المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النائب عن الفاعل - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌النائب عن الفاعل

‌النائب عن الفاعل

ينوب مفعول به عن فاعل

فيما له كنيل خير نائل (1)

يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه فيعطى ما كان للفاعل من لزوم الرفع ووجوب التأخر عن رافعه وعدم جواز حذفه (2) وذلك نحو: نيل

خير نائل

(1)" ينوب " فعل مضارع " مفعول " فاعل ينوب " به " جار ومجرور متعلق بمفعول " عن فاعل " جار ومجرور متعلق بينوب أيضا " فيما " مثله، وما اسم موصول " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " كنيل " الكاف جارة لقول محذوف، نيل: فعل ماض مبني للمجهول " خير نائل " نائب فاعل، ومضاف إليه.

(2)

الاغراض التي تدعو المتكلم إلى حذف الفاعل كثيرة جدا، ولكنها - على كثرتها - لا تخلو من أن سببها إما أن يكون شيئا لفظيا أو معنويا.

فأما الاسباب اللفظية فكثيرة: منها القصد إلى الايجاز في العبارة نحو قوله تعالى: (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) ومنها المحافظة على السجع في الكلام المنثور نحو قولهم: من طابت سريرته حمدت سيرته، إذ لو قيل " حمد الناس سيرته " لاختلف إعراب الفاصلتين، ومنها المحافظة على الوزن في الكلام المنظوم، كما في قول الاعشى ميمون ابن قيس: علقتها عرضا، وعلقت رجلا غيري، وعلق أخرى غيرها الرجل فأنت ترى الاعشى قد بنى " علق " في هذا البيت ثلاث مرات للمجهول، لانه لو ذكر الفاعل في كل مرة منها أو في بعضها لما استقام له وزن البيت، والتعليق ههنا: المحبة، وعرضا: أي من غير قصد منى، ولكن عرضت لي فهويتها.

وأما الاسباب المعنوية فكثيرة: منها كون الفاعل معلوما للمخاطب حتى لا يحتاج إلى ذكره له، وذلك نحو قوله تعالى:(خلق الانسان من عجل) ومنها كونه مجهولا للمتكلم فهو لا يستطيع تعيينه للمخاطب وليس في ذكره بوصف مفهوم من الفعل فائدة وذلك كما تقول: سرق متاعي، لانك لا تعرف ذات السارق، وليس في قولك " سرق اللص متاعي " فائدة زائدة في الافهام على قولك " سرق متاعي " ومنها رغبة المتكلم =

ص: 111

فخير نائل مفعول قائم مقام الفاعل والأصل نال زيد خير نائل فحذف الفاعل وهو زيد وأقيم المفعول به مقامه وهو خير نائل ولا يجوز تقديمه فلا تقول خير نائل نيل على أن يكون مفعولا مقدما بل على أن يكون مبتدأ وخبره الجملة التي بعده وهي نيل والمفعول القائم مقام الفاعل ضمير مستتر والتقدير نيل هو وكذلك لا يجوز حذف خير نائل فتقول نيل.

فأول الفعل اضممن والمتصل

بالآخر اكسر في مضي كوصل (1)

= في الابهام على السامع، كقولك: تصدق بألف دينار، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تعظيمه للفاعل: بصون اسمه عن أن يجري على لسانه، أو بصونه عن أن يقترن بالمفعول به في الذكر، كقولك: خلق الخنزير، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل بصون لسانه عن أن يجري بذكره، ومنها خوف المتكلم من الفاعل فيعرض عن ذكره لئلا يناله منه مكروه، ومنها خوف المتكلم على الفاعل فيعرض عن اسمه لئلا يمسه أحد بمكروه.

(1)

" فأول " مفعول مقدم، والعامل فيه " اضممن " الآتي، وأول مضاف و" الفعل " مضاف إليه " اضممن " اضمم: فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، ونون التوكيد حرف لا محل له من الاعراب، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " والمتصل " الواو حرف عطف، المتصل: مفعول مقدم، والعامل فيه " اكسر " الآتي " بالآخر " جار ومجرور متعلق بالمتصل " اكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في مضي " جار ومجرور يتعلق باكسر أو بمحذوف حال " كوصل " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كقولك إلخ، ووصل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة مقول القول المحذوف.

