الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَتْ الْمِيَاهُ، فَخِيفَ مِنْهَا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ كَذَا إلَى آخِرِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمِيَاهَ إذَا زَادَتْ وَخِيفَ مِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ، ذَلِكَ حَسْبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ مَعَ ذَلِكَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَاسْتُحِبَّ لَهُمْ صَلَاةُ الْكُسُوفِ كَالزَّلْزَلَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ اخْتِيَارُ الْآمِدِيِّ.
فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ أَنْ يَقُولَ " مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا " لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ " مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُكْرَهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ " بِرَحْمَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى "
[كِتَابُ الْجَنَائِزِ]
ِ فَائِدَةٌ: الْجَنَائِزُ بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ: لِلْمَيِّتِ، وَبِالْكَسْرِ: لِلنَّعْشِ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ، وَيُقَالُ: عَكْسُهُ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ عَلَى السَّرِيرِ لَا يُقَالُ لَهُ جِنَازَةٌ، وَلَا نَعْشٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ سَرِيرٌ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ) يَعْنِي مِنْ حِينِ شُرُوعِهِ فِي الْمَرَضِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: تَجِبُ الْعِيَادَةُ. وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَرَّةً، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: عِيَادَةُ الْمَرِيضِ فَرْضُ كِفَايَةٍ
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّصُّ وَصَوَّبَ ذَلِكَ فَيُقَالُ: هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: السُّنَّةُ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَا زَادَ نَافِلَةٌ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي ابْنُ مُنَجَّا: ثَلَاثَةٌ لَا تُعَادُ، وَلَا يُسَمَّى صَاحِبُهَا مَرِيضًا: وَجَعُ الضِّرْسِ، وَالرَّمَدُ، وَالدُّمَّلُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «ثَلَاثَةٌ لَا تُعَادُ» فَذَكَرَهُ رَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْآدَابِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَكَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ لَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ، بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَوْلُهُ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ «عَادَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَجَعِ عَيْنِي» . انْتَهَى.
الثَّانِيَةُ: لَا يُطِيلُ الْجُلُوسَ عِنْدَ الْمَرِيضِ، وَعَنْهُ قَدْرُهُ كَمَا بَيْنَ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ، وَمُرَادُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ ثُمَّ رَأَيْت النَّاظِمَ قَطَعَ بِهِ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَعُودُ الْمَرِيضُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، وَقَالَ: عَنْ قُرْبٍ وَسَطَ النَّهَارِ لَيْسَ هَذَا وَقْتُ عِيَادَةٍ فَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُكْرَهُ إذَنْ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي آخِرِ النَّهَارِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْعِيَادَةَ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا.
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَتَكُونُ الْعِيَادَةُ غِبًّا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ جَمَاعَةٍ خِلَافُ ذَلِكَ، قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ، قَالَ: وَمُرَادُهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْجُمْلَةِ.
الرَّابِعَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا يُعَادُ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: تَحْرُمُ عِيَادَتُهُ وَعَنْهُ لَا يُعَادُ الدَّاعِيَةُ فَقَطْ، وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ
جَهَرَ بِالْمَعْصِيَةِ مُطْلَقًا مَعَ بَقَاءِ إسْلَامِهِ: فَهَلْ يُسَنُّ هَجْرُهُ؟ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي آدَابِهِ، وَالْآدَابُ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى لِابْنِ مُفْلِحٍ، أَوْ يَجِبُ إنْ اُرْتُدِعَ، أَوْ يَجِبُ مُطْلَقًا إلَّا مِنْ السَّلَامِ أَوْ تَرْكُ السَّلَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيُكْرَهُ لِبَقِيَّةِ النَّاسِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ لِلْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَتَرْكُ الْعِيَادَةِ مِنْ الْهَجْرِ.
الْخَامِسَةُ: تُكْرَهُ عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ، وَعَنْهُ تُبَاحُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْبَقَاءِ وَالْكَثْرَةِ لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ.
السَّادِسَةُ: يُحْسِنُ الْمَرِيضُ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ ذَلِكَ قَالَ الْمَجْدُ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُغَلِّبُ رَجَاءَهُ عَلَى خَوْفِهِ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ يُغَلِّبُ الْخَوْفَ وَنَصَّ أَحْمَدُ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاحِدًا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَأَيُّهُمَا غَلَبَ صَاحِبَهُ هَلَكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا هُوَ الْعَدْلُ.
السَّابِعَةُ: تَرْكُ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ: فِعْلُهُ أَفْضَلُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفْصَاحِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: إنْ ظَنَّ نَفْعَهُ، وَيَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَصَوْتِ مَلْهَاةٍ وَغَيْرِهِ، وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِبَوْلِ الْإِبِلِ فَقَطْ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّبْصِرَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ: وَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ مُسْتَخْبَثٍ كَبَوْلٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكُلُّ مَائِعٍ نَجَسٍ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَابْنُ هَانِئٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَيَجُوزُ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ: يَجُوزُ بِدِفْلِيٍّ وَنَحْوِهِ لَا يَضُرُّ.
نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ وَالْفَضْلُ فِي حَشِيشَةٍ تُسْكِرُ تُسْحَقُ وَتُطْرَحُ مَعَ دَوَاءٍ: لَا بَأْسَ إلَّا مَعَ الْمَاءِ فَلَا، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ الدَّوَاءَ الْمَسْمُومَ إنْ غَلَبَتْ مِنْهُ السَّلَامَةُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ، وَرُجِيَ نَفْعُهُ: أُبِيحَ شُرْبُهُ، لِدَفْعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ، وَقِيلَ: لَا، وَفِي الْبُلْغَة: لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِخَمْرٍ فِي مَرَضٍ، وَكَذَا
بِنَجَاسَةٍ أَكْلًا وَشُرْبًا، وَظَاهِرُهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِطَاهِرٍ، وَفِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ كَخَمْرٍ وَمَنِيٍّ نَجِسٍ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: لَا بَأْسَ، بِجَعْلِ الْمِسْكِ فِي الدَّوَاءِ وَيُشْرَبُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: يَجُوزُ اكْتِحَالُهُ بِمِيلِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ حَاجَةٌ، وَفِي الْإِيضَاحِ: يَجُوزُ بِتِرْيَاقٍ. انْتَهَى. وَلَا بَأْسَ بِالْحِمْيَةِ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ.
الثَّامِنَةُ: يُكْرَهُ الْأَنِينُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَتَذْكِيرُهُ التَّوْبَةَ وَالْوَصِيَّةَ) أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مَرَضُهُ مَخُوفًا أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، خُصُوصًا التَّوْبَةُ فَإِنَّهَا مَطْلُوبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَتَتَأَكَّدُ فِي الْمَرَضِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: هَذَا فِي الْمَرَضِ عَصَبَاتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الْوَصِيَّةِ، قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فِي التَّوْبَةِ.
قَوْلُهُ (فَإِذَا نَزَلَ بِهِ تَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَنَدَّى شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ، وَقَوْلُهُ (وَلَقَّنَهُ قَوْلَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مَرَّةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ، فَيُعِيدُ تَلْقِينَهُ بِلُطْفٍ وَمُدَارَاةٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُلَقِّنُ ثَلَاثًا، وَيُجْزِئُ مَرَّةً، مَا لَمْ يَتَكَلَّمُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا وَأَبُو طَالِبٍ: يُلَقِّنُ مَرَّةً قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى مَرَّةٍ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ تَكْرَارُ الثَّلَاثِ إذَا لَمْ يَجِبْ أَوَّلًا، لِجَوَازِ أَنْ
يَكُونَ سَاهِيًا أَوْ غَافِلًا، وَإِذَا كَرَّرَ الثَّلَاثَ: عَلِمَ أَنَّ ثَمَّ مَانِعًا.
فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُكْرَهُ تَلْقِينُ الْوَرَثَةِ لِلْمُحْتَضَرِ بِلَا عُذْرٍ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَلَقَّنَهُ قَوْلَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " قَالَ الْأَصْحَابُ: لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا إقْرَارٌ بِالْأُخْرَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِأَنْ يُلَقِّنَهُ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَبَعٌ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْأُولَى.
قَوْلُهُ (وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةَ يس) ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا يَقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِمَا وَاقْتَصَرَ الْأَكْثَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ أَيْضًا سُورَةَ تَبَارَكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
قَوْلُهُ (وَيُوَجِّهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ) وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ لَكِنَّ أَكْثَرَ النُّصُوصِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: عَلَى أَنْ يُجْعَلَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْأَفْضَلُ قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَهُوَ أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ، وَعَنْهُ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ أَفْضَلُ، وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَعَلَيْهَا الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، قُلْت: وَهَذَا الْمَعْمُولُ بِهِ، بَلْ رُبَّمَا شَقَّ جَعْلُهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَلِيلًا، لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَعَنْهُ هُمَا سَوَاءٌ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ وَاسِعًا فَعَلَى جَنْبِهِ، وَإِلَّا فَعَلَى ظَهْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِذَا نَزَلَ بِهِ فَعَلَ كَذَا وَيُوَجِّهُهُ " أَنَّهُ لَا يُوَجِّهُهُ قَبْلَ النُّزُولِ بِهِ وَتَيَقُّنِ مَوْتِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَوْلَى التَّوْجِيهُ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.
فَائِدَةٌ: اسْتَحَبَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، تَطْهِيرَ ثِيَابِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَإِذَا مَاتَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ) هَذَا صَحِيحٌ فَلِلرَّجُلِ أَنْ يُغَمِّضَ ذَاتِ مَحَارِمِهِ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَمِّضَ ذَا مَحْرَمِهَا، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ أَنْ يُغَمِّضَهُ جُنُبٌ، أَوْ حَائِضٌ، أَوْ يَقْرَبَاهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ تَغْمِيضِهِ " بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ " نَصَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَجَعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً أَوْ نَحْوَهَا) . يَعْنِي مِنْ الْحَدِيدِ، أَوَالطِّينِ، وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا وَهُوَ عَلَى ظَهْرِهِ قَالَ: فَيُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ شَيْءٌ عَالٍ، لِيُجْعَلَ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ الْقِبْلَةَ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيُسَارِعُ فِي قَضَاءِ دِينِهِ)، وَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَجِبُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَتَجْهِيزِهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرِعَ فِي تَجْهِيزِهِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» قَالَ: وَ " لَا يَنْبَغِي " لِلتَّحْرِيمِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي الْحَرِيرِ «لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ تَارَةً يَكُونُ فَجْأَةً، وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ فَجْأَةٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَجْأَةٍ، بِأَنْ يَكُونَ عَنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَيُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ فِي تَجْهِيزِهِ إذَا تَيَقَّنَ مَوْتَهُ،
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْتَظِرَ بِهِ مَنْ يَحْضُرُهُ، إنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ، أَوْ يَشُقَّ عَلَى الْحَاضِرِينَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ لِمَا يُرْجَى لَهُ بِكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَلَا بَأْسَ أَيْضًا أَنْ يَنْتَظِرَ وَلِيُّهُ جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ: لَا يَنْتَظِرُ، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ تَعْجِيلَهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ فَجْأَةً كَالْمَوْتِ بِالصَّعْقَةِ وَالْهَدْمِ، وَالْغَرَقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُنْتَظَرُ بِهِ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ قَدَّمَهُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ، وَالْفُرُوعُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ قَالَ فِي الْفَائِقِ: سَاغَ تَأْخِيرُهُ قَلِيلًا، وَعَنْهُ يُنْتَظَرُ يَوْمًا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُتْرَكُ يَوْمًا، وَقَالَ أَيْضًا: يُتْرَكُ مِنْ غَدْوَةٍ إلَى اللَّيْلِ.
وَقِيلَ: يُتْرَكُ يَوْمَانِ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ قَالَ الْآمِدِيُّ: أَمَّا الْمَصْعُوقُ، وَالْخَائِفُ، وَنَحْوُهُ: فَيُتَرَبَّصُ بِهِ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَامَةُ الْمَوْتِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقَالَ: إنْ لَا يَطُلْ مَرَضُهُ بُودِرَ بِهِ عِنْدَ ظُهُورِ عَلَامَاتِ الْمَوْتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُتْرَكُ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةً، مَا لَمْ يُخَفْ فَسَادُهُ. قَوْلُهُ (إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ، وَانْفِصَالِ كَفِيهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ) هَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَزَادَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ: وَامْتَدَّتْ جِلْدَةُ وَجْهِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْخُلَاصَةِ انْفِصَالَ كَفِيهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَيَقُّنَ مَوْتِهِ بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَيِّتٍ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي مَوْتِ الْفُجَاءَةِ وَنَحْوِهِ، إذَا شَكَّ فِيهِ
قُلْت: وَيُعْلَمُ الْمَوْتُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ فَجْأَةً بِطَرِيقِ أَوْلَى. الثَّانِي: قَوْلُهُ (إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ) رَاجِعٌ إلَى الْمُسَارَعَةِ فِي تَجْهِيزِهِ فَقَطْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ السَّامِرِيِّ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ،، قَالَهُ فِي الْحَوَاشِي، قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ: أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ " وَلِينُ مَفَاصِلِهِ " وَمَا بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هُوَ رَاجِعٌ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَفْرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَالتَّجْهِيزِ قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ الْآجُرِّيُّ فِيمَنْ مَاتَ عَشِيَّةً: يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ، بَلْ يَبِيتُ مَعَهُ أَهْلُهُ. انْتَهَى. وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ الْمَيِّتِ، وَالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَلَوْ بَعْدَ تَكْفِينَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحَبُّ النَّعْيُ، وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِهِ، بَلْ يُكْرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يُعْجِبُنِي، وَعَنْهُ يُكْرَهُ إعْلَانُ غَيْرِ قَرِيبٍ، أَوْ صَدِيقٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ جَارٍ. وَعَنْهُ أَوْ أَهْلُ دِينٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ اسْتِحْبَابُهُ، قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لِإِعْلَامِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَصْحَابَهُ بِالنَّجَاشِيِّ، وَقَوْلُهُ عَنْ الَّذِي كَانَ يَقُمْ الْمَسْجِدَ (أَلَا آذَنْتُمُونِي) انْتَهَى.
الثَّالِثَةُ: إذَا مَاتَ لَهُ أَقَارِبُ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ كَهَدْمٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْهِيزُهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، بَدَأَ بِالْأَخْوَفِ فَالْأَخْوَفِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا بَدَأَ بِالْأَبِ، ثُمَّ بِالِابْنِ، ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ قَدَّمَ أَفْضَلَهُمْ جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَخْوَفُ، ثُمَّ الْفَقِيرُ، ثُمَّ مَنْ سَبَقَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اسْتَوَوْا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، قَدَّمَ أَسَنَّهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي السِّنِّ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ.
فَوَائِدُ. قَوْلُهُ (غُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) اعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِغُسْلِهِ شُرُوطٌ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ طَهُورٍ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ مُسْلِمًا، فَلَا يَصِحُّ غُسْلُ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ، إنْ اُعْتُبِرَتْ لَهُ النِّيَّةُ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ لَهُ النِّيَّةُ صَحَّ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يُغَسِّلُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَجُوزُ إذَا لَمْ تُعْتَبَرْ النِّيَّةُ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمَجْدِ، وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: الصَّحِيحُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، سَوَاءٌ اعْتَبَرْنَا لَهُ النِّيَّةَ أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا حَضَرَ مُسْلِمٌ وَأَمَرَ كَافِرًا بِمُبَاشَرَةِ غُسْلِهِ، فَغَسَّلَهُ نَائِبًا عَنْهُ: صَحَّ غُسْلُهُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْمَجْدُ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَصِحَّ الْغُسْلُ هُنَا، لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْغُسْلِ.
فَيَصِحُّ كَالْحَيِّ إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فَأَمَرَ كَافِرًا بِغَسْلِ أَعْضَائِهِ. وَكَذَا الْأُضْحِيَّةُ إذَا بَاشَرَهَا ذِمِّيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ، اعْتِمَادًا عَلَى نِيَّةِ الْمُسْلِمِ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفُرُوعِ، وَوَجْهٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ إنْ صَحَّ غُسْلُ الْكَافِرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ غَسَلَهُ الْكَافِرُ وَقُلْنَا: يَصِحُّ يَمَّمَهُ مَعَهُ مُسْلِمٌ. وَيَأْتِي غُسْلُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
وَمِنْ الشُّرُوطِ: كَوْنُ الْغَاسِلِ عَاقِلًا، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ جُنُبًا وَحَائِضًا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِيهِمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى، وَعَنْهُ فِي الْحَائِضِ: لَا يُعْجِبُنِي، وَالْجُنُبُ أَيْسَرُ، وَقِيلَ: الْمُحْدِثُ مِثْلُهُمَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُغَسِّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا وَعَكْسُهُ، قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً عَارِفًا بِأَحْكَامِ الْغُسْلِ، وَقَالَ
أَبُو الْمَعَالِي: يَجِبُ ذَلِكَ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَنْبَغِي إلَّا ذَلِكَ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْمَعْرِفَةُ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ، وَيَصِحُّ غُسْلُ الْمُمَيِّزِ لِلْمَيِّتِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَيَجُوزُ مِنْ مُمَيِّزٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ مُمَيِّزًا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ غُسْلُ الْمُمَيِّزِ.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ كَأَذَانِهِ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الصِّحَّةَ قَالَ الْمَجْدُ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ إذَا اسْتَقَلَّ بِغُسْلِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. كَمَا لَمْ يُعْتَدَّ بِأَذَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ، بَلْ يَقَعُ فِعْلُهُ نَفْلًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: حَكَى بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ كَوْنِهِ غَاسِلًا لِلْمَيِّتِ، وَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، رِوَايَتَيْنِ، وَطَائِفَةٌ وَجْهَيْنِ قَالَ: وَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ كَأَذَانِهِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَكْفِي إنْ عَلِمَ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي: وَيُتَوَجَّهُ فِي مُسْلِمِي الْجِنِّ كَذَلِكَ وَأَوْلَى، لِتَكْلِيفِهِمْ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ،، وَتَأْتِي النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ هُنَاكَ أَيْضًا: هَلْ يُشْتَرَطُ الْعَقْلُ؟ .
قَوْلُهُ (غُسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ الْغُسْلِ مَنْ أَمْكَنَ غُسْلُهُ لَزِمَ نَبْشُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَجِبُ نَبْشُهُ، إذَا لَمْ يُخْشَ تَفَسُّخُهُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ تَغَيُّرُهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ نَبْشُهُ مُطْلَقًا. وَمِثْلُهُ مَنْ دُفِنَ غَيْرَ مُتَوَجِّهٍ إلَى
الْقِبْلَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُنْبَشُ إلَّا أَنْ يُخَافَ أَنْ يَتَفَسَّخَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ نَبْشُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ نَبْشُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا.
وَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ تَكْفِينِهِ فَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ دُفِنَ قَبْلَ الْغُسْلِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: لَا. كَسَتْرِهِ بِلَا تُرَابٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالنَّاظِمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ [وَالْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ] وَفِي الْمُنْتَخَبِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: وَلَوْ بَلِيَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ فَمَعَ تَفَسُّخِهِ لَا يُنْبَشُ فَإِذَا بَلِيَ كُلُّهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُنْبَشَ.
وَلَوْ كُفِّنَ بِحَرِيرٍ فَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي نَبْشِهِ وَجْهَيْنِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ نَبْشِهِ.
وَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَكَالْغُسْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ نَصَّ عَلَيْهِ لِيُوجِدَ شَرْطَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ عَدَمُ الْحَائِلِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي: لَا يُنْبَشُ.
وَيُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِإِمْكَانِهَا عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ قَالَ بَعْضُهُمْ: فَكَذَا غَيْرُهَا، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، كَتَحْسِينِ كَفَنِهِ، وَدَفْنِهِ فِي بُقْعَةٍ خَيْرٍ مِنْ بُقْعَتِهِ، وَدَفْنِهِ لِعُذْرٍ بِلَا غُسْلٍ وَلَا حَنُوطٍ، وَكَإِفْرَادِهِ لِإِفْرَادِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَبِيهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ قَالَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ: يُمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ إذَا دُفِنُوا فِي مُبَاحٍ، وَيَأْتِي إذَا وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ، أَوْ كُفِّنَ بِغَصْبٍ، أَوْ بَلَغَ مَالُ غَيْرِهِ: هَلْ يُنْبَشُ؟ وَهَلْ يَجُوزُ نَقْلُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ؟ .
