الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفاعل
الفاعل الذي كمرفوعي "أتى
…
زيد" "منيرا وجهه" "نعم الفتى (1) "
لما فرغ من الكلام على نواسخ الابتداء شرع في ذكر ما يطلبه الفعل التام من المرفوع وهو الفاعل أو نائبه وسيأتي الكلام على نائبه في الباب الذي يلي هذا الباب.
فأما الفاعل فهو: الاسم المسند إليه فعل على طريقة فعل أو شبهه وحكمه الرفع (2) والمراد بالاسم ما يشمل الصريح نحو قام زيد والمؤول
(1)" الفاعل " مبتدأ " الذي " اسم موصول: خبر المبتدأ " كمرفوعي " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " أتى زيد " فعل وفاعل، ومرفوعي مضاف،
وجملة الفعل والفاعل بمتعلقاتها في محل جر مضاف إليه " منيرا " حال، وهو اسم فاعل " وجهه " وجه: فاعل بمنير، ووجه مضاف والضمير مضاف إليه " نعم الفتى " فعل وفاعل.
(2)
وقد ينصب الفاعل ويرفع المفعول إذا أمن اللبس، وقد ورد عن العرب قولهم خرق الثوب المسمار، وقولهم: كسر الزجاج الحجر.
وقال الاخطل: مثل القنافذ هداجون قد بلغت نجران أو بلغت سوآتهم هجر وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: ألم تسأل الاطلال والمتربعا ببطن حليات دوارس أربعا إلى الشرى من وادي المغمس بدلت معالمه وبلا ونكباء زعزعا وربما نصبوا الفاعل والمفعول جميعا، كما قال الراجز: قد سالم الحيات منه القدما الافعوان والشجاع الشجعما وربما رفعوهما جميعا، كما قال الشاعر: إن من صاد عقعقا لمشوم كيف من صاد عقعقان وبوم =
به نحو يعجبني أن تقوم أي قيامك.
فخرج ب المسند إليه فعل ما أسند إليه غيره نحو زيد أخوك أو جملة نحو زيد قام أبوه أو زيد قام أو ما هو في قوة الجملة نحو زيد قائم غلامه أو زيد قائم أي هو.
وخرج بقولنا على طريقة فعل ما أسند إليه فعل على طريقة فعل وهو النائب عن الفاعل نحو: ضرب زيد.
= وسيشير الشارح في مطلع باب المفعول به إلى هذه المسألة.
ونتعرض هناك للكلام عليها مرة أخرى، إن شاء الله تعالى.
والمبيح لذلك كله اعتمادهم على انفهام المعنى، وهم لا يجعلون ذلك قياسا، ولا يطردونه في كلامهم.
وقد يجر لفظ الفاعل بإضافة المصدر، نحو قوله تعالى:(ولولا دفع الله الناس) أو بإضافة اسم المصدر، نحو قوله عليه الصلاة والسلام:" من قبلة الرجل امرأته الوضوء ".
وقد يجر الفاعل بالباء الزائدة.
وذلك واجب في أفعل الذي على صورة فعل الامر في باب التعجب، نحو قوله تعالى:(أسمع بهم وأبصر) ونحو قول الشاعر: أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للابواب أن يلجا وهو كثير غالب في فاعل " كفى " نحو قوله تعالى: (كفى بالله شهيدا) ومن القليل في فاعل كفى تجرده من الباء، كما في قول سحيم الرياحي: عميرة ودع إن تجهزت غازيا كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا فقد جاء بفاعل " كفى " وهو قوله " الشيب " غير مجرور بالباء.
ويشذ جر الفاعل بالباء فيما عدا أفعل في التعجب وفاعل كفى، وذلك نحو قول الشاعر: ألم ياتيك والانباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد فالباء في " بما " زائدة، وما: موصول اسمي فاعل يأتي، في بعض تخريجات هذا البيت.
وقد يجر الفاعل بمن الزائدة إذا كان نكرة بعد نفي أو شبهه، نحو قوله تعالى:(ما جاءنا من بشير) والفاعل حينئذ مرفوع بضمة مقدرة على الراجح، فاحفظ ذلك كله.
والمراد بشبه الفعل المذكور اسم الفاعل نحو أقائم الزيدان والصفة المشبهة نحو زيد حسن وجهه والمصدر نحو عجبت من ضرب زيد عمرا واسم الفعل نحو هيهات العقيق والظرف والجار والمجرور نحو زيد عندك أبوه أو في الدار غلاماه وأفعل التفضيل نحو مررت بالأفضل أبوه فأبوه مرفوع بالأفضل وإلى ما ذكر أشار المصنف بقوله كمرفوعي أتى إلخ.
والمراد بالمرفوعين ما كان مرفوعا بالفعل أو بما يشبه الفعل كما تقدم ذكره ومثل للمرفوع بالفعل بمثالين أحدهما ما رفع بفعل متصرف نحو أتى زيد والثاني ما رفع بفعل غير متصرف نحو نعم الفتى ومثل للمرفوع بشبه الفعل بقوله منيرا وجهه.
وبعد فعل فاعل فإن ظهر
…
فهو وإلا فضمير استتر
(1)" وبعد " ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وبعد مضاف، و" فعل " مضاف إليه " فاعل " مبتدأ مؤخر " فإن " شرطية " ظهر " فعل ماض، فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فاعل " فهو " الفاء لربط الجواب بالشرط، هو: مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير " فإن ظهر فهو المطلوب " مثلا، والجملة في محل جزم جواب الشرط " وإلا " الواو عاطفة، وإن: شرطية، ولا: نافية، وفعل الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: وإلا يظهر " فضمير " الفاء لربط الجواب بالشرط، ضمير: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: فهو ضمير، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، وجملة " استتر " مع فاعله المستتر فيه في محل رفع صفة لضمير.
وهذا البيت يشير إلى حكمين من أحكام الفاعل، أولهما أن الفاعل يجب أن يكون بعد الفعل، فلا يجوز عنده تقديم الفاعل، وهذا هو الذي ذكره الشارح =
حكم الفاعل التأخر عن رافعه وهو الفعل أو شبهه نحو قام الزيدان وزيد قائم غلاماه وقام زيد ولا يجوز تقديمه على رافعه فلا تقول الزيدان قام ولا زيد غلاماه قائم ولا زيد قام على أن يكون زيد فاعلا مقدما بل على أن يكون مبتدأ والفعل بعده رافع لضمير مستتر والتقدير زيد قام هو وهذا مذهب البصريين وأما الكوفيون فأجازوا التقديم في ذلك كله. (1)
= بقوله: " حكم الفاعل التأخر عن رافعه - إلخ " وثاني الحكمين أنه لا يجوز حذف الفاعل، بل إما أن يكون ملفوظا به، وإما أن يكون ضميرا مستترا، وهذا هو الذي ذكره الشارح بقوله:" وأشار بقوله فإن ظهر - إلخ، إلى أن الفعل وشبهه لابد له من مرفوع " وليس هذا الحكم مطردا، بل له استثناء سنذكره فيما بعد (اقرأ الهامشة 1 ص 466) .
(1)
استدل الكوفيون على جواز تقديم الفاعل على رافعه، بوروده عن العرب في نحو قول الزباء: ما للجمال مشيها وئيدا أجندلا يحملن أم حديدا في رواية من روى " مشيها " مرفوعا، قالوا: ما: اسم استفهام مبتدأ، وللجمال: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، مشى: فاعل تقدم على عامله وهو وئيدا الآتي ومشى مضاف والضمير العائد إلى الجمال مضاف إليه، ووئيدا: حال من الجمال منصوب بالفتحة الظاهرة، وتقدير الكلام: أي شئ ثابت للجمال حال كونها وئيدا مشيها.
واستدل البصريون على أنه لا يجوز تقديم الفاعل على فعله بوجهين، أحدهما: أن الفعل وفاعله كجزأين لكلمة واحدة متقدم أحدهما على الآخر وضعا، فكما لا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها لا يجوز تقديم الفاعل على فعله، وثانيهما: أن تقديم الفاعل يوقع في اللبس بينه وبين المبتدأ، وذلك أنك إذا قلت " زيد قام " وكان تقديم الفاعل جائزا لم يدر السامع أأردت الابتداء بزيد والاخبار عنه بجملة قام وفاعله المستتر، أم أردت إسناد قام المذكور إلى زيد على أنه فاعل، وقام حينئذ خال من الضمير؟ ولا = (30 - شرح ابن عقيل 1)
وتظهر فائدة الخلاف في غير الصورة الأخيرة وهي صورة الإفراد نحو زيد قام فتقول على مذهب الكوفيين الزيدان قام والزيدون قام وعلى مذهب البصريين يجب أن تقول الزيدان قاما والزيدون قاموا فتأتي بألف وواو في الفعل ويكونان هما الفاعلين وهذا معنى قوله وبعد فعل فاعل وأشار بقوله فإن ظهر إلخ إلى أن الفعل وشبهه لا بد له من مرفوع (1) فإن ظهر فلا إضمار نحو قام زيد وإن لم يظهر فهو ضمير نحو زيد قام أي هو.
= شك أن بين الحالتين فرقا، فإن جملة الفعل وفاعله تدل على حدوث القيام بعد أن لم يكن، وجملة المبتدأ وخبره الفعلي تدل على الثبوت وعلى تأكيد إسناد القيام لزيد، ولا يجوز إغفال هذا الفرق بادعاء أنه مما لا يتعلق به المقصود من إفادة إسناد القيام لزيد على جهة وقوعه منه، وأنه مما يتعلق به غرض أهل البلاغة الذين يبحثون عن معان للتراكيب غير المعاني الاولية التي تدل عليها الالفاظ مع قطع النظر عن التقديم والتأخير ونحوهما.
وأجابوا عما استدل به الكوفيون بأن البيت يحتمل غير ما ذكروا من وجوه الاعراب، إذا يجوز أن يكون " مشى " مبتدأ، والضمير مضاف إليه، و" وئيدا " حال من فاعل فعل محذوف، والتقدير: مشيها يظهر وئيدا، وجملة الفعل المحذوف وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، ومتى كان البيت محتملا لم يصلح دليلا.
