المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب صلاة الجمعة] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٢

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب صلاة الجمعة]

[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

ِ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: سُمِّيَتْ " جُمُعَةً " لِجَمْعِهَا الْخَلْقَ الْكَثِيرَ. قَدَّمَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنَّمَا سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِجَمْعِهَا الْجَمَاعَاتِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: لِجَمْعِ طِينِ آدَمَ فِيهَا. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقِيلَ: لِأَنَّ آدَمَ جُمِعَ فِيهَا خَلْقُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاشْتِقَاقُهَا قِيلَ: مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ، قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ. وَقِيلَ: بَلْ لِاجْتِمَاعِ الْخَلِيفَةِ فِيهِ وَكَمَالِهَا، وَيُرْوَى عَنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ فِيهِ مَعَ حَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ. الثَّانِيَةُ: الْجُمُعَةُ أَفْضَلُ مِنْ الظُّهْرِ بِلَا نِزَاعٍ. وَهِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلِجَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ لَا أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَبُو يُعْلَى الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ: فَلَا يُجْمَعُ فِي مَحَلٍّ يُبِيحُ الْجَمْعَ، وَلَيْسَ لِمَنْ قَلَّدَهَا أَنْ يَؤُمَّ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَعَنْهُ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْوَاضِحِ وَغَيْرِهِمَا: الْجُمُعَةُ هِيَ الْأَصْلُ، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ. زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: رُخْصَةً فِي حَقِّ مَنْ فَاتَتْهُ. وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ وَجْهَيْنِ. هَلْ هِيَ فَرْضُ الْوَقْتِ، أَوْ الظُّهْرُ فَرْضُ الْوَقْتِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ بِلَا شَرْطٍ؟ وَلِهَذَا يَقْضِي مَنْ فَاتَتْهُ ظُهْرًا. وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ عِنْدَ أَحْمَدَ، لِأَنَّهَا الْمُخَاطَبُ بِهَا، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ. وَذُكِرَ كَلَامُ أَبِي إِسْحَاقَ: وَيَبْدَأُ بِالْجُمُعَةِ خَوْفَ فَوْتِهَا، وَيَتْرُكُ فَجْرًا فَائِتَةً. نَصَّ عَلَيْهِ،

ص: 364

وَقَالَ فِي الْقَصْرِ: قَدْ قِيلَ: إنَّ الْجُمُعَةَ تُقْضَى ظُهْرًا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: أَنَّهَا قَبْلَ فَوَاتِهَا لَا يَجُوزُ الظُّهْرُ. وَإِذَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْ الظُّهْرُ. قَالَ: فَدَلَّ أَنَّهَا قَضَاءٌ لِلْجُمُعَةِ

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) . أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ. فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ، بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ. لَكِنْ إنَّ لَزِمَتْهُ الْمَكْتُوبَةُ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبَةُ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ: هُوَ كَالْإِجْمَاعِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (مُسْتَوْطِنٍ بِبِنَاءٍ) أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُسْتَوْطِنٍ، وَلَا عَلَى مُسْتَوْطِنٍ بِغَيْرِ بِنَاءٍ، كَبُيُوتِ الشَّعْرِ، وَالْحَرَاكِي، وَالْخِيَامِ وَنَحْوِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَ الْأَزَجِيُّ صِحَّتَهَا وَوُجُوبَهَا عَلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ بِعَمُودٍ أَوْ خِيَامٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاشْتَرَطَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كَلَامِهِ: أَنْ يَكُونُوا يَزْرَعُونَ كَمَا يَزْرَعُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَرِيحًا.

قَوْلُهُ (لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَعَنْهُ الْمُعْتَبَرُ إمْكَانُ سَمَاعِ النِّدَاءِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ،

ص: 365

وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَزَادَ فَقَالَ: الْمُعْتَبَرُ إمْكَانُ سَمَاعِ النِّدَاءِ غَالِبًا. انْتَهَى. وَعَنْهُ بَلَى الْمُعْتَبَرُ سَمَاعُ النِّدَاءِ لِإِمْكَانِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا كَانَ مُسْتَوْطِنًا يَسْمَعُ النِّدَاءَ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ مَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ " فَرْسَخٌ " وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ إنْ فَعَلُوهَا، ثُمَّ رَجَعُوا لِبُيُوتِهِمْ لَزِمَتْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالرَّابِعَةَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَطْلَقَ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ ذِكْرَ الْفَرْسَخِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَرْسَخٌ تَقْرِيبًا. وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِي: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُعْتَبَرُ إمْكَانُ السَّمَاعِ فَيُحَدُّ بِفَرْسَخٍ، وَعَنْهُ بِحَقِيقَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَعَنْهُ تَحْدِيدُهُ بِالْفَرْسَخِ فَمَا دُونَ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى ذَلِكَ رِوَايَةً ثَانِيَةً. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ، الصَّوْتُ قَدْ يُسْمَعُ عَنْ فَرْسَخٍ.

فَائِدَةٌ: فَعَلَى رِوَايَةِ " أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إمْكَانُ سَمَاعِ النِّدَاءِ " فَمَحَلُّهُ: إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا، وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةً، وَالرِّيَاحُ سَاكِنَةً، وَالْمَوَانِعُ مُنْتَفِيَةً.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ " إذَا حَدَّدْنَا بِالْفَرْسَخِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ إمْكَانِ السَّمَاعِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي.

ص: 366

وَعَنْهُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَطْرَافِ الْبَلَدِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. وَيَكُونُ إذَا قُلْنَا " مِنْ مَكَانِ الْجُمُعَةِ " مِنْ الْمَنَارَةِ وَنَحْوِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْمُعْتَبَرُ مِنْ أَيِّهِمَا وُجِدَ: مِنْ مَكَانِ الْجُمُعَةِ، أَوْ مِنْ أَطْرَافِ الْبَلَدِ. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّقْدِيرِ بِالْفَرْسَخِ، أَوْ إمْكَانِ سَمَاعِ النِّدَاءِ، أَوْ سَمَاعِهِ، أَوْ ذَهَابِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ فِي يَوْمِهِمْ: إنَّمَا هُوَ فِي الْمُقِيمِ بِقَرْيَةٍ لَا يَبْلُغُ عَدَدُهُمْ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْجُمُعَةِ، أَوْ فِيمَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي الْخِيَامِ وَنَحْوِهَا، أَوْ فِيمَنْ كَانَ مُسَافِرًا دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ. فَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَؤُلَاءِ وَشَبَهِهِمْ. أَمَّا مَنْ هُوَ فِي الْبَلَدِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعُ الْجُمُعَةِ فَرَاسِخُ، سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بُنْيَانُهُ مُتَّصِلًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، إذَا شَمِلَهُ اسْمٌ وَاحِدٌ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا: تَلْزَمُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَسَعَى إلَيْهَا، أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ [فِيهَا] لِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ، أَوْ شُغْلٍ غَيْرِهِ، غَيْرُ مُسْتَوْطِنٍ، أَوْ كَانَ مُسَافِرًا سَفَرًا لَا قَصْرَ مَعَهُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ بِغَيْرِهِمْ لَا بِأَنْفُسِهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَعْضِهَا مِنْ الْخِلَافِ. وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ، لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ أَصْلًا. وَفِي صِحَّةِ إمَامَتِهِمْ وَجْهَانِ، وَوَجْهُهُمَا كَوْنُهَا وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ، وَكَوْنُهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَوَاشِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، فِي الْمُقِيمِ غَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَبِي بَكْرٍ. لِأَنَّهُمَا عَلَّلَا مَنْعَ إمَامَةِ الْمُسَافِرِ فِيهَا بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.

ص: 367

الثَّانِيَةُ: لَوْ سَمِعَ النِّدَاءَ أَهْلُ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ مِنْ فَوْقِ فَرْسَخٍ، لِعُلُوِّ مَكَانِهَا، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ دُونِهِ لِجَبَلٍ حَائِلٍ أَوْ انْخِفَاضِهَا. فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْوُجُوبَ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ عَدَمَ الْوُجُوبِ. فَإِنْ قُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِهِ فِي الْمُنْخَفِضَةِ، أَوْ مَنْ كَانَ بَيْنَهُمْ حَائِلٌ: لَزِمَهُمْ قَصْدُ الْجُمُعَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِالسَّمَاعِ فِيهَا. فَقَالَ الْقَاضِي: تُجْعَلُ كَأَنَّهَا عَلَى مُسْتَوًى مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا مَانِعَ. فَإِنْ أَمْكَنَ سَمَاعُ النِّدَاءِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِحَالٍ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ وُجِدَ قَرْيَتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ لَيْسَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ: لَمْ يُتَمِّمْ الْعَدَدَ مِنْهُمَا، لِعَدَمِ اسْتِيطَانِ الْمُتَمِّمِ. وَلَا يَجُوزُ تَجْمِيعُ أَهْلِ بَلَدٍ كَامِلٍ فِي نَاقِصٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: الْجَوَازَ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَمُصَلَّى الْعِيدِ، لِعَدَمِ خُرُوجِهِمْ عَنْ حُكْمِ بَعْضِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، تَبَعًا لِلْمَجْدِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ وُجِدَ الْعَدَدُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَلْدَتَيْنِ. فَالْأَوْلَى تَجْمِيعُ كُلِّ قَوْمٍ فِي بَلَدِهِمْ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ الْقَوْمَ قَصْدُ مِصْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا فَرْسَخٌ فَأَقَلَّ. وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ. وَحُكِيَ رِوَايَةً.

قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ) . يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ: الْمُسَافِرُ السَّفَرَ الطَّوِيلَ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. يُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَهُ تَبَعًا لِلْمُقِيمِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ:

ص: 368

وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا وَحُكِيَ رِوَايَةً: تَلْزَمُهُ بِحُضُورِهَا فِي وَقْتِهَا، مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالِانْتِظَارِ، وَتَنْعَقِدُ بِهِ وَيَؤُمُّ فِيهَا. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَات أَيْضًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَقَامَ مُدَّةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ، وَلَمْ يَنْوِ اسْتِيطَانًا. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُ بِغَيْرِهِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: إنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّر، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي مَوْضُوعٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا تَلْزَمُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرٌ مَا فِي الْكَافِي. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ: مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. فَيَشْمَلُ الْمُسَافِرَ سَفَرًا قَصِيرًا فَوْقَ فَرْسَخٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا تَلْزَمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ بِغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَلَا عَبْدٍ) . يَعْنِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ وَأَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ فَعَلَيْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ سَيِّدَهُ. وَيَحْرُمُ عَلَى سَيِّدِهِ مَنْعُهُ. فَلَوْ مَنَعَهُ خَالَفَهُ وَذَهَبَ إلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَحَكَى الشَّيْخُ رِوَايَةَ الْوُجُوبِ. وَقَالَ: لَا يَذْهَبُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، قَالَهُ نَاظِمُهَا، وَعَنْهُ يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا.