قَوْلُهُ (وَأَوْلَى النَّاسُ بِهِ وَصِيُّهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ الْوَصِيُّ عَلَى الْوَلِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالْغُسْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَوْ صَحَّحْنَا الْوَصِيَّةَ بِالصَّلَاةِ فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُغَسِّلُ الْوَصِيُّ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَبُوهُ) بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا مِنْ النِّكَاحِ بِتَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ جَدُّهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْجَدِّ فَقَطْ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْأَخُ وَبَنُوهُ عَلَى الْجَدِّ حَكَاهَا الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ هُمَا سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَاتِهِ) نَسَبًا وَنِعْمَةً فَيُقَدَّمُ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إذْ قُلْنَا: هُمَا سَوَاءٌ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ. فَكَذَا هُنَا، وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ رِوَايَةً، وَاخْتَارَهَا وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَمُّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَمِنْ الْأَبِ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَعْمَامُ الْأَبِ وَنَحْوِهِ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْأَبِ ثُمَّ وَجَدْت الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ وَغَيْرَهُمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ) كَالْمِيرَاثِ فِي التَّرْتِيبِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ الْأَجَانِبُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَوْ صَاحِبُ النَّظْمِ: ثُمَّ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ صَدِيقُهُ وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ تَقْدِيمَ الْجَارِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ قَالَ: وَفِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الصَّدِيقِ نَظَرٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ثُمَّ ذَوِي رَحِمِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ثُمَّ أَصْدِقَاؤُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ، ثُمَّ غَيْرُهُمْ الْأَدْيَنُ الْأَعْرَفُ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا كُلِّهِ فِي الْأَحْرَارِ، أَمَّا الرَّقِيقُ: فَإِنَّ سَيِّدَهُ أَحَقُّ بِغُسْلِ عَبْدِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا حَقَّ لِلْقَاتِلِ فِي الْمَقْتُولِ إنْ لَمْ يَرِثْهُ، لِمُبَالَغَتِهِ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُتَّجَهُ فِي قَتْلٍ لَا يَأْثَمُ فِيهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْأَمِيرَ أَحَقُّ بِهَا بَعْدَ وَصِيِّهِ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ فِي التَّقْدِيمِ: إنَّمَا هُوَ فِي غُسْلِهِ أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ: فَأَحَقُّ النَّاسِ بِهَا وَصِيُّهُ كَمَا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ الْأَمِيرُ كَمَا قَالَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَمِيرُ عَلَى الْوَصِيِّ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الْوَصِيِّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ. ابْنِ أَحْمَدَ، نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْوَلِيُّ عَلَى السُّلْطَانِ جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ بِالنِّكَاحِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَثْنَاءِ بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ " وَإِبْخَاسُ الْأَبِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ "
فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: صِحَّةُ وَصِيَّتُهُ إلَى فَاسِقٍ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ إمَامَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ إلَيْهِ، وَإِنْ صَحَّحْنَا إمَامَتَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، الثَّانِيَةُ: لَوْ وَصَّى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إلَى اثْنَيْنِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ قِيلَ: يُصَلِّيَانِ مَعًا صَلَاةً وَاحِدَةً قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: يُصَلِّيَانِ مُنْفَرِدَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَمِيرِ هُنَا: هُوَ السُّلْطَانُ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ السُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ قُدِّمَ السُّلْطَانُ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَأَمِيرُ الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَمِيرُ الْبَلَدِ فَالْحَاكِمُ، قَالَهُ فِي الْفُصُولِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَذَكَرَ غَيْرُ صَاحِبِ الْفُصُولِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمِيرُ فَالنَّائِبُ مِنْ قَبْلِهِ فِي الْإِمَامَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَاكِمُ. الرَّابِعَةُ: لَيْسَ تَقْدِيمُ الْخَلِيفَةِ وَالسُّلْطَانِ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَبَعْدَ الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَبُوهُ، ثُمَّ جَدُّهُ، ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي غُسْلِهِ. فَيُقَدَّمُ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَعَمُّ الْأَبِ وَابْنُ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ كَانَ لِأَبٍ مِنْهُمْ، وَجَعَلَهُمَا الْقَاضِي فِي التَّسْوِيَةِ كَالنِّكَاحِ وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي تَقْدِيمِ أَخٍ الْأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ: رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: هُمَا سَوَاءٌ، قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ قِيلَ فِي التَّرْجِيحِ بِالْأُمُومَةِ وَجْهَانِ. كَنِكَاحٍ وَتَحَمُّلِ
عَقْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي وِلَايَةِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ: يُقَدَّمُ بَعْدَ الْأَمِيرِ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ. فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَلَمْ أَرَهُ هُنَا لِلْأَصْحَابِ ثُمَّ الزَّوْجِ بَعْدَ الْعَصَبَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ: تَقْدِيمُ الْعَصَبَاتِ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَشْهَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى الْعَصَبَةِ كَغُسْلِهَا، وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْآجُرِّيُّ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهِيَ أَصَحُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَ الشَّرِيفُ: يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى ابْنِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاقْتَصَرَ ابْنُ تَمِيمٍ عَلَى كَلَامِ الشَّرِيفِ، فَأَبْطَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي بِتَقْدِيمِ أَبٍ عَلَى جَدٍّ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْخِلَافِ لِلْقَاضِي: الزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْمَيِّتَةِ مِنْهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَاسَ عَلَيْهِ ابْنُهُ مِنْهَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ مِنْ تَقْدِيمِ الزَّوْجِ: تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ عَلَى ذَوَاتِ قَرَابَتِهِ، وَعِنْدَ الْآجُرِّيِّ: يُقَدَّمُ السُّلْطَانُ، ثُمَّ الْوَصِيُّ، ثُمَّ الزَّوْجُ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْعَصَبَاتِ عَلَى الزَّوْجِ يُقَدَّمُ ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى الزَّوْجِ أَيْضًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ثُمَّ السُّلْطَانُ، ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَالْمُرَادُ ثُمَّ الزَّوْجُ، إنْ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى عَصَبَةٍ. انْتَهَى.
فَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ: إذَا قَدَّمْنَا الْعَصَبَةَ عَلَى الزَّوْجِ، يُقَدَّمُ عَلَيْهِ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَإِذَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى الْعَصَبَةِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ بِطَرِيقِ أَوْلَى.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْأَحْرَارِ
وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ رَقِيقًا: فَإِنَّ سَيِّدَهُ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ السُّلْطَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ السُّلْطَانُ أَحَقُّ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. فَوَائِدُ. مَنْ قَدَّمَهُ الْوَلِيُّ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَوَكِيلُ كُلٍّ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي رُتْبَتِهِ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ لِلْفِعْلِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَأَوْلَى، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فَإِنْ غَابَ الْأَقْرَبُ بِمَكَانٍ تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ تَحَوَّلَتْ لِلْأَبْعَدِ، فَلَهُ مَنْعُ مَنْ قُدِّمَ بِوَكَالَةٍ وَرِسَالَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ، وَلَوْ قَدَّمَ الْوَصِيُّ غَيْرَهُ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ، قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَيَنْتَقِلُ إلَى مَنْ بَعْدَ الْوَصِيِّ، أَوْ يَفْعَلُهُ الْوَصِيُّ، وَلَوْ تَسَاوَى اثْنَانِ فِي الصِّفَاتِ.
فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يُقَدَّمُ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا.
جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، [وَنَظْمِهَا النِّهَايَةُ] وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لَوْ اجْتَمَعَ اثْنَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَاسْتَوَيَا وَتَشَاحَّا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْبَعِيدُ عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِتَقْدِيمِ الْقَرِيبِ
وَيُقَدَّمُ الْعَبْدُ الْمُكَلَّفُ عَلَى الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَالْمَرْأَةِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ أَجْنَبِيٌّ وَصَلَّى، فَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ خَلْفَهُ صَارَ إذْنًا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَيُشْبِهُ تَصَرُّفَ الْفُضُولِيِّ إذَا أُجِيزَ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُهُ: لَا يُعِيدُ غَيْرُ الْوَلِيِّ قَالَ: وَتَشْبِيهُهُ الْمَسْأَلَةَ بِتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ يَقْتَضِي مَنْعَ التَّقْدِيمِ بِلَا إذْنٍ قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَتَقْدِيمِ غَيْرِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ بِلَا إذْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ هُنَا لِمَنْعِ الصَّلَاةِ ثَانِيًا، وَكَوْنُهَا نَفْلًا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت: فَلَوْ صَلَّى الْأَبْعَدُ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَعَ حُضُورِ الْأَوْلَى بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ، كَصَلَاةِ غَيْرِ إمَامِ الْمَسْجِدِ الرَّاتِبِ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَلَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ افْتِيَاتٍ تَشِحُّ بِهِ الْأَنْفُسُ عَادَةً، بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَلَوْ مَاتَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُقَدَّمُ أَقْرَبُ أَهْلِ الْقَافِلَةِ إلَى الْخَيْرِ وَالْأَشْفَقُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ كَالْإِمَامَةِ.
قَوْلُهُ (وَغُسْلُ الْمَرْأَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا) حُكْمُ غُسْلِ الْمَرْأَةِ، إذَا أَوْصَتْ: حُكْمُ الرَّجُلِ إذَا أَوْصَى عَلَى مَا سَبَقَ، وَأَمَّا الْأَقَارِبُ، فَأَحَقُّ النَّاسِ يَغْسِلُهَا: أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا وَإِنْ عَلَتْ، ثُمَّ بِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ، ثُمَّ الْقُرْبَى. كَالْمِيرَاثِ، وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَكَذَا بِنْتُ أَخِيهَا وَبِنْتُ أُخْتِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: يُقَدَّمُ بَنَاتُ الْأَخِ عَلَى بَنَاتِ الْأُخْتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَصَبَةً وَلَوْ كَانَتْ ذَكَرًا فَهِيَ أَوْلَى، لَكِنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ.
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ قَالَ: وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ أَوْلَى النِّسَاءِ ذَاتُ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، ثُمَّ ذَاتُ الرَّحِمِ غَيْرُ الْمَحْرَمِ، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ
فَالْأَقْرَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ امْرَأَتَانِ فِي الْقُرْبِ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ فِيهَا، أَوْ عَدَمِهَا فَعِنْدَنَا هُمَا سَوَاءٌ، اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فَقَطْ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ كَانَتْ فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا: فَهِيَ أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بِنْتَيْ الْأَخِ وَالْأُخْتِ دُونَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي لِتَفْرِقَتِهِ وَجْهٌ. انْتَهَى. وَيُقَدَّمُ مِنْهُنَّ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ: حَتَّى وَالِيهِ وَقَاضِيهِ، ثُمَّ بَعْدَ أَقَارِبِهَا الْأَجْنَبِيَّاتُ، ثُمَّ الزَّوْجُ، أَوْ السَّيِّدُ، عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا.
قَوْلُهُ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ غُسْلُ صَاحِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ زَوْجَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَنَفَى الْخِلَافَ فِيهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، إنْ أُبِيحَتْ الرَّجْعِيَّةُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: أَوْ حُرِّمَتْ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا تَغْسِلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُغَسِّلُهُ مُطْلَقًا كَالصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ، وَحُكِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: تُغَسِّلُهُ لِعَدَمِ مَنْ يُغَسِّلُهُ فَقَطْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَلِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ غُسْلُ الْآخَرِ لِضَرُورَةٍ.
فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَهُ لِشَهْوَةٍ لَمْ تُغَسِّلْهُ؛ لِرَفْعِ ذَلِكَ حِلَّ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ وَطِئَ أُخْتَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ مَاتَ
فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُغَسِّلْهُ إلَّا أَنْ تَضَعَ عَقِيبَ مَوْتِهِ لِزَوَالِ الْحُرْمَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ تَنْبِيهٌ: أَثْبَتَ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَى الْمَجْدُ: أَنَّ ابْنَ حَامِدٍ وَغَيْرَهُ أَثْبَتَهَا، وَلَمْ يُثْبِتْهَا الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحُكِيَ عَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا فَذَكَرَهَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَ امْرَأَتَهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ: هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَنَصَرَهُ هُوَ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يُغَسِّلُهَا مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَعَنْهُ يُغَسِّلُهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَقَدْ سُئِلَ: هَلْ يُغَسِّلُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ زَوْجَهَا؟ فَقَالَ: كِلَاهُمَا وَاحِدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ، مَنْ يُغَسِّلُهُمَا فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ.
تَنْبِيهٌ: حَمَلَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَنَفْيِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَوْفَقُ لِنَصِّ أَحْمَدَ.
قَوْلُهُ (وَكَذَا السَّيِّدُ مَعَ سَرِيَّتِهِ وَهِيَ مَعَهُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لِلسَّيِّدِ غُسْلَ سُرِّيَّتِهِ، وَكَذَا الْعَكْسُ، لِبَقَاءِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهَا، أَوْ أَنَّ النَّفْيَ إذَا انْتَهَى تَقَرَّرَ حُكْمُهُ، وَعَنْهُ لَا يُغَسِّلُهَا وَلَا تُغَسِّلُهُ، وَقِيلَ: لَهُ تَغْسِيلُهَا دُونَهَا
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أُمُّ الْوَلَدِ مَعَ السَّيِّدِ وَهُوَ مَعَهَا كَالسَّيِّدِ مَعَ أَمَتِهِ وَهِيَ مَعَهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ لِلْأَمَةِ؛ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ مِنْ وَجْهٍ كَقَضَاءِ دَيْنٍ وَوَصِيَّةٍ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ جَازَ الْغُسْلُ، جَازَ النَّظَرُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرِ الْعَوْرَةِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَجَوَّزَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ بِلَا لَذَّةٍ، وَجَوَّزَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ: اللَّمْسَ وَالْخَلْوَةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي نَظَرِ الْفَرْجِ فَمَرَّةً أَجَازَهُ بِلَا لَذَّةٍ، وَمَرَّةً مَنَعَ قَالَ: وَالْمُعِينُ فِي الْغُسْلِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ كَالْغَاسِلِ فِي الْخَلْوَةِ بِهَا، وَالنَّظَرِ إلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إلَى الْآخَرِ بَعْدَ الْمَوْتِ، مَا عَدَا الْفَرْجَ، قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: قَدْ اُخْتُلِفَ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى امْرَأَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ.
فَائِدَةٌ: تَرْكُ التَّغْسِيلِ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالسَّيِّدِ أَوْ مَنْ فَعَلَهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى الزَّوْجَةِ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا [وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي السَّيِّدِ] وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ: تُقَدَّمُ عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَقِيَاسٌ: لَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي السَّيِّدِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الزَّوْجَةَ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ.
وَفِيهِ وَجْهٌ: هُمَا سَوَاءٌ، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي تَقْدِيمِ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى زَوْجَتِهِ وَعَكْسِهِ وَجْهَانِ فَحَكَى
الْخِلَافَ فِي أَنَّ الزَّوْجَةَ هَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ، أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجَةِ؟ وَأَطْلَقَهُمَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الَّذِي رَأَيْنَاهُ: هَلْ الزَّوْجَةُ أَوْلَى، أَوْ هُمَا سَوَاءٌ؟ فَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ، وَفِي تَقْدِيمِ زَوْجٍ عَلَى سَيِّدٍ وَعَكْسِهِ، وَتَسَاوِيهِمَا فَيَقْرَعُ: أَوْجُهٌ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ السَّيِّدِ فِي أَصَحِّ الِاحْتِمَالَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ تَسَاوِيهِمَا، قُلْت: الصَّوَابُ مَا صَحَّحَهُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ سَرِيَّتِهِ " أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَلَا الْمُعْتَدَّةَ مِنْ زَوْجٍ، وَقَدْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ مِنْ زَوْجٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي اسْتِبْرَاءٍ فَوَجْهَانِ وَلَا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا. انْتَهَى.
وَهَذَا فِيهِ إشْكَالٌ وَوَجْهُهُ: أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ غُسْلِ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا اجْتَمَعَ سَيِّدٌ وَزَوْجٌ هَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ؟ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ يُجَوِّزُوا لِلسَّيِّدِ غُسْلَهَا لَمَّا تَأَتَّى الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجِ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي عَنْ ذَلِكَ جَوَابٌ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي.
فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي فِي الْفُرُوعِ فَيَكُونُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ، وَيَكُونُ قَوْلًا لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ.
فَائِدَةٌ: لِلسَّيِّدِ غَسْلُ مُكَاتَبَتِهِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ لَهَا غَسْلُهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَطْأَهَا.
قَوْلُهُ (وَلِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ غُسْلُ مَا لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ كَانَ دُونَهَا بِلَحْظَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ لِلْجَارِيَةِ. وَقَالَ: لَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُمْنَعُ مِنْ غُسْلِهَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَعَنْهُ غُسْلِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ دُونَ سَبْعٍ إلَى ثَلَاثٍ، وَقَالَ الْخَلَّالُ: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ الْغَرِيبِ غُسْلُ ابْنَةِ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَالنَّظَرُ إلَيْهَا، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا: لِلرَّجُلِ غُسْلُ بِنْتِ خَمْسٍ فَقَطْ قَوْلُهُ (وَفِي غُسْلِ مَنْ لَهُ سَبْعٌ وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ، فَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى قَوْلٍ لِأَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى جَوَازِ غُسْلِ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهَا غُسْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْجَوَازَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ. انْتَهَى. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا قَوْلَانِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ غُسْلُهُ دُونَ الرَّجُلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ فَقَالَا: وَلِلْأُنْثَى غُسْلُ ذَكَرٍ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ وَلَا عَكْسَ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، فَجَعَلَهُ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: فَإِنَّمَا حَكَيَا الْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا أَوَّلًا، وَهُوَ أَوْلَى
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا غُسْلُ مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ غُسْلُ مَنْ لَهُ سَبْعٌ إلَى عَشْرِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، أَمْكَنَ الْوَطْءَ أَمْ لَا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: فَلَا عَوْرَةَ إذَنْ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ إذَا بَلَغَ عَشْرًا وَجْهًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَقِيلَ: تُحَدُّ الْجَارِيَةُ بِتِسْعٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُمَا غُسْلُهُمَا إلَى الْبُلُوغِ وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً.
قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ، أَوْ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ: يُمِّمَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ، وَعَنْهُ التَّيَمُّمُ وَصَبُّ الْمَاءِ سَوَاءٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ التَّيَمُّمُ بِحَائِلٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: أَوْ بِدُونِ حَائِلٍ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَمَسُّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَمَسُّ بِحَائِلٍ فَائِدَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ الْخُنْثَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَالرِّجَالُ أَوْلَى مِنْهُنَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: هُنَّ أَوْلَى مِنْهُمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ كَافِرًا، وَلَا يَدْفِنُهُ) ، وَكَذَا لَا يُكَفِّنُهُ، وَلَا يَتَّبِعُ جِنَازَتَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ ذَلِكَ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَعَلَّ مَا رَوَاهُ ابْنُ مُشَيْشٍ: قَوْلٌ قَدِيمٌ، أَوْ يَكُونُ
قَرَابَةً بَعِيدَةً، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِثْلَ مَا رَوَاهُ حَنْبَلٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَعَنْهُ يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ بِهِ دُونَ غُسْلِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَلِيَ قَرَابَتَهُ الْكَافِرَ، وَعَنْهُ يَجُوزُ دَفْنُهُ خَاصَّةً قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا غُسِّلَ أَنَّهُ كَثَوْبٍ نَجَسٍ فَلَا يُوَضَّأُ وَلَا يَنْوِي الْغُسْلَ، وَيُلْقَى فِي حُفْرَةٍ.
قُلْت: هَذَا مُتَعَيَّنٌ قَطْعًا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهَا رَكِبَ وَسَارَ أَمَامَهَا، قُلْت: قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْخَلَّالُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ بِذَلِكَ، لَمَّا مَاتَتْ أُمُّهُ: وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ» فَيُعَايَى بِهَا
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ: إذَا كَانَ الْكَافِرُ قَرَابَةً أَوْ زَوْجَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَسَوَّى فِي التَّبْصِرَةِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ.
قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَمَّا غُسْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ: فَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَجِدَ مَنْ يُوَارِيهِ غَيْرَهُ، فَيَدْفِنُهُ) قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَنْ تَابَعَهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ لَزَمَنَا دَفْنُهُ، ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: لَا يَلْزَمُنَا ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي أَيْضًا: مَنْ لَا أَمَانَ لَهُ كَمُرْتَدٍّ فَنَتْرُكُهُ طُعْمَةَ الْكَلْبِ، وَإِنْ غَيَّبْنَاهُ فَكَجِيفَةٍ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَخَذَ فِي غُسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّهَا بِلَا نِزَاعٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا صَغِيرًا دُونَ سَبْعٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ مُجَرَّدًا بِغَيْرِ سُتْرَةٍ وَيَجُوزُ مَسُّ عَوْرَتِهِ.
فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي الْغُسْلِ بِمَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ بَعْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْأَسَنُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ يُقَدَّمُ الْأَخْوَفُ، ثُمَّ الْفَقِيرُ، ثُمَّ مَنْ سَبَقَ. قَوْلُهُ (وَجَرَّدَهُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْخِرَقِيُّ: فَإِذَا أَخَذَ فِي غُسْلِهِ سَتَرَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ، وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ وَاسِعٍ [الْكُمَّيْنِ] جَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، انْتَهَى، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ، يُدْخِلُ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ ضَيِّقَ الْكُمَّيْنِ: فَتَقَ الدَّخَارِيصَ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَرَّدَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَا يَنْزِعُ قَمِيصَهُ إلَّا أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ فَيَفْتُقُ
الْكُمَّ، أَوْ رَأْسَ الدَّخَارِيصِ، أَوْ يُجَرِّدُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ قَوْلُهُ (وَيَسْتُرُ الْمَيِّتَ عَنْ الْعُيُونِ) فَيَكُونُ تَحْتَ سِتْرٍ، كَسَقْفٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يُغَسَّلُ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحْضُرُ إلَّا مَنْ يُعِينُ فِي غُسْلِهِ) وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ الْحُضُورُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: لِوَلِيِّهِ الدُّخُولُ عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُغَطَّى وَجْهُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَغَيَّرَ لِدَمٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَيُظَنُّ بِهِ السُّوءُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَكَذَا عَلَى مُغْتَسَلِهِ مُسْتَلْقِيًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ، وَقَالَ: وَنُصُوصُهُ يَكُونُ كَوَقْتِ الِاحْتِضَارِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بِرِفْقٍ إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْجُلُوسِ، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيقًا، وَيُكْثِرُ صَبَّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ) يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّ غَسْلَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ.
تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: غَيْرُ الْحَامِلِ فَإِنَّهُ لَا يَعْصِرُ بَطْنَهَا، لِئَلَّا يُؤْذِيَ الْوَلَدَ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَوَاشِي، وَغَيْرُهُمَا.