(1)
بعض الافعال لا يحتاج إلى فاعل، فكان على الشارح أن يستثنيه من هذا العموم، ونحن نذكر لك ثلاثة مواضع من هذه القبيل:(الاول) الفعل المؤكد في نحو قول الشاعر:
أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس =
وجرد الفعل إذا ما أسندا
…
لاثنين أو جمع كفاز الشهدا (1)
وقد يقال سعدا وسعدوا
…
والفعل للظاهر بعد مسند (2)
مذهب جمهور العرب أنه إذا أسند الفعل إلى ظاهر مثنى أو مجموع وجب تجريده من علامة تدل على التثنية أو الجمع فيكون كحاله إذا أسند إلى مفرد فتقول قام الزيدان وقام الزيدون وقامت الهندات كما تقول قام زيد ولا تقول على مذهب هؤلاء: قاما الزيدان
(الثاني)" كان " الزائدة في نحو قول الشاعر، وقد أنشدناه مع نظائره في باب كان وأخواتها عند الكلام على مواضع زيادتها.
لله در أنو شروان من رجل ما كان أعرفه بالدون والسفل بناء على الراجح عند المحققين من أن كان الزائدة لا فاعل لها.
(الثالث) الفعل المكفوف بما، نحو قلما، وطالما، وكثر ما، بناء على ما ذهب إليه سيبويه.
ومن العلماء من يزعم أن " ما " في نحو " طالما نهيتك " مصدرية سابكة لما بعدها بمصدر هو فاعل طال، والتقدير: طال نهيي إياك.
(1)
" وجرد " الواو عاطفة، جرد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " الفعل " مفعول به لجرد " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " أسندا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، والجملة من أسند ونائب فاعله في محل جر بإضافة " إذا " إليها " لاثنين " جار ومجرور متعلق بأسند " أو جمع " معطوف على اثنين " كفاز الشهدا " الكاف جارة لقول محذوف، وجملة الفعل والفاعل في محل نصب بذلك
المجرور المحذوف، وأصل الكلام: وذلك كائن كقولك فاز الشهداء.
(2)
" وقد " حرف تقليل " يقال " فعل مضارع مبني للمجهول " سعدا وسعدوا " قصد لفظهما: نائب عن الفاعل ومعطوف عليه " والفعل " الواو للحال، والفعل: مبتدأ " للظاهر، بعد " متعلقان بمسند الآتي " مسند " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
ولا قاموا
الزيدون ولا قمن الهندات فتأتي بعلامة في الفعل الرافع للظاهر على أن يكون ما بعد الفعل مرفوعا به وما اتصل بالفعل من الألف والواو والنون حروف تدل على تثنية الفاعل أو جمعه بل على أن يكون الاسم الظاهر مبتدأ مؤخرا والفعل المتقدم وما اتصل به اسما في موضع رفع به والجملة في موضع رفع خبرا عن الاسم المتأخر.
ويحتمل وجها آخر وهو أن يكون ما اتصل بالفعل مرفوعا به كما تقدم وما بعده بدل مما اتصل بالفعل من الأسماء المضمرة أعني الألف والواو والنون.
ومذهب طائفة من العرب وهم بنو الحارث بن كعب كما نقل الصفار في شرح الكتاب أن الفعل إذا أسند إلى ظاهر مثنى أو مجموع أتى فيه بعلامة تدل على التثنية أو الجمع (1) فتقول قاما الزيدان وقاموا الزيدون وقمن الهندات فتكون الألف والواو والنون حروفا تدل على التثنية والجمع كما كانت التاء في قامت هند حرفا تدل على التأنيث عند جميع العرب (2) والاسم الذي بعد المذكور مرفوع به كما ارتفعت هند بـ"قامت" ومن ذلك قوله:
(1) وليس الاتيان بعلامة التثنية إذا كان الفاعل مثنى أو بعلامة الجمع إذا كان الفاعل
مجموعا واجبا عند هؤلاء، بل إنهم ربما جاءوا بالعلامة، وربما تركوها.
(2)
الفرق بين علامة التأنيث وعلامة التثنية والجمع من ثلاثة أوجه: الاول: أن إلحاق علامة التثنية والجمع لغة لجماعة من العرب بأعيانهم - يقال: هم طيئ، ويقال: هم أزدشنوءة - وأما إلحاق تاء التأنيث فلغة جميع العرب.
الثاني: أن إلحاق علامة التثنية والجمع عند من يلحقها جائز في جميع الاحوال، ولا يكون واجبا أصلا، فأما إلحاق علامة التأنيث فيكون واجبا إذا كان الفاعل =
142 -
تولى قتال المارقين بنفسه
…
وقد أسلماه مبعد وحميم
= ضميرا متصلا لمؤنث مطلقا، وإذا كان الفاعل اسما ظاهرا حقيقي التأنيث، على ما سيأتي بيانه وتفصيله في هذا الباب.
الثالث: أن احتياج الفعل إلى علامة التأنيث أقوى من احتياجه إلى علامة التثنية والجمع، لان الفاعل قد يكون مؤنثا بدون علامة ويكون الاسم مع هذا مشتركا بين المذكر والمؤنث كزيد وهند، فقد سمى بكل من زيد وهند مذكر وسمى بكل منهما مؤنث، فإذا ذكر الفعل بدون علامة التأنيث لم يعلم أمؤنث فاعله أم مذكر، فأما المثنى والجمع فإنه لا يمكن فيهما احتمال المفرد.
142 -
البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات، يرثي مصعب بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، وكان عبيد الله بن قيس هذا من شيعة الزبيريين، وكان مصعب قد خرج على الخلافة الاموية مع أخيه عبد الله بن الزبير، وعبيد الله بن قيس الرقيات هو الذي يقول: كيف نومي على الفراش ولما تشمل الشام غارة شعواء؟ تذهل الشيخ عن بنيه، وتبدي عن براها العقيلة العذراء ولما قتل مصعب بن الزبير قال كلمة يرثيه بها، منها بيت الشاهد، وأول رثائها قوله:
لقد أورث المصرين حزنا وذلة قتيل بدير الجاثليق مقيم اللغة: " المارقين " الخارجين عن الدين كما يخرج السهم من الرمية " مبعد " أراد به الاجنبي " وحميم " الصديق الذي يهتم لامر صديقه " أسلماه " خذلاه، ولم يعيناه.
الاعراب: " تولى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على مصعب " قتال " مفعول به لتولى، وقتال مضاف، و" المارقين " مضاف إليه " بنفسه " جار ومجرور متعلق بتولى، أو الباء زائدة، ونفس: تأكيد للضمير المستتر في تولى، ونفس مضاف وضمير الغائب العائد إلى مصعب مضاف إليه " وقد " الواو للحال، قد: حرف تحقيق " أسلماه " أسلم: فعل ماض، والالف حرف دال على التثنية، والهاء ضمير الغائب العائد إلى مصعب مفعول به لاسلم " مبعد " فاعل أسلم " وحميم " الواو حرف عطف، حميم: معطوف على مبعد.
=
وقوله:
143 -
يلومونني في اشتراء النخي
…
ل أهلي؛ فكلهم يعذل
= الشاهد فيه: قوله " وقد أسلماه مبعد وحميم " حيث وصل بالفعل ألف التثنية مع أن الفاعل اسم ظاهر.
وكان القياس على الفصحى أن يقول " وقد أسلمه مبعد وحميم ".
وسيأتي لهذا الشاهد نظائر في شرح الشاهدين الآتيين رقم 143 و144.
143 -
هذا البيت من الشواهد التي لم يعينوا قائلها، وبعده قوله: وأهل الذي باع يلحونه كما لحي البائع الاول اللغة: " يلومونني " تقول: لام فلان فلانا على كذا يلومه لوما - بوزان قال يقول قولا - ولومة، وملامة، وإذا أردت المبالغة قلت: لومه - بتشديد الواو " يعذل " العذل - بفتح فسكون - هو اللوم، وفعله من باب ضرب " يلحونه " تقول: لحا
فلان فلانا يلحوه - مثل دعاه يدعوه - ولحاه يلحاه - مثل نهاه ينهاه - إذا لامه وعذله.
الاعراب: " يلومونني " فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو حرف دال على الجماعة، والنون للوقاية، والياء مفعول به ليلوم " في اشتراء " جار ومجرور متعلق بيلوم، واشتراء مضاف، و" النخيل " مضاف إليه " أهلي " أهل: فاعل يلوم، وأهل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " فكلهم " كل: مبتدأ، وكل مضاف، وهم: مضاف إليه " يعذل " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كل الواقع مبتدأ، والجملة من يعذل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد فيه: قوله " يلومونني.
أهلي " حيث وصل واو الجماعة بالفعل، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعد الفعل، وهذه لغة طيئ، وقيل: لغة أزدشنوءة.
وبذكر النحاة مع هذا الشاهد والذي قبله قول الشاعر (وهو أبو فراس الحمداني) : نتج الربيع محاسنا ألقحنها غر السحائب ومثله قول " تميم " وهو من شعراء اليتيمة: إلى أن رأيت النجم وهو مغرب وأقبلن رايات الصباح من الشرق فقد وصل كل منهما نون النسوة بالفعل، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعده، =
وقوله:
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي
…
فأعرضن عني بالخدود النواضر
= وهو قوله " غر السحائب " في الاول، و" رايات الصباح " في الثاني، وكذلك قول عمرو بن ملقط: ألفيتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا واقيه
فقد وصل ألف الاثنين بالفعل في قوله " ألفيتا " مع كونه مسندا إلى المثنى الذي هو قوله " عيناك " وكذلك قول عروة بن الورد: وأحقرهم وأهونهم عليه وإن كانا له نسب وخير فقد ألحق ألف الاثنين بالفعل في قوله " كانا " مع كونه مسندا إلى اثنين قد عطف أحدهما على الآخر، وذلك قوله " نسب وخير " ومثله قول الاخر: نسيا حاتم وأوس لدن فاضت عطاياك يا ابن عبد العزيز ومحل الاستشهاد في قوله " نسيا حاتم وأوس " وهذا مع ما أنشدناه من بيت عمرو بن ملقط يدل على أن شأن نائب الفاعل في هذه المسألة كشأن الفاعل، وسيأتي لهذه المسألة شواهد أخرى في شرح الشاهد 144 الآتي.