ص: 112

واجعله من مضارع منفتحا

كينتحى المقول فيه ينتحى (1)

يضم أول الفعل الذي لم يسم فاعله مطلقا أي سواء كان ماضيا أو مضارعا ويكسر ما قبل آخر الماضي ويفتح ما قبل آخر المضارع.

ومثال ذلك في الماضي قولك في وصل وصل وفي المضارع قولك في ينتحي ينتحى.

والثاني التالي تا المطاوعه

كالأول اجعله بلا منازعه (2)

وثالث الذي بهمز الوصل

كالأول اجعلنه كاستحلي (3)

(1)" واجعله " اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول " من مضارع " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الهاء " منفتحا " مفعول ثان لاجعل " كينتحي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " المقول " نعت لينتحي الذي قصد لفظه " فيه " جار ومجرور متعلق بالمقول " ينتحى " قصد لفظه: محكى بالقول، فهو نائب فاعل للمقول.

(2)

" والثاني " مفعول أول لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: واجعل الثاني " التالي " نعت للثاني " تا " قصر للضرورة مفعول به للتالي، وفاعله ضمير مستتر فيه، وتا مضاف، و" المطاوعة " مضاف إليه " كالاول " جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل الآتي " اجعله " اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول " بلا منازعة " الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى غير مجرور محلا بالباء، وقد ظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، والجار والمجرور متعلق باجعل، ولا مضاف، ومنازعة: مضاف إليه، مجرور بالكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية، وسكن لاجل الوقف.

(3)

" وثالث " مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، وثالث مضاف و" الذي " مضاف إليه " بهمز " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الذي، وهمز مضاف، =

ص: 113

إذا كان الفعل المبنى للمفعول مفتتحا بتاء المطاوعة ضم أوله وثانيه وذلك كقولك في تدحرج تدحرج وفي تكسر تكسر وفي تغافل تغوفل.

وإن كان مفتتحا بهمزة وصل ضم أوله وثالثه وذلك كقولك في استحلي استحلي وفي اقتدر اقتدر وفي انطلق انطلق.

واكسر أواشمم فاثلاثي أعل

عينا وضم جا كـ "بوع "فاحتمل (1)

إذا كان الفعل المبني للمفعول ثلاثيا معتل العين سمع في فائه ثلاثة أوجه:

(1)

إخلاص الكسر، نحو قيل وبيع ومنه قوله:

154 -

حيكت على نيرين إذ تحاك

تختبط الشوك ولا تشاك

= " الوصل " مضاف إليه " كالاول " جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل مقدما عليه " اجعلنه " اجعل: فعل أمر، والنون للتوكيد، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول أول " كاستحلي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف على النحو الذي سبق مرارا.

(1)

" واكسر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو اشمم " مثله، والجملة معطوفة على الجملة السابقة " فا " مفعول به تنازعه العاملان، وفا مضاف، و" ثلاثي " مضاف إليه " أعل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ثلاثي، والجملة في محل جر نعت لثلاثي " عينا " تمييز " وضم " مبتدأ " جا " أصله جاء، وقصره للضرورة: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ضم، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " كبوع " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال " فاحتمل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ضم ".

154 -

البيت لراجز لم يعينوه.

اللغة: " حيكت " نسجت، وتقول: حاك الثوب يحوكه حوكا وحياكة " نيرين " =

ص: 114

(2)

وإخلاص الضم، نحو قول وبوع ومنه قوله:

155 -

ليت وهل ينفع شيئا ليت؟

ليت شبابا بوع فاشتريت

وهي لغة بني دبير وبني فقعس وهما من فصحاء بني أسد.

