المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٢

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌تابع المقصد الأول في تشريف الله تعالى له عليه الصلاة والسلام

- ‌إسلام الفاروق

- ‌دخول الشعب وخبر الصحيفة

- ‌الهجرة الثانية إلى الحبشة ونقض الصحيفة

- ‌وفاة خديجة وأبي طالب:

- ‌خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف:

- ‌ذكر الجن:

- ‌وقت الإسراء:

- ‌ذكر عرض المصطفى نفسه على القبائل ووفود الأنصار:

- ‌باب هجرة المصطفى وأصحابه إلى المدينة:

- ‌قصة سراقة:

- ‌ذكر بناء المسجد النبوي وعمل المنبر

- ‌ذكر المؤاخاة بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين

- ‌باب بدء الأذان

- ‌كتاب المغازي

- ‌مدخل

- ‌بعث حمزة رضي الله عنه:

- ‌سرية عبيدة المطلبي

- ‌سرية سعد بن ملك

- ‌أول المغازي: ودان

- ‌ غزوة بواط

- ‌غزوة بدر الأولى:

- ‌سرية أمير المؤمنين عبد الله بن جحش:

- ‌تحويل القبلة وفرض رمضان وزكاة الفطر

- ‌باب غزوة بدر العظمى

- ‌قتل عمير عصماء

- ‌غزوة بني سليم وهي قرقرة الكدر

- ‌قتل أبي عفك اليهودي

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذكر بعض وقائع ثانية الهجرة

- ‌ذكر تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما

- ‌قتل كعب بن الأشرف وهي سرية محمد بن مسلمة

- ‌غزوة غطفان:

- ‌غزوة بحران

- ‌سرية زيد إلى القردة

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد

- ‌سرية عبد الله بن أنيس

- ‌[بعث الرجيع] :

- ‌بئر معونة:

- ‌حديث بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة بدر الأخيرة وهي الصغرى

- ‌غزوة دومة الجندل

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ذكر تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما

"‌

‌ذكر تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما

":

وفي هذه السنة تزوج علي رضي الله عنه، بفاطمة رضي الله عنها كما قاله الحافظ مغلطاي وغيره.

وقال الطبري في كتابه "ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى": تزوجها في صفر في السنة الثانية، وبنى بها في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من التاريخ.

وقال أبو عمر بعد وقعة أحد، وقال غيره: بعد بنائه صلى الله عليه وسلم بعائشة

ذكر تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما:

"وفي هذه السنة" الثانية من الهجرة، "تزوج علي رضي الله عنه بفاطمة رضي الله عنها" الزهراء البتول، أفضل نساء الدنيا، حتى مريم، كما اختاره المقريزي والزركشي والقطب الخيضري والسيوطي في كتابيه، شرح النقاية وشرح جمع الجوامع، بالأدلة الواضحة التي منها أن هذه الأمة أفضل من غيرها. والصحيح أن مريم ليست نبية، بل حكي الإجماع على أنه لم تنبأ امرأة، وقد قال صلى الله عليه ولسلم:"مريم خبير نساء عالمها وفاطمة خير نساء عالمها"، رواه الحارث في مسنده والترمذي، بنحوه. وقال صلى الله عليه وسلم:"يا بنية، ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين"؟، قالت: يا أبت، فأين مريم؟ قال:"تلك سيدة نساء عالمها"، رواه ابن عبد البر، وبسط ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في المقصد الثاني.

وقد أخرج الطبراني بإسناد على شرط الشيخين. قالت عائشة: ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها. "قاله الحافظ مغلطاي وغيره" وفيه إجمال بينه بقوله: "وقال الطبري" أحمد بن عبد الله الحافظ محب الدين المكي، "في كتابه ذخائر العقبى" بالمعجمة، جمع ذخيرة، "في مناقب ذوي القربى" للنبي صلى الله عليه وسلم:"تزوجها" أي: عقد عليها "في صفر". وفي الإصابة: في أوائل المحرم، "في السنة الثانية" وفي الخميس عقد عليها في رجب، على الأصح، وقيل: في رمضان. "وبنى بها في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من التاريخ" للهجرة. "وقال أبو عمر" ابن عبد البر "بعد وقعة أحد": ووقعتها في شوال سنة ثلاث، اتفاقا ورده في الإصابة، بأن حمزة استشهد بأحد. وقد ثبت في الصحيحين قصة الشارفين لما ذبحهما حمزة، وكان علي أراد أن يبني بفاطمة، انتهى.

"وقال غيره": عقد عليها "بعد بنائه صلى الله عليه وسلم بعائشة"، الواقع في شوال سنة اثنين أو بعد سبعة

ص: 357

بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر ونصف.