144 -
البيت لابي عبد الرحمن محمد بن عبد الله العتبي، من ولد عتبة بن أبي سفيان.
اللغة: " الغواني " جمع غانية، وهي هنا التي استغنت بجمالها عن الزينة " لاح " ظهر " النواضر " الجميلة، مأخوذ من النضرة، وهي الحسن والرواء، والنواضر: جمع ناضر.
الاعراب: " رأين " رأى: فعل ماض، وهي هنا بصرية، والنون حرف دال على جماعة الاناث " الغواني " فاعل رأى " الشيب " مفعول به لرأى " لاح " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الشيب " بعارضي " الباء حرف جر، وعارض: مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بلاح، وعارض مضاف، =
فمبعد وحميم مرفوعان بقوله أسلماه والألف في أسلماه حرف يدل على كون الفاعل اثنين وكذلك أهلي مرفوع بقوله يلومونني والواو حرف يدل على الجمع والغواني مرفوع برأين والنون حرف يدل على جمع المؤنث وإلى هذه اللغة أشار المصنف بقوله وقد يقال سعدا وسعدوا إلى آخر البيت.
ومعناه أنه قد يؤتى في الفعل المسند إلى الظاهر بعلامة تدل على التثنية أو الجمع فأشعر قوله وقد يقال بأن ذلك قليل والأمر كذلك.
وإنما قال والفعل للظاهر بعد مسند لينبه على أن مثل هذا التركيب
= وياء المتكلم مضاف إليه " فأعرضن " فعل وفاعل " عني، بالخدود " جاران ومجروران متعلقان بأعرض " النواضر " صفة للخدود.
الشاهد فيه: قوله " رأين الغواني " فإن الشاعر قد وصل الفعل بنون النسوة في قوله " رأين " مع ذكر الفاعل الظاهر بعده، وهو قوله " الغواني " كما أوضحناه في الاعراب، ومثله قول الآخر: فأدركنه خالاته فخذلنه ألا إن عرق السوء لا بد مدرك ومن شواهد المسألة الشاهد رقم 99 الذي سبق في باب إن وأخواتها وقول الشاعر: نصروك قومي، فاعتززت بنصرهم ولو انهم خذلوك كنت ذليلا فقد ألحق علامة جمع الذكور - وهي الواو - بالفعل في قوله " نصروك " مع أن هذا الفعل مسند إلى فاعل ظاهر بعده، وهو قوله " قومي ".
وقد ورد في الحديث كثير على هذه اللغة، فمن ذلك ما جاء في حديث وائل بن حجر " ووقعتا ركبتاه قبل أن تقعا كفاه " وقوله " يخرجن العواتق وذوات الخدود " وقوله " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " وسنتكلم على هذا الحديث الاخير بعد هذا كلاما خاصا (انظر الهامشة 1 في ص 473) ، لان ابن مالك يسمي هذه اللغة " لغة يتعاقبون فيكم الملائكة ".
إنما
يكون قليلا إذا جعلت الفعل مسندا إلى الظاهر الذي بعده وأما إذا جعلته مسندا إلى المتصل به من الألف والواو والنون وجعلت الظاهر مبتدأ أو بدلا من الضمير فلا يكون ذلك قليلا وهذه اللغة القليلة هي التي يعبر عنها النحويون بلغة أكلوني البراغيث ويعبر عنها المصنف في كتبه بلغة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار (1) فالبراغيث فاعل أكلوني وملائكة فاعل يتعاقبون هكذا زعم المصنف.
ويرفع (2) الفاعل فعل أضمرا
…
كمثل زيد في جواب من قرا
(1) قد استشهد ابن مالك على هذه اللغة بهذا الحديث، وذلك على اعتبار أن الواو في " يتعاقبون " علامة جمع الذكور، و" ملائكة " وهو الفاعل مذكور بعد الفعل المتصل بالواو.
وقد تكلم على هذا الاستدلال قوم، من المؤلفين، وقالوا: إن هذه الجملة قطعة من حديث مطول، وقد روى هذه القطعة مالك رضي الله عنه في الموطأ، وأصله " إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار " فإذا نظرت إلى الحديث المطول كانت الواو في " يتعاقبون " ليست علامة على جمع الذكور، ولكنها ضمير جماعة الذكور، وهي فاعل، وجملة الفعل وفاعله صفة لملائكة الواقع اسم إن، و" ملائكة " المرفوع بعده ليس فاعلا، ولكنه من جملة مستأنفة القصد منها تفصيل ما أجمل أولا، فهو خبر مبتدأ محذوف، ولورود هذا الكلام على هذا الاستدلال تجد الشارح يقول في آخر تقريره: " هكذا زعم المصنف " يريد أن يبرأ من تبعته، ولقائل أن يقول: إن الاستدلال بالقطعة التي رواها مالك بن أنس في الموطأ، بدون التفات إلى الحديث المطول المروى في رواية أخرى.
(2)
" ويرفع " فعل مضارع " الفاعل " مفعول به ليرفع " فعل " فاعل يرفع " أضمرا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره
هو يعود إلى فعل، والجملة من أضمر ونائب فاعله في محل رفع صفة لفعل " كمثل " الكاف =
إذا دل دليل على الفعل جاز حذفه وإبقاء فاعله كما إذا قيل لك من قرأ فتقول زيد التقدير قرأ زيد.
وقد يحذف الفعل وجوبا كقوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك} فأحد فاعل بفعل محذوف وجوبا والتقدير وإن استجارك أحد استجارك وكذلك كل اسم مرفوع وقع بعد إن أو إذا فإنه مرفوع بفعل محذوف وجوبا ومثال ذلك في إذا قوله تعالى: {إذا السماء انشقت} فالسماء فاعل بفعل محذوف والتقدير إذا انشقت السماء انشقت وهذا مذهب جمهور النحويين (1) وسيأتي الكلام على هذه المسألة في باب الاشتغال إن شاء الله تعالى.
= زائدة، مثل: خبر لمبتدأ محذوف " زيد " فاعل بفعل محذوف، والتقدير: قرأ زيد " في جواب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من زيد " من " اسم استفهام مبتدأ " قرا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الاستفهامية الواقعة مبتدأ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
(1)
خلاصة القول في هذه المسألة أن فيها ثلاثة مذاهب: أولها: مذهب جمهور البصريين، وحاصله أن الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين فاعل بفعل محذوف وجوبا يفسره الفعل المذكور بعده، وهو الذي قرره الشارح.
والمذهب الثاني: مذهب جمهور النحاة الكوفيين، وحاصله أن هذا الاسم المرفوع بعد إن وإذا الشرطيتين فاعل بنفس الفعل المذكور بعده، وليس في الكلام محذوف يفسره.
المذهب الثالث: مذهب أبي الحسن الاخفش، وحاصله أن الاسم المرفوع بعد إن
وإذا الشرطيتين مبتدأ، وأن الفعل المذكور بعده مسند إلى ضمير عائد على ذلك الاسم، والجملة من ذلك الفعل وفاعله المضمر فيه في محل رفع خبر المبتدأ، فلا حذف ولا تقديم ولا تأخير.
=
وتاء تأنيث تلي الماضي إذا
…
كان لأنئي كأبت هند الأذى (1)
= فأما سبب هذا الاختلاف فيرجع إلى أمرين: الامر الاول: هل يجوز أن تقع الجملة الاسمية بعد أدوات الشرط، فالجمهور من الكوفيين والبصريين على أنه لا يجوز ذلك، ولو وقع في الكلام ما ظاهره ذلك فهو مؤول بتقدير الفعل متصلا بالاداة، غير أن البصريين قالوا: الفعل المقدر اتصاله بالاداة، فعل محذوف يرشد إليه الفعل المذكور، وأما الكوفيون فقالوا: الفعل المقدر اتصاله بالاداة هو نفس الفعل المذكور بعد الاسم.
وذهب أبو الحسن الاخفش إلى أنه يجوز في إن وإذا خاصة من دون سائر أدوات الشرط - أن تقع بعدهما الجمل الاسمية، وعلى هذا لسنا في حاجة إلى تقدير محذوف، ولا إلى جعل الكلام على التقديم والتأخير.
والامر الثاني: هل يجوز أن يتقدم الفاعل على فعله؟ فذهب الكوفيون إلى جواز ذلك، ولهذا جعلوا الاسم المرفوع بعد الاداتين فاعلا بذلك الفعل المتأخر، وذهب جمهور البصريين إلى أن الفاعل لا يجوز أن يتقدم على رافعه - فعلا كان هذا الرافع أو غير - فعل فلهذا اضطروا إلى تقدير فعل محذوف يفسره الفعل المذكور ليرتفع به ذلك الاسم.
وقد نسب جماعة من متأخري المؤلفين - كالعلامة الصبان - مذهب الاخفش إلى الكوفيين.
والصواب ما قدمنا ذكره.
وبعد، فانظر ما يأتي لنا تحقيقه في شرح الشاهد 157
(1)
" وتاء " مبتدأ، وتاء مضاف، و" تأنيث " مضاف إليه " تلي " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى تاء تأنيث، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " الماضي " مفعول به لتلي " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " كان " فعل ماض، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الماضي، وخبره محذوف " لانثى " جار ومجرور متعلق بخبر " كان " المحذوف، أي إذا كان مسندا لانثى " كأبت هند الاذى " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كاتن كقولك، وما بعد الكاف فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل نصب بذلك المقول المحذوف.
إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث لحقته تاء ساكنة تدل على كون الفاعل مؤنثا ولا فرق في ذلك بين الحقيقي والمجازي نحو قامت هند وطلعت الشمس لكن لها حالتان حالة لزوم وحالة جواز وسيأتي الكلام على ذلك.