ص: 369

فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ: كَالْقِنِّ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ: فَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا تَجِبُ عَلَى عَبْدٍ " وُجُوبُهَا عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبْدٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فِي أَوَّلِ الْبَابِ " حُرًّا " أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُرٍّ. وَفِيهِ خِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ. وَكَانَتْ الْجُمُعَةُ فِي نَوْبَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: بِوُجُوبِهَا عَلَى الْقِنِّ: فَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِطَرِيقِ أَوْلَى.

قَوْلُهُ (وَلَا امْرَأَةٍ) . يَعْنِي لَا تَجِبُ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَحَكَى الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: رِوَايَةً بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ. قُلْت: وَهَذِهِ مِنْ أَبْعَدِ مَا يَكُونُ، وَمَا أَظُنُّهَا إلَّا غَلَطًا. وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَلَعَلَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ. ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَاهُ إجْمَاعًا [وَوَجَدْت ابْنَ رَجَبٍ، فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ غَلَّطَ مَنْ قَالَهُ] وَلَعَلَّهُ أَرَادَ: إذَا حَضَرَتْهَا. وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ أَجْزَأَتْهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ. وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ. أَمَّا الْمَرْأَةُ: فَلَا نِزَاعَ فِيهَا. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمُسَافِرِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا قُلْنَا. لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَتَقَدَّمَ إذَا قُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ " وَمُمَيِّزٌ كَعَبْدٍ " وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ انْعَقَدَتْ بِهِ وَأَمَّ فِيهَا. وَإِلَّا فَلَا. هَذَا الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَنْعَقِدُ بِالصَّبِيِّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

ص: 370

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: كُلُّ مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ فَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنْ كَانَ الْمَرِيضُ يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ بِذَهَابِهِ إلَى الْجُمُعَةِ: أَنَّ تَرْكَهَا أَوْلَى: لَكَانَ أَوْلَى.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ لِعُذْرٍ إذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ) . قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: نَحْوُ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ، وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ. وَهُوَ ذَلِكَ. فَلَوْ حَضَرَهَا إلَى آخِرِهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا، أَوْ انْصَرَفَ لِشُغْلٍ غَيْرِ دَفْعِ ضَرَرِهِ: كَانَ عَاصِيًا. أَمَّا لَوْ اتَّصَلَ ضَرَرُهُ بَعْدَ حُضُورِهِ، فَأَرَادَ الِانْصِرَافَ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ: جَازَ عِنْدَنَا، لِوُجُودِ الْمُسْقِطِ كَالْمُسَافِرِ سَوَاءٌ. لَكِنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ هُنَا عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَمَنْ دَامَ ضَرَرُهُ بِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ عَلَى مَا حَكَاهُ الْأَصْحَابُ. فَيَكُونُ مُرَادُهُ التَّخْصِيصَ. وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى جَمَعُوا. فَإِنَّهُ يُوجَدُ الْمُسْقِطُ فِي حَقِّهِمْ. وَهُوَ اشْتِغَالُهُمْ بِدَفْعِ ضَرَرِهِمْ. فَبَقِيَ الْوُجُوبُ بِحَالَةٍ فَيَخْرُجُ الْمُسَافِرُ. فَإِنَّ سَفَرَهُ هُوَ الْمُسْقِطُ، وَهُوَ بَاقٍ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوجِبَ: هُوَ حُضُورُهُمْ وَتَجْمِيعُهُمْ، فَيَكُونُ عِلَّةَ نَفْسِهِ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ: مُرَادُهُ الْخَاصُّ، إنْ أَرَادَ بِالْحُضُورِ حُضُورَ مَكَانِهَا وَإِنْ أَرَادَ فِعْلَهَا: فَخِلَافُ الظَّاهِرِ. انْتَهَى.

ص: 371

قَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا لَزِمَهُ السَّعْيُ إلَيْهَا. وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهَا انْتَظَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ صَلَّى وَفَرَغَ، ثُمَّ يُصَلِّي. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ: احْتِمَالُ أَنَّهُ مَتَى ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ، فَلَهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَسَبَقَ وَجْهٌ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الظُّهْرُ. فَعَلَيْهِ تَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: إنَّ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ تَأْخِيرًا مُنْكَرًا، فَلِلْغَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا، وَتُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. لِخَبَرِ تَأْخِيرِ الْأُمَرَاءِ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا. وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَيَّدَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِالتَّأْخِيرِ، إلَى أَنْ يَخْرُجَ أَوَّلَ الْوَقْتِ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ أَهْلُ بَلَدٍ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ. فَلَا تَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ: أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَأَفَادَنَا أَنَّهُمْ لَوْ صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ: أَنَّ صَلَاتَهُمْ صَحِيحَةٌ. وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ زَالَ عُذْرُهُمْ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَفِي الْإِمَامَةِ فِي الشَّافِي. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَرِيضِ.

ص: 372

وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إنْ زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا صَحَّتْ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ بِحُضُورِهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ. انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ تَعْلِيقِهِ: نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ فَصَلَّاهَا كَانَتْ نَفْلًا فِي حَقِّهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: فَرْضًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: فَتَكُونُ الظُّهْرُ إذَنْ نَفْلًا. وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا تَصِحُّ فِي الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ كَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ فِيمَنْ دَامَ عُذْرُهُ كَامْرَأَةٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ لَهُ التَّقْدِيمُ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: لَا يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا: صَلَاةُ الظُّهْرِ فِي جَمَاعَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ، أَوْ لِمَعْذُورٍ، الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي الْمِصْرِ. وَفِي مَكَانِهَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَلَمْ يَكْرَهْهُ أَحْمَدُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ: وَمَا كَانَ يَكْرَهُ إظْهَارَهَا. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: لَا يُصَلِّي فَوْقَ ثَلَاثَةٍ جَمَاعَةً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَكَرِهَ قَوْمٌ التَّجْمِيعَ لِلظُّهْرِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعُذْرِ، لِئَلَّا يُضَاهِيَ بِهَا جُمُعَةً أُخْرَى، احْتِرَامًا لِلْجُمُعَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي يَوْمِهَا كَامْرَأَةٍ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ) مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ. فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمْ جَازَ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُعْذَرُ فِيهِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.

ص: 373

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لَمْ يَجُزْ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ، حَتَّى يُصَلِّيَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، بِنَاءً عَلَى اسْتِقْرَارِهَا بِأَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلِهَذَا خَرَجَ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يُحْرِمْ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ قَبْلَهُ) يَعْنِي وَبَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلُزُومٍ عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَعَنْهُ يَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْكَافِي وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهَذَا يَكُونُ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الْمَذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ الطُّوفِيِّ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ فِي الْكَافِي فِي غَيْرِ الْجِهَادِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ: قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ حِينَ يَشْرَعُ فِي الْأَذَانِ لَهَا، لِجَوَازِ أَنْ يَشْرَعَ فِي ذَلِكَ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَا نِزَاعَ فِي تَحْرِيمِ السَّفَرِ حِينَئِذٍ. لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِالْإِقَامَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ. انْتَهَى.

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: هَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ ذِكْرِ الرِّوَايَاتِ هُوَ أَصَحُّ الطَّرِيقَتَيْنِ، أَعْنِي أَنَّ مَحَلِّ الرِّوَايَاتِ: فِيمَا إذَا سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ

ص: 374

الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ وُجُوبِهَا، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَالَ الْمَجْدُ: الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ بِالزَّوَالِ، وَمَا قَبْلَهُ وَقْتُ رُخْصَةٍ وَجَوَازٍ، لَا وَقْتُ وُجُوبٍ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ تَجِبُ بِدُخُولِ وَقْتِ جَوَازِهَا. فَلَا يَجُوزُ السَّفَرُ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا. انْتَهَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضُوعٍ: مَنْعُ السَّفَرِ بِدُخُولِ وَقْتِ فِعْلِ الْجُمُعَةِ، وَجَعَلَ الِاخْتِلَافَ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ. انْتَهَى. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي طَرِيقِهِ. فَأَمَّا إنْ أَتَى بِهَا فِي طَرِيقِهِ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. الثَّالِثُ: إذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْجَوَازِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُكْرَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: قَلَّ مَنْ يَفْعَلُهُ إلَّا رَأَى مَا يَكْرَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يُكْرَهُ.

قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ. أَحَدُهَا: الْوَقْتُ، وَأَوَّلُهُ: أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ شَاقِلَا، وَالْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ.

ص: 375

وَهُوَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَالْمُفْرَدَاتِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَتَلْخِيصُهُ: أَنَّ كُلَّ قَوْلٍ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ أَوَّلُ وَقْتِهَا: بَعْدَ الزَّوَالِ. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَهُوَ الْأَفْضَلُ.

فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالزَّوَالِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ تَلْزَمُ بِوَقْتِ الْعِيدِ. اخْتَارَهَا الْقَاضِي. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو حَفْصٍ الْمَغَازِلِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ ذَكَرَ: هَلْ تَسْتَقِرُّ بِأَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهَا أَوْ لَا تَسْتَقِرُّ حَتَّى يُحْرِمَ بِهَا؟ .

قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ وَقَدْ صَلُّوا رَكْعَةً: أَتَمُّوهَا جُمُعَةً) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ فِيهَا كُلِّهَا إلَّا السَّلَامَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ رَكْعَةٍ، فَهَلْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا، أَوْ يَسْتَأْنِفُونَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَوَاشِي، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ. أَحَدُهُمَا: يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

ص: 376

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَسْتَأْنِفُونَهَا ظُهْرًا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ تُسْتَأْنَفُ ظُهْرًا. وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْخِرَقِيِّ الْآتِيَانِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَيَسْتَأْنِفُهَا ظُهْرًا. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ: يُتِمُّهَا ظُهْرًا.