وتزوجها وهي ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر -أو ستة أشهر ونصف- وسنة يومئذ إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر. ولم يتزوج عليها حتى ماتت.

وعن أنس قال: جاء أبو بكر ثم عمر يخطبان فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكت ولم يرجع إليهما شيئا

أشهر من الهجرة، وقولان ذكرهما المصنف في الزوجات "بأربعة أشهر ونصف" فيكون العقد في نصف صفر سنة اثنين، أن حسب شهر بنائه بعائشة من المدة، "وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر ونصف" فيكون في شوال، فيوافق قول أبي عمر أنه بعد أحد، فهذا القول كما ترى غير قائل بأن البناء في الحجة، حتى يقال عليه العقد في أوائل جمادى الأولى كما وهم. "وتزوجها وهي ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، أو ستة أشهر ونصف" شهر، والقولان مبنيان على نقل أبي عمر عن عبيد الله بن محمد بن جعفر الهاشمي، أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد أبيها صلى الله عليه وسلم.

أما على ما رواه الواقدي عن العباس، وجزم به المدائني وابن الجوزي، أنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين، فتكون ابنة تسع عشر سنة وشهر ونصف "وسنة"، أي:"يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر"، بناء على قول عروة الذي ضعفه أبو عمر، أنه أسلم وهو ابن ثمان سنين، أما على قول ابن إسحاق وهو الراجح، كما مر أنه أسلم وهو ابن عشر سنين، فيكون سنة يوم التزويج، أربعة وعشرين سنة وشهرا ونصف شهر.

ويقع في كثير من النسخ إحدى وعشرين بالجر، فقوله: وسنه اسم كان مقدرة وهو أظهر من تقدير نحو إحدى وعشرين؛ لأن العبارة تصير محتملة للزيد والنقص، "ولم يتزوج عليها".

ولما خطب ابنة أبي جهل، واسمها جويرية، في أشهر الأقوال قام صلى الله عليه وسلم على المنبر وقال:"لا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن"، وقال:"والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا، فترك علي الخطبة"، رواه الشيخان وغيرهما.

قال أبو داود: حرم الله على علي أن ينكح على فاطمة حياتها لقوله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، [الحشر: 7] ، وألحق بعضهم أخواتها بها، ويحتمل اختصاصها ويأتي إن شاء الله تعالى بسط ذلك في الخصائص، واستمر ذلك "حتى ماتت" فتزوج بعدها أمامة بنت أختها زينب بوصية من فاطمة بذلك، قاله الحافظ وغيره.

"وعن أنس قال: جاء أبو بكر ثم عمر يخطبان فاطمة" كل لنفسه "إلى النبي" غاية لجاء "صلى الله عليه وسلم، فسكت ولم يرجع إليهما شيئا" أي: لم يرد عليهما جوابا بشيء.

ص: 358

فانطلقا إلى علي رضي الله عنه يأمرانه بطلب ذلك. قال علي: فنبهاني لأمر، فقمت أجر ردائي حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: تزوجني فاطمة؟ قال: "وعندك شيء"؟ فقلت: فرسي وبدني، قال:"أما فرسك فلا بد لك منها وأما بدنك فبعها"، فبعتها بأربعمائة وثمانين، فجئته بها، فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة فقال:"أي بلال: ابتع بها لنا طيبا"

وفي رواية أبي داود: أن أبا بكر خطبها فأعرض عنه، ثم عرم فأعرض عنه، ويروى أنه قال لكل منهما: أنتظر بها القضاء وأنها بكت لما خطباها، فلم يرد عليهما بشيء. "فانطلقا إلى علي رضي الله عنه يأمرانه بطلب ذلك" لرؤيتهما أنه أصلح لها من غيره، لقربه وخلوه من النساء، أو بطلب ذلك لهما على عادة الاستشفاع بالأقارب، وفيه بعد.

"قال علي: فنبهاني لأمر" بنون وموحدة ثقيلة، أوقفاني على أمر كنت عنه غافلا، وهو خطبتها، فتنبهت "فقمت أجر ردائي" فرحا بما تنبهت له وهو خطبة خير النساء، "حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: تزوجني"، بحذف الهمزة المقدرة، أي: أتزوجني "فاطمة؟ قال:" "وعندك" فهو على تقدير همزة الاستفهام أيضا، "شيء" تصدقها به؟ "، "فقلت: فرسي وبدني" بفتح الباء والدال، درعي.