وإنما تلزم فعل مضمر
…
متصل أو مفهم ذات حر (1)
تلزم تاء التأنيث الساكنة الفعل الماضي في موضعين:
أحدهما: أن يسند الفعل إلى ضمير مؤنث متصل ولا فرق في ذلك بين المؤنث الحقيقي والمجازي فتقول هند قامت والشمس طلعت ولا تقول قام ولا طلع فإن كان الضمير منفصلا لم يؤت بالتاء نحو هند ما قام إلا هي الثاني: أن يكون الفاعل ظاهرا حقيقي التأنيث نحو قامت هند وهو المراد بقوله أو مفهم ذات حر وأصل حر حرح فحذفت لام الكلمة.
وفهم من كلامه أن التاء لا تلزم في غير هذين الموضعين فلا تلزم
في المؤنث
(1)" وإنما " حرف دال على الحصر " تلزم " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على تاء التأنيث " فعل " مفعول به لتلزم، وفعل مضاف، و" مضمر " مضاف إليه " متصل " نعت لمضمر " أو مفهم " معطوف على مضمر، وفاعل مفهم ضمير مستتر فيه، لانه اسم فاعل " ذات " مفعول به لمفهم، وذات مضاف، و" حر " مضاف إليه.
المجازي الظاهر فتقول طلع الشمس وطلعت الشمس ولا في الجمع على ما سيأتي تفصيله.
وقد يبيح الفصل ترك التاء في
…
نحو أتى القاضي بنت الواقف (1)
إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي بغير إلا جاز إثبات التاء وحذفها والأجود الإثبات فتقول أتى القاضي بنت الواقف والأجود أتت وتقول قام اليوم هند والأجود قامت.
والحذف مع فصل بإلا فضلا
…
ك ما زكا إلا فتاة ابن العلا (2)
وإذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث ب إلا لم يجز إثبات التاء عند الجمهور فتقول ما قام إلا هند وما طلع إلا الشمس ولا يجوز
(1)" وقد " حرف تقليل " يبيح " فعل مضارع " الفصل " فاعل يبيح " ترك " مفعول به ليبيح، وترك مضاف، و" التاء " مضاف إليه " في نحو " جار ومجرور
متعلق بيبيح " أتى " فعل ماض " القاضي " مفعول به مقدم على الفاعل " بنت " فاعل أتى مؤخر عن المفعول، وبنت مضاف، " الواقف " مضاف إليه، وجملة الفعل وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة نحو إليها.
(2)
" والحذف " مبتدأ " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في " فضلا " الآتي، ومع مضاف، و" فصل " مضاف إليه " بإلا " جار ومجرور متعلق بفصل " فضلا " فضل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " كما " الكاف جارة لقول محذوف، وما: نافية " زكا " فعل ماض " إلا " أداة استثناء ملغاة " فتاة " فاعل زكا، وفتاة مضاف و" ابن " مضاف إليه، وابن مضاف، و" العلا " مضاف إليه.
ما قامت إلا هند ولا ما طلعت إلا الشمس وقد جاء في الشعر كقوله:
145 -
وما بقيت إلا الضلوع الجراشع
145 هذا عجز بيت لذي الرمة - غيلان بن عقبة - وصدره: طوى النحز والاجراز ما في غروضها وهذا البيت من قصيدة له طويلة، أولها قوله: أمنزلتي مي، سلام عليكما! هل الا زمن اللائي مضين رواجع؟ وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ثلاث الاثافي والديار البلاقع؟ اللغة:" النحز " - بفتح فسكون - الدفع، والنخس، والسوق الشديد " والاجراز " جمع: جرز - بزنة سبب أو عنق - وهي الارض اليابسة لانبات فيها " غروضها " جمع غرض - بفتح أوله - وهو للرحل بمنزلة الحزام للسرج، والبطان للقتب، وأراد هنا ما تحته، وهو بطن الناقة وما حوله، بعلاقة المجاورة " الجراشع " جمع جرشع -
بزنة قنفذ - وهو المنتفخ.
المعنى: يصف ناقته بالكلال والضمور والهزال مما أصابها من توالي السوق، والسير في الارض الصلبة، حتى دق ما تحت غرضها، ولم يبق إلا ضلوعها المنتفخة، فكأنه يقول: أصاب هذه الناقة الضمور والهزال والطوى بسبب شيئين: أولهما استحثاثي لها على السير بدفعها وتخسها، والثاني أنها تركض في أرض يابسة صلبة ليس بها نبات، وهي مما يشق السير فيه.
الاعراب: " طوى " فعل ماض " النحز " فاعل " والاجراز " معطوف على الفاعل " ما " اسم موصول: مبني على السكون في محل نصب مفعول به لطوى " في غروضها " الجار والمجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، وغروض مضاف، وها: ضمير عائد إلى الناقة مضاف إليه " فما " نافية " بقيت " بقي: فعل ماض، والتاء للتأنيث " إلا " أداة استثناء ملغاة " الضلوع " فاعل بقيت " الجراشع " صفة للضلوع.
الشاهد فيه: قوله " فما بقيت إلا الضلوع " حيث أدخل تاء التأنيث على الفعل، =
فقول المصنف إن الحذف مفضل على الإثبات يشعر بأن الإثبات أيضا جائز وليس كذلك (1) لأنه إن أراد به أنه مفضل عليه باعتبار أنه ثابت في النثر والنظم وأن الإثبات إنما جاء في الشعر فصحيح وإن أراد أن الحذف أكثر من الإثبات فغير صحيح لأن الإثبات قليل جدا.
والحذف قد يأتي بلا فصل ومع
…
ضمير ذي المجاز في شعر وقع (2)
= لان فاعله مؤنث، مع كونه قد فصل بين الفعل والفاعل بإلا، وذلك - عند الجمهور - مما لا يجوز في غير الشعر.
ومثل هذا الشاهد قول الراجز: ما برئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم
(1)
إن الذي ذكره الشارح تجن على الناظم، وإلزام له بمذهب معين قد لا يكون ذهب إليه في هذا الكتاب، وذلك بأن هذه المسألة خلافية بين علماء النحو، فمنهم من ذهب إلى أن لحاق تاء التأنيث وعدم إلحاقها جائزان إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث بإلا، ومع جواز الامرين حذف التاء أفضل، وهذا هو الذي يصح أن يحمل عليه كلام الناظم، لانه صريح الدلالة عليه.
ومن العلماء من ذهب إلى أن حذف التاء في هذه الحالة أمر واجب لا يجوز العدول عنه إلا في ضرورة الشعر، من أجل أن الفاعل على التحقيق ليس هو الاسم الواقع بعد إلا، ولكنه اسم مذكر محذوف، وهو المستثنى منه، فإذا قلت " لم يزرني إلا هند " فإن أصل الكلام: لم يزرني أحد إلا هند، وأنت لو صرحت بهذا المحذوف على هذا التقدير لم يكن لك إلا حذف التاء، لان الفاعل مذكر، وهذا هو الذي يريد الشارح أن يلزم به الناظم، لانه مذهب الجمهور، وهو إلزام ما لا يلزم، على أن لنا في هذا التعليل وفي ترتيب الحكم عليه كلاما لا تتسع له هذه العجالة.
(2)
" والحذف " مبتدأ، وجملة " قد يأتي " وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " بلا فصل " جار ومجرور متعلق بيأتي " ومع " الواو عاطفة أو للاستئناف، مع ظرف متعلق بوقع الآتي، ومع مضاف، و" ضمير " مضاف إليه، وضمير مضاف و" ذي " بمعنى صاحب: مضاف إليه، وذي مضاف و" المجاز " مضاف إليه " في شعر " جار ومجرور متعلق بوقع الآتي " وقع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود =
وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل وهو قليل جدا حكى سيبويه قال فلانة وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي وهو مخصوص بالشعر كقوله:
146 -
فلا مزنة ودقت ودقها
…
ولا أرض أبقل إبقالها
= إلى الحذف، وتقدير البيت: وحذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى مؤنث قد يجئ في كلام العرب من غير فصل بين الفعل وفاعله، وقد وقع ذلك الحذف في الشعر مع كون الفاعل ضميرا عائدا إلى مؤنث مجازي التأنيث.
146 -
البيت لعامر بن جوين الطائي، كما نسب في كتاب سيبويه (1 - 240) وفي شرح شواهده للاعلم الشنتمري.
اللغة: " المزنة " السحابة المثقلة بالماء " الودق " المطر، وفي القرآن الكريم (فترى الودق يخرج من خلاله)" أبقل " أنبت البقل، وهو النبات.
الاعراب: " فلا " نافية تعمل عمل ليس " مزنة " اسمها، وجملة " ودقت " وفاعله المستتر العائد إلى مزنة في محل نصب خبر لا " ودقها " ودق: منصوب على المفعولية المطلقة، وودق مضاف وها: مضاف إليه " ولا " الواو عاطفة لجملة على جملة، ولا: نافية للجنس تعمل عمل إن " أرض " اسم لا، وجملة " أبقل " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبرها " إبقالها " إبقال: مفعول مطلق، وإبقال مضاف وضمير الغائبة في محل جر مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " ولا أرض أثقل " حيث حذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث، وهذا الفعل هو " أبقل " وهو مسند إلى ضمير مستتر يعود إلى الارض، وهي مؤنثة مجازية التأنيث، ويروى: ولا أرض أبقلت ابقالها بنقل حركة الهمزة من " إبقالها " إلى التاء في " أبقلت " وحينئذ لا شاهد فيه.
ومثل هذا البيت قول الاعشى ميمون بن قيس: فإما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها =
والتاء مع جمع سوى السالم من
…
مذكر كالتاء مع إحدى اللبن (1)
والحذف في "نعم الفتاة" استحسنوا
…
لأن قصد الجنس فيه بين (2)
= ومحل الاستشهاد منه قوله " أودى بها " حيث لم يلحق تاء التأنيث بالفعل الذي هو قوله " أودى " مع كونه مسندا إلى ضمير مستتر عائد إلى اسم مؤنث وهو الحوادث الذي هو جمع حادثة، وقد عرفت أن الفعل إذا أسند إلى ضمير راجع إلى مؤنث وجب تأنيثه، سواء أكان مرجعه حقيقي التأنيث، أم كان مرجع الضمير مجازي التأنيث، وترك التاء حينئذ مما لا يجوز ارتكابه إلا في ضرورة الشعر، فلما اضطر الشاعر في بيت الشاهد وفيما أنشدناه من قول الاعشى على الرواية المشهورة حذف علامة التأنيث من الفعل.