تَنْبِيهٌ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْعَارٌ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا خَرَجَ قَبْلَ رَكْعَةٍ لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا جُمُعَةً. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَعَنْهُ يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: مَنْ تَلَبَّسَ بِهَا فِي وَقْتِهَا أَتَمَّهَا جُمُعَةً. قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَقَالُوا: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: أَتَمَّهَا جُمُعَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ إلَّا الْخِرَقِيَّ. وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَسَبَقَهُمَا الْفَخْرُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ الْخُطْبَةِ وَالتَّحْرِيمَةِ لَزِمَهُمْ فِعْلُهَا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَكَذَا يَلْزَمُهُمْ إنْ شَكُّوا فِي خُرُوجِهِ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ. وَعَلَيْهِ: لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَهُوَ فِيهَا، فَهُوَ كَدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَبْطُلُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُمْ إذَا جَوَّزْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ، وَجَمَعَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ.

ص: 377

قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِقَرْيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا. فَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَ الْأَزَجِيُّ صِحَّتَهَا وَوُجُوبَهَا عَلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ بِعَمُودٍ أَوْ خِيَامٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَاشْتَرَطَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: أَنْ يَكُونُوا يَزْرَعُونَ كَمَا يَزْرَعُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " مُسْتَوْطِنِينَ "

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ، إذَا شَمِلَهَا اسْمٌ وَاحِدٌ وَفِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانُ مِنْ الصَّحْرَاءِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا فِي الْجَامِعِ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: هِيَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ بَاطِلَةٌ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: كَلَامُ أَحْمَدَ يَحْتَمِلُ إبْرَازَهُ وَلَوْ بَعُدَ، وَأَنَّ الْأَشْبَهَ بِتَأْوِيلِهِ الْمَنْعُ. كَالْعِيدِ. يَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ لَا فِيمَا بَعُدَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا أُقِيمَتْ فِي صَحْرَاءَ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ.

قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَرُوهُ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ. اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ فِي الْقُرَى بِثَلَاثَةٍ. وَبِأَرْبَعِينَ فِي أَهْلِ الْأَمْصَارِ. نَقَلَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِحُضُورِ سَبْعَةٍ. نَقَلَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِخَمْسَةِ. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعَةٍ. وَعَنْهُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِحُضُورِ خَمْسِينَ.

ص: 378

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ اشْتَرَطْنَا عَدَدًا مِنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ. فَيُعَدُّ الْإِمَامُ مِنْهُمْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَنْ الْعَدَدِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِمَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ عَلَى كُلِّ رِوَايَةٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ. حَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا نَاسِيًا لَهُ، لَا يُجْزِهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا بِدُونِهِ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ لَا يُجْزِيهِمْ مُطْلَقًا. قَالَ الْمَجْدُ: بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ: أَنَّ صَلَاةَ الْمُؤْتَمِّ بِنَاسٍ حَدَثَهُ: يُفِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرَأَ خَلْفَهُ بِقَدْرِ الصَّلَاةِ صَلَاةَ انْفِرَادٍ.

فَوَائِدُ. لَوْ رَأَى الْإِمَامُ اشْتِرَاطَ عَدَدٍ دُونَ الْمَأْمُومِينَ، فَنَقَصَ عَنْ ذَلِكَ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ. وَلَزِمَهُ اسْتِخْلَافُ أَحَدِهِمْ. وَلَوْ رَآهُ الْمَأْمُومُونَ دُونَ الْإِمَامِ: لَمْ يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا. وَلَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا بِأَرْبَعِينَ، لَمَا يَجُزْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ، وَلَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ، لِقَصْرِ وِلَايَتِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَحَدُهُمْ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ إتْمَامِهَا اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّارِحُ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَمَالُ الْعَدَدِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا عَنْ أَحْمَدَ: إنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ الصَّلَاةَ. انْتَهَى.

ص: 379

وَقِيلَ: يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً. وَقِيلَ: يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ إنْ نَقَصُوا قَبْلَ رَكْعَةٍ أَتَمُّوا ظُهْرًا، وَإِنْ نَقَصُوا بَعْدَ رَكْعَةٍ أَتَمُّوا جُمُعَةً. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَمَسْبُوقٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَاقِلَا فِي الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ، كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ. انْتَهَى.

وَفَرَّقَ ابْنُ مُنَجَّا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَسْبُوقَ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ جُمُعَةٍ تَمَّتْ شَرَائِطُهَا وَصَحَّتْ، فَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا، خِلَافُ هَذِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفَرَّقَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهَا صَحَّتْ مِنْ الْمَسْبُوقِ تَبَعًا. كَصِحَّتِهَا مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ تَبَعًا. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: لَوْ نَقَصُوا، وَلَكِنْ بَقِيَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ أَتَمُّوا جُمُعَةً. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: سَوَاءٌ كَانُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ، أَوْ لَحِقُوهُمْ قَبْلَ نَقْصِهِمْ بِلَا خِلَافٍ، كَبَقَائِهِ مَعَ السَّامِعِينَ. وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا: لَوْ أَحْرَمَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا، قَدْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ ثُمَّ انْفَضُّوا، وَبَقِيَ مَعَهُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا: أَتَمُّوا جُمُعَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ خِلَافُهُ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا، إذَا كَانَ قَدْ نَوَى الظُّهْرَ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ. حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: يَنْوِي جُمُعَةً، وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ التَّعْلِيقِ: هَذَا

ص: 380

الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِلَّا أَتَمَّهَا ظُهْرًا. انْتَهَى. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ: فَإِنَّهُ فَرَّ مِنْ اخْتِلَافِ النِّيَّةِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ فِي الْبِنَاءِ. وَالْوَاجِبُ الْعَكْسُ أَوْ التَّسْوِيَةُ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْبِنَاءِ اخْتِلَافٌ. يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ. انْتَهَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قَوْلُهُ بَعِيدٌ جِدًّا. يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيلَ إنَّ مَبْنَى الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ الْجُمُعَةَ هَلْ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ، أَوْ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا وَلَا يَصِحُّ، لِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ. لِأَنَّهُ إنْ نَوَى الظُّهْرَ خَالَفَ نِيَّةَ إمَامِهِ. وَإِنْ نَوَى الْجُمُعَةَ وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا فَقَدْ صَحَّتْ لَهُ الظُّهْرُ مِنْ غَيْرِ نِيَّتِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، أَوْ الْفُنُونِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَلَا يَنْوِيَهَا ظُهْرًا. لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ. فَإِنْ دَخَلَ نَوَى جُمُعَةً وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: إنَّمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَنْوِي جُمُعَةً وَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا وَهِيَ جُمُعَةٌ لَا ظُهْرٌ، لَكِنْ لَمَّا قَالَ " يُتِمُّهُمَا أَرْبَعًا " ظَنَّ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا تَكُونُ ظُهْرًا، وَإِنَّمَا هِيَ جُمُعَةٌ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَنَا وَجَدْت لَهُ مُصَنَّفًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ. فَصَلَاةُ الْعِيدِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَّاهَا أَرْبَعًا. انْتَهَى. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إتْمَامُهَا جُمُعَةً، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ فِيهِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَكِيمٍ فِي شَرْحِهِ. قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ

ص: 381

الصَّلَوَاتِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ لَزِمَهُ بِإِدْرَاكِ أَقَلَّ مِنْهَا. كَالْمُسَافِرِ يُدْرِكُ الْمُقِيمَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إدْرَاكُهُ إدْرَاكُ إلْزَامٍ. وَهَذَا إدْرَاكُ إسْقَاطٍ لِلْعَدَدِ فَافْتَرَقَا، وَبِأَنَّ الظُّهْرَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ، خِلَافُ مَسْأَلَتِنَا.

فَائِدَةٌ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ صَلَّى الْجُمُعَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ، لَمْ يَصِحَّ دُخُولُ مَنْ فَاتَتْهُ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِ ظُهْرًا، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنْ دَخَلَ انْعَقَدَتْ نَفْلًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَبْنِيَ عَلَيْهَا ظُهْرًا، حَكَاهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْآمِدِيُّ عَنْ ابْنِ شَاقِلَا، وَيَجِبُ أَنْ يُصَادِفَ ابْتِدَاءُ صَلَاتِهِ زَوَالَ الشَّمْسِ عَلَى هَذَا.

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَصَحَّحُوهُ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَحَدٍ، وَلَا عَلَى رِجْلِهِ. وَيُومِئُ غَايَةَ الْإِمْكَانِ وَعَنْهُ إنْ شَاءَ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ زَوَالَ الزِّحَامِ، وَالْأَفْضَلُ السُّجُودُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ احْتَاجَ إلَى مَوْضِعِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ أَيْضًا، فَهَلْ يَجُوزُ وَضْعُهُمَا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ فِي الْجَبْهَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ،

ص: 382

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْأَقْوَى عِنْدِي، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْجَوَازِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ إلَّا عَلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ صَحَّتْ، كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَجَعَلَ طَرَفَ الْمُصَلِّي وَذَيْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا لِلْجِوَازِ.

الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ السُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ لِمَرَضٍ أَوْ غَفْلَةٍ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ كَالْمُتَخَلِّفِ بِالزِّحَامِ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيَسْجُدُ الْمَزْحُومُ إذَا أَمِنَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ، وَلَا يَسْجُدُ السَّاهِي بِحَالٍ، بَلْ تُلْغَى رَكْعَتُهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ يُمْكِنُهُ سَجَدَ إذَا زَالَ الزِّحَامُ) بِلَا نِزَاعٍ بِشَرْطِهِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الثَّانِيَةِ، فَيُتَابَعَ الْإِمَامَ فِيهَا، وَتَصِيرَ أُولَاهُ فَتَلْغُو الْأُولَى، وَيُتِمَّهَا جُمُعَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا يُتَابِعُهُ، بَلْ يَشْتَغِلُ بِسُجُودِ الْأُولَى، وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ تَلْغُو الْأُولَى وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الثَّانِيَةِ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِسُجُودٍ.

