الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ إجْمَاعًا. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الرِّوَايَتَيْنِ وَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَلَا تُصَلَّى رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِحْرَامِ.
[بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]
ِ. قَوْلُهُ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الرِّجَالِ لَا بِشَرْطٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ. وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ أَيْضًا فِي اشْتِدَادِ الْخَوْفِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ، وَعَنْهُ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. وَمُقَاتَلَةُ تَارِكِهَا كَالْأَذَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَنْهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ، وَالْإِقْنَاعِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَصِحَّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ عَنْهُمْ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِي الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ غَصْبٍ، وَالنَّهْيُ يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ بُعْدٌ، وَعَنْهُ حُكْمُ الْفَائِتَةِ وَالْمَنْذُورَةِ حُكْمُ الْحَاضِرَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ حُكْمَ الْفَائِتَةِ فَقَطْ حُكْمُ الْحَاضِرَةِ.
تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَى الرِّجَالِ دُخُولُ الْعَبِيدِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ نَقَلَهَا ابْنُ هَانِئٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: تَلْزَمُ عَلَى الْأَصَحِّ كُلَّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ ذَكَرٍ قَادِرٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ إذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَأَطْلَقَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ فِيهِمْ رِوَايَتَيْنِ.
الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْخَنَاثَى وَهُوَ صَحِيحٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْمُذْهَبِ وُجُوبُهَا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، غَيْرِ خُنْثَى وَأُنْثَى، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِمْ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: تَجِبُ عَلَى غَيْرِ النِّسَاءِ. الثَّالِثُ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَيْضًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنَّ أَبَا يَعْلَى الصَّغِيرَ مَالَ إلَى وُجُوبِهَا عَلَيْهِنَّ إذَا اجْتَمَعْنَ، وَهُوَ غَرِيبٌ.
الرَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ الرِّجَالِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُمَيِّزِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: تَجِبُ عَلَى ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ، وَكَذَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ فِي الصَّغِيرِ: تَلْزَمُ الرِّجَالَ، وَقِيلَ: هُوَ كَالرَّجُلِ إذَا قُلْنَا تَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَهُ النَّاظِمُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ.
فَائِدَةٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، لَكِنْ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ لَمْ يَنْقُصْ أَجْرُهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَفِي صَلَاتِهِ فَضْلٌ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلِنَقْلِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي الثَّانِيَةِ.
قَالَهُ
فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَأَبِي الْخَطَّابِ فِيمَنْ عَادَتُهُ الِانْفِرَادُ، مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَإِلَّا تَمَّ أَجْرُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتُوبَ حَالَ وُجُودِ الْعُذْرِ، فَإِنَّ أَجْرَهُ يَكْمُلُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فِي الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ: خَبَرُ التَّفْضِيلِ فِي الْمَعْذُورِ الَّذِي تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَحْدَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَسَاوِيهِمَا فِي أَصْلِ الْأَجْرِ وَهُوَ الْجَزَاءُ، وَالْفَضْلُ بِالْمُضَاعَفَةِ.
فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، ذَكَرُوهُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ إذَا اجْتَمَعْنَ أَنْ يُصَلِّينَ فَرَائِضَهُنَّ جَمَاعَةً، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ فِي الْفَرِيضَةِ، وَيَجُوزُ فِي النَّافِلَةِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً، وَعَنْهُ يُكْرَهُ.
هَذَا الْحُكْمُ إذَا كُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، سَوَاءٌ كَانَ إمَامُهُنَّ مِنْهُنَّ أَوْ لَا فَأَمَّا صَلَاتُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ جَمَاعَةً: فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِلْمُسْتَحْسَنَةِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: وَلِلْعَجُوزِ وَالْبَرْزَةِ حُضُورُ جَمْعِ الرِّجَالِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَا يُكْرَهُ أَنْ تَحْضُرَ الْعَجَائِزُ جَمْعَ الرِّجَالِ، وَعَنْهُ يُبَاحُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ
يُبَاحُ فِي الْفَرْضِ وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِهَا مِثْلُهَا.
تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُسْتَحَبُّ لَهَا، أَوْ يُبَاحُ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ، بِلَا نِزَاعٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا) وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا اسْتَأْذَنَتْ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَسْجِدِ.
قَوْلُهُ (وَلَهُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ)(فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَكَذَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هِيَ اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا، وَهِيَ عِنْدِي بَعِيدَةٌ جِدًّا إنْ حُمِلَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ بِاثْنَيْنِ فَإِنْ أَمَّ الرَّجُلُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ، كَانَا جَمَاعَةً كَذَلِكَ، وَإِنْ أَمَّ صَبِيًّا فِي النَّفْلِ جَازَ، وَإِنْ أَمَّهُ فِي الْفَرْضِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَكُونُ مُسْقِطًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَمَّ رَجُلًا مُتَنَفِّلًا، قَالَهُ فِي الْكَافِي.
الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ سُنَّةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ لِاسْتِبْعَادِهِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِهِ غَيْرَهُ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ قَبْلَ
الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ قَالَ: وَكَلَامُهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ بِهِ، وَعَنْهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَقُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى. وَقِيلَ: شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ بُعْدٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِمَشْيِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِهِ مُنْكَرٌ كَغِنَاءٍ لَمْ يَدَعْ الْمَسْجِدَ، وَيُنْكِرُهُ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الثَّغْرِ الِاجْتِمَاعُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَقَيَّدَهُ النَّاظِمُ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِهِمْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِحُضُورِهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ تُقَامُ فِيهِ إلَّا أَنَّ فِي قَصْدِ غَيْرِهِ كَسْرَ قَلْبِ إمَامِهِ أَوْ جَمَاعَةٍ، زَادَ ابْنُ حَمْدَانَ وَقِيلَ: أَوْ كَثُرَتْ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ بِحُضُورِهِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَالْعَتِيقُ أَفْضَلُ، ثُمَّ الْأَبْعَدُ ثُمَّ مَا تُمِّمَتْ جَمَاعَتُهُ بِهِ فَقَطَعَ أَنَّ الْعَتِيقَ وَالْأَبْعَدَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ مَا كَانَ أَكْثَرَ جَمَاعَةً، ثُمَّ فِي الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ، وَالْمُنْتَخَبُ، وَالْخُلَاصَةُ قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَسْجِدَ الْعَتِيقَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَكْثَرِ جَمَاعَةً جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فَالْأَكْثَرُ جَمْعًا أَوْلَى قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: الْأَبْعَدُ وَالْأَقْرَبُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَكْثَرِ جَمْعًا [حَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ الْأَبْعَدَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَكْثَرِ جَمْعًا] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَوْلُهُ (وَهَلْ الْأَوْلَى قَصْدُ الْأَبْعَدِ أَوْ الْأَقْرَبِ؟)(عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِيَيْنِ، إحْدَاهُمَا: الْأَبْعَدُ أَوْلَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، زَادَ فِي الْكُبْرَى: فَالْأَبْعَدُ أَفْضَلُ، وَإِنْ قَلَّ جَمْعُهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَعْتَقَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْأَقْرَبُ أَوْلَى كَمَا لَوْ تَعَلَّقَتْ الْجَمَاعَةُ بِحُضُورِهِ قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: الْأَقْرَبُ أَوْلَى إنْ اسْتَوَيَا فِي الْقِدَمِ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَإِلَّا فَالْأَبْعَدُ أَوْلَى، وَقِيلَ: يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا هُنَا بِالْقِدَمِ لَا بِكَثْرَةِ الْجَمْعِ، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ أَيْضًا، وَقِيلَ: إنْ اسْتَوَيَا فِي الْعِتْقِ فَالْأَكْثَرُ جَمْعًا أَفْضَلُ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي كَثْرَةِ الْجَمْعِ فَالْعَتِيقُ أَفْضَلُ، وَقَالَ أَيْضًا: إذَا كَانَ الْقَرِيبُ الْعَتِيقَ
فَالْأَكْثَرُ جَمْعًا أَفْضَلُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي كَثْرَةِ الْجَمْعِ فَالْعَتِيقُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَبْعَدِ، وَالْأَعْتَقُ أَوْلَى إنْ اسْتَوَيَا فِي الْكَثْرَةِ وَالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْتَقَ وَالْآخَرُ أَكْثَرَ جَمْعًا، رُجِّحَ الْأَبْعَدُ، وَعَنْهُ بَلْ الْأَقْرَبُ. انْتَهَى. وَفِي كَلَامِهِ بَعْضُ تَكْرَارٍ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَسْجِدَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ عَتِيقَيْنِ سَوَاءٌ، اخْتَلَفَا فِي كَثْرَةِ الْجَمْعِ وَقِلَّتِهِ، أَوْ اسْتَوَيَا. فَائِدَةٌ: انْتِظَارُ كَثْرَةِ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، مَعَ قِلَّةِ الْجَمْعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الِانْتِظَارُ أَفْضَلُ، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مَعَ قِلَّةِ الْجَمْعِ مِنْ انْتِظَارِ كَثْرَةِ الْجَمْعِ قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يَنْتَظِرَ، لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ.
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِير، وَالْفَائِقِ وَأَمَّا تَقْدِيمُ انْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قَلَّتْ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا: فَهُوَ الْمَذْهَبُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ، وَغَيْرهمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَعَ ظَنِّ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ (وَلَا يَؤُمُّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إمَامِهِ الرَّاتِبِ إلَّا بِإِذْنِهِ) يَعْنِي يَحْرُمُ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي: مَنْعُ غَيْرِ إمَامِ الْحَيِّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ وَيَؤُمَّ بِالْمَسْجِدِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْأَذَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: قَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ لَا يَؤُمُّ، إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ الْإِمَامُ وَيَضِيقَ
الْوَقْتُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ غَيْرُ الْإِمَامِ، مَعَ غَيْبَتِهِ، كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنهما.
قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عُذْرَهُ انْتَظَرَ، وَرُوسِلَ، مَا لَمْ يَخْشَ خُرُوجَ الْوَقْتِ) إذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ، رُوسِلَ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَمْ يَكُنْ مَشَقَّةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ حُضُورُهُ صَلَّوْا، وَكَذَا لَوْ ظَنَّ حُضُورَهُ وَلَكِنْ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُهُ، قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا يَحْرُمُ أَنْ يَؤُمَّ قَبْلَ إمَامِهِ فَلَوْ خَالَفَ وَأَمَّ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَؤُمُّ، فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ وَيُكْرَهُ، وَيُحْتَمَلُ الْبُطْلَانُ، لِلنَّهْيِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَاءَ الْإِمَامُ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ، وَيَصِيرُ إمَامًا، وَالْإِمَامُ مَأْمُومًا؟ لِأَنَّ حُضُورَ إمَامِ الْحَيِّ يَمْنَعُ الشُّرُوعَ فَكَانَ عُذْرًا بَعْدَ الشُّرُوعِ، أَمْ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ، أَمْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَقَطْ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِيهِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ النِّيَّةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَحْرَمَ إمَامًا لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ ثُمَّ حَضَرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ) وَتَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى.
قَوْلُهُ (فَإِنْ صَلَّى ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا) وَكَذَا لَوْ جَاءَ مَسْجِدًا فِي غَيْرِ وَقْتِ نَهْيٍ، وَلَمْ يَقْصِدْهُ لِلْإِعَادَةِ، وَأُقِيمَتْ هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ
فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَوَاشِي، وَغَيْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى جَمَاعَةً، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهَا مَعَ إمَامِ الْحَيِّ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يُعِيدُهَا مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، وَعَنْهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَعَنْهُ تَجِبُ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ إلَّا (الْمَغْرِبَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُعِيدُهَا صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ.
فَعَلَيْهَا يَشْفَعُهَا بِرَابِعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ يَقْرَأُ فِيهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ كَالتَّطَوُّعِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَقِيلَ: لَا يَشْفَعُهَا قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَشْفَعُهَا: لَوْ لَمْ يَفْعَلْ انْبَنَى عَلَى صِحَّةِ التَّطَوُّعِ بِوِتْرٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا: يُعِيدُ فَالْأُولَى فَرْضٌ نَصَّ عَلَيْهِ. كَإِعَادَتِهَا مُنْفَرِدًا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، وَيَنْوِي الْمُعَادَةَ نَفْلًا ثُمَّ وَجَدْت الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ قَالَ: وَإِذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ نَوَى بِالثَّانِيَةِ مُعَادَةً، وَكَانَتْ الْأُولَى فَرْضًا، وَالثَّانِيَةُ نَفْلًا، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: الْفَرْضُ أَكْمَلُهُمَا، وَقِيلَ: ذَلِكَ إلَى اللَّهِ. انْتَهَى. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمَا فِي الْمَذْهَبِ.
الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ قَصْدُ الْمَسَاجِدِ لِإِعَادَةِ الْجَمَاعَةِ. زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَلَوْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ، وَلِأَجْلِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِفَوْتِهَا لَهُ، لَا لِقَصْدِ الْجَمَاعَةِ، نَصَّ عَلَى الثَّلَاثِ.
وَأَمَّا دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَقْتَ نَهْيٍ لِلصَّلَاةِ مَعَهُمْ: فَيَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ مَا لَهُ سَبَبٌ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يُسْتَحَبُّ دُخُولُهُ وَقْتَ نَهْيٍ لِلصَّلَاةِ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ، وَيَحْرُمُ مَعَ غَيْرِهِ، وَيُخَيَّرُ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ إذَا كَانَ غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ مَعَ غَيْرِهِ.
[وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ وَقْتَ النُّهَى لِلْإِعَادَةِ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ] ، وَيُسْتَحَبُّ مَعَ غَيْرِهِ، فِيمَا سِوَى الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بَعْدَهَا، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا قَوْلُهُ (وَلَا تُكْرَهُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ) مَعْنَى إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ: أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ الرَّاتِبُ، ثُمَّ حَضَرَ جَمَاعَةً لَمْ يُصَلُّوا، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، يَعْنِي أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تُكْرَهُ فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ بِالْمَسَاجِدِ الْعِظَامِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ.
تَنْبِيهٌ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ يَقُولُ (يُسْتَحَبُّ أَوْ لَا يُكْرَهُ) نَفْيُ الْكَرَاهَةِ لَا أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ: نَفْيَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالُوهُ لِأَجْلِ الْمُخَالِفِ، أَوْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ، لَكِنْ لِيُصَلُّوا فِي غَيْرِهِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ الْمُعَادَةِ، لَمْ يُسَلِّمْ مَعَ إمَامِهِ، بَلْ يَقْضِي مَا فَاتَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مَعَهُ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا تُكْرَهُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ " أَنَّهَا
تُكْرَهُ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ مَسْجِدُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ تُقَامُ، إلَّا الْمَغْرِبَ، بِمَسْجِدٍ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ، هُوَ فِيهِ، وَكَذَا فِي التَّسْهِيلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُكْرَهُ إلَّا مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقَطْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ قَالَ الْمَجْدُ: هِيَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ أَيْضًا فِيهِنَّ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ وَعَدَمَهَا فِي الْمَسْجِدَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ: تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فِيهِنَّ مَعَ ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ لِلْخَبَرِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ) بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ تَلَبَّسَ بِنَافِلَةٍ بَعْدَ مَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لَمْ تَنْعَقِدْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الْمَجْدِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ، وَهُمَا مُخَرَّجَانِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَعَلَيْهِ فَوَائِتُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَلْيُعَاوَدْ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْأَذَانِ، وَابْنُ تَمِيمٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ أَتَمَّهَا، إلَّا أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فَيَقْطَعَهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُتِمُّهَا وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ خَفِيفَةً رَكْعَتَيْنِ، إلَّا أَنْ يَشْرَعَ فِي الثَّالِثَةِ. فَيُتِمَّ الْأَرْبَعَ نَصَّ عَلَيْهِ لِكَرَاهَةِ
الِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثٍ، أَوْ لَا يَجُوزُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْأَذَانِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ الثَّالِثَةِ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ، وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَ مَا يُدْرِكُ بِهِ الْجَمَاعَةَ أَتَمَّهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا، وَقِيلَ: أَوْ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ قَطَعَهُ، وَعَنْهُ بَلْ يُتِمُّهُ، وَيُسَلِّمُ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَيَلْحَقُهُمْ، وَعَنْهُ يُتِمُّهُ، وَإِنْ خَافَ الْفَوَاتَ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ أَرَادَ فَوْتَ جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِيهَا: الْمُرَادُ بِالْفَوَاتِ فَوَاتُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَكُلٌّ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتِمُّ النَّافِلَةَ مَنْ هُوَ فِيهَا، وَلَوْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ، وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ قَطَعَهَا.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا فَرْقَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الشُّرُوعِ فِي نَافِلَةٍ بِالْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ، وَلَوْ بِبَيْتِهِ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِبَيْتِهِ وَلَا بِالْمَسْجِدِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَهِلَ الْإِقَامَةَ فَكَجَهْلِ وَقْتِ نَهْيٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لِأَنَّهُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ الْإِمَامِ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ. كَمَا لَوْ سَمِعَهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِهِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي النُّكَتِ، فِي الْجَمْعِ: قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقِيلَ: لَا يُدْرِكُهَا إلَّا بِرَكْعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ: وَعَلَيْهَا إنْ تَسَاوَتْ الْجَمَاعَةُ فَالثَّانِيَةُ مِنْ أَوَّلِهَا أَفْضَلُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: مَا نَقَلَهُ صَالِحٌ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَابْنُ هَانِئٍ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْحَجُّ عَرَفَةَ» أَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» إنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَضْلَ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ يُدْرِكُ فَضْلَ الْحَجِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَمَعْنَاهُ: أَصْلُ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، لَا حُصُولُهَا فِيمَا سُبِقَ بِهِ فَإِنَّهُ فِيهِ مُنْفَرِدٌ حِسًّا وَحُكْمًا إجْمَاعًا.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يُدْرِكُهَا بِمُجَرَّدِ التَّكْبِيرِ قَبْلَ سَلَامِهِ، سَوَاءٌ جَلَسَ أَوْ لَمْ يَجْلِسْ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُدْرِكُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ، وَقَبْلَ سَلَامِهِ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهَا إذَا كَبَّرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ الْأُولَى، وَقَبْلَ سَلَامِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: يُدْرِكُهَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَعَنْهُ يُدْرِكُهَا أَيْضًا إذَا كَبَّرَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَانَ تَكْبِيرُهُ قَبْلَ سُجُودِهِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَلَوْ خَالَفَ وَقَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ، فَيَقُومُ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْهَا، إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُفَارَقَتُهُ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ خَرَجَ مِنْ الِائْتِمَامِ، وَبَطَلَ فَرْضُهُ وَصَارَ نَفْلًا.