(1)
" والتاء " مبتدأ " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال منه، أو من الضمير المستتر في خبره، ومع مضاف، و" جمع " مضاف إليه " سوى " نعت لجمع، وسوى مضاف و" السالم " مضاف إليه " من مذكر " جار ومجرور متعلق بالسالم " كالتاء " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من التاء المجرور بالكاف، ومع مضاف و" إحدى " مضاف إليه، وإحدى مضاف و" اللبن " مضاف إليه.
(2)
" والحذف " بالنصب: مفعول مقدم لاستحسنوا " في نعم الفتاة " جار ومجرور بقصد اللفظ متعلق بالحذف أو باستحسنوا " استحسنوا " فعل وفاعل " لان " اللام حرف جر، أن: حرف توكيد ونصب " قصد " اسم أن، وقصد مضاف و" الجنس " مضاف إليه " فيه " جار ومجرور متعلق بقوله بين الآتي " بين " خبر " أن " وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بقوله استحسنوا، وتقدير الكلام: استحسنوا الحذف في " نعم الفتاة " لظهور قصد
الجنس فيه، ويجوز أن يكون الحذف بالرفع مبتدأ، وجملة " استحسنوا " خبره، والرابط محذوف، والتقدير: الحذف استحسنوه إلخ، وهذا الوجه ضعيف، لاحتياجه إلى التقدير، وسيبويه يأبى مثله.
إذا أسند الفعل إلى جمع فإما أن يكون جمع سلامة لمذكر أولا فإن كان جمع سلامة لمذكر لم يجز اقتران الفعل بالتاء فتقول قام الزيدون ولا يجوز قامت الزيدون (1) وإن لم يكن جمع سلامة لمذكر بأن كان
(1) الاشياء التي تدل على معنى الجمع ستة أشياء، الاول: اسم الجمع نحو قوم ورهط ونسوة، والثاني: اسم الجنس الجمعي نحو روم وزنج وكلم، والثالث: جمع التكسير لمذكر نحو رجال وزيود، والرابع: جمع التكسير لمؤنث نحو هنود وضوارب، والخامس: جمع المذكر السالم نحو الزيدين والمؤمنين والبنين، والسادس: جمع المؤنث السالم نحو الهندات والمؤمنات والبنات، وللعلماء في الفعل المسند إلى هذه الاشياء ثلاثة مذاهب: المذهب الاول: مذهب جمهور الكوفيين، وهو أنه يجوز في كل فعل أسند إلى شئ من هذه الاشياء الستة أن يؤتى به مؤنثا وأن يؤتى به مذكرا، والسر في هذا أن كل واحد من الاشياء الستة يجوز أن يؤول بالجمع فيكون مذكر المعنى، فيؤتى بفعله خاليا من علامة التأنيث، وأن يؤول بالجماعة فيكون مؤنث المعنى، فيؤتى بفعله مقترنا بعلامة التأنيث، فنقول على هذا: جاء القوم، وجاءت القوم، وفي الكتاب العزيز (وقال نسوة في المدينة) وتقول: زحف الروم، وزحفت الروم، وفي الكتاب الكريم:(غلبت الروم) وتقول: جاء الرجال، وجاءت الرجال، وتقول: جاء الهنود، وجاءت الهنود، وتقول جاء الزينبات، وجاءت الزينبات، وفي التنزيل:(إذا جاءك المؤمنات) وقال عبدة بن الطييب من قصيدة له:
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي والظاعنون إلي، ثم تصدعوا وتقول: جاء الزيدون، وجاءت الزيدون، وفي التنزيل:(آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) وقال قريط بن أنيف أحد شعراء الحماسة: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا والمذهب الثاني: مذهب أبي علي الفارسي، وخلاصته أنه يجوز الوجهان في جميع هذه الانواع، إلا نوعا واحدا، وهو جمع المذكر السالم، فإنه لا يجوز في الفعل الذي يسند إليه إلا التذكير، وأنت لو تأملت في كلام الناظم لوجدته بحسب ظاهره مطابقا لهذا المذهب، لانه لم يستثن إلا السالم من جمع المذكر.
=
جمع تكسير لمذكر كالرجال أو لمؤنث كالهنود أو جمع سلامة لمؤنث كالهندات جاز إثبات التاء وحذفها فتقول قام الرجال وقامت الرجال وقام الهنود وقامت الهنود وقام الهندات وقامت الهندات فإثبات التاء لتأوله بالجماعة وحذفها لتأوله بالجمع.
وأشار بقوله: كالتاء مع إحدى اللبن إلى أن التاء مع جمع التكسير وجمع السلامة لمؤنث كالتاء مع الظاهر المجازي التأنيث كلبنة فكما تقول كسرت اللبنة وكسر اللبنة تقول قام الرجال وقامت الرجال وكذلك باقي ما تقدم.
وأشار بقوله: والحذف في نعم الفتاة إلى آخر البيت إلى أنه يجوز في نعم وأخواتها إذا كان فاعلها مؤنثا إثبات التاء وحذفها وإن كان مفردا مؤنثا حقيقيا فتقول نعم المرأة هند ونعمت المرأة هند وإنما جاز ذلك لأن فاعلها مقصود به استغراق الجنس فعومل معاملة جمع التكسير في جواز إثبات التاء وحذفها لشبهه به في أن المقصود به متعدد
= والمذهب الثالث: مذهب جمهور البصريين، وخلاصته أنه يجوز الوجهان في أربعة أنواع، وهي: اسم الجمع، واسم الجنس الجمعي، وجمع التكسير لمذكر، وجمع التكسير لمؤنث، وأما جمع المذكر السالم فلا يجوز في فعله إلا التذكير، وأما جمع المؤنث السالم فلا يجوز في فعله إلا التأنيث، وقد حاول جماعة من الشراح كالاشموني أن يحملوا كلام الناظم عليه، فزعموا أن الكلام على نية حذف الواو والمعطوف بها، وأن أصل الكلام " سوى السالم من جمع مذكر ومن جمع مؤنث " ولكن شارحنا رحمه الله لم يتكلف هذا التكلف، لانه رأى أن لظاهر الكلام محملا حسنا، وهو أن يوافق مذهب أبي علي الفارسي، فاحفظ هذا التحقيق واحرص عليه، فإنه نفيس دقيق قلما تعثر عليه مشروحا مستدلا له في يسر وسهولة.
ومعنى قوله:
استحسنوا أن الحذف في هذا ونحوه حسن ولكن الإثبات أحسن منه.
والأصل في الفاعل أن يتصلا
…
والأصل في المفعول أن ينفصلا (1)
وقد يجاء بخلاف الأصل
…
وقد يجئ المفعول قبل الفعل (2)
الأصل أن يلي الفاعل الفعل من غير أن يفصل بينه وبين الفعل فاصل لأنه كالجزء منه ولذلك يسكن له آخر الفعل إن كان ضمير متكلم أو مخاطب نحو ضربت وضربت وإنما سكنوه كراهة توالي أربع متحركات وهم إنما يكرهون ذلك في الكلمة الواحدة فدل ذلك على أن الفاعل مع فعله كالكلمة الواحدة.
والأصل في المفعول أن ينفصل من الفعل بأن يتأخر عن الفاعل ويجوز تقديمه على الفاعل إن خلا مما سيذكره فتقول ضرب زيدا عمرو وهذا معنى قوله وقد يجاء بخلاف الأصل.
(1)" والاصل " مبتدأ " في الفاعل " جار ومجرور متعلق بالاصل " أن " مصدرية " يتصلا " فعل مضارع منصوب بأن، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الفاعل، و" أن " ومنصوبها في تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ " والاصل في المفعول أن ينفصلا " مثل الشطر السابق تماما، وتقدير الكلام: والاصل في الفاعل اتصاله بالفعل، والاصل في المفعول انفصاله من الفعل بالفاعل.
(2)
" وقد " حرف تقليل " يجاء " فعل مضارع مبني للمجهول " بخلاف " جار ومجرور في موضع نائب فاعل ليجاء، وخلاف مضاف، و" الاصل " مضاف إليه " وقد " حرف تقليل " يجي " فعل مضارع " المفعول " فاعل يجي " قبل " ظرف متعلق بمحذوف حال من المفعول، وقبل مضاف، و" الفعل " مضاف إليه.
وأشار بقوله وقد يحي المفعول قبل الفعل إلى أن المفعول قد يتقدم على الفعل وتحت هذا قسمان:
أحدهما: ما يجب تقديمه وذلك (1) كما إذا كان المفعول اسم شرط نحو أيا تضرب أضرب أو اسم استفهام نحو أي رجل ضربت أو ضميرا منفصلا لو تأخر لزم اتصاله نحو {إياك نعبد} فلو أخر المفعول لزم الاتصال وكان يقال نعبدك فيجب التقديم بخلاف قولك الدرهم إياه أعطيتك فإنه لا يجب تقديم إياه لأنك لو أخرته لجاز اتصاله وانفصاله على ما تقدم في باب المضمرات فكنت تقول الدرهم أعطيتكه وأعطيتك إياه.
(1) يجب تقديم المفعول به على الفعل العامل فيه في ثلاثة مواضع، وقد ذكر الشارح موضعين منها من غير ضبط.
الموضع الاول: أن يكون المفعول واحدا من الاشياء التي يجب لها التصدر، وذلك بأن يكون اسم شرط أو اسم استفهام، أو يكون المفعول " كم " الخبرية، نحو: كم عبيد ملكت، أو مضافا إلى واحد مما ذكر، نحو غلام من تضرب أضرب، ونحو غلام من ضربت؟ ونحو مال كم رجل غصبت.
الموضع الثاني: أن يكون المفعول ضميرا منفصلا في غير باب " سلنيه " و" خلتنيه " اللذين يجوز فيهما الفصل والوصل مع التأخر، نحو قوله تعالى:(إياك نعبد، وإياك نستعين) .