وروى ابن إسحاق في السيرة الكبرى، عن علي، أنه صلى الله عليه وسلم قال:"هل عندك شيء"؟ " قلت: لا، قال: "فما فعلت الدرع التي سلحتكها"، يعني من مغانم بدر، وروى أحمد عن علي، أردت أن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فقلت: والله ما لي من شيء، ثم ذكرت صلته وعائدته، فخطبتها إليه، فقال: "وهل عندك شيء"؟، قلت: لا، قال: "فأين درعك الحطيمة التي أعطيتك يوم كذا وكذا"؟ قلت: هي عندي، قال: "فأعطها إياها" وله شاهد عند أبي داود عن ابن عباس، ولا منافاة؛ لأنه فهم أولا أن مراده النقد، فنفاه، فلما سأله عن درعة علم أنه لا يريد خصوص النقد، فقال: فرسي وبدني، وفي النهاية: الحطيمة التي تحطم السيوف، أي: تكسرها، أو العريضة الثقيلة، أو نسبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم حطمة، كهمزة ابن محارب كانوا يعملون الدروع، وهذا أشبه الأقوال، انتهى. "قال: "أما فرسك فلا بد لك منها" للحروب، "وأما بدنك فبعها"، أي: الدرع وهي مؤنثة وتذكر، "فبعتها" عن عثمان بن عفان "بأربعمائة وثمانين" درهما، ثم إن عثمان رد الدرع إلى علي فجاء بالدرع والدراهم إلى المصطفى، فدعا لعثمان بدعوات، كما في رواية "فجئته بها، فوضعتها في حجره فقبض منها قبضة،" مفعول به بضم القاف أكثر من فتحها، ما قبضت عليه من شيء، كما في القاموس والصحاح، والمعنى أخذ بيده دراهم قبض عليها، "فقال -أي بلال-" بفتح الهمزة وسكون الياء حرف نداء:"ابتع" اشتر "بها لنا طيبا".

ص: 359

وأمرهم أن يجهزوها، فجعل لها سرير مشروط، ووسادة من أدم حشوها ليف. وقال لعلي: إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك.

فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وأنا في جانب، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أههنا أخي"، قالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته ابنتك؟ قال: "نعم". ودخل صلى الله عليه وسلم فقال لفاطمة: "ائتني بماء"، فقامت إلى قعب في البيت فأتت فيه بماء فأخذه ومج فيه ثم

وفي رواية ابن أبي خيثمة، عن علي أمر صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلث الأربعمائة وثمانين في الطيب، وعلى هذا فهذه القبضة ثلثها، أو أقل، وكملها إلى الثلث. ووقع عند ابن سعد وأبي يعلى، بسند ضعيف عن علي، فقال صلى الله عليه وسلم:"اجعلوا ثلثين في الطيب وثلثا في الثياب""وأمرهم أن يجهزوها، فجعل لها سريرا مشروطا" أي: مجعول فيه شرائط، أي: حبال.

وفي القاموس: الشريط خوص مفتول يشرط به السرير ونحوه، "ووسادة من أدم حشوها ليف" وعن جابر: كان فرشهما ليلة عرسهما إهاب كبش، رواه ابن فارس.

وفي رواية: كان لهما فراشان أحدهما محشو بليف، والآخر بحذاء الحذاءين وأربع وسائد، وسادتين من ليف وثنتين من صوف، ولا معارضة لجواز أن واحدة للنوم على السرير، والثلاثة في البيت. "وقال لعلي: إذا أتتك فلا تحدث شيئا" من جماع ولا مقدماته "حتى آتيك". زاد في رواية: فأرسل صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس، فهيأت البيت، فصلى العشاء، وأرسل فاطمة، "فجاءت مع أم أيمن" بركة الحبشية مولاته عليه السلام، "حتى قعدت" فاطمة مع أم أيمن "في جانب البيت وأنا"، أي: علي، كما في الرواية، "في جانب" آخر من البيت، "وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم" بعدما صلى العشاء الآخرة، "فقال: أههنا أخي! " قالت أم أيمن" مباسطة له عليه السلام، لا مستفهمة إذ لا يخفى حال علي عليها، "أخوك وقد زوجته ابنتك، قال: "نعم" هو كأخي في المنزلة والمواخاة، التي سلفت بين وبينه في الدين لا في النسب والرضاع، فلا يمتنع علي تزويج إياه بنتي.

صح أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي""ودخل صلى الله عليه وسلم" البيت "فقال لفاطمة: "ائتني بماء" فقامت" امتثالا لأمره، زاد في رواية: تعثر في ثوبها، وربما قال: في مرطها من الحياء، "إلى قعب" بقاف مفتوحة، فعين ساكنة فموحدة، قدح كبير، أو صغير، أو يروي الرجل، كما في القاموس، وفي مقدمة الفتح: هو إناء من خشب "في البيت فأتت فيه بماء فأخذه ومج فيه" أي: أخذ منه ماء ووضعه في فمه، ثم رمى به في القعب، "ثم

ص: 360

قال لها: "تقدمي"، فتقدمت: فنضح بين ثديها وعلى رأسها وقال: " اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم". ثم قال: "أدبري" فأدبرت فصب بين كتفيها. ثم فعل مثل ذلك بعلي رضي الله عنه. ثم قال له: "ادخل بأهلك بسم الله والبركة". خرجه أبو حاتم، وأحمد في المناقب بنحوه.