ص: 383

فَوَائِدُ. وَلَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَا تَنْعَقِدُ بِهِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ أَوْ نَسِيَهُ، وَأَدْرَكَ الْقِيَامَ، وَزُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، حَتَّى سَلَّمَ أَوْ تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ وَقُلْنَا: يَبْنِي وَنَحْوُ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ ظُهْرًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَعَنْهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا، وَعَنْهُ جُمُعَةً وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَعَنْهُ يُتِمُّ جُمُعَةً مَنْ زُحِمَ عَنْ سُجُودٍ أَوْ نَسِيَهُ، لِإِدْرَاكِهِ الرُّكُوعَ كَمَنْ أَتَى بِالسُّجُودِ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي جَمَاعَةٍ، وَالْإِدْرَاكُ الْحُكْمِيُّ كَالْحَقِيقِيِّ. كَحَمْلِ الْإِمَامِ السَّهْوَ عَنْهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ فَزُحِمَ وَصَلَّى فَذًّا لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ أَخْرَجَ فِي الثَّانِيَةِ: فَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ أَتَمَّ جُمُعَةً، وَإِلَّا فَعَنْهُ يُتِمُّ جُمُعَةً، وَعَنْهُ يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ فَذٌّ فِي رَكْعَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الثَّانِيَةِ) الِاعْتِبَارُ فِي فَوْتِ الثَّانِيَةِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوْتُ، فَتَابَعَ إمَامَهُ فِيهَا، ثُمَّ طَوَّلَ: لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوْتُ، فَبَادَرَ الْإِمَامَ فَرَكَعَ: لَمْ يَضُرَّهُ الْإِمَامُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْأُولَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ، فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَيُعَايَى بِهَا، وَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالتَّلْفِيقِ فِيمَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، لِتَحْصِيلِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُعْتَبَرٍ، وَقِيلَ: لَا يَعْتَدُّ لَهُ بِهَذَا السُّجُودِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فَيَأْتِي

ص: 384

بِسَجْدَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَالْإِمَامُ فِي تَشَهُّدِهِ، وَإِلَّا عِنْدَ سَلَامِهِ ثُمَّ فِي إدْرَاكِهِ الْجُمُعَةَ الْخِلَافُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ " إذَا رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ ".

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ زُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَهُوَ كَالْمَزْحُومِ عَنْ السُّجُودِ فَيَشْتَغِلُ بِقَضَاءِ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ وَجْهٌ تَلْغُو رَكْعَتُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: إنْ زُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ وَحْدَهُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يَأْتِي بِهِ وَيَلْحَقُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالثَّانِي: تَلْغُو رَكْعَتُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، الثَّانِيَةُ: لَوْ زُحِمَ عَنْ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَأْتِي بِهِ قَائِمًا وَيُجْزِيهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْأَوْلَى انْتِظَارُ زَوَالِ الزِّحَامِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ جَهِلَ تَحْرِيمَةً فَسَجَدَ ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ أَتَى بِرَكْعَةٍ أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِهِ، وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا: فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ أَوْ يَبْنِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ يَبْنِي.

تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله الِاعْتِدَادَ بِسُجُودِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَسُجُودِهِ يَظُنُّ إدْرَاكَ الْمُتَابَعَةِ فَفَاتَتْ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يَعْتَدُّ بِهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الرُّكُوعُ، وَلَمْ يَبْطُلْ لِجَهْلِهِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَوْ أَتَى بِالسُّجُودِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَبِعَهُ فَصَارَتْ الثَّانِيَةُ أُولَاهُ، وَأَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ.

ص: 385

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ سَجَدَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ الْمُتَابَعَةِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ: تَبِعَهُ فِيهِ، وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ تَبِعَهُ، وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ، يَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَتَتِمُّ لَهُ جُمُعَةٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ السُّجُودَ فِيهَا فَهَلْ تَكْمُلُ بِهِ الْأُولَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا: تَكْمُلُ، حَصَلَ لَهُ رَكْعَةٌ، وَيَقْضِي أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَتَصِحُّ جُمُعَتُهُ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: لَا يَسْجُدُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: خَالَفَ أَبُو الْخَطَّابِ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ وَتَبِعَهُ فِي السُّجُودِ، فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ وَالْمُتَابَعَةُ مَعًا، وَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ، وَقِيلَ: لَا يَعْتَدُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ لِلْإِمَامِ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَوْ اعْتَدَّ بِهِ الْمَأْمُومُ مِنْ غَيْرِهَا: احْتَمَلَ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ، فَيَأْتِي بِسُجُودٍ آخَرَ وَإِمَامُهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَإِلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.

قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: هَاتَانِ الْخُطْبَتَانِ بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت هَذَا إنْ قُلْنَا: إنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا صَلَاةٌ تَامَّةٌ فَلَا. انْتَهَى، وَقِيلَ: لَيْسَتَا بَدَلًا عَنْهُمَا.

ص: 386

الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ، وَتَصِحُّ مَعَ الْعَجْزِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يُعْتَبَرُ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ (مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا: حَمْدُ اللَّهِ) بِلَا نِزَاعٍ فَيَقُولُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بِهَذَا اللَّفْظِ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي النُّكَتِ: لَمْ أَجِدْ فِيهِ خِلَافًا.

قَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ يَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُ ذِكْرُ الرَّسُولِ لَا لَفْظُ الصَّلَاةِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَاجِبَةٌ لَا شَرْطٌ، وَأَوْجَبَ فِي مَكَان آخَرَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَوْجَبَ أَيْضًا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مَعَ الدُّعَاءِ الْوَاجِبِ، وَتَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لِوُجُوبِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّفْسِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَدَمُ وُجُوبِ السَّلَامِ عَلَيْهِ مَعَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ.

الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ أَيْضًا دُخُولُ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ. قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةُ آيَةٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَتَيْنِ قِرَاءَةُ آيَةٍ مُطْلَقًا فِي كُلِّ خُطْبَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ رَكْعَتَيْنِ

ص: 387

وَعَنْهُ لَا تَجِبُ قِرَاءَةٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ قِرَاءَةٌ فِي الثَّانِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ صَدَقَةُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ.

نَقَلَهُ عَنْهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ بَعْضُ آيَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ تَخْرِيجُ ابْنِ عَقِيلٍ مِنْ صِحَّةِ خُطْبَةِ الْجُنُبِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ بَعْضُهَا فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى، وَقِيلَ: يُجْزِئُ بَعْضُهَا فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ. وَلِلْمَجْدِ احْتِمَالُ يُجْزِئُ بَعْضُ آيَةٍ تُفِيدُ مَقْصُودَ الْخُطْبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] وَقَالُوهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَوْ قَرَأَ آيَةً لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ كَقَوْلِهِ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] أَوْ: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْمَجْدِ أَيْضًا، وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: 22] ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ تَمِيمٍ أَيْضًا، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ أَيْضًا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَرَأَ مَا يَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ وَالْمَوْعِظَةَ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كَفَى عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِقَوْلِ أَحْمَدَ لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا تَكُونُ خُطْبَةً إلَّا كَمَا خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ خُطْبَةً تَامَّةً قَوْلُهُ (وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ الْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ وَقَرَأَ، وَوَعَظَ وَلَمْ يَقُلْ: فِي الْأُولَى وَوَعَظَ وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي

ص: 388

شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، احْتِمَالُ لَا يَجِبُ إلَّا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَوْعِظَةُ فَقَطْ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَمُّ الدُّنْيَا، وَذِكْرُ الْمَوْتِ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: الْحِكَمُ الْمَعْقُولَةُ الَّتِي لَا تَتَحَرَّك لَهَا الْقُلُوبُ، وَلَا تَنْبَعِثُ بِهَا إلَى الْخَيْرِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَطِيعُوا اللَّهَ، وَاجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ فَالْأَظْهَرُ: لَا يَكْفِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَوْصِيَةٌ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْمِ الْخُطْبَةِ عُرْفًا وَلَا تَحْصُلُ بِاخْتِصَارٍ يَفُوتُ بِهِ الْمَقْصُودُ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: أَوْجَبَ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ: الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاخْتَارَهُ صَدَقَةُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَجَعَلَهُ شَرْطًا، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، وَمِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ، وَيُثَنِّي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُثَلِّثُ بِالْمَوْعِظَةِ، وَيُرَبِّعُ بِقِرَاءَةِ آيَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَرْتِيبُ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْبُلْغَةُ، لَكِنْ حَكَاهُمَا احْتِمَالَيْنِ فِيهِمَا، وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْمُولَاةُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ، وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُمَا عَلَى الصَّلَاةِ بِلَا نِزَاعٍ. وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخُطْبَةِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ أَيْضًا النِّيَّةُ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ،

ص: 389

وَمِنْهَا: تَبْطُلُ الْخُطْبَة بِكَلَامٍ يَسِيرٍ مُحَرَّمٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ كَالْأَذَانِ وَأَوْلَى.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ حَرُمَ الْكَلَامُ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ وَتَكَلَّمَ فِيهَا لَمْ تَبْطُلْ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا: الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْقِرَاءَةِ، وَهَلْ يَجِبُ إبْدَالُ عَاجِزٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِذِكْرٍ أَمْ لَا؟ لِحُصُولِ مَعْنَاهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ، قُلْت: الصَّوَابُ الْوُجُوبُ.

قَوْلُهُ (وَحُضُورُ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ) يَعْنِي فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْخُطْبَةِ كَذَا سَائِرُ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: يُعْتَبَرُ لِلْخَطِيبِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا، بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ سَمَاعٌ لِعَارِضٍ، مِنْ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، صَحَّتْ.

وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ لِبُعْدٍ، أَوْ خَفْضِ صَوْتِهِ: لَمْ تَصِحَّ وَلَوْ كَانُوا طُرْشًا أَوْ عُجْمًا، وَكَانَ عَرَبِيًّا سَمِيعًا: صَحَّتْ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ صُمًّا فَذَكَرَ الْمَجْدُ تَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ غَيْرُ الْمَجْدِ: لَا تَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ الْإِطْلَاقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صُمٌّ وَفِيهِمْ مَنْ يَسْمَعُ، وَلَكِنَّ الْأَصَمَّ قَرِيبٌ، وَمَنْ يَسْمَعُ بَعِيدٌ فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ [وَهُوَ أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ] قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ أَوْلَى فِي مَوْضِعٍ، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالنُّكَتِ، وَالزَّرْكَشِيِّ،

ص: 390

وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ خُرْسًا مَعَ الْخَطِيبِ.

فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ ظُهْرًا لِفَوَاتِ الْخُطْبَةِ صُورَةً وَمَعْنًى قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُصَلُّونَ جُمُعَةً، وَيَخْطُبُ أَحَدُهُمْ بِالْإِشَارَةِ، فَيَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ جَمِيعُ عِبَادَاتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِمَامَتِهِ، وَظِهَارِهِ وَلِعَانِهِ وَيَمِينِهِ، وَتَلْبِيَتِهِ وَشَهَادَتِهِ، وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا أَيْضًا.