الموضع الثالث: أن يكون العامل في المفعول واقعا في جواب " أما " وليس معنا ما يفصل بين " أما " والفعل من معمولاته سوى هذا المفعول، سواء أكانت " أما " مذكورة في الكلام نحو قوله تعالى:(فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر) أم كانت مقدرة نحو قوله سبحانه (وربك فكبر) فإن وجد ما يكون فاصلا بين " أما " والفعل سوى المفعول لم يجب تقديم المفعول على الفعل، نحو قولك: أما اليوم فأد واجبك، والسر في ذلك أن " ما " يجب أن يفصل بينها وبين الفاء بمفرد، فلا يجوز أن تقع الفاء بعدها مباشرة، ولا أن يفصل بينها وبين الفاء بجملة، كما سيأتي بيانه في بابها.
والثاني: ما يجوز تقديمه وتأخيره نحو ضرب زيد عمرا فتقول عمرا ضرب زيد (1) .
وأخر المفعول إن لبس حذر
…
أو أضمر الفاعل غير منحصر (2)
(1) بقيت صورة أخرى، وهي أنه قد يجب تأخير المفعول عن الفعل، وذلك في خمسة مواضع: الاول: أن يكون المفعول مصدرا مؤولا من أن المؤكدة ومعموليها، مخففة
كانت " أن " أو مشددة، نحو قولك: عرفت أنك فاضل، ونحو قوله تعالى " علم أن لن تحصوه " إلا أن تتقدم عليه " أما " نحو قولك: أما أنك فاضل فعرفت.
الموضع الثاني: أن يكون الفعل العامل فيه فعل تعجب، نحو قولك: ما أحسن زيدا، وما أكرم خالدا.
الموضع الثالث: أن يكون الفعل العامل فيه صلة لحرف مصدري ناصب وذلك أن وكي نحو قولك: يعجبني أن تضرب زيدا، ونحو قولك: جئت كي أضرب زيدا فإن كان الحرف المصدري غير ناصب لم يجب تأخير المفعول عن العامل فيه، نحو قولك: وددت لو تضرب زيدا، يجوز أن تقول: وددت لو زيدا تضرب، ونحو قولك يعجبني ما تضرب زيدا، فيجوز أن تقول: يعجبني ما زيدا تضرب.
الموضع الرابع: أن يكون الفعل العامل فيه مجزما بجازم ما، وذلك كقولك لم تضرب زيدا، لا يجوز أن تقول: لم زيدا تضرب، فإن قدمت المفعول على الجازم - فقلت زيدا لم تضرب - جاز.
الموضع الخامس: أن يكون الفعل العامل منصوبا بلن عند الجمهور أو بإذن عند غير الكسائي، نحو قولك: لن أضرب زيدا، ونحو قولك: إذن أكرم المجتهد، فلا يجوز أن تقول: لن زيدا أضرب: كما لا يجوز عند الجمهور أن تقول: إذن المجتهد أكرم، وأجاز الكسائي أن تقول: إذا المجتهد أكرم.
(2)
" وأخر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المفعول " =
يجب تقديم الفاعل على المفعول إذا خيف التباس أحدهما بالآخر كما إذا خفي الإعراب فيهما ولم توجد قرينة تبين الفاعل من المفعول وذلك نحو ضرب موسى عيسى فيجب كون موسى فاعلا وعيسى مفعولا.
وهذا مذهب الجمهور وأجاز بعضهم تقديم المفعول في هذا ونحوه قال لأن العرب لها غرض في الالتباس كما لها غرض في التبيين. (2)
= مفعول به لاخر " إن " شرطية " لبس " نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده " حذر " فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى لبس، والجملة من حذر المذكور ونائب فاعله لا محل لها تفسيرية " أو " عاطفة " أضمر " فعل ماض مبني للمجهول " الفاعل " نائب فاعل أضمر " غير " حال من قوله الفاعل، وغير مضاف، و" منحصر " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف.
(1)
الذي ذكر ذلك هو ابن الحاج، وقد أخطأ الجادة، فإن العرب لا يمكن أن يكون من أغراضها الالباس، إذ من شأن الالباس أن يفهم السامع غير ما يريد المتكلم ولم توضع اللغة إلا للافهام، وما ذكره ابن الحاج لتدعيم حجته مما جاء عن العرب كله ليس من الالباس في شئ، وإنما هو من باب الاجمال، فلما التبس عليه الفرق بين الالباس والاجمال لم يفرق بين حكمهما، والفرق بينهما أن الاجمال هو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر من غير أن يسبق أحد المعنيين إلى ذهن السامع، ألا ترى أنك لو سمعت كلمة " عمير " - بزنة التصغير - لاحتمل عندك أن يكون تصغير عمر كما يحتمل أن يكون تصغير عمرو، بدون أن يكون أحدهما أسبق إلى ذهنك من الآخر، فأما الالباس فهو احتمال اللفظ لمعنيين أو أكثر مع تبادر غير المقصود منهما إلى ذهن السامع، وذلك كما في المثال الذي ذكره الشارح، ألا ترى أنك لو قلت " ضرب موسى عيسى " لاحتمل هذا الكلام أن يكون موسى مضروبا ولكنه يسبق إلى ذهنك أنه ضارب، بسبب أن الاصل أن يكون الفاعل واليا لفعله، ولا يمكن أن يكون هذا من مقاصد البلغاء، فافهم ذلك وتدبره.
فإذا وجدت قرينة تبين الفاعل من المفعول جاز تقديم المفعول وتأخيره فتقول أكل موسى الكمثرى وأكل الكمثرى موسى (1) وهذا معنى قوله وأخر المفعول إن لبس حذر.
ومعنى قوله أو أضمر الفاعل غير منحصر أنه يجب أيضا تقديم الفاعل وتأخير المفعول إذا كان الفاعل ضميرا غير محصور نحو ضربت زيدا فإن كان ضميرا محصورا وجب تأخيره نحو ما ضرب زيدا إلا أنا (2) .
وما بإلا أو بإنما انحصر
…
أخر وقد يسبق إن قصد ظهر (3)
(1) قد تكون القرينة الدالة على الفاعل معنوية، وقد تكون لفظية، فالقرينة المعنوية كما في مثال الشارح، وقولك: أرضعت الصغرى الكبرى، إذ لا يجوز أن يكون الارضاع قد حصل من الصغرى للكبرى، كما لا يجوز أن يكون موسى مأكولا والكمثرى هي الآكل، والقرينة اللفظية ثلاثة أنواع، الاول: أن يكون لاحدهما تابع ظاهر الاعراب كقولك: ضرب موسى الظريف عيسى، فإن " الظريف " تابع لموسى فلو رفع كان موسى مرفوعا، ولو نصب كان موسى منصوبا كذلك، الثاني: أن يتصل بالسابق منهما ضمير يعود على المتأخر نحو قولك: ضرب فتاه موسى، فهنا يتعين أن يكون " فتاه " مفعولا، إذ لو جعلته فاعلا لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو لا يجوز، بخلاف مالو جعلته مفعولا فإن الضمير حينئذ عائد على متأخر لفظا متقدم رتبة وهو جائز الثالث: أن يكون أحدهما مؤنثا وقد اتصلت بالفعل علامة التأنيث، وذلك كقولك: ضربت موسى سلمى، فإن اقتران التاء بالفعل دال على أن الفاعل مؤنث، فتأخره حينئذ عن المفعول لا يضر.
(2)
ومن ذلك قول عمرو بن معد يكرب وأنشدناه في مباحث الضمير.
قد علمت سلمى وجاراتها ما قطر الفارس إلا أنا (3)" وما " اسم موصول: مفعول مقدم لاخر " بإلا " جار ومجرور متعلق =
يقول إذا انحصر الفاعل أو المفعول ب إلا أو ب إنما وجب تأخيره وقد يتقدم المحصور من الفاعل أو المفعول على غير المحصور إذا ظهر المحصور من غيره وذلك كما إذا كان الحصر ب إلا فأما إذا كان الحصر ب إنما فإنه لا يجوز تقديم المحصور إذ لا يظهر كونه محصورا إلا بتأخيره بخلاف المحصور ب إلا فإنه يعرف بكونه واقعا بعد إلا فلا فرق بين أن يتقدم أو يتأخر.
فمثال الفاعل المحصور بإنما قولك إنما ضرب عمرا زيد ومثال المفعول المحصور بإنما إنما ضرب زيد عمرا ومثال الفاعل المحصور ب إلا ما ضرب عمرا إلا زيد ومثال المفعول المحصور بإلا ما ضرب زيد إلا عمرا ومثال تقدم الفاعل المحصور ب إلا قولك ما ضرب إلا عمرو زيدا ومنه قوله:
147 -
فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا
…
عشية آناء الديار وشامها
= بانحصر الآتي " أو " عاطفة " بإنما " جار ومجرور معطوف على " بإلا "" انحصر " فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من الفعل وفاعله لامحل لها صلة ما الموصولة " أخر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وقد " حرف دال على التقليل " يسبق " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما " إن " شرطية " قصد " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن ظهر قصد " ظهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قصد، والجملة من ظهر المذكور وفاعله لا محل لها تفسيرية.
147 -
هذا البيت من الشواهد التي لم ينسبها أحد ممن احتج به من أئمة النحو،
وهو من شواهد سيبويه (1 - 270) وقد عثرت بعد طويل البحث على أنه من قصيدة طويلة لذي الرمة غيلان بن عقبة، وأولها قوله: =
_________
= مررنا على دار لمية مرة وجاراتها، قد كاد يعفو مقامها وبعده بيت الشاهد، ثم بعده قوله: وقد زودت مي على النأي قلبه علاقات حاجات طويل سقامها فأصبحت كالهيماء: لا الماء مبرد صداها، ولا يقضي عليها هيامها اللغة:" آناء " من الناس من يرويه بهمزة ممدودة كآبار وآرام، ومنهم من يرويه بهمزة في أوله غير ممدودة وهمزة بعد النون ممدودة بوزن أعمال، وقد جعله العيني جمع نأي - بفتح النون - ومعناه البعد، وعندي أنه جمع نؤي - بزنة قفل أو صرد أو ذئب أو كلب وهو الحفيرة تحفر حول الخباء لتمنع عنه المطر.