[قَوْلُهُ (ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيُنَجِّيهِ)، وَصِفَتُهُ: أَنْ يَلُفَّهَا عَلَى يَدِهِ، فَيَغْسِلُ بِهَا أَحَدَ الْفَرْجَيْنِ، ثُمَّ يُنَجِّيهِ، وَيَأْخُذُ
أُخْرَى لِلْفَرْجِ الْآخَرِ، وَفِي الْمُجَرَّدِ: يَكْفِي خِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْفَرْجَيْنِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهَا غُسِلَتْ وَأُعِيدَتْ] .
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَتِهِ وَلَا النَّظَرُ فِيهَا) يَعْنِي: إذَا كَانَ الْمَيِّتُ كَبِيرًا فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّ سَائِرَ بَدَنِهِ إلَّا بِخِرْقَةٍ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بَدَنُهُ كُلُّهُ عَوْرَةٌ إكْرَامًا لَهُ، مِنْ حَيْثُ وَجَبَ سِتْرُ جَمِيعِهِ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْضُرَهُ إلَّا مَنْ يُعِينُ عَلَى أَمْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ كَقَوْلِ الْأَصْحَابِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ: جَمِيعُ بَدَنِهِ عَوْرَةٌ؛ لِوُجُوبِ سَتْرِ جَمِيعِهِ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النِّيَّةَ لِغُسْلِهِ فَرْضٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَرْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فَرْضٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ: لَيْسَتْ بِفَرْضٍ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَجْهًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، لِحُصُولِ تَنْظِيفِهِ بِدُونِهَا، وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا: يَنْجُسُ بِمَوْتِهِ، صَحَّ غُسْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَائِدَةٌ: لَا يُعْتَبَرُ نَفْسُ فِعْلِ الْغُسْلِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْغَرِيقِ عَلَى الْأَظْهَرِ فَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ الْفِعْلِ، قَالَهُ فِي الْحَوَاشِي
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ تُرِكَ الْمَيِّتُ تَحْتَ مِيزَابٍ، أَوْ أُنْبُوبَةٍ، أَوْ مَطَرٍ، أَوْ كَانَ غَرِيقًا فَحَضَرَ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهِ وَنَوَى غُسْلَهُ إذَا اشْتَرَطْنَاهَا وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ غُسْلُهُ فِيهِ: أَجْزَأَ ذَلِكَ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا تُجْزِئُهُ. وَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مَاتَ بِغَرَقٍ أَوْ بِمَطَرٍ فَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَجِبُ تَغْسِيلُهُ، وَلَا يُجْزِئُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا إنْ اعْتَبَرْنَا الْفِعْلَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ نَوَى غُسْلَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى غُسْلِهِ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْفِعْلُ وَلَا النِّيَّةُ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَجِبُ غُسْلُ الْغَرِيقِ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَمَأْخَذُهَا وُجُوبُ الْفِعْلِ قَوْلُهُ (وَيُسَمِّي) حُكْمُ التَّسْمِيَةِ هُنَا: فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ حُكْمُهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ.
عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهَا قَوْلُهُ (وَيُدْخِلُ إصْبَعَيْهِ مَبْلُولَتَيْنِ بِالْمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفِي مَنْخِرَيْهِ فَيُنَظِّفُهُمَا) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَفْعَلُ ذَلِكَ بِخِرْقَةٍ خَشِنَةٍ مَبْلُولَةٍ، أَوْ بِقُطْنَةٍ يَلُفُّهَا عَلَى الْخَلَّالِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الْأَوْلَى نَصَّ عَلَيْهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى فِيهِ وَأَنْفِهِ وَلَا يُدْخِلُهُ فِيهِمَا.
فَائِدَةٌ: فِعْلُ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ
وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ، وَكَالْمَضْمَضَةِ.
فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِخِرْقَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَيُوَضِّئُهُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ وُضُوءَهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِقِيَامِ مُوجِبِهِ، وَهُوَ زَوَالُ عَقْلِهِ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ تَعْلِيقِهِ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ قَوْلُهُ (وَيَضْرِبُ السِّدْرَ، فَيَغْسِلُ بِرَغْوَتِهِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ) بِلَا نِزَاعٍ، وَقَوْلُهُ (وَسَائِرَ بَدَنِهِ) هُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَغْسِلُ بِرَغْوَةِ السِّدْرِ إلَّا رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَقَطْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا ضَرَبَ السِّدْرَ وَغَسَلَ بِرَغْوَتِهِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، أَوْ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَغْسِلَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجْعَلُ السِّدْرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْغَسَلَاتِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيُّ [أَنَّ السِّدْرَ يَكُونُ فِي الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ] وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. لِقَوْلِهِ " يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا " بَعْدَ ذِكْرِ السِّدْرِ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَجْعَلُ السِّدْرَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ اخْتَارَهُ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَعَنْهُ يَجْعَلُ السِّدْرَ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَيَكُونُ فِي الثَّالِثَةِ الْكَافُورُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا: ثَلَاثًا بِسِدْرٍ، وَآخِرُهَا بِمَاءٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُمْرَجُ جَسَدُهُ كُلَّ مَرَّةٍ بِالسِّدْرِ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُدْلَكُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُمْرَخُ بِسِدْرٍ مَضْرُوبٍ أَوَّلًا، وَأَمَّا صِفَةُ السِّدْرِ مَعَ الْمَاءِ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَكُونُ فِي كُلِّ الْمِيَاهِ شَيْءٌ مِنْ السِّدْرِ قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ السِّدْرِ يَسِيرًا، وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ الْقَرَاحُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي الْأَوَّلِ وَنَصُّهُ فِي الثَّانِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُذَرُّ السِّدْرُ فِيهِ وَإِنْ غَيَّرَهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ مَعَ الْمَاءِ سِدْرٌ يُغَيِّرُهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُطْرَحُ فِي كُلِّ الْمَاءِ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ السِّدْرِ لَا يُغَيِّرُهُ، وَقَالَ: الَّذِي وَجَدْت عَلَيْهِ أَصْحَابَنَا أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْغَسْلَةِ وَزْنُ دِرْهَمٍ وَنَحْوُهُ مِنْ السِّدْرِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَطَائِفَةٌ مِمَّنْ تَبِعَهُمَا: يُغَسَّلُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِثِقَلِ السِّدْرِ، ثُمَّ يُغَسَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ.
فَيَكُونُ الْجَمِيعُ غَسْلَةً وَاحِدَةً وَالِاعْتِدَادُ بِالْآخَرِ دُونَ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ زَالَ السِّدْرُ أَوْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يَعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَسَلَاتِ الَّتِي فِيهَا السِّدْرُ فِي عَدَدِ الْغَسَلَاتِ.
فَائِدَةٌ: يَقُومُ الْخِطْمِيُّ وَنَحْوُهُ مَقَامَ السِّدْرِ قَوْلُهُ (ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ فِي غُسْلِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ بِصَفْحَةِ عُنُقِهِ، ثُمَّ بِالْكَتِفِ إلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ الْأَيْسَرُ كَذَلِكَ [ثُمَّ يَرْفَعُ جَانِبَهُ الْأَيْمَنَ وَيَغْسِلُ ظَهْرَهُ وَوَرِكَهُ وَفَخِذَهُ، وَيَفْعَلُ بِجَانِبِهِ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ] ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ الَّذِي فِي
الْكَافِي، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَهُوَ أَشْبَهُ بِفِعْلِ الْحَيِّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ لَا يَغْسِلُ الْأَيْسَرَ قَبْلَ إكْمَالِ غَسْلِ الْأَيْمَنِ فَائِدَةٌ: يُقَلِّبُهُ عَلَى جَنْبِهِ مَعَ غَسْلِ شِقَّيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُقَلِّبُهُ بَعْدَ غَسْلِهِمَا. قَوْلُهُ (يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ ذَلِكَ مَعَ الْوُضُوءِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَكَى رِوَايَةً قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ يُوَضِّئُ لِكُلِّ غَسْلَةٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّثْلِيثِ: غَيْرُ الْوُضُوءِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فَلَا يُوَضِّئُ إلَّا أَوَّلَ مَرَّةٍ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَيُعَادُ وُضُوءُهُ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ فِي غُسْلِهِ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي.
قَوْلُهُ (وَيُمِرُّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَدَهُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَقِبَ الثَّانِيَةِ [نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ يَلِينُ فَهُوَ أَمَكْنُ، وَعَنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَقِبَ الثَّالِثَةِ] وَقِيلَ: هَلْ يُمِرُّ يَدَهُ ثَلَاثًا، أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ مَرَّةً؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِالثَّلَاثِ، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، غَسَلَهُ إلَى خَمْسٍ. فَإِنْ زَادَ فَإِلَى سَبْعٍ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا لَمْ يُنَقَّ بِالثَّلَاثِ غَسَلَ إلَى خَمْسٍ فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِالْخَمْسِ غَسَلَ إلَى سَبْعٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَالْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَنَقَلَ ابْنُ وَاصِلٍ: يُزَادُ إلَى خَمْسٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ إلَى أَنْ يَنْفِيَ، وَيَقْطَعُ عَلَى وِتْرٍ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَذْكُرُ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَوْقَهَا عَدَدًا، وَقَوْلُ أَحْمَدَ " لَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ " مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى مَا إذَا غَسَلَ غُسْلًا مُنَقِّيًا إلَى سَبْعٍ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» .
الثَّانِيَةُ: إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَغْسِلُ إلَى خَمْسٍ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِلَى سَبْعٍ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعُ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْغُسْلَ وَجَبَ لِزَوَالِ عَقْلِهِ.
فَقَدْ وَجَبَ بِمَا لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِمَا تَبْطُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى، بِخِلَافِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يَبْطُلَ الْغُسْلُ بِأَنْ لَا يُوجِبَ الْغُسْلَ كَخَلْعِ الْخُفِّ لَا يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلِ، وَيَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِهِ. انْتَهَى.
مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ وَغَيْرَهُ قَطَعُوا أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ، بَلْ تُغْسَلُ النَّجَاسَةُ وَيُوَضَّأُ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَأْتِي إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ السَّبْعِ قَرِيبًا.
فَائِدَةٌ: لَوْ لَمَسَتْهُ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ، وَانْتَقَضَ طُهْرُ الْمَلْمُوسِ: غُسِّلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ. فَيُعَايَى بِهَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَوَضَّأُ فَقَطْ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَفْظُ الْمُصَنِّفِ وَإِطْلَاقُهُ يَعُمُّ الْخَارِجَ النَّاقِضَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ إعَادَةَ غُسْلِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَسْهَلُ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا يُعَادُ الْغُسْلُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي كَوْنِهِ حَدَثًا مِنْ الْحَيِّ خِلَافًا فَنَقَصَتْ رُتْبَتُهُ عَنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ هُنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا يُعَادُ الْغُسْلُ مِنْ يَسِيرِهِ كَمَا يُنْقَضُ وُضُوءُ الْحَيِّ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، الثَّانِيَةُ: يَجِبُ الْغُسْلُ بِمَوْتِهِ. وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِزَوَالِ عَقْلِهِ، وَتَجِبُ إعَادَتُهُ إذَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَجَمِيعِ ذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ لَا غَيْرُ فَيُعَايَى بِهِنَّ.
قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ كَافُورًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُجْعَلُ الْكَافُورُ فِي كُلِّ الْغَسَلَاتِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ مَعَ الْكَافُورِ سِدْرٌ، عَلَى الصَّحِيحِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الْخَلَّالُ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: يُجْعَلُ وَحْدَهُ فِي مَاءٍ قَرَاحٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ.
قَوْلُهُ (وَالْمَاءُ الْحَارُّ وَالْخِلَالُ وَالْأُشْنَانُ يُسْتَعْمَلُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) إنْ اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بِلَا كَرَاهَةٍ. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُهُ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ كُرِهَ فِي الْخِلَالِ وَالْأُشْنَانِ بِلَا نِزَاعٍ، وَيُكْرَهُ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ مُوجِبُهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَامِدٍ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِغُسْلِهِ فِي الْحَمَّامِ نَقَلَهُ مُهَنَّا.
فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ (وَيَقُصُّ شَارِبَهُ) بِلَا نِزَاعٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يُقَلِّمُهَا قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: إنْ طَالَتْ وَفَحُشَتْ أُخِذَتْ وَإِلَّا فَلَا.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يَأْخُذُ شَعْرَ إبْطَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُهُ، وَقِيلَ: إنْ فَحُشَ أَخَذَهُ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: لَا يَأْخُذُ شَعْرَ عَانَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يَأْخُذُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَعَنْهُ إنْ فَحُشَ أَخَذَهُ: وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَيَأْخُذُ مَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَعَلَى رِوَايَةِ جَوَازِ أَخْذِهِ: يَكُونُ بِنَوْرَةٍ، لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: لِأَنَّهَا أَسْهَلُ مِنْ الْحَلْقِ بِالْحَدِيدِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِحَلْقٍ أَوْ قَصٍّ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ
قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَإِنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَعَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ] ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. [وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ]، وَقِيلَ: يُزَالُ بِأَحَدِهِمَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيُزَالُ شَعْرُ عَانَتِهِ بِالنُّورَةِ، أَوْ بِالْحَلْقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ [وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى] وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ: لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِيَدِهِ: بَلْ يَكُونُ عَلَيْهَا حَائِلٌ، وَكُلُّ مَا أُخِذَ: فَإِنَّهُ يُجْعَلُ مَعَ الْمَيِّتِ كَمَا لَوْ كَانَ عُضْوًا سَقَطَ مِنْهُ، وَيُعَادُ غُسْلُ الْمَأْخُوذِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْهُ كَعُضْوٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ يُسْتَحَبُّ غُسْلُهُ.
الثَّالِثَةُ: يَحْرُمُ خَتْنُهُ، بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ، الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ حَلْقُ رَأْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُكْرَهُ قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَقُصُّ، وَقِيلَ: يَحْلِقُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ.
الْخَامِسَةُ: يُسْتَحَبُّ خِضَابُ شَعْرِ الْمَيِّتِ بِحِنَّاءٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِلشَّائِبِ دُونَ غَيْرِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَحَمَلَ نَصَّ أَحْمَدَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُخَضَّبُ مَنْ كَانَ عَادَتُهُ الْخِضَابَ فِي الْحَيَاةِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ وَلَا لِحْيَتُهُ) . هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُسَرَّحُ الْكَثِيفُ. وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَامِدٍ يُمَشَّطُ بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ فَأَمَّا الْمُحْرِمُ: فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا.
وَقَوْلُهُ (وَيُضْفَرُ شَعْرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَيُسْدَلُ مِنْ وَرَائِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُسْدَلُ أَمَامَهَا. قَوْلُهُ (ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ) ؛ لِئَلَّا يَبْتَلَّ كَفَنُهُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْحَيِّ فِي رِوَايَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَفِي الْوَاضِحِ أَيْضًا: لِأَنَّهُ مِنْ كَمَالِ غُسْلِ الْحَيِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ تَنْشِيفَ الْمَيِّتِ مُسْتَحَبٌّ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِ الْمَيِّتِ رِوَايَةً بِكَرَاهَةِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ كَدَمِ الشَّهِيدِ، وَفِي الْفُصُولِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ: لَا يَتَنَجَّسُ مَا نَشَّفَ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَتَنَجَّسُ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ السَّبْعِ حَشَاهُ بِالْقُطْنِ فَإِنْ لَمْ يُمْسِكْ فَبِالطِّينِ الْحُرِّ) إذَا خَرَجَ مِنْهُ بَعْدَ السَّبْعِ شَيْءٌ، سَدَّ الْمَكَانَ بِالْقُطْنِ وَالطِّينِ الْحُرِّ، وَلَا يُكْرَهُ حَشْوُ الْمَحَلِّ إنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بِذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (ثُمَّ يُغْسَلُ الْمَحَلُّ) ، وَيُوَضَّأُ، وَلَا يُزَادُ عَلَى السَّبْعِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً لَكِنْ إنْ خَرَجَ شَيْءٌ غُسِلَ الْمَحَلُّ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَعْدُ الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ. فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ.
قَوْلُهُ (وَيُوَضَّأُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب. وَعَنْهُ لَا يُوَضَّأُ لِلْمَشَقَّةِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يُلْجِمُ الْمَحَلَّ بِالْقُطْنِ فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ حَشَاهُ بِهِ. قَالَ: وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ فِيهَا يَعْنِي بِهِ أَبَا الْمَعَالِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي أَكْفَانِهِ: لَمْ يَعُدْ إلَى الْغُسْلِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَعَنْهُ يُعَادُ غُسْلُهُ، وَيَطْهُرُ كَفَنُهُ، وَعَنْهُ يُعَادُ غُسْلُهُ، إنْ كَانَ غُسِلَ دُونَ سَبْعٍ، وَعَنْهُ يُعَادُ غُسْلُهُ مِنْ الْخَارِجِ، إذَا كَانَ كَثِيرًا قَبْلَ تَكْفِينَهُ وَبَعْدَهُ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَنَصُّهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ خُرُوجُ الدَّمِ أَيْسَرُ، وَتَقَدَّمَ الِاحْتِمَالُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَيُغَسَّلُ الْمُحْرِمُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَلَا يُغَسَّلُ كَالْحَلَالِ، لِئَلَّا يَتَقَطَّعَ شَعْرُهُ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَا تُخَمَّرُ رَأْسُهُ) أَنَّهُ يُغَطِّي سَائِرَ بَدَنِهِ، فَيُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: الْمَنْعُ مِنْ تَغْطِيَةِ رِجْلَيْهِ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالتَّلْخِيصُ قَالَ الْخَلَّالُ: هُوَ وَهْمٌ مِنْ نَاقِلِهِ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا فِي الْأَحَادِيثِ، وَلَا رَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ أَبِي عَبْد اللَّهِ غَيْرُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ عِنْدِي وَهْمٌ مِنْ حَنْبَلٍ، وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُغَطِّي جَمِيعَ بَدَنِ الْمُحْرِمِ إلَّا رَأْسَهُ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلَيْنِ. وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ تَغْطِيَتِهِمَا فِي حَيَاتِهِ. فَهَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: فَلَا يُقَالُ: كَلَامُ الْخِرَقِيِّ خَرَجَ عَلَى الْمُعْتَادِ.
إذْ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ» أَيْ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ. وَالْعَادَةُ: أَنَّهُ لَا يُغَطَّى مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رِجْلَيْهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ تَحْرِيمِ أَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ تَغْطِيَةَ قَدَمَيْ الْحَيِّ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَالْخُفِّ وَالْجَوْرَبِ وَالْجُمْجُمِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ اسْتَيْقَنَا تَحْرِيمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَادُ فِيهِ: سَتْرُهُمَا بِالْكَفَنِ فَكَانَ التَّحْرِيمُ أَوْلَى. انْتَهَى. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَعَنْهُ لَا يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ
فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: يُجَنَّبُ الْمُحْرِمُ الْمَيِّتُ مَا يُجَنَّبُ فِي حَيَاتِهِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ، لَكِنْ لَا يَجِبُ الْفِدَاءُ عَلَى الْفَاعِلِ بِهِ مَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ لَوْ فَعَلَهُ حَيًّا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَسْتُرُ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْأَصْحَابِ: أَنَّ بَقِيَّةَ كَفَنِهِ كَحَلَالٍ. وَذَكَرَ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: الْجَوَازَ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي أَحْكَامِ الْمُحْرِمِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً: فَإِنَّهُ يَجُوزُ إلْبَاسُهَا الْمَخِيطَ، وَتُجَنَّبُ مَا سِوَاهُ، وَلَا يُغَطَّى وَجْهُهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، الثَّالِثَةُ: لَا تُمْنَعُ الْمُعْتَدَّةُ إذَا مَاتَتْ مِنْ الطِّيبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تُمْنَعُ.
قَوْلُهُ (وَالشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ) سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَحْتَمِلُ أَنَّ
غُسْلَهُ مُحَرَّمٌ، وَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ قَطَعَ أَبُو الْمَعَالِي بِالتَّحْرِيمِ، وَحَكَى رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَجُوزُ غُسْلُهُ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ لِأَصْحَابِنَا: هَلْ غُسْلُ الشَّهِيدِ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ فَيُحْتَمَلُ الْحُرْمَةُ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا) يَعْنِي فَيُغَسَّلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَعَنْهُ لَا يُغَسَّلُ أَيْضًا.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: حُكْمُ مَنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حُكْمُ الْجُنُبِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَكَذَا كُلُّ غُسْلٍ وَجَبَ قَبْلَ الْقَتْلِ كَالْكَافِرِ يُسْلِمُ ثُمَّ يُقْتَلُ، وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ: لَا يُغَسَّلُ، وَإِنْ غُسِّلَ غَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا: فَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْغُسْلِ.
فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ: فَهَلْ يُوَضَّأُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي، قُلْت: الَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُوَضَّأُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْغُسْلِ [وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ] .
الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ عَلَى الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الدَّمِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تُغَسَّلُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِبَقَائِهَا كَالدَّمِ فَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَوْ لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِزَوَالِ الدَّمِ لَمْ يَجُزْ إزَالَتُهَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِغَسْلِهَا مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.
الثَّالِثَةُ: صَرَّحَ الْمَجْدُ بِوُجُوبِ بَقَاءِ دَمِ الشَّهِيدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَذَكَرُوا رِوَايَةَ كَرَاهَةِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ، كَدَمِ الشَّهِيدِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحَبَّ كَفَّنَهُ فِي غَيْرِهَا) يَعْنِي إنْ أَحَبَّ كَفَّنَ الشَّهِيدَ فِي ثِيَابٍ غَيْرِ الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشَذَّ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فَجَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدٍ، قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجِبُ دَفْنُهُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَجِبُ دَفْنُهُ فِي بَقِيَّةِ ثِيَابِهِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فَلَا يُزَادُ عَلَى ثِيَابِهِ، وَلَا يُنْقَصُ عَنْهَا بِحَسَبِ الْمَسْنُونِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ لِيَحْصُلَ الْمَسْنُونُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي التَّنْبِيهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَحُكِيَ عَنْهُ: تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ إنْ شَاءَ صَلَّى وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُصَلِّ
فَعَلَيْهَا: الصَّلَاةُ أَفْضَلُ، عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ تَرْكُهَا أَفْضَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِي الشَّهِيدِ الَّذِي لَا يُغَسَّلُ فَأَمَّا الشَّهِيدُ الَّذِي يُغَسَّلُ: فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.
فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ قِيلَ: سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ حَيٌّ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ.
[وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُ لَهُ] وَقِيلَ: لِقِيَامِهِ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ حَتَّى قُتِلَ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَشْهَدُ مَا أُعِدَّ لَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِالْقَتْلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شَهِدَ لِلَّهِ بِالْوُجُودِ وَالْإِلَهِيَّةِ بِالْفِعْلِ، كَمَا شَهِدَ غَيْرُهُ بِالْقَوْلِ، وَقِيلَ: لِسُقُوطِهِ بِالْأَرْضِ. وَهِيَ الشَّهَادَةُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِوُجُوبِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: مِنْ أَجْلِ شَاهِدِهِ، وَهُوَ دَمُهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَبِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ بِظَاهِرِ حَالِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُشْهَدُ لَهُ بِالْأَمَانِ مِنْ النَّارِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِكَوْنِهِ شَهِيدًا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ إلَّا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ الَّذِي يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ عَشَرَ قَوْلًا، ذَكَرَ السَّبْعَةَ الْأُولَى: ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالثَّلَاثَةَ الَّتِي بَعْدَهَا: ابْنُ قُرْقُورٍ فِي الْمَطَالِعِ، وَالْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ: ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَقَالَ: وَبَعْضُ هَذَا يَخْتَصُّ بِمَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَبَعْضُهَا يَعُمُّ غَيْرَهُ. انْتَهَى. وَلَا يَخْلُو بَعْضُهَا مِنْ نَوْعِ تَدَاخُلٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ، أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ) يَعْنِي غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ، أَوْ رَفَسَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ مِنْهَا قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَكَذَا مَنْ عَادَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ فِيهَا نَصَّ عَلَيْهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى
عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
وَقِيلَ: لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَحُكِيَ رِوَايَةً وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَدِيمًا فِيمَنْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ، أَوْ عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ فَمَاتَ، أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ فِي بِئْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْعَدُوِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ بِهِ [قَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ أَنَّهُ إذَا عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ فَقَتَلَهُ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَصَرَاهُ] .
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ) هَكَذَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَزَادَ أَبُو الْمَعَالِي " وَلَا دَمَ فِي أَنْفِهِ وَدُبُرِهِ، أَوْ ذَكَرِهِ " قَوْلُهُ (أَوْ حُمِلَ فَأَكَلَ أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ) يَعْنِي لَوْ جُرِحَ فَأَكَلَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ جُرِحَ فَشَرِبَ، أَوْ نَامَ، أَوْ بَالَ، أَوْ تَكَلَّمَ، زَادَ جَمَاعَةٌ: أَوْ عَطَسَ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَوْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقِيلَ: لَا يُغَسَّلُ إلَّا إذَا طَالَ الْفَصْلُ، أَوْ أَكَلَ فَقَطْ.
اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي: التَّحْدِيدُ بِطُولِ الْفَصْلِ أَوْ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ ذَوِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، وَطُولُ الْفَصْلِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا فَأَمَّا الشُّرْبُ وَالْكَلَامُ: فَيُوجَدَانِ مِمَّنْ هُوَ فِي السِّيَاقِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ، وَعَنْهُ يُغَسَّلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا مَعَ جِرَاحَةٍ كَثِيرَةٍ، وَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ مَعَهَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ بِهِ ذَلِكَ، فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّهَدَاءِ. وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِتَقَضِّي الْحَرْبِ فَمَتَى مَاتَ وَهِيَ قَائِمَةٌ لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَوْ وُجِدَ مِنْهُ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا غُسِّلَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ عَنْ مَذْهَبِنَا. انْتَهَى.
قَالَ الْآمِدِيُّ: إذَا خَرَجَ الْمَجْرُوحُ مِنْ الْمَعْرَكَةِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ تَقَضِّي الْقِتَالِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْتَى قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيَامِ الْحَرْبِ فَإِنْ مَاتَ وَهِيَ قَائِمَةٌ لَمْ يُغَسَّلْ، وَإِنْ انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ غُسِّلَ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ خُرُوجُهُ مِنْ الْمَعْرَكَةِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَ الْجَمَاعَةُ: إنَّمَا يُتْرَكُ غُسْلُ مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَإِنْ حُمِلَ وَفِيهِ رَوْحٌ غُسِّلَ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ عُرْفًا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا) كَقَتِيلِ اللُّصُوصِ وَنَحْوِهِ (فَهَلْ يُلْحَقُ بِالشَّهِيدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، إحْدَاهُمَا: يُلْحَقُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُغَسَّلُ الْمَقْتُولُ ظُلْمًا عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُلْحَقُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: دَخَلَ فِي كَلَامِهِ: إذَا قَتَلَ الْبَاغِي الْعَادِلَ، وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَتَيْنِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَقِيلَ: بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ قَتِيلِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ يَلْحَقُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ إنْ قُتِلَ فِي مُعْتَرَكٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. كَقَتِيلِ الْبُغَاةِ وَالْخَوَارِجِ فِي الْمَعْرَكَةِ، أَوْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ صَبْرًا فِي غَيْرِ حَرْبٍ، كَخُبَيْبٍ، وَإِلَّا فَلَا.
فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: قِيلَ: إنَّمَا لَمْ يُغَسَّلْ الشَّهِيدُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، لِكَثْرَةِ الشُّهَدَاءِ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ لَمْ يُغَسَّلُوا، وَقِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِئَلَّا يَزُولَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ الْمَطْلُوبُ بَقَاؤُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ قِيلَ: لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَالصَّلَاةُ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْمَوْتَى، وَقِيلَ: لِغِنَاهُمْ عَنْ الشَّفَاعَةِ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الشَّهِيدُ غَيْرُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ: بِضْعَةُ عَشَرَ، مُفَرَّقَةٌ فِي الْأَخْبَارِ، وَمِنْ أَغْرَبِهَا «مَوْتُ الْغَرِيبِ: شَهَادَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْخَلَّالُ مَرْفُوعًا وَأَغْرَبُ مِنْهُ «مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَابْنُ مُنَجَّا، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ: كَوْنُ الْعِشْقِ شَهَادَةً مُحَالٌ، وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِذَا وُلِدَ السِّقْطُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لِدُونِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ: أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ فَقَالَ:
بَعْدَ أَرْبَعِ الشُّهُورِ سِقْطٌ يُغَسَّلُ
…
وَصُلِّيَ وَلَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ نَقَلُوا
وَعَنْهُ مَتَى بَانَ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.
[وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى] وَجَزَمَ بِهِ فِي، الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَقَالَ: وَقَدْ ضَبَطَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْحَيَاةِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ هَذَا الْمَوْلُودِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ لَا يُسَمَّى إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُبْعَثُ قَبْلَهَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ: يُبْعَثُ قَبْلَهَا. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: لَا يُقْطَعُ بِإِعَادَتِهِ وَعَدَمِهَا كَالْجَمَادِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْعَلَقَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُعَادُ وَلَا يُحَاسَبُ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أَيْضًا، وَإِنْ جُهِلَ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ سُمِّيَ بِاسْمٍ صَالِحٍ لَهُمَا، كَطَلْحَةَ وَهِبَةَ اللَّهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ السِّقْطُ مِنْ كَافِرٍ فَإِنَّ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَكَمُسْلِمٍ، وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ.
الرَّابِعَةُ: مَنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْفِينَهُ، وَأُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ سَلًّا. كَإِدْخَالِهِ فِي الْقَبْرِ مَعَ خَوْفِ فَسَادٍ أَوْ حَاجَةٍ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ يُثْقَلُ بِشَيْءٍ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: وَلَا مَوْضِعَ لَنَا الْمَاءُ فِيهِ بَدَلٌ عَنْ التُّرَابِ إلَّا هُنَا فَيُعَايَى بِهَا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، مِثْلُ اللَّدِيغِ وَنَحْوِهِ) وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يُيَمَّمُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْظِيفُ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْمُحْتَرِقِ وَنَحْوِهِ: يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ. كَمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِمَعْرَكَةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيمَنْ خِيفَ تَلَاشِيهِ بِهِ يُغَسَّلُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي فِيمَنْ تَعَذَّرَ خُرُوجُهُ مِنْ تَحْتِ هَدْمٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ كَمُحْتَرِقٍ.
قَوْلُهُ (وَعَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا) شَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا رَأَى غَيْرَ الْحَسَنِ. الثَّانِيَةُ: إذَا رَأَى حَسَنًا. الْأُولَى صَرِيحَةٌ فِي كَلَامِهِ، وَالثَّانِيَةُ: مَفْهُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ غَيْرِ الْحَسَنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَعَلَى الْغَاسِلِ " لِأَنَّ " عَلَى " ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ إظْهَارُ الْحَسَنِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُ الْغَاسِلَ سِتْرُ الشَّرِّ، لَا إظْهَارُ الْخَيْرِ فِي الْأَشْهَرِ فِيهِمَا نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا يُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَالتَّحَدُّثُ بِهِ حَرَامٌ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ سَتْرُ مَا رَآهُ مِنْ قَبِيحٍ، بَلْ يُسْتَحَبُّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ إظْهَارُ الْحَسَنِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِبِدْعَةٍ أَوْ قِلَّةِ دِينٍ أَوْ فُجُورٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ بِإِظْهَارِ الشَّرِّ عَنْهُ، وَسَتْرُ الْخَيْرِ عَنْهُ، لِتُجْتَنَبَ طَرِيقَتُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْكَافِي، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ عِنْدِي بِإِظْهَارِ الشَّرِّ عَنْهُ لِتُحْذَرَ طَرِيقُهُ. انْتَهَى. لَكِنْ هَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ أَوْ يُبَاحُ؟ قَالَ فِي النُّكَتِ: فِيهِ خِلَافٌ، قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَيَجِبُ كَفَنُ الْمَيِّتِ فِي مَالِهِ، مُقَدَّمًا عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارُوهُ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الرَّهْنِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَنَحْوِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: الْوَاجِبُ لِحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى ثَوْبُ وَاحِدٍ بِلَا نِزَاعٍ، فَلَوْ وَصَّى بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ تُسْمَعْ وَصِيَّتُهُ، وَكَذَا لِحَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَحَكَى رِوَايَةً. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، فَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ صَحَّ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا قُلْنَا يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ: لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْهَا. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، لَا عَلَى الدَّيْنِ [اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الدَّيْنِ] وَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَفِي الزَّائِدِ لِلْجَمَالِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: تَجِبُ ثَلَاثَةٌ لِلرَّجُلِ، وَخَمْسَةٌ لِلْمَرْأَةِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ ".
الثَّانِيَةُ: يَجِبُ مَلْبُوسُ مِثْلِهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ إذَا لَمْ يُوَصِّ بِدُونِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَكُونُ بِحَسَبِ حَالِهِ كَنَفَقَتِهِ فِي حَيَاتِهِ.
الثَّالِثَةُ: الْجَدِيدُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَتِيقِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ [مَا لَمْ يُوَصِّ بِغَيْرِهِ]، وَقِيلَ: الْعَتِيقُ الَّذِي لَيْسَ بِبَالٍّ أَفْضَلُ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: يُصَلِّي فِيهِ أَوْ يُحْرِمُ فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ وَيَضَعُهُ لِكَفَنِهِ؟ فَرَآهُ حَسَنًا، وَعَنْهُ يُعْجِبُنِي جَدِيدٌ أَوْ غَسِيلٌ، وَكُرِهَ لُبْسُهُ حَتَّى يُدَنِّسَهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَحْسِينِهِ وَلَا يَجِبُ، وَكَذَا قَالَ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحَيْضِ.
الرَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْكَفَنِ: أَنْ لَا يَصِفَ الْبَشَرَةَ، وَيُكْرَهُ إذَا كَانَ يَحْكِي هَيْئَةَ الْبَدَنِ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْ الْبَشَرَةَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا بِشَعْرٍ وَصُوفٍ، وَيَحْرُمُ بِجُلُودٍ، وَكَذَا بِحَرِيرٍ لِلْمَرْأَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَعَلَهُ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ احْتِمَالًا لِابْنِ عَقِيلٍ، [قُلْت: صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى النَّصِّ] وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، وَيَجُوزُ التَّكْفِينُ بِالْحَرِيرِ عِنْدَ الْعَدَمِ لِلضَّرُورَةِ، وَيَكُونُ ثَوْبًا وَاحِدًا وَالْمُذَهَّبُ مِثْلُ الْحَرِيرِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ.
وَيُكْرَهُ تَكْفِينُهَا بِمُزَعْفَرٍ وَمُعَصْفَرٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَيَجِيءُ الْخِلَافُ فَلَا يُكْرَهُ لَهَا، لَكِنَّ الْبَيَاضَ أَوْلَى. انْتَهَى. وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ بِمَا فِيهِ النُّقُوشُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفُصُولِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَيَحْرُمُ تَكْفِينَ الصَّبِيِّ بِحَرِيرٍ.
وَلَوْ قُلْنَا: بِجَوَازِ لُبْسِهِ فِي حَيَاتِهِ، قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ.
الْخَامِسَةُ: لَا يُكْرَهُ تَعْمِيمُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَابْنُ حَمْدَانَ] .
السَّادِسَةُ: لَوْ سُرِقَ كَفَنُ مَيِّتٍ كُفِّنَ ثَانِيًا نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ ثَانِيًا، وَثَالِثًا فِي الْمَنْصُوصِ، وَسَوَاءٌ قُسِّمَتْ التَّرِكَةُ أَوْ لَا، مَا لَمْ يُصْرَفْ فِي دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَلَوْ جُبِيَ لَهُ كَفَنٌ فَمَا فَضَلَ فَلِرَبِّهِ فَإِنْ جُهِلَ كُفِّنَ بِهِ آخَرُ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: تُصْرَفُ الْفَضْلَةُ فِي كَفَنِ آخَرَ، وَلَوْ عَلِمَ رَبُّهَا جَزَمَ بِهِ فِي
الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي مُنْتَخَبِ وَلَدِ الشِّيرَازِيِّ: هُوَ كَزَكَاةٍ فِي رِقَابٍ أَوْ غُرْمٍ. وَجَعَلَ الْمُدَّ اخْتِلَاطُهُ كَجَهْلِ رَبِّهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: الْفَضْلَةُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ وَرَثَةُ رَبِّهِ فَهُوَ إذْنٌ وَاضِحٌ مُتَعَيَّنٌ، قَالَا لِضَعْفٍ وَسَهْوٍ، وَلَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ أَوْ أَخَذَهُ بِكَفَنِهِ تَرَكَهُ، وَإِنْ كَانَ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ فَهُوَ لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ قَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: لِلْوَرَثَةِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَمَّا لَوْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ قَبْلَ الدَّفْنِ: فَإِنَّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ إجْمَاعًا، قَالَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي الْقَطْعِ وَالسَّرِقَةِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَالِمٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهَا لِأَصْحَابٍ قَالَ فِي الْفُنُونِ، قَالَ حَنْبَلٌ: وَيَكُونُ بِثَمَنِهِ، كَالْمُضْطَرِّ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ بِهِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ
فَائِدَةٌ: لَا يُكَفَّنُ ذِمِّيٌّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِلْعَدَمِ كَمُرْتَدٍّ، وَقِيلَ: يَجِبُ كَالْمَخْمَصَةِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ، لَكِنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ: لِمَصْلَحَتِنَا.
فَائِدَةٌ: لَوْ وُجِدَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَوُجِدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَمْوَاتِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجْمَعُ فِي الثَّوْبِ مَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ فِيهِ مِنْهُمْ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ الْأَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَالَ شَيْخُنَا: يُقَسَّمُ الْكَفَنُ بَيْنَهُمْ وَيَسْتُرُ بِمَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَوْرَتَهُ، وَلَا يُجْمَعُونَ فِيهِ
وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَوَّلِ قُلْت: فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنْ عَسْبٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ. انْتَهَى. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ هَذَا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرَ كُلَّ الْمَيِّتِ سَتَرَ رَأْسَهُ وَبَاقِيَهُ بِحَشِيشٍ أَوْ وَرَقٍ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ (وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى)، وَقِيلَ: بَلْ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَمَا فَضَلَ يَسْتُرُ بِهِ رَأْسَهُ، وَمَا يَلِيهِ.
[قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ] وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْحَوَاشِي، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ يُقَدَّمُ سَتْرُ رَأْسِهِ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِيهِ بِحَشِيشٍ، أَوْ كَحَالِ الْحَيَاةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا اجْتَمَعَ مَيِّتَانِ فَبُذِلَ لَهُمَا كَفَنَانِ، وَكَانَ أَحَدُ الْكَفَنَيْنِ أَجْوَدَ، وَلَمْ يُعَيِّنُ الْبَاذِلُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَقَطَعَ بِهِ، وَقَالَ: فِي كَلَامِ أَحْمَدَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: يُقَدَّمُ الْكَفَنُ عَلَى دَيْنِ الرَّهْنِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَنَحْوِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ.
قَوْلُهُ (إلَّا الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ، وَحُكِيَ رِوَايَةً، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ مَعَ عَدَمِ التَّرِكَةِ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا تَرِكَةٌ فَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ الزَّوْجِ.
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ، يُبْسَطُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ بَعْدَ تَجْمِيرِهَا)
بِلَا نِزَاعٍ. زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي يُجَمِّرُهَا ثَلَاثًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وِتْرًا، بَعْدَ رَشِّهَا بِمَاءِ وَرْدٍ وَغَيْرِهِ، لِيَعْلَقَ بِهَا الْبَخُورُ.
فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ زِيَادَةُ الرَّجُلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَصَحَّحَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَوْلُهُ (ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِيًا، وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ فِيمَا بَيْنَهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُذَرَّ بَيْنَ اللَّفَائِفِ حَتَّى عَلَى اللِّفَافَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ.
فَائِدَةٌ: الْحَنُوطُ وَالطِّيبُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا بَأْسَ بِالْمِسْكِ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْحَنُوطُ وَالطِّيبُ قَوْلُهُ (وَيُجْعَلُ مِنْهُ فِي قَطَنٍ يُجْعَلُ مِنْهُ أَلْيَتَيْهِ، وَيُشَدُّ فَوْقَهُ خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرَفِ، كَالتُّبَّانِ، تَجْمَعُ أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ) قَوْلُهُ (وَإِنْ طَيَّبَ جَمِيعَ بَدَنِهِ كَانَ حَسَنًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى دَاخِلَ عَيْنَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَنْصُوصُ يَكُونُ دَاخِلُ عَيْنَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يُطَيِّبُ أَيْضًا دَاخِلَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَقِيلَ: التَّطْيِيبُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُوضَعُ فِي عَيْنَيْهِ كَافُورٌ. الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ فِي الْحَنُوطِ
قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرُدُّ طَرَفَ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَرُدُّ طَرَفَهَا الْآخَرَ فَوْقَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَذَلِكَ) فَظَاهِرُهُ: أَنَّ طَرَفَ اللِّفَافَةِ الَّتِي مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ تُرَدُّ عَلَى اللِّفَافَةِ الَّتِي مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: لِئَلَّا يَسْقُطَ عَنْهُ الطَّرَفُ الْأَيْمَنُ إذَا وُضِعَ عَلَى يَمِينِهِ فِي الْقَبْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَوَاشِي، وَعَلَّلَهُ بِذَلِكَ، وَزَادَ فَقَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ الْأَحْيَاءِ فِي لُبْسِ الْأَقْبِيَةِ وَالْفُرْجِيَّاتِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ بِالْكَلَامِ الْأَخِيرِ، وَزَادَ: وَالْأَرْدِيَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَرُدُّ طَرَفَ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ طَرَفَهَا الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ كَذَلِكَ عَكْسُ الْأُولَى، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ قَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّهُ عَادَةُ لُبْسِ الْحَيِّ فِي قَبَاءٍ وَرِدَاءٍ وَنَحْوِهِمَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ مِنْ عِنْدِهِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (وَتُحَلُّ الْعُقَدُ فِي الْقَبْرِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَلَا يُخَرَّقُ الْكَفَنُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ تَخْرِيقِ الْكَفَنِ مُطْلَقًا، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يُخَرَّقُ إلَّا لِخَوْفِ نَبْشِهِ قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: وَلَوْ خِيفَ نَبْشُهُ لَا يُخَرَّقُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُخَرَّقُ إلَّا لِخَوْفِ نَبْشِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَلِفَافَةٍ جَازَ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ تَعَذَّرَتْ اللَّفَائِفُ كُفِّنَ فِي مِئْزَرٍ وَقَمِيصٍ وَلِفَافَةٍ فَظَاهِرُهُ: الْكَرَاهَةُ مَعَ عَدَمِ التَّعَذُّرِ، أَوْ لَا يَجُوزُ
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَكُونُ الْقَمِيصُ بِكُمَّيْنِ وَدَخَارِيصَ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا. الثَّانِيَةُ: الْإِزَارُ: الْقَمِيصُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يُزَرُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: إزَارٍ، وَخِمَارٍ، وَقَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: وَهُوَ أَوْلَى وَأَظْهَرُ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُكَفَّنُ بِخِرْقَةٍ يُشَدُّ بِهَا فَخِذَاهَا، ثُمَّ مِئْزَرٍ، ثُمَّ قَمِيصٍ وَخِمَارٍ، ثُمَّ لِفَافَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالْإِفَادَاتُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: هُوَ الِاخْتِيَارُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشَدُّ فَخِذَاهَا بِالْإِزَارِ تَحْتَ الدِّرْعِ، وَتُلَفُّ فَوْقَ الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ بِاللِّفَافَتَيْنِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَخِمَارٍ وَلِفَافَتَيْنِ، وَمَا يَشُدُّ بِهِ فَخِذَيْهَا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشَذَّ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فَزَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ مَا يَشُدُّ بِهِ فَخِذَيْهَا. انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا بَأْسَ أَنْ تُنَقَّبَ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَجْهًا: أَنَّهَا تَسْتُرُ بِالْخِرْقَةِ، وَهُوَ أَنْ يُشَدَّ فِي وَسَطِهَا، ثُمَّ يُؤْخَذُ أُخْرَى فَيُشَدُّ أَحَدُ طَرَفَيْهَا مِمَّا يَلِي ظَهْرَهَا وَالْأُخْرَى مِمَّا يَلِي السُّتْرَةَ، وَيَكُونُ لِجَامُهَا عَلَى الْفَرْجَيْنِ لِيُوقِنَ بِذَلِكَ مِنْ عَدَمِ خُرُوجِ خَارِجٍ، وَقَالَ: هُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَمْ يَذْكَرْ الْمُصَنِّفُ مَا يُكَفَّنُ بِهِ الْخُنْثَى، وَكَذَا غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ كَالْمَرْأَةِ. الثَّانِيَةُ: يُكَفَّنُ الصَّغِيرُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ فِي ثَلَاثَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ: وَإِنْ وَرِثَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَوْبٍ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. وَتُكَفَّنُ الصَّغِيرَةُ فِي قَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ إنْ كَانَ لَهَا دُونَ تِسْعٍ، وَكَذَا ابْنَةُ تِسْعٍ إلَى الْبُلُوغِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: أَنَّهَا مِثْلُ الْبَالِغَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتُكَفَّنُ الْجَارِيَةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ فِي لِفَافَتَيْنِ وَقَمِيصٍ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ، فَقِيلَ عَنْهُ: إنَّهُ الْبُلُوغُ الْمُعْتَادُ، وَقِيلَ وَهُوَ الْأَكْثَرُ عَنْهُ إنَّهُ بُلُوغُ تِسْعِ سِنِينَ. انْتَهَى. وَحَكَاهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ: سَتْرُ جَمِيعِهِ) يَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَجِبُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: تَجِبُ خَمْسَةٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْفَصْلِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَزِيَادَةً.
