المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب صفة الصلاة] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٢

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب صفة الصلاة]

وَحَكَاهُ رِوَايَاتٍ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مَنْصُوصَةٌ وَتَقَدَّمَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ ثُمَّ صَارَ إمَامًا.

فَائِدَتَانِ. أَحَدُهُمَا: الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ كَالْخِلَافِ فِي الصِّحَّةِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَاتُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَرَضِهِ بَعْدَ دُخُولِ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ كَانَ إمَامًا لِأَبِي بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ إمَامًا لِلنَّاسِ " وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ بِإِمَامَيْنِ، وَصَرَّجَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بِذَلِكَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إمَامَ أَبِي بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ إمَامَ النَّاسِ، وَقِيلَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إمَامًا، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّ وَرَاءَهُمَا صَفًّا، وَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي الْخِلَافُ إذَا كَانَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُ صَفٌّ فِي الْمَوْقِفِ.

[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

ِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (السُّنَّةُ: أَنْ يَقُومَ إلَى الصَّلَاةِ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ كَلِمَةِ الْإِقَامَةِ، سَوَاءٌ رَأَى الْإِمَامَ أَوْ لَمْ يَرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ،

ص: 38

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُومُ حَتَّى يَرَى الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَائِبًا. وَتَقَدَّمَ غَيْرُهَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، سَوَاءٌ رَآهُ أَوْ لَمْ يَرَهُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، قَامُوا عِنْدَ ذِكْرِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا قُرْبَهُ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى يَرَوْهُ، وَقِيلَ: لَا يَقُومُونَ إذْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى يَرَوْهُ، وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَحْمَدَ، وَقِيَامُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِهِ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يُسَوِّي الْإِمَامُ الصُّفُوفَ) هَكَذَا عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِهِمْ. وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالتَّسْهِيلِ: وَيُسَوِّي الْإِمَامُ صَفَّهُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ سُنَّةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وُجُوبُهُ، وَقَالَ: مُرَادُ مَنْ حَكَاهُ إجْمَاعًا اسْتِحْبَابُهُ لَا نَفْيُ وُجُوبِهِ، وَذَكَرَ فِي النُّكَتِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ وَعَلَى هَذَا: بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْنَعَ الصِّحَّةَ، وَيُحْتَمَلُ لَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ

فَوَائِدُ. الْأُولَى: التَّسْوِيَةُ الْمَسْنُونَةُ فِي الصُّفُوفِ: هِيَ مُحَاذَاةُ الْمَنَاكِبِ وَالْأَكْعُبِ دُونَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ

ص: 39

الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ تَرَاصُّ الصُّفُوفِ، وَسَدُّ الْخَلَلِ الَّذِي فِيهَا، وَتَكْمِيلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلُ فَلَوْ تَرَكَ الْأَوَّلَ كُرِهَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَهُوَ أَوْلَى، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: لَا يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَطَوُّعُ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعِ الْمَكْتُوبَةِ. وَقَاسَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِلْمَأْمُومِينَ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَرَاهَةِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي النُّكَتِ: يَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ كَلَامِهِمْ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا مَشَى إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ لَمْ تَفُتْهُ قَالَ: لَكِنْ هِيَ فِي صُورَةٍ نَادِرَةٍ، وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا مَشَى إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ. وَقَدْ يُقَالُ: يُحَافِظُ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ، وَهَذَا كَمَا قُلْنَا: لَا يَسْعَى إذَا أَتَى الصَّلَاةَ، لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ.

قَالَ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ: فَإِنْ أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ، مَا لَمْ يَكُنْ عَجَّلَ لِفَتْحٍ قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ يُعَجِّلُ لِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَكِنْ هَلْ يُقَيَّدُ الْمَسْأَلَتَانِ بِتَعَذُّرِ الْجَمَاعَةِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يُحَافِظُ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الرَّكْعَةِ مِنْ نَصِّهِ " يُسْرِعُ إلَى التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى " قَالَ: وَالْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ إذَا لَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا، وَإِلَّا حَافَظَ عَلَيْهَا، فَيُسْرِعُ لَهَا. انْتَهَى.

الرَّابِعَةُ: الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَيَمِينُ كُلِّ صَفٍّ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ الْإِمَامِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَكَذَا قُرْبُ الْأَفْضَلِ وَالصَّفُّ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ بُعْدَ يَمِينِهِ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنْ قُرْبِ يَسَارِهِ قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ.

ص: 40

الْخَامِسَةُ: قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْمَفْضُولِ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: يُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ نَصَّ عَلَيْهِ (وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْإِيثَارِ بِمَكَانِهِ، وَفِيمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَوْقِفِ.

السَّادِسَةُ: الصَّفُّ الْأَوَّلُ: هُوَ مَا يَقْطَعُهُ الْمِنْبَرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَغَيْرِهِمَا: الْمِنْبَرُ لَا يَقْطَعُ الصَّفَّ، وَعَنْهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ: هُوَ الَّذِي يَلِي الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَقْطَعْهُ. حَكَى هَذَا الْخِلَافَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْمَقْصُورَةَ، وَمَا تَقْطَعُهُ الْمَقْصُورَةُ فَلَيْسَ بِأَوَّلٍ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَرَجَّحَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ لِأَحْمَدَ بِهِ. انْتَهَى. مَعَ أَنَّهُ اخْتَارَهُ.

السَّابِعَةُ: لَيْسَ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ دُعَاءٌ مَسْنُونٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بَيْنَهُمَا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ " اللَّهُ أَكْبَرُ " لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا) يَعْنِي لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ، وَيَكُونُ مُرَتَّبًا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ، وَاَللَّهُ الْأَعْظَمُ " جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ بِالْإِجْزَاءِ فِي " اللَّهُ الْأَكْبَرُ " وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ " الْأَكْبَرُ اللَّهُ، أَوْ الْكَبِيرُ اللَّهُ، أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ " ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ فِي التَّعْلِيقِ " أَكْبَرُ " كَالْكَبِيرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ أَبْلَغَ إذَا قِيلَ: أَكْبَرُ مِنْ كَذَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

ص: 41

تَنْبِيهٌ: مِنْ شَرْطِ الْإِتْيَانِ بِقَوْلِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " أَنْ يَأْتِيَ بِهِ قَائِمًا، إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَلَوْ أَتَى بِبَعْضِهِ رَاكِعًا، أَوْ أَتَى بِهِ كُلِّهِ رَاكِعًا، أَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا، أَوْ أَتَمَّهُ قَائِمًا: لَمْ تَنْعَقِدْ فَرْضًا، وَتَنْعَقِدُ نَفْلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ أَيْضًا، وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ مِمَّنْ كَمَّلَهَا رَاكِعًا فَقَطْ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي نَفْلٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَيَأْتِي حُكْمُ مَا لَوْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ سَمَّعَ أَوْ حَمِدَ قَبْلَ انْتِقَالِهِ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَ انْتِهَائِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ " ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَرْكَعُ مُكَبِّرًا ".

فَائِدَةٌ: لَوْ زَادَ عَلَى التَّكْبِيرِ، كَقَوْلِهِ " اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ، أَوْ وَأَجَلُّ " وَنَحْوِهِ كُرِهَ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ: لَمْ يُسْتَحَبَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالزِّيَادَةُ عَلَى التَّكْبِيرِ، قِيلَ: يَجُوزُ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا) بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَعَلُّمُهَا فِي مَكَانِهِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ وَلَوْ كَانَ بَادِيًا بَعِيدًا فَيَقْصِدُ الْبَلَدَ لِتَعَلُّمِهَا فِيهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ)، وَكَذَا إنْ عَجَزَ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَعَنْهُ لَا يُكَبِّرُ بِلُغَتِهِ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ.

وَكَذَا حُكْمُ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَالدُّعَاءِ، قَالَهُ فِي

ص: 42

الْقَاعِدَةَ الْعَاشِرَةَ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلًا، وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا فَعَلَيْهِ: يَحْرُمُ بِلُغَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ كَانَ يَعْرِفُ لُغَاتٍ، فَقَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: يُقَدَّمُ السُّرْيَانِيُّ، ثُمَّ الْفَارِسِيُّ، ثُمَّ التُّرْكِيُّ، وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ التُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَإِنْ عَرَفَ لِسَانًا فَارِسِيًّا وَسُرْيَانِيًّا فَأَوْجَهُ. الثَّالِثُ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَيُقَدَّمَانِ عَلَى التُّرْكِيِّ وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ التُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ لَمْ يُقَدَّمَا عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. قُلْت: وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ، بَلْ أَطْلَقُوا فَيُجْزِيهِ التَّكْبِيرُ بِأَيِّ لُغَةٍ أَرَادَ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ مَقْطُوعَ اللِّسَانِ كَبَّرَ بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكْ لِسَانَهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ كَانَ أَقْوَى، وَقِيلَ: يَجِبُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْإِفَادَاتِ فَإِنْ عَجَزَ أَشَارَ بِقَلْبِهِ، وَكَذَا حُكْمُ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: لَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ إلَّا فِي التَّكْبِيرِ فَقَطْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ، يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ.

الثَّانِيَةُ: الْحُكْمُ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ التَّعَلُّمِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِي كُلِّ ذِكْرٍ مَفْرُوضٍ كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالسَّلَامِ وَنَحْوِهِ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ بِلُغَتِهِ، وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ: فَلَا يُتَرْجِمُ عَنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُحْسِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَتَى بِهِ بِلُغَتِهِ.

ص: 43

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ، وَيُسِرُّ غَيْرُهُ بِهِ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ الْجَهْرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ لَا يُكْرَهُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَغَيْرِ إذْنِهِ وَبِالتَّحْمِيدِ.

قَوْلُهُ (وَبِالْقِرَاءَةِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَفِي التَّكْبِيرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الِاكْتِفَاءَ بِالْإِتْيَانِ بِالْحُرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَذَكَرَهُ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ، وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ سَمَاعَ مَنْ بِقُرْبِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَطَلَاقٍ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ " إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَانِعٌ، كَطَرَشٍ أَوْ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا تَمْنَعُهُ مِنْ سَمَاعِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ أَتَى بِهِ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ السَّمَاعُ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ.

قَوْلُهُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَرْفَعُهَا قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَيُخْفِضُهُمَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلُهُ (مَمْدُودَةَ الْأَصَابِعِ، مَضْمُومًا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ مُفَرَّقَةً.

فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِبُطُونِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ الْقِبْلَةَ حَالَ التَّكْبِيرِ، عَلَى

ص: 44

الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: قَائِمَةً حَالَ الرَّفْعِ وَالْحَطِّ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ النَّاظِمُ:

وَلِلْبَيْتِ لَا لِلْأُذُنِ وَاجِهْ بِأَجْوَدَ

قَوْلُهُ (إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ وَإِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْكَافِي، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ: لَا خِلَافَ فِيهِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَعَنْهُ: يَرْفَعُهُمَا إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ فَقَطْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَنَظْمِ النِّهَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَعَنْهُ إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ، وَعَنْهُ إلَى صَدْرِهِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يُجَاوِزُ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَجْعَلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِبْهَامَيْهِ عِنْدَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَقَالَ: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَاذِيَ بِمَنْكِبَيْهِ كُوعَيْهِ، وَبِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، وَبِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ: أَنْ تَكُونَا فِي حَالِ الرَّفْعِ مَكْشُوفَتَانِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ هُنَا وَفِي الدُّعَاءِ.

ص: 45

الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ إشَارَةٌ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ كَمَا أَنَّ السَّبَّابَةَ إشَارَةٌ إلَى الْوَحْدَانِيَّةِ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَضَعُ كَفَّ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ الْيُسْرَى) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا، ثُمَّ يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَضَعُ بَعْضَ يَدِهِ عَلَى الْكَفِّ وَبَعْضَهَا عَلَى الذِّرَاعِ، وَجَزَمَ بِمِثْلِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَزَادَ: وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ قَالَ: وَيَقْبِضُ بِأَصَابِعِهِ عَلَى الرُّسْغِ، وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

فَائِدَةٌ: مَعْنَى ذَلِكَ: ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ عِزٍّ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ يُرْسِلُهُمَا مُطْلَقًا إلَى جَانِبَيْهِ، وَعَنْهُ يُرْسِلُهُمَا فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ فِي الرِّوَايَةِ: الْجِنَازَةُ مَعَ النَّفْلِ، وَنُقِلَ عَنْ الْخَلَّالِ: أَنَّهُ أَرْسَلَ يَدَيْهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ.

قَوْلُهُ (وَيَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، إلَّا حَالَ إشَارَتِهِ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى سَبَّابَتِهِ.

ص: 46

فَائِدَةٌ: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ مُرَادَ مَنْ أَطْلَقَ فِي هَذَا الْبَابِ: غَيْرُ صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِمْ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إلَى الْعَدُوِّ، وَكَذَا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، أَوْ كَانَ خَائِفًا مِنْ سَيْلٍ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ فَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، أَوْ ضَيَاعِ مَالِهِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ ضَرَرٌ إذَا نَظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ، وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ لَكَانَ قَوِيًّا، بَلْ لَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ، وَهَذَا فِي النَّظَرِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ فَإِنَّ فِعْلَ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَالنَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ لِأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ، وَهُوَ وَاضِحٌ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك) هَذَا الِاسْتِفْتَاحُ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ الِاسْتِفْتَاحَ بِخَبَرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه كُلِّهِ، وَهُوَ وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى آخِرِهِ " وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَمْعَهُمَا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: أَنَّهُ يَقُولُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا أُخْرَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ، وَكَيْفَمَا تَعَوَّذَ مِنْ الْوَارِدِ كَانَ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَعِيذُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَعَنْهُ يَقُولُ مَعَ ذَلِكَ " إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَعَنْهُ يَقُولُ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " جَزَمَ بِهِ فِي

ص: 47

الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ يَزِيدُ مَعَهُ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَعَنْهُ أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. اخْتَارَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هِيَ قُرْآنٌ، وَهِيَ آيَةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ سِوَى بَرَاءَةٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْعَارٌ بِذَلِكَ، لِقَوْلِهِ:" ثُمَّ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". وَعَنْهُ لَيْسَتْ قُرْآنًا مُطْلَقًا، بَلْ هِيَ ذِكْرٌ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ: وَفِي ثُبُوتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ نَظَرٌ.