= تثنية نير بكسر النون بعدها ياء مثناة وهو علم الثوب أو لحمته، فإذا نسج الثوب على نيرين فذلك أصفق له وأبقى، وإذا أرادوا أن يصفوا ثوبا بالمتانة والاحكام قالوا: هذا ثوب ذو نيرين، وقد قالوا من ذلك أيضا: هذا رجل ذو نيرين، وهذا رأى ذو نيرين، وهذه حرب ذات نيرين، يريدون أنها شديدة، وقالوا: هذا ثوب منير على زنة معظم إذا كان منسوجا على نيرين، وقد روى في موضع هذه العبارة " حوكت على نولين " ونولين: مثنى نول بفتح النون وسكون الواو وهو اسم للخشبة التي يلف عليها الحاثك الشقة حين يريد نسجها " تختبط الشوك " تضربه بعنف " ولا تشاك " لا يدخل فيها الشوك ولا يضرها.

المعنى: وصف ملفحة أو حلة بأنها محكمة النسج، تامة الصفاقة، وأنها إذا اصطدمت بالشواك لم يؤذها ولم يعلق بها.

الاعراب: " حيكت " حيك: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " على نيرين " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في حيكت " إذ " ظرف للزمان الماضي مبني على السكون في محل نصب يتعلق بحيك، وجملة " تحاك " ونائب الفاعل المستتر فيه في محل جر بإضافة " إذ " إليها " تختبط " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي

" الشوك " مفعول به لتختبط " ولا " نافية " تشاك " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي.

الشاهد فيه: قوله " حيكت " حيث إنه فعل ثلاثي معتل العين، فلما بناه للمجهول أخلص كسر فائه، ويروى " حوكت على نيرين " بالواو ساكنة، وعلى هذا يكون شاهدا للوجه الثاني، وهو إخلاص ضم الفاء.

155 -

ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت في زياداته أبياتا منها هذا البيت، وهي قوله: =

ص: 115

_________

= يا قوم قد حوقلت أو دنوت وبعض حيقال الرجال الموت مالي إذا أجذبها صأيت أكبر قد عالني أو بيت ليت، وهل ينفع شيئا ليت؟ ليت شبابا

وقد روى أبو علي القالي في أماليه (1 - 20 طبع الدار) البيتين السابقين على بيت الشاهد، ولم ينسبهما، وقال أبو عبيد البكري في التنبيه (97) :" هذا راجز يصف جذبه للدلو " اه، ولم يعينه أيضا.

اللغة: " حوقلت " ضعفت وأصابني الكبر " دنوت " قربت " حيقال " هو مصدر حوقل " أجذبها " أراد أنزع الدلو من البئر " صأيت " صحت، مأخوذ من قولهم: صأي الفرخ، إذا صاح صياحا ضعيفا، وأراد بذلك أنينه من ثقل الدلو عليه " قد عالني " غلبني وقهرني وأعجزني، وفي رواية أبي علي القالي أكبر غيرني.

" أم بيت " يريد أم زوجة، وذلك لان العزب أقوى وأشد " ينفع شيئا ليت " قد قصد لفظ ليت هذه قصيرها اسما وأعربها وجعلها فاعلا، ومثل هذا في " ليت " - قول الشاعر: ليت شعري، وأين مني ليت؟ إن ليتا وإن لوا عناء ومثله قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

ليت شعري، وهل يردن ليت؟ هل لهذا عند الرباب جزاء؟ وقول الآخر: ليت شعري مسافر بن أبي عمرو، وليت يقولها المحزون ونظيره في " لو " إذ قصد لفظها وجعلت اسما قول الآخر: ألام على لو، ولو كنت عالما بأذناب لو لم تفتني أوائله الاعراب:" ليت " حرف تمن ونصب " وهل " حرف استفهام المقصود منه النفي " ينفع " فعل مضارع " شيئا " مفعول به لينفع " ليت " قصد لفظه: فاعل ينفع، والجملة لا محل لها معترضة " ليت " حرف تمن مؤكد للاول " شبابا " اسم ليت الاول " بوع " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره =

ص: 116

(3)

والإشمام، وهو الإتيان بالفاء بحركة بين الضم والكسر ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ ولا يظهر في الخط وقد قريء في السبعة قوله تعالى:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ} وبالإشمام في قيل وغيض.