فَوَائِدُ. وَأَقْوَالٌ قَوْلُهُ (فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَتَقَدَّمَ مَنْ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فِي كَلَامِهِ أَيْضًا. وَتُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ بِلَا نِزَاعٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَسْقُطُ بِصَلَاةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ. وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا، وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ إلَّا بِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ بِنِسَاءٍ وَخَنَاثَى عِنْدَ عَدَمِ الرِّجَالِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَقَدَّمَ الْمَجْدُ سُقُوطَهُ الْفَرْضَ بِفِعْلِ الْمُمَيِّزِ كَغُسْلِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ، لِأَنَّهَا نَفْلٌ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَيَأْتِي هَلْ يُسَنُّ لِلنِّسَاءِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ جَمَاعَةً؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ، صَلَّيْنَ عَلَيْهِ " مُسْتَوْفًى
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ الصُّفُوفُ عَنْ ثَلَاثَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَوْ وَقَفَ فِيهَا فَذًّا جَازَ، عِنْدَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْمَعَالِي، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ أَنْ يُعَيِّنَ صَفًّا ثَالِثًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: فَتَكُونُ مَسْأَلَةً يُعَايَى بِهَا. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ، كَصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً فَذًّا لَمْ تَصِحَّ ".
الثَّانِيَةُ: لَمْ يُصَلَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِمَامٍ. إجْمَاعًا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ احْتِرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى
بِذَلِكَ» فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت: وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ اسْتَقَرَّ خَلِيفَةً بَعْدُ، فَيُقَدَّمُ فَلَوْ تَقَدَّمَ أَحَدٌ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى شَحْنَاءَ. انْتَهَى. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ قَبْلَ دَفْنِهِ.
قَوْلُهُ (السُّنَّةُ: أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهَا الْأَكْثَرُ أَيْضًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ، وَعِنْدَ مَنْكِبَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُذْهَبُ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْبُلْغَةُ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالنَّظْمُ، وَالْإِفَادَاتُ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ قَالَ الْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ: الْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ.
فَإِنَّ الْوَاقِفَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْآخَرِ لِتَقَارُبِهِمَا فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ وَقَفَ بَيْنَهُمَا: وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقِيلَ: يَقُومُ عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، قَوْلُهُ (وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْأَكْثَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ يَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ الْخَلَّالُ: رِوَايَةُ قِيَامِهِ
عِنْدَ صَدْرِ الْمَرْأَةِ سَهْوٌ، فِيمَا حَكَى عَنْهُ، وَالْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: يَقُومُ مِنْ الْخُنْثَى بَيْنَ الصَّدْرِ وَالْوَسَطِ.
وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الْوُقُوفِ إذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قَرِيبًا، وَتَحْدِيدُهُ فَائِدَةٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ، وَلَا غَيْرُهُ: مَوْقِفَ الْمُنْفَرِدِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْإِمَامِ. انْتَهَى. وَهُمْ كَمَا قَالَ، وَلَوْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ وَبِهَا قَطَعَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَالشَّرِيفِ يُسَوَّى بَيْنَ رَأْسَيْهِمَا، وَيَقِفُ حِذَاءَ صَدْرِهِمَا، وَعَنْهُ التَّخْيِيرُ، مَعَ اخْتِيَارِ التَّسْوِيَةِ قَوْلُهُ (وَيُقَدَّمُ إلَى الْأَمَامِ أَفْضَلُهُمْ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ السَّابِقُ، إلَّا الْمَرْأَةَ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ. انْتَهَى. ثُمَّ الْقُرْعَةُ، وَمَعَ التَّسَاوِي يُقَدَّمُ مَنْ اتَّفَقَ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ إلَى الْأَمَامِ الرَّجُلُ الْحُرُّ، ثُمَّ الْعَبْدُ الْبَالِغُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ الْحُرُّ، ثُمَّ الْعَبْدُ، ثُمَّ الْخُنْثَى، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ، ثُمَّ الْأَمَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ
وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَنَصَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الصَّبِيُّ عَلَى الْعَبْدِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ إذَا كَانَ دُونَهُ.
وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَتُقَدَّمُ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِهِمْ فِي تَقْدِيمِهِمْ إلَى الْأَمَامِ إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ ". الثَّانِيَةُ: يُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ أَمَامَهُمَا فِي الْمَسِيرِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْحَوَاشِي، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَالْحُكْمُ فِي التَّقْدِيمِ إذَا دُفِنُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ حُكْمُ التَّقْدِيمِ إلَى الْأَمَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ.
الرَّابِعَةُ: جَمْعُ الْمَوْتَى فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مُنْفَرِدِينَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَإِنْ أَمِنَ التَّغَيُّرُ عَلَيْهِمْ: فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى كُلِّ جِنَازَةٍ وَحْدَهَا فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِمْ التَّغَيُّرُ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ إمَامٌ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ صَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاةً وَاحِدَةً. انْتَهَى. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالتَّسْوِيَةِ.
قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُ وَسَطَ الْمَرْأَةِ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ) ، وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى مَا، قَالَهُ أَوَّلًا: أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ. فَكَذَا يُجْعَلُ إذَا اجْتَمَعُوا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّهُ يُخَالِفُ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ عِنْدَ
الِاجْتِمَاعِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُسَوِّي بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَيَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الرِّجَالِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَنَصَرَهُ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَعَنْهُ التَّخْيِيرُ مَعَ اخْتِيَارِ التَّسْوِيَةِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ جَعَلَ الْمَرْأَةَ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ أَوْ أَسْفَلَهُ فَلَا بَأْسَ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ مَوْتَى فَقَطْ، أَوْ نِسَاءٌ فَقَطْ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ رُءُوسِهِمْ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُجْعَلُونَ دَرَجًا. رَأْسَ هَذَا عِنْدَ رِجْلِ هَذَا، وَأَنَّ هَذَا وَالتَّسْوِيَةَ سَوَاءٌ قَالَ الْخَلَّالُ: عَلَى هَذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ، وَأَمَّا الْخَنَاثَى إذَا اجْتَمَعُوا: فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ رُءُوسِهِمْ.
الثَّانِيَةُ: إذَا اجْتَمَعَ مَوْتَى قُدِّمَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي وَنَصَرَهُ، وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَلِيُّ أَسْبَقِهِمْ حُضُورًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَلِيُّ أَسْبَقِهِمْ مَوْتًا، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَلِيُّ أَسْبَقِهِمْ غُسْلًا. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ فَإِنْ تَسَاوَوْا أُقْرِعَ، وَلِوَلِيِّ كُلِّ مَيِّتٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَلَاتِهِ عَلَى مَيِّتِهِ.
قَوْلُهُ (وَيُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِالْفَاتِحَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
وَعَنْهُ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إنْ صَلَّى فِي الْمَقْبَرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْبُزْرَاطِيِّ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: لَا يَقْرَأُ غَيْرَهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي مَذْهَبِنَا، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَتَعَوَّذُ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَتَعَوَّذُ قَالَ الْقَاضِي: يَخْرُجُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. الثَّانِيَةُ: لَا يَسْتَفْتِحُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ بَلَى اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَوْلُهُ (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّانِيَةِ) كَمَا فِي التَّشَهُّدِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِك الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيَائِك الْمُرْسَلِينَ، وَأَهْلِ طَاعَتِك أَجْمَعِينَ، مِنْ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَقَلَ " يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ "، وَقِيلَ: لَا تَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَكُونَ كَاَلَّتِي فِي التَّشَهُّدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَدْعُو فِي الثَّالِثَةِ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا وَرَدَ، وَمِمَّا وَرَدَ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَوَرَدَ غَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ فِي الثَّالِثَةِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: يَدْعُو لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَاحْتَجَّ الْمَجْدُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الثَّالِثَةِ، بَلْ يَجُوزُ فِي الرَّابِعَةِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا تَتَعَيَّنُ الثَّالِثَةُ لِلدُّعَاءِ، بَلْ لَوْ أَخَّرَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ إلَى الرَّابِعَةِ جَازَ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأُنْثَى الصَّغِيرَةِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: إنْ كَانَ صَغِيرًا زَادَ الدُّعَاءَ لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِلْخَبَرِ [وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِلْخَبَرِ] لَكِنْ زَادَ الدُّعَاءَ لَهُ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ: سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ لَهُ، وَفِي الْخِلَافِ لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ فِي الصَّبِيِّ الْأَشْبَهُ: أَنَّهُ يُخَالِفُ الْكَبِيرَ فِي الدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْفُصُولِ: أَنَّهُ يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ فَالْعُدُولُ إلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ هُوَ الْأَشْبَهُ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: إنْ لَمْ يُعْرَفْ إسْلَامُ وَالِدِيهِ دَعَا لِمَوَالِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ فِيمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَمَاتَ أَنَّهُ كَصَغِيرٍ. الثَّانِيَةُ: نَقَلَ حَنْبَلٌ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يُشِيرُ فِي الدُّعَاءِ بِإِصْبَعَيْهِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ: لَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ حَالَ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ نَصَّ عَلَيْهِ
الثَّالِثَةُ: يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ: إنْ كَانَ هَذَا الْمَيِّتُ أَوْ الشَّخْصُ إلَى آخَرَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُمْ. وَيَقُولُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ: إنَّ هَذِهِ أَمَتُك بِنْتُ أَمَتِك إلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ (وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْوُقُوفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَدْعُو بِشَيْءٍ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا يَقِفُ قَلِيلًا بَعْدَهَا لِيُكَبِّرَ آخَرَ الصُّفُوفِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَعَنْهُ يَقِفُ وَيَدْعُو. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْآجُرِّيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " عَلَى الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
وَقِيلَ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَقَالَ أَيْضًا: كُلٌّ حَسَنٌ، وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: وَيَقُولُ أَيُّهُمَا شَاءَ قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ يَقُولُ " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً إلَى آخِرِهِ " أَوْ يَدْعُو. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَيَدْعُو بَعْدَ الرَّابِعَةِ دُعَاءً يَسِيرًا، وَعَنْهُ يُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ فِي الرَّابِعَةِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا.
فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَلَا يُسَبِّحُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ حَرْبٌ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَقُولُ (السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) قَوْلُهُ (وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَةً ثَانِيَةً عَنْ يَسَارِهِ. ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ. قَوْلُهُ (عَلَى يَمِينِهِ) بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْأَوْلَى، وَتَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ " هَلْ تَجِبُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَمْ لَا؟ ".
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِالتَّسْلِيمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ يُسِرُّ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَالْهَيْئَاتُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَالْإِخْفَاتُ بِالْأَذْكَارِ مَا عَدَا التَّكْبِيرَةَ، وَالِالْتِفَاتُ فِي التَّسْلِيمِ إلَى الْيَمِينِ
انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُسِرُّهُ.
قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ: الْقِيَامُ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ، وَمُرَادُهُ: إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَرْضٌ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: وَقِيَاسُ جَوَازِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ مِنْ الْقَاعِدِ، وَجَوَازُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَاعِدًا: إذَا كَانَ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ ذَكَرُوا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: الْأَرْكَانَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقِيَامَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَالتَّكْبِيرَاتُ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً عَمْدًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَسَهْوًا يُكَبِّرُهَا مَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُعِيدُهَا كَمَا لَوْ طَالَ قَوْلُهُ (وَالْفَاتِحَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا تَجِبُ وَلَمْ يُوجِبْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقِرَاءَةَ. بَلْ اسْتَحَبَّهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ أَبِي طَالِبٍ، وَنَقَلَ ابْنُ وَاصِلٍ وَغَيْرُهُ: لَا بَأْسَ، وَعَنْهُ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَأَطْلَقَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى:
فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: يَجِبُ إنْ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَلَا وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ فِي النُّكَتِ قَوْلُهُ (وَالسَّلَامُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَهِيَ الْأُولَى، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ ثِنْتَانِ خَرَّجَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَاجِبَ وَلَعَلَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ: تَعَيُّنُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى، وَالصَّلَاةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالدُّعَاءِ فِي الثَّالِثَةِ، خِلَافًا لِلْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ فِي الْكَافِي لِمَا قَالَ، وَقَالَهُ فِي الْوَاضِحِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْمَجْدِ، انْتَهَى، قُلْت: صَرَّحَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ بِالتَّعْيِينِ فَقَالَ: وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ سِتَّةُ أَرْكَانٍ: النِّيَّةُ، وَالتَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ، وَالْفَاتِحَةُ بَعْدَ الْأُولَى، بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، وَالتَّسْلِيمَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً. انْتَهَى.
فَوَائِدُ. يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، إلَّا الْوَقْتَ قَالَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا حُضُورُ الْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ.
وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْمَسْبُوقِ قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: قُرْبُهَا مِنْ الْإِمَامِ مَقْصُودٌ، كَقُرْبِ الْمَأْمُومِ مِنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الدُّنُوُّ مِنْهَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِلصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ مَأْخَذَانِ. الْأَوَّلُ: اشْتِرَاطُ اسْتِقْرَارِ الْمَحَلِّ فَقَدْ يَخْرُجُ فِيهِ مَا فِي الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ وَعَلَى الرَّاحِلَةِ مَعَ اسْتِيفَاءِ الْفَرَائِضِ وَإِمْكَانِ الِانْتِقَالِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالثَّانِي: اشْتِرَاطُ مُحَاذَاةِ الْمُصَلِّي لِلْجِنَازَةِ، بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ أَعْلَى مِنْ رَأْسِهِ، وَهَذَا قَدْ يَخْرُجُ فِيهِ مَا فِي عُلُوِّ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ.
فَلَوْ وُضِعَتْ عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ، أَوْ مِنْبَرٍ: ارْتَفَعَ الْمَحْذُورُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي أَيْضًا: لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَعْنَاقِ، أَوْ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ صَغِيرٌ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ: لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهَا، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ: لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: صَلَاةُ الصَّفِّ الْأَخِيرِ بِلَا حَاجَةٍ، وَلَوْ حَصَلَ بَيْنَ الْجِنَازَةِ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ، وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوْضِعِ الصَّفِّ الْأَخِيرِ بِلَا حَاجَةٍ: لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ فِي تَابُوتٍ مُغَطَّى، وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَ كَشْفُهُ عَادَةً، وَلَا مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ حَائِلٍ غَيْرِهِ، وَقُلْت: يَصِحُّ كَالْمَكِّيَّةِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا: وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسَامِتَ الْإِمَامُ الْمَيِّتَ فَإِنْ لَمْ يُسَامِتْهُ كُرِهَ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ. انْتَهَى. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: تَطْهِيرُ الْمَيِّتِ بِمَاءٍ، أَوْ تَيَمُّمٍ لِعُذْرٍ أَوْ عَدَمٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ صَلَّى عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: إسْلَامُ الْمَيِّتِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ عَيْنِ الْمَيِّتِ، فَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْحَاضِرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ جَهِلَهُ نَوَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامَ، وَقِيلَ: لَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْأَوْلَى مَعْرِفَةُ ذُكُورِيَّتَهُ وَأُنُوثِيَّتَهُ، وَاسْمَهُ، وَتَسْمِيَتُهُ فِي دُعَائِهِ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى اُعْتُبِرَ تَعْيِينُهُ. كَتَزْوِيجِهِ إحْدَى مُوَلِّيَتَيْهِ فَإِنْ بَانَ غَيْرُهُ: فَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَقَالَ: إنْ نَوَى عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَبَانَ امْرَأَةً أَوْ عَكْسَهُ. فَالْقِيَاسُ: الْإِجْزَاءُ، لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ عَلَى الصِّفَةِ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى عَيْنَهُ فَإِنَّ عَيَّنَ مَيِّتًا فَبَانَ غَيْرُهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَبَّرَ خَمْسًا كَبَّرُوا بِتَكْبِيرِهِ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى أَزِيدَ مِنْهَا) وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ وَعَنْهُ لَا يُتَابَعُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَعَنْهُ يُتَابَعُ إلَى سَبْعٍ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا عَامَّةُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: تُوبِعَ عَلَى الْأَظْهَرِ إلَى سَبْعٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَعَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا: الْمُخْتَارُ أَرْبَعًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَا يُتَابَعُ الْإِمَامُ إذَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ، إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ بِدْعَتَهُ أَوْ رَفَضَهُ لِإِظْهَارِ شِعَارِهِمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ.
نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْخِلَافِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ خِلَافُ ذَلِكَ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هَلْ يَدْعُو بَعْدَ الزِّيَادَةِ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَدْعُوَ هُنَا.
[وَإِنْ قُلْنَا يَدْعُو هُنَاكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَدْعُوَ هُنَا فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَدْعُو هُنَاكَ] وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ كَبَّرَ، فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ ثَانِيَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ، فَكَبَّرَ وَنَوَاهَا لَهُمَا، وَقَدْ بَقِيَ فِي تَكْبِيرِهِ أَرْبَعٌ جَازَ عَلَى غَيْرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَخَرَّجَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَدَمَ الْجَوَازِ بِكُلِّ حَالٍ فَعَلَى الْمَنْصُوصِ: يَدْعُو عَقِيبَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: عَدَمُ الْجَوَازِ فِي كُلٍّ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَقِيلَ: يُكَبِّرُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ مُتَتَابِعًا. كَالْمَسْبُوقِ [وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ] وَقِيلَ: يَقْرَأُ فِي الْخَامِسَةِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي السَّادِسَةِ وَيَدْعُو فِي السَّابِعَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ [قَدَّمَهُ] فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يَقْرَأُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " فِي الرَّابِعَةِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَامِسَةِ وَيَدْعُو ولِلْمَيِّتِ فِي السَّادِسَةِ فَيَحْصُلُ لِلرَّابِعِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ [وَالصَّلَاةِ] الَّتِي حَضَرَتْ الْوَجْهَانِ [وَأَطْلَقَهُمْ أَيْضًا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالصَّوَابُ: أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجِنَازَةِ لَا تُشْرَعُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ " وَالصَّلَاةُ " زَائِدَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ] .
فَوَائِدُ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِمُجَاوَزَةِ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ عَمْدًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: تَبْطُلُ بِمُجَاوَزَةِ أَرْبَعٍ عَمْدًا، وَبِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَلِّمَ [قَبْلَ الْإِمَامِ] نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ
بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ وَيُسَلِّمُ، وَالْمُنْفَرِدُ كَالْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ، وَالْمَسْبُوقُ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُجَاوِزِ: إنْ شَاءَ قَضَى مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ مَعَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَالسَّلَامُ مَعَهُ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ كَبَّرَ الْإِمَامُ عَلَى الْجِنَازَةِ الرَّابِعَةِ ثَلَاثًا: تَمَّتْ لِلْمَسْبُوقِ صَلَاةُ جِنَازَةٍ، وَهِيَ الرَّابِعَةُ فَإِنْ أَحَبَّ سَلَّمَ مَعَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ لِتَتِمَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْجَمِيعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَتِمُّ صَلَاتُهُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَإِنْ سَلَّمَ مَعَهُ لِتَمَامِ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتِ لِلْجَمِيعِ، وَالْمَحْذُورُ النَّقْصُ عَنْ ثَلَاثٍ، وَمُجَاوَزَةُ سَبْعٍ.