فَائِدَةٌ. لَيْسَتْ الْبَسْمَلَةُ آيَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى الْفَاتِحَةِ بِلَا نِزَاعٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا خِلَافَ عَنْهُ نَعْلَمُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ آيَةً مِنْ أَوَّلِ سُورَةٍ إلَّا فِي الْفَاتِحَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَا يَجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ سَوَاءٌ قُلْنَا هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ لَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: الرِّوَايَةُ لَا تَخْتَلِفُ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ، وَإِنْ قُلْنَا هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ [وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ] وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمُوهُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. فَيُعَايَى بِهَا

ص: 48

وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا فِي الْجَهْرِ بِهَا، إنْ قُلْنَا هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي إشَارَاتِهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا فِي الْمَدِينَةِ، عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَعَنْهُ يَجْهَرُ بِهَا فِي النَّفْلِ فَقَطْ، وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا وَبِالتَّعَوُّذِ وَالْفَاتِحَةِ فِي الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا أَحْيَانَا، وَقَالَ: هُوَ الْمَنْصُوصُ، تَعْلِيمًا لِلسُّنَّةِ وَقَالَ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلتَّأْلِيفِ كَمَا اسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ تَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ تَأْلِيفًا لِلْمَأْمُومِ.

فَائِدَةٌ: يُخَيَّرُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فِي الْجَهْرِ بِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الْقَاضِي: كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّعَوُّذِ، وَعَنْهُ يَجْهَرُ، وَعَنْهُ لَا يَجْهَرُ، وَيَأْتِي إذَا عَطَسَ فَقَالَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " أَوْ قَالَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " يَنْوِي بِذَلِكَ الْعَطْسَةَ، وَالْقِرَاءَةَ، أَوْ الذِّكْرَ، عِنْدَ قَوْلِهِ " فَإِذَا قَامَ قَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ".

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ. وَفِيهَا إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً) يَأْتِي: هَلْ تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا) لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَرْتِيبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقِيَاسُ: يُتَسَامَحُ إذَا تَرَكَ تَرْتِيبَهَا سَهْوًا قَوْلُهُ (أَوْ تَشْدِيدَةً مِنْهَا) يَعْنِي إذَا تَرَكَ تَشْدِيدَةً مِنْهَا (لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إنْ تَرَكَ التَّشْدِيدَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.

وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهَا مَعَ تَلْيِينِهِ، أَوْ إظْهَارِ الْمُدْغَمِ

ص: 49

قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ خَفَّفَ الشَّدَّةَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ كَالنُّطْقِ بِهِ، مَعَ الْعَجَلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفُرُوعِ غَيْرُ قَوْلِ تَرْكِ التَّشْدِيدِ.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (أَوْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ، أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا) أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْعُمَدِ. الثَّانِي: مَحَلُّ قَوْلِهِ أَوْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ إذَا كَانَ عَمْدًا فَلَوْ كَانَ سَهْوًا عُفِيَ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ سَكَتَ كَثِيرًا نَسِيَانَا أَوْ نَوْمًا، أَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا غَلَطًا فَطَالَ بَنَى عَلَى مَا قَرَأَ مِنْهَا. وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ فِيمَا إذَا كَانَ عَنْ غَفْلَةٍ، أَوْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ أَوْ السُّكُوتُ مَشْرُوعًا، كَالتَّأْمِينِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالتَّسْبِيحِ لِلتَّنْبِيهِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ: لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ، وَإِنْ طَالَ. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتٍ لِلْإِمَامِ وَلَا تَبْطُلُ بِنِيَّةِ قَطْعِهَا مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: تَبْطُلُ إذَا سَكَتَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي.

قَوْلُهُ (فَإِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ: آمِينَ) فِي مَحَلِّ قَوْلِ الْمَأْمُومِ آمِينَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يَقُولُهُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ مَعًا، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ

ص: 50

وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقُولُهُ بَعْدَ الْإِمَامِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْحَوَاشِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَوْلُهُ (يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ تَرْكُ الْجَهْرِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ جَهْرًا لِيُذَكِّرَهُ، وَكَذَا لَوْ أَسَرَّهُ الْإِمَامُ جَهَرَ بِهِ الْمَأْمُومُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا قَرَأَ قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْوَجْهَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ ضَعَّفَهُ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ وَالْآيَاتِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.

(وَقِيلَ: يَقْرَأُ قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْآيَاتِ مِنْ غَيْرِهَا) قَدَّمَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَأَطْلَقَهُ هُوَ وَالْأَوَّلُ فِي الْمُذْهَبِ، وَأَطْلَقَ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ: قَرَأَ قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْآيَاتِ مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي عَدَدِ الْحُرُوفِ وَجْهَانِ

ص: 51

وَقِيلَ: يَقْرَأُ بِعَدَدِ حُرُوفِهَا وَآيَاتِهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ آيَةٌ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ قَرَأَ قَدْرَهَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ تَعَلُّمُهَا إذَا خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: لَا يَسْقُطُ تَعَلُّمُهَا لِخَوْفِ فَوَاتِ الْوَقْتِ، وَلَا يُصَلِّي بِغَيْرِهَا، إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَنُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا آيَةً كَرَّرَهَا بِقَدْرِهَا) عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْآيَةُ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ قِرَاءَتُهَا مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقِيلَ: يَقْرَأُ الْآيَةَ، وَيَأْتِي بِقَدْرِ بَقِيَّةِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الذِّكْرِ، وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا آيَةً أَنْ تَكُونَ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ غَيْرِهَا، وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ: أَعَمُّ وَأَوْلَى.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ يُحْسِنُ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ وَشَيْئًا مِنْ غَيْرِهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكَرِّرُ الْآيَةَ الَّتِي مِنْ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِهَا، وَقِيلَ: يَقْرَأُ الْآيَةَ وَالشَّيْءَ الَّذِي مِنْ غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ، إنْ كَانَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا كَرَّرَ بِقَدْرِهَا. لَكِنْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ كَانَ الَّذِي يُحْسِنُهُ مِنْ آخِرِ الْفَاتِحَةِ، فَلْيَجْعَلْ قِرَاءَتَهُ أَخِيرًا، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحْسِنُ بَعْضَ آيَةٍ: أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ: هُوَ كَالْآيَةِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: إنْ عَرَفَ بَعْضَ آيَةٍ لَا يَلْزَمُهُ تَكْرَارٌ فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُ ذَلِكَ.

ص: 52

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَرْجِمَ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى) هُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّرْجَمَةُ عَنْهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، إذَا لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ (وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي وَالْهَادِي. وَافَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى زِيَادَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ لَا يَقُولُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَعَنْهُ يُكَرِّرُ هَذَا بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، أَوْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الثَّنَاءِ وَالذِّكْرِ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الصَّرْصَرِيُّ فِي زَوَائِدِ الْكَافِي قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيُكَرِّرَهُ، أَوْ يُضِيفَ إلَيْهِ ذِكْرًا آخَرَ حَتَّى يَصِيرَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ [قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَيُكَرِّرُهُ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ] وَمَا قَالَهُ فِي الْمُذْهَبِ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَأْتِي بِالذِّكْرِ الْمَذْكُورِ، وَيَزِيدُ كَلِمَتَيْنِ مِنْ أَيِّ ذِكْرٍ شَاءَ لِيَكُونَ سَبْعًا، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُحَمِّدُ وَيُكَبِّرُ، وَقَالَ ابْنُهُ فِي تَبْصِرَتِهِ يُسَبِّحُ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ

ص: 53

وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَمِّدُ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِخَبَرِ رِفَاعَةَ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْكُلَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَا شَيْءَ مُعَيَّنٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا بَعْضَ ذَلِكَ كَرَّرَهُ بِقَدْرِهِ) يَعْنِي بِقَدْرِ الذِّكْرِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ: يُكَرِّرُهُ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا بَعْضَ ذَلِكَ كَرَّرَهُ بِقَدْرِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُجْزِيهِ التَّحْمِيدُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الذِّكْرِ وَقَفَ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ) كَالْأَخْرَسِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ أَعْلَمُهُ، لَكِنْ يَلْزَمُ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، وَالْأَخْرَسَ: الصَّلَاةُ خَلْفَ قَارِئٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا مَعَ الْقُدْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمَا فِي وَجْهٍ وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: خِلَافُ ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْإِمَامَةِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْأَشْهَرِ يَلْزَمُ غَيْرَ حَافِظٍ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَأَوْجَبَهُ الْقَاضِي،

ص: 54

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. انْتَهَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ. بَلْ لَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ إذَا كَبَّرَ لَكَانَ مُتَّجَهًا فَإِنَّ هَذَا كَالْعَبْدِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْأَخْرَسِ وَمَقْطُوعِ اللِّسَانِ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً تَكُونُ فِي الصُّبْحِ مِنْ طُوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَيَأْتِي حُكْمُ السُّورَةِ فِي ذِكْرِ السُّنَنِ، وَأَوَّلُ الْمُفَصَّلِ: مِنْ سُورَةِ (ق) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: أَوَّلُهُنَّ (الْحُجُرَاتُ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي الْمَطْلَعِ: لِلْعُلَمَاءِ فِي الْمُفَصَّلِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. فَذَكَرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّالِثُ: مِنْ أَوَّلِ الْفَتْحِ وَالرَّابِعُ: مِنْ أَوَّلِ الْقِتَالِ وَصَحَّحَهُ وَلَدُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَذَكَرَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ، وَزَادَ فِي الْآدَابِ قَوْلَيْنِ، وَهُمَا: وَقِيلَ مِنْ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] وَقِيلَ مِنْ {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي الْعَصْرِ نِصْفَ الظُّهْرِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ الْعَصْرِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مَا اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ قَوْلًا غَيْرَ هَذَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ مُرَادَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: وَيَكُونَ بَيَانًا لَهُ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ:

ص: 55

لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ بِأَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَنَحْوُهُمَا، بَلْ اسْتَحَبَّهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ خَالَفَ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ كُرِهَ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ، وَلِمَا يُكْرَهُ بِطُوَالِهِ فِي الْمَغْرِبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ فِي الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا قَالَ الشَّارِحُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ اسْتِحْبَابُ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ الثَّانِيَةِ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحُكِيَ قَوْلٌ بِالْجَهْرِ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: الْمُنْفَرِدُ وَالْقَائِمُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ، يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: يُخَيَّرُ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَقْوَى: وَكَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يَجْهَرُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يُسَنُّ الْجَهْرُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْخِلَافِ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا، فَإِنَّهُ يُسِرُّ قَوْلًا وَاحِدًا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْفَوَائِدِ هُنَاكَ.

وَمِنْهَا: لَا تَجْهَرُ الْمَرْأَةُ، وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَهَا أَجْنَبِيٌّ، بَلْ يَحْرُمُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا قَالَ الْقَاضِي: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْمَنْعَ قَالَ فِي الْحَاوِي: وَتُسِرُّ

ص: 56

بِالْقِرَاءَةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْكُبْرَى، فِي أَوَاخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ: وَتَجْهَرُ الْمَرْأَةُ فِي الْجَهْرِ مَعَ الْمَحَارِمِ وَالنِّسَاءِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: تَجْهَرُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَهَا أَجْنَبِيٌّ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَ التَّحْرِيمَ وَعَدَمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَجْهَرُ إنْ صَلَّتْ بِنِسَاءٍ، وَلَا تَجْهَرُ إنْ صَلَّتْ وَحْدَهَا. وَمِنْهَا: حُكْمُ الْخُنْثَى فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَرْأَةِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَمِنْهَا: يُكْرَهُ جَهْرُهُ نَهَارًا فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَيُخَيَّرُ لَيْلًا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْحَوَاشِي، زَادَ بَعْضُهُمْ: نَفْلٌ لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ: وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ نَهَارًا فِي الْأَصَحِّ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَرْفَعُ لَيْلًا، يُرَاعَى الْمَصْلَحَةَ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَضَى صَلَاةَ سِرٍّ لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا، سَوَاءٌ قَضَاهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَإِنْ قَضَى صَلَاةَ جَهْرٍ فِي جَمَاعَةٍ لَيْلًا جَهَرَ فِيهَا، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَإِنْ قَضَاهَا نَهَارًا لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ إذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً، وَقِيلَ: يَجْهَرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: يُخَيَّرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَفِي الْمُنْفَرِدِ الَّذِي يَقْضِي: الْخِلَافُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَمِنْهَا: لَوْ نَسِيَ الْجَهْرَ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فَأَسَرَّ، ثُمَّ ذَكَرَ جَهَرَ، وَبَنَى عَلَى مَا أَسَرَّهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَبْتَدِئُ الْقِرَاءَةَ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْهَا أَوْ لَا، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ الْإِسْرَارَ فِي صَلَاةِ السِّرِّ فَجَهَرَ ثُمَّ ذَكَرَ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى قِرَاءَتِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ

ص: 57

وَمِنْهَا: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالنَّهَارِ: مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، لَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَبِاللَّيْلِ: مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا.

وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) وَتَحْرُمُ؛ لِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَتَصِحُّ إذَا صَحَّ سَنَدُهُ؛ لِصَلَاةِ الصَّحَابَةِ بَعْضِهِمْ خَلْفَ بَعْضٍ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: هِيَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ وَقَوْلُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ: مُصْحَفُ عُثْمَانَ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ رُكْنِ الْقِرَاءَةِ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيمَا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَشَرَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَتَوَاتَرْ، حَكَاهَا فِي الرِّعَايَةِ.