فَائِدَةٌ: لَوْ انْفَضُّوا عَنْ الْخَطِيبِ، وَعَادُوا، وَكَثُرَ التَّفَرُّقُ عُرْفًا فَقِيلَ: يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفُهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لِاشْتِرَاطِهِمْ سَمَاعَ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ لِلْخُطْبَةِ، وَقَدْ انْتَفَى قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ انْفَضُّوا ثُمَّ عَادُوا قَبْلَ أَنْ يَتَطَاوَلَ الْفَصْلُ صَلَّاهَا جُمُعَةً فَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا تَطَاوَلَ الْفَصْلُ لَا يُصَلِّي جُمُعَةً مَا لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْخُطْبَةَ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ [وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ انْفَضُّوا لِفِتْنَةٍ أَوْ عَدُوٍّ: ابْتَدَأَهَا كَالصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَبْطُلَ كَالْوَقْتِ يَخْرُجُ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَقْتَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ لِلْعُذْرِ، وَهُوَ الْجَمْعُ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ، وَأَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلْخُطْبَتَيْنِ أَعْنِي الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالشَّرْحِ، إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطَانِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ

ص: 391

قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَتَانِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُنَا قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَخُطْبَتَيْنِ، وَلَوْ مِنْ جُنُبٍ نَصًّا وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: جَزَمَ الْأَكْثَرُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى: الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ.

قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي: قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى دُونَ الصُّغْرَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْأَشْبَهُ بِأُصُولِ الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْجَنَابَةِ تُشْتَرَطُ لَهُمَا. قَالَ الشَّرِيفُ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ عَدَمِ اعْتِدَادِهِ بِأَذَانِ الْجُنُبِ.

وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: فَلَوْ خَطَبَ جُنُبًا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. قُلْت: قَالَهُ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ وَتَعْلِيقِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ: يَتَوَضَّأُ وَيَخْطُبُ فِي الْمَسْجِدِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تُجْزِئُ خُطْبَةُ الْجُنُبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ عَاصٍ بِقِرَاءَةِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ لُبْثَهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَاجِبِ الْعِبَادَةِ كَصَلَاةِ مَنْ مَعَهُ دِرْهَمٌ غَصْبٌ، وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ كَتَحْرِيمِ لُبْثِهِ، وَإِنْ عَصَى بِتَحْرِيمِ

ص: 392

الْقِرَاءَةِ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضٍ لَهَا، فَهُوَ كَصَلَاتِهِ بِمَكَانٍ غَصْبٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْآيَةَ لَا تُشْتَرَطُ، وَهُوَ أَشْبَهُ، أَوْ جَوَازُ قِرَاءَةِ الْآيَةِ لِلْجُنُبِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَقَالَ فِي الْفُنُونِ، أَوْ عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: يُحْمَلُ عَلَى النَّاسِ إذَا ذَكَرَ اعْتَدَّ بِخُطْبَتِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ. كَطَهَارَةٍ صُغْرَى. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْمَسْجِدِ عَالِمًا بِحَدَثِ نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَضِّئًا فَإِذَا وَصَلَ الْقِرَاءَةَ اغْتَسَلَ وَقَرَأَ، إنْ لَمْ يُطِلْ أَوْ اسْتَنَابَ مَنْ يَقْرَأُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ قَرَأَ جُنُبًا، أَوْ خَطَبَ فِي الْمَسْجِدِ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ، صَحَّ مَعَ التَّحْرِيمِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالتَّحْقِيقُ صِحَّةُ خُطْبَةِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَكَانَ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ، وَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ كُلُّهُ خَرَجَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الْغَصْبِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجُنُبِ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ أَوْ بَعْضِهَا، وَعَدَمِ الْأَجْزَاءِ فِي الْخُطْبَةِ بِالْبَعْضِ، وَمَتَى قُلْنَا: يُجْزِئُ بَعْضُ آيَةٍ، أَوْ تَعْيِينُ الْآيَةِ وَلَا يُمْنَعُ الْجُنُبُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ خَرَجَ فِي خُطْبَتِهِ وَجْهَانِ. قِيَاسًا عَلَى أَذَانِهِ.

فَائِدَةٌ: حُكْمُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ: حُكْمُ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى فِي الْأَجْزَاءِ وَعَدَمِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا، وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ تَوَلِّي الصَّلَاةِ مَنْ تَوَلَّى الْخُطْبَةَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ [ذَلِكَ] وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: صَحَّتْ أَوْ جَازَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ

ص: 393

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: مِنْ سُنَنِهِمَا: أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: سُنَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، فَعَلَيْهَا لَوْ خَطَبَ مُمَيِّزٌ وَنَحْوَهُ، وَقُلْنَا: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فِيهَا فَفِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ أَذَانِهِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُوصَ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَنَسَبَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى صَاحِبِ التَّلْخِيصِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَأَمَّا مَعَ عُذْرٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ،

وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي قَالَ فِي الْفُصُولِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ إذَا تَوَلَّى الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا اثْنَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: إنْ جَازَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، فَهُنَا وَجْهَانِ، وَهِيَ طَرِيقُ ابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ حَمْدَانَ وَقَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِالْجَوَازِ قَالَ فِي النُّكَتِ: يُعَايَى بِهَا فَيُقَالُ: عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِدْعَةٌ مَحْضَةٌ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ، لَوْ قُلْنَا: تَصِحُّ لِعُذْرٍ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ النَّائِبِ الْخُطْبَةَ كَالْمَأْمُومِ، لِتَعَيُّنِهَا عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ جُمُعَةَ مَنْ لَا يَشْهَدُ الْخُطْبَةَ إلَّا تَبَعًا كَالْمُسَافِرِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَحْدَثَ الْخَطِيبُ فِي الصَّلَاةِ، وَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ صَحَّ

ص: 394

فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ مَا تَتِمُّ بِهِ جُمُعَتُهُ. وَكَوْنُهُ يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى مَعَهُ: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَسَبَقَ فِي ظُهْرٍ مَعَ عَصْرٍ، وَإِنْ مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ أَتَمُّوا فُرَادَى، قِيلَ: ظُهْرًا؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ، وَقِيلَ: جُمُعَةٌ بِرَكْعَةٍ مَعَهُ كَمَسْبُوقٍ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: جُمُعَةٌ مُطْلَقًا، لِبَقَاءِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَإِنْ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فَأَتَمُّوا فُرَادَى لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ، وَلَوْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ.

وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى الْخُطْبَةَ غَيْرُ الْإِمَامِ اُعْتُبِرَتْ عَدَالَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَرَّجَ رِوَايَتَانِ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَوْلُهُ (وَمِنْ سُنَنِهَا: أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ، أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ يَكُونُ الْمِنْبَرُ عَنْ يَمِينِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ كَذَا كَانَ مِنْبَرُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَكَانَ ثَلَاثُ دَرَجٍ، وَكَانَ يَقِفُ عَلَى الثَّالِثَةِ الَّتِي تَلِي مَكَانَ الِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ وَقَفَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الثَّانِيَةِ ثُمَّ عُمَرُ عَلَى الْأُولَى تَأَدُّبًا ثُمَّ وَقَفَ عُثْمَانُ مَكَانَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ وَقَفَ عَلِيُّ مَوْقِفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ قَلَعَهُ مَرْوَانُ، وَزَادَ فِيهِ سِتَّ دَرَجٍ فَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَرْتَقُونَ سِتَّ دَرَجٍ، وَيَقِفُونَ مَكَانَ عُمَرَ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَ الْخَطِيبُ عَلَى الْأَرْضِ: فَإِنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَسَارِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، بِخِلَافِ الْمِنْبَرِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسَلِّمُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ)

ص: 395

بِلَا نِزَاعٍ. وَيُسَلِّمُ أَيْضًا عَلَى مَنْ عِنْدَهُ إذَا خَرَجَ. الثَّالِثَةُ: رَدُّ هَذَا السَّلَامِ وَكُلِّ سَلَامٍ مَشْرُوعٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ كَابْتِدَائِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ غَرِيبٌ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجِبُ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ اسْتَدْبَرَ الْخَطِيبُ السَّامِعِينَ صَحَّتْ الْخُطْبَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ.

الْخَامِسَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْحَرِفَ الْمَأْمُومُونَ إلَى الْخُطْبَةِ لِسَمَاعِهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْحَرِفُونَ إلَيْهِ إذَا خَرَجَ، وَيَتَرَبَّعُونَ فِيهَا، وَلَا تُكْرَهُ الْحَبْوَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَرِهَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ.

السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ (ثُمَّ يَجْلِسُ إلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الْأَذَانُ الْمُحَرِّمُ لِلْبَيْعِ وَاجِبٌ. ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَسْقُطُ الْفَرْضُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأَوَّلِ أَذَانٍ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ: يُبَاحُ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ: الْأَذَانُ لَهَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ.

قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إنْ أَرَادَ: مَشْرُوعٌ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، أَوْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ: سُنَّةً يَجُوزُ تَرْكُهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ ثُمَّ قَالَ: قُلْت: فَإِنْ صَلَّيْنَاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، فَلَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ كَلَامًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُشْرَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشْرَعَ كَالثَّانِي. انْتَهَى. وَأَمَّا وُجُوبُ السَّعْيِ إلَيْهَا: فَيَأْتِي حُكْمُهُ وَالْخِلَافُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُبَكِّرُ إلَيْهَا مَاشِيًا ".

ص: 396

قَوْلُهُ (وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ جُلُوسَهُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سُنَّةٌ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ أَنَّهُ شَرْطٌ جَزَمَ بِهِ فِي النَّصِيحَةِ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ جَوَّزْنَا الْخُطْبَةَ جَالِسًا عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سَكْتَةً بَدَلَ الْجِلْسَةِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ: تَكُونُ الْجِلْسَةُ خَفِيفَةً جِدًّا قَالَ جَمَاعَةٌ: بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فَلَوْ أَبِي الْجُلُوسَ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ.