وَلِهَذَا لَوْ جِيءَ بِجِنَازَةٍ خَامِسَةٍ لَمْ يُكَبِّرْ عَلَيْهَا الْخَامِسَةَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَجُوزُ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ كَالْحَاضِرِ. إجْمَاعًا وَكَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَهُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ شَاءَ كَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.
وَيَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ لِلتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَيَتَّبِعُهُ كَمَسْبُوقٍ يَرْكَعُ إمَامُهُ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: يُتِمُّهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الثَّانِيَةِ، وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِهِ أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَالْحَاضِرِ. وَكَإِدْرَاكِهِ رَاكِعًا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا لَا يُدْرِكُ، وَيَدْخُلُ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ، وَقِيلَ: يَدْخُلُ إنْ قُلْنَا بَعْدَهُمَا ذِكْرٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَقْضِي ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: أَرْبَعًا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ مَنْجَا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ،
وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ [وَالْحَاوِيَيْنِ] وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا: إنْ رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ قَبْلَ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ مُتَوَالِيًا، وَإِنْ لَمْ تُرْفَعْ قَضَاهُ صِفَتَهُ، ذَكَره الشَّارِحُ، وَقَالَ الْمَجْدُ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: فِيمَا إذَا خَشِيَ رَفْعَ الْجِنَازَةِ أَمَّا إنْ عَلِمَ بِعَادَةٍ أَوْ قَرِينَةٍ أَنَّهَا تَنْزِلُ: فَلَا تَرَدُّدَ أَنَّهُ يَقْضِي التَّكْبِيرَاتِ بِذِكْرِهَا، عَلَى مُقْتَضَى تَعْلِيلِ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ فَقَالَ: وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ فَإِنْ خَشِيَ رَفْعَهَا تَابَعَ. رُفِعَتْ أَمْ لَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَلَى صِفَتِهِ وَالْأَصَحُّ إلَّا أَنْ تُرْتَفَعَ، فَيُتَابِعُ. انْتَهَى. قُلْت: وَقَطَعَ غَالِبُ الْأَصْحَابِ بِالْمُتَابَعَةِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إنْ رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ: قَطَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهُ مُتَتَابِعًا قَوْلُهُ (فَإِنْ سَلَّمَ وَلَمْ يَقْضِهِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قُلْت: مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِق وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ الْقَضَاءُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْآجُرِّيُّ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَقَالَ: وَيَقْضِيهِ بَعْدَ سَلَامِهِ لَا يَأْتِي بِهِ، ثُمَّ يَتْبَعُ الْإِمَامَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ مَرَّةً ثَانِيَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ نَصَّا، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي: الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ. كَالْعِيدِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي ثَانِيًا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَمَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فَلَا يُعِيدُهَا إلَّا لِسَبَبٍ مِثْلُ أَنْ يُعِيدَ غَيْرُهُ الصَّلَاةَ فَيُعِيدُهَا مَعَهُمْ أَوْ يَكُونُ هُوَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَسِيلَةِ، وَفُرُوعِ أَبِي الْحُسَيْنِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ [أَنَّهُ يُصَلِّي ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ] وَالْمَجْدُ: يُصَلِّي عَلَيْهَا ثَانِيًا تَبَعًا، لَا اسْتِقْلَالًا إجْمَاعًا، وَيَأْتِي قَرِيبًا اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى الْغَائِبِ، ثُمَّ حَضَرَ: اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ " فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ النُّصُوصِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إلَى شَهْرٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، [وَالْحَاوِيَيْنِ] وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهَا إلَى سَنَةٍ، وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهَا مَا لَمْ يَبْلَ فَعَلَيْهِ لَوْ شَكَّ فِي بِلَاهُ صَلَّى، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: لَا يُصَلِّي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، [وَابْنُ تَمِيمٍ] .
وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهِ أَبَدًا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: لَا تَضُرُّ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الْقَاضِي كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: مَتَى صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ كَانَ الْمَيِّتُ كَالْإِمَامِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرُهُ.
الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوْقِيتِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَوَّلَ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ دَفْنِهِ جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. فَعَلَيْهِ: لَوْ لَمْ يُدْفَنْ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى شَهْرٍ: جَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوَّلَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، الثَّالِثَةُ: وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوْقِيتِ أَيْضًا: فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَحْرُمُ بَعْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ " صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ " هَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ فِيمَا أَعْلَمُهُ. يَعْنِي أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ، صَرَّحَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.
فَأَمَّا الصَّلَاةُ وَهُوَ خَارِجُ الْقَبْرِ فِي الْمَقْبَرَةِ: فَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ. الْخَامِسَةُ: مَنْ شَكَّ فِي الْمُدَّةِ: صَلَّى حَتَّى يَعْلَمَ فَرَاغَهَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ الْوَجْهُ فِي شَكِّهِ فِي بَقَائِهِ. السَّادِسَةُ: حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ فِي مِقْدَارِ الْمُدَّةِ: كَحُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ: إذَا تَفَسَّخَ الْمَيِّتُ فَلَا صَلَاةَ. السَّابِعَةُ: لَوْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْجَمَاعَةِ: اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي مَنْ لَمْ يُصَلِّ إلَى شَهْرٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَقِيلَ: لَا تُجْزِيهِ الصَّلَاةُ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِلُ بِهَا لِيَقْضِيَهَا بِدُخُولِهِ فِيهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَذَكَر الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ وَجْهًا: أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، مَعَ سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالْأَوْلَى، وَقَالَ أَيْضًا: فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ إذَا قَامَ بِهَا رَجُلٌ سَقَطَتْ، ثُمَّ إذَا فَعَلَ الْكُلُّ ذَلِكَ كَانَ كُلُّهُ فَرْضًا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ، لَكِنْ يُعْلَمُ إذَا فَعَلُوهُ جَمِيعًا، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِي فِعْلِ الْبَعْضِ بَعْدَ الْبَعْضِ: وَجْهَانِ الثَّامِنَةُ: لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ قَبْلَ الدَّفْنِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَسَبَقَ أَنَّهُ كَإِمَامٍ فَيَجِيءُ الْخِلَافُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَصَحَّحَ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحَّةَ كَالْمِلْكِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ (وَيُصَلِّي عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّيَّةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَصَاحِبُ النَّظْمِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْبَلَدِ بِمَا يُعَدُّ الذَّهَابُ إلَيْهِ نَوْعَ سَفَرٍ وَقَالَ: أَقْرَبُ الْحُدُودِ: مَا تَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِي خَمْسُونَ خُطْوَةً.
فَائِدَةٌ: مُدَّةُ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ كَمُدَّةِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: يُصَلِّي عَلَى الْغَائِبِ مُطْلَقًا، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ: لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُصَلَّى عَلَيْهِ لِلْمَشَقَّةِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبْطَلَهُ الْمَجْدُ بِمَشَقَّةِ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهَا تَخْرِيجٌ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْبَلَدُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْبَلَدِ الْكَبِيرِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْبَلَدُ الصَّغِيرُ: فَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ فِي جَانِبِهِ بِالنِّيَّةِ، قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ قَيَّدَ مُحَقِّقُوهُمْ الْبَلَدَ بِالْكَبِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ مُرَادَ مَنْ أَطْلَقَ: الْبَلَدُ الْكَبِيرُ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ الَّذِي كَانَ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ثَانِيًا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ (لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِيَةُ: لَا يُصَلَّى مُطْلَقًا عَلَى الْمُفْتَرَسِ الْمَأْكُولِ فِي بَطْنِ السَّبُعِ، وَاَلَّذِي قَدْ اسْتَحَالَ بِاحْتِرَاقِ النَّارِ وَنَحْوِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: عَلَى الْأَظْهَرِ
قَالَ فِي الْفُصُولِ: فَأَمَّا إنْ حَصَلَ فِي بَطْنِ السَّبُعِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ مَعَ مُشَاهَدَةِ السَّبُعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُصَلَّى عَلَيْهِمَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ فَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا تَعَذَّرَ غُسْلُهُ: أَنَّهُ يُيَمَّمُ، وَيُكَفَّنُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ وَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ) مُرَادُهُ لَا يُسْتَحَبُّ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَحَكَى رِوَايَةً حَكَاهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ بِلَا رَيْبٍ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: يُصَلَّى عَلَيْهِمَا حَتَّى بَاغٍ وَمُحَارِبٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْغَالِّ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَذَلِكَ قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: أَهْلُ الْبِدَعِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَعَنْهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.
الثَّانِي: غَيْرُ أَهْلِ الْبِدَعِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُصَلَّى عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ عَلَى مَعْصِيَةٍ ظَاهِرَةٍ بِلَا تَوْبَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَعَنْهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمَحْدُودُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ.
وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: أَنَّ الشَّارِبَ الَّذِي لَمْ يُحَدَّ كَالْغَالِّ وَقَاتِلِ النَّفْسِ، وَذَكَرَهُ فِي الْكُبْرَى رِوَايَةً، وَعَنْهُ وَلَا عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. التَّنْبِيهُ الثَّانِي: الْمُرَادُ هُنَا بِالْإِمَامِ: إمَامُ الْقَرْيَةِ، وَهُوَ وَالِيهَا فِي الْقَضَاءِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، نَقَلَ حَرْبٌ: إمَامُ كُلِّ قَرْيَةٍ وَالِيهَا، وَخَطَّأَهُ الْخَلَّالُ.
قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّوَابُ تَسْوِيَتُهُ فَإِنَّ أَعْظَمَ مُتَوَلٍّ لِلْإِمَامَةِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ يَحْصُلُ بِامْتِنَاعِهِ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهُرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ.
فَائِدَةٌ: إذَا قُتِلَ الْبَاغِي غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ: فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوَّلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَعَلَيْهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلَّبُ، عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ عَقِيبَ الْقَتْلِ، ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ [جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْمُحَارِبِينَ] ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ قَبْلَ الْقَتْلِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ حَدِّ الْمُحَارِبِينَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ) يَعْنِي تَحْقِيقًا: غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَعْنِي غَيْرَ شَعْرٍ وَظُفُرٍ وَسِنٍّ وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْبَعْضُ الْمَوْجُودُ يَعِيشُ مَعَهُ، كَيَدٍ وَرَجُلٍ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ لَا، كَرَأْسٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ تَبَعًا لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، قَالَ: هُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَبَعْضُ الْمَيِّتِ كَكُلِّهِ، وَعَنْهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجَوَارِحِ قَالَ الْخَلَّالُ: لَعَلَّهُ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هُوَ الْأَوَّلُ.
فَعَلَيْهَا: الِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ فَإِنْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ أَوَّلًا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَ بَعْدَهُ الْأَقَلُّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ وُجِدَ الْأَقَلُّ أَوَّلًا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِفَقْدِ الْأَكْثَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ الْكَامِلِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: مَا دُونَ الْعُضْوِ الْقَاتِلِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) تَحْرِيرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ صُلِّيَ عَلَيْهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: يَجِبُ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَحَيْثُ قُلْنَا يُصَلَّى: فَإِنَّهُ يُنْوَى عَلَى الْبَعْضِ الْمَوْجُودِ فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُنْوَى الْجُمْلَةُ وَاخْتَارَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَأَمَّا غُسْلُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ وَاجِبٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا تَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَحَكَى الْآمِدِيُّ سُقُوطَ الْغُسْلِ إنْ قُلْنَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا صُلِّيَ عَلَى الْبَعْضِ، ثُمَّ وُجِدَ الْأَكْثَرُ فَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: احْتَمَلَ أَنْ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجِبُ، وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ، جَعْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَبِعَ الْمَجْدُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: لَا يُصَلَّى عَلَى الْأَقَلِّ، وَعَنْهُ يُصَلَّى قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِذَا وُجِدَتْ جَارِحَةٌ
مِنْ جُمْلَةٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا، وَإِنْ قُلْنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجَوَارِحِ: وَجَبَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ إذَا وُجِدَ الْجُمْلَةُ: فَهَلْ تَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ تَقَدَّمَا، وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: يَجِبُ هُنَا، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِيمَا إذَا صُلِّيَ عَلَى الْأَكْثَرِ، ثُمَّ وُجِدَتْ الْجَارِحَةُ، وَهَلْ يُنْبَشُ لِيُدْفَنَ مَعَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ] قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ وُجِدَ الْجُزْءُ بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ إلَى جَانِبِ الْقَبْرِ، أَوْ يُنْبَشُ بَعْضُ الْقَبْرِ وَيُدْفَنُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: دُفِنَ بِجَنْبِهِ وَلَمْ يُنْبَشْ، لِأَنَّهُ مِثْلُهُ.
الثَّانِيَةُ: مَا بَانَ مِنْ حَيٍّ كَيَدٍ وَسَاقٍ انْفَصَلَ فِي وَقْتٍ لَوْ وُجِدَتْ فِيهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يُغَسَّلْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُصَلَّى عَلَيْهَا إنْ اُحْتُمِلَ مَوْتُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِمَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ يَنْوِي مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا حُكْمُ غُسْلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ، بِلَا نِزَاعٍ، وَعَنْهُ إنْ اخْتَلَطُوا بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا صَلَاةَ، وَأَمَّا دَفْنُهُمْ: فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ قَدَرُوا دَفَنُوهُمْ مُنْفَرِدِينَ، وَإِلَّا فَمَعَ الْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ) يَعْنِي أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِيهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: الصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ قَالَ الْآجُرِّيُّ: السُّنَّةُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهِ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: عَدَمُ الصَّلَاةِ فِيهِ أَفْضَلُ، وَخَيَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَعَدَمِهَا.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا أُمِنَ تَلْوِيثُهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُؤْمَنْ تَلْوِيثُهُ، لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُنَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً إذَا لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رِجَالٌ نَصَّ عَلَيْهِ كَالْمَكْتُوبَةِ، وَقِيلَ: لَا يُسَنُّ لَهُنَّ جَمَاعَةً، بَلْ الْأَفْضَلُ فَرَادَى اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يَسْقُطُ فَرْضُ الصَّلَاةِ بِهِنَّ، وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُنَّ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ فِي الْفُصُولِ: حَتَّى وَلَوْ مِنْهُنَّ وَالِيَةً وَقَاضِيَةً فَأَمَّا إذَا صَلَّى الرِّجَالُ: فَإِنَّهُنَّ يُصَلِّينَ فُرَادَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ جَمَاعَةً، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ.
فَائِدَةٌ: لَهُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطٌ، وَهُوَ [أَمْرٌ] مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ فَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ قِيرَاطٌ نِسْبَتُهُ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ، وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهَا قِيرَاطٌ آخَرُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا: أَنَّ الثَّانِيَ بِوَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ إذَا سُتِرَ بِاللَّبِنِ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ) تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ حَمْلَهُ وَدَفْنَهُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا، لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ كَوْنُ حَامِلِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِالْكَافِرِ وَغَيْرِهِ.
فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ لِلْحَمْلِ وَالْحَفْرِ وَالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَيَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ [وَعَنْهُ يُكْرَهُ] بِلَا حَاجَةٍ قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: كَرِهَ أَحْمَدُ أَخْذَ أُجْرَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أُعْطِيَ قَدْرَ عَمَلِهِ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ وَالصَّحِيحُ: جَوَازُ أَخْذِهَا عَلَى مَا لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ
مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، وَقَالَهُ الْآمِدِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
قَوْلُهُ (يُسْتَحَبُّ التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ، وَالْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهَا: يُكْرَهُ التَّرْبِيعُ إنْ ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ أَيُّهُمْ يَحْمِلُهُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُؤَخَّرَةِ) مُرَادُهُ بِقَائِمَةِ السَّرِيرِ الْيُسْرَى: الْمُقَدَّمَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ يَمِينِ الْمَيِّتِ قَوْلُهُ (ثُمَّ يَضَعُ قَائِمَتَهُ الْيُمْنَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُؤَخَّرَةِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ [الْخِتَامُ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ] وَعَنْهُ يُبْدَأُ بِالْمُؤَخَّرَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ، يَجْعَلُهَا عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ الْمُقَدَّمَةِ فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ بِالرَّأْسِ وَالْخِتَامُ بِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حُمِلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَحَسَنٌ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ التَّرْبِيعُ وَالْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ سَوَاءٌ فَعَلَيْهَا: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إذَا جُمِعَ وَحُمِلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَمِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، ثُمَّ مِنْ رِجْلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: مِنْ عِنْدِ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا التَّرْبِيعُ.
فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ سَتْرُ نَعْشِ الْمَرْأَةِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُسْتَرُ بِالْمَكِّيَّةِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْفُصُولِ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَوَّلُ مَنْ اُتُّخِذَ ذَلِكَ لَهَا زَيْنَبُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَاتَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا بَأْسَ بِجَعْلِ الْمَكِّيَّةِ عَلَيْهِ وَفَوْقَهَا ثَوْبٌ. انْتَهَى.
وَيُكْرَهُ تَغْطِيَتُهُ بِغَيْرِ الْبَيَاضِ، وَيُسَنُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا: لَا بَأْسَ بِحَمْلِهَا فِي تَابُوتٍ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ عَلَى النَّعْشِ إلَّا بِمِثْلِهِ كَالْأَحْدَبِ وَنَحْوِهِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: الْمُقَطَّعُ تُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ بِطِينٍ حُرٍّ وَيُغَطَّى حَتَّى لَا يُتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ، وَقَالَ أَيْضًا: الْوَاجِبُ جَمْعُ أَعْضَائِهِ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ وَقَبْرٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ وَغَيْرُهُ: يُسْتَحَبُّ شَدُّ النَّعْشِ بِعِمَامَةٍ. انْتَهَى. وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الطِّفْلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْمَيِّتِ بِأَعْمِدَةٍ لِلْحَاجَةِ، وَعَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَيَجُوزُ لِبُعْدِ قَبْرِهِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ.
قَوْلُهُ (يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا) مُرَادُهُ إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ بِالْإِسْرَاعِ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ قَالَ وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ، فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُسْرَعُ، وَيَكُونُ دُونَ الْخَبَبِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمَجْدُ: يَمْشِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ الْمَشْيُ الْمُعْتَادُ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يُسْرِعُ فَوْقَ الْمَشْيِ وَدُونَ الْخَبَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا يَسِيرًا، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا يَسِيرًا قَالَ فِي الْكَافِي: لَا يُفْرِطُ فِي الْإِسْرَاعِ فَيَمْخُضُهَا وَيُؤْذِي مُتَّبِعِيهَا. انْتَهَى. وَكَلَامُهُمْ مُتَقَارِبٌ. فَائِدَةٌ: يُرَاعَى بِالْإِسْرَاعِ الْحَاجَةُ نَصَّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكُونُ الْمُشَاةُ أَمَامَهَا) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَمْشِي حَيْثُ شَاءَ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: حَيْثُ مَشَى فَحَسَنٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يُكْرَهُ خَلْفَهَا وَحَيْثُ شَاءَ قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَوْلُهُ (وَالرُّكْبَانُ خَلْفَهَا) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ رَكِبَ وَكَانَ أَمَامَهَا كُرِهَ، قَالَهُ الْمَجْدُ.
وَمُرَادُ مَنْ قَالَ " الرُّكْبَانُ خَلْفَهَا " إذَا كَانَتْ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ جِنَازَةَ كَافِرٍ: فَإِنَّهُ يَرْكَبُ وَيَتَقَدَّمُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ الرُّكُوبُ لِمَنْ تَبِعَهَا بِلَا عُذْرٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ كَرُكُوبِهِ فِي عَوْدِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ الثَّانِيَةُ: فِي رَاكِبِ السَّفِينَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: هُوَ كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ فَيَكُونُ خَلْفَهَا وَقَدَّمَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَنِثَ بِرُكُوبِ سَفِينَةٍ فِي الْمَنْصُوصِ، تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ رَاكِبًا خَلْفَهَا، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالثَّانِي: يَكُونُ مِنْهَا كَالْمَاشِي فَيَكُونُ أَمَامَهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ وَالْحَوَاشِي قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَالْمَاشِي، وَأَنَّ عَلَيْهِمَا يَنْبَنِي دَوَرَانُهُ فِي الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجْلِسُ مَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ) يَعْنِي يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِمَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهَا.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " حَتَّى تُوضَعَ " يَعْنِي بِالْأَرْضِ لِلدَّفْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْهُ حَتَّى تُوضَعَ لِلصَّلَاةِ، وَعَنْهُ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَتْ وَهُوَ جَالِسٌ لَمْ يَقُمْ لَهَا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لَهَا، وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَةً نَصَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فِيهِ، وَعَنْهُ الْقِيَامُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ حَتَّى تَغِيبَ أَوْ تُوضَعَ، وَقَالَهُ ابْنُ مُوسَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عَلَى هَذَا: يَقُومُ حِينَ يَرَاهَا قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ؛ لِلْخَبَرِ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ هُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى تُدْفَنَ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ. لَا بَأْسَ بِقِيَامِهِ عَلَى الْقَبْرِ حَتَّى تُدْفَنَ. جَبْرًا وَإِكْرَامًا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا حَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي آخِرِ الرِّعَايَةِ: اتِّبَاعُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. انْتَهَى. وَهُوَ حَقٌّ لَهُ وَلِأَهْلِهِ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ مِنْ الْخَيْرِ أَنْ يَتْبَعَهَا لِقَضَاءِ حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ.
الثَّالِثَةُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَهَا وَمَعَهَا مُنْكَرٌ عَاجِزٌ عَنْ مَنْعِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، نَحْوَ طَبْلٍ أَوْ نَوْحٍ أَوْ لَطْمِ نِسْوَةٍ، وَتَصْفِيقٍ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ، وَعَنْهُ يَتْبَعُهَا وَيُنْكِرُ بِحَسَبِهِ، وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إذَا تَبِعَهَا أُزِيلَ الْمُنْكَرُ، لَزِمَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودَيْنِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَيُعَايَى بِهَا، وَقِيلَ فِي الْعَاجِزِ كَمَنْ دُعِيَ إلَى غُسْلٍ مَيِّتٍ فَسَمِعَ طَبْلًا أَوْ نَوْحًا، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَأَبُو دَاوُد: يُغَسِّلُهُ وَيَنْهَاهُمْ، قُلْت: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الزَّجْرُ غَسَّلَهُ وَإِلَّا ذَهَبَ.
الرَّابِعَةُ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ اتِّبَاعُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ [نَصَّ عَلَيْهِ،
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: قَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ لَهَا فِي شُهُودِ أَبِيهَا وَوَلَدِهَا وَذِي قَرَابَتِهَا، مَعَ التَّحَفُّظِ وَالِاسْتِحْيَاءِ وَالتَّسَتُّرِ] وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَحْرُمُ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ فِي زَمَنِنَا هَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَمْنَعُهُنَّ مِنْ اتِّبَاعِهَا، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: هُوَ بِدْعَةٌ، يُطْرَدْنَ فَإِنْ رَجَعْنَ وَإِلَّا رَجَعَ الرِّجَالُ، بَعْدَ أَنْ يَحْثُوَا عَلَى أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ قَالَ: وَرَخَّصَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي اتِّبَاعِ جِنَازَةٍ يَتْبَعُهَا النِّسَاءُ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: وَيَحْرُمُ بُلُوغُ الْمَرْأَةِ الْقَبْرَ.
قَوْلُهُ (وَيَدْخُلُ قَبْرَهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ إنْ كَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِإِدْخَالِ رِجْلَيْهِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: إذَا كَانَ دُخُولُهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ يَشُقُّ أَدْخَلَهُ مِنْ قِبْلَتِهِ مُعْتَرِضًا، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَدْخُلُ الْمَيِّتُ مُعْتَرِضًا مِنْ قِبْلَتِهِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: الْأَسْهَلُ، ثُمَّ سَوَاءٌ.
الثَّانِيَةُ: أَوْلَى النَّاسِ بِالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ: أَوْلَاهُمْ بِالْغُسْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَلَّى دَفْنَ الْمَيِّتِ غَاسِلُهُ، وَالْأَوْلَى لِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِنَائِبِهِ إنْ شَاءَ، ثُمَّ بَعْدَهُمْ الْأَوْلَى بِالدَّفْنِ: الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ، ثُمَّ مَحَارِمُهُ مِنْ النِّسَاءِ، ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ، وَمَحَارِمُهَا مِنْ الرِّجَالِ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ، وَمِنْ مَحَارِمِهَا: النِّسَاءُ يَدْفِنُهَا، وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى مَحَارِمِهَا الرِّجَالِ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنُّكَتِ، إحْدَاهُمَا: يُقَدَّمُ الْمَحَارِمُ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ الْخَلَّالُ: اسْتَفَاضَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُقَدَّمُونَ عَلَى الزَّوْجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الزَّوْجُ أَحَقُّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْمَعَالِي فَإِنْ عُدِمَ الزَّوْجُ وَمَحَارِمُهَا الرِّجَالُ، فَهَلْ الْأَجَانِبُ أَوْلَى، أَوْ نِسَاءُ مَحَارِمِهَا مَعَ عَدَمِ مَحْظُورٍ مِنْ تَكَشُّفِهِنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ أَوْ غَيْرِهِ؟ قَالَ الْمَجْدُ: وَأَتْبَاعُهُنَّ فِيهِمْ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنُّكَتِ، إحْدَاهُمَا: الْأَجَانِبُ أَوْلَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا أَصَحُّ وَأَحْسَنُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ: نِسَاءُ مَحَارِمِهَا أَوْلَى جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ فِي دَفْنِهِنَّ مَحْذُورٌ مِنْ اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، أَوْ التَّكَشُّفِ بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْهُنَّ فَالْأَقْرَبُ، كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يُكْرَهُ دَفْنُ الرِّجَالِ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَ مَحْرَمُهَا حَاضِرًا نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَحْمِلُهَا مِنْ الْمُغْتَسَلِ إلَى النَّعْشِ.
الثَّالِثَةُ: يُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ الْخَصِيُّ، ثُمَّ الشَّيْخُ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ دِينًا وَمَعْرِفَةً، وَمَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِجِمَاعٍ أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ.
الرَّابِعَةُ: يُسْتَحَبُّ تَعْمِيقُ الْقَبْرِ وَتَوْسِعَتُهُ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: إلَى الصَّدْرِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، وَالْبَسْطَةُ الْبَاعُ. الْخَامِسَةُ: يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ ظُهُورَ الرَّائِحَةِ وَالسِّبَاعَ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَيُلْحَدُ لَهُ لَحْدًا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ اللَّحْدَ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ، بَلْ يُكْرَهُ الشَّقُّ بِلَا عُذْرٍ،
وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَيْسَ اللَّحْدُ بِأَفْضَلَ مِنْهُ، ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ قَوْلُهُ (وَيَنْصِبُ عَلَيْهِ اللَّبِنَ نَصْبًا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ اللَّبِنَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَصَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يُنْصَبُ عَلَيْهِ قَصَبٌ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَابْنُ عَقِيلٍ.
تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَدْخُلُهُ خَشَبٌ) إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً فَإِنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ أُدْخِلَ الْخَشَبُ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي تَابُوتٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً نَصَّ عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ: وَيُكْرَهُ فِي حَجَرٍ مَنْقُوشٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يُجْعَلُ فِيهِ حَدِيدٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ رِخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً. الثَّانِيَةُ: لَا تَوْقِيتَ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ، بَلْ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ نَصَّ عَلَيْهِ كَسَائِرِ أُمُورِهِ، وَقِيلَ: الْوَتْرُ أَفْضَلُ
قَوْلُهُ (وَيَقُولُ الَّذِي يُدْخِلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ)، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يَقُولُ " اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الْقَبْرِ وَصَاحِبِهِ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَرَأَ {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] وَإِنْ أَتَى بِذِكْرٍ وَدُعَاءٍ يَلِيقُ عِنْدَ وَضْعِهِ وَإِلْحَادِهِ: فَلَا بَأْسَ؛ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -.
قَوْلُهُ (وَيَضَعُهُ فِي لَحْدِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) ، وَضْعُهُ فِي لَحْدِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَحَبٌّ، بِلَا نِزَاعٍ، وَكَوْنُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَاجِبٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ،
وَقَطَعَ بِهِ الْآمِدِيُّ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ وُضِعَ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ نُبِشَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يُنْبَشُ إلَّا أَنْ يُخَافَ أَنْ يَتَفَسَّخَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: لَا يُنْبَشُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي النُّكَتِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ فَصْلِ غُسْلِ الْمَيِّتِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.
فَوَائِدُ. مِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةً كَالْمِخَدَّةِ لِلْحَيِّ، وَيُكْرَهُ وَضْعُ بِسَاطٍ تَحْتَهُ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْقَطِيفَةِ مِنْ عِلَّةٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهَا مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ جَعَلَ تَحْتَهُ قَطِيفَةً فَلَا بَأْسَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَمِنْهَا: يُكْرَهُ وَضْعُ مُضَرَّبَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا بَأْسَ بِهَا، وَتُكْرَهُ الْمِخَدَّةُ، قَوْلًا وَاحِدًا.
وَمِنْهَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الدَّفْنَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَكَذَا عِنْدَ قِيَامِهَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا يَجُوزُ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ.
وَمِنْهَا: الدَّفْنُ فِي النَّهَارِ أَوْلَى، وَيَجُوزُ لَيْلًا نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
وَمِنْهَا: الدَّفْنُ فِي الصَّحْرَاءِ أَفْضَلُ، وَكَرِهَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فِي الْبُنْيَانِ.
قَوْلُهُ (وَيَحْثُو التُّرَابَ فِي الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اسْتِحْبَابُ فِعْلِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْقَرِيبِ مِنْهُ فَقَطْ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَحَيْثُ قُلْنَا " يَحْثُو " فَيَأْتِي بِهِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، وَقِيلَ: مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ
فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ [الزِّيَادَةُ عَلَى تُرَابِهِ] نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد: إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ بِالْأَرْضِ، وَلَا يُعْرَفُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَعَ أَنَّ تُرَابَ قَبْرٍ لَا يُنْقَلُ إلَى آخَرَ.
فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِهِ بِحَجَرٍ، أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَنَصَّ أَيْضًا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَلَا بَأْسَ بِلَوْحٍ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُكْرَهُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ) ، وَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اسْتَحَبَّهُ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَأَكْثَرُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ فَيَجْلِسُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَلْقِينُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ مُبَاحٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ: الْإِبَاحَةُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَلَا يُكْرَهُ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَوْ انْصَرَفُوا قَبْلَهُ لَمْ يَعْرِفُوا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ نَسْمَعْ فِي التَّلْقِينِ شَيْئًا عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ قَوْلًا سِوَى مَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ قَالَ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَهَذَا الَّذِي يَصْنَعُونَ إذَا دَفَنُوا الْمَيِّتَ، يَقِفُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ (يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ إلَى آخِرِهِ) فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا فَعَلَ هَذَا إلَّا أَهْلَ الشَّامِ، حِين مَاتَ أَبُو الْمُغِيرَةِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ تَلْقِينِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا يَفْعَلُهُ إلَّا أَهْلَ الشَّامِ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ شَاهِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي تَلْقِينِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَجْهَانِ، بِنَاءً
عَلَى نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ إلَيْهِ، وَسُؤَالِهِ وَامْتِحَانِهِ.
النَّفْيُ: قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْإِثْبَاتُ: قَوْلُ أَبِي حَكِيمٍ، وَغَيْرِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، [قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: يُسْأَلُ الْأَطْفَالُ عَنْ الْأَوَّلِ حِينَ الذُّرِّيَّةِ، وَالْكِبَارُ يُسْأَلُونَ عَنْ مُعْتَقَدِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِقْرَارِهِمْ الْأَوَّلِ] قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ شَيْخُنَا: يُلَقَّنُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُقَدَّمُ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ أَصَحُّ [فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ الْمَذْهَبُ التَّلْقِينُ، وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى عَدَمِهِ، وَالْعَمَلِ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَالْحَاوِيَيْنِ] .
قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يُكْرَهُ قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ، وَالْبِنَاءُ، وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) أَمَّا تَجْصِيصُهُ: فَمَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَكَذَا الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ، وَكَذَا تَزْوِيقُهُ، وَتَخْلِيقُهُ، وَنَحْوُهُ، وَهُوَ بِدْعَةٌ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَيْهِ: فَمَكْرُوهٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ لَاصَقَ الْبِنَاءُ الْأَرْضَ أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ، وَالْأَصْحَابُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: لَا بَأْسَ بِقُبَّةٍ وَبَيْتٍ وَحَظِيرَةٍ فِي مِلْكِهِ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، لَكِنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ.
وَقَالَ الْمَجْدُ:
يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ، لِلتَّضْيِيقِ وَالتَّشْبِيهِ بِأَبْنِيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيُكْرَهُ إنْ كَانَ فِي مُسَبَّلَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ الصَّحْرَاءُ، وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ الْفَاخِرُ كَالْقُبَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءٍ، وَعَنْهُ مَنْعُ الْبِنَاءِ فِي وَقْفٍ عَامٍّ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: تَحْرُمُ الْحُجْرَةُ، بَلْ تُهْدَمُ، وَحَرُمَ الْفُسْطَاطُ أَيْضًا، وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْفُسْطَاطَ وَالْخَيْمَةَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ بَنَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ فِيهَا، فَهُوَ غَاصِبٌ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِيهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ فِي مِلْكِهِ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: الْقُبَّةُ وَالْحَظِيرَةُ وَالتُّرْبَةُ، إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَعَلَ مَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَ فِي مُسَبَّلَةٍ كُرِهَ لِلتَّضْيِيقِ بِلَا فَائِدَةٍ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا لِلْمُسَبَّلَةِ فِيمَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ.
قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ وَالِاتِّكَاءُ إلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَكَرَاهَةُ الْمَشْيِ فِي الْمَقَابِرِ بِالنَّعْلَيْنِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ: لَهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ لِيُصَلِّ إلَى مَنْ يَزُورُهُ لِلْحَاجَةِ، وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ: يُكْرَهُ دَوْسُهُ وَتَخَطِّيهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، يُكْرَهُ دَوْسُهُ، وَلَمْ يَكْرَهْ الْآجُرِّيُّ تَوَسُّدُهُ لِفِعْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، رَوَاهُ مَالِكٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي الْجُلُوسِ.
فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ التَّخَلِّي عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ: يُكْرَهُ التَّخَلِّي، قُلْت: فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ، وَإِلَّا فَبَعِيدٌ جِدًّا، وَيُكْرَهُ التَّخَلِّي بَيْنَهَا، وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، زَادَ حَرْبٌ: كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: حُرْمَتُهُ ثَابِتَةٌ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ جَمِيعِ مَا يُؤْذِي الْحَيَّ أَنْ يَنَالَ بِهِ، كَتَقْرِيبِ النَّجَاسَةِ مِنْهُ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقُبُورِ، وَالْمَشْيُ بِالنَّعْلِ، وَيُسْتَحَبُّ قَلْعُهُ إلَّا خَوْفَ نَجَاسَةٍ أَوْ شَوْكٍ وَنَحْوِهِ. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ خَلْعُ النَّعْلِ كَالْخُفِّ، وَفِي الشمشك وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنُّكَتِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى، وَالْقَصْرِ عَلَى النَّصِّ أَحَدُهُمَا: لَا يُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ. الثَّانِي: يُكْرَهُ كَالنَّعْلِ وَقَطَعَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِالنِّعَالِ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ وَالْمَذْهَبِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُدْفَنُ فِيهِ اثْنَانِ إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ: يُكْرَهُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ] وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي نَبْشِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ فَدَلَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُحَرَّمُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَجُوزُ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ، وَعَنْهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَحَارِمِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِيمَنْ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ (وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ) يَعْنِي حَيْثُ جَوَّزْنَا دَفْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ إلَى الْقِبْلَةِ الْأَفْضَلُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ، وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي تَقْدِيمِهِمْ إلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ كَمَا يُقَدَّمُ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُمْ، كَرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ قُدِّمَ إلَى الْقِبْلَةِ مَنْ يُقَدَّمُ إلَى الْأَمَامِ فِي
الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الصِّفَاتِ: قُدِّمَ أَحَدُهُمْ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْقُرْعَةِ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ قَوْلُهُ (وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنْ التُّرَابِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنَّ الْآجُرِّيَّ قَالَ: إنَّمَا يُجْعَلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ: وَإِنْ جُعِلَ الْقَبْرُ طَوِيلًا، وَجُعِلَ رَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلَيْ الْآخَرِ، أَوْ وَسَطِهِ [جَازَ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا قَبْلَهُ، وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَفْضُولِ عِنْدَ رِجْلَيْ الْفَاضِلِ أَوْ سَاقِهِ] كَالدَّرَجِ.
الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْأَقَارِبِ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ أَسْهُلُ لِزِيَارَتِهِمْ وَأَبْعَدُ، لِانْدِرَاسِهِمْ، وَيُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي، يَكْثُرُ فِيهَا الصَّالِحُونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَكَذَا الْبِقَاعُ الشَّرِيفَةُ.
الثَّالِثَةُ: مَنْ سَبَقَ إلَى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ قُدِّمَ فَإِنْ جَاءَا مَعًا: أُقْرِعَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: إذَا جَاءَا مَعًا قُدِّمَ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ وَشَوْكَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت: وَكَذَا لَوْ كَانَ وَاقِفُ الْأَرْضِ إنْ جَازَ أَنْ لَا يُدْفَنَ فِيهَا، كَمَا قَدَّمْنَا مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبْقِ فِي الْمُفَاضَلَةِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ تَسَاوَيَا أُقْرِعَ، قُلْت: فَإِنْ خِيفَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِتَفْوِيتِهِ هَذِهِ الْبُقْعَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمُ ذَلِكَ، كَمَا يُقَدَّمُ الْمُضْطَرُّ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ. انْتَهَى.
الرَّابِعَةُ: مَتَى عُلِمَ أَنَّ الْمَيِّتَ صَارَ تُرَابًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ ظُنَّ أَنَّهُ صَارَ تُرَابًا وَلِهَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ
يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ نَقَلَ أَبُو الْمَعَالِي: جَازَ الدَّفْنُ، وَالزِّرَاعَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَمُرَادُهُ: إذَا لَمْ يُخَالَفْ شَرْطُ وَاقِفِهِ لِتَعْيِينِهِ الْجِهَةَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ قَالَ الْآمِدِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِرْ تُرَابًا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْنُ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبِ تَبْقَى عِظَامُهُ مَكَانَهُ وَيُدْفَنُ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ.
الْخَامِسَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو الْمَعَالِي كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ حَرْثُ أَرْضِهِ إذَا بَلِيَ الْعَظْمُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ نُبِشَ وَأُخِذَ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ الْمَنْعُ إنْ بُذِلَ لَهُ عِوَضُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ: يُمْنَعُ مِنْ نَبْشِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ.
تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " مَا لَهُ قِيمَةٌ " يَعْنِي فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَإِنْ قَلَّ خَطَرُهُ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ: وَيُحْتَمَلُ مَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ أَوْ مَا رَمَاهُ بِهِ فِيهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ غَصْبٍ لَمْ يُنْبَشْ، لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: إنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ أَوْ خُشِيَ عَلَيْهِ الْمُثْلَةُ لَمْ يُنْبَشْ، وَإِلَّا نُبِشَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقِيلَ: يُنْبَشُ مُطْلَقًا، وَيُؤْخَذُ الْكَفَنُ صَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ فِي التَّلْخِيصِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُغْرَمُ ذَلِكَ مِنْ تِرْكَتِهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَالَ الْمَجْدُ: يَضْمَنُهُ مِنْ كَفَنِهِ فِيهِ، لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ عَالِمًا فَإِنْ جَهِلَ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ،
وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتَ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ.
فَائِدَةٌ: حَيْثُ تَعَذَّرَ الْغُرْمُ نُبِشَ، قَوْلًا وَاحِدًا.
قَوْلُهُ (أَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ غُرِمَ ذَلِكَ مِنْ تِرْكَتِهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَقِيلَ: يُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيُخْرَجُ مِنْهُ صَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَوْ كَانَ ظَنَّهُ مِلْكَهُ فَوَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: الصَّوَابُ: نَبْشُهُ، وَقَالَ الْمَجْدُ هُنَا كَمَا قَالَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُغْرَمُ الْيَسِيرُ مِنْ تِرْكَتِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يُغْرَمُ مِنْ تِرْكَتِهِ، فَتَعَذَّرَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ [إنْ بُذِلَتْ قِيمَتُهُ لَمْ يُشَقَّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ] أَيْضًا: إنْ بَذَلَهَا وَارِثٌ لَمْ يُشَقَّ، وَإِلَّا شُقَّ، وَقِيلَ: لَمْ يُشَقَّ مُطْلَقًا.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (أَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ) أَنَّهُ لَوْ بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ: أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنْبَشَ إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ.
وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُؤْخَذُ إذَا بَلِيَ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ نُبِشَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ.
فَائِدَةٌ: لَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ: أُخِذَ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ، وَلَا يُعْرَضُ لَهُ قَبْلَهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: هُوَ كَمَالِهِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ بَلَعَهُ بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ، كَقَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهُ قَالَ: وَكَذَا لَوْ رَآهُ مُحْتَاجًا إلَى رَبْطِ أَسْنَانِهِ بِذَهَبٍ فَأَعْطَاهُ خَيْطًا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْطَاهُ فَرَبَطَهُ بِهِ وَمَاتَ، لَمْ يَجِبْ قَلْعُهُ وَرَدُّهُ، لِأَنَّ فِيهِ مُثْلَةً قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.
فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ وَلَهُ أَنْفُ ذَهَبٍ يُقْلَعُ، لَكِنْ إنْ كَانَ بَائِعُهُ لَمْ يَأْخُذْ ثَمَنَهُ أَخَذَهُ مِنْ تِرْكَتِهِ، وَمَعَ عَدَمِ التَّرِكَةِ يَأْخُذُهُ إذَا بَلِيَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ فِي الْحَالِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلرُّجُوعِ حَيَاةُ الْمُفْلِسِ فِي قَوْلٍ، مَعَ أَنَّ فِيهِ هُنَا مُثْلَةً.
. فَوَائِدُ. دَفْنُ الشَّهِيدِ بِمَصْرَعِهِ سُنَّةٌ نَصَّ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ نُقِلَ رُدَّ إلَيْهِ.
(وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَحَمْلُ الْمَيِّتِ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ) وَيَجُوزُ نَقْلُ غَيْرِهِ أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إنْ أُمِنَ تَغَيُّرُهُ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ إنْ لَمْ يُظَنَّ تَغَيُّرُهُ. انْتَهَى. وَلَا يُنْقَلُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَبُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ وَمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: وَلَوْ رَضِيَ بِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فَقَالَ: يَجِبُ نَقْلُهُ لِضَرُورَةٍ، نَحْوِ كَوْنِهِ بِدَارِ حَرْبٍ، أَوْ مَكَان يُخَافُ فِيهِ نَبْشُهُ وَتَحْرِيقُهُ، أَوَالْمُثْلَةُ بِهِ قَالَ: فَإِنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ بِدَارِ حَرْبٍ، فَالْأَوْلَى: تَسْوِيَتُهُ بِالْأَرْضِ وَإِخْفَاؤُهُ مَخَافَةَ الْعَدُوِّ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ فَيُعَايَى بِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ " لَوْ دُفِنَ قَبْلَ غُسْلِهِ أَوْ تَكْفِينِهِ، أَوْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. هَلْ يُنْبَشُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَجُوزُ نَبْشُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ؟ فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ
قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ لَمْ يُشَقَّ بَطْنُهَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَحْيَى) ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ (تَسْطُو عَلَيْهِ الْقَوَابِلُ فَيُخْرِجْنَهُ) إذَا اُحْتُمِلَ حَيَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: إنْ لَمْ يُوجَدْ أَمَارَاتُ الظُّهُورِ بِانْفِتَاحِ الْمَخَارِجِ وَقُوَّةِ الْحَرَكَةِ فَلَا تَسْطُو الْقَوَابِلُ فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِالْقَوَابِلِ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُشَقُّ بَطْنُهَا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ يُشَقُّ وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ، قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُتْرَكُ وَلَا يُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يَسْطُو عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَالْأَوْلَى بِذَلِكَ الْمَحَارِمُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَجْدُ: كَمُدَاوَاةِ الْحَيِّ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِالْمَحْرَمِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ بِذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْحَمْلِ حَيًّا شُقَّ بَطْنُهَا حَتَّى يَكْمُلَ خُرُوجُهُ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهُ، غُسِّلَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَأَجْزَأَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَأَوَّلُ مَنْ أَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقِيلَ: تُيَمَّمُ لِمَا لَمْ يَخْرُجْ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ دُفِنَتْ وَحْدَهَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا دُفِنَتْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ)، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: تُدْفَنُ بِجَنْبِ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ الْمَرُّوذِيَّ قَالَ كَلَامُ أَحْمَدَ: لَا بَأْسَ بِهِ مَعَنَا، لِمَا فِي بَطْنِهَا. قَوْلُهُ (وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ) يَعْنِي وَتَكُونُ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ؛ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُصَلَّى عَلَى هَذَا الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْلُودٍ وَلَا سِقْطٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا انْفَصَلَ. الثَّانِيَةُ: يُصَلَّى عَلَى الْمُسْلِمَةِ الْحَامِلِ، بِلَا نِزَاعٍ، وَيُصَلَّى عَلَى حَمْلِهَا إنْ كَانَ قَدْ مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ، وَإِلَّا صُلِّيَ عَلَيْهَا دُونَهُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: لَا يَنْوِي بِالصَّلَاةِ عَلَى حَمْلِهَا، وَعَلَّلَهُ بِالشَّكِّ فِي وُجُودِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُكْرَهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُكْرَهُ اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهَا أَيْضًا أَبُو حَفْصٍ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، وَهِيَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ، وَسَمَّى الْمَرُّوذِيُّ، انْتَهَى، قُلْت: قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ مَرَّ بِضَرِيرٍ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ فَنَهَاهُ، وَقَالَ: الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ: يَا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي حَبَشٍ الْحَلَبِيِّ؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُبَشِّرٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا، وَقَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ارْجِعْ فَقُلْ لِلرَّجُلِ: يَقْرَأُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَقْتَ دَفْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ يُسَنُّ وَقْتَ الدَّفْنِ اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَشَيْخُنَا، وَعَنْهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ بِدْعَةٌ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا فِعْلِ أَصْحَابِهِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ: فَيُسْتَحَبُّ، عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: يُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ نَصَّ عَلَيْهِ أَخِيرًا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ، بَلْ تُسْتَحَبُّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تُبَاحُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ: لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَلَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ
مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: مَنْ حَجَّ نَفْلًا عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَمَّنْ حَجَّ لِعَدَمِ إذْنِهِ.
فَائِدَةٌ: نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فَاقْرَءُوا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ يَعْنِي ثَوَابَهُ وَقَالَ الْقَاضِي: لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ " اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ أَثَبْتَنِي عَلَى هَذَا، فَقَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُ أَوْ مَا تَشَاءُ مِنْهُ لِفُلَانٍ " لِأَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ فَلَا يَتَحَكَّمُ عَلَى اللَّهِ وَقَالَ الْمَجْدُ: مَنْ سَأَلَ الثَّوَابَ ثُمَّ أَهْدَاهُ، كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ أَثِبْنِي عَلَى عَمَلِي هَذَا أَحْسَنَ الثَّوَابِ، وَاجْعَلْهُ لِفُلَانٍ كَانَ أَحْسَنَ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ فِعْلِ الْقُرْبَةِ [وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ فِعْلِ الْقُرْبَةِ] وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَتَقَدَّمَ نِيَّةٌ ذَلِكَ وَتُقَارِنُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِهْدَاءِ وَنَقْلِ الثَّوَابِ: أَنْ يَنْوِيَ الْمَيِّتَ بِهِ ابْتِدَاءً، كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْدَهُ فَهُوَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِعُمُومِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ لَا وَجْهَ لَهُ، فِي أَثَرٍ لَهُ وَلَا نَظَرٍ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تَقَعَ الْقُرْبَةُ عَنْ الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً بِالنِّيَّةِ لَهُ: فَهَذَا مُتَّجَهٌ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: ثَوَابُ الْقُرْآنِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ إذَا نَوَاهُ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْإِهْدَاءُ فَظَاهِرُهُ عَدَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: قَالَ حَنْبَلُ: يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ الْأَعْمَالِ لَا يَحْصُلُ لِلْمُسْتَنِيبِ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ النَّائِبِ قَبْلَ الْفَرَاغِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا، وَجَعَلَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ " وَكَذَا لَوْ أَهْدَى بَعْضَهُ كَنِصْفِهِ، أَوْ ثُلُثِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ.
وَهَذِهِ قَدْ يُعَايَى بِهَا فَيُقَالُ: أَيْنَ لَنَا مَوْضِعٌ تَصِحُّ فِيهِ الْهَدِيَّةُ، مَعَ جَهَالَةِ الْمُهْدَى بِهَا؟ ذَكَرَهَا فِي النُّكَتِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ كَرَاهَةُ إيثَارِ الْإِنْسَانِ بِالْمَكَانِ الْفَاضِلِ، وَهُوَ إيثَارٌ بِفَضِيلَةٍ فَيُحْتَاجُ إلَى تَفْرِقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إهْدَاءِ الْقُرَبِ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا) الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ، وَالْوَاجِبَ الَّذِي تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَالْعِتْقَ، وَحَجَّ التَّطَوُّعِ فَإِذَا فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَكَذَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ الْمَجْدُ: يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْفُنُونِ: يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ، حَتَّى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَلَمْ يَرَهُ لِمَنْ لَهُ ثَوَابٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَأَجْرِ الْعَامِلِ، كَالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُعَلِّمِ الْخَيْرِ، بِخِلَافِ الْوَالِدِ فَإِنَّ لَهُ أَجْرًا كَأَجْرِ الْوَلَدِ.
الثَّانِيَةُ: الْحَيُّ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ كَالْمَيِّتِ فِي انْتِفَاعِهِ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ كَذَا الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا. قَالَ الْقَاضِي: لَا نَعْرِفُ رِوَايَةً بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَصَحُّ قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ الْحَيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي حَجِّ النَّفْلِ عَنْ الْحَيِّ لَا يَنْفَعُهُ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ: الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا لَا تَصِلُ إلَى الْحَيِّ.
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلَحَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ) بِلَا نِزَاعٍ، وَزَادَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا قَصَدَ أَهْلَ الْمَيِّتِ فَأَمَّا لِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ: فَيُكْرَهُ لِلْمُسَاعَدَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ. انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَلَا يُصْلِحُونَ هُمْ طَعَامًا لِلنَّاسِ) يَعْنِي لَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ يُكْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ، وَقِيلَ: يُحَرَّمُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يُبَاحُ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَلَا يُبَاحُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُسَنُّ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَيُكْرَهُ لِأَهْلِهِ.
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ إجْمَاعًا قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا [بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ الرِّجَالِ الْقُبُورَ، وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فَقَالَ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا] فِي إبَاحَةِ زِيَارَتِهَا لِلرِّجَالِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُسْتَحَبُّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِزِيَارَتِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ [وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ أَخَذَ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْمَجْدُ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ: الْإِبَاحَةَ مِنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ] فَقَالُوا: وَقِيلَ: يُبَاحُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا: الِاسْتِحْبَابُ لِقَرِينَةِ تَذَكُّرِ الْمَوْتِ، أَوْ لِلْأَمْرِ.
قَوْلُهُ (وَهَلْ يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ لَهُنَّ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ مَنْجَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ قَالَ فِي النَّظْمِ: وَهُوَ أَوْلَى، وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ فَيُبَاحُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَحْرُمُ، كَمَا لَوْ عَلِمْت أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهَا مُحَرَّمٌ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَحَكَاهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا قَالَ فِي جَامِعِ الِاخْتِيَارَاتِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: تَرْجِيحُ التَّحْرِيمِ. لِاحْتِجَاجِهِ بِلَعْنِهِ عليه الصلاة والسلام زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ، وَتَصْحِيحُهُ إيَّاهُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَتَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْحَمْلِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُنَّ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ زِيَارَتُهُ لِلِاعْتِبَارِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ. الثَّانِيَةُ: الْأَوْلَى لِلزَّائِرِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْقَبْرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ، وَالْأَوْلَى: أَنْ يَكُونَ حَالَ الزِّيَارَةِ قَائِمًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ قُعُودُهُ كَقِيَامِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرُبَ مِنْهُ، كَزِيَارَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ وَالتَّلْخِيصِ. الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَيْفَ يَرِقُّ قَلْبِي؟ قَالَ: اُدْخُلْ الْمَقْبَرَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ سَلَفٌ.
الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ لَمْسُ الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ قَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ فِي تَمَامِهِ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: هَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ فَرَاغِ دَفْنِهِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَجُلُوسُهُ عَلَى جَانِيَيْهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
قَوْلُهُ (وَيَقُولُ إذَا زَارَهَا، أَوْ مَرَّ بِهَا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ إلَى آخِرِهِ) نَكَّرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله لَفْظَ (السَّلَامِ) وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَوَرَدَ الْحَدِيثُ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَقُولُ مُعَرِّفًا، فَيَقُولُ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبُرَيْدَةَ رضي الله عنهما وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَخَيَّرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا مِنْهُمْ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: يَقُولُ لِلْمَوْتَى " عَلَيْكُمْ السَّلَامُ ".
فَائِدَةٌ. إذَا سَلَّمَ عَلَى الْحَيِّ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، قُلْت: مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ تَعْرِيفُهُ أَفْضَلُ قَالَ النَّاظِمُ كَالرَّدِّ، وَقِيلَ: تَنْكِيرُهُ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَرَدَّهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: سَلَامُ التَّحِيَّةِ مُنَكَّرٌ، وَسَلَامُ الْوَدَاعِ مُعَرَّفٌ.
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلُ الْمَيِّتِ) يَعْنِي سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، فِي التَّعْزِيَةِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوْلَى، لِلْإِيَاسِ التَّامِّ مِنْهُ.
فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ تَكْرَارُ التَّعْزِيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يُعَزِّي عِنْدَ الْقَبْرِ مَنْ عَزَّى قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ لِمَنْ عَزَّى وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ إلَّا لِمَنْ لَمْ يُعَزِّ، وَأَطْلَقَ جَوَازَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى. انْتَهَى. وَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ لِامْرَأَةٍ شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِلْفِتْنَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُتَوَجَّهُ فِيهِ مَا فِي تَشْمِيتِهَا إذَا عَطَسَتْ، وَيُعَزَّى مَنْ شَقَّ ثَوْبَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، لِزَوَالِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الشَّقُّ وَيُكْرَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ.
تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَغَيْرُهُ: أَنَّ التَّعْزِيَةَ لَيْسَتْ مُحَدَّدَةً بِحَدٍّ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فَظَاهِرُهُ: يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: آخِرُهَا يَوْمَ الدَّفْنِ، وَقِيلَ: تُسْتَحَبُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ، وَالْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْفَرَجِ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ: يُكْرَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ قَالَ الْمَجْدُ: لِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْدَادِ فِيهَا، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِي آخِرِهَا كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: اتَّفَقُوا لِكَرَاهِيَتِهِ بَعْدَهَا، وَلَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُهَا بِالْإِحْدَادِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَتِهِ إذَا حَضَرَ وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَقَالَ: مَا لَمْ تُنْسَ الْمُصِيبَةُ الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ) وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ " أَهْلُ الْمَيِّتِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: أَهْلُ الْمُصِيبَةِ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ
فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ، لَا تَفَقُّهًا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ فِي النُّكَتِ: فَيُعَزَّى الْإِنْسَانُ فِي رَفِيقِهِ وَصَدِيقِهِ وَنَحْوِهِمَا، كَمَا يُعَزَّى فِي قَرِيبِهِ، وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ مَا يُعْجِبُنِي، وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَزَّى وَجَلَسَ قَالَ الْخَلَّالُ: سَهَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْجُلُوسِ إلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَقِيلَ: يُبَاحُ ثَلَاثًا كَالنَّعْيِ، وَنُقِلَ عَنْهُ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ.
وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَلِغَيْرِهِمْ، خَوْفَ شِدَّةِ الْجَزَعِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَمَّا وَالْمَيِّتُ عِنْدَهُمْ: فَأَكْرَهُهُ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَمْنَعْ أَهْلَهُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ، لِأَنَّ فِيهِ تَهْيِيجًا لِلْحُزْنِ.
فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ، لِيَتْبَعَ الْجِنَازَةَ، أَوْ يَخْرُجَ وَلِيُّهُ فَيُعَزِّيَهُ فَعَلَهُ السَّلَفُ.
قَوْلُهُ (وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك) ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ. بَلْ إنْ شَاءَ، قَالَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ فَقَدْ عَزَّى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَجُلًا، فَقَالَ " آجَرَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ، فِي هَذَا الرَّجُلِ " وَعَزَّى أَبَا طَالِبٍ فَقَالَ " أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ " قَوْلُهُ (وَفِي تَعْزِيَةٍ عَنْ كَافِرٍ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) يَعْنِي إذَا عَزَّى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا عَنْ مَيِّتٍ كَافِرٍ فَأَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله: أَنَّهُ
يُعَزِّيهِ عَنْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يُعَزِّيهِ عَنْ كَافِرٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَقُولُ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَصَارَ لَك خَلَفًا عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ: أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك، وَفِي تَعْزِيَتِهِ عَنْ كَافِرٍ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك، وَلَا نَقَصَ عَدَدُك، أَوْ أَكْثَرَ عَدَدَك) فَيَدْعُو لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِمَا يَرْجِعُ إلَى طُولِ الْعُمُرِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَلَا يَدْعُو لِكَافِرٍ حَيٍّ بِالْأَجْرِ، وَلَا لِكَافِرٍ مَيِّتٍ بِالْمَغْفِرَةِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: وَيَقُولُ لَهُ أَيْضًا: وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ يَقُولُ: أَعْطَاك اللَّهُ عَلَى مُصِيبَتِك أَفْضَلَ مَا أَعْطَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِك، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: لَا يَنْبَغِي تَعْزِيَتُهُ عَنْ كَافِرٍ، وَلَا الدُّعَاءُ بِالْإِخْلَافِ عَلَيْهِ، وَعَدَمِ تَنْقِيصِ عَدَدِهِ، بَلْ الْمَشْرُوعُ [الدُّعَاء] بِعَدَمِ الْكَافِرِينَ وَإِبَادَتِهِمْ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ نُوحٍ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِتَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ، أَوْ عَنْ كَافِرٍ حَيْثُ قِيلَ: بِجَوَازِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ ذَلِكَ أَوْ لَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ: جَوَازُ التَّعْزِيَةِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ قَدْ اخْتَارَ جَوَازَ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: تَحْرِيمُ تَعْزِيَتِهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ، وَلَنَا رِوَايَةٌ بِالْكَرَاهَةِ قَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَرِوَايَةٌ بِالْإِبَاحَةِ فَعَلَيْهَا يَقُولُ مَا تَقَدَّمَ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ: هَلْ يَرُدُّ الْمُعَزَّى شَيْئًا أَمْ لَا؟
وَقَدْ رَدَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ عَزَّاهُ فَقَالَ: اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ. انْتَهَى. وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً وَمَتْبُوعًا، قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ: مَعْنَى " التَّعْزِيَةِ " التَّسْلِيَةُ، وَالْحَثُّ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ.
الثَّالِثَةُ: لَا يُكْرَهُ أَخْذُهُ بِيَدِ مَنْ عَزَّاهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ الْوَقْفُ، وَكَرِهَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ قَالَ الْخَلَّالُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَفْصٍ عِنْدَ الْقَبْرِ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ، لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا يُحْمَلُ النَّهْيُ عَنْ الْبُكَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ: عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى قَالَ الْمَجْدُ: أَوْ أَنَّهُ [كَرِهَ] كَثْرَةَ الْبُكَاءِ وَالدَّوَامِ عَلَيْهِ أَيَّامًا قَالَ جَمَاعَةٌ: الصَّبْرُ عَنْ الْبُكَاءِ أَجْمَلُ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الْبُكَاءَ يُسْتَحَبُّ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْفَرَحِ كَفَرَحِ الْفُضَيْلِ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ عَلِيٌّ، قُلْت: اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ لَا يُعْدَلُ عَنْهَا.
قَوْلُهُ (وَأَنْ يَجْعَلَ الْمُصَابَ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْبًا يُعْرَفُ بِهِ) يَعْنِي يَجُوزُ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَامَةً يُعْرَفُ بِهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ لُبْسُهُ خِلَافَ زِيِّهِ الْمُعْتَادِ.
فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ لِلْمُصَابِ تَغْيِيرُ حَالِهِ مِنْ خَلْعِ رِدَائِهِ وَنَعْلِهِ، وَتَغْلِيقِ حَانُوتِهِ،
وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَوْمَ مَاتَ بِشْرٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا يَوْمَ جَوَابٍ هَذَا يَوْمُ حُزْنٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا بَأْسَ بِهَجْرِ الْمُصَابِ الزِّينَةَ وَحُسْنَ الثِّيَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ النَّدْبُ وَلَا النِّيَاحَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يُكْرَه النَّدْبُ وَالنَّوْحُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ بِصِدْقٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْكَافِي قَالَ الْآمِدِيُّ: يُكْرَهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ: وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَالْخِرَقِيُّ. انْتَهَى.
نَقَلَهُ عَنْهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِمَا، وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: قَدْ نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عَنْ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ قَبْلَ الْمُصَنِّفِ، ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَطَعَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِيَسِيرِ النَّدْبِ إذَا كَانَ صِدْقًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ النَّوْحِ، وَلَا قُصِدَ نَظْمُهُ كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَفَاطِمَةَ رضي الله عنهما، وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُبَاحُ يَسِيرُ النَّدْبِ الصِّدْقِ نَصَّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ شَقُّ الثِّيَابِ وَلَطْمُ الْخُدُود، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِنْ الصُّرَاخِ، وَخَمْشِ الْوَجْهِ، وَنَتْفِ الشَّعْرِ، وَنَشْرِهِ وَحَلْقِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ، وَالنَّخَعِيُّ قَالَ فِي الْفُصُولِ: يَحْرُمُ النَّحِيبُ وَالتَّعْدَادُ، وَالنِّيَاحَةُ، وَإِظْهَارُ الْجَزَعِ.
فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَاءَتْ الْأَخْبَارُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهَا بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ وَالْبُكَاءِ عَلَيْهِ فَحَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِهِ؛ لِأَنَّ عَادَةً الْعَرَبُ كَانَتْ الْوَصِيَّةَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَى عَادَتِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ سِيَاقَ الْخَبَرِ يُخَالِفُهُ. انْتَهَى. وَحَمَلَهُ الْأَثْرَمُ عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِهِ حِينَ يَمُوتُ، وَقِيلَ: يَتَأَذَّى بِذَلِكَ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقِيلَ: يُعَذَّبُ بِذَلِكَ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَتَأَذَّى بِذَلِكَ إنْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ كَمَا كَانَ السَّلَفُ يُوصُونَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ كَوْنُ النِّيَاحَةِ عَادَةَ أَهْلِهِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ إذَا كَانَ عَادَةَ أَهْلِهِ وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ يُعَذَّبُ، لِأَنَّهُ مَتَى ظَنَّ وُقُوعَهُ وَلَمْ يُوصِ فَقَدْ رَضِيَ، وَلَمْ يَنْهَ مَعَ قُدْرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْحَوَاشِي وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِالْبُكَاءِ الَّذِي مَعَهُ نَدْبٌ، أَوْ نِيَاحَةٌ بِكُلِّ حَالٍ.
وَمِنْهَا: مَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ، مِنْ وَعْظٍ، أَوْ إنْشَادِ شِعْرٍ فَمِنْ النِّيَاحَةِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَعَنَا لِابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ.
وَمِنْهَا يُكْرَهُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَأَكْلُ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، بِحُرْمَةِ الذَّبْحِ وَالتَّضْحِيَةِ عِنْدَهُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا مِنْ
التَّصَدُّقِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِخُبْزٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ، وَفِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، وَإِشْهَارٌ لِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ الْمَنْدُوبِ إلَى إخْفَائِهَا. انْتَهَى. وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَفِي مَعْنَى الذَّبْحِ عَلَى الْقَبْرِ: الصَّدَقَةُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ، وَفِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إخْرَاجُ الصَّدَقَةِ مَعَ الْجِنَازَةِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَهُوَ يُشْبِهُ الذَّبْحَ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الصَّدَقَةِ.