زَادَ بَعْضُهُمْ: صَارَ نَفْلًا بِلَا إمَامٍ، وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَبْطُلُ ائْتِمَامُهُ، وَلَا يَبْطُلُ فَرْضُهُ، إنْ قِيلَ: بِمَنْعِ الْمُفَارَقَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ رَأْسًا فَلَا يَصِحُّ لَهُ نَفْلٌ وَلَا فَرْضٌ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقُلْت: إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا بَطَلَ ائْتِمَامُهُ فَقَطْ.
الثَّانِيَةُ: يَقُومُ الْمَسْبُوقُ إلَى الْقَضَاءِ بِتَكْبِيرٍ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لَمْ يُكَبِّرْ عِنْدَ قِيَامِهِ، وَقِيلَ: لَا يُكَبِّرُ مَنْ كَانَ جَالِسًا لِمَرَضٍ أَوْ نَفْلٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: فَإِذَا سَلَّمَ إمَامُهُ قَامَ مُكَبِّرًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا فَظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ قِيَامِهِ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَدْرَكَ مَعَهُ الطُّمَأْنِينَةَ أَوْ لَا، إذَا اطْمَأَنَّ هُوَ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: يُدْرِكُهَا إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الطُّمَأْنِينَةَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي؛ وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، تَبَعًا لِابْنِ عَقِيلٍ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ: إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ فَوَاتِ قَدْرِ الْإِجْزَاءِ مِنْهُ: هَلْ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهُ فِي الْفَرِيضَةِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ: تَخْرِيجُهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، إذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجْرِيَ الزِّيَادَةُ مَجْرَى الْوَاجِبِ فِي بَابِ الِاتِّبَاعِ خَاصَّةً. إذْ الِاتِّبَاعُ قَدْ يُسْقِطُ الْوَاجِبَ؛ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ وَمُصَلِّي الْجُمُعَةِ، مِنْ امْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَمُسَافِرٍ. انْتَهَى.
فَعَلَى الْمَذْهَبِ: عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرِ فِي حَالِ قِيَامِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ لَوْ أَتَى بِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ رَاكِعًا أَوْ قَاعِدًا، هَلْ تَنْعَقِدُ؟ ".
فَائِدَةٌ: إنْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَمْ لَا؟ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ وَجْهًا أَنَّهُ يُدْرِكُهَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رُكُوعِهِ. قَوْلُهُ (وَأَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَتُجْزِئُهُ عَنْ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ مَعَهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ إذَا كَبَّرَ تَكْبِيرَتَيْنِ لِلْإِحْرَامِ وَلِلرُّكُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ لَحِقَهُ رَاكِعًا لَحِقَ الرَّكْعَةَ، وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا نَصَّ عَلَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ أَمْكَنَ، وَكَذَا قَالَ فِي الْكُبْرَى، وَقَالَ: إنْ أَمْكَنَ وَأَمِنَ فَوْتُهُ، وَقَالَ: إنْ تَرَكَ الثَّانِيَةَ وَلَمْ يَنْوِهَا بِالْأَوَّلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَعَنْهُ يَصِحُّ، وَيُجْزِئُ، وَقِيلَ: إنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا صَحَّتْ، وَسَجَدَ لَهُ فِي الْأَقْيَسِ انْتَهَى.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ نَوَى بِالتَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ لَمْ تَنْعَقِدْ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ اخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَإِنْ نَوَاهَا بِتَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: إنْ قُلْنَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ
سُنَّةٌ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَةٌ لَمْ يَصِحَّ التَّشْرِيكُ قَالَ: وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ تُجْزِئُ فِي حَالِ الْقِيَامِ، خِلَافُ مَا يَقُولُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الدُّخُولُ مَعَهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَنْحَطُّ مَعَهُ بِلَا تَكْبِيرَةٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُكَبِّرُ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ.
قَوْلُهُ (وَمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا.
تَنْبِيهٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَغَيْرُهُ فَمِنْهَا مَحَلُّ الِاسْتِفْتَاحِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْتَفْتِحُ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِيمَا أَدْرَكَهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ: لَا يُشْرَعُ الِاسْتِفْتَاحُ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ لِفَوْتِ مَحَلِّهِ، وَمِنْهَا: التَّعَوُّذُ إذَا قُلْنَا: هُوَ مَخْصُوصٌ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَتَعَوَّذُ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ فِيمَا أَدْرَكَهُ.
قُلْت: الصَّوَابُ هُنَا: أَنْ يَتَعَوَّذَ فِيمَا أَدْرَكَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِمَشْرُوعِيَّتِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ: فَتَلْغُو هَذِهِ الْفَائِدَةُ، وَمِنْهَا: صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ فَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَهَرَ فِي قَضَائِهِمَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَإِنْ أَمَّ فِيهِمَا وَقُلْنَا: بِجَوَازِهِ سُنَّ لَهُ الْجَهْرُ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا جَهْرَ هُنَا، وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.
وَمِنْهَا: مِقْدَارُ الْقِرَاءَةِ، وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا: إنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْمَقْضِيَّتَيْنِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ مَعَهَا، عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ.
وَذَكَرَ الْخَلَّالُ: أَنَّ قَوْلَهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَا نَعْلَمُ عَنْهُمْ فِيهِ خِلَافًا، وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَحْمَدَ، الثَّانِي: يَبْنِي قِرَاءَتَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَهُ الْآجُرِّيُّ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ: وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَأَنْكَرَ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى، وَقَالَ: لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَوْ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إذَا نَسِيَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ، وَقَالَ: أُصُولُ الْأَئِمَّةِ تَقْتَضِي الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ.
صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ، قُلْت: وَقَدْ أَشَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى مَأْخَذٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِمَا، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَيَحْتَاطُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ أَدْرَكَ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ: بِالْحَمْدِ فَقَطْ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ: يَحْتَاطُ وَيَقْرَأُ فِي الثَّلَاثَةِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ قَالَ الْخَلَّالُ: رَجَعَ عَنْهَا أَحْمَدُ، وَمِنْهَا: قُنُوتُ الْوِتْرِ إذَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ مَنْ يُصَلِّيهِ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي مَحَلِّهِ، وَلَا يُعِيدُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُعِيدُهُ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ يَقْضِيهَا، وَمِنْهَا: تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ الزَّوَائِدُ. إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكَبِّرُ فِي الْمَقْضِيَّةِ سَبْعًا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: خَمْسًا، وَمِنْهَا: إذَا سُبِقَ بِبَعْضِ تَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ.
فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ يَقْضِيهَا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ، بَلْ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَمِنْهَا: مَحَلُّ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْمَغْرِبِ، أَوْ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ: رَكْعَةً فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ عَقِيبَ رَكْعَةٍ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي قَالَ الْخَلَّالُ: اسْتَقَرَّتْ الرِّوَايَاتُ عَلَيْهَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: فِي الْأَصَحِّ عَنْهُ، وَعَنْهُ يَتَشَهَّدُ عَقِيبَ رَكْعَةٍ فِي الْمَغْرِبِ فَقَطْ، وَعَنْهُ يَتَشَهَّدُ عَقِيبَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْكُلِّ.
نَقَلَهَا حَرْبٌ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالشَّارِحُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الْكُلُّ جَائِزٌ، وَرَدَّهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَاخْتُلِفَ فِي بِنَاءِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَقِيلَ: هُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إنْ قُلْنَا: مَا يَقْضِيهِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، لَمْ يَجْلِسْ إلَّا عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا: مَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا تَشَهَّدَ عَقِيبَ رَكْعَةٍ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَقِيلَ: هُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ آخَرُ صَلَاتِهِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَجْدِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْبَرْقَانِيِّ، وَمِنْهَا: تَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَرْتِيبُ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ تَخْرِيجًا لَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: فَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إذَا قُلْنَا: بِاسْتِحْبَابِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهَا ثَالِثَةٌ، سَوَاءٌ قَامَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ مِنْ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ الْمُعْتَدِّ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَقِيبَ الثَّانِيَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: التَّوَرُّكُ مَعَ إمَامِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَتَوَرَّكُ مَعَ إمَامِهِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى كَمَا يَتَوَرَّكُ إذَا قَضَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الْأُولَى يَتَوَرَّكُ مَعَ إمَامِهِ كَمَا يَقْضِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ يَفْتَرِشُ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الرِّعَايَةِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ " إنَّهُ هَلْ يَتَوَرَّكُ مَعَ إمَامِهِ أَوْ يَفْتَرِشُ؟ " أَنَّ هَذَا الْقُعُودَ هَلْ هُوَ رُكْنٌ فِي حَقِّهِ؟ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: الْقُعُودُ الْفَرْضُ مَا يَفْعَلُهُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَيَعْقُبُهُ السَّلَامُ، وَهَذَا مَعْدُومٌ هُنَا فَجَرَى مَجْرَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ هَلْ هُوَ رُكْنٌ فِي حَقِّهِ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؟ كَذَا هُنَا، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِتَشَهُّدِ الْإِمَامِ الْأَخِيرِ إجْمَاعًا، لَا مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَلَا مِنْ آخِرِهَا، وَيَأْتِي فِيهِ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، لِوُقُوعِهِ وَسَطًا، وَيُكَرِّرُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ إمَامُهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ مَنْ سُبِقَ بِرَكْعَتَيْنِ لَا يَتَوَرَّكُ إلَّا فِي الْآخِرِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: فِي الزَّائِدَةِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ يَتَوَرَّكُ إذَا قَضَى مَا سُبِقَ بِهِ، وَقِيلَ: هَلْ يُوَافِقُ إمَامَهُ فِي تَوَرُّكِهِ، أَمْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا بُدَّ لِلْمَأْمُومِ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ: إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَعْرِفُ وُجُوبَهَا، حَكَاهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَقْرَأُ خَلْفَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إذَا جَهَرَ قَالَ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يُجْزِئُ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ وَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَلَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ " مَعْنَاهُ: أَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ،
وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
فَائِدَةٌ: يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، وَسُجُودَ السَّهْوِ، وَالسُّتْرَةَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: وَكَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ إذَا سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ، وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ، وَدُعَاءُ الْقُنُوتِ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَاتِحَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَلْ الْأَفْضَلُ قِرَاءَتُهُ لِلْفَاتِحَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا أَمْ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَمَعَ الْفَاتِحَةَ؟ وَمُقْتَضَى نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ: أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا أَفْضَلُ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ فِيمَنْ قَرَأَ خَلْفَ إمَامِهِ إذَا فَرَغَ الْفَاتِحَةَ. يُؤَمِّنُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا سَمِعْت، وَلَا أَرَى بَأْسًا وَظَاهِرُهُ التَّوَقُّفُ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي جَامِعِ الِاخْتِيَارَاتِ: مُقْتَضَى هَذَا إنَّمَا يَكُونُ غَيْرُهَا أَفْضَلَ إذَا سَمِعَهَا، وَإِلَّا فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا. الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ تَفْرِيقَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ.
الثَّالِثُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: أَنَّ لِلْإِمَامِ سَكَتَاتٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ: هُمَا سَكْتَتَانِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. إحْدَاهُمَا: تَخْتَصُّ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ
لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَالثَّانِيَةُ: سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا، لِيَرُدَّ إلَيْهِ نَفَسَهُ، لَا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَهُ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ سَكْتَتَيْنِ: عَقِيبَ التَّكْبِيرِ لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَقَبْلَ الرُّكُوعِ؛ لِأَجْلِ الْفَصْلِ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَسْكُتَ سَكْتَةً تَسَعُ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: سَكَتَاتُ الْإِمَامِ ثَلَاثٌ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَبْلَ الْفَاتِحَةِ، وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، وَاثْنَتَانِ فِي سَائِرِ الرَّكَعَاتِ: بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَقَبْلَ الرُّكُوعِ. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يَسْكُتُ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ، وَعَنْهُ لَا يَسْكُتُ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَيَقِفُ قَبْلَ الْحَمْدِ سَاكِتًا وَبَعْدَهَا وَعَنْهُ بَلْ قَبْلَهَا، وَعَنْهُ بَلْ بَعْدَهَا، وَعَنْهُ بَلْ بَعْدَ السُّورَةِ، قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْحَمْدَ.
فَائِدَةٌ: لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ لِتَنَفُّسِهِ. نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَقْرَأُ فِي حَالِ تَنَفُّسِهِ إجْمَاعًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ.
تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ) . يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، وَفِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ
فَيَقْرَأُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ أَوْ غَيْرَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَيَقْرَأُ بِهَا أَيْضًا فَقَطْ فِي غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ، وَيَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْأُولَيَيْنِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ) أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةُ حَالَ جَهْرِ الْإِمَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ يُكْرَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ بِالْحَمْدِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَقَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَقْرَأُ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُعْجِبُنِي وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: يَحْرُمُ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ أَيْضًا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. قَوْلُهُ (أَوْ لَا يَسْمَعُهُ لِبُعْدِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْإِمَامَ لِبُعْدِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَقْرَأُ، وَحَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ سَمِعَ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَفْهَمْ مَا يَقُولُ: لَمْ يَقْرَأْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَعَنْهُ يَقْرَأُ، نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِطَرَشٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ صَلَاةِ
الْجَمَاعَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ أَحَدُهُمَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ إذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يَشْغَلُ مَنْ إلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ: قَرَأَ فِي الْأَقْيَسِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَقْرَأُ، بَلْ يُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَوْلَى.
تَنْبِيهٌ: مَنْشَأُ الْخِلَافِ: كَوْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله سُئِلَ عَنْ الْأَطْرَشِ أَيَقْرَأُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فَبَعْضُ الْأَصْحَابِ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَابَعَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَبَعْضُهُمْ خَصَّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا خَلَّطَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْوَجْهَانِ إذَا كَانَ قَرِيبًا لَا يَمْنَعُهُ إلَّا الطَّرَشُ وَكَذَا أَضَافَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُقْنِعِ، وَإِضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى سَبَبٍ تَقْتَضِي اسْتِقْلَالَهُ، لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ الْحُكْمُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مَا هُوَ؟ لِتَوَسُّطِ الْإِبَاحَةِ بَيْنَهُمَا فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ الطَّرَشِ الْبُعْدُ قَرَأَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا لَا يَقْرَأُ الْبَعِيدُ الَّذِي لَا يَسْمَعُ: لَمْ يَقْرَأْ صَاحِبُ الطَّرَشِ هُنَا، قَوْلًا وَاحِدًا كَذَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، اعْلَمْ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ طُرُقًا أَحَدُهَا: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ: فِي حَالِ سُكُوتِ الْإِمَامِ فَأَمَّا فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ، فَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَسْتَعِيذُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ،
وَصَاحِبِ الْفَائِقِ، وَابْنِ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ: يَخْتَصُّ حَالَةَ جَهْرِ الْإِمَامِ، وَسَمَاعِ الْمَأْمُومِ لَهُ دُونَ حَالَةِ سَكَتَاتِهِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْخِلَافِ، وَالطَّرِيقَةِ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ النِّزَاعَ فِي حَالَةِ الْجَهْرِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِمَاعِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ، بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ.
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي حَالِ جَهْرِ الْإِمَامِ وَسُكُوتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، لِكَوْنِهِمْ حَكَوْا الرِّوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ، ثُمَّ حَكَوْا رِوَايَةً بِالتَّفْرِقَةِ قُلْت: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ فَإِنَّ النَّاقِلَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهَا فَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَيَسْتَعِيذَ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَيَسْتَعِيذَ مُطْلَقًا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: إنْ سَمَّعَ الْإِمَامَ كُرِهَ، وَإِلَّا فَلَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: وَلَا يَسْتَفْتِحُ، وَلَا يَتَعَوَّذُ مَعَ جَهْرِ إمَامِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ الْأَقْوَى، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.
فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ وَقْتَ مُخَافَتَةِ إمَامِهِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِفْتَاحِهِ وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: الِاسْتِفْتَاحُ أَوْلَى، لِأَنَّ اسْتِمَاعَهُ بَدَلٌ عَنْ قِرَاءَتِهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: أَخْتَارُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ أَوَّلُهَا (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَتَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ) ؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، فِيمَنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ صَلَاةِ الْعِيدِ: لَوْ أَدْرَكَ الْقِيَامَ رَتَّبَ الْأَذْكَارَ، فَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ جَمِيعِهَا بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ، لِأَنَّهَا فَرْضٌ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَمَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ، لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَهُ) اعْلَمْ أَنَّ رُكُوعَ الْمَأْمُومِ أَوْ سُجُودَهُ أَوْ غَيْرَهُمَا قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا مُحَرَّمٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْفُصُولِ: ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ: لَا تَبْطُلُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ لَا تَبْطُلُ، إنْ عَادَ إلَى مُتَابَعَتِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ فِيهِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ إذَا فَعَلَهُ عَمْدًا، ذَكَرَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ، فَقَالَ: وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ صَلَاةٌ لَوْ كَانَ لَهُ صَلَاةٌ لَرُجِيَ لَهُ الثَّوَابُ، وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ قَالَ فِي الْحَوَاشِي: اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا إذَا فَعَلَ ذَاكَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قُلْنَا تَبْطُلُ بِالْعَمْدِيَّةِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا، إلَّا الْقَاضِيَ) يَعْنِي إذَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ
يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ إمَامِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَبْطُلُ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَسْبِقُ الْإِمَامَ بِالْقَدْرِ الْيَسِيرِ يَعْنِي يُعْفَى عَنْهُ كَفِعْلِهِ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِالرُّكُوعِ فَقَطْ، وَقَالَ الْمَجْدُ إذَا تَعَمَّدَ سَبْقَهُ إلَى الرُّكْنِ عَالِمًا بِالنَّهْيِ وَقُلْنَا: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لَمْ يُعِدْ، وَمَتَى عَادَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا عَمْدًا، وَذَلِكَ يُبْطِلُ عِنْدَنَا قَوْلًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعِدْ سَهْوًا أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَكَذَا الْجَاهِلُ، وَيُعْتَدُّ بِهِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ مِنْهُمَا أَيْضًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ إمَامِهِ عَالِمًا عَمْدًا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ أَشْهَرُ فَعَلَيْهِ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ.
صَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَبَنَيَا هُمَا
وَغَيْرُهُمَا الْخِلَافَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِنَا بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الرُّكُوعِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. فَائِدَةٌ. حَكَى الْآمِدِيُّ وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ، الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ وَجْهَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَهَلْ تَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، إحْدَاهُمَا: تَبْطُلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيُعِيدُ الرَّكْعَةَ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، الْفَائِقِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَخَرَجَ مِنْهَا صِحَّةُ صَلَاتِهِ عَمْدًا. انْتَهَى. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا مَعَ إمَامِهِ فَأَمَّا إنْ أَتَى بِذَلِكَ مَعَ إمَامِهِ صَحَّتْ رَكْعَتُهُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يُعِيدُهَا إنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ رَكَعَ أَوْ رَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِهِ. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا الْجَاهِلَ وَالنَّاسِيَ تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا، وَتَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ) لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِإِمَامِهِ فِيهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَبْطُلُ الرَّكْعَةُ مَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مَعَ إمَامِهِ.
فَوَائِدُ الْأُولَى: مِثَالُ مَا إذَا سَبَقَهُ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ كَامِلٍ: أَنْ يَرْكَعَ وَيَرْفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ، وَمِثَالُ مَا إذَا سَبَقَهُ بِرُكْنَيْنِ: أَنْ يَرْكَعَ وَيَرْفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ يَسْجُدَ قَبْلَ رَفْعِهِ كَمَا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِمَا.
الثَّانِيَةُ: الرُّكُوعُ كَرُكْنٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: كَرُكْنَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالسَّجْدَةُ وَحْدَهَا كَالرُّكُوعِ فِيمَا قُلْنَا، وَقِيلَ: بَلْ السَّجْدَتَانِ.
الثَّالِثَةُ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ سَبْقِ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ فِي الْأَفْعَالِ فَأَمَّا سَبْقُهُ لَهُ فِي الْأَقْوَالِ فَلَا يَضُرُّ، سِوَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَبِالسَّلَامِ فَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ: فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ إمَامِهِ فَلَوْ أَتَى بِهَا مَعَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ يُعْتَدُّ بِهَا إنْ كَانَ سَهْوًا، وَأَمَّا السَّلَامُ: فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ، وَلَا يُعْتَدُّ بِسَلَامِهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ سُجُودِ السَّهْوِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يُعْتَدُّ بِسَلَامِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إذَا سَبَقَ الْمَأْمُومُ إمَامَهُ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ لَمْ يَضُرَّهُ إلَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَهُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ بِمَا عَدَاهَا.
الرَّابِعَةُ: الْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ الْمَأْمُومُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَعَ الْمَأْمُومُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِمَّا كَانَ فِيهِ. انْتَهَى. فَإِنْ وَافَقَهُ فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كُرِهَ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: تَبْطُلُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِالرُّكُوعِ
فَقَطْ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِسَلَامِهِ مَعَ إمَامِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ إنْ سَلَّمَ عَمْدًا، وَتَقَدَّمَ سَبْقُهُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ.
الْخَامِسَةُ: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الْأَوْلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْمَأْمُومُ عَقِيبَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ فَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَ الْأُولَى جَازَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ الثَّانِيَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الثَّانِيَةَ وَاجِبَةٌ، لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِدُونِهَا. انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ: أَنَّ الْأَوْلَى سَلَامُ الْمَأْمُومِ عَقِيبَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ، وَأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ الثَّانِيَةَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الْأُولَى وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ.
السَّادِسَةُ: فِي تَخَلُّفِ الْمَأْمُومِ عَنْ الْإِمَامِ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنٍ بِلَا عُذْرٍ فَكَالسَّبْقِ بِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلِعُذْرٍ يَفْعَلُهُ وَيَلْحَقُهُ، وَفِي اعْتِدَادِهِ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ فِي الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي فِي قَوْلِهِ (وَهَلْ تَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إمَامِهِ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ، كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ إنْ أَمِنَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ وَتَبِعَهُ، وَصَحَّتْ رَكْعَتُهُ.
وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ تَبِعَ إمَامَهُ وَلَغَتْ رَكْعَتُهُ، وَاَلَّتِي تَلِيهَا عِوَضٌ لِتَكْمِيلِ رَكْعَةٍ مَعَ إمَامِهِ عَلَى صِفَةِ مَا صَلَّاهَا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَحْتَسِبُ بِالْأُولَى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مَزْحُومٍ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ، وَلَمْ يَسْجُدْ مَعَ إمَامِهِ حَتَّى فَرَغَ، قَالَ: يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَيَقْضِي رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ لِصِحَّةِ الْأُولَى ابْتِدَاءً فَعَلَى الثَّانِي كَرُكُوعَيْنِ، وَعَنْهُ يَتْبَعُهُ مُطْلَقًا وُجُوبًا، وَتَلْغُو أُولَاهُ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ فَيُكْمِلُ الْأُولَى وُجُوبًا.
وَيَقْضِي الثَّانِيَةَ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَسْبُوقٍ وَعَنْهُ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ، إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ الْإِمَامُ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ فَتَلْغُو الْأُولَى، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إذَا
تَخَلَّفَ عَنْ الْإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فَصَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الثَّالِثُ: إنْ كَانَ رُكُوعًا بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ: لَوْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْأُولَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ، يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقِيلَ: لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهَذَا السُّجُودِ فَيَأْتِي بِسَجْدَتَيْنِ آخِرَتَيْنِ وَالْإِمَامُ فِي تَشَهُّدِهِ وَإِلَّا عِنْدَ سَلَامِهِ ثُمَّ فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ الْخِلَافُ، وَإِنْ ظَنَّ تَحْرِيمَ مُتَابَعَةِ إمَامِهِ فَسَجَدَ جَهْلًا: اُعْتُدَّ لَهُ بِهِ، كَسُجُودِ مَنْ يَظُنُّ إدْرَاكَ الْمُتَابَعَةِ فَفَاتَتْ، وَقِيلَ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ، لِأَنَّ فَرْضَهُ الرُّكُوعُ، وَلَا تَبْطُلُ لِجَهْلِهِ فَعَلَى الْأُولَى: إنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَفِي إدْرَاكِهِ الْجُمُعَةَ الْخِلَافُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَبِعَهُ فِيهِ، وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ تَبِعَهُ، وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ يَأْتِي رَكْعَةً، فَتَتِمُّ لَهُ جُمُعَةٌ، أَوْ بِثَلَاثٍ تَتِمُّ بِهَا رُبَاعِيَّةٌ، أَوْ يَسْتَأْنِفُهَا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَلَى الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِسُجُودِهِ إنْ أَتَى بِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ تَبِعَهُ، وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ أُولَاهُ، وَأَدْرَكَ بِهَا جُمُعَةً، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ تَبِعَهُ فِي السُّجُودِ فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ وَالْمُتَابَعَةُ مَعًا، وَتَمَّ لَهُ رَكْعَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ، وَقِيلَ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ لِلْإِمَامِ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَوْ اُعْتُدَّ بِهِ لِلْمَأْمُومِ مِنْ غَيْرِهَا: اخْتَلَّ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ فَيَأْتِي بِسُجُودٍ آخَرَ، وَإِمَامُهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَإِلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ، وَمَنْ تَرَكَ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ تَابَعَهُ وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ. وَكَمَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ.
تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ مَعَ إتْمَامِهَا) إذَا لَمْ يُؤْثِرْ الْمَأْمُومُ التَّطْوِيلَ فَإِنْ آثَرَ الْمَأْمُومُ التَّطْوِيلَ اُسْتُحِبَّ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إلَّا أَنْ يُؤْثِرَ الْمَأْمُومُ، وَعَدَدُهُمْ مَحْصُورٌ قَوْلُهُ (وَتَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ الثَّانِيَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ بِالْآيَاتِ أَمْ بِالْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ؟ يَتَوَجَّهُ كَعَاجِزٍ عَنْ الْفَاتِحَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لَا أَثَرَ لِتَفَاوُتٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ فِي تَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى؛ لِأَنَّ (الْغَاشِيَةَ) أَطْوَلُ مِنْ (سَبِّحْ) وَسُورَةُ (النَّاسِ) أَطْوَلُ مِنْ (الْفَلَقِ) وَصَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِذَلِكَ، وَإِلَّا كُرِهَ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ طَوَّلَ قِرَاءَةَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فَقَالَ أَحْمَدُ: يُجْزِئُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَ. الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ سُرْعَةٌ تَمْنَعُ الْمَأْمُومَ مِنْ فِعْلِ مَا يُسَنُّ فِعْلُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِ، إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ آخِرَهُ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ.
وَقَالَ: يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ غَالِبًا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَفْعَلُهُ غَالِبًا، وَيَزِيدُ وَيُنْقِصُ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَزِيدُ وَيُنْقِصُ أَحْيَانًا. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ دَاخِلٍ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ،
وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمَا، وَالرِّعَايَةِ، الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ، فَيُبَاحُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يُكْرَهُ، وَتَحْتَمِلُهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لِلْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ بِبُطْلَانِهَا تَخْرِيجٌ مِنْ تَشْرِيكِهِ فِي نِيَّةِ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَتَخْرِيجٌ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُنَا فِي تِلْكَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَشُقَّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُسْتَحَبُّ مَا لَمْ يَشُقَّ أَوْ يَكْثُرْ الْجَمْعُ [مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَا لَمْ يَشُقَّ أَوْ يَكْثُرْ الْجَمْعُ] أَوْ يَطُولْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.
تَنْبِيهٌ
قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ دَاخِلٍ) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ أَيَّ دَاخِلٍ كَانَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَا حُرْمَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنَّمَا يَنْتَظِرُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَنَحْوِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا بَأْسَ بِانْتِظَارِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَاتِ وَالْهَيْئَاتِ فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ، وَقِيلَ: يَنْتَظِرُ مَنْ عَادَتُهُ يُصَلِّي جَمَاعَةً قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ وَقَالَ الْقَاضِي، فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: يُكْرَهُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ انْتِظَارًا
لِأَحَدٍ فِي مَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ، وَفِي غَيْرِهَا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِمَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ.
فَائِدَةٌ
حُكْمُ الِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ حُكْمُهُ فِي الرُّكُوعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ حَالَ الْقِيَامِ كَالرُّكُوعِ فِي هَذَا مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَطَعَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: بِأَنَّ التَّشَهُّدَ كَالرُّكُوعِ عَلَى الْخِلَافِ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ.
زَادَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالِاسْتِحْبَابُ هُنَا أَظْهَرُ، لِئَلَّا تَفُوتَ الدَّاخِلَ الْجَمَاعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدِمِ الْمَشَقَّةِ لِجُلُوسِهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُهَا شَرْطًا فِي الِانْتِظَارِ حَيْثُمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ مَعَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً وَأَسْبَقُ حَقًّا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَتَى أَحَسَّ بِدَاخِلٍ اُسْتُحِبَّ انْتِظَارُهُ، عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ أَحَسَّ بِهِ فِي التَّشَهُّدِ فَوَجْهَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْتَظِرُهُ فِي السُّجُودِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ فِي قِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ وَقِيلَ: وَتَشَهُّدِهِ، وَقِيلَ: وَغَيْرُهُ مِمَّنْ دَخَلَ مُطْلَقًا لِيُصَلِّيَ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَأْذَنَتْ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرِهَ مَنْعُهَا، وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ مَنْعِهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: ظَاهِرُ الْخَبَرِ
مَنْعُ الرَّجُلِ مِنْ مَنْعِهَا فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: تَحْرِيمُ الْمَنْعِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: مَتَى خَشِيَ فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا مَنَعَهَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ:
وَمَتَى خَشِيَ فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا جَازَ مَنْعُهَا أَوْ وَجَبَ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فَإِنْ خِيفَ فِتْنَةٌ نُهِيَتْ عَنْ الْخُرُوجِ.
قَالَ الْقَاضِي: مِمَّا يُنْكَرُ خُرُوجُهَا عَلَى وَجْهٍ يَخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: يُكْرَهُ مَنْعُهَا إذَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَلَا ضَرَرًا، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: يُمْنَعْنَ مِنْ الْعِيدِ أَشَدَّ الْمَنْعِ، مَعَ زِينَةٍ وَطِيبٍ وَمُفْتِنَاتٍ، وَقَالَ: مَنْعُهُنَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ الْخُرُوجِ أَنْفَعُ لَهُنَّ وَلِلرِّجَالِ مِنْ جِهَاتٍ، وَمَتَى قُلْنَا: لَا تُمْنَعُ فَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ (هَلْ يُسَنُّ لَهُنَّ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ أَمْ لَا؟) . فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَرَاهَةَ تَطَيُّبِهَا إذَا أَرَادَتْ حُضُورَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَحْرِيمُهُ أَظْهَرُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ.
الثَّانِيَةُ: السَّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ كَالزَّوْجِ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي الْمَنْعِ وَغَيْرِهِ فَأَمَّا غَيْرُهُمَا، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ قُلْنَا بِمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: إنَّ مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنَفْسِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى: فَوَاضِحٌ، لَكِنْ إنْ وُجِدَ مَا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ شَرْعًا فَظَاهِرٌ أَيْضًا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لِلْأُنْثَى أَنْ تَنْفَرِدَ، وَلِلْأَبِ مَنْعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ دُخُولُ مَنْ يُفْسِدُهَا، وَيُلْحِقُ الْعَارَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ (الزَّوْجُ أَمْلَكُ مِنْ الْأَبِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَبَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي هَذَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ قَامَ أَوْلِيَاؤُهَا مَقَامَهُ أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ الْمَحَارِمُ، اسْتِصْحَابًا لِلْحَضَانَةِ، وَعَلَى هَذَا: فِي الرِّجَالِ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَالْخَالِ أَوْ الْحَاكِمِ الْخِلَافُ فِي الْحَضَانَةِ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ وَلَا ضَرَرَ، حَرُمَ الْمَنْعُ عَلَى وَلِيٍّ أَوْ عَلَى غَيْرِ أَبٍ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ) أَيْ لِكِتَابِ اللَّهِ (ثُمَّ أَفْقُهُمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ عَلَى الْأَقْرَأِ، إنْ قَرَأَ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ رَأَى تَقْدِيمَ الْفَقِيهِ عَلَى الْقَارِئِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُقَدَّمُ الْأَقْرَأُ الْفَقِيهُ عَلَى الْأَفْقَهِ الْقَارِئِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يُقَدَّمُ الْأَجْوَدُ قِرَاءَةً عَلَى الْأَكْثَرِ قُرْآنًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا اخْتَارَهُ صَاحِبُ رَوْضَةِ الْفِقْهِ، الثَّانِيَةُ: مِنْ شَرْطِ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فِقْهَ صَلَاتِهِ فَقَطْ حَافِظًا لِلْفَاتِحَةِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ أَحْكَامَ سُجُودِ السَّهْوِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: لَوْ كَانَ الْقَارِئُ جَاهِلًا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ يَأْتِي بِهَا فِي الْعَادَةِ صَحِيحَةً: أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفَقِيهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَفْقَهَ الْحَافِظَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّلَاةِ يُقَدَّمُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ فِي
الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَحَسَّنَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ أَوْلَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ ثُمَّ أَفْقَهُهُمْ يَعْنِي إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِرَاءَةِ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْفِقْهِ قُدِّمَ أَقْرَؤُهُمَا، وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي جَوْدَةِ الْقِرَاءَةِ قُدِّمَ أَكْثَرُهُمَا قُرْآنًا، وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي الْكَثْرَةِ قُدِّمَ أَجْوَدُهُمَا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْفَقِيهَيْنِ أَفْقَهَ، أَوْ أَعْلَمَ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ قُدِّمَ، وَيُقَدَّمُ قَارِئٌ لَا يَعْرِفُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ عَلَى فَقِيهٍ أُمِّيٍّ. قَوْلُهُ (ثُمَّ أَسَنُّهُمْ) يَعْنِي إذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ قُدِّمَ أَسَنُّهُمْ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.
وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: تَقْدِيمُ الْأَقْدَمِ هِجْرَةً عَلَى الْأَسَنِّ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، الْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَنَظْمِهَا وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ بِتَقْدِيمِ الْأَقْدَمِ إسْلَامًا عَلَى الْأَسَنِّ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُقَدَّمُ الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً، ثُمَّ الْأَسَنُّ، عَكْسُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، ثُمَّ أَشْرَفُهُمْ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ، حَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ الْأَشْرَفُ عَلَى الْأَقْدَمِ هِجْرَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْهِدَايَةُ وَالْمُذْهَبُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَتْقَى عَلَى الْأَشْرَفِ، وَلَمْ يُقَدِّمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِالنَّسَبِ، ذَكَرَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْإِيضَاحِ.