ويجوز أن تكون الهمزة في أوله ممدودة على أنه قدم الهمزة التي هي العين على النون فاجتمع في الجمع همزتان متجاورتان وثانيتهما ساكنة فقلبها ألفا من جنس حركة الاولى كما فعلوا بآبار وآرام جمع بئر ورئم.
كما يجوز أن تكون المدة في الهمزة الثانية على الاصل.
وقد جعله الشيخ خالد بكسر الهمزة الاولى على أنه مصدر بزنة الابعاد ومعناه، وهو بعيد فلا تلتفت إليه " وشامها " ضبطه غير واحد بكسر الواو بزنة جبال على أنه جمع وشم، وهو ما تجعله المرأة على ذراعها ونحوه: تغرز ذراعها بالايرة ثم تحشوه بدخان الشحم.
وليس ذلك بصواب أصلا.
وقد تحرف الكلام عليهم فانطلقوا يخرجونه ويتمحلون له والواو مفتوحة، وهي واو العطف، والشام: جمع شامة، وهي العلامة، وشام: معطوف إما على آناء وإما على عشية على ما سنبينه لك في الاعراب.
هذا، ورواية الديوان هكذا: فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا أهلة آناء الديار وشامها
المعنى: لا يعلم إلا الله تعالى مقدار ما هيجته فينا من كوامن الشوق هذه العشية التي قضيناها بجوار آثار دار المحبوبة.
وعلامات هذه الدار، الاعراب:" فلم " الفاء حرف عطف، لم: حرف نفي وجزم وقلب " يدر " فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الياء " إلا " أداة استثناء ملغاة " الله " فاعل يدري " ما " اسم موصول مفعول به ليدري، وجملة " هيجت " مع فاعله الآتي لا محل لها صلة =
ومثال تقديم المفعول المحصور بإلا قولك ما ضرب إلا عمرا زيد ومنه قوله:
148 -
تزودت من ليلى بتكليم ساعة
…
فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها
= الموصول " لنا " جار ومجرور متعلق بهيجت " عشية " يجوز أن يكون فاعل لهيجت، وعيشة مضاف و" آناء " مضاف إليه، وآناء مضاف، و" الديار " مضاف إليه " وشامها " الواو حرف عطف، وشام: معطوف على عشية إن جعلته فاعل هيجت، وشام مضاف وضمير الغائبة العائد على الديار مضاف إليه، ولا تلتفت لغير هذا من أعاريب، ويجوز نصب عشية على الظرفية، ويكون " آناء " فاعلا لهيجت، ويكون قد حذف تنوين عشية للضرورة أو ألقى حركة الهمزة من آناء على تنوين عشية ثم حذف الهمزة، ويكون " شامها " معطوفا على آناء الديار.
الشاهد فيه: قوله " فلم يدر إلا الله ما - إلخ " حيث قدم الفاعل المحصور بإلا، على المفعول، وقد ذهب الكسائي إلى تجويز ذلك استشهادا بمثل هذا البيت، والجمهور على أنه ممنوع، وعندهم أن " ما " اسم موصول مفعول به لفعل محذوف.
والتقدير: فلم يدر إلا الله، درى ما هيجت لنا، وسيذكر ذلك الشارح.
148 -
نسب كثير من العلماء هذا البيت لمجنون بني عامر قيس بن الملوح، ولم
أعثر عليه في ديوانه، ولعل السر في نسبتهم البيت له ذكر " ليلى " فيه.
الاعراب: " تزودت " فعل ماض وفاعل " من ليلى، بتكليم " متعلقان بتزود وتكليم مضاف، و" ساعة " مضاف إليه " فما " نافية " زاد " فعل ماض " إلا " أداة استثناء ملغاة " ضعف " مفعول به لزاد، وضعف مضاف و" ما " اسم موصول مضاف إليه " بي " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " كلامها " كلام: فاعل زاد، وكلام مضاف، وضمير الغائبة العائد إلى ليلى مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها " حيث قدم المفعول به، وهو قوله " ضعف " على الفاعل، وهو قوله " كلامها " مع كون المفعول منحصرا " بإلا " وهذا جائز عند الكسائي وأكثر البصريين، وبقية البصريين يتأولون ذلك البيت =
هذا معنى كلام المصنف.
واعلم أن المحصور ب إنما لا خلاف في أنه يجوز تقديمه وأما المحصور بالإ ففيه ثلاثة مذاهب:
أحدها- وهو مذهب أكثر البصريين والفراء وابن الأنباري: أنه لا يخلو إما أن يكون المحصور بها فاعلا أو مفعولا فإن كان فاعلا امتنع تقديمه فلا يجوز ما ضرب إلا زيد عمرا فأما قوله: فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا (1) فأول على أن ما هيجت مفعول بفعل محذوف والتقدير درى ما هيجت لنا فلم يتقدم الفاعل المحصور على المفعول لأن هذا ليس مفعولا للفعل المذكور وإن كان المحصور مفعولا جاز تقديمه نحو ما ضرب إلا عمرا زيد.
الثاني- وهو مذهب الكسائي أنه يجوز تقديم المحصور ب إلا فاعلا كان أو مفعولا.
الثالث- وهو مذهب بعض البصريين واختاره الجز ولي الشلوبين أنه لا يجوز تقديم المحصور ب إلا فاعلا كان أو مفعولا.
وشاع نحو: خاف ربه عمر
…
وشذ نحو زان نوره الشجر (2)
= ونحوه بأن في " زاد " ضميرا مستترا يعود على تكليم ساعة، وهو فاعله، وقوله " كلامها " فاعل بفعل محذوف، والتقدير: زاده كلامها، وهو تأويل مستبعد، ولا مقتضى له.
(1)
قدمنا ذكر الكلام على هذا الشاهد، وهو الشاهد رقم 147.
(2)
" وشاع " فعل ماض " نحو " فاعل شاع " خاف " فعل ماض " ربه " رب: منصوب على التعظيم، ورب مضاف وضمير الغائب العائد إلى عمر المتأخر لفظا مضاف إليه " عمر " فاعل خاف، والجملة من خاف وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة نحو إليها " وشذ " فعل ماض " نحو " فاعل شذ " زان " فعل ماض " نوره " نور: فاعل زان، ونور مضاف، وضمير الغائب العائد إلى الشجر المتأخر لفظا ورتبة مضاف إليه " الشجر " مفعول به لزان، وجملة زان وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة =
أي شاع في لسان العرب تقديم المفعول المشتمل على ضمير يرجع إلى الفاعل المتأخر (1) وذلك نحو خاف ربه عمر ف ربه مفعول وقد اشتمل على ضمير يرجع إلى عمر وهو الفاعل وإنما جاز ذلك وإن كان فيه عود الضمير على متأخر لفظا لأن الفاعل منوي التقديم على المفعول لأن الأصل في الفاعل أن يتصل بالفعل فهو متقدم رتبة وإن تأخر لفظا.
فلو اشتمل المفعول على ضمير يرجع إلى ما اتصل بالفاعل فهل يجوز تقديم المفعول على الفاعل؟ في ذلك خلاف وذلك نحو ضرب غلامها جار هند فمن أجازها وهو الصحيح وجه الجواز بأنه لما عاد الضمير على ما اتصل بما رتبته التقديم كان كعوده على ما رتبته التقديم لأن المتصل بالمتقدم متقدم.
وقوله وشذ إلى آخره أي شذ عود الضمير من الفاعل المتقدم على المفعول المتأخر وذلك نحو زان نوره الشجر فالهاء المتصلة بنور الذي هو الفاعل عائدة على الشجر وهو المفعول وإنما شذ ذلك لأن فيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة لأن الشجر مفعول وهو متأخر لفظا والأصل فيه أن ينفصل عن الفعل فهو متأخر رتبة.
وهذه المسألة ممنوعة عند جمهور النحويين وما ورد من ذلك تأولوه وأجازها أبو عبد الله الطوال من الكوفيين وأبو الفتح ابن جنى وتابعهما المصنف (2) ومما ورد من ذلك قوله:
= نحو إليها، والمراد بنحو " خاف ربه عمر ": كل كلام اتصل فيه ضمير الفاعل المتأخر بالمفعول المتقدم، والمراد بنحو " زان نوره الشجر ": كل كلام اتصل فيه ضمير المفعول المتأخر بالفاعل المتقدم.
(1)
من ذلك قول الاعشى ميمون: كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعل
(2)
ذهب إلى هذا الاخفش أيضا، وابن جنى تابع فيه له.
وقد أيدهما في ذلك =
149 -
لما رأى طالبوه مصعبا ذعروا
…
وكاد لو ساعد المقدور ينتصر
= المحقق الرضي، قال: والاولى تجويز ما ذهبا إليه، ولكن على قلة، وليس للبصرية منعه مع قولهم في باب التنازع بما قالوا، اه، وهو يشير إلى رأى البصريين في التنازع من تجويزهم إعمال العامل الثاني المتأخر في لفظ المعمول، وإعمال المتقدم من العاملين في ضميره، إذ فيه عود الضمير على المتأخر.
149 -
البيت لاحد أصحاب مصعب بن الزبير رضي الله عنهما! - يرثيه.
اللغة: " طالبوه " الذين قصدوا قتاله " ذعروا " أخذهم الخوف " كاد ينتصر " لان خوفهم منه أعظم وسيلة لانتصاره عليهم، وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم
" نصرت بالرعب ".
الاعراب: " لما " ظرف بمعنى حين مبني على السكون في محل نصب بذعر الآتي " رأى " فعل ماض " طالبوه " طالبو: فاعل رأى، وطالبو مضاف والضمير العائد إلى مصعب مضاف إليه، والجملة من رأى وفاعله في محل جر بإضافة لما الظرفية إليها " مصعبا " مفعول به لرأى " ذعروا " فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعل " وكاد " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب " لو " شرطية غير جازمة " ساعد المقدور " فعل وفاعل، وهو شرط لو " ينتصر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مصعب، والجملة من ينتصر وفاعله في محل نصب خبر " كاد " وجواب لو محذوف يدل عليه خبر كاد، وجملة الشرط والجواب لا محل لها اعتراضية بين كاد واسمها وبين خبرها.