وإن بشكل خيف لبس يجتنب

وما لباع قد يرى لنحو حب (1)

إذا أسند الفعل الثلاثي المعتل العين بعد بنائه للمفعول إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب فإما أن يكون واويا أو يائيا.

فإن كان واويا نحو سام من السوم وجب عند المصنف كسر الفاء أو الإشمام فتقول سمت ولا يجوز الضم

= هو يعود على شباب، والجملة في محل رفع خبر ليت الاول " فاشتريت " فعل وفاعل، وجملتهما معطوفة بالفاء على جملة بوع.

الشاهد فيه: قوله " بوع " فإنه فعل ثلاثي معتل العين، فلما بناه للمجهول أخلص ضم فائه، وإخلاص ضم الفاء لغة جماعة من العرب منهم من حكى الشارح، ومنهم بعض بني تميم، ومنهم ضبة، وحكيت عن هذيل.

(1)

" وإن " شرطية " بشكل " جار ومجرور متعلق بخيف " خيف " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط " لبس " نائب فاعل خيف " يجتنب " فعل مضارع مبني للمجهول جواب الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شكل " وما " اسم موصول: مبتدأ " لباع " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة " قد " حرف تقليل " يرى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " لنحو " جار ومجرور متعلق بيرى، ونحو مضاف، و" حب " قصد لفظه: مضاف إليه.

ص: 117

فلا تقول:

سمت لئلا يلتبس بفعل الفاعل فإنه بالضم ليس إلا نحو سمت العبد.

وإن كان يائيا نحو باع من البيع وجب عند المصنف أيضا ضمه أو الإشمام فتقول بعت يا عبد ولا يجوز الكسر فلا تقول بعت لئلا يلتبس بفعل الفاعل فإنه بالكسر فقط نحو بعت الثوب.

وهذا معنى قوله وإن بشكل خيف لبس يجتنب أي وإن خيف اللبس في شكل من الأشكال السابقة أعني الضم والكسر والإشمام عدل عنه إلى شكل غيره لا لبس معه.

هذا ما ذكره المصنف والذي ذكره غيره أن الكسر في الواوي والضم في اليائي والإشمام هو المختار ولكن لا يجب ذلك بل يجوز الضم في الواوي والكسر في اليائي.

وقوله وما لباع قد يرى لنحو حب معناه أن الذي ثبت لفاء باع من جواز الضم والكسر والإشمام يثبت لفاء المضاعف نحو حب فتقول حب وحب وإن شئت أشممت.

وما لفا باع لما العين تلي

في اختار وانقاد وشبه ينجلي (1)

(1)" وما " اسم موصول مبتدأ " لفا " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة، وفا مضاف و" باع " قصد لفظه: مضاف إليه " لما " اللام جارة، وما: اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " العين " مبتدأ، وجملة " تلي " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة " ما " المجرورة باللام " في اختار " جار ومجرور متعلق بتلي " وانقاد، وشبه " معطوفان على اختار " ينجلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شبه، والجملة في محل جر نعت لشبه.

ص: 118

أي يثبت عند البناء للمفعول لما تليه العين من كل فعل يكون على وزن افتعل أو انفعل وهو معتل العين ما يثبت لفاء باع من جواز الكسر والضم وذلك نحو اختار وانقاد وشبههما فيجوز في التاء والقاف ثلاثة أوجه: الضم نحو اختور وانقود والكسر نحو اختير وانقيد والإشمام وتحرك الهمزة بمثل حركة التاء والقاف.

وقابل من ظرف أو من مصدر

أو حرف جر بنيابة حري (1)

تقدم أن الفعل إذا بني لما لم يسم فاعله أقيم المفعول به مقام الفاعل.