قَوْلُهُ (وَيَخْطُبُ قَائِمًا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخُطْبَةَ قَائِمًا سُنَّةٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْحَوَاشِي وَغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: شَرْطٌ جَزَمَ بِهِ فِي النَّصِيحَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَوْلُهُ (وَيَعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصَى) بِلَا نِزَاعٍ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي يُمْنَاهُ أَوْ يُسْرَاهُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا يَكُونُ فِي يُسْرَاهُ. وَأَمَّا الْيَدُ الْأُخْرَى فَيَعْتَمِدُ بِهَا عَلَى حَرْفِ الْمِنْبَرِ أَوْ يُرْسِلُهَا، وَإِذَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى شَيْءٍ أَمْسَكَ يَمِينَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ (وَيَقْصُرُ الْخُطْبَةُ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ؛ لِكَيْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ أَقَصَرَ.، قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ، وَمِنْهَا: يَرْفَعُ صَوْتَهُ حَسَبِ طَاقَتِهِ.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ (وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي عُمُومًا، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَيَجُوزُ لِمُعَيِّنٍ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

ص: 397

وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِلسُّلْطَانِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَالدُّعَاءُ لَهُ مُسْتَحَبٌّ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَا لِإِمَامٍ عَادِلٍ؛ لِأَنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَإِنْ دَعَا لِسُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَمِنْهَا: لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا، وَقِيلَ: يَرْفَعُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ بِدْعَةٌ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ. وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ إنْ قَدَرَ عَلَى إذْنِهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: تَصِحُّ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا لَا لِجَوَازِهَا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ، وَالشَّالَنْجِيُّ: إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرُ مَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ جَمَعُوا وَلَوْ بِلَا إذْنٍ.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُشْتَرَطُ إذْنُهُ فَلَوْ مَاتَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ: لَمْ تَلْزَمْ الْإِعَادَةُ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِلْمَشَقَّةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُمَا فِي الْحَوَاشِي، وَعَنْهُ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ؛ لِبَيَانِ عَدَمِ الشَّرْطِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَعَ اعْتِبَارِهِ فَلَا تُقَامُ إذَا مَاتَ حَتَّى يُبَايِعَ عِوَضَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ عَلِمَ مَوْتَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: مَعَ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ، وَقِيلَ: إنْ اعْتَبَرْنَا الْإِذْنَ أَعَادُوا، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فَمَاتَ لَمْ تَقُمْ حَتَّى يُبَايِعَ عِوَضَهُ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَى بَلَدٍ فَأَقَامُوا فِيهِ الْجُمُعَةَ فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ

ص: 398

اتِّبَاعِهِمْ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ قُلْنَا مِنْ شَرْطِهَا الْإِمَامُ، إذَا كَانَ خُرُوجُهُمْ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا غَلَبَ الْخَارِجِيُّ عَلَى بَلَدٍ، وَصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ أُعِيدَتْ ظُهْرًا.

الثَّانِيَةُ: إذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ نَزَلَ، وَهَلْ يَنْزِلُ عِنْدَ لَفْظَةِ الْإِقَامَةِ، أَوْ إذَا فَرَغَ بِحَيْثُ يُصَلِّ إلَى الْمِحْرَابِ عِنْدَ قَوْلِهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ: وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَابْنُ تَمِيمٍ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ] أَحَدُهُمَا: يَنْزِلُ عِنْدَ لَفْظِ الْإِقَامَةِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالثَّانِي: يَنْزِلُ عِنْدَ فَرَاغِهِ.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِالْمُنَافِقِينَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ هُوَ فِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ سَبِّحْ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَعَنْهُ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ: وَإِنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ فَحَسَنٌ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَقْرَأُ بِالْحَمْدِ وَسُورَةً، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: يُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ جَهْرًا.

فَوَائِدُ. يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي فَجْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الم السَّجْدَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِتَضَمُّنِهِمَا ابْتِدَاءَ خَلْقِ

ص: 399

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ. انْتَهَى.

وَتُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا مُفَضَّلَةٌ بِسَجْدَةٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهَا. وَقِيلَ: تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِمَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُكْرَهُ تَحَرِّيهِ قِرَاءَةَ سَجْدَةٍ غَيْرِهَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَعَمُّدَ قِرَاءَةِ سُورَةِ سَجْدَةٍ غَيْرَ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْمُنَافِقِينَ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: إنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ وَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ حَاجَةٌ، وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ التَّخْرِيجِ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ إقَامَتِهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ لِلْحَاجَةِ.

قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَنْصُورُ، فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. انْتَهَى، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُخْتَارُ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا) يَعْنِي: لَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْحَاجَةِ.

ص: 400

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْحَاجَةُ هُنَا الضِّيقُ، أَوْ الْخَوْفُ مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ بُعْدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ كَانَ الْبَلَدُ قِسْمَيْنِ بَيْنَهُمَا نَائِرَةٌ كَانَ عُذْرًا أَبْلَغُ مِنْ مَشَقَّةِ الِازْدِحَامِ. الثَّانِيَةُ: الْحُكْمُ فِي الْعِيدِ فِي جَوَازِ صَلَاتِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى مَوْضِعٍ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ: كَالْجُمُعَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلُوا فَجُمُعَةُ الْإِمَامِ هِيَ الصَّحِيحَةُ) يَعْنِي إذَا أَقَامُوا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَقُلْنَا: لَا يَجُوزُ فَتَكُونُ جُمُعَةُ الْإِمَامِ هِيَ الصَّحِيحَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الَّتِي أَذِنَ فِيهَا الْإِمَامُ هِيَ السَّابِقَةَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْبُوقَةً فَهِيَ الصَّحِيحَةُ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى، وَقِيلَ: السَّابِقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَقُلْنَا: إذْنُهُ شَرْطٌ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ إذْنُهُ بِشَرْطٍ. فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ مَا أَذِنَ فِيهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ، وَالثَّانِي: صَحَّتْ السَّابِقَةُ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْإِذْنِ أَوْ عَدَمِهِ لَكِنْ إحْدَاهُمَا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، وَالْأُخْرَى فِي مَكَان لَا يَسَعُ النَّاسَ، أَوْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، لِاخْتِصَاصِ السُّلْطَانِ

ص: 401

وَجُنْدِهِ بِهِ، أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فِي قَصَبَةِ الْبَلَدِ، وَالْأُخْرَى فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ السَّابِقَةَ هِيَ الصَّحِيحَةُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: صَلَاةُ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَمَنْ فِي قَصَبَةِ الْبَلَدِ هِيَ الصَّحِيحَةُ مُطْلَقًا صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَوَاشِي وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، الثَّانِيَةُ: السَّبْقُ يَكُونُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالتَّلْخِيصِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: بِالشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقُلْت: أَوْ بِالسَّلَامِ. الثَّالِثَةُ: حَيْثُ صَحَّحْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا أَوْ مِنْهَا فَغَيْرُهَا بَاطِلَةٌ، وَلَوْ قُلْنَا: يَصِحُّ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَى تَحْرِيمِ الْجُمُعَةِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا لِفَوْتِهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُتِمُّونَ ظُهْرًا. كَالْمُسَافِرِ يَنْوِي الْقَصْرَ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا بَطَلَتَا مَعًا) بِلَا نِزَاعٍ. وَيُصَلُّونَ جُمُعَةً، إنْ أَمْكَنَ بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ (فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا فِي إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ عَدَمِهِ، أَوْ جُهِلَتْ الْأُولَى بَطَلَتَا مَعًا) بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا، وَيُصَلُّونَ ظُهْرًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ، وَقِيلَ: يُصَلُّونَ جُمُعَةً. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ أَبِي الْخَطَّابِ قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُمْ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِفَسَادِهِمَا مَعًا، فَكَأَنَّ الْمِصْرَ مَا صُلِّيَتْ فِيهِ جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

ص: 402

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ جَهِلَ هَلْ وَقَعَتَا مَعًا، أَوْ وَقَعَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى؟ بَطَلَتَا مَعًا فَإِنْ قُلْنَا تُعَادُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا جُمُعَةً فَهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا تُعَادُ ظُهْرًا أُعِيدَتْ هُنَا ظُهْرًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى وَقِيلَ: تُعَادُ هُنَا جُمُعَةً. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عُلِمَ سَبْقُ إحْدَاهُمَا، وَجُهِلَتْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا، صَلَّوْا ظُهْرًا، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، الثَّالِثَةُ: لَوْ عُلِمَ بِسَبَقِ إحْدَاهُمَا وَعُلِمَتْ السَّابِقَةُ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ نُسِيَتْ: صَلَّوْا ظُهْرًا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، الرَّابِعَةُ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ سَبَقَهُ غَيْرُهُ: أَتَمَّهَا ظُهْرًا، وَقِيلَ يَسْتَأْنِفُ ظُهْرًا، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّ غَيْرَهَا سَبَقَتْ أَوْ فَرَغَتْ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْبَنِي الظُّهْرَ عَلَى نِيَّةِ الْجُمُعَةِ، اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْبَنِي فَوَجْهَانِ فِي الْبِنَاءِ وَالِابْتِدَاءِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاجْتَزَأَ بِالْعِيدِ وَصَلَّى ظُهْرًا جَازَ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنَّمَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْهُمْ إسْقَاطَ حُضُورٍ لَا وُجُوبٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ لَا الْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ فَلَوْ حَضَرَ الْجَامِعَ لَزِمَتْهُ كَالْمَرِيضِ، وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ فِيهَا، وَتَنْعَقِدُ بِهِ، حَتَّى لَوْ صَلَّى الْعِيدَ أَهْلُ بَلَدٍ كَافَّةً كَانَ لَهُ التَّجْمِيعُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ بَلَغُوا الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ أَوْ لَمْ يَبْلُغُوا ثُمَّ إنْ بَلَغُوا بِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ حَضَرَ مَعَهُمْ تَمَامُ الْعَدَدِ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُمْ تَمَامُهُ فَقَدْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُمْ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: وَقَالَ بَعْضُ

ص: 403

أَصْحَابِنَا: إنَّ تَتْمِيمَ الْعَدَدِ وَإِقَامَةَ الْجُمُعَةِ إنْ قُلْنَا: تَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ حِينَئِذٍ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ قَالَ: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ قَوْلُهُ (إلَّا لِلْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَيْضًا، وَتَسْقُطُ عَنْهُ لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالرُّخْصَةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ بِحُضُورِ الْعِيدِ، مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، وَتُقَامُ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ السُّقُوطِ عَنْ الْإِمَامِ: يَجِبُ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ، فَتَصِيرُ الْجُمُعَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ تَسْقُطُ بِحُضُورِ أَرْبَعِينَ. انْتَهَى. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهَا: فَحَكَوْا ذَلِكَ رِوَايَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مُخْتَصًّا بِالْإِمَامِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى هَذَا: إنْ اجْتَمَعَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ لِلْجُمُعَةِ مَعَهُ أَقَامَهَا الْإِمَامُ، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الِاسْتِنَابَةَ.