فَائِدَةٌ: اخْتَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَنْهُ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَوَاءٌ، قَالَ: إنَّهَا لَيْسَ فِيهَا مَدٌّ وَلَا هَمْزٌ، كَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، وَشَيْبَةَ، وَمُسْلِمٍ، وَقَرَأَ نَافِعٌ عَلَيْهِمْ ثَمَّ قِرَاءَةَ عَاصِمٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ

ص: 58

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ اخْتَارَهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مِنْهُ، مَعَ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَزُهْدٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ اخْتَارَ قِرَاءَةَ أَهْلِ الْحِجَازِ قَالَ: وَهَذَا يَعُمُّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَقَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيُّ: أَيُّ الْقِرَاءَاتِ تَخْتَارُ لِي فَأَقْرَأُ بِهَا؟ قَالَ: قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَالْفُصَحَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ. انْتَهَى. وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَرْكَعُ، مُكَبِّرًا) فَيَكُونُ رَفْعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ الرُّكُوعِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَعَنْهُ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا بَعْدَ سَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَالنُّهُوضِ ابْتِدَاؤُهُ مَعَ ابْتِدَاءِ الِانْتِقَالِ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ. فَإِنْ كَمَّلَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مَحَلِّهِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَهُ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ، فَوَقَعَ بَعْضُهُ خَارِجًا عَنْهُ، فَهُوَ كَتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهُ فِي مَحَلِّهِ. فَأَشْبَهَ مَنْ تَمَّمَ قِرَاءَتَهُ رَاكِعًا، أَوْ أَخَذَ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ قُعُودِهِ. وَقَالُوا: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ كَمَا لَا يَأْتِي بِتَكْبِيرَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فِيهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَفَاقَا.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ يَعْسُرُ، وَالسَّهْوَ بِهِ يَكْثُرُ، فَفِي الْإِبْطَالِ بِهِ أَوْ السُّجُودِ لَهُ مَشَقَّةٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الصِّحَّةُ، وَتَابَعَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْحَوَاشِي.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، ذَكَرَهُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَحُكْمُ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ حُكْمُ التَّكْبِيرِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ: لَوْ أَتَى بِبَعْضِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ رَاكِعًا.

قَوْلُهُ (وَقَدْرُ الْإِجْزَاءِ الِانْحِنَاءُ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ) مُرَادُهُ: إذَا كَانَ الرَّاكِعُ مِنْ أَوْسَطِ النَّاسِ وَقَدْرُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ

ص: 59

وَجَزَمَ بِهِ الْجُمْهُورُ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنْ يَمَسَّ رُكْبَتَيْهِ بِكَفَّيْهِ، مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي قَدْرِ الْإِجْزَاءِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُقْنِعِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ. فَيَصْدُقُ بِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ قَالَ: وَالصَّحِيحُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ: أَنَّهُ قَدْرُ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ أَخْذِ رُكْبَتَيْهِ بِكَفَّيْهِ فِي حَقِّ أَوْسَاطِ النَّاسِ، أَوْ قَدْرُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ احْتِمَالَانِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: وَضَابِطُ الْإِجْزَاءِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ: أَنْ يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ.

قَوْلُهُ (وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَفْضَلَ قَوْلُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فَقَطْ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ قَوْلُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ.

قَوْلُهُ (ثَلَاثًا، وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ فِي تَسْبِيحَيْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَأَمَّا أَعْلَى الْكَمَالِ: فَتَارَةً يَكُونُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَمَالَ فِي حَقِّهِ يَكُونُ إلَى عَشْرٍ. قَالَ الْمَجْدُ، وَتَابَعَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْأَصَحُّ مَا بَيْنَ الْخَمْسِ إلَى الْعَشْرِ قَالَا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 60

وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، مَا لَمْ يُوتِرْ الْمَأْمُومُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ: وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى ثَلَاثٍ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَشُقَّ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ إلَّا بِرِضَا الْمَأْمُومِ، أَوْ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ الثَّلَاثُ لَهُ. وَقِيلَ: سَبْعٌ قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: أَنَّ الْكَمَالَ فِي حَقِّهِ قَدْرُ قِرَاءَتِهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: الْكَمَالُ خَمْسٌ، لِيُدْرِكَ الْمَأْمُومُ ثَلَاثًا. وَقِيلَ: مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَطُلْ عُرْفًا، وَقِيلَ: أَوْسَطُهُ سَبْعٌ. وَأَكْثَرُهُ بِقَدْرِ الْقِيَامِ، وَأَمَّا الْكَمَالُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ: فَالصَّحِيحُ، أَنَّهُ لَا حَدَّ لِغَايَتِهِ، مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: بِقَدْرِ قِيَامِهِ. وَنَسَبَهُ الْمَجْدُ إلَى غَيْرِ الْقَاضِي مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: الْعُرْفُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: سَبْعٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالْحَوَاشِي، وَقِيلَ: عَشْرٌ، وَقِيلَ: أَوْسَطُهُ سَبْعٌ، وَأَكْثَرُهُ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْقِيَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلًا: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ: وَهِيَ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحُ، وَعَنْهُ مَحَلُّ رَفْعِ يَدَيْهِ: بَعْدَ اعْتِدَالِهِ.

وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَقَدَّمَهُ

ص: 61

ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي، وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ إنْ كَانَ مَأْمُومًا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ، إنْ قُلْنَا: لَا يَقُولُ بَعْدَ الرَّفْعِ شَيْئًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: أَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَبْتَدِئُهُ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الْمُنْفَرِدُ إنْ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ قَوْلُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: بِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ يَكُونُ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ.

قَوْلُهُ (فَإِذَا قَامَ قَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْوَاوِ أَفْضَلُ فِي قَوْلِهِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ الْإِتْيَانُ بِلَا وَاوٍ أَفْضَلُ فَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يَتَخَيَّرُ فِي تَرْكِهَا، بَلْ يَأْتِي بِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَائِدَةٌ: لَهُ قَوْلُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَبِلَا وَاوٍ أَفْضَلُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَلَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ بِالْوَاوِ وَجَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فَحَكَى الْخِلَافَ فِي الْفُرُوعِ مَعَ عَدَمِ الْوَاوِ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ مَعَ الْوَاوِ، وَهِيَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ (مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ) : هَكَذَا، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَعْنِي مِلْءَ السَّمَاءِ عَلَى الْإِفْرَادِ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُغْنِي، وَالْخِرَقِيُّ، وَالْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَعْرُوفُ فِي الْأَخْبَارِ

ص: 62

مِلْءَ السَّمَوَاتِ " بِالْجَمْعِ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَطَسَ، فَقَالَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ يَنْوِي بِذَلِكَ عَنْ الْعَطْسَةِ وَذِكْرُ الرَّفْعِ: لَمْ يُجْزِئْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُجْزِئُهُ، وَحَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ: لَوْ أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الْفَاتِحَةِ فَعَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَنْوِي بِذَلِكَ عَنْ الْعُطَاسِ وَالْقِرَاءَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: وَفِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا: أَنَّهُمَا لَا تُبْطِلُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ: إنْ شَاءَ أَرْسَلَ يَدَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِذَا قَامَ أَحَدُهُمَا أَوْ الْمَأْمُومُ حَطَّهُمَا وَقَالَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَوَضَعَ كُلُّ مُصَلٍّ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ فَوْقَهَا تَحْتَ صَدْرِهِ، أَوْ أَرْسَلَهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، وَعَنْهُ إذَا قَامَ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ حَطَّهُمَا فَقَطْ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ: إذَا انْتَصَبَ قَائِمًا أَرْسَلَ يَدَيْهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي افْتِرَاشِهِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ بَعِيدٌ

ص: 63

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا لَمْ يَزِدْ عَلَى رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَعَنْهُ يَزِيدُ مِلْءَ السَّمَاءِ إلَى آخِرِهِ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ النَّصِيحَةِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ مُحْتَمَلٌ، تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا لَمْ يَزِدْ عَلَى رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ كَالْإِمَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُسَمِّعُ وَيُحَمِّدُ فَقَطْ، وَعَنْهُ يُسَمِّعُ فَقَطْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهَا ضَعْفٌ، وَعَنْهُ يُحَمِّدُ فَقَطْ.

فَائِدَتَانِ: الْأُولَى: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ فَيَقُولُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّ، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجَاوِزُ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ الزِّيَادَةِ لِمَنْ يَكْتَفِي فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِأَدْنَى الْكَمَالِ، وَقَوْلُهَا إذَا أَطَالَهُمَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: يَجُوزُ، لِلْأَثَرِ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: مَحَلُّ قَوْلِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ: بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَالِ قِيَامِهِمَا يَقُولَانِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَمَحَلُّهُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ: حَالَ رَفْعِهِ.

ص: 64

قَوْلُهُ (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَرْفَعُهُمَا، وَعَنْهُ يَرْفَعُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ.

فَائِدَةٌ. حَيْثُ اُسْتُحِبَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ، مَنْ رَفَعَ أَتَمُّ صَلَاةً مِمَّنْ لَمْ يَرْفَعْ، وَعَنْهُ لَا أَدْرِي قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى نَحْوِ مَا، قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ إنَّ الرَّفْعَ مِنْ تَمَامِ صِحَّتِهَا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَنْ التَّمَامِ الَّذِي هُوَ تَمَامُ فَضِيلَةٍ وَسُنَّةٍ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ مَنْ تَرَكَ الرَّفْعَ يَكُونُ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ قَالَ: لَا يَقُولُ هَكَذَا، وَلَكِنْ يَقُولُ: رَاغِبٌ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ (فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ يَضَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ قَوْلُهُ (وَيَكُونُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْمُسْتَحَبَّةُ، وَتَكُونُ أَصَابِعُهُ مُفَرَّقَةً مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: يَجْعَلُ بُطُونَهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ أَطْرَافِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي السُّجُودِ؟ فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ: وُجُوبُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلٌ أَوْ خُفٌّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ يَجِبُ فَتْحُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، جَازَ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ.

الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ ضَمُّ أَصَابِعِ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيُوَجِّهُهُمَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ ".

ص: 65

الثَّالِثَةُ: لَوْ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ عَادَ قَائِمًا بِهِ، وَإِنْ اطْمَأَنَّ عَادَ فَانْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ سَجَدَ فَإِنْ اعْتَدَلَ حَتَّى سَجَدَ سَقَطَ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إنْ سَقَطَ مِنْ قِيَامِهِ سَاجِدًا عَلَى جَبْهَتِهِ أَجْزَأَهُ بِاسْتِصْحَابِ النِّيَّةِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ سَقَطَ مِنْ قِيَامٍ لَمَّا أَرَادَ الِانْحِنَاءَ قَامَ رَاكِعًا، فَلَوْ أَكْمَلَ قِيَامَهُ ثُمَّ رَكَعَ لَمْ يُجْزِئْهُ كَرُكُوعَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَالسُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ) وَاجِبٌ أَيْ رُكْنٌ (إلَّا الْأَنْفَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، إحْدَاهُمَا: يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَرَوَى الْآمِدِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى غَيْرِ الْجَبْهَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ النَّاظِمُ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَمُبَاشَرَةَ الْمُصَلَّى بِهَا وَاجِبٌ لَا رُكْنٌ.

وَقَالَ: يَجْبُرُهُ إذَا تَرَكَهُ سَاهِيًا أَتَى بِسُجُودِ السَّهْوِ

ص: 66

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَخَذَ مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمُتَّجَهٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ إذْ لَمْ نَرَ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا. فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، كَأَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ حَالَةَ السُّجُودِ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: إذَا وَضَعَ مَنْ يَدَيْهِ بِقَدْرِ الْجَبْهَةِ أَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَجُوزُ السُّجُودُ بِبَعْضِ الْكَفِّ، وَلَوْ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَكَذَا عَلَى بَعْضِ أَطْرَافِ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ، وَبَعْضِ الْجَبْهَةِ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى بَاطِنِ الْكَفِّ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْرِقَ الْيَدَيْنِ بِالسُّجُودِ، وَيُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ بِالْجَبْهَةِ أَوْ مَا أَمْكَنَهُ، سَقَطَ السُّجُودُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ، فَيَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِالْأَنْفِ، وَلَا يُجْزِئُ عَلَى الْأَنْفِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى السُّجُودِ بِالْجَبْهَةِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ بِالْوَجْهِ تَبِعَهُ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِغَيْرِهِ، خِلَافًا لِتَعْلِيقِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنْهُ وَضْعُهُ بِدُونِ بَعْضِهَا، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ بِدُونِ شَيْءٍ مِنْهَا.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا الْجَبْهَةَ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) : وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْحَاوِي. إحْدَاهُمَا: لَا تَجِبُ الْمُبَاشَرَةُ بِهَا، يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي،

ص: 67

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: لَوْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ ذَيْلِهِ، صَحَّتْ الصَّلَاةُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ الْمُبَاشَرَةُ بِهَا صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ سَجَدَ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ لِتَوَقِّي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ: جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَقَالَ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ: إنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، وَكَانَتْ مُحَنَّكَةً جَازَ، وَإِلَّا فَلَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي كَرَاهَةِ فِعْلِ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ قُلْت: الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ.

تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِغَيْرِ الْجَبْهَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَمَّا بِالْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ: فَلَا يَجِبُ الْمُبَاشَرَةُ بِهَا إجْمَاعًا، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، بَلْ يُكْرَهُ كَشْفُ رُكْبَتَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا بِالْيَدَيْنِ فَالصَّحِيحُ عَنْ الْمَذْهَبِ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَعَنْهُ يَجِبُ قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: الْيَدُ كَالْجَبْهَةِ فِي اعْتِبَارِ الْمُبَاشَرَةِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يَسْجُدُ وَيَدَاهُ فِي ثَوْبِهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَسْجُدُ عَلَى ذَيْلِهِ أَوْ كُمِّهِ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ

ص: 68

وَقَالَ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ: إذَا سَجَدَ وَيَدُهُ فِي كُمِّهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كُرِهَ، وَفِي الْإِجْزَاءِ رِوَايَتَانِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ سَتْرُهُمَا، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ سَجَدَ عَلَى مَا لَيْسَ بِحَائِلٍ لَهُ، فَلَا كَرَاهَةَ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً.

، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُكْرَهُ لِعُذْرٍ، نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِمَكَانٍ شَدِيدِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لِتَرْكِ الْخُشُوعِ، كَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ.

فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ (وَيُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) قَالَ الْأَصْحَابُ " وَفَخِذَيْهِ عَنْ سَاقَيْهِ " وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ. فَإِنْ آذَى جَارَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ بِمِرْفَقَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ إنْ طَالَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ جَمَاعَةٌ بِالطُّولِ، بَلْ أَطْلَقُوا، وَقِيلَ: يَعْتَمِدُ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَالَ قِيَامِهِ، وَيُرَاوِحَ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْلِ وَالْفَرْضِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ يُكْرَهُ التَّرَاوُحُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ أَنْ يَلْصَقَ كَعْبَيْهِ.

وَمِنْهَا: لَوْ سَجَدَ عَلَى مَكَان أَعْلَى مِنْ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ كَنَشَزٍ وَنَحْوِهِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا

ص: 69

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَكُونُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ أَعْلَى مِنْ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: اسْتِعْلَاءُ الْأَسْفَلِ وَاجِبٌ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ إنْ كَثُرَ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: إنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ السُّجُودِ لَمْ يُجْزِهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ دُونَ الْكَثِيرِ، قَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: لَمْ يُكْرَهْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

وَمِنْهَا: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَوْ سَجَدَ عَلَى حَشِيشٍ، أَوْ قُطْنٍ، أَوْ ثَلْجٍ، أَوْ بَرَدٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ: لَمْ يَصِحَّ، لِعَدَمِ الْمَكَانِ الْمُسْتَقِرِّ.

قَوْلُهُ (وَيَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ: يَجْعَلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ، يَعْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا) ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا فِي أَدْنَى الْكَمَالِ وَأَعْلَاهُ وَأَوْسَطِهِ كَالْخِلَافِ فِي سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فِي الرُّكُوعِ عَلَى مَا مَرَّ.

قَوْلُهُ (يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي صِفَةِ الِافْتِرَاشِ لَا غَيْرَ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجُمْهُورُهُمْ قَطَعَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: يَفْعَلُ ذَلِكَ، أَوْ يُضْجِعُهُمَا تَحْتَ يُسْرَاهُ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَمَالَ هُنَا ثَلَاثٌ لَا غَيْرُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى:

ص: 70

السُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ. وَالْكَمَالُ فِيهِ مِثْلُ الْكَمَالِ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، عَلَى مَا مَضَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْكَمَالُ هُنَا سَبْعٌ، وَقِيلَ: لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيُسَنُّ مَا سَهُلَ وِتْرًا.

فَائِدَةٌ: لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْلِهِ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلَا عَلَى سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَسُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، مِمَّا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ فِي النَّفْلِ، وَقِيلَ: وَالْفَرْضِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَتَقَدَّمَ هَلْ تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ؟

قَوْلُهُ (وَيَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، فَيَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ بَلْ يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَبِي الْحُسَيْنِ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْمَشَايِخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ

ص: 71

وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْخَلَّالُ، وَقَالَ: إنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَقِيلَ: يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا.

تَنْبِيهٌ. قَوْلُهُ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ (يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَأَلْيَتَيْهِ) فِي صِفَةِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ رِوَايَاتٌ. إحْدَاهُمَا: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ صِفَةَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ كَالْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْقَاضِي، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَلَا يُلْصِقُ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالْآمِدِيُّ، وَقَالَ: لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إذَا قَامَ لَا يَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّهُ يَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ إذَا قَامَ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَيَقُومُ بِلَا تَكْبِيرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

ص: 72

وَيَكْفِيهِ تَكْبِيرُهُ حِينَ رَفْعِهِ مِنْ السُّجُودِ. وَقِيلَ: يَنْهَضُ مُكَبِّرًا، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَرَدَّهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا. الثَّانِيَةُ: لَيْسَتْ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهَلْ هِيَ فَصْلٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ، أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْبَنَّا فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهَا فَصْلٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ الْأُولَى.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى، إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَالِاسْتِفْتَاح) بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا إذَا أَتَى بِهِ فِي الْأُولَى، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: مَتَى قُلْنَا بِوُجُوبِ الِاسْتِفْتَاحِ فَنَسِيَهُ فِي الْأُولَى، أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِهِ، فَهَلْ يَأْتِي بِهِ فِي الثَّانِيَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَأْتِي بِهِ. قَوْلُهُ (وَفِي الِاسْتِعَاذَةِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَتَعَوَّذُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي النُّكَتِ: هِيَ الرَّاجِحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا

ص: 73

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَتَعَوَّذُ اخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَبَعَّدَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قُلْت: وَهُوَ الْأَصَحُّ دَلِيلًا.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَعَاذَ فِي الْأُولَى، أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَعِذْ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي الثَّانِيَةِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ: رِوَايَةً وَاحِدَةً. قُلْت: وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ فَحَوَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى ثُمَّ اسْتَثْنَى الِاسْتِعَاذَةَ فَدَلَّ أَنَّهُ أَتَى بِهَا فِي الْأُولَى. فَائِدَةٌ. اسْتَثْنَى أَبُو الْخَطَّابِ أَيْضًا النِّيَّةَ، أَيْ تَجْدِيدَهَا، وَكَذَا صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ، وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، لَكِنْ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ لَوْ تَرَكَ أَبُو الْخَطَّابِ اسْتِثْنَاءَهَا لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّرَائِطِ دُونَ الْأَرْكَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهَا عِنْدَنَا لِجُزْءٍ مِنْ الْأُولَى، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَهَا اكْتِفَاءً بِالدَّوَامِ الْحُكْمِيِّ، وَقَدْ تَسَاوَتْ الرَّكْعَتَانِ فِيهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت إنْ أَرَادَ أَبُو الْخَطَّابِ بِاسْتِثْنَائِهَا أَنَّهُ لَا تُسَنُّ ذِكْرًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اسْتِصْحَابَهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ أَرَادَ حُكْمًا فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ التَّكْرَارَ عِبَارَةٌ عَنْ إعَادَةِ شَيْءٍ فَرَغَ مِنْهُ وَانْقَضَى، وَلَوْ حَكَمَ بِانْقِضَاءِ النِّيَّةِ حُكْمًا لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ إذَنْ. انْتَهَى. قُلْت: إنَّمَا أَرَادَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يُجَدِّدُ لَهَا نِيَّةً كَمَا جَدَّدَهَا لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ. لَكِنَّ تَرْكَ اسْتِثْنَائِهَا أَوْلَى، لِمَا قَالَهُ الْمَجْدُ، وَكَذَلِكَ تَرَكَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَدِّدُ نِيَّةً لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ

ص: 74

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ إنْ تَوَرَّكَ جَازَ وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ، حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَقْبِضُ مِنْهَا الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ، وَيُلْحِقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ.

وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يَقْبِضُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَيَعْقِدُ إبْهَامَهُ كَخَمْسِينَ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ يَبْسُطُهَا كَالْيُسْرَى، وَعَنْهُ يُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ بِالْوُسْطَى وَيَبْسُطُ مَا سِوَاهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَبْسُطُ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَيَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى.

قَوْلُهُ (وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ فِي تَشَهُّدِهِ مِرَارًا) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ ثَلَاثًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُرَادُ الْأَوَّلِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يُشِيرُ بِهَا، وَلَمْ يَقُولُوا مِرَارًا مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ

ص: 75

فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ مَرَّةً، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَخْبَارِ، وَقَالَ: وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ.

تَنْبِيهٌ: الْإِشَارَةُ تَكُونُ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ وَذِكْرِ رَسُولِهِ قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يُشِيرُ بِهَا فِي جَمِيعِ تَشَهُّدِهِ، وَقِيلَ: هَلْ يُشِيرُ بِهَا عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ وَذِكْرِ رَسُولِهِ فَقَطْ، أَوْ عِنْدَ كُلِّ تَشَهُّدٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.

فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: لَا يُحَرِّكُ إصْبَعَهُ حَالَةَ الْإِشَارَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُحَرِّكُهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا بِغَيْرِهَا، لَوْ عُدِمَتْ. وَوُجِّهَ احْتِمَالًا أَنَّهُ يُشِيرُ بِغَيْرِهَا إذَا عُدِمَتْ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ يُشِيرُ بِالْإِبْهَامِ طُولَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقْبِضُ الْبَاقِيَ.

قَوْلُهُ (وَيَبْسُطُ الْيُسْرَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى) هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، أَوْ يُلْقِمَهَا رُكْبَتَهُ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (هَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ إنْ زَادَ أَسَاءَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي

ص: 76

الْجَامِعِ، وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ زِيَادَةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَزَادَ وَعَلَى آلِهِ.

فَائِدَةٌ. لَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِ التَّشَهُّدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بَلْ تَرْكُهَا أَوْلَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَكَرِهَهَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِزِيَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَقِيلَ: قَوْلُهَا أَوْلَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَالْأَوْلَى تَخْفِيفُهُ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (هَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ) يَعْنِي تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ التَّشَهُّدَاتِ الْوَارِدَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَتَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ سَوَاءٌ، وَتَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَشَهُّدُ عُمَرَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ الطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، سَلَامُ عَلَيْك إلَى آخِرِهِ وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْهُ فِي الْوَاجِبَاتِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِنْ شَاءَ قَالَ (كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ) أَنَّ صِفَةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأُولَى، وَهَذِهِ فِي الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ فَيُخَيَّرُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصِّفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا أَوْلَى وَأَفْضَلُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُخْتَارُ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ،

ص: 77

وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ عَنْهُ يُخَيَّرُ. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ بِإِسْقَاطِ عَلَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثَانِيًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَنْكَرَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الصِّحَاحِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ بَلْ الْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَالطُّرُقِ لَفْظُ آلِ إبْرَاهِيمَ وَفِي بَعْضِهَا لَفْظُ إبْرَاهِيمَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: الْجَمْعُ بَيْنَ لَفْظِ إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَوْقُوفًا. انْتَهَى.

قَالَ فِي جَامِعِ الِاخْتِيَارَاتِ، قُلْت: قَدْ رَوَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ فِي قَوَاعِدِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ، وَقَالَ: أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.

تَنْبِيهٌ: يَأْتِي مِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ، فِي الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: الْأَفْضَلُ تَرْتِيبُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالتَّشَهُّدِ عَلَى مَا وَرَدَ، فَيُقَدَّمُ التَّشَهُّدُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. فَإِنْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فَفِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّمَامِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ قَبْلَهُ، أَوْ نَكَّسَهُ مَعَ بَقَاءِ الْمَعْنَى لَمْ يُجْزِئْهُ، وَقِيلَ: بَلَى، ذَكَرَهُ الْقَاضِي،

ص: 78

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَبْدَلَ آلَ بِأَهْلِ فِي الصَّلَاةِ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْمَطْلَعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَيُجْزِيهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَغَّرَ فَقَالَ أُهَيْلِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِيهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو حَفْصٍ؛ لِأَنَّ الْأَهْلَ الْقَرَابَةُ، وَالْآلَ الْأَتْبَاعُ فِي الدِّينِ.

الثَّالِثَةُ: آلُهُ أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمَطْلَعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحَيْهِمَا، وَقِيلَ آلُهُ أَزْوَاجُهُ وَعَشِيرَتُهُ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ قَيَّدَهُ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: بَنُو هَاشِمٍ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ آلُهُ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَعِ. وَقِيلَ: أَهْلُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ آلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَقَالَ: هُوَ نَصُّ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمْ فَمِنْهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَفِي بَنِي الْمُطَّلِبِ رِوَايَةُ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْفَائِقِ آلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ فِي الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَهَلْ أَزْوَاجُهُ مِنْ آلِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْمُخْتَارُ، دُخُولُ أَزْوَاجِهِ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا، أَفْضَلُ أَهْلِ بَيْتِهِ: عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ. الَّذِينَ أَدَارَ عَلَيْهِمْ الْكِسَاءَ وَخَصَّهُمْ بِالدُّعَاءِ

ص: 79

قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ حَمْزَةَ أَفْضَلُ مِنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ.

الرَّابِعَةُ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ مُنْفَرِدًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْخِرَقِيِّ: وَلَا تَخْتَصُّ الصَّلَاةُ بِالْأَنْبِيَاءِ عِنْدَنَا، لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِعُمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِهِمْ إلَّا تَبَعًا لَهُ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَرِهَهَا جَمَاعَةٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: يُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَنْعَ الشِّعَارِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - أَمَّا هُوَ: فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى وَغَيْرِهِمْ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] .

