعول أول لاظن " وعمرا " معطوف عليه " أخوين " مفعول ثان لاظن " في الرخا " تنازع فيه كل من " أظن " و" يظناني ".

ص: 167

لكان إياه مطابقا للياء في أنهما مفردان ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو أخوين لأنه مفرد وأخوين مثنى فتفوت مطابقة المفسر للمفسر وذلك لا يجوز وإن قلت أظن ويظناني إياهما زيدا وعمرا أخوين حصلت مطابقة المفسر للمفسر وذلك لكون إياهما مثنى وأخوين كذلك ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني الذي هو خبر في الأصل للمفعول الأول الذي هو مبتدأ في الأصل لكون المفعول الأول مفردا وهو الياء والمفعول الثاني غير مفرد وهو إياهما ولا بد من مطابقة الخبر للمبتدأ فلما تعذرت المطابقة مع الإضمار وجب الإظهار فتقول أظن ويظناني أخا زيدا وعمرا أخوين ف زيدا وعمرا أخوين مفعولا أظن والياء مفعول يظنان الأول وأخا مفعوله الثاني ولا تكون المسألة حينئذ من باب (1) التنازع لأن كلا من العاملين عمل في ظاهر وهذا مذهب البصريين.

وأجاز الكوفيون الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه فتقول أظن ويظناني إياه زيدا وعمرا أخوين وأجازوا أيضا الحذف فتقول أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين.

(1) القول بأن هذه المسألة حينئذ ليست من باب التنازع هو الذي ذكره ابن هشام ووجه ذلك بأن العاملين بالنسبة للمفعول الثاني لم يعمل أحدهما في لفظه والآخر في ضميره بل لم تتوجه مطالبة كل واحد منهما إليه، وهو شرط باب التنازع، وذلك لان " أخوين " معمول لاظن، ولم يتوجه إليه يظناني، لعدم مطابقته لمفعوله الاول، فإنه لا يطلب مفعولا ثانيا إلا بشرط مطابقته لمفعوله الاول.

ونازع في هذا قوم من المتأخرين منهم ابن القاسم وقالوا: إن اشتراط صحة توجه كل من العاملين إلى المعمول إنما هو بالنظر إلى المعنى لا بالنظر إلى الافراد والتثنية، ولا بالنظر إلى نوع العمل، أفلا ترى أنك لو قلت " ضربني وضربت زيدا " لم يكن ليصح أن يتوجه الاول إلى " زيدا " المنصوب، ولو قلت " ضربني وضربته زيد " لم يكن يصح توجه الثاني إليه وهو مرفوع؟

ص: 168