وَقَالَ: الْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِأَيْسَرِ عُذْرٍ كَمَنْ لَهُ عَرُوسٌ تَجَلَّى عَلَيْهِ. فَكَذَا الْمَسَرَّةُ بِالْعِيدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا وَجْهَ لِعَدَمِ سُقُوطِهَا مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ.

فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: سُقُوطُ صَلَاةِ الْعِيدِ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَسَوَاءٌ فُعِلَتَا

ص: 404

قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَسْقُطُ فِي الْأَصَحِّ الْعِيدُ بِالْجُمُعَةِ، كَإِسْقَاطِ الْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ، وَأَوْلَى وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا: تَسْقُطُ إنْ فَعَلَهَا وَقْتَ الْعِيدِ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ: احْتِمَالُ يَسْقُطُ الْجَمْعُ وَيُصَلِّي فُرَادَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَبَرُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الْجُمُعَةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ فُعِلَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ اُعْتُبِرَ الْعَزْمُ عَلَى الْجُمُعَةِ لِتَرْكِ صَلَاةِ الْعِيدِ.

قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ: رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا سِتُّ رَكَعَاتٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: أَكْثَرُهَا أَرْبَعٌ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَالْأَرْبَعُ أَشْهَرُ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ: وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا بِسَلَامٍ أَوْ سَلَامَيْنِ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، قَالَ شَيْخُنَا، أَدْنَى الْكَمَالِ سِتٌّ. وَحَكَى عَنْهُ: لَا سُنَّةَ لَهَا بَعْدَهَا، قَالَ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ لَيْسَ لَهَا بَعْدَهَا سُنَّةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِتَرْكِهَا فَعَلَهُ عِمْرَانُ.

فَائِدَةٌ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ السُّنَّةَ مَكَانَهُ فِي الْمَسْجِدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ بَلْ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِكَلَامٍ أَوْ انْتِقَالٍ وَنَحْوِهِ.

ص: 405

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا رَاتِبَةٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ: هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظُهْرًا مَقْصُورَةً فَتُفَارِقُهَا فِي أَحْكَامٍ، كَمَا أَنَّ تَرْكَ الْمُسَافِرِ السُّنَّةَ أَفْضَلُ لِكَوْنِ ظُهْرِهِ مَقْصُورَةً وَعَنْهُ لَهَا رَكْعَتَانِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

قُلْت: اخْتَارَهُ الْقَاضِي مُصَرِّحًا بِهِ فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ نَفْيِ الْبِدْعَةِ عَنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَعَنْهُ أَرْبَعٌ بِسَلَامٍ أَوْ سَلَامَيْنِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْت أَبِي يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَكَعَاتٍ. وَقَالَ: رَأَيْته يُصَلِّي رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَإِذَا قَرُبَ الْأَذَانُ أَوْ الْخُطْبَةُ: تَرَبَّعَ وَنَكَّسَ رَأْسَهُ، وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ: رَأَيْته إذَا أَخَذَ فِي الْأَذَانِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا قَالَ وَقَالَ: أَخْتَارُ قَبْلَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا سِتًّا. وَصَلَاةُ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

قُلْت: قَطَعَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِ صَلَاةِ أَرْبَعٍ قَبْلَهَا، وَلَيْسَتْ رَاتِبَةً عِنْدَهُمْ، وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَأَقَلُّ سُنَّةٍ قَبْلَهَا رَكْعَتَانِ، وَلَيْسَتْ رَاتِبَةً عَلَى الْأَظْهَرِ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ: الصَّلَاةُ قَبْلَهَا جَائِزَةٌ حَسَنَةٌ، وَلَيْسَتْ رَاتِبَةً فَمَنْ فَعَلَ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَرَكَ يُنْكَرْ عَلَيْهِ قَالَ: وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ كَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يَكُونُ تَرْكُهَا أَفْضَلَ إذَا كَانَ الْجُهَّالُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا سُنَّةً

ص: 406

رَاتِبَةٌ، أَوْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، فَتُتْرَكُ حَتَّى يَعْرِفَ النَّاسُ أَنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً رَاتِبَةً وَلَا وَاجِبَةً لَا سِيَّمَا إذَا دَاوَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَيَنْبَغِي تَرْكُهَا أَحْيَانًا. انْتَهَى. وَلَمْ يَرْتَضِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ، بَلْ مَالَ إلَى الِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجُمُعَةِ فِي يَوْمِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا، وَأَوْجَبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى مَنْ لَهُ عَرَقٌ أَوْ رِيحٌ يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ آكَدُ مِنْ سَائِرِ الْأَغْسَالِ، سِوَى الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ آكَدُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ آكَدُ صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (فِي يَوْمِهَا) اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْغُسْلِ: بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ سَحَرًا، وَقِيلَ: أَوَّلُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَآخِرُ وَقْتِهِ إلَى الرَّوَاحِ إلَيْهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِ، إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَفْضَلَهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ عِنْدَ مُضِيِّهِ إلَيْهَا وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ.

ص: 407

قَوْلُهُ (وَيَتَنَظَّفُ، وَيَتَطَيَّبُ، وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) بِلَا نِزَاعٍ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ: أَنَّهُ يُسَنُّ لُبْسُ الْبَيَاضِ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ (وَيُبَكِّرُ إلَيْهِ مَاشِيًا) الْمُسْتَحَبُّ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ التَّبْكِيرُ إلَيْهَا.

فَائِدَةٌ: يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا بِالنِّدَاءِ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ بِالنِّدَاءِ الْأَوَّلِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: لِسُقُوطِ الْفَرْضِ وَقِيلَ: لِأَنَّ عُثْمَانَ سَنَّهُ. وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ، وَخُرِّجَ رِوَايَةً: تَجِبُ بِالزَّوَالِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِيمَنْ مَنْزِلُهُ قَرِيبٌ أَمَّا مَنْ مَنْزِلُهُ بَعِيدٌ: فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا كُلَّهَا، إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ، وَيَكُونُ السَّعْيُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: إنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ السَّعْيِ إلَيْهَا أَيْضًا.

قَوْلُهُ (وَيَدْنُو مِنْ الْإِمَامِ، وَيَشْتَغِلُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ) وَكَذَا الصَّلَاةُ نَفْلًا، وَيَقْطَعُ التَّطَوُّعُ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَيَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا) هَكَذَا قَالَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا لِلْخَبَرِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ:

ص: 408

وَيَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا أَوْ لَيْلَتِهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي يَوْمِهَا سُورَةَ الْكَهْفِ وَغَيْرَهَا.

قَوْلُهُ (وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ) يَعْنِي فِي يَوْمِهَا، وَأَفْضَلُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، لِسَاعَةِ الْإِجَابَةِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ: أَنَّهَا فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. قُلْت: ذَكَرَ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِيهَا: ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا، وَذَكَرَ الْقَائِلَ بِكُلِّ قَوْلٍ وَدَلِيلَهُ. فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهَا مُلَخَّصَةً: فَأَقُولُ، قِيلَ: رُفِعَتْ مَوْجُودَةٌ فِي جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ سُنَّةٍ مُخْفِيَةٌ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ تَنْتَقِلُ فِي يَوْمِهَا، وَلَا تَلْزَمُ سَاعَةً مُعَيَّنَةً، لَا ظَاهِرَةً وَلَا خَفِيَّةً إذَا أُذِّنَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِثْلُهُ وَزَادَ مِنْ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ مِثْلُهُ وَزَادَ مَا بَيْنَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ مِنْ الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ أَوَّلَ سَاعَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا فِي آخِرِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ النَّهَارِ مِنْ زَوَالٍ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نِصْفَ ذِرَاعٍ مِثْلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ ذِرَاعًا بَعْدَ الزَّوَالِ بِشِبْرٍ إلَى ذِرَاعٍ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِنْ زَوَالٍ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ مَا بَيْنَ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ خُرُوجِهِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ تَحْرِيمِ الْبَيْعِ إلَى حِلِّهِ مَا بَيْنَ الْأَذَانِ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ

ص: 409

عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَام عِنْدَ التَّأْذِينِ وَالْإِقَامَةِ وَتَكْبِيرِ الْإِمَامِ مِثْلُهُ.

لَكِنْ قَالَ: إذَا أَذَّنَ وَإِذَا رَقَى الْمِنْبَرَ وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ مِنْ حِينِ يَفْتَتِحُ الْخُطْبَةَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا إذَا بَلَغَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ وَأَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ عِنْدَ نُزُولِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ حِينَ تُقَامُ حِينَ يَقُومُ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ وَقْتَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ إلَى أَنْ يَقُولَ آمِينَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا مِنْ وَسَطِ النَّهَارِ إلَى قُرْبِ آخِرِ النَّهَارِ مِنْ اصْفِرَارِهَا إلَى أَنْ تَغِيبَ آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ حِينِ يَغِيبُ نِصْفُ قُرْصِهَا أَوْ مِنْ حِينِ تَتَدَلَّى لِلْغُرُوبِ إلَى أَنْ يَتَكَامَلَ غُرُوبُهَا هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يُصَلِّي فِيهَا قَالَ: وَلَيْسَتْ كُلُّهَا مُتَغَايِرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّحِدَ مَعَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ أَكْثَرِهَا: أَنَّهَا تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الْوَقْتِ الَّذِي عُيِّنَ، بَلْ الْمَعْنَى: أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا، أَوْ يَرَى فُرْجَةً فَيَتَخَطَّى إلَيْهَا) أَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا: فَإِنَّهُ يَتَخَطَّى مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، إنْ كَانَ مُحْتَاجًا لِلتَّخَطِّي. هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُكْرَهُ تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: إذَا أَتَى الْمَسْجِدَ كُرِهَ أَنْ يَتَخَطَّى النَّاسَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا وَلَا يَجِدُ طَرِيقًا فَلَا بَأْسَ بِالتَّخَطِّي. انْتَهَى.

وَقِيلَ: يَتَخَطَّى الْإِمَامُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزُ، وَالْغُنْيَةُ، وَزَادَ: وَالْمُؤَذِّنُ أَيْضًا

ص: 410

وَأَمَّا غَيْرُ الْإِمَامِ: فَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً، فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَيْهَا بِدُونِ التَّخَطِّي كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيُكْرَهُ تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ رَأَى فُرْجَةً لَمْ يُكْرَهْ التَّخَطِّي إلَيْهَا. انْتَهَى.