الْخَامِسَةُ: تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَتَتَأَكَّدُ كَثِيرًا عِنْدَ ذِكْرِهِ. قُلْت: وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا لِلْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، ذَكَرَهُ عَنْهُ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ، وَقَالَ: ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ. وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ عَنْهُ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا الْبَزْدَوِيُّ مِنْهُمْ، ذَكَرَهُ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ عَنْهُ، وَأَظُنُّ أَنَّ اللَّخْمِيَّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ اخْتَارَهُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا: تَجِبُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً. وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ

ص: 80

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ فِي آدَابِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَالَ: تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. انْتَهَى. وَتَبِعَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ إلَى آخِرِهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ التَّعَوُّذُ وَاجِبٌ، حَكَاهَا الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ: مَنْ تَرَكَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ شَيْئًا مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَعَادَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الدُّعَاءِ عَمْدًا يُعِيدُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ فَلَا بَأْسَ)، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ: الْمُرَادُ بِالْأَخْبَارِ أَخْبَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَا يَدْعُو بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَمِثْلُهُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلْيَتَخَيَّرْ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا أَحَبَّ، وَلَا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِهَا. انْتَهَى. زَادَ غَيْرُهُمْ: وَأَخْبَارُ الصَّحَابَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِالْأَخْبَارِ أَخْبَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَالسَّلَفِ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إنْ دَعَا بِغَيْرِ مَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ: أَنَّ بِهِ بَأْسًا وَهُوَ قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ كَالدُّعَاءِ بِالرِّزْقِ الْحَلَالِ، وَالرَّحْمَةِ وَالْعِصْمَةِ مِنْ الْفَوَاحِشِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَدْعُوُّ بِهِ يُشْبِهُ مَا وَرَدَ فَهَذَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ

ص: 81

وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ فِي وَجْهٍ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ قَالَ الشَّارِحُ: قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَدْعُو بِذَلِكَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، الْقِسْمُ الثَّانِي: الدُّعَاءُ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ، وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ، وَعَنْهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَمَلَّاذِهَا. كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ، وَحُلَّةً خَضْرَاءَ، وَدَابَّةً هِمْلَاجَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: يَجُوزُ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَدْعُو لِجَمَاعَةٍ فِي الصَّلَاةِ، مِنْهُمْ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنهم وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، الثَّانِيَةُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ: إذَا لَمْ يَأْتِ فِي الدُّعَاءِ بِكَافِ الْخِطَابِ فَإِنْ أَتَى بِهَا بَطَلَتْ قَوْلًا وَاحِدًا، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَيْضًا: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا تَبْطُلُ بِقَوْلِهِ لَعَنَهُ اللَّهُ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْطَانِ، عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ عَوَّذَ نَفْسَهُ بِقُرْآنٍ لِحُمَّى، وَلَا مَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَا بِالْحَوْقَلَةِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَيَأْتِي ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْإِمَامِ إذَا اُرْتُجَّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ يَكُونُ حَالَ الْتِفَاتِهِ قَدَّمَهُ فِي

ص: 82

الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيَلْتَفِتُ بِالرَّحْمَةِ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَيَأْتِي إذَا سَلَّمَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، عِنْدَ قَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَجْهَرُ بِهِ إذَا سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَسَّرَ بِهِ إذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: يُسِرُّ بِهِ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْهَرُ بِهِ عَنْ يَسَارِهِ، عَكْسُ الْأَوَّلِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، لِئَلَّا يُسَابِقَهُ الْمَأْمُومُ فِي السَّلَامِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يَجْهَرُ فِيهِمَا، وَيَكُونُ الْجَهْرُ فِي الْأُولَى أَكْثَرَ، وَقِيلَ: يُسِرُّهُمَا.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا أَسَرَّهُمَا. بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَقِيلَ: الْمُنْفَرِدُ كَالْمَأْمُومِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْتِفَاتُهُ عَنْ يَسَارِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْتِفَاتِهِ عَنْ يَمِينِهِ، فَعَلَهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. وَحَدُّهُ الْتِفَاتُهُ بِحَيْثُ يُرَى خَدَّاهُ، قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ

ص: 83

وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِلْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ.

الثَّالِثَةُ: حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ الْجَهْرُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، وَإِخْفَاءُ الثَّانِيَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَى، وَهُوَ حَذْفُ السَّلَامِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يُطَوِّلُهُ، وَيَمُدَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَعَلَى النَّاسِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ إرَادَتُهُمَا، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، الرَّابِعَةُ: يُسْتَحَبُّ جَزْمُهُ وَعَدَمُ إعْرَابِهِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ لَمْ يُجْزِهِ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فِي سَلَامِهِ رُكْنٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ قَالَ النَّاظِمُ وَهُوَ الْأَقْوَى وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لِذِكْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِيهِ، يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: هِيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَأَمَّا قَوْلُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فِي الْجِنَازَةِ، فَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُجْزِئُ بِدُونِ ذِكْرِ

ص: 84

الرَّحْمَةِ وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إذَا لَمْ نُوجِبْهُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ هُنَاكَ احْتَمَلَ فِي الْجِنَازَةِ وَجْهَيْنِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ نَكَّسَ السَّلَامَ، فَقَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ نَكَّسَ السَّلَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَالَ عَلَيْك السَّلَامُ أَيُّهَا النَّبِيُّ، أَوْ عَلَيْنَا السَّلَامُ، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُجْزِيهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُمَا وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ نَكَّرَ السَّلَامَ فَقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ نَكَّسَ السَّلَامَ فِي التَّشَهُّدِ. فَقَالَ عَلَيْك السَّلَامُ أَيُّهَا النَّبِيُّ أَوْ عَلَيْنَا السَّلَامُ، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُجْزِيهِ.

قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: تَنْكِيرُهُ أَوْلَى قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ يُجْزِئُ مَعَ التَّنْوِينِ، وَلَا يُجْزِي مَعَ عَدَمِهِ، ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ بَعْدَ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ وَبَرَكَاتُهُ وَهُوَ الْأَوْلَى، قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: إنْ زَادَ وَبَرَكَاتُهُ فَحَسَنٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فَإِنْ زَادَ وَبَرَكَاتُهُ جَازَ.

قَوْلُهُ (وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ جَازَ) يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ:

ص: 85

هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ، إذْ هُوَ بَعْضُ الصَّلَاةِ، فَشَمَلَتْهُ نِيَّتُهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالْحَاوِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. يَعْنِي أَنَّهَا رُكْنٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ: إنْ سَهَا عَنْهَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، يَعْنِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَاجِبَةٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، قَالَ الْآمِدِيُّ إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا فَتَرَكَهَا عَمْدًا: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا صَحَّتْ، وَيَسْجُدُ السَّهْوَ

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ نَوَى بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ، وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ جَازَ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ لِلتَّشْرِيكِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَوَى بِسَلَامِهِ عَلَى الْحَفَظَةِ، وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَلَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْجَوَازُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ الْجَوَازُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ لِتَمَحُّضِهِ كَلَامَ آدَمِيٍّ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَعَنْهُ يَنْوِي الْمَأْمُومُ بِسَلَامِهِ الرَّدَّ عَلَى إمَامِهِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ قَالَ: وَهَلْ هُوَ مَسْنُونٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ، أَوْ جَائِزٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ

ص: 86

إحْدَاهُمَا: يُسَنُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ، وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ: إذَا نَوَى بِتَسْلِيمِهِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ قَالَ، وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ رَدُّ سَلَامٍ فَيَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُسْلِمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الرَّدِّ إلَى بَعْدِ السَّلَامِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِتَرْكِ السَّلَامِ عَلَى إمَامِهِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ لَا يَتْرُكُ السَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَنْوِيَ بِالْأُولَى: الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَبِالثَّانِيَةِ: الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَالْحَفَظَةِ وَمَنْ يُصَلِّي مَعَهُ، إنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ: وَفِيهِ وَجْهٌ، يَنْوِي كَذَلِكَ، إنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ: سُنَّةٌ، وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَةٌ: نَوَى بِالْأُولَى الْحَفَظَةَ، وَبِالثَّانِيَةِ الْخُرُوجَ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَنْوِي بِالْأُولَى الْخُرُوجَ فَقَطْ، وَفِي الثَّانِيَةِ: وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُضِيفَ إلَى ذَلِكَ نِيَّةَ الْحَفَظَةِ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ: نِيَّةُ الْخُرُوجِ فِي الْأُولَى إنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ قُلْنَا: هِيَ وَاجِبَةٌ كَذَا قَالَ فِي الْمُبْهِجِ وَقَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ الْخُرُوجَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: بَلْ فِي الْأَوَّلَةِ.

الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ رَدَّ سَلَامَهُ الْحَاضِرُونَ وَلَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إنْ وَجَبَتْ الثَّانِيَةُ اُعْتُبِرَتْ نِيَّةُ الْخُرُوجُ فِيهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ

ص: 87

وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَنْوِي الْخُرُوجَ بِالْأُولَى سِرًّا إنْ قُلْنَا يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، أَوْ قُلْنَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالثَّانِيَةِ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: إنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ نَوَى بِالْأُولَى الْخُرُوجَ، وَإِنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ فَرْضٌ نَوَى الْخُرُوجَ بِالثَّانِيَةِ خَاصَّةً.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ فِي مَغْرِبٍ، أَوْ رُبَاعِيَّةٍ، نَهَضَ مُكَبِّرًا إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ) أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ مُكَبِّرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يَرْفَعُهُمَا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ " أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ، وَلَا يَقْرَأُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) لَا يَجْهَرُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُسَنُّ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ، وَالْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، بَلْ تُبَاحُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ [فَائِدَةٌ: النَّفَلُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ كَالْفَرْضِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَيْضًا: فِيمَا إذَا شَفَعَ الْمَغْرِبَ بِرَابِعَةٍ فِي إعَادَتِهَا يَقْرَأُ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ كَالتَّطَوُّعِ نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد وَقَطَعَ بِهِ] الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى

ص: 88

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكًا، يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَيُخْرِجُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) يَتَوَرَّكُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي صِفَتِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ [الشَّرْحِ] وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ تَوَرَّكَ، فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَجَعَلَ بَاطِنَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَجَعَلَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَأَيُّهُمَا فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ يُخْرِجُ قَدَمَهُ الْأَيْسَرَ مِنْ تَحْتِ سَاقِهِ الْأَيْمَنِ، وَيَقْعُدُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، أَوْ يَجْعَلُ فَخِذَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى عَلَى بَاطِنِ قَدَمِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيَقْعُدُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، وَقِيلَ: أَوْ يُؤَخِّرُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، أَوْ يَجْعَلُ قَدَمَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكًا) أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا يَتَوَرَّكُ فِي الْمَغْرِبِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ، تَوَرَّكَ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ثُنَائِيَّةٍ: فَهَلْ يَتَوَرَّكُ أَوْ يَفْتَرِشُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، أَحَدُهُمَا: يَفْتَرِشُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: افْتَرَشَ فِي الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَوَرَّكُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ

ص: 89

سُجُودِ السَّهْوِ، وَيَأْتِي أَيْضًا تَوَرُّكُ الْمَسْبُوقِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ " قَوْلُهُ (وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ بِلَا نِزَاعٍ، وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً أَوْ تَسْدِلُ رِجْلَيْهَا فَتَجْعَلُهَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا) فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ السَّدْلِ وَالتَّرَبُّعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، لَكِنْ قَالَا: تَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً، أَوْ مُتَوَرِّكَةً وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ السَّدْلَ أَفْضَلُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَحَكَاهُ رِوَايَةً فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهَا تَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً، وَأَمَّا إسْرَارُهَا بِالْقِرَاءَةِ: فَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يُسَنُّ لَهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ، وَهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ إحْدَاهُمَا: يُسَنُّ لَهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَابْنُ تَمِيمٍ، الثَّانِيَةُ: لَا يُسَنُّ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالتَّسْهِيلِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، لِعَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ، وَعَنْهُ تَرْفَعُهُمَا قَلِيلًا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهَلْ يُسَنُّ لَهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ؟ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ.

فَائِدَةٌ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَالْمَرْأَةِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ

ص: 90

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ، كَمَا إذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ وَنَحْوُهُ لَمْ يُكْرَهْ، وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا فَأَمَّا إنْ كَانَ كَثِيرًا، مِثْلَ إنْ اسْتَدَارَ بِجُمْلَتِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ بِلَا نِزَاعٍ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا اسْتَدَارَ بِجُمْلَتِهِ، وَكَانَ دَاخِلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِلَا نِزَاعٍ فَيُعَايَى بِهَا، وَقَدْ يُسْتَثْنَى أَيْضًا: مَا إذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَدِيرُ إلَى جِهَةِ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْجِهَةُ بَقِيَتْ قِبْلَتُهُ فِيمَا إذَا اسْتَدَارَ عَنْ الْقِبْلَةِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ " أَنَّهُ لَوْ الْتَفَتَ بِصَدْرِهِ مَعَ وَجْهِهِ: أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ

قَوْلُهُ (وَرَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِهِ وَحْدَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: حَالَةُ التَّجَشِّي فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَغَيْرِهِ: إذَا تَجَشَّأَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ وَجْهَهُ إلَى فَوْقٍ؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ مَنْ حَوْلَهُ بِالرَّائِحَةِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا تَجَشَّأَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْفَعْ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، حَتَّى يَذْهَبَ الرِّيحُ، وَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ آذَى مَنْ حَوْلَهُ مِنْ رِيحِهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.

قَوْلُهُ (وَالْإِقْعَاءُ فِي الْجُلُوسِ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ سُنَّةٌ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَعَنْهُ جَائِزٌ.

ص: 91

تَنْبِيهٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صِفَةَ الْإِقْعَاءِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ أَنْ يَفْرِشَ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: هُوَ أَنْ يُقِيمَ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ، أَوْ يَجْلِسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيُقِيمَ قَدَمَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: هُوَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ أَوْ بَيْنَهُمَا، نَاصِبًا قَدَمَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ مَعَ مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ إنْ أَزْعَجَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ، وَحَكَاهَا فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ صَلَاةِ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ التَّوَقَانُ إلَى الْأَكْلِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَسَائِلَ فِيهَا خِلَافٌ، فَخَرَّجَ مِنْهَا وَجْهًا بِالْكَرَاهَةِ.

فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ رِيحٍ مُحْتَبِسَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: هِيَ فِي مَعْنَى مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ، فَتَجِيءُ الرِّوَايَاتُ الَّتِي فِي الْمُدَافَعَةِ هُنَا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي كَلَامَ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِي الْمُدَافَعَةِ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ قَالَ: وَكَذَا حُكْمُ الْجُوعِ الْمُفْرِطِ، وَالْعَطَشِ الْمُفْرِطِ، وَاحْتَجَّ بِالْأَخْبَارِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَتَجِيءُ الرِّوَايَاتُ قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرُ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُكْرَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ بِخُشُوعِهَا، كَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ فِي مَكَان، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ: أَنْ يَعِيَ

ص: 92

أَفْعَالَهَا وَيَعْقِلَهَا، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِذَا زَالَتْ فَعَلَهَا عَلَى كَمَالِ خُشُوعِهَا وَفِعْلُهَا عَلَى كَمَالِ خُشُوعِهَا بَعْدَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ بِدُونِ كَمَالِ خُشُوعِهَا. قَوْلُهُ (أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ) هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَنْعُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهَا تَائِقًا إلَى الطَّعَامِ، وَهُوَ أَوْلَى قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَإِنْ كَانَ تَائِقًا إلَى شَرَابٍ أَوْ جِمَاعٍ مَا الْحُكْمُ؟ لَمْ أَجِدْهُ، وَالظَّاهِرُ: الْكَرَاهَةُ. انْتَهَى. قُلْت: بَلْ هُمَا أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْخَلَاءِ وَالْأَكْلِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَالتَّرَوُّحُ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ كَغَمٍّ شَدِيدٍ وَنَحْوِهِ، جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُكْرَهُ تَرَوُّحُهُ، وَقِيلَ: يَسِيرًا لِغَمٍّ أَوْ حُزْنٍ، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي لَا يُكْرَهُ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ هُنَا بِالتَّرَوُّحِ: أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مُرَاوَحَتُهُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَمُسْتَحَبَّةٌ، زَادَ بَعْضُهُمْ: إذَا طَالَ قِيَامُهُ، وَيُكْرَهُ كَثْرَتُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ.

قَوْلُهُ (وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَتَنْقُصُ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَمَلَهُ

ص: 93

الْقَاضِي وَتَابَعَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ عَلَى تَرْكِهِ قَادِرًا، وَعَنْهُ يَجِبُ رَدُّهُ، وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَغْلِبْهُ، وَعَنْهُ يَرُدُّهُ فِي الْفَرْضِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ لَهُ رَدَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَارُّ مُحْتَاجًا إلَى الْمُرُورِ أَوْ لَا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَوَائِدُ. مِنْهَا: يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ، وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُمْ: يُكْرَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمِنْهَا: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي قَرِيبًا مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَمِنْهَا: الْقُرْبُ هُنَا: ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَقْوَى عِنْدِي وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: الْعُرْفُ، وَقِيلَ: مَا لَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ لِقَتْلِ الْحَيَّةِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ مَرَّ بِقُرْبِهِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، أَوْ مَا لَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ

ص: 94

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ مَكَّةَ كَغَيْرِهَا فِي السُّتْرَةِ وَالْمُرُورِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَدَّمَهُ هُوَ فِي حَوَاشِيهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: جَوَازُ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ وَلَا كَرَاهَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ مَرَّ بِقُرْبِهِ دُونَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَلَا سُتْرَةَ لَهُ أَوْ مَرَّ دُونَ سُتْرَتِهِ، فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَكَّةَ، وَقِيلَ: وَالْحَرَمِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ أَمَامَهُ دُونَ سُتْرَتِهِ، وَقِيلَ: يَرُدُّهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَكَّةَ، وَقِيلَ: وَالْحَرَمِ، وَقِيلَ: وَفِيهِمَا. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: الْحَرَمُ كَمَكَّةَ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِهِ.

فَائِدَةٌ. حَيْثُ قُلْنَا: لَهُ رَدُّ الْمَارِّ، وَرَدَّهُ فَأَبَى فَلَهُ دَفْعُهُ فَإِنْ أَصَرَّ فَلَهُ قِتَالُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ قِتَالُهُ، وَمَتَى خَافَ فَسَادَ صَلَاتِهِ لَمْ يُكَرِّرْ دَفْعَهُ، وَيَضْمَنْهُ إنْ كَرَّرَهُ، وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا، وَعَنْهُ لَهُ تَكْرَارُ دَفْعِهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ.

قَوْلُهُ (وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحُ) لَهُ عَدُّ الْآيِ بِأَصَابِعِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ النَّاظِمُ،

ص: 95

وَلَهُ عَدُّ التَّسْبِيحِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ فِي مَعْنَى عَدِّ الْآيِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُكْرَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: لَهُ عَدُّ التَّسْبِيحِ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: يُكْرَهُ قَالَ النَّاظِمُ: هُوَ الْأَجْوَدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمُبَاحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَا: نَصَّ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ قَالَ الشَّارِحُ: قَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَفِي كَرَاهَةِ عَدِّ التَّسْبِيحِ وَجْهَانِ.

قَوْلُهُ (وَلَهُ قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْقَمْلَةِ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ بِشَرْطِهِ، وَلَهُ قَتْلُ الْقَمْلَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي بِالتَّغَافُلِ عَنْهَا أَوْلَى، وَعَنْهُ يَصُرُّهَا فِي ثَوْبِهِ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ رَمَى بِهَا جَازَ.

فَائِدَةٌ: إذَا قَتَلَ الْقَمْلَةَ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ دَفْنُهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَالْبُصَاقِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَأَطْلَقَ الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ دَفْنُهَا، إنْ قِيلَ بِنَجَاسَةِ دَمِهَا، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ

ص: 96

فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: أَعْمَاقُ الْمَسْجِدِ كَظَاهِرِهِ فِي وُجُوبِ صِيَانَتِهِ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ طَالَ الْفِعْلُ فِي الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا يُبْطِلُهَا إلَّا إذَا كَانَ عَمْدًا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ " مَشَى وَتَكَلَّمَ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ " وَفِي رِوَايَةٍ " وَدَخَلَ الْحُجْرَةَ " وَمَعَ ذَلِكَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ مِنْ الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمَعَ الْجَهْلِ بِتَحْرِيمِهِ لَا تَبْطُلُ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ كَالنَّاسِي. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقًا) يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ أَفْعَالًا مُتَفَرِّقَةً، وَكَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَتْ مُتَوَالِيَةً لَكَانَتْ كَثِيرَةً: لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ.

تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ طَالَ الْفِعْلُ فِي الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا " إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ كَحَالَةِ الْخَوْفِ وَالْهَرَبِ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ سَيْلٍ، أَوْ سَبُعٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: لَمْ تَبْطُل بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَعُدَّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ مِنْ الضَّرُورَةِ: إذَا كَانَ بِهِ حَكَّةٌ لَا يَصْبِرُ عَنْهُ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.

الثَّانِي: يَرْجِعُ فِي طُولِ الْفِعْلِ وَقِصَرِهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى الْعُرْفِ فَمَا عُدَّ فِي الْعُرْفِ كَثِيرٌ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَمَا عُدَّ فِي الْعُرْفِ يَسِيرٌ فَهُوَ يَسِيرٌ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ،

ص: 97

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ عِنْدَ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: قَدْرُ الْكَثِيرِ مَا خُيِّلَ لِلنَّاظِرِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الثَّلَاثُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ لِنَصِّ أَحْمَدَ فِيمَنْ رَأَى عَقْرَبًا فِي الصَّلَاةِ: أَنَّهُ يَخْطُو إلَيْهَا وَيَأْخُذُ النَّعْلَ وَيَقْتُلُهَا وَيَرُدُّ النَّعْلَ إلَى مَوْضِعِهَا، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: الْيَسِيرُ كَفِعْلِ أَبِي بَرْزَةَ حِينَ مَشَى إلَى الدَّابَّةِ، وَقَدْ انْفَلَتَتْ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: إشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَالْعَمَلِ، سَوَاءٌ فُهِمَتْ أَوْ لَا، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ مَعْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: إشَارَتُهُ الْمَفْهُومَةُ كَالْكَلَامِ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ إلَّا بِرَدِّ السَّلَامِ.

الثَّانِيَةُ: عَمَلُ الْقَلْبِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ طَالَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يُبْطِلُ إنْ طَالَ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُثَابُ إلَّا عَلَى مَا عَمِلَهُ بِقَلْبِهِ.

الثَّالِثَةُ: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِإِطَالَةِ النَّظَرِ فِي كِتَابٍ إذَا قَرَأَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ

ص: 98

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا أَثَرَ لِعَمَلِ غَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، كَصَبِيٍّ مَصَّ ثَدْيَ أُمِّهِ ثَلَاثًا فَنَزَلَ لَبَنُهَا.

قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

قَوْلُهُ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فِي الْفَرْضِ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: الْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ لَا بَأْسَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ النَّاظِمُ عَنْ الْأَوَّلِ: وَهُوَ بَعِيدٌ، كَتَكْرَارِ سُورَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَتَفْرِيقِ سُورَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا، مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِبُّ الزِّيَادَةَ عَلَى سُورَةٍ فِي رَكْعَةٍ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهَادِي، وَالشَّارِحُ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ تُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ تُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ أَوْسَاطُ السُّوَرِ دُونَ أَوَاخِرِهَا.

ص: 99

فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَقِيلَ: أَوَاخِرُهَا أَوْلَى، وَمِنْهَا: يُكْرَهُ قِرَاءَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ فِي فَرْضٍ، لِعَدَمِ نَقْلِهِ، وَلِلْإِطَالَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَمِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُكْرَهُ مُلَازَمَةُ سُورَةٍ، مَعَ اعْتِقَادِ جَوَازِ غَيْرِهَا قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ، يَعْنِي بِالْكَرَاهَةِ، لِعَدَمِ نَقْلِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْإِمَامِ إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَفْتَحُ عَلَيْهِ إنْ طَالَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ يَفْتَحُ عَلَيْهِ فِي النَّفْلِ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَ فِي النَّفْلِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَرْضِ جَازَ فِي الْفَاتِحَةِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي غَيْرِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ فَتَحَ بَعْدَ أَخْذِهِ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهَا.

تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: عُمُومُ قَوْلِهِ (وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْإِمَامِ) يَشْمَلُ الْفَاتِحَةَ وَغَيْرَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ، أَمَّا فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ: فَلَا يَجِبُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْفَتْحِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. الثَّانِي: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ " وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْإِمَامِ " لِلْعَهْدِ، أَيْ إمَامِهِ فَلَا يَفْتَحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ نَصَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُصَلِّيًا أَوْ قَارِئًا، لَكِنْ لَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيُكْرَهُ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ لِتَجَرُّدِهِ لِلتَّفْهِيمِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَكَذَا إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَعَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

ص: 100

فَائِدَةٌ: لَوْ أُرْتِجَ عَلَى الْمُصَلِّي فِي الْفَاتِحَةِ، وَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهَا، فَهُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يَأْتِي بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعِيدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ: وَلَوْ كَانَ إمَامًا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي إمَامِ الْحَيِّ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ.

تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ (وَإِذَا نَابَهُ شَيْءٌ مِثْلُ سَهْوِ إمَامِهِ، أَوْ اسْتِئْذَانِ إنْسَانٍ عَلَيْهِ سَبَّحَ إنْ كَانَ رَجُلًا) بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا يَضُرُّ وَلَوْ كَثُرَ، وَيُكْرَهُ لَهُ التَّصْفِيقُ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إنْ كَثُرَ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً صَفَحَتْ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى) أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ أَنْ لَا يُكْثِرَ فَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، فَلَوْ سَبَّحَتْ كَالرَّجُلِ كُرِهَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا تَبْطُلُ بِتَصْفِيقِهَا عَلَى جِهَةِ اللَّعِبِ قَالَ: وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَتَبْطُلُ بِهِ لِمُنَافَاتِهِ الصَّلَاةَ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي كَرَاهَةِ التَّنْبِيهِ بِنَحْنَحَةٍ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، قُلْت: الصَّوَابُ الْكَرَاهَةُ ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ قَالَ: أَظْهَرُهُمَا يُكْرَهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَمِنْهَا: لَا يُكْرَهُ تَنْبِيهُهُ بِقِرَاءَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَسْبِيحٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: وَعَنْهُ تَبْطُلُ بِذَلِكَ، إلَّا فِي تَنْبِيهِ الْإِمَامِ وَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إلَّا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِتَنْبِيهِ مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ.

ص: 101

وَمِنْهَا: لَوْ عَطَسَ، فَقَالَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " أَوْ لَسَعَهُ شَيْءٌ، فَقَالَ " بِسْمِ اللَّهِ " أَوْ سَمِعَ، أَوْ رَأَى مَا يَغُمُّهُ فَقَالَ " إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ " أَوْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ فَقَالَ " سُبْحَانَ اللَّهِ " وَنَحْوَهُ: كُرِهَ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَرْكُ الْحَمْدِ؛ لِلْعَاطِسِ أَوْلَى.

نَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يُعْجِبُنِي رَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا. انْتَهَى. وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَنْ عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَنَقَلَ هَهُنَا، فِيمَنْ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ " وُلِدَ لَك غُلَامٌ " فَقَالَ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ " أَوْ احْتَرَقَ دُكَّانُك " فَقَالَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " أَوْ " ذَهَبَ كِيسُك " فَقَالَ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ خَاطَبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، مِثْلُ أَنْ يُسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: 46] أَوْ يَقُولُ لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] وَنَحْوَ ذَلِكَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قَصَدَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الذِّكْرَ فَقَطْ: لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قَصَدَ خِطَابَ آدَمِيٍّ بَطَلَتْ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا فَوَجْهَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ: وَيَتَأَتَّى الْخِلَافُ أَيْضًا فِي تَحْذِيرِ ضَرِيرٍ مِنْ وُقُوعِهِ فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهِ، وَتَقَدَّمَ إذَا نَبَّهَ غَيْرَ الْإِمَامِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَدَرَهُ الْبُصَاقُ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَبَدَرَهُ الْبُصَاقُ فَلَا يَبْصُقُ إلَّا فِي ثَوْبِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ جَوَازَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَدَفْنَهُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ جَازَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ)

ص: 102

وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، بَلْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ قَدَمُهُ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَبْصُقُ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ.

تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ جَازَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمَا: لَكِنْ إنْ كَانَ يُصَلِّي فَفِي ثَوْبِهِ أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ جَازَ الْأَمْرَانِ، وَفِي الْبُقْعَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ نَظَافَةَ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ الظَّاهِرَاتِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ حُرْمَةُ الْبُقْعَةِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَبْصُقُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَسْجِدِ فِي ثَوْبِهِ وَفِي غَيْرِهِمَا عَنْ يَسَارِهِ فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَبْصُقُ عَنْ يَسَارِهِ إذَا كَانَ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ كَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي، وَإِلَّا فَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُتَابِعًا. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " جَازَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ " أَنَّهُ لَا يَبْصُقُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا أَمَامَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَخْتَلِفُ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى سُتْرَةٍ، مِثْلِ آخِرَةِ الرَّحْلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَاضِحِ الْوُجُوبَ قَوْلُهُ (مِثْلِ آخِرَةِ الرَّحْلِ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ: يَكُونُ طُولُهَا ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا لَا حَدَّ لَهُ قَالَ

ص: 103

ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَعَنْهُ مِثْلِ عَظْمِ الذِّرَاعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: عُلُوُّ شِبْرٍ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ عُلُوُّ شِبْرٍ.

فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: تَكْفِي السُّتْرَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِدَارٍ قَرِيبٍ، أَوْ سَارِيَةٍ، أَوْ جَمَادٍ غَيْرِهِ، أَوْ حَرْبَةٍ، أَوْ شَجَرَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ عَصًا، أَوْ إنْسَانٍ، أَوْ حَيَوَانٍ بَهِيمٍ طَاهِرٍ، غَيْرِ وَجْهَيْهِمَا، وَيُكْرَهُ إلَى وَجْهِ آدَمِيٍّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: أَوْ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، أَوْ لَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ مِخَدَّةٍ، أَوْ شَيْءٍ شَاخِصٍ غَيْرِ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، كَبَعِيرٍ أَوْ رَحْلِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَصًا مُلْقَاةٌ عَرْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ سَوْطٌ، أَوْ سَهْمٌ، أَوْ مُصَلَّاهُ الَّذِي تَحْتَهُ، أَوْ خَيْطٌ، أَوْ مَا اعْتَقَدَهُ سُتْرَةً فَإِنْ تَعَذَّرَ غَرْزُ الْعَصَا وَضَعَهَا.

الثَّانِيَةُ: عَرْضُ السُّتْرَةِ أَعْجَبُ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَنْحَرِفَ عَنْهَا يَسِيرًا، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا الْقُرْبُ مِنْ سُتْرَتِهِ، بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ مِنْ قَدَمَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ خَطَّ خَطًّا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْخَطُّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ مِثْلَ الْهِلَالِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَكْفِي طُولًا.

فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: السُّتْرَةُ الْمَغْصُوبَةُ وَالنَّجِسَةُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ: لَا تُفِيدُ شَيْئًا، وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي الْمَغْصُوبَةِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ النَّجِسَةَ لَيْسَتْ كَالْمَغْصُوبَةِ

ص: 104

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَغْصُوبَةِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: فَالصَّلَاةُ إلَيْهَا كَالْقَبْرِ قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: وَعَلَى قِيَاسِهِ سُتْرَةُ الذَّهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مَعَهَا: لَوْ وَضَعَ الْمَارُّ سُتْرَةً وَمَرَّ، أَوْ تَسَتَّرَ بِدَابَّةٍ جَازَ. قَالَ الشَّارِحُ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ إذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْكَافِي: الْوَجْهَانِ هُنَا، بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ سُتْرَةً.

الثَّانِيَةُ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، وَسُتْرَةُ الْمَأْمُومِ لَا تَكْفِي أَحَدَهُمَا، بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ سُتْرَةٌ، وَلَيْسَتْ سُتْرَةً لَهُ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: إذَا مَرَّ مَا يُبْطِلُهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ هَذَا فِيمَا يُبْطِلُهَا خَاصَّةً، وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي نَهْيِ الْآدَمِيِّ عَنْ الْمُرُورِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: لَمْ أَجِدْ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِجَوَازِ مُرُورِ الْإِنْسَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَأْمُومِينَ فَيَحْتَمِلُ جَوَازَهُ، اعْتِبَارًا بِسُتْرَةِ الْإِمَامِ لَهُمْ حُكْمًا، وَيَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْإِبْطَالِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْجَمِيعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ: عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ، وَقَالَ: احْتِجَاجُهُمْ بِقَضِيَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَهِيمَةِ الَّتِي أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَدَارَأَهَا حَتَّى الْتَصَقَتْ بِالْجِدَارِ فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ، مُخْتَلِفٌ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: صَوَابُهُ الثَّانِي أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقِ الشَّافِعِيَّةِ. أَعْنِي عُمُومَ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَا يُبْطِلُهَا وَلِغَيْرِهِ كَمُرُورِ الْآدَمِيِّ، وَمَنْعِ

ص: 105

الْمُصَلِّي الْمَارَّ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: مَنْ وَجَدَ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ قَامَ فِيهَا إذَا كَانَتْ بِحِذَائِهِ فَإِنْ مَشَى إلَيْهَا عَرْضًا كُرِهَ، وَعَنْهُ لَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةٌ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا جُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمُرُورِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ ".

فَائِدَتَانِ. الْأُولَى (الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ) هُوَ الَّذِي لَا لَوْنَ فِيهِ سِوَى السَّوَادِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الصَّيْدِ: هُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا لَوْنَ فِيهِ غَيْرُ السَّوَادِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ إنْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ بَهِيمًا، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: لَوْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَتَانِ يُخَالِفَانِ لَوْنَهُ، لَمْ يَخْرُجْ بِهِمَا عَنْ اسْمِ " الْبَهِيمِ " وَأَحْكَامِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الصَّيْدِ أَيْضًا. الثَّانِيَةُ " الْبَهِيمُ " فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنٌ آخَرُ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالسَّوَادِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَفِي الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، إحْدَاهُمَا: لَا تَبْطُلُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ قَالَ فِي الْمُغْنِي:

ص: 106

هِيَ الْمَشْهُورَةُ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْمَشْهُورُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهُرُهُمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا تَبْطُلُ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَبْطُلُ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ، وَرَجَّحَهُ الشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْحِمَارِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَجْهٌ: أَنَّهُ كَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، ذَكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: اسْمُ الْحِمَارِ إذَا أُطْلِقَ، إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ الْمَأْلُوفِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ الْأَهْلِيُّ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَرَّحَ بِمُرَادِ غَيْرِهِ، فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، كَمَا يُوهِمُ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ. انْتَهَى.

قُلْت: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِهِ وَجْهًا بِذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَاعِدَةِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعُرْفِ قَالَ: وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، مِثْلُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ فَهَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ بَقَرِ الْوَحْشِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حِمَارًا، فَرَكِبَ حِمَارًا وَحْشِيًّا، هَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَكَذَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ وَمَا أَشْبَهَهُ. انْتَهَى. فَالْوَجْهُ لَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ فِي النُّكَتِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا امْرَأَةٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ: تُشْبِهُ خَلْوَةَ الصَّغِيرَةِ بِالْمَاءِ، هَلْ يَلْحَقُ بِخَلْوَةِ الْمَرْأَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى

ص: 107

قُلْت: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَتِهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَلَامُهُمْ فِي الصَّغِيرَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

الثَّانِيَةُ: حُكْمُ مُرُورِ الشَّيْطَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي حُكْمُ مُرُورِ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِمُرُورِ غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ رِوَايَةً: أَنَّ السِّنَّوْرَ الْأَسْوَدَ فِي قَطْعِ الصَّلَاةِ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ.

الرَّابِعَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالْمُرُورِ، فَلَا تَبْطُلُ بِالْوُقُوفِ قُدَّامَهُ وَلَا الْجُلُوسِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ: وَلَيْسَ وُقُوفُهُ كَمُرُورِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَا يُكْرَهُ إلَى بَعِيرٍ وَظَهْرٍ وَرَحْلٍ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، الْخَامِسَةُ: لَا فَرْقَ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ وَالْجِنَازَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ الْمُرُورُ إذَا كَانَ فِي النَّفْلِ، ذَكَرَهَا فِي التَّمَامِ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ إذَا كَانَ فِي نَفْلٍ أَوْ جِنَازَةٍ.

السَّادِسَةُ: يَجِبُ رَدُّ الْكَافِرِ الْمَعْصُومِ دَمُهُ عَنْ بِئْرٍ إذَا كَانَ يُصَلِّي، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَرَدِّ مُسْلِمٍ عَنْ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا [وَقِيلَ: لَا يَجِبُ رَدُّ الْكَافِرِ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى] وَتَقَدَّمَ مَا قَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي عَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ حَذَّرَ ضَرِيرًا قُبَيْلَ قَوْلِهِ " وَإِنْ بَدَرَهُ الْبُصَاقُ " وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الصَّلَاةِ إذَا هَرَبَ مِنْهُ غَرِيمُهُ. نَقَلَ حُبَيْشٌ: يَخْرُجُ فِي طَلَبِهِ، وَكَذَا إنْقَاذُ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

ص: 108

الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: نَفْلًا فَلَوْ أَبَى قَطْعَهَا صَحَّتْ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ.

السَّابِعَةُ: لَوْ دَعَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَجَبَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ هَلْ تَبْطُلُ؟ الْأَظْهَرُ الْبُطْلَانُ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَلَا يُجِيبُ وَالِدَيْهِ فِي الْفَرْضِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا فِي النَّفْلِ إنْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ أَجَابَهُمَا، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: أَجِبْ أُمَّك، وَلَا تُجِبْ أَبَاك، وَهَلْ ذَلِكَ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا؟ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الْأَظْهَرُ بِالْوُجُوبِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَوْ يَنْظُرُ إلَى قَرِينَةِ الْحَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْجِهَادِ، حَيْثُ قَالُوا: لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ فَرِيضَةٍ، وَكَذَا حُكْمُ الصَّوْمِ لَوْ دَعَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا إلَى الْفِطْرِ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ) يَعْنِي الْقِرَاءَةَ فِيهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ حَافِظٍ فَقَطْ، وَعَنْهُ فِعْلُ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْفَرْضَ، وَقِيلَ: وَالنَّفَلَ، وَتَقَدَّمَ إذَا نَظَرَ فِي كِتَابٍ وَأَطَالَ، بَعْدَ قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقًا) .

قَوْلُهُ (وَإِذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا، أَوْ آيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ يَعْنِي يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ [وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لِكُلِّ مُصَلٍّ، وَقِيلَ: السُّؤَالُ وَالِاسْتِعَاذَةُ هُنَا إعَادَةُ قِرَاءَتِهَا] اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الدِّينَوَرِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي: وَفِيهِ ضَعْفٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَابَعُوا فِي ذَلِكَ الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ قَائِلِهِ

ص: 109

وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي جَوَازِهِ فِي الْفَرْضِ رِوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يَفْعَلُهُ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ مِنْ الْفَرْضِ، دُونَ غَيْرِهِ، وَنَقَلَ الْفَضْلُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَهُ مَأْمُومٌ، وَيَخْفِضَ صَوْتَهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا قَالَ " سُبْحَانَك فَبَلَى " فِي فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَقُولُهُ فِيهَا، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُجِيبُ الْمُؤَذِّنَ فِي نَفْلٍ قَالَ: وَكَذَا إنْ قَرَأَ فِي نَفْلٍ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] فَقَالَ (بَلَى) لَا يَفْعَلُ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] هَلْ يَقُولُ " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى "؟ قَالَ: إنْ شَاءَ قَالَ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَجْهَرُ بِهِ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ كَانَ فِي نَفْلٍ فَقَطْ صَلَّى عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي النَّفْلِ فَقَطْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكْرُهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -: جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِنَافِلَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّانِيَةُ: لَهُ رَدُّ السَّلَامِ مِنْ إشَارَةٍ، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَكْرَه فِي الْفَرْض، وَعَنْهُ يَجِبُ، وَلَا يَرُدُّهُ فِي نَفْسِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ الرَّدُّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا.

الثَّالِثَةُ: لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ.

ص: 110

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَاسَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْمَشْغُولِ بِمَعَاشٍ أَوْ حِسَابٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ إنْ تَأَذَّى بِهِ كُرِهَ، وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ إنْ عَرَفَ الْمُصَلِّي كَيْفِيَّةَ الرَّدِّ بِهِ وَإِلَّا كُرِهَ.

قَوْلُهُ (أَرْكَانُ الصَّلَاةِ اثْنَا عَشَرَ. الْقِيَامِ) مَحَلُّ ذَلِكَ: إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، وَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ لَوْ كَانَ عُرْيَانًا، أَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ أَوْ مَنْكِبَيْهِ فَلَوْ كَانَ نَفْلًا لَمْ يَجِبْ الْقِيَامُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي الْوِتْرِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: إنْ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، تَنْبِيهٌ: عَدَّ الْأَصْحَابُ " الْقِيَامَ " مِنْ الْأَرْكَانِ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: فِي عَدِّ الْقِيَامِ مِنْ الْأَرْكَانِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُ عَلَى التَّكْبِيرِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ النِّيَّةِ بِكَوْنِهِ شَرْطًا. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ هِيَ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَتُسْتَصْحَبُ إلَى آخِرِهَا، وَالرُّكْنُ يُفْرَغُ مِنْهُ وَيُنْتَقَلُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْقِيَامُ كَذَلِكَ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: حَدُّ الْقِيَامِ مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: حَدُّهُ الِانْتِصَابُ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ فَرْضَ الْقِيَامِ، وَلَا يَضُرُّهُ مَيْلُ رَأْسِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: الْإِجْزَاءُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَنَقَلَ خَطَّابُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَحْمَدَ: لَا أَدْرِي، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يُجْزِئُهُ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ

ص: 111

وَغَيْرُهُ، وَتَقَدَّمَ " لَوْ أَتَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ بِبَعْضِهَا رَاكِعًا " عِنْدَ قَوْلِهِ " ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا ".

الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ، بَلْ هِيَ مِنْ الصَّلَاةِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ لَهَا شُرُوطُهَا.

قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ رُكْنٌ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَعَنْهُ لَيْسَتْ رُكْنًا مُطْلَقًا، وَيُجْزِئُهُ آيَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصُرَتْ، وَلَوْ كَانَتْ كَلِمَةً، وَأَنَّ الْفَاتِحَةَ سُنَّةٌ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْجِنَازَةِ، بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً: لَا يَكْفِي إلَّا سَبْعُ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا، وَعَنْهُ مَا تَيَسَّرَ، وَعَنْهُ لَا تَجِبُ قِرَاءَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالْفَجْرِ، وَعَنْهُ إنْ نَسِيَهَا فِيهِمَا قَرَأَهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مَرَّتَيْنِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ.

زَادَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي ثَلَاثٍ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَاسْتَأْنَفَهَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ نَسِيَهَا فِي رَكْعَةٍ أَتَى بِهَا فِيمَا بَعْدَهَا مَرَّتَيْنِ وَيَعْتَدُّ بِهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَالَ فِي الْفُنُونِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تَجِبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَكَذَا عَلَى الْمَأْمُومِ، لَكِنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ، هَذَا الْمَعْنَى فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، حَيْثُ تَجِبُ فِيهِمَا عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ

ص: 112

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَحَدُّهَا حُصُولُ السُّكُونِ وَإِنْ قَلَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَاحْتِمَالَانِ، وَقِيلَ: هِيَ بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهُوَ الْأَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَفَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ: إذَا نَسِيَ التَّسْبِيحَ فِي رُكُوعِهِ، أَوْ سُجُودِهِ، أَوْ التَّحْمِيدَ فِي اعْتِدَالِهِ، أَوْ سُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ فِي جُلُوسِهِ، أَوْ عَجَزَ عَنْهُ لِعُجْمَةٍ أَوْ خَرَسٍ، أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ، وَقُلْنَا: هُوَ سُنَّةٌ، وَاطْمَأَنَّ قَدْرًا لَا يَتَّسِعُ لَهُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا تَصِحُّ عَلَى الثَّانِي، وَقِيلَ: هِيَ بِقَدْرِ ظَنِّهِ أَنَّ مَأْمُومَهُ أَتَى بِمَا يَلْزَمُهُ.

قَوْلُهُ (وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَالْجُلُوسُ لَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، وَقَالَ أَيْضًا وَقِيلَ: التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَاجِبٌ، وَالْجُلُوسُ لَهُ رُكْنٌ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ أَنَّ الْجُلُوسَ فَرْضٌ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الذِّكْرِ فِيهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَعَنْهُ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ فَقَطْ سُنَّةٌ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَيُجْزِئُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتُجْزِئُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ،

ص: 113

وَقِيلَ: الْوَاجِبُ الْجَمِيعُ إلَى قَوْلِهِ (إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ) الْأَخِيرَتَانِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْمُجْزِئُ التَّشَهُّدُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى (حَمِيدٌ مَجِيدٌ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ قَالَ فِي الْكَافِي، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ يَعْنِي حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَيَأْتِي قَرِيبًا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: كَانَ يَلْزَمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ فِي التَّشَهُّدِ (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ) وَالشَّهَادَتَانِ فِي الْأَذَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ لُزُومُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

قَوْلُهُ (وَالتَّرْتِيبُ) اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ عَدَّ التَّرْتِيبَ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: التَّرْتِيبُ صِفَةٌ مُعْتَبَرَةٌ لِلْأَرْكَانِ لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا زَائِدًا، كَمَا أَنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ وَتَرْتِيبَهَا مُعْتَبَرٌ، وَلَا يُعَدُّ رُكْنًا آخَرَ، وَالتَّشَهُّدُ كَذَلِكَ، وَكَذَا

ص: 114

السُّجُودُ رُكْنٌ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ، وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ رُكْنًا، إلَى نَظَائِرِ ذَلِكَ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بَعْضُهُمْ يَعُدُّ التَّرْتِيبَ رُكْنًا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ مُقَوِّمٌ لِلْأَرْكَانِ لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَكِنْ يَلْزَمُ أَنْ لَا تُعَدَّ الطُّمَأْنِينَةُ رُكْنًا؛ لِأَنَّهَا أَيْضًا صِفَةُ الرُّكْنِ وَهَيْئَتُهُ فِيهِ. انْتَهَى. قُلْت: لَعَلَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ إذْ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ.

قَوْلُهُ (وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ: التَّكْبِيرَةُ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالتَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَرَّةً مَرَّةً) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ رُكْنٌ، وَعَنْهُ سُنَّةٌ، وَعَنْهُ التَّكْبِيرُ رُكْنٌ إلَّا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ فَوَاجِبٌ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَسُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَرَّةً) يَعْنِي أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ رُكْنٌ، وَعَنْهُ سُنَّةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: التَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ وَنَحْوُهُمَا وَاجِبٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ: وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يُجْزِئُ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) .

قَوْلُهُ (وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَالْجُلُوسُ لَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ رُكْنٌ، وَعَنْهُ سُنَّةٌ.

فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُجْزِئَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخَانِ.

ص: 115

وَزَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ " وَالصَّلَوَاتُ " وَزَادَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي صَاحِبِ الْفُرُوعِ " وَبَرَكَاتُهُ " وَزَادَ بَعْضُهُمْ (وَالطَّيِّبَاتُ) وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ " السَّلَامُ " مُعَرَّفًا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ مُنَجَّى فِي الْأَوَّلِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ أَسْقَطَ (أَشْهَدُ) الثَّانِيَةَ فَفِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ وَالْمَنْصُوصُ الْإِجْزَاءُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي التَّمَامِ: إذَا خَالَفَ التَّرْتِيبَ فِي أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ فَهَلْ يُجْزِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: الْوَاجِبُ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: لَوْ تَرَكَ وَاوًا أَوْ حَرْفًا أَعَادَ الصَّلَاةَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ حِكَايَةِ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: مَتَى أَخَلَّ بِلَفْظَةٍ سَاقِطَةٍ فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَ. انْتَهَى. وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُجْزِئُ مِنْ التَّشَهُّدِ مَا لَمْ يَرْفَعْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا قَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَاجِبِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

قَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْضِعِهَا) يَعْنِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهَا فِي النَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا رُكْنٌ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ

ص: 116

قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: رُكْنٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ هِيَ: رُكْنٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: رُكْنٌ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذِهِ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: رُكْنٌ، عَلَى الْأَشْهَرِ عَنْهُ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ كَخَارِجِ الصَّلَاةِ، وَنَقَلَ أَبُو زُرْعَةَ: رُجُوعَهُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَتَقَدَّمَ هَلْ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ أَوْ تُسْتَحَبُّ خَارِجَ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَإِنْ شَاءَ قَالَ: كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ) .

قَوْلُهُ (وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ فِي رِوَايَةٍ) وَكَذَا قَالَ فِي الْهَادِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهَا فِي الْإِفَادَاتِ، وَالتَّسْهِيلِ قَالَ الْقَاضِي: وَهِيَ أَصَحُّ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهُمَا وَاجِبَانِ، لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهَا نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا وَقَدَّمَهَا فِي الْفَائِقِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا رُكْنٌ مُطْلَقًا كَالْأُولَى جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْهِدَايَةِ فِي عَدِّ الْأَرْكَانِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: رُكْنٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهَا فِي الْحَوَاشِي وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ كَذَا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، مَعَ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَحْتَمِلُهُ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ،

ص: 117

قُلْت: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا فَقَالَ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَلَى أَنَّ صَلَاةَ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزَةٌ، وَتَبِعَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: هَذَا مُبَالَغَةٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذِهِ عَادَتُهُ إذَا رَأَى قَوْلَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ حَكَاهُ إجْمَاعًا وَعَنْهُ هِيَ سُنَّةٌ فِي النَّفْلِ، دُونَ الْفَرْضِ وَجَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي النَّفْلِ وَقَدَّمَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْمَكْتُوبَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ فِي الْجِنَازَةِ وَالنَّافِلَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ: هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَمْ لَا؟ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَفِي وُجُوبِهَا فِي الْفَرْضِ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَفِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ رِوَايَتَانِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: السَّلَامُ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: هِيَ مِنْهَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُصَادِفُ جُزْءًا مِنْهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخُشُوعَ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَمَعْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا غَلَبَ الْوَسْوَاسُ عَلَى أَكْثَرِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا، وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: هُوَ وَاجِبٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 118

فِي بَعْضِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ غَلَبَ الْوَسْوَاسُ عَلَى أَكْثَرِ صَلَاتِهِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ (وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ) .

الثَّالِثَةُ: أَلْحَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: الْجَهْلَ بِالسَّهْوِ فِي تَرْكِ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ، وَفِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ، مِنْ بَابِ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ، فِيمَا إذَا عَلِمَ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ أُنْسِيهَا: فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا لَوْ جَهِلَهَا لِأَنَّ مَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ يُعْذَرُ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ، كَوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. الرَّابِعَةُ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ " مَنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ " تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ لِمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ تُجْزِئُهُ، وَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ، وَسَيَأْتِي هُنَاكَ.

قُلْت فَيُعَايَى بِهَا، وَلَوْ قِيلَ: إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَكَانَ سَدِيدًا كَوُجُوبِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ، وَسُقُوطِهَا عَنْهُ بِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا عَنْهُ أَوْ يُقَالُ: هُنَا سَقَطَتْ مِنْ غَيْرِ تَحَمُّلٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَسُنَنُ الْأَقْوَالِ اثْنَا عَشَرَ: الِاسْتِفْتَاحُ، وَالتَّعَوُّذُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَعَنْهُ: التَّعَوُّذُ وَحْدَهُ وَاجِبٌ، وَعَنْهُ يَجِبُ التَّعَوُّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.

قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا. هَلْ هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا؟ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ الْبَابِ.

قَوْلُهُ (وَقَوْلُ: آمِينَ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، عَنْهُ وَاجِبٌ قَالَ فِي

ص: 119

رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ: آمِينَ أَمْرٌ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْفِعْلِ، وَيَجُوزُ فِيهَا الْقَصْرُ وَالْمَدُّ، وَهُوَ أَوْلَى، وَيَحْرُمُ تَشْدِيدُ الْمِيمِ.

قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ سُنَّةٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَجِبُ قِرَاءَةُ شَيْءٍ بَعْدَهَا، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ.

فَائِدَةٌ يَبْتَدِئُ السُّورَةَ الَّتِي يَقْرَؤُهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِالْبَسْمَلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: سِرًّا قَالَ الشَّارِحُ: الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ.

قَوْلُهُ (وَالْجَهْرُ وَالْإِخْفَاتُ) هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: هُمَا وَاجِبَانِ، وَقِيلَ: الْإِخْفَاتُ وَحْدَهُ وَاجِبٌ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: إذَا خَافَتْ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ ذَكَرَ، يَبْتَدِئُ الْفَاتِحَةَ، فَيَجْهَرُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ مَنْ يُشْرَعُ لَهُ الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاتُ مُسْتَوْفًى.

تَنْبِيهٌ: فِي عَدِّ الْمُصَنِّفِ (الْجَهْرَ وَالْإِخْفَاتَ) مِنْ سُنَنِ الْأَقْوَالِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُمَا هَيْئَةٌ لِلْقَوْلِ لَا أَنَّهُمَا قَوْلٌ، مَعَ أَنَّهُ عَدَّهُمَا أَيْضًا مِنْ سُنَنِ الْأَقْوَالِ فِي الْكَافِي.

تَنْبِيهٌ: وَقَوْلُهُ (مِلْءَ السَّمَاءِ بَعْدَ التَّحْمِيدِ) يَعْنِي فِي حَقِّ مَنْ شُرِعَ لَهُ قَوْلُ ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ وَاجِبٌ إلَى آخِرِهِ.

ص: 120

قَوْلُهُ (وَالتَّعَوُّذُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ وَاجِبٌ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ: مَنْ تَرَكَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ شَيْئًا مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَعَادَ، وَعَنْهُ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الدُّعَاءِ عَمْدًا أَعَادَ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ) .

قَوْلُهُ (وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ أَكْثَرُهُمْ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سُنَّةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَهَذِهِ سُنَنٌ، لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا، وَلَا يَجِبُ السُّجُودُ لَهَا) لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهَا، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْرَعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْحَاوِيَيْنِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ. إحْدَاهُمَا: يُشْرَعُ لَهُ السُّجُودُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْرَعُ قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: سُنَّ فِي رِوَايَةٍ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ

ص: 121

قَوْلُهُ (وَمَا سِوَى هَذَا مِنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لَهُ) وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي قَالَ الشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ: تَرْكُ السُّجُودِ هُنَا أَوْلَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي سُنَنِ الْأَفْعَالِ أَيْضًا، وَأَنَّهُمَا فِي سُنَنِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مُخَرَّجَتَانِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: أَنَّهُ قَالَ " إنْ سَجَدَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ " وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ " يَسْجُدُ لِذَلِكَ، وَمَا يَضُرُّهُ إنْ سَجَدَ؟ ".

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا لَا يَسْجُدُ فِي سُنَنِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَلَا بَأْسَ نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ قُلْت: قَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةِ غَيْرِ إمَامِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَذَكَرُوا فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَيْنِ، وَقَالُوا: إذَا قُلْنَا: سَجْدَةُ (ص) سَجْدَةُ شُكْرٍ لَا يَسْجُدُ لَهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَالْمَذْهَبُ تَبْطُلُ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ فَلَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يُخَرَّجَ هُنَا مِثْلُ ذَلِكَ.

الثَّانِيَةُ: عَدَّ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي سُنَنَ الْأَفْعَالِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ الْهَيْئَاتِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَذَكَرَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ هَيْئَةً، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هِيَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ فِي الْأَشْهَرِ، وَقَالُوا: سُمِّيَتْ هَيْئَةً، لِأَنَّهَا صِفَةٌ فِي غَيْرِهَا

ص: 122