الشاهد فيه: قوله " رأى طالبوه مصعبا " حيث أخر المفعول عن الفاعل، مع أن مع الفاعل ضميرا يعود على المفعول، فعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
ومن شواهد هذه المسألة مما لم يذكره الشارح - قول الشاعر: لما عصى أصحابه مصعبا أدى إليه الكيل صاعا بصاع وقول الآخر: ألا ليت شعري هل يلومن قومه زهيرا على ما جر من كل جانب =
وقوله:
150 -
كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد
…
ورفى نداه ذا الندى في ذرى المجد
= وسننشد في شرح الشاهد رقم 153 الآتي بعض شواهد لهذه المسألة، ونذكر لك ما نرجحه من أقوال العلماء.
150 -
البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
اللغة: " كسا " فعل يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، تقول: كسوت محمدا جبة، كما تقول: ألبست عليا قميصا " حلمه " الحلم: الاناة والعقل، وهو أيضا تأخير العقوبة وعدم المعاجلة فيها " سؤدد " هو السيادة " ورقى " بتضعيف القاف أصل معناه جعله يرقى: أي يصعد، والمرقاة: السلم الذي به تصعد من أسفل إلى أعلى، والمراد رفعه وأعلى منزلته من بين نظرائه " الندى " المراد به الجود والكرم " ذرى " بضم الذال - جمع ذروة، وهي أعلى الشئ.
الاعراب: " كسا " فعل ماض " حلمه " حلم: فاعل كسا، وحلم مضاف والضمير مضاف إليه " ذا الحلم " ذا: مفعول أول لكسا، وذا مضاف والحلم مضاف إليه " أثواب سؤدد " أثواب: مفعول ثان لكسا، وأثواب مضاف وسؤدد مضاف إليه " ورقى " فعل ماض " نداه " فاعل ومضاف إليه " ذا الندى " مفعول به ومضاف إليه " في ذرى " جار ومجرور متعلق برقى.
وذرى مضاف، و" المجد " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " كسا حلمه ذا الحلم، ورقى نداه ذا الندى " فإن المفعول فيهما متأخر عن الفاعل مع أن مع الفاعل ضميرا يعود على المفعول، فيكون فيه إعادة الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة جميعا، وذلك لا يجوز عند جمهور البصريين، خلافا لابن جنى - تبعا للاخفش - وللرضي، وابن مالك في بعض كتبه.
كذا قالوا، ونحن نرى أنه لا يبعد - في هذا البيت أن يكون الضمير في " حلمه، ونداه " عائدا على ممدوح ذكر في أبيات تقدمت البيت الشاهد، فيكون المعنى أن حلم هذا الممدوح هو الذي أثر فيمن تراهم من أصحاب الحلم، إذ ائتسوا به وجعلوه قدوة لهم، واستمر تأثيره فيهم حتى بلغوا الغاية من هذه الصفة، وأن ندى هذا الممدوح أثر كذلك فيمن تراهم من أصحاب الجود، فافهم وأنصف.
وقوله:
151 -
ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا
…
من الناس أبقى مجده الدهر مطعما
وقوله:
152 -
جزى ربه عني عدي بن حاتم
…
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
151 - البيت لشاعر الانصار سيدنا حسان بن ثابت، يرثي مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، أحد أجواد مكة، وأول هذه القصيدة قوله: أعين ألا ابكي سيد الناس، واسفحي بدمع، فإن أنزفته فاسكبي الدما اللغة:" أعين " أراد يا عيني، فحذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة التي قبلها " اسفحي " أسيلي وصبي " أنزفته " أنفدت دمعك فلم يبق منه شئ " أخلد " كتب له الخلود، ودوام البقاء.
المعنى: يريد أنه لا بقاء لاحد في هذه الحياة مهما يكن نافعا لمجموع البشر.
الاعراب: " لو " شرطية غير جازمة " أن " حرف توكيد ونصب " مجدا " اسم أن، وجملة " أخلد " مع فاعله المستتر فيه في محل رفع خبر أن، وأن مع دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف، والتقدير: لو ثبت إخلاد مجد صاحبه، وهذا الفعل هو فعل الشرط " الدهر " منصوب على الظرفية الزمانية، وعامله أخلد " واحدا " مفعول به لاخلد " من الناس " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لواحد " أبقى " فعل ماض " مجده " مجد: فاعل أبقى، ومجد مضاف وضمير الغائب العائد إلى مطعم المتأخر مضاف إليه، والجملة من أبقى وفاعله ومفعوله لا محل لها من الاعراب جواب " لو "" مطعما " مفعول به لابقى.
الشاهد فيه: قوله " أبقى مجده مطعما " حيث أخر المفعول وهو قوله مطعما عن
الفاعل، وهو قوله " مجده " مع أن الفاعل مضاف إلى ضمير يعود على المفعول، فيقتضى أن يرجع الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة.
152 -
البيت لابي الاسود الدؤلي، يهجو عدي بن حاتم الطائي، وقد نسبه ابن =
وقوله:
153 -
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر
…
وحسن فعل كما يجزي سنمار
= جنى إلى النابغة الذبياني، وهو انتقال ذهن من أبي الفتح، وسببه أن للنابغة الذبياني قصيدة على هذا الروى.
اللغة: " جزاء الكلاب العاويات " هذا مصدر تشبيهي، والمعنى: جزاه الله جزاء مثل جزاء الكلاب العاويات، ويروى " الكلاب العاديات " بالدال بدال الواو وهو جمع عاد، والعادي: اسم فاعل من عدا يعدو، إذا ظلم وتجاوز قدره " وقد فعل " يريد أنه تعالى استجاب فيه دعاءه، وحقق فيه رجاءه.
المعنى: يدعو على عدي بن حاتم بأن يجزيه الله جزاء الكلاب، وهو أن يطرده الناس وينبذوه ويقذفوه بالاحجار، ثم يقول: إنه سبحانه قد استجاب دعاءه عليه.
الاعراب: " جزى " فعل ماض " ربه " فاعل، ومضاف إليه " عني " جار ومجرور متعلق بجزى " عدي " مفعول به لجزى " ابن " صفة لعدي، وابن مضاف و" حاتم " مضاف إليه " جزاء " مفعول مطلق مبين لنوع عامله وهو جزى، وجزاء مضاف، و" الكلاب " مضاف إليه " العاويات " صفة للكلاب " وقد " الواو للحال، قد: حرف تحقيق " فعل " فعل ماض مبني على الفتح لا محل له، وسكن لاجل الوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ربه، والجملة في محل نصب حال.
الشاهد فيه: قوله " جزى ربه.
عدي " حيث أخر المفعول، وهو قوله " عدي " وقدم الفاعل، وهو قوله " ربه "، مع اتصال الفاعل بضمير يعود على المفعول.
153 -
نسبوا هذا البيت لسليط بن سعد، ولم أقف له على سابق أو لاحق.
اللغة: " أبا الغيلان " كنية لرجل لم أقف على تعريف له " سنمار " بكسر السين والنون بعدهما ميم مشددة اسم رجل رومي، يقال: إنه الذي بنى الخورنق وهو القصر الذي كان بظاهر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس ملك الحيرة، وإنه لما فرغ من بنائه ألقاه النعمان من أعلى القصر، لئلا يعمل مثل لغيره، فخر ميتا، وقد ضربت به العرب المثل في سوء المكافأة، يقولون:" جزاني جزاء سنمار " قال الشاعر (انظر المثل رقم 828 في مجمع الامثال 1 / 159 بتحقيقنا) : جزتنا بنو سعد بحسن فعالنا جزاء سنمار، وما كان ذانب = (32 - شرح ابن عقيل 1)
فلو كان الضمير المتصل بالفاعل المتقدم عائدا على ما اتصل بالمفعول المتأخر امتنعت المسألة وذلك نحو ضرب بعلها صاحب هند وقد نقل بعضهم في هذه المسألة أيضا خلافا والحق فيها المنع.
= الاعراب: " جزى " فعل ماض " بنوه " فاعل، ومضاف إليه " أبا الغيلان " مفعول به ومضاف إليه " عن كبر " جار ومجرور متعلق بجزى " وحسن فعل " الواو عاطفة، وحسن: معطوف على كبر، وحسن مضاف وفعل مضاف إليه " كما " الكاف للتشبيه، وما: مصدرية " يجزى " فعل مضارع مبني للمجهول " سنمار " نائب فاعل يجزى، و" ما " ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف يقع مفعولا مطلقا مبينا لنوع " جزى "، وتقدير الكلام: جزى بنوه أبا الغيلان جزاء مشابها لجزاء سنمار.
الشاهد فيه: قوله " جزى بنوه أبا الغيلان " حيث أخر المفعول، وهو قوله " أبا الغيلان " عن الفاعل، وهو قوله " بنوه "، مع أن الفاعل متصل بضمير عائد
على المفعول.
هذا، ومن شواهد هذه المسألة مما لم ينشده الشارح - زيادة على ما ذكرناه في شرح الشاهد رقم 149 - قول الشاعر: وما نفعت أعماله المرء راجيا جزاء عليها من سوى من له الامر حيث قدم الفاعل وهو قوله " أعماله " - على المفعول - وهو قوله " المرء " مع أنه قد اتصل بالفاعل ضمير يعود إلى المفعول، فجملة ما أنشده الشارح وأنشدناه لهذه المسألة ثمانية شواهد.
ولكثرة شواهد هذه المسألة نرى أن ما ذهب إليه الاخفش - وتابعه عليه أبو الفتح ابن جنى، والامام عبد القاهر الجرجاني، وأبو عبد الله الطوال، وابن مالك، والمحقق الرضي من جواز تقديم الفاعل المتصل بضمير يعود إلى المفعول، هو القول الخليق بأن تأخذ به وتعتمد عليه، ونرى أن الانصاف واتباع الدليل يوجبان علينا أن نوافق هؤلاء الائمة على ما ذهبوا إليه وإن كان الجمهور على خلافه، لان التمسك بالتعليل مع وجود النص على خلافه مما لا يجوز، وأحكام العربية يقضى فيها على وفق ما ورد عن أهلها.