وأشار في هذا البيت إلى أنه إذا لم يوجد المفعول به أقيم الظرف أو المصدر أو الجار والمجرور مقامه وشرط في كل واحد منها أن يكون قابلا للنيابة أي صالحا لها واحترز بذلك مما لا يصلح للنيابة كالظرف الذي لا يتصرف والمراد به ما لزم النصب على الظرفية (2) نحو سحر إذا أريد

به سحر

(1)" وقابل " مبتدأ، وخبره قوله " حري " في آخر البيت " من ظرف " جار ومجرور متعلق بقابل " أو من مصدر " معطوف على الجار والمجرور السابق " أو حرف جر " معطوف على مصدر ومضاف إليه " بنيابة " جار ومجرور متعلق بجر " جر " خبر المبتدأ الذي هو قابل في أول البيت كما ذكرنا من قبل.

(2)

الظروف على ثلاثة أنواع: النوع الاول: ما يلزم النصب على الظرفية، ولا يفارقها أصلا، ولا إلى الجر بمن، وذلك مثل قط، وعوض، وإذا، وسحر.

والنوع الثاني: ما يلزم أحد أمرين: النصب على الظرفية، والجر بمن، وذلك مثل عند، وثم، بفتح الثاء.

=

ص: 119

يوم بعينه ونحو عندك فلا تقول جلس عندك ولا ركب سحر لئلا تخرجهما عما استقر لهما في لسان العرب من لزوم النصب وكالمصادر التي لا تتصرف نحو معاذ الله فلا يجوز رفع معاذ الله لما تقدم في الظرف وكذلك ما لا فائدة فيه من الظرف والمصدر والجار والمجرور فلا تقول سير وقت ولا ضرب ضرب ولا جلس في دار لأنه لا فائدة في ذلك.

ومثال القابل من كل منها قولك سير يوم الجمعة وضرب ضرب شديد ومر بزيد. (1)

= وهذان النوعان يقال لكل منهما: " ظرف غير متصرف "، والفرق بينهما ما علمت.

والنوع الثالث: ما يخرج عن النصب على الظرفية وعن الجر بمن، إلى التأثر بالعوامل المختلفة: كزمن، ووقت، وساعة، ويوم، ودهر، وحين، وهذا هو الظرف المتصرف.

(1)

حاصل الذي أومأ إليه الشارح في هذه المسألة أنه يشترط في صحة جواز إنابة كل واحد من الظرف والمصدر شرطان، أحدهما: أن يكون كل منهما متصرفا، وثانيهما: أن يكون كل واحد منهما مختصا، فإن فقد أحدهما واحدا من هذين الشرطين لم تصح نيابته.

فالمتصرف من الظروف هو: ما يخرج عن النصب على الظرفية والجر بمن إلى التأثر بالعوامل، كما علمت مما أوضحناه لك قريبا.

وأما المتصرف من المصادر فهو: ما يخرج عن النصب على المصدرية إلى التأثر بالعوامل المختلفة، وذلك كضرب وقتل، وما لا يخرج من المصدر عن النصب على المصدرية كمعاذ الله فإنه مصدر غير متصرف لا يقع إلا منصوبا على المفعولية المطلقة.

وأما المختص من الظروف فهو: ما خص بإضافة، أو وصف، أو نحوهما.

=

ص: 120

ولا ينوب بعض هذي إن وجد

في اللفظ مفعول به وقد يرد (1)

مذهب البصريين إلا الأخفش أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسم فاعله مفعول به ومصدر وظرف وجار ومجرور تعين إقامة المفعول به مقام الفاعل فتقول ضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير في داره ولا يجوز إقامة غيره مقامه مع وجوده وما ورد من ذلك شاذ أو مؤول.

ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره وهو موجود تقدم أو تأخر فتقول ضرب ضرب شديد زيدا وضرب زيدا ضرب شديد وكذلك في الباقي واستدلوا لذلك بقراءة أبي جعفر ليجزى قوما بما كانوا يكسبون وقول الشاعر:

= وأما المختص من المصادر فهو: ما كان دالا على العدد، أو على النوع، أما نحو " ضرب ضرب " فهو غير مختص، ولا يجوز نيابته عن الفاعل.