فَائِدَةٌ: قِيلَ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً: مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَقِيلَ. السَّبْقُ بِآبَائِهِ قَالَ الْآمِدِيُّ: الْهِجْرَةُ مُنْقَطِعَةٌ فِي وَقْتِنَا، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ بِهَا مَنْ كَانَ لِآبَائِهِ سَبْقٌ، وَقِيلَ: السَّبْقُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قَطَعَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ وَالْحَوَاشِي، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا الْأَشْرَفُ فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْقُرَشِيُّ، وَقَالَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَمَعْنَى الشَّرَفِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَيُقَدَّمُ الْعَرَبُ عَلَى غَيْرِهِمْ، ثُمَّ قُرَيْشٌ، ثُمَّ بَنُو هَاشِمٍ، وَكَذَلِكَ أَبَدًا، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمَعْنَى الشَّرَفِ: عُلُوُّ النَّسَبِ وَالْقَدْرِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قُلْت: وَقَطَعَ بِهِ الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحُ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمْ.
فَائِدَةٌ: السَّبْقُ بِالْإِسْلَامِ كَالْهِجْرَةِ، وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَتْقَاهُمْ) يَعْنِي بَعْدَ الْأَسَنِّ وَالْأَشْرَفِ وَالْأَقْدَمِ هِجْرَةً: الْأَتْقَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَتْقَى عَلَى الْأَشْرَفِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ
احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ عَلَى الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْفُصُولِ.
وَزَادَ: أَوْ يَفْضُلُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُنْعَقِدَةِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: بَلْ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ، الرَّاعِي لَهُ، وَالْمُتَعَاهِدُ لِأُمُورِهِ.
فَائِدَةٌ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَحَوَاشِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعَ سَوَاءٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: ثُمَّ الْأَتْقَى ثُمَّ الْأَوْرَعُ ثُمَّ مَنْ قَرَعَ، وَعَنْهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (ثُمَّ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ) يَعْنِي بَعْدَ الْأَتْقَى، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ مَنْ اخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْقُرْعَةِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالنَّظْمِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي التَّقْوَى أَقُرِعَ بَيْنَهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَقُومُ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَتَعَاهُدِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ الْجِيرَانُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي التَّقْوَى وَالْوَرَعِ قُدِّمَ أَعْمَرُهُمْ لِلْمَسْجِدِ وَمَا رَضِيَ بِهِ الْجِيرَانُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْعَةِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ثُمَّ بَعْدَ الْأَتْقَى مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، لِمَعْنًى مَقْصُودٍ شَرْعًا، كَكَوْنِهِ أَعْمَرَ لِلْمَسْجِدِ، أَوْ أَنْفَعَ لِجِيرَانِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَعُودُ بِصَلَاحِ الْمَسْجِدِ وَأَهْلِهِ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.
فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ اخْتَلَفُوا فِي اخْتِيَارِهِمْ عَمِلَ بِاخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقِيلَ: يُقْرَعُ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَقِيلَ: يَخْتَارُ السُّلْطَانُ الْأَوْلَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِاخْتِيَارِ السُّلْطَانِ: لَا يَتَجَاوَزُ الْمُخْتَلَفَ فِيهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَهُمَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُرُوعِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلِي فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (مَنْ اخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ) هَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَنْ رَضِيَهُ وَأَرَادَهُ الْمُصَلُّونَ، وَقِيلَ: الْجَمَاعَةُ، وَقِيلَ: الْجِيرَانُ، وَقِيلَ: أَكْثَرُهُمْ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْقُرْعَةَ بَعْدَ الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعِ، أَوْ مَنْ تَخْتَارُهُ الْجَمَاعَةُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَيْضًا بِحُسْنِ الْخِلْقَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.
فَائِدَةٌ: تَحْرِيرُ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْأَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ فِي الْإِمَامَةِ فَالْأَوْلَى: الْأَقْرَأُ جَوْدَةً، الْعَارِفُ فِقْهَ صَلَاتِهِ ثُمَّ الْقَارِئُ كَذَلِكَ ثُمَّ الْأَفْقَهُ ثُمَّ الْأَسَنُّ ثُمَّ الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً، وَالْأَسْبَقُ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، لَا فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَوُجُوبِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَطَعُوا بِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَوْلَى، وَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا قَرِيبًا.
قَوْلُهُ (وَصَاحِبُ الْبَيْتِ، وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) يَعْنِي أَنَّهُمَا أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، إذَا كَانَ مِمَّنْ تَصِحُّ إمَامَتُهُ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: إنْ صَلَحَا لِلْإِمَامَةِ بِهِمْ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمَا فَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُمَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمَا مَعَ التَّسَاوِي وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا أَنْ يُقَدِّمَا أَفْضَلَ مِنْهُمَا.
فَائِدَةٌ: لَهُمَا تَقْدِيمُ غَيْرِهِمَا، وَلَا يُكْرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ أَبَوَيْهِمَا مُطْلَقًا، فَغَيْرُهُمَا أَوْلَى أَنْ يُكْرَهَ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي إذْنِ مَنْ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ غَيْرَهُمَا، وَيَأْتِي قَرِيبًا بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا.
فَائِدَةٌ
الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُؤَجِّرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ أَوْلَى مِنْ الْمَالِكِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَيُخَرَّجُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ أَوْلَى، إنْ قُلْنَا: الْعَارِيَّةُ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ.
قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَا سُلْطَانٍ) يَعْنِي فَيَكُونَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَمِنْ إمَامِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هُمَا أَحَقُّ مِنْهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ فِي صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالسُّلْطَانِ.
فَائِدَةٌ
لَوْ كَانَ الْبَيْتُ لِعَبْدٍ فَسَيِّدُهُ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ، قَالَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ صَاحِبُ الْبَيْتِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْتُ لِلْمُكَاتَبِ كَانَ أَوْلَى، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُقَدَّمَانِ فِي بَيْتِهِمَا عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِمَا. قَوْلُهُ (وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَمِنْ الْمُكَاتَبِ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ،
وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا تَسَاوَيَا، وَقِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا إمَامًا رَاتِبًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْعَبْدُ الْمُكَلَّفُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ إذَا قُلْنَا: تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِالْبَالِغِينَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، الثَّانِيَةُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله أَنَّ إمَامَةَ الْعَبْدِ صَحِيحَةٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، إلَّا مَا يَأْتِي فِي إمَامَتِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، بَلْ وَلَا يُكْرَهُ بِالْأَحْرَارِ نَصَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَالْحَاضِرُ أَوْلَى مِنْ الْمُسَافِرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ فِيهِمْ إمَامٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، قَالَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ أَتَمَّ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ صَحَّتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ الْمُقِيمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: إنْ أَتَمَّ الْمُسَافِرُ فَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ رِوَايَتَا مُتَنَفِّلٌ بِمُفْتَرِضٍ، وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَلَيْسَ بِمُتَنَفِّلٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: أَنْكَرَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ خَلْفَهُ رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مُتَنَفِّلٌ، لِسُقُوطِهِمَا بِالتَّرْكِ لَا إلَى بَدَلٍ، وَمَنَعَهُ
الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا رُخْصَةٌ فَإِذَا لَمْ يَخْتَرْهُ تَعَيَّنَ الْفَرْضُ الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ الْأَرْبَعُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ التَّوَقُّفَ فِيهَا، وَقَالَ: دَعْهَا. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، لِصِحَّةِ بِنَاءِ مُقِيمٍ عَلَى نِيَّةِ مُسَافِرٍ، وَهُوَ الْإِمَامُ.
الثَّانِيَةُ: إذَا أَتَمَّ الْمُسَافِرُ كُرِهَ تَقْدِيمُهُ، لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَإِنْ قَصَرَ لَمْ يُكْرَهْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إجْمَاعًا. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ الْمُقِيمُ إمَامًا لِمُسَافِرٍ، وَنَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ احْتَمَلَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، وَهُوَ أَصَحُّ، لِوُقُوعِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْهُ بِلَا نِيَّةٍ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا لَزِمَهُ حُكْمُ الْمُتَابَعَةِ لَزِمَهُ نِيَّةُ الْمُتَابَعَةِ، كَنِيَّةِ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيهَا وَاحْتُمِلَ أَنْ يُجْزِئَهُ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ حُكْمًا.
الرَّابِعَةُ: الْحَضَرِيُّ أَوْلَى مِنْ الْبَدْوِيِّ، وَالْمُتَوَضِّئُ أَوْلَى مِنْ الْمُتَيَمِّمِ. قَوْلُهُ (وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْ الْأَعْمَى، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فَالْخِلَافُ عَائِدٌ إلَيْهِمَا فَقَطْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، أَحَدُهُمَا: الْبَصِيرُ أَوْلَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَوْلَى.
قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْهُ، عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْ الْأَعْمَى عِنْدِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالنِّهَايَةِ، وَنَظْمِهَا وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ الْوَجْهُ الثَّانِي: هُمَا سَوَاءٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: الْأَعْمَى أَوْلَى مِنْ الْبَصِيرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا.
فَائِدَةٌ
لَوْ كَانَ الْأَعْمَى أَصَمَّ صَحَّتْ إمَامَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَصَحَّحَهُ فِيهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا يَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
فَائِدَةٌ لَوْ أَذِنَ الْأَفْضَلُ لِلْمَفْضُولِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَمْ تُكْرَهْ إمَامَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي رِسَالَةِ أَحْمَدَ فِي الصَّلَاةِ، رِوَايَةُ مُهَنَّا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمُوا إلَّا أَعْلَمَهُمْ وَأَخْوَفَهُمْ، وَإِلَّا لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ، وَكَذَا قَالَ فِي الْغُنْيَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجِبُ تَقْدِيمُ مَنْ يُقَدِّمُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَوْ مَعَ شَرْطِ وَاقِفٍ بِخِلَافِهِ. انْتَهَى.
فَإِمَامَةُ الْمَفْضُولِ بِدُونِ إذْنِ الْفَاضِلِ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الْأَخْوَفُ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ النَّصَّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ سِوَى إمَامِ الْمَسْجِدِ، وَصَاحِبِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ عَلَى مَنْعِ إمَامَةِ الْأُمِّيِّ بِالْأَقْرَأِ بِأَمْرِ الشَّارِعِ بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ فَإِذَا قُدِّمَ الْأُمِّيُّ خُولِفَ الْأَمْرُ وَدَخَلَ تَحْتَ النَّهْيِ وَكَذَا احْتَجَّ فِي الْفُصُولِ، مَعَ قَوْلِهِ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا اسْتَخْلَفَ أَنْ يُرَتِّبَ كَمَا يُرَتِّبُ الْإِمَامُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ. كَالْإِمَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ إمَامَةٍ.
قَوْلُهُ (وَهَلْ تَصِحُّ إمَامُهُ الْفَاسِقِ وَالْأَقْلَفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ أَمَّا الْفَاسِقُ: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هِيَ اخْتِيَارُ الْمَشَايِخِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ. وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى،
وَالْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيِّ، وَجَمَاعَةٍ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ الْأَشْهَرُ، قَالَ النَّاظِمُ: الْأَوْلَى وَنَصَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْآمِدِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْفَاسِقِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا تَصِحُّ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْفَسَقَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ، وَتُكْرَهُ، وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي النَّفْلِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَصِحُّ النَّفَلُ خَلْفَ الْفَاسِقِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ: الْمَجْدُ، فَإِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ خَلْفَ فَاسِقٍ بِالِاعْتِقَادِ بِحَالٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ الْإِعَادَةُ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِفِسْقِهِ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ ظَاهِرًا أَوْ لَا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَالْأَثْرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا إعَادَةَ إذَا جُهِلَ حَالُهُ مُطْلَقًا كَالْحَدَثِ، وَالنَّجَاسَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ بِأَنَّ الْفَاسِقَ يَعْلَمُ بِالْمَانِعِ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ النَّاسِي.
إذْ لَوْ عَلِمَ لَمْ تَصِحَّ خَلْفَهُ (بِحَالٍ) وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِسْقُهُ ظَاهِرًا أَعَادَ، وَإِلَّا فَلَا، لِلْعُذْرِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْأَصَحُّ أَنْ يُعِيدَ خَلْفَ الْمُعْلِنِ. وَفِي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ لَمَّا سَلَّمَ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَهُ فَرِوَايَتَانِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ: وَإِنْ ائْتَمَّ بِفَاسِقٍ مَنْ يَعْلَمُ فِسْقَهُ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ وَقِيلَ: يُعِيدُ لِفِسْقِ إمَامِهِ الْمُجَرَّدِ، وَقِيلَ: تَقْلِيدًا فَقَطْ.
فَائِدَةٌ
الْمُعْلِنُ بِالْبِدْعَةِ: هُوَ الْمُظْهِرُ لَهَا، ضِدُّ الْإِسْرَارِ، كَالْمُتَكَلِّمِ بِهَا، وَالدَّاعِي إلَيْهَا، وَالْمُنَاظِرِ عَلَيْهَا، وَهَكَذَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُعْلِنُ بِالْبِدْعَةِ: مَنْ يَعْتَقِدُهَا بِدَلِيلٍ، وَضِدُّهُ: مَنْ يَعْتَقِدُهَا تَقْلِيدًا، وَقَالَ: الْمُقَلِّدُ لَا يَكْفُرُ وَلَا يَفْسُقُ.
فَوَائِدُ
الْأُولَى: تَصِحُّ إمَامَةُ الْعَدْلِ إذَا كَانَ نَائِبًا لِفَاسِقٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنِيبُ مَنْ لَا يُبَاشِرُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ عَدْلًا وَحْدَهُ فَوَجْهَانِ صَحَّحَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَخَالَفَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُعِيدُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَؤُمُّ فَاسِقٌ فَاسِقًا، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ قُلْت: وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، فَقَالَا: وَلَا يَؤُمُّ فَاسِقٌ مِثْلَهُ.
الثَّالِثَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَهُ خَوْفَ أَذًى وَيُعِيدُ نَصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى الِانْفِرَادَ وَوَافَقَهُ فِي أَفْعَالِهَا لَمْ يُعِدْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى خَلْفَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: يُصَلِّي خَلْفَهُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ جُمُعَةٍ أُخْرَى خَلْفَ عَدْلٍ قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَيْضًا خَلْفَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَسَوَّى الْآمِدِيُّ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فِي تَقْدِيمِ الْفَاسِقِ فَعَلَى
الْمَذْهَبِ: لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هِيَ أَشْهَرُ، وَعَنْهُ مَنْ أَعَادَهَا فَمُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ، إذَا لَمْ يَرَ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَعَنْهُ يُعِيدُهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيُعَادُ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذِكْرُ غَيْرِ وَاحِدٍ الْإِعَادَةَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَغَيْرِهَا قُلْت: مِمَّنْ قَالَهُ: هُوَ فِي حَوَاشِيهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، فَلَا تَضُرُّ صَلَاتِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ ظُهْرًا أَرْبَعًا، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك: أُصَلِّي قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ: بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَلَا أُصَلِّي قَبْلُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: يُصَلَّى الظُّهْرُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُمَا: الْإِعَادَةُ، وَعَدَمُهَا ابْنُ تَمِيمٍ.
فَائِدَةٌ: أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ بِالْجُمُعَةِ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ، وَتَابَعَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ، وَقِيلَ: وَالْعِيدَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُقْتَدَى بِالْفَاسِقِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
فَوَائِدُ
إحْدَاهَا: حُكْمُ مَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَنَحْوَهَا فِي بُقْعَةِ غَصْبٍ لِلضَّرُورَةِ: حُكْمُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيمَنْ كَفَرَ بِاعْتِقَادِهِ، وَيُعِيدُ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ.
الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ إمَامٍ لَا يَعْرِفُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي إلَّا خَلْفَ مَنْ يَعْرِفُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ خَالَفَ فِي الْفُرُوعِ، لِدَلِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ نَصَّ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عَلَى مَا يَأْتِي قَالَ الْمَجْدُ لِمَنْ قَالَ لَا تَصِحُّ: هَذَا خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ: مَا لَمْ يَفْسُقْ بِذَلِكَ (وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ شَارِبِ نَبِيذٍ، مُعْتَقِدًا حِلَّهُ، رِوَايَتَيْنِ) وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يَقُولُ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ وَقِيلَ: وَلَا خَلْفَ مَنْ يُجِيزُ رِبَا الْفَضْلِ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ. لِلْإِجْمَاعِ الْآنَ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا، وَأَمَّا الْأَقْلَفُ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ رِوَايَتَيْنِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُمَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ.
صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
وَقِيلَ: تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ الْمَفْتُوقِ قَلَفَتُهُ. وَخَصَّ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ الْخِلَافَ بِالْأَقْلَفِ الْمُرْتَتِقِ، وَقِيلَ: إنْ كَثُرَتْ إمَامَتُهُ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّتْ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: هَلْ الْمَنْعُ مِنْ صِحَّةِ إمَامَتِهِ لِتَرْكِ الْخِتَانِ الْوَاجِبِ، أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَأْخَذِ الْمَنْعِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَرْكُهُ الْخِتَانَ الْوَاجِبَ. فَعَلَى هَذَا إنْ قُلْنَا: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، أَوْ سَقَطَ الْقَوْلُ بِهِ لِضَرَرٍ: صَحَّتْ إمَامَتُهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ: هُوَ عَجْزُهُ عَنْ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ التَّطَهُّرُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَعَلَى هَذَا: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ، إنْ لَمْ يَجِبْ الْخِتَانُ. انْتَهَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إنْ كَانَ تَارِكًا لِلْخِتَانِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ ضَرَرٍ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ: فَسَقَ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِيهِ: الرِّوَايَتَانِ لِفِسْقِهِ، لَا لِكَوْنِهِ أَقْلَفَ، وَإِنْ تَرَكَهُ تَأَوُّلًا، أَوْ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ: صَحَّتْ إمَامَتُهُ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْمَنْعَ لِعَجْزِهِ عَنْ غُسْلِ النَّجَاسَةِ.
الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ بِمِثْلِهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ إنْ لَمْ يَجِبْ الْخِتَانُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَارِئٌ غَيْرُهُ.
قَوْلُهُ (وَفِي إمَامَةِ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ وَجْهَانِ) ، وَحَكَاهُمَا الْآمِدِيُّ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ.
إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
تَنْبِيهٌ: مَنْشَأُ الْخِلَافِ: كَوْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَتَوَقَّفَ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ أَقْطَعِ الرِّجْلَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَحَدِ الْيَدَيْنِ: حُكْمُ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: الْخِلَافَ فِي أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ أَوْ إحْدَاهُنَّ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ إمَامَةِ أَقْطَعَ أَحَدِ الرِّجْلَيْنِ دُونَ أَقْطَعِهِمَا، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ الْخِلَافَ فِي أَقْطَعَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّ إمَامَةَ أَقْطَعِهِمَا لَا تَصِحُّ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَصَرَّحَ بِصِحَّةِ إمَامَةِ أَقْطَعِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ بِمِثْلِهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي أَقْطَعِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تُكْرَهُ إمَامَةُ مَنْ قُطِعَ أَنْفُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الصِّحَّةَ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ كَافِرٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ، وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ خَلْفَ مُبْتَدِعٍ كَافِرٍ بِبِدْعَتِهِ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْكَافِرِ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِهِ بِهَا، وَبَنَى عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ صِحَّةَ إمَامَتِهِ عَلَى احْتِمَالٍ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الصَّلَاةِ هُوَ كَافِرٌ، وَإِنَّمَا صَلَّى تَهَزُّؤًا فَنَصُّ أَحْمَدَ: يُعِيدُ الْمَأْمُومُ، كَمَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ أَوْ حَدَثَهُ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ، وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ كَمَنْ جُهِلَ حَالُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَلِمَ مِنْ إنْسَانٍ حَالَ رِدَّةٍ، وَحَالَ إسْلَامٍ، أَوْ حَالَ إفَاقَةٍ، وَحَالَ جُنُونٍ: كُرِهَ تَقْدِيمُهُ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَلَى أَيِّ الْحَالَيْنِ هُوَ؟ أَعَادَ عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ قَبْلَ الصَّلَاةِ إسْلَامَهُ، وَشَكَّ فِي رِدَّتِهِ، فَلَا إعَادَةَ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ.
تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَلَا أَخْرَسَ) عَدَمُ صِحَّةِ إمَامَتِهِ بِمِثْلِهِ وَبِغَيْرِهِ أَمَّا إمَامَتُهُ بِغَيْرِهِ: فَلَا تَصِحُّ، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْخَرَسُ دُونَ الْأَصْلِيِّ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَمَّا إمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إمَامَتَهُ لَا تَصِحُّ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَجَزَمَ بِهِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ، وَعِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ مِثْلَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَوْلَى. كَالْأُمِّيِّ وَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ يَؤُمُّ مِثْلَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ.
تَنْبِيهٌ:
دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَلَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ) عَدَمُ صِحَّةِ إمَامَتِهِ بِمِثْلِهِ،
وَبِغَيْرِهِ أَمَّا بِغَيْرِهِ: فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِهِ، وَأَمَّا بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ لِمَنْ لَا سَلَسَ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَؤُمُّ أَخْرَسُ وَلَا دَائِمٌ حَدَثُهُ، وَعَاجِزٌ عَنْ رُكْنٍ، وَأُنْثَى بِعَكْسِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ عَجَزَ عَنْ رُكْنٍ، أَوْ شَرْطٍ: لَمْ تَصِحَّ إمَامَتُهُ بِقَادِرٍ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: تَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ عَنْ التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَلَا عَاجِزٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ) الْوَاوُ هُنَا: بِمَعْنَى " أَوْ " وَكَذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ الشَّرْطِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصِّحَّةَ، قَالَهُ فِي إمَامَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَعْجِزُ عَنْ إزَالَتِهَا.
فَائِدَةٌ: يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمِثْلِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الشَّارِحُ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ الْإِمَامَةَ جَالِسًا مُطْلَقًا.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُضْطَجِعِ لَا يَضْطَجِعُ، وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ عَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ) حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ: حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ الرُّكُوعِ، أَوْ السُّجُودِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (إلَّا إمَامُ الْحَيِّ الْمَرْجُوُّ زَوَالُ عِلَّتِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إمَامَةَ إمَامِ الْحَيِّ وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ الْعَاجِزِ عَنْ
الْقِيَامِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ جَالِسًا، صَحِيحَةٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ، وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ الْإِمَامَةَ جَالِسًا مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ قَالَ الْقَاضِي: هَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ، وَعَنْهُ يُصَلُّونَ قِيَامًا، ذَكَرَهَا فِي الْإِيضَاحِ وَاخْتَارَهُ فِي النَّصِيحَةِ، وَالتَّحْقِيقِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جُلُوسًا، وَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: صَحَّتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِيمَا أَظُنُّ وَاخْتَارَهُ عُمَرُ بْنُ بَدْرٍ الْمَغَارِبِيُّ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ اخْتَارَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إذَا جَهِلَ وُجُوبَ الْجُلُوسِ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ.
تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ إذَا لَمْ يُرْجَ زَوَالُ عِلَّتِهِ أَنَّ إمَامَتَهُ لَا تَصِحُّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَفِي الْإِيضَاحِ، وَالْمُنْتَخَبِ: إنْ لَمْ يُرْجَ صَحَّتْ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ قَائِمًا. الثَّانِيَةُ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ غَيْرِ إمَامِ الْحَيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تَصِحُّ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ زَوَالُ عِلَّتِهِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: إلَّا إمَامَ الْحَيِّ، وَالْإِمَامَ الْكَبِيرَ قَوْلُهُ (وَإِنْ ابْتَدَأَ بِهِمْ الصَّلَاةَ قَائِمًا، ثُمَّ اعْتَدَلَ فَجَلَسَ: أَتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا) بِلَا نِزَاعٍ، وَلَمْ يَجُزْ الْجُلُوسُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيّ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إمَامَ الْحَيِّ.
فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ أُرْتِجَ عَلَى الْمُصَلِّي فِي الْفَاتِحَةِ، وَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهَا، فَهُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، يَأْتِي بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يُعِيدُهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ إمَامًا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ النِّيَّةِ، وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، فِيمَا إذَا أُرْتِجَ الْإِمَامُ أَيْضًا.
الثَّانِيَةُ: إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عِنْدَهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ: لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، كَالْإِمَامِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُعِيدُ إنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا، وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: يَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي إمَامٍ يَعْلَمُ حَدَثَ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الرُّكْنُ، وَالشَّرْطُ الْمَتْرُوكُ يَعْتَقِدُهُ الْمَأْمُومُ رُكْنًا وَشَرْطًا، دُونَ الْإِمَامِ:
لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ، وَمَالَ إلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الرِّوَايَاتُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ أَحْمَدَ لَا تُوجِبُ اخْتِلَافًا دَائِمًا، ظَوَاهِرُهَا: أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَأٍ الْمُخَالِفِ يَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَمَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَأِ الْمُخَالِفِ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ. وَقِيَاسُ الْأُصُولِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يُعِيدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قُلْت: صَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ كَانَ فِي وُجُوبِهِ عِنْدَ الْمَأْمُومِ رِوَايَتَانِ، فَفِي صَلَاتِهِ خَلْفَهُ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا عَلِمَ الْمَأْمُومُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ سَلَامِهِ: فَلَا إعَادَةَ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُعِيدُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ أَيْضًا.
فَائِدَةٌ
لَوْ تَرَكَ الْمُصَلِّي رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، بِلَا تَأْوِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ: أَعَادَ الصَّلَاةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ، وَعَنْهُ يُعِيدُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ إنْ طَالَ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي
الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي النَّفْلِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. انْتَهَى. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قِيلَ: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ قَارِئَةً وَهُمْ أُمِّيُّونَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى.
وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ أَقْرَأَ مِنْ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ أَقْرَأَ وَذَا رَحِمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ ذَا رَحِمٍ أَوْ عَجُوزٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ صِحَّةَ إمَامَتِهَا فِي الْجُمْلَةِ؛ لِخَبَرِ أُمِّ وَرَقَةَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْخَاصِّ: رَوَاهُ الْمَرُّوذِيُّ بِإِسْنَادٍ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَإِنْ صَحَّ: فَيَتَوَجَّهُ حَمْلُهُ عَلَى النَّفْلِ، جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّهْيِ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: تَصِحُّ إمَامَتُهَا بِهِمْ، فَإِنَّهَا تَقِفُ خَلْفَهُمْ.
لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَيَقْتَدُونَ بِهَا، هَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَعَنْهُ تَقْتَدِي هِيَ بِهِمْ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ. فَيَنْوِي الْإِمَامَةَ أَحَدُهُمْ اخْتَارَهُ الْقَاضِي
فِي الْخِلَافِ فَقَالَ: إنَّمَا يَجُوزُ إمَامَتُهَا فِي الْقِرَاءَةِ خَاصَّةً، دُونَ بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا أَيْضًا.
قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْخُنْثَى لِلرِّجَالِ وَلَا لِلْخَنَاثَى) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ احْتِمَالًا بِصِحَّةِ إمَامَتِهِ بِمِثْلِهِ لِلتَّسَاوِي قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَقْتَدِي الْخُنْثَى بِمِثْلِهِ، وَهُوَ سَهْوٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ سَهْوٌ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْخُنْثَى الرِّجَالَ فِيمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَؤُمَّ فِيهِ الرَّجُلَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ إمَامَةِ الْخُنْثَى بِالنِّسَاءِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ الْقَاضِي: رَأَيْت لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ أَنَّ الْخُنْثَى لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ، لِأَنَّهُ إنْ قَامَ مَعَ الرِّجَالِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَإِنْ قَامَ مَعَ النِّسَاءِ، أَوْ وَحْدَهُ، أَوْ ائْتَمَّ بِامْرَأَةٍ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَإِنْ أَمَّ الرِّجَالَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخِرَقِيِّ، انْتَهَى قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ مُرَادُ الْخِرَقِيِّ بِقَوْلِهِ " وَإِنْ صَلَّى خَلْفَ مُشْرِكٍ، أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ أَعَادَ " الْعُمُومَ قَطْعًا فَإِنَّ إمَامَةَ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ صَحِيحَةٌ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ، بَلْ مُرَادُهُ: وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ: أَنَّ الْخُنْثَى يَكُونُ مَأْمُومًا، وَرَدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَا تَصِحُّ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ لَوْ أَمَّ امْرَأَةٌ وَكَانَتْ خَلْفَهُ فَإِنَّ صَلَاتَهُمَا صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ
كَانَ رَجُلًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً صَحَّتْ إمَامَتُهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ أَدْخَلَ فِي حَصْرِهِ إمَامَتَهُ بِقَوْلِهِ " وَإِنْ أَمَّ الرِّجَالَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً " لَكِنَّهُ مَا ذَكَرَ: إذَا أَمَّ امْرَأَةً، وَلَكِنْ تُسَمَّى جَمَاعَةً فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَؤُمُّ خُنْثَى نِسَاءً، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ امْرَأَةٍ بِجَنْبِ رَجُلٍ: لَمْ يُصَلِّ جَمَاعَةً. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ صِحَّةُ إمَامَةِ الْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَقِفُ وَرَاءَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا أَمَّ الْخُنْثَى نِسَاءً قَامَ وَسَطَهُنَّ.
فَائِدَةٌ
لَوْ صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُهُ خُنْثَى ثُمَّ بَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ رَجُلًا: لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُعِيدُ إذَا عَلِمَهُ خُنْثَى، أَوْ جَهِلَ إشْكَالَهُ.
قَوْلُهُ (وَلَا إمَامَةُ الصَّبِيِّ لِبَالِغٍ إلَّا فِي النَّفْلِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَالْمُحَرَّرُ، اعْلَمْ أَنَّ إمَامَةَ الصَّبِيِّ تَارَةً تَكُونُ فِي الْفَرْضِ وَتَارَةً تَكُونُ فِي النَّفْلِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْفُرُوضِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ تَصِحُّ اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَحَكَاهَا فِي الْفَائِقِ تَخْرِيجًا، وَاخْتَارَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُخَرَّجُ فِي صِحَّةِ إمَامَةِ ابْنِ عَشْرٍ وَجْهٌ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي النَّفْلِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَصِحُّ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا قَالَ الْمَجْدُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ،
وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ فِي النَّفْلِ أَيْضًا قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ إلَّا بِمِثْلِهِمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ، وَانْتِصَارِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ تَبَعًا لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ: وَلَوْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، فَقَالَ: لَا تَصِحُّ، وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَبِنَاؤُهُمْ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ نَافِلَةٌ تَقْتَضِي صِحَّةَ إمَامَتِهِ إنْ لَزِمَتْهُ قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مِنْ عِنْدَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجْهًا. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ خَرَّجَ وَجْهًا بِصِحَّةِ إمَامَةِ ابْنِ عَشْرٍ إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَيْضًا فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ قُلْنَا تَجِبُ عَلَيْهِ، نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْجُمُعَةِ، وَيَأْتِي، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ قَارِئًا وَجْهًا وَاحِدًا قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " لِبَالِغٍ " صِحَّةُ إمَامَتِهِ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ عَنْ ابْنِ الشِّيرَازِيِّ: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ مُحْدِثٍ، وَلَا نَجِسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ فِي الْإِشَارَةِ: تَصِحُّ إمَامَةُ الْمُحْدِثِ، وَالنَّجِسِ، إنْ جَهِلَهُ الْمَأْمُومُ وَعَلِمَهُ الْإِمَامُ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ أَيْضًا عَلَى إمَامَةِ الْفَاسِقِ لِفِسْقِهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَعْجِزُ عَنْ إزَالَتِهَا بِمَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ جَهِلَ هُوَ وَالْمَأْمُومُ حَتَّى قَضَوْا الصَّلَاةَ صَحَّتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَحْدَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ الْمَأْمُومُ أَيْضًا اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الْقِيَاسُ، لَوْلَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ أَوْ الْمَأْمُومُ فِيهَا: أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ فَيَسْتَأْنِفُهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَبْنِي الْمَأْمُومُ، نَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يَبْنُونَ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، فِيمَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ وَشَكَّ فِي وُضُوئِهِ لَمْ يُجْزِهِ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ إنْ شَاءُوا قَدَّمُوا وَاحِدًا، وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا فُرَادَى قَالَ الْقَاضِي: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ عِلْمَهُمْ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ إعَادَةً. انْتَهَى. وَأَمَّا الْإِمَامُ: فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ عَلِمَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ أَعَادَ جَمِيعُ الْمَأْمُومِينَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إلَّا الْعَالِمُ فَقَطْ، وَكَذَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إنْ عَلِمَهُ اثْنَانِ، وَأَنْكَرَ هُوَ إعَادَةَ الْكُلِّ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأُمِّيِّ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تَصِحُّ، وَقِيلَ: تَصِحُّ صَلَاةُ الْقَارِئِ خَلْفَهُ فِي النَّافِلَةِ، وَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ اقْتِدَاءَ مَنْ يُحْسِنُ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ قُرْآنًا قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْعَاجِزِ عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَمْدِ بِالْعَاجِزِ عَنْ النِّصْفِ الْآخَرِ وَلَا عَكْسُهُ.
قَوْلُهُ (إلَّا بِمِثْلِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ إمَامَةِ الْأُمِّيِّ بِمِثْلِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ قَارِئٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ: تُكْرَهُ إمَامَتُهُمْ، وَتَصِحُّ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ كَثُرَ ذَلِكَ مَنَعَ الصِّحَّةَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا، وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْأَرَتِّ وَالْأَلْثَغِ، وَصِحَّةِ إمَامَتِهِمَا وَعَدَمِهَا، وَإِنْ كَانَا دَاخِلَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اقْتَدَى قَارِئٌ وَأُمِّيٌّ بِأُمِّيٍّ فَإِنْ كَانَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ الْأُمِّيُّ عَنْ يَمِينِهِ: صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْأُمِّيِّ، وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَارِئِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَا خَلْفَهُ، أَوْ الْقَارِئُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْأُمِّيُّ عَنْ يَسَارِهِ: فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ كَانَا خَلْفَهُ فَإِنَّ صَلَاتَهُمَا تَفْسُدُ، وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَشْهَرُهُمَا الْبُطْلَانُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فَإِنْ كَانَا خَلْفَهُ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ فِي الْأَصَحِّ، وَبَقِيَ نَفْلًا، وَقِيلَ: لَا يَبْقَى فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ، وَقِيلَ: إلَّا الْإِمَامَ. انْتَهَى. وَفِي الْمَذْهَبِ: وَجْهٌ آخَرُ حَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّ الْفَسَادَ يَخْتَصُّ بِالْقَارِئِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي تَعْلِيلِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْقَارِئَ تَكُونُ صَلَاتُهُ نَافِلَةً، فَمَا خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَصِرْ الْأُمِّيُّ بِذَلِكَ فَذًّا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَلَاةُ الْقَارِئِ بَاطِلَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لَكِنَّ اعْتِبَارَ مَعْرِفَةِ هَذَا عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ يَشُقُّ، وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَعُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ. انْتَهَى.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِرَقِيَّ اخْتَارَ هَذَا الْوَجْهَ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ، وَفِي بَقَائِهِ نَفْلًا وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ: صَحَّتْ، وَإِنْ قُلْنَا لَا تَصِحُّ: بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ، فَهَلْ تَبْقَى نَفْلًا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ، أَمْ لَا يَبْقَى فَتَبْطُلُ، أَمْ تَبْطُلُ إلَّا صَلَاةَ الْإِمَامِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ الثَّانِيَةُ: الْأُمِّيُّ نِسْبَةً إلَى الْأُمِّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأُمِّيِّ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ وِلَادَةِ أُمِّهِ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ، وَقِيلَ: نِسْبَةً إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ قَوْلُهُ (وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُدْغِمُ حَرْفًا لَا يُدْغَمُ، أَوْ يُبْدِلُ حَرْفًا، أَوْ يَلْحَنُ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى) فَاللَّحْنُ الَّذِي يُحِيلُ الْمَعْنَى: كَضَمِّ التَّاءِ أَوْ كَسْرِهَا مِنْ " أَنْعَمْتَ " أَوْ كَسْرِ كَافِ " إيَّاكَ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقُلْنَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا، وَقِيلَ: أَوْ قِرَاءَةُ بَدَلِهَا انْتَهَى. فَلَوْ فَتَحَ هَمْزَةَ " اهْدِنَا " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذَا لَحْنٌ يُحِيلُ الْمَعْنَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُحِيلُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ: يُحِيلُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ: فَتْحُهَا لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَرَأَ قِرَاءَةً تُحِيلُ الْمَعْنَى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إصْلَاحِهَا مُتَعَمِّدًا حَرُمَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إصْلَاحِهَا قَرَأَ مِنْ ذَلِكَ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ، وَمَا زَادَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ، وَيَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ، وَلَا تَبْطُلُ إنْ كَانَ لِجَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَوْ أَنَّهُ جَعْلًا لَهُ كَالْمَعْدُومِ فَلَا يَمْنَعُ إمَامَتَهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: هُوَ كَكَلَامِ النَّاسِ، فَلَا يَقْرَؤُهُ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ عَدَمَ جَوَازِ قِرَاءَةِ مَا فِيهِ لَحْنٌ يُحِيلُ مَعْنَاهُ، مَعَ عَجْزِهِ عَنْ إصْلَاحِهِ، وَكَذَا إبْدَالُ حَرْفٍ لَا يُبْدَلُ فَإِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى تَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ بِمَا هُوَ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُحِيلُ مَعْنَاهُ، كَقَوْلِهِ " إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ " وَنَحْوِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ وَلَا يَسْجُدُ لَهُ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، نَقَلَهَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَمِنْهَا أَخَذَ ابْنُ شَاقِلَا قَوْلَهُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ يُبْدِلُ حَرْفًا " أَنَّهُ لَوْ أَبْدَلَ ضَادَّ " الْمَغْضُوبِ " عَلَيْهِمْ وَ " الضَّالِّينَ " بِظَاءٍ مُشَالَةٍ: أَنْ لَا تَصِحَّ إمَامَتُهُ.