وَيَأْتِي كَلَامُ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْإِفَادَاتُ، وَالْوَجِيزُ وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ لِيَدْخُلَ فِي الصَّفِّ إذْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ، لَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرَهُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ التَّخَطِّي فِيهَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَخَطَّى ثَلَاثَ صُفُوفٍ فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا فَلَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِتَخَطِّي الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ تَرَكُوا أَوَّلَ الْمَسْجِدِ فَارِغًا وَجَلَسُوا دُونَهُ فَلَا بَأْسَ بِتَخَطِّيهِمْ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يُكْرَهُ إنْ تَخَطَّى أَرْبَعَ صُفُوفٍ فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْفُرْجَةُ أَمَامَهُ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ، وَأُطْلِقَ فِي التَّلْخِيصِ رِوَايَتَانِ فِي كَرَاهَةِ التَّخَطِّي إذَا كَانَتْ الْفُرْجَةُ أَمَامَهُ وَقَطَعَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرُ الْإِمَامِ فُرْجَةً، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّخَطِّي، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

ص: 411

وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَصَاحِبُ النَّصِيحَةِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَحْرُمُ التَّخَطِّي، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ: أَنَّ التَّخَطِّيَ مَذْمُومٌ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الذَّمَّ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُقِيمُ غَيْرَهُ، فَيَجْلِسُ مَكَانَهُ) هَكَذَا عِبَارَةُ غَالِبِ الْأَصْحَابِ فَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمُوا بِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: الْقِيَاسُ جَوَازُ إقَامَةِ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْضِعِهِمْ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَفِي الْمَوْقِفِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ: هَلْ يُؤَخَّرُ الْمَفْضُولُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِلْفَاضِلِ؟ .

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَلَا يُقِيمُ غَيْرَ عَبْدِهِ وَوَلَدِهِ) وَهُوَ صَحِيحٌ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ الصَّلَاةَ فِيهِ، حَتَّى الْمُعَلِّمُ وَنَحْوُهُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ: لَوْ أَقَامَة قَهْرًا فَفِي صَلَاتِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، قُلْت: الَّذِي تَقْضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ لِارْتِكَابِ النَّهْيِ.

قَوْلُهُ (إلَّا مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ) ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: سَوَاءٌ حَفِظَهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِدُونِ إذْنِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ الْحِفْظَ بِدُونِ إذْنِهِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: الْقِيَاسُ كَرَاهَتُهُ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إيثَارٌ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ، وَهُوَ الصَّوَابُ

ص: 412

تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْعِلَّةِ فِي جَوَازِ الْجُلُوسِ: فَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَبِهِ عَلَّلَ الشَّارِحُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ جَلَسَ لِحِفْظِهِ لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَتِهِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ آثَرَ بِمَكَانِهِ وَجَلَسَ فِي مَكَان دُونَهُ فِي الْفَضْلِ، وَكُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَوَاشِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُبَاحُ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ كَمَا جَلَسَ فِي مِثْلِهِ، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ آثَرَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: إنْ آثَرَ ذَا هَيْئَةٍ بِعِلْمٍ وَدَيْنٍ جَازَ، وَلَيْسَ إيثَارًا حَقِيقَةً، بَلْ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ: تَخْرِيجُ سُؤَالِ ذَلِكَ عَلَيْهَا قَالَ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَصَرَّحَ فِي الْهَدْيِ فِيهَا بِالْإِبَاحَةِ، وَيَأْتِي آخِرَ الْجَنَائِزِ إهْدَاءُ التُّرْبَةِ لِلْمَيِّتِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُكْرَهُ قَبُولُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِصَاحِبِهِ عَلَى مَكْرُوهٍ وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ قَالَ سِنْدِيٌّ: رَأَيْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى مَوْضِعِك، فَرَجَعَ إلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ

ص: 413

الثَّانِيَةُ: لَوْ آثَرَ شَخْصًا بِمَكَانِهِ فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ جَازَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَوَاشِي وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ مُصَلَّى مَفْرُوشًا فَهَلْ لَهُ رَفْعُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ لِلطُّوفِيِّ أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِي: لَهُ رَفْعُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِغَيْرِهِ رَفْعُهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ قُلْت: فَلَوْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، وَلَمْ يَحْضُرْ: رُفِعَ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا الصَّوَابُ، وَقِيلَ: إنْ وَصَلَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ تَخَطِّي أَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ رَفْعُهُ.

فَائِدَةٌ: تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُصَلَّى الْمَفْرُوشِ لِغَيْرِهِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ بِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ جُلُوسُهُ عَلَيْهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ إنْ حَرُمَ رَفْعُهُ فَلَهُ فَرْشُهُ: وَإِلَّا كُرِهَ

ص: 414

وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لَهُ فَرْشُهُ، وَأَمَّا صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ: فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ. صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ: حَمْلُهُمَا عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ: بِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا قَامَ مِنْ صَفٍّ فَاضِلٍ، أَوْ فِي وَسَطِ الصَّفِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُهُ عَنْهُ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَام أَحْمَدَ، قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَوْقِفِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فَلْيُعَاوَدْ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ عَوْدُهُ قَرِيبًا. قُلْت: فَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِهَا.

الثَّانِيَةُ: إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى مَوْضِعِهِ إلَّا بِالتَّخَطِّي، فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَوَّزَ أَبُو الْمَعَالِي التَّخَطِّيَ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ هُنَاكَ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ يُوجِزُ فِيهِمَا) .

ص: 415

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إنْ لَمْ يَفُتْهُ مَعَ الْإِمَامِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ.

فَوَائِدُ. لَوْ جَلَسَ قَبْلَ صَلَاتِهِمَا قَامَ فَأَتَى بِهِمَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ [وَأَطْلَقُوا. وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي فَصْلِ إذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ مُحْدِثًا أَنَّ التَّحِيَّةَ تَسْقُطُ بِطُولِ الْفَصْلِ]

وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِسُقُوطِهَا مِنْ عَالِمٍ، وَمِنْ جَاهِلٍ لَمْ يَعْلَمْ عَنْ قُرْبٍ، وَلَا تُسْتَحَبُّ التَّحِيَّةُ لِلْإِمَامِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا يُعَايَى بِهَا، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَإِنْ صَلَّى فَائِتَةً كَانَتْ عَلَيْهِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ لِلْخَبَرِ وَكَالْفَرْضِ عَنْ السُّنَّةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُهُ حُصُولُ ثَوَابِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَذَانِ: الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا ابْتِدَاءُ النَّافِلَةِ حَالَ الْخُطْبَةِ.

ص: 416

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، إلَّا لَهُ، أَوْ لِمَنْ كَلَّمَهُ) الْكَلَامُ تَارَةً يَكُونُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَنْ يُكَلِّمُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ بَيْنَ غَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إبَاحَةُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ لَهُمَا مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: يُبَاحُ لَهُمَا مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ مِنْ غَيْرِهِمَا: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ التَّحْرِيمَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ دُونَ غَيْرِهِ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ يَجُوزُ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي النُّكَتِ: وَرِوَايَةُ عَدَمِ التَّحْرِيمِ عَلَى ظَاهِرِهَا، عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَبُو الْمَعَالِي: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَفُتْهُ سَمَاعُ أَرْكَانِهَا.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنَّ الْكَلَامَ يَجُوزُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ إذَا سَكَتَ وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْكَلَامَ بَيْنَهُمَا يُبَاحُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا عِنْدِي أَصَحُّ وَأَقْيَسُ وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ الْجَوَازَ قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَاطِبٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَأَطْلَقَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ فِي الْفَائِقِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فِي كَرَاهَتِهِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَفِي الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ، وَفِي إبَاحَتِهِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ.

ص: 417

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ تَنَفَّسَ الْإِمَامُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْخُطْبَةِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالْجَوَازِ حَالَةَ التَّنَفُّسِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ إذَا شَرَعَ الْخَطِيبُ فِي الدُّعَاءِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، الثَّالِثَةُ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: مَا إذَا احْتَاجَ إلَى الْكَلَامِ كَتَحْذِيرِ ضَرِيرٍ أَوْ غَافِلٍ عَنْ بِئْرٍ، أَوْ هَلَكَةٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْكَلَامُ، بَلْ يَجِبُ، كَمَا يَجُوزُ قَطْعُ الصَّلَاةِ. الرَّابِعَةُ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا سَمِعَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ التَّخْرِيجِ: يَكُونُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ.

الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ تَأْمِينُهُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَحَمِدَهُ خُفْيَةً إذَا عَطَسَ، نَصَّ عَلَيْهِ. السَّادِسَةُ: يَجُوزُ رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ نُطْقًا مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَالْحَوَاشِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ يَجُوزُ إنْ سَمِعَ وَلَمْ يَفْهَمْهُ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَ فِي رَدِّ السَّلَامِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفَائِقِ، السَّابِعَةُ: إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمَفْهُومَةُ كَالْكَلَامِ، وَفِي كَلَامِ الْمَجْدِ: لَهُ تَسْكِيتُ الْمُتَكَلِّمِ بِالْإِشَارَةِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ.

ص: 418

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ النَّافِلَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ. قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ، وَلَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، وَفِي الْخِلَافِ لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ: يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ بِخُرُوجِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا تَحْرِيمَ إنْ لَمْ يَحْرُمْ الْكَلَامُ فِيهَا.

قَالَ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ فَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَخَرَجَ الْإِمَامُ خَفَّفَهَا فَلَوْ نَوَى أَرْبَعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ الْمَجْدُ: يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ السُّنَّةِ، وَمِنْهَا: يَجُوزُ لِمَنْ بَعُدَ عَنْ الْخَطِيبِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ خُفْيَةً، وَفِعْلُهُ أَفْضَلُ نَصَّ عَلَيْهِ فَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ بَعُدُوا فَلَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَهُ جَازَ لَهُمْ إقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْمُذَاكَرَةُ فِي الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا.

وَمِنْهَا: يُكْرَهُ الْعَبَثُ حَالَةَ الْخُطْبَةِ. وَكَذَا شُرْبُ الْمَاءِ إنْ سَمِعَهَا، وَقَالَ الْمَجْدُ: يُكْرَهُ مَا لَمْ يَشْتَدَّ عَطَشُهُ وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِأَنَّ شُرْبَهُ إذَا اشْتَدَّ عَطَشُهُ أَوْلَى، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: إنْ عَطِشَ فَشَرِبَ فَلَا بَأْسَ قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ شَرْبَةً بِقِطْعَةٍ بَعْدَ الْأَذَانِ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ قَالَ

ص: 419