ويشترط في نيابة الجار والمجرور ثلاثة شروط، أولها: أن يكون مختصا بأن يكون المجرور معرفة أو نحوها وثانيها: ألا يكون حرف الجر ملازما لطريقة واحدة، كمذ ومنذ الملازمين لجر الزمان، وكحروف القسم الملازمة لجر المقسم به، وثالثها: ألا يكون حرف الجر دالا على التعليل كاللام، والباء، ومن، إذا استعملت إحداها في الدلالة على التعليل، ولهذا امتنعت نيابة المفعول لاجله.

(1)

" ولا " نافية " ينوب " فعل مضارع " بعض " فاعل ينوب، وبعض مضاف، واسم الاشارة في " هذي " مضاف إليه " إن " شرطية " وجد " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط " في اللفظ " جار ومجرور متعلق بوجد " مفعول " نائب فاعل لوجد " به " متعلق بمفعول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إن وجد في اللفظ مفعول به فلا ينوب بعض هذه الاشياء " وقد " حرف تقليل " يرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نيابة بعض هذه الاشياء مناب الفاعل مع وجود المفعول به في اللفظ المستفاد من قوله " ولا ينوب إلخ ".

ص: 121

لم يعن بالعلياء إلا سيدا

ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى

156 - نسبوا هذا البيت لرؤبة بن العجاج، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت هذا البيت في زيادات الديوان، لا في أصله، وقبله قوله: وقد كفى من بدئه ما قد بدا وإن ثنى في العود كان أحمدا اللغة: " بدئه " مبتدأ أمره وأول شأنه " بدا " ظهر " ثنى " عاد، تقول: ثنى يثني بوزن رمى يرمي وأصل معناه جمع طرفي الحبل فصير ما كان واحدا اثنين " كان أحمدا " مأخوذ من قولهم: عود أحمد، يريدون أنه محمود " يعن " فعل مضارع ماضيه عنى، وهو من الافعال الملازمة للبناء للمفعول، ومعناه على هذا أولع أو اهتم، تقول: عنى فلان بحاجتي وهو معني بها، إذا كان قد أولع بقضائها واهتم لها " العلياء " هي خصال المجد التي تورث صاحبها سموا ورفعة قدر " شفى " أبرأ، وأراد به ههنا هدى، مجازا " الغي " الجري مع هوى النفس والتمادي في الاخذ بما يوبقها ويهلكها " هدى " بضم الهاء وهو الرشاد وإصابة الجادة.

المعنى: لم يشتغل بمعالي الامور، ولم يولع بخصال المجد، إلا أصحاب السيادة والطموح، ولم يشف ذوي النفوس المريضة والاهواء المتأصلة من دائهم الذي أصيبت به نفوسهم إلا ذوو الهداية والرشد.

الاعراب: " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يعن " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الالف، والفتحة قبلها دليل عليها " بالعلياء " جار ومجرور نائب عن الفاعل " إلا " أداة استثناء ملغاة " سيدا " مفعول به ليعن " ولا " الواو عاطفة، ولا نافية " شفى " فعل ماض " ذا " مفعول لشفى مقدم على الفاعل، وذا مضاف، و" الغي " مضاف إليه " إلا " أداة استثناء ملغاة " ذو " فاعل شفى، وذو مضاف، و" هدى " مضاف إليه.

الشاهد فيه: قوله " لم يعن بالعلياء إلا سيدا " حيث ناب الجار والمجرور وهو قوله " بالعلياء " عن الفاعل، مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله " سيدا ".

والدليل على أن الشاعر أناب الجار والمجرور، ولم ينب المفعول به، أنه جاء بالمفعول به منصوبا، ولو أنه أنابه لرفعه، فكان يقول: لم يعن بالعلياء إلا سيد، =

ص: 122

ومذهب الأخفش أنه إذا تقدم غير المفعول به عليه جاز إقامة كل واحد منهما فتقول ضرب في الدار زيد وضرب في الدار زيدا وإن لم يتقدم تعين إقامة المفعول به نحو ضرب زيد في الدار فلا يجوز ضرب زيدا في الدار.