(*) وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَصِحُّ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: إنْ عَلِمَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ فَائِدَةٌ:" الْأَرَتُّ " هُوَ الَّذِي يُدْغِمُ حَرْفًا لَا يُدْغَمُ، أَوْ حَرْفًا فِي حَرْفٍ، وَقِيلَ: مَنْ يَلْحَقُهُ دَغْمٌ فِي كَلَامِهِ، وَ " الْأَلْثَغُ " الَّذِي يُبَدِّلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ لَا يُبَدَّلُ بِهِ، كَالْعَيْنِ بِالزَّايِ وَعَكْسِهِ، أَوْ الْجِيمِ بِالشِّينِ، أَوْ اللَّامِ أَوْ نَحْوِهِ. وَقِيلَ: مَنْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِغَيْرِهِ قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَرَتِّ وَالْأَلْثَغِ كَمَا تَقَدَّمَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْبَنَّا: صِحَّةُ إمَامَتِهِمَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَسِيرُ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَيَمْنَعُ كَثِيرُهُ.
قَوْلُهُ (وَتُكْرَهُ إمَامَةُ اللَّحَّانِ) يَعْنِي الَّذِي لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ: لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ. تَنْبِيهَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَقَوْلُ الشَّيْخِ " وَيُكْرَهُ إمَامَةُ اللَّحَّانِ " أَيْ الْكَثِيرِ اللَّحْنِ، لَا مَنْ يَسْبِقُ لِسَانُهُ بِالْيَسِيرِ فَقَدْ لَا يَخْلُو مِنْ ذَلِكَ إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ. الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " وَتُكْرَهُ إمَامَةُ اللَّحَّانِ " صِحَّةُ إمَامَتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.
وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْزِئٌ وَمُتَعَمِّدٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ قَالَ: وَكَلَامُهُمْ فِي تَحْرِيمِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَوَّلُهُمَا: يَحْرُمُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، فِي التَّلْحِينِ الْمُغَيِّرِ لِلنَّظْمِ: يُكْرَهُ، لِقَوْلِهِ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ اللَّحْنِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ عَجْزًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ غَيْرُ الْمُصَلِّي. قَوْلُهُ (وَالْفَأْفَاءُ) الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ (وَالتَّمْتَامُ) الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ، وَلَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ، تُكْرَهُ إمَامَتُهُمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحُكِيَ قَوْلٌ: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ. حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ قُلْت: قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَالتَّمْتَامُ وَالْفَأْفَاءُ: تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ بِمِثْلِهِمْ، وَلَا تَصِحُّ بِمَنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُمْ قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ) كَالْقَافِ وَالضَّادِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا إذَا أَبْدَلَ الضَّادَ ظَاءً.
قَوْلُهُ (وَأَنْ يَؤُمَّ نِسَاءً أَجَانِبَ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ) يَعْنِي يُكْرَهُ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: وَلَا رَجُلَ مَعَهُنَّ قَرِيبٌ لِإِحْدَاهُنَّ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقِيلَ: وَلَا رَجُلَ مَعَهُنَّ مَحْرَمًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَفَسَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ آخِرَ الْكُسُوفِ يُكْرَهُ لِلشَّوَابِّ وَذَوَاتِ الْهَيْئَةِ الْخُرُوجُ، وَيُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ رَجُلٌ مَحْرَمٌ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي الْجَهْرِ فَقَطْ مُطْلَقًا.
فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَظَاهِرُهُ: كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فِيهِنَّ، هَذَا فِي مَوْضِعِ الْإِجَازَةِ فِيهِ فَلَا وَجْهَ إذَنْ لِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُسَبَّبًا وَمَحْرَمًا مَعَ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا أَوْ بَعْضُهُمْ بِالنَّهْيِ عَنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ فَيَلْزَمُ مِنْهَا التَّحْرِيمُ، وَالرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَمْنَعُ تَحْرِيمَهَا، عَلَى خِلَافٍ يَأْتِي آخِرَ الْعِدَدِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فِي إطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجِنْسَ فَلَا تَلْزَمُ الْأَحْوَالُ، وَيُعَلَّلُ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِيهَا. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْفُصُولِ قَرِيبًا قَالَ الشَّارِحُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ نِسَاءً أَجَانِبَ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ.
قَوْلُهُ (أَوْ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى، وَقِيلَ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ.
نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَؤُمَّهُمْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَتَى بِوَاجِبٍ وَمُحَرَّمٍ يُقَاوِمُ صَلَاتَهُ فَلَمْ تُقْبَلْ، إذْ الصَّلَاةُ الْمَقْبُولَةُ مَا يُثَابُ عَلَيْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَهُ.
تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ " أَنَّهُ لَوْ كَرِهَهُ النِّصْفُ: لَا يُكْرَهُ
أَنْ يَؤُمَّهُمْ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ أَيْضًا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: فَإِنْ اسْتَوَى الْفَرِيقَانِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ، إزَالَةً لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا وَجْهَيْنِ.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِمَامِ فَقَطْ فَلَا يُكْرَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ لَهُ الْإِمَامَةُ، وَيُكْرَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ الْأَصْحَابُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا يَكْرَهُونَهُ بِحَقٍّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: يُكْرَهُ لِخَلَلٍ فِي دِينِهِ أَوْ فَضْلِهِ. اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُصُولِ وَالْغُنْيَةِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ مُعَادَاةٌ مِنْ جِنْسِ مُعَادَاةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْمَذَاهِبِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً ائْتِلَافُهُمْ بِلَا خِلَافٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَكْرَهُونَهُ لِشَحْنَاءَ بَيْنَهُمْ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ بِغَيْرٍ حَقٍّ كَمَا لَوْ كَرِهُوهُ لِدِينٍ أَوْ سُنَّةٍ لَمْ تُكْرَهْ إمَامَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ، صِيَانَةً لِنَفْسِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ وَلَدِ زِنًا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِإِمَامَتِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ رَاتِبٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَعَدَمُ كَرَاهَةِ إمَامَتِهِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.
قَوْلُهُ (وَالْجُنْدِيُّ) يَعْنِي لَا بَأْسَ بِإِمَامَتِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ خَلَفَ غَيْرِهِ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ اللَّقِيطِ، وَالْمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ، وَالْخَصِيِّ، وَالْأَعْرَابِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْبَدْوِيُّ إنْ سَلِمَ دِينُهُمْ وَصَلَحُوا لَهَا قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَكَذَا الْأَعْرَابِيُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ تُكْرَهُ إمَامَةُ الْبَدْوِيِّ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، الثَّانِيَةُ: فَائِدَةٌ غَرِيبَةٌ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْخُنْثَى، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: تَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ وَالْجُمُعَةُ بِالْمَلَائِكَةِ وَبِمُسْلِمِي الْجِنِّ، وَهُوَ مَوْجُودٌ زَمَنَ النُّبُوَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَا، وَالْمُرَادُ فِي الْجُمُعَةِ: مَنْ لَزِمْته؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِآدَمِيٍّ لَا تَلْزَمُهُ، كَمُسَافِرٍ وَصَبِيٍّ فَهُنَا أَوْلَى. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالتَّكْلِيفِ قَالَ: وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ إخْرَاجُ الْمَلَائِكَةِ عَنْ التَّكْلِيفِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ، وَأَبِي الْبَقَاءِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ مَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْآدَمِيِّ.
قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ مَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ظُهْرُ أَمْسِ، فَأَرَادَ قَضَاءَهَا، فَائْتَمَّ بِهِ مَنْ عَلَيْهِ ظُهْرُ الْيَوْمِ فِي وَقْتِهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ، عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ الصِّحَّةُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدِي رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَغَلِطَ مَنْ نَقَلَ غَيْرَهَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ النَّاظِمُ [هُوَ أَصَحُّ] وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ.
نَقَلَهَا صَالِحٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ ائْتِمَامِ مَنْ يَقْضِي الصَّلَاةَ بِمَنْ يُؤَدِّيهَا حُكْمُ ائْتِمَامِ مَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا، عَكْسُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يَصِحُّ الْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ وَفِي الْعَكْسِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا فِي الْمُذْهَبِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقَطَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالصِّحَّةِ.
وَقَالَ: وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ قَضَى فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُؤَدِّيهِ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَدَّاهُ خَلْفَ مَنْ يَقْضِيهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، الثَّانِيَةُ: مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا: ائْتِمَامُ قَاضِي ظُهْرِ يَوْمٍ بِقَاضِي ظُهْرِ يَوْمٍ آخَرَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: كَمَا لَوْ كَانَا لِيَوْمٍ وَاحِدٍ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَائْتِمَامُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَجَدْتهَا فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَعَلَيْهَا خَطُّهُ، وَأَكْثَرُ النُّسَخِ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.
فَائِدَةٌ لَا يَؤُمُّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ مَنْ تَطَهَّرَ بِأَحَدِهِمَا، وَيَأْتَمُّ الْمُتَوَضِّئُ بِالْمَاسِحِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا.
قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهَا صَاحِبُ الْفُصُولِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهَا جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَصِحُّ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ: اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
قُلْت: مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ كَوْنُهُ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَائِدَةٌ: عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ائْتِمَامُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ يَصِحُّ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ لَا نَعْلَمُ فِي صِحَّتِهَا خِلَافًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَصِحُّ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ ائْتِمَامُ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ يَصِحُّ وَالرِّوَايَتَانِ فِي ظُهْرٍ خَلْفَ عَصْرٍ، وَنَحْوُهَا عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهَا. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالنَّظْمِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ.
فَائِدَةٌ
عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ائْتِمَامُ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ مِثْلُ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْحُكْمِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالرِّوَايَتَانِ فِي ظُهْرٍ خَلْفَ عَصْرٍ، وَنَحْوُهَا عَنْ بَعْضِهِمْ فَشَمَلَ كَلَامُهُ ائْتِمَامَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَعَكْسَهُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْفَجْرِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي رُبَاعِيَّةً تَامَّةً أَوْ ثُلَاثِيَّةً، وَعَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَتَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: لَا تَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: الْخِلَافُ أَيْضًا جَارٍ هُنَا كَالْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَتَيْنِ ابْنُ تَمِيمٍ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصِّحَّةَ هُنَا قَالَ الْمَجْدُ: صَحَّ عَلَى مَنْصُوصِ أَحْمَدَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ أَصَحُّ الطَّرِيقَتَيْنِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. إلَّا الْمَغْرِبَ خَلْفَ الْعِشَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ الْجَوَازَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: مُفَارَقَةُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ، وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ، وَيُسَلِّمُ قَبْلَهُ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ.
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الْأَخِيرُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَنَصَرَاهُ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُتِمُّ وَقِيلَ: أَوْ يَنْتَظِرُهُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَارِقَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ انْتِظَارِ الْإِمَامِ وَالْمُفَارَقَةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَلْ يَنْتَظِرُهُ، أَوْ يُسَلِّمُ قَبْلَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يُسَلِّمُ قَبْلَهُ، وَالثَّانِي: إنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهَلْ يُتِمُّ هُوَ لِنَفْسِهِ وَيُسَلِّمُ، أَوْ يَصْبِرُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَفِي تَخْيِيرِهِ بَيْنَهُمَا احْتِمَالٌ، وَقِيلَ: وَجْهٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا يَعْنِي عَلَى الصِّحَّةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْجُمُعَةِ صَبِيًّا، أَوْ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ خُيِّرُوا بَيْنَهُمَا، أَوْ قَدَّمُوا مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، حَتَّى يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: إنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْجُمُعَةِ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ، إنْ دَخَلَ مَعَهُمْ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ صَحَّ، وَإِنْ دَخَلَ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَلَا أَصْلًا فِيهَا، وَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى ظُهْرٍ مَعَ عَصْرٍ وَأَوْلَى، لِاتِّحَادِ وَقْتِهِمَا. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ، كَمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَجْرَ، أَوْ مَنْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَقْوَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِمَا وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى الصِّحَّةِ فِي التَّرَاوِيحِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَتُشْرَعُ عِشَاءُ الْآخِرَةِ خَلْفَ إمَامِ التَّرَاوِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَنَعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَجْرَ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى الْخِلَافِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ فِي الْكَافِي الْخِلَافَ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: يُتِمُّ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ كَمَسْبُوقٍ وَمُقِيمٍ خَلْفَ قَاصِرٍ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ فِي مُقِيمِينَ خَلْفَ قَاصِرٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُتِمُّ بِالْمَسْبُوقِ فَكَذَا بِنَاءٌ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ اقْتَضَتْ انْفِرَادَهُ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَإِذَا ائْتَمَّ بِغَيْرِهِ بَطَلَتْ كَمُنْفَرِدٍ صَارَ مَأْمُومًا، وَلِكَمَالِ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً، بِخِلَافِهِ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الظُّهْرِ خَلْفَ مُصَلِّي الْجُمُعَةِ مِثْلَ أَنْ يُدْرِكَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ فَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ بِنَاءِ الظُّهْرِ عَلَى نِيَّةِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِهِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْبِنَاءِ خُرِّجَ
الِاقْتِدَاءُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَدْ اخْتَارَ الْخِرَقِيُّ جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ، مَعَ مَنْعِهِ مِنْ بِنَاءِ الظُّهْرِ عَلَى الْجُمُعَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ جَوَازُ ائْتِمَامِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَمُصَلِّي الظُّهْرِ بِمُصَلِّي الْعَصْرِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَاعْتَذَرَ لَهُ بِكَوْنِهِ لَمْ يُدْرِكْ مَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ صِحَّةُ الدُّخُولِ إذَا أَدْرَكَ مَا يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الصَّلَاةِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ تَصِحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا قَالُوهُ: وَتَصِحُّ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا لَهُ لِعُذْرٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: مَنْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ، فَلَمَّا أَذَّنَ جَاءَ فَصَلَّى، قُدَّامَهُ عُذِرَ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: قُلْت وَهُوَ مُخَرَّجٌ مَنْ تَأَخُّرِ الْمَرْأَةِ فِي الْإِمَامَةِ. انْتَهَى.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ.
تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ تَصِحَّ " أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَأْمُومِ فَقَطْ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ أَيْضًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ نَوَى الْإِمَامَةَ مَنْ يُصَلِّي قُدَّامَهُ، مَعَ عِلْمِهِ، لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، أَوْ لَوْ نَوَتْ الْمَرْأَةُ الْإِمَامَةَ بِالرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ بِمَنْ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ ظَنًّا وَاعْتِقَادًا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ فَصَلَّوْا قُدَّامَهُ، انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ، عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ. كَمَا لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ مَنْ عَادَتُهُ حُضُورُ جَمَاعَةٍ عِنْدَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِيَةُ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: عَدَمَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ قُدَّامَ الْإِمَامِ، وَمُرَادُهُ غَيْرُ حَوْلِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَدَارُوا حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَالْإِمَامُ مِنْهَا عَلَى ذِرَاعَيْنِ، وَالْمُقَابِلُونَ لَهُ عَلَى ذِرَاعٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا: صَحَّتْ إجْمَاعًا قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. انْتَهَى.