وباتفاق قد ينوب الثان من

باب كسا فيما التباسه أمن (1)

= والداعي لذلك أن القوافي كلها منصوبة، فاضطراره لتوافق القوافي هو الذي دعاه وألجأه إلى ذلك.

ومثل هذا البيت قول الراجز: وإنما يرضي المنيب ربه ما دام معنيا بذكر قلبه ومحل الاستشهاد في قوله " معنيا بذكر قلبه " حيث أناب الجار والمجرور - وهو قوله " بذكر " - عن الفاعل، مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله " قلبه " - بدليل أنه أتى بالمفعول به منصوبا بعد ذلك كما هو ظاهر.

والبيتان حجة للكوفيين والاخفش جميعا، لان النائب عن الفاعل في البيتين متقدم في كل واحد منهما عن المفعول به، والبصريون يرون ذلك من الضرورة الشعرية.

(1)

" وباتفاق " الواو للاستئناف، باتفاق: جار ومجرور متعلق بينوب الآتي

" قد " حرف تقليل " ينوب " فعل مضارع " الثان " فاعل ينوب " من باب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الثاني، وباب مضاف، و" كسا " قصد لفظه: مضاف إليه " فيما " جار ومجرور متعلق بينوب " التباسه " التباس: مبتدأ، والتباس مضاف والهاء مضاف إليه " أمن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى التباس، والجملة من أمن ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها من الاعراب صلة " ما " المجرورة محلا بفي.

ص: 123

إذا بني الفعل المتعدي إلى مفعولين لما لم يسم فاعله فإما أن يكون من باب أعطى أو من باب ظن (1) .

فإن كان من باب أعطى وهو المراد بهذا البيت فذكر المصنف أنه يجوز إقامة الأول منهما وكذلك الثاني وبالاتفاق فتقول كسي زيد جبة وأعطي عمرو درهما وإن شئت أقمت الثاني فتقول أعطي عمرا درهم وكسي زيدا جبة.

هذا إن لم يحصل لبس بإقامة الثاني فإذا حصل لبس وجب إقامة الأول وذلك نحو أعطيت زيدا عمرا فتتعين إقامة الأول فتقول أعطي زيد عمرا ولا يجوز إقامة الثاني حينئذ لئلا يحصل لبس لأن كل واحد منهما يصلح أن يكون آخذا بخلاف الأول.

ونقل المصنف الاتفاق على أن الثاني من هذا الباب يجوز إقامته عند أمن

(1) قد ينصب فعل من الافعال مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر، نحو ظننت زيدا قائما وعلمت أخاك مسافرا، ولا ينصب المفعولين اللذين أصلهما المبتدأ والخبر إلا ظن وأخواتها، وهذا هو مراد الشارح هنا بقوله " باب ظن "، ومراد الناظم بقوله " في باب ظن وأرى " لان " أرى " تنصب ثلاثة مفاعيل: أصل الثاني والثالث

منها مبتدأ وخبر، على ما علمت.

وقد ينصب فعل من الافعال مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وهذا النوع على ضربين، لان نصبه لاحد هذين المفعولين إما أن يكون على نزع الخافض، كما في قولك: اخترت الرجال محمدا، وكما في قوله تعالى:(واختار موسى قومه سبعين رجلا) الاصل اخترت من الرجال محمدا، واختار موسى من قومه سبعين رجلا، وإما أن يكون نصبه للمفعولين لانه من طبيعته متعد إلى اثنين، وذلك نحو قولك: منحت الفقير درهما، وأعطيت إبراهيم دينارا، وكسوت محمدا جبة.

وهذا الضرب الاخير هو مراد الناظم والشارح بباب كسا، فهو: كل فعل تعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وكان تعديه إليهما بنفسه، لا بواسطة حذف حرف الجر من أحدهما وإيصال الفعل إلى المجرور.

ص: 124

اللبس فإن عنى به أنه اتفاق من جهة النحويين كلهم فليس بجيد لأن مذهب الكوفيين أنه إذا كان الأول معرفة والثاني نكرة تعين إقامة الأول فتقول أعطي زيد درهما ولا يجوز عندهم إقامة الثاني فلا تقول أعطي درهم زيدا.

في باب ظن وأرى المنع اشتهر

ولا أرى منعا إذا القصد ظهر (1)

يعني أنه إذا كان الفعل متعديا إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل كظن وأخواتها أو كان متعديا إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها فالأشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الأول ويمتنع إقامة الثاني في باب ظن والثاني والثالث في باب أعلم فتقول ظن زيد قائما ولا يجوز ظن زيدا قائم وتقول أعلم زيد فرسك مسرجا ولا يجوز إقامة الثاني فلا تقول: أعلم زيدا فرسك مسرجا ولا إقامة الثالث فتقول: أعلم زيدا

(1)" في باب " جار ومجرور متعلق باشتهر الآتي، وباب مضاف، و" ظن " قصد لفظه: مضاف إليه " وأرى " معطوف على ظن " المنع " مبتدأ، وجملة " اشتهر " وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ " ولا " نافية " أرى " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " منعا " مفعول به لارى " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " القصد " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إذا ظهر القصد، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله المذكور في مجل جر بإضافة إذا إليها " ظهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القصد، والجملة من ظهر المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب تفسيرية.

ص: 125

فرسك مسرج ونقل ابن أبي الربيع الاتفاق على منع إقامة الثالث ونقل الاتفاق أيضا ابن المصنف.

وذهب قوم منهم المصنف إلى أنه لا يتعين إقامة الأول لا في باب ظن ولا باب أعلم لكن يشترط ألا يحصل لبس فتقول ظن زيدا قائم وأعلم زيدا فرسك مسرجا.

وأما إقامة الثالث من باب أعلم فنقل ابن أبي الربيع وابن المصنف الاتفاق على منعه وليس كما زعما فقد نقل غيرهما الخلاف في ذلك (1) فتقول أعلم زيدا فرسك مسرج.

فلو حصل لبس تعين إقامة الأول في باب ظن وأعلم فلا تقول ظن زيدا عمرو على أن عمرو هو المفعول الثاني ولا أعلم زيدا خالد منطلقا.

وما سوى النائب مما علقا

بالرافع النصب له محققا

(1) حاصل الخلاف الذي نقله غيرهما أن بعض النحاة أجازه بشرط ألا يوقع في لبس كما مثل الشارح، وحكاية الخلاف هو ظاهر كلام الناظم في كتابه التسهيل، بل يمكن أن يكون مما يشير إليه كلامه في الالفية لان ثالث مفاعيل أعلم هو ثاني مفعولي علم، وقد ذكر اختلاف النحاة في ثاني مفعولي علم.

(2)

" وما " اسم موصول: مبتدأ أول " سوى النائب، مما " متعلقان بمحذوف صلة " ما " الواقع مبتدأ " علقا " علق: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود لما، والجملة لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بمن " بالرافع " متعلق بقوله علق " النصب " مبتدأ ثان " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، وهو " ما " في أول البيت " محققا " حال من الضمير المستكن في الخبر.

ص: 126

حكم المفعول القائم مقام الفاعل حكم الفاعل فكما أنه لا يرفع الفعل إلا فاعلا واحدا كذلك لا يرفع الفعل إلا مفعولا واحدا (1) فلو كان للفعل معمولان فأكثر أقمت واحدا منها مقام الفاعل ونصبت الباقي فتقول أعطي زيد درهما وأعلم زيد عمرا قائما وضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير في داره.

(1) يريد لا يرفع على أنه نائب فاعل إلا واحد من المفاعيل التي كان الفعل ناصبا لها وهو مبني للمعلوم.

ص: 127