هَذَا إذَا كَانَ فِي جِهَاتٍ أَمَّا إنْ كَانَ فِي جِهَةٍ، فَلَا يَجُوزُ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ مَسَافَةٌ فَوْقَ بَقِيَّةِ جِهَاتِ الْمَأْمُومِينَ فَهَلْ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، كَالْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَمُرَادُهُ أَيْضًا: صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ، فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ مَعَ إمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ، وَيُعْفَى عَنْ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْفَى، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَنْعَقِدُ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَمُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، فَلَوْ كَانَ دَاخِلَهَا فَجَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ إمَامِهِ صَحَّتْ إمَامَتُهُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ خَطَأَهُ، وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ إمَامِهِ لَمْ تَصِحَّ، لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَقَابَلَا مِنْهَا صَحَّتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي وَابْنُ مُنَجَّا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ {وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا وَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ} بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ بَانَ عَدَمُ صِحَّةِ مُصَافَّتِهِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ، فَيَجِيءُ الْوَجْهُ تَصِحُّ مُنْفَرِدًا، وَنَقَلَ
أَبُو طَالِبٍ فِي رَجُلٍ أَمَّ رَجُلًا قَامَ عَنْ يَسَارِهِ يُعِيدُ، وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ، وَظَاهِرُهُ: تَصِحُّ مُنْفَرِدًا دُونَ الْمَأْمُومِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ {فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ لَمْ تَصِحَّ} يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ فَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ صَحَّتْ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ إذَا صَلَّى رَكْعَةً مُنْفَرِدًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ تَصِحُّ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْفَائِقِ: وَقَالَ الشَّرِيفُ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَلَمْ أَرَهُ فِي كُتُبِهِ. قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إنْ كَانَ خَلْفَهُ صَفٌّ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ انْقَطَعَ الصَّفُّ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ خَلْفِهِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ بَعْدَهُ مَقَامُ ثَلَاثِ رِجَالٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ الصَّفِّ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ خَلْفِهِ، وَكَذَا إنْ بَعُدَ الصَّفُّ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ {وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ} أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَوْقِفٌ إلَّا خَلْفَ الْإِمَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ وَقَفَتْ عَنْ يَسَارِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إنْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا وَلَا صَلَاةَ مَنْ يَلِيهَا: أَنَّهَا كَالرَّجُلِ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَصِحُّ إنْ وَقَفَتْ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ فِي تَقْدِيمِهَا أَمَامَ النِّسَاءِ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ رَجُلًا وَاحِدًا، فَمَوْقِفُهُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً وَحْدَهَا فَمَوْقِفُهَا خَلْفَ الْإِمَامِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَصِحُّ إذَا وَقَفَتْ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَوْقِفًا كَمَا جَعَلَ لِلرَّجُلِ مَوْقِفًا.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَوْ كَانَ الْإِمَامُ رَجُلًا عُرْيَانًا، وَالْمَأْمُومُ امْرَأَةً فَإِنَّهَا تَقِفُ إلَى خَلْفِهِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.
الثَّانِيَةُ: لَوْ أَمَّ رَجُلٌ خُنْثَى صَحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو حَفْصٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ، قِيلَ: يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِنَا أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ وُقُوفَ الْمَرْأَةِ جَنْبَ الرَّجُلِ غَيْرُ مُبْطِلٍ، وَوُقُوفُهُ خَلْفَهُ فِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ رَجُلًا فَذًّا، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي الْبُطْلَانِ بِهِ قَالَ: وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا مِنْهُمْ، عَلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ سَهْوٌ عَلَى الْمَذْهَبِ انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ، وَقِيلَ: يَقِفُ خَلْفَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ {فَإِنْ اجْتَمَعَ أَنْوَاعٌ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخَنَاثَى، ثُمَّ النِّسَاءُ} أَيْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.
وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ فَالْخُنْثَى بِطَرِيقِ أَوْلَى، ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ فِي الْخَنَاثَى: جَوَازُ صَلَاتِهِمْ صَفًّا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قَالَا: فَإِنْ بَنَيْنَاهُ عَلَى أَنَّ وُقُوفَ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا يُبْطِلُ، وَلَا يَكُونُ فَذًّا كَمَا يَجِيءُ عَنْ الْقَاضِي فَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ. وَأَمَّا إذَا أَبْطَلْنَا صَلَاةَ مَنْ يَلِيهَا كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ جَعَلْنَاهُ مَعَهَا فَذًّا كَقَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ بَعُدَ الْقَوْلُ جِدًّا بِجَعْلِ الْخَنَاثَى صَفًّا، لِتَطَرُّقِ الْفَسَادِ إلَى بَعْضِهِمْ بِالْأَمْرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَاَلَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِهِ قَوْلُهُمْ: كَوْنُ الْفَسَادِ هُنَا أَنَّهَا تَقَعُ فِي حَقِّ مُكَلَّفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. كَالْمَنِيِّ وَالرِّيحِ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّا لَا نُوجِبُ غُسْلًا وَلَا وُضُوءًا، كَذَا هُنَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: فَسَادُ صَلَاتِهِمْ صَفًّا، لِشَكِّنَا فِي انْعِقَادِ صَلَاةِ كُلٍّ مِنْهُمْ مُنْفَرِدًا.
وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِنْ نَظَرْنَا إلَيْهِمْ مُجْتَمَعِينَ، فَقَدْ شَكَكْنَا فِي الِانْعِقَادِ فِي الْبَعْضِ فَيَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ، وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِعَادَةِ الْجَمِيعِ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ لِيَخْرُجُوا مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، كَقَوْلِهِ فِي الْجُمُعَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إذَا جُهِلَتْ السَّابِقَةُ. انْتَهَيَا. وَتَابَعَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْخَنَاثَى يَقِفُونَ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَعِنْدِي: أَنَّ صَلَاةَ الْخَنَاثَى جَمَاعَةً إنَّمَا تَصِحُّ إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ يَلِي الْمَرْأَةَ إذَا صَلَّتْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُبْطِلُهَا مِنْ أَصْحَابِنَا: فَلَا يَصِحُّ لِلْخَنَاثَى جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا إلَى جَنْبِ امْرَأَةٍ،
وَإِنْ لَمْ يَقِفُوا صَفًّا، بِاحْتِمَالِ الذُّكُورِيَّةِ فَيَكُونَ فَذًّا فَإِذَا حَكَمْنَا بِالصِّحَّةِ وَقَفُوا كَمَا قُلْنَا. انْتَهَى.
قَوْلُهُ {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي تَقْدِيمِهِمْ إلَى الْإِمَامِ إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ} ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الصَّبِيُّ عَلَى الْعَبْدِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إجْمَاعًا، وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ {وَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ} .
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أُولُو الْفَضْلِ وَالسِّنِّ، وَأَنْ يَلِيَ الْإِمَامَ أَكْمَلُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " يَلِي الْإِمَامَ الشُّيُوخُ، وَأَهْلُ الْقُرْآنِ، وَيُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ " لَكِنْ لَوْ سَبَقَ مَفْضُولٌ هَلْ يُؤَخَّرُ الْفَاضِلُ؟ جَزَمَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخَّرَ قَيْسَ بْنَ عُبَادَةَ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَوَقَفَ مَكَانَهُ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ هَلْ يُؤَخَّرُ الْمَفْضُولُ بِحُضُورِ الْفَاضِلِ، أَوْ لَا يُؤَخَّرُ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالْأَجْنَاسِ؛ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَنَائِزِ وَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ. انْتَهَى.
قُلْت: الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ: جَوَازَ تَأْخِيرِ الصَّبِيِّ عَنْ الصَّفِّ الْفَاضِلِ، وَإِذَا كَانَ فِي وَسَطِ الصَّفِّ، وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ فِعْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِقَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ. انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَيَأْتِي بَعْضُهُ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ أَحْرَارٌ وَعَبِيدٌ قُدِّمَ الْأَحْرَارُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ إذَا كَانَ دُونَهُ.
قَوْلُهُ {وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا كَافِرٌ أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ مُحْدِثٌ يَعْلَمُ حَدَثَهُ فَهُوَ فَذٌّ} . أَمَّا إذَا لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا كَافِرٌ: فَإِنَّهُ يَكُونُ فَذًّا، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ مَعَهُ مَجْنُونٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا امْرَأَةٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَكُونُ فَذًّا، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْمَعَالِي وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ لَا يَكُونُ فَذًّا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ وَقَفَتْ مَعَ رَجُلٍ. فَقَالَ جَمَاعَةٌ: فَذٌّ، وَعَنْهُ لَا.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حُكْمُ وُقُوفِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ: حُكْمُ وُقُوفِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ مَعَ رَجُلٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهَا وَلَا أَمَامَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَاخْتَارَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً:
تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا قَالَ فِي الْفُصُولِ: هُوَ الْأَشْبَهُ، وَأَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ أَيْضًا صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ أَيْضًا قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا وَمَنْ خَلْفَهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ أَيْضًا صَلَاةُ مَنْ أَمَامَهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي الْفُصُولِ، تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحُكْمُ فِي صَلَاتِهِمْ فَأَمَّا صَلَاتُهَا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: صَحِيحَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ ابْنُ الشَّرِيفِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: تَبْطُلُ، هَذَا الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ عِنْدِي، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا مُحْدِثٌ يَعْلَمُ حَدَثَهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَكُونُ فَذًّا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ مَعَهُ نَجِسٌ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَدَثَهُ، بَلْ جَهِلَهُ، وَجَهِلَ مُصَافَّتَهُ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَذًّا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: حُكْمُهُ حُكْمُ جَهْلِ الْمَأْمُومِ حَدَثَ الْإِمَامِ، عَلَى مَا سَبَقَ.
قَوْلُهُ {وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إلَّا فِي النَّافِلَةِ} يَعْنِي لَوْ وَقَفَ مَعَ رَجُلٍ خَلْفَ الْإِمَامِ كَانَ الرَّجُلُ فَذًّا، إلَّا فِي النَّافِلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَذًّا، وَتَصِحُّ مُصَافَّتُهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ مُصَافَّةِ الصَّبِيِّ حُكْمُ إمَامَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ
جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ مُصَافَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ إمَامَتُهُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَمَا، قَالَهُ أَصْوَبُ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: يَقِفُ الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ خَلْفَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَقِفَانِ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ مِنْ جَانِبَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إمَامَتُهُ دُونَ مُصَافَّتِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
قَوْلُهُ {وَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ فُرْجَةً} {وَقَفَ فِيهَا} يَعْنِي إذَا كَانَتْ مُقَابِلَتَهُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُقَابِلَةٍ لَهُ يَمْشِي إلَيْهَا عُرْضًا: كُرِهَ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ.
فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الصَّفُّ غَيْرَ مَرْصُوصٍ دَخَلَ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ كَانَتْ فُرْجَةٌ.
قَوْلُهُ {فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ} الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إذَا لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً وَكَانَ الصَّفُّ مَرْصُوصًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ، وَيَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ إذَا قَدَرَ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: بَلْ يُؤَخِّرُ وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إلَيْهِ، وَقِيلَ: يَقِفُ فَذًّا. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ قَوِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُصَافَّةِ: إنَّمَا هُوَ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ: فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ بِكَلَامٍ أَوْ نَحْنَحَةٍ أَوْ إشَارَةٍ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَيَتْبَعُهُ، وَيُكْرَهُ جَذْبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُكْرَهُ جَذْبُهُ فِي الْمَنْصُوصِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَنَصَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ هُنَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا جَذْبَ رَجُلٍ يَقُومُ مَعَهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ ابْنَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَالَ الْعِبَادَةِ. كَالْأَجْنَبِيِّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي جَوَازِ جَذْبِهِ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ، فَهَلْ يَخْرِقُ الصَّفَّ لِيُصَلِّيَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، أَوْ يُؤَخِّرُ وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ، أَوْ يَقِفُ فَذًّا؟ عَلَى أَوْجُهٍ اخْتَارَ شَيْخُنَا الثَّالِثَ. انْتَهَى. وَمُرَادُهُ بِشَيْخِنَا: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ حَضَرَ اثْنَانِ وَفِي الصَّفِّ فُرْجَةٌ، فَأَنَا أُفَضِّلُ وُقُوفَهُمَا جَمِيعًا، أَوْ يَسُدُّ أَحَدُهُمَا الْفُرْجَةَ، وَيَنْفَرِدُ الْآخَرُ رَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الِاصْطِفَافَ مَعَ بَقَاءِ الْفُرْجَةِ؛ لِأَنَّ سَدَّ الْفُرْجَةِ مُسْتَحَبٌّ، وَالِاصْطِفَافَ وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ {وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً فَذًّا} {لَمْ تَصِحَّ} هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ تَصِحُّ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي النَّفْلِ فَقَطْ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي، وَبَنَاهُ فِي الْفُصُولِ عَلَى مَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَكُونُ. وَأَنَّهُ يَصِحُّ صَلَاتُهُمْ تَلْفِيقًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: لِعُذْرٍ. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يَقِفُ فَذًّا مَعَ ضِيقِ الْمَوْضِعِ أَوْ ارْتِصَاصِ الصَّفِّ، وَكَرَاهَةِ أَهْلِهِ دُخُولَهُ. انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْفَذِّ لِعُذْرٍ. انْتَهَى.
وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ وَإِلَّا صَحَّتْ، وَقِيلَ: يَقِفُ فَذًّا فِي الْجِنَازَةِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا، قَالَ: فَإِنَّهُ أَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ صَفًّا ثَالِثًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: فَتَكُونُ مَسْأَلَةَ مُعَايَاةٍ، وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا صَلَّتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ خَلْفَ امْرَأَةٍ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا " يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْجِنَازَةِ " فَالْمُرَادُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ يُكْرَهُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً فَذًّا لَمْ تَصِحَّ " أَنَّهُ إذَا لَمْ تَفْرُغْ الرَّكْعَةُ، حَتَّى دَخَلَ مَعَهُ آخَرُ، أَوْ دَخَلَ هُوَ فِي الصَّفِّ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَذًّا، وَأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ فَذًّا اخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَذَكَرَهُ رِوَايَةً.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إذَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْفَرْضِ فَذًّا بَطَلَ اقْتِدَاؤُهُ، وَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَرْضًا، وَفِي بَقَائِهَا نَفْلًا وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَوْ الرَّكْعَةُ وَحْدَهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ اخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ الثَّانِيَةَ.
قَوْلُهُ {وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ} هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الْمَجْزُومُ بِهِ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: كَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ الرَّكْعَةُ. لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ.
وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ، وَإِلَّا صَحَّتْ، وَهُوَ
ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ: وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ إذَا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ دُونَ الصَّفِّ، طَمَعًا فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ جَازَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ {وَإِنْ رَفَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ صَحَّتْ} يَعْنِي إذَا رَكَعَ الْمَأْمُومُ فَذًّا، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ رَاكِعًا، وَالْإِمَامُ قَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يَسْجُدْ فَالصِّحَّةُ مُطْلَقًا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَوَاشِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ النَّهْيَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّتْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَنَصَرَهُ، وَحَمَلَ هُوَ وَالشَّارِحُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: صَرَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ، لِيُوَافِقَ الْمَنْصُوصَ، وَجُمْهُورَ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا اخْتَارَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: بَطَلَتْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ رَفَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ صَحَّتْ " أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ وَسَجَدَ إمَامُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّفِّ، أَوْ قَبْلَ وُقُوفِ آخَرَ مَعَهُ: أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الرَّكْعَةُ بِلَا نِزَاعٍ، وَهَلْ يَخْتَصُّ الْبُطْلَانُ بِهَا حَتَّى لَوْ دَخَلَ الصَّفَّ بَعْدَهَا، أَوْ انْضَافَ إلَيْهِ آخَرُ، وَيَصِحُّ مَا بَقِيَ، وَيَقْضِي تِلْكَ الرَّكْعَةَ، أَمْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ رَأْسًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ حَكَاهُمَا أَبُو حَفْصٍ وَاخْتَارَ هُوَ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ وَالْمُوجَزِ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْجُدْ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ تَصِحُّ وَلَوْ سَجَدَ.
قَوْلُهُ {وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ} {لَمْ تَصِحَّ} ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّيْخَيْنِ، وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ فِعْلِهِ لِعُذْرٍ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَتَصِحُّ إنْ زَالَتْ فُذُوذِيَّتُهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَ فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا كَانَ لِغَرَضٍ فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ وَجْهَيْنِ. لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ.
فَائِدَةٌ: مِثَالُ فِعْلِ ذَلِكَ لِغَيْرِ غَرَضٍ: أَنْ لَا يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ زُحِمَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ، فَأُخْرِجَ مِنْ الصَّفِّ وَبَقِيَ فَذًّا فَإِنَّهُ يَنْوِي مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ لِعُذْرٍ، وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً؛ لِإِدْرَاكِهِ مَعَهُ رَكْعَةً. كَالْمَسْبُوقِ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى مُتَابَعَةِ إمَامِهِ، وَتَابَعَهُ فَذًّا صَحَّتْ مَعَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا ظُهْرًا قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: بَلْ يُكْمِلُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ جُمُعَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا مَعَهُ.
قَوْلُهُ {وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ بِهِ، إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ} عُمُومُهُ يَشْمَلُ إذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَا خَارِجَيْنِ عَنْهُ، أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ خَارِجًا عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ. فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ الْآمِدِيُّ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا قَالَ فِي النُّكَتِ وَغَيْرِهِ: وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُ، أَوْ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ فَاشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ هُنَا اتِّصَالَ الصُّفُوفِ مَعَ رُؤْيَةِ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ إذَا كَانَ يَرَى الْإِمَامَ، أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ فِي بَعْضِهَا، وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ، وَلَوْ جَاوَزَ ثَلَاثَمِائَةٍ ذِرَاعٍ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُرْجَعُ فِي اتِّصَالِ الصُّفُوفِ إلَى الْعُرْفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ حَيْثُ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: اتِّصَالُ الصُّفُوفِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، وَقِيلَ: مَتَى كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مَا يَقُومُ فِيهِ صَفٌّ آخَرُ فَلَا اتِّصَالَ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لِلْحَاجَةِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، حَيْثُ اُعْتُبِرَ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ.
وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي اتِّصَالَ الصُّفُوفِ بِبُعْدٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، وَفَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِبُعْدٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ، بِحَيْثُ يَمْنَعُ إمْكَانَ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ فَرَجَعَ إلَى الْعُرْفِ قَالَ فِي النُّكَتِ عَنْ تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ تَفْسِيرُ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ غَرِيبٌ، وَإِمْكَانُ الِاقْتِدَاءِ لَا خِلَافَ فِيهِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَمْنَعُ شُبَّاكٌ وَنَحْوُهُ، وَحُكِيَ رِوَايَةً فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الِاتِّصَالُ حِسًّا مَعَ اخْتِلَافِ الْبُنْيَانِ، كَمَا إذَا وَقَفَ فِي بَيْتٍ آخَرَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الصَّفِّ بِتَوَاصُلِ الْمَنَاكِبِ، أَوْ وَقَفَ عَلَى عُلُوٍّ عَنْ يَمِينِهِ وَالْإِمَامُ فِي سُفْلٍ. فَالِاتِّصَالُ بِمُوَازَاةِ رَأْسِ أَحَدِهِمَا رُكْبَةَ الْآخَرِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا فِيمَا إذَا تَوَاصَلَتْ الصُّفُوفُ لِلْحَاجَةِ كَالْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا أَمَّا لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِأَنْ وَقَفَ قَوْمٌ فِي طَرِيقٍ وَرَاءَ الْمَسْجِدِ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ مَا يُمْكِنُهُمْ فِيهِ الِاقْتِدَاءُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ. انْتَهَى.
الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ نَهْرٌ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَعَ الْقُرْبِ الصَّحِيحِ، وَكَانَ النَّهْرُ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، أَوْ طَرِيقٌ، وَلَمْ تَتَّصِلْ فِيهِ الصُّفُوفُ، إنْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: اخْتَارَ الْأَصْحَابُ عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَكَذَا قَالَ فِي النُّكَتِ وَالْحَوَاشِي وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ.
اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنَّهُ تُرِكَ لِلْآثَارِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ مَعَ الضَّرُورَةِ اخْتَارَهَا أَبُو حَفْصٍ، وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي النَّفْلِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: إذَا كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَإِمَامُهُ فِي أُخْرَى مَقْرُونَةٍ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ طَرِيقٌ، وَلَيْسَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً، قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ لَمْ تَصِحَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الطَّيِّبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَخَرَّجَ الصِّحَّةَ مِنْ الطَّرِيقِ، وَأَلْحَقَ الْآمِدِيُّ النَّارَ وَالْبِئْرَ بِالنَّهْرِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي الشَّوْكِ وَالنَّارِ، وَأَلْحَقَ فِي الْمُبْهِجِ النَّارَ وَالسَّبُعَ بِالنَّهْرِ قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةَ جُمُعَةٍ، أَوْ عِيدٍ، أَوْ جِنَازَةٍ: لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِيهَا، وَتَقَدَّمَ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ جَوَازَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ.
قَوْلُهُ {وَإِنْ لَمْ يَرَ مَنْ وَرَاءَهُ} {لَمْ تَصِحَّ} شَمَلَ مَا إذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَا خَارِجَيْنِ عَنْهُ، أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ خَارِجًا عَنْهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَرَ مَنْ وَرَاءَهُ وَيَسْمَعُ التَّكْبِيرَ: فَعُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا يَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. (*) قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ تَصِحُّ إذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصَّحِيحُ الصِّحَّةُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ.
وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ الْمِنْبَرُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ لِلْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: هَذَا قَالَهُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُشَاهَدَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْجُمُعَةَ وَنَحْوَهَا.
فَقَالَ: يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ، نَظَرًا لِلْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَ بِذَلِكَ الْبِنَاءَ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي النُّكَتِ وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَانِعُ لِمَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ صَحَّ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ.
قُلْت: قَطَعَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْإِمَامِ وَمَنْ خَلْفَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ، وَفَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ بِالْمِنْبَرِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرَهُ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ التَّكْبِيرَ: فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى سَمَاعِ التَّكْبِيرِ؛ لِعَدَمِ الْمُوَافِقِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَا خَارِجَيْنِ عَنْ الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَ الْمَأْمُومِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَرَهُ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ، وَلَكِنْ سَمِعَ التَّكْبِيرَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا يَصِحُّ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَعَنْهُ يَصِحُّ قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَبْوَابُ الْمَسْجِدِ مُغْلَقَةٌ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.
قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا لِلضَّرُورَةِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي النَّفْلِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي الْجُمُعَةِ خَاصَّةً، وَعَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْحَائِلُ حَائِطَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَمْنَعْ، وَإِلَّا مَنَعَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يَرَاهُ مَنْ وَرَاءَهُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ مَنَعَ الْحَائِلُ الِاسْتِطْرَاقَ، دُونَ الرُّؤْيَةِ، كَالشُّبَّاكِ: لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَكَى فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً بِتَأْثِيرِهِ، وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَجْهًا،
الثَّانِيَةُ: تَكْفِي الرُّؤْيَةُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.
قَوْلُهُ {وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ أَعْلَى مِنْ الْمَأْمُومِينَ} يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيمَ وَإِلَّا كُرِهَ اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ قَوْلُهُ {فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ كَثِيرًا، فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟} {عَلَى وَجْهَيْنِ} وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَمْ تَبْطُلْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ النَّاظِمِ: وَهُوَ بَعِيدٌ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا بَأْسَ بِالْعُلُوِّ الْيَسِيرِ، كَدَرَجَةِ الْمِنْبَرِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: الْكَرَاهَةَ.
الثَّانِيَةُ: مِقْدَارُ الْكَثِيرِ ذِرَاعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ: أَنَّ الْيَسِيرَ كَدَرَجَةِ الْمِنْبَرِ وَنَحْوِهَا. كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: مِقْدَارُهُ قَدْرُ قَامَةِ الْمَأْمُومِ، وَقِيلَ: مَا زَادَ عَلَى عُلُوِّ دَرَجَةٍ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْمُصَنِّف وَالْمَجْدِ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ سَاوَى الْإِمَامُ بَعْضَ الْمَأْمُومِينَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ
مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ النَّازِلِينَ عَنْهُمْ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلِلْمُصَنِّفِ احْتِمَالٌ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ.
الرَّابِعَةُ: لَا بَأْسَ بِعُلُوِّ الْمَأْمُومِينَ عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، كَسَطْحِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، وَعَنْهُ اخْتِصَاصُ الْجَوَازِ بِالضَّرُورَةِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ مَعَ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
قَوْلُهُ {وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي طَاقِ الْقِبْلَةِ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ كَسُجُودِهِ فِيهِ، وَعَنْهُ تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْكَرَاهَةِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ لَمْ يُكْرَهْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا كَانَ الْمِحْرَابُ يَمْنَعُ مُشَاهَدَةَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ كَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ الْوُقُوفُ فِيهِ.، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُبَاحُ اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْبَنَّا، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي مَوْضِعٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى.
الثَّانِيَةُ: يَقِفُ الْإِمَامُ عَنْ يَمِينِ الْمِحْرَابِ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ.
قَوْلُهُ {وَأَنْ يَتَطَوَّعَ فِي مَوْضِعِ الْمَكْتُوبَةِ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ} يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَرْكُهُ أَوْلَى. كَالْمَأْمُومِ.
قَوْلُهُ {وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومَيْنِ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي إذَا قَطَعَتْ صُفُوفَهُمْ} وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ لَهُمْ ذَلِكَ كَالْإِمَامِ. وَكَالْمِنْبَرِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ لَمْ يُكْرَهْ الْوُقُوفُ بَيْنَهُمَا.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " إذَا قَطَعَتْ صُفُوفَهُمْ " أَطْلَقَ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: شَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنْ يَكُونَ عُرْضُ السَّارِيَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقْطَعُ الصَّفَّ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي أَيْضًا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ الْعُرْفُ، وَمَثَّلَ نَظَائِرَهُ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ {وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ إطَالَةُ الْقُعُودِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ} أَنَّ الْقُعُودَ الْيَسِيرَ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ.
قَوْلُهُ {وَإِذَا صَلَّتْ امْرَأَةٌ بِنِسَاءٍ قَامَتْ وَسَطَهُنَّ} هَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ لَكِنْ لَوْ صَلَّتْ أَمَامَهُنَّ وَهُنَّ خَلْفَهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ كَوْنُهَا وَسَطًا فَإِنْ خَالَفَتْ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَتَقَدَّمَ مُوجَبُهُ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةٌ ".
فَائِدَةٌ: لَوْ أَمَّتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةً، أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَلْفَهَا مُنْفَرِدَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي الصِّحَّةَ.
قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.
قَوْلُهُ {وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمَرِيضُ} بِلَا نِزَاعٍ، وَيُعْذَرُ أَيْضًا فِي تَرْكِهِمَا لِخَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِإِتْيَانِهَا رَاكِبًا، أَوْ مَحْمُولًا، أَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِهِ، أَوْ بِأَنْ يَقُودَ أَعْمَى: لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُهُ كَالْجَمَاعَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي الْجُمُعَةِ: يَكْتَرِي وَيَرْكَبُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ضَعْفٍ عَقِبَ الْمَرَضِ فَأَمَّا مَعَ الْمَرَضِ: فَلَا يَلْزَمُهُ، لِبَقَاءِ الْعُذْرِ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ فَيَعْجِزُ عَنْ الْجَمَاعَةِ يَوْمَيْنِ مِنْ التَّعَبِ قَالَ: لَا أَدْرِي. الثَّانِيَةُ: تَجِبُ الْجَمَاعَةُ عَلَى مَنْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ، مَعَ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.
قَوْلُهُ {أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ} . بِلَا نِزَاعٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ: يَأْكُلُ مَا يُسْكِنُ نَفْسَهُ فَقَطْ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْجُمُعَةِ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَيَأْكُلُ، تَبِعَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجَمَاعَةِ لَا الْجُمُعَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: بِقَدْرِ مَا يُسْكِنُ نَفْسَهُ وَيَسُدُّ رَمَقَهُ كَأَكْلِ خَائِفٍ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ. قُلْت: هَذَا إذَا رَجَى إدْرَاكَهَا. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْأَصْحَابِ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَإِلَّا فَمَا كَانَ فِي الْخِلَافِ فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ بَدَأَ بِالطَّعَامِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، ابْتَدَرَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ {وَالْخَائِفُ مِنْ ضَيَاعِ مَالِهِ} كَشُرُودِ دَابَّتِهِ، وَإِبَاقِ عَبْدِهِ، وَنَحْوِهِ، أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سُلْطَانٍ، أَوْ نَحْوِهِ قَوْلُهُ {أَوْ فَوَاتِهِ} كَالضَّائِعِ، فَدُلَّ عَلَيْهِ فِي مَكَان، أَوْ قَدِمَ بِهِ مِنْ سَفَرٍ لَكِنْ قَالَ الْمَجْدُ: الْأَفْضَلُ تَرْكُ مَا يَرْجُو وُجُودَهُ، وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ.
قَوْلُهُ {أَوْ ضَرَرٍ فِيهِ} كَاحْتِرَاقِ خُبْزِهِ أَوْ طَبِيخِهِ، أَوْ أَطْلَقَ الْمَاءَ عَلَى زَرْعِهِ وَيَخَافُ إنْ تَرَكَهُ فَسَدَ، وَنَحْوُهُ قَالَ الْمَجْدُ: وَالْأَفْضَلُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ سَبَبَ ضَرَرِ الْمَالِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ إذَا تَعَمَّدَ السَّبَبَ قَالَ: كَسَائِرِ الْحِيَلِ لِإِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا أَطْلَقَ، وَاسْتَدَلَّ، وَعَنْهُ إنْ خَافَ ظُلْمًا فِي مَالِهِ فَلْيَجْعَلْهُ وِقَايَةً لِدِينِهِ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ.
فَائِدَةٌ: وَمِمَّا يُعْذَرُ بِهِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ: خَوْفُ الضَّرَرِ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا، أَوْ مَالٍ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِفْظِهِ، وَكَنِطَارَةِ بُسْتَانٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ تَطْوِيلِ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ {أَوْ مَوْتِ قَرِيبِهِ} . بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يَسُدُّ مَسَدَّهُ فِي أُمُورِهِ.
فَائِدَةٌ: وَيُعْذَرُ أَيْضًا فِي تَرْكِهَا لِتَمْرِيضِ قَرِيبِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيهِ: وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ، إلَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ، وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ حُضُورِهِ وَمِثْلُهُ مَوْتُ رَقِيقِهِ أَوْ تَمْرِيضُهُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {أَوْ مِنْ فَوَاتِ رُفْقَتِهِ} هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ إنْشَاءً وَاسْتِدَامَةً، مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ.
قَوْلُهُ {أَوْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ} هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَدَّ فِي الْكَافِي الْأَعْذَارَ ثَمَانِيَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا " غَلَبَةَ النُّعَاسِ ".
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي غَلَبَةِ النُّعَاسِ: أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، وَكَذَا مَعَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: ذَلِكَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ عُذْرٌ فِيهِمَا، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَطَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ: أَنَّهُ يُعْذَرُ فِيهِمَا بِخَوْفِهِ بُطْلَانَ وُضُوئِهِ بِانْتِظَارِهِمَا.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا: الصَّبْرُ وَالتَّجَلُّدُ عَلَى دَفْعِ النُّعَاسِ وَيُصَلِّي مَعَهُمْ أَفْضَلُ.
قَوْلُهُ {وَالْأَذَى بِالْمَطَرِ وَالْوَحْلِ} ، وَكَذَا الثَّلْجُ، وَالْجَلِيدُ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي السَّفَرِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ {وَالرِّيحُ الشَّدِيدَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْبَارِدَةِ} اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ فِي الرِّيحِ: أَنْ تَكُونَ شَدِيدَةً بَارِدَةً، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: يَكْفِي كَوْنُهَا بَارِدَةً فَقَطْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَاشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: أَنْ تَكُونَ اللَّيْلَةُ مُظْلِمَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُ الْأَصْحَابِ " مُظْلِمَةً " إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ أَعْذَارٌ صَحِيحَةٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا، خَلَا الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْبَارِدَةِ، وَعَنْهُ فِي السَّفَرِ لَا فِي الْحَضَرِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُعْذَرُ فِي الْجُمُعَةِ بِمَطَرٍ وَخَوْفٍ وَبَرْدٍ وَفِتْنَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَنْ قَدَرَ أَنْ يَذْهَبَ فِي الْمَطَرِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، ثُمَّ قَالَ: لَوْ قُلْنَا يَسْعَى مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ، لَأَذْهَبَتْ الْخُشُوعَ، وَجَلَبَتْ السَّهْوَ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَذْهَبَ الْخُشُوعَ كَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ عُذْرٌ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ أَصْحَابُنَا كَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَلَا.
الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ: تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ بِأَيْسَرِ عُذْرٍ، كَمَنْ لَهُ عَرُوسٌ تُجَلَّى عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي آخِرِ الْجُمُعَةِ: كَذَا قَالَ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الزَّلْزَلَةُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ خَوْفٍ.
الرَّابِعَةُ: مِنْ الْأَعْذَارِ: مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِ قَوَدٌ إنْ رَجَا الْعَفْوَ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِعُذْرٍ، إذَا رَجَاهُ عَلَى مَالٍ فَقَطْ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ، وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ حَدُّ اللَّهِ، أَوْ حَدُّ قَذْفٍ: فَلَا يُعْذَرُ بِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي
الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ: أَنَّهُ عُذْرٌ إنْ رَجَا الْعَفْوَ.
الْخَامِسَةُ: ذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ فِعْلَ جَمِيعِ الرُّخَصِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا، غَيْرَ الْجَمْعِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَجْدَ وَغَيْرَهُ قَالَ: التَّجَلُّدُ عَلَى دَفْعِ النُّعَاسِ وَيُصَلِّي مَعَهُمْ أَفْضَلُ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ مَا يَرْجُوهُ، لَا مَا يَخَافُ تَلَفَهُ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي الْمَعَالِي قَرِيبًا، وَنَقْلُ أَبِي طَالِبٍ، السَّادِسَةُ: لَا يُعْذَرُ بِمُنْكَرٍ فِي طَرِيقِهِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لِنَفْسِهِ لَا قَضَاءَ حَقٍّ لِغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ لِأَجْلِ مَا يَتْبَعُهَا مِنْ نَوْحٍ وَتَعْدَادٍ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَا هُنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ السَّابِعَةُ: لَا يُعْذَرُ أَيْضًا بِجَهْلِ الطَّرِيقِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَهْدِيهِ.
الثَّامِنَةُ: لَا يُعْذَرُ أَيْضًا بِالْعَمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ، وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: الْإِسْقَاطُ بِهِ هُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: الْمَرَضُ وَالْعَمَى مَعَ عَدَمِ الْقَائِدِ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي حَقِّ الْمُجَاوِرِ فِي الْجَامِعِ، وَلِلْمُجَاوِرِ لِلْجَامِعِ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ، وَتَقَدَّمَ هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا تَبَرَّعَ لَهُ مَنْ يَقُودُهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَغَيْرِهِ: وَيَلْزَمُهُ إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِدِ، كَمَدِّ الْحَبْلِ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ.
التَّاسِعَةُ: يُكْرَهُ حُضُورُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ فُجْلًا أَوْ نَحْوَهُ، حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ خَلَى الْمَسْجِدُ مِنْ آدَمِيٍّ لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ قَالَ: وَالْمُرَادُ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِمَسْجِدٍ، وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ قَوْلِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُصُولِ وَتُكْرَهُ صَلَاةُ مَنْ أَكَلَ ذَا رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ مَعَ بَقَائِهَا، أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي الْأَطْعِمَةِ: يُكْرَهُ أَكْلُ كُلِّ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ، لِأَجْلِ رَائِحَتِهِ