وفي حديث أنس عند أبي الخير القزويني الحاكمي: خطبها علي بعد أن خطبها أبو بكر ثم عمر................................

قال لها: "تقدمي"، فتقدمت، فنضح" بفتحات رش "بين ثدييها وعلى رأسها وقال:"اللهم إني أعيذها بك" أجيرها بحفظك "وذريتها من الشيطان الرجيم" المطرود.

وقد استجاب الله تعالى دعاء أم مريم، فما بالك بدعاء سيد الخلق. "ثم قال:"أدبري" بفتح الهمزة، "فأدبرت، فصب بين كتفيها، ثم فعل مثل ذلك بعلي رضي الله عنه" اختصر الرواية فلفظ: من عزى له ثم قال لعلي: "ائتني بماء"، قال: فعلمت الذي يريده، فقمت فملأت القعب ماء فأتيته به، فأخذه فمج فيه، ثم صب على رأسي وبين ثديي، ثم قال لي:"أدبر"، فصب بين كتفي، ثم قال:"اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم".

وفي حديث أسماء بنت عميس، عند الطبراني تقديم علي على فاطمة في ذلك، "ثم قال له:"ادخل بأهلك باسم الله والبركة"، خرجه أبو حاتم" بن حبان التميمي البستي، "وأحمد في المناقب"، وكذا خرجه أبو داود كلاهما "بنحوه،" من حديث أنس، وحكايته ليلة البناء من قوله: وجاء رسول الله.. إلى آخر الحديث.

أما عن مشاهدة بأن يكون دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خادمه، وكان ذلك قبل بلوغه، وقبل نزول الحجاب، وأما أن يكون حمله عن علي وهو ظاهر قوله، فعلمت الذي يريد.. إلخ، وروى النسائي عن علي: توضأ صلى الله عليه وسلم في إناء ثم أفرغه على علي وفاطمة، ثم قال:"اللهم بارك فيهما، وبارك لهما في شملهما"، وهو بالتحريك الجماع.

في رواية: في شبليهما قال: في الصواعق، قيل: وهي تصحيف، فإن صحت فالشبل ولد الأسد، فيكون ذلك كشفا وإطلاعا منه صلى الله عليه وسلم على أنها تلد الحسنين، فأطلق عليهما شبلين وهما كذلك، انتهى.

يروى عن علي أنه صلى الله عليه وسلم حين زوجه دعا بماء فمجه، ثم صبه، ثم رشه في جبينه وبين كتفيه، وعوذه بقل هو الله أحد والمعوذتين.

"وفي حديث أنس عند أبي الخير القزويني الحاكمي" وابن عساكر، وابن شاذان، بنحوه قال:"خطبها علي،" طلب تزويجها، "بعد أن خطبها أبو بكر، ثم عمر" وذكرهما ذلك

ص: 361

فقال له عليه الصلاة والسلام: "قد أمرني ربي بذلك".

قال أنس: ثم دعاني عليه الصلاة والسلام بعد أيام فقال: "ادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن وعدة من الأنصار"، فلما اجتمعوا وأخذوا مجالسهم وكان علي غائبا فقال صلى الله عليه وسلم:

"الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع المرهوب من عذابه وسطوته، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم

لعلي كما في حديثه السابق فوقه، "فقال له عليه الصلاة والسلام:"قد أمرني ربي بذلك"، التزويج المفهوم من خطبها.

وقد روى الطبراني برجال ثقات مرفوعا، "أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي"، ولا يقال لم أخره حتى سأله علي لجواز أن الأمر ورد بعد سؤال علي، أو قبله بأن يزوجه إذا سأله. "قال أنس: ثم دعاني عليه الصلاة والسلام بعد أيام، فقال:"ادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن" بن عوف رضي الله عنهم، "وعدة من الأنصار" جماعة بينهم له، لا أنه قال له: أدع عدة، ففي رواية ابن عساكر، عن أنس: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ غشيه الوحي، فلما سرى عنه قال:"إن ربي أمرني أن أزوج فاطمة من علي، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر"، وسمي جماعة من المهاجرين وبعددهم من الأنصار، "فلما اجتمعوا وأخذوا مجالسهم"، أي: قعد كل واحد في مجلسه اللائق به، "وكان علي غائب" عن هذا المجلس، وما رواه ابن عساكر أنه عليه السلام أمر عليا أن يخطب لنفسه، فخطب، وأوجب له صلى الله عليه وسلم في حضوره فقبل، واستشهد على الصحابة الحاضرين على ذلك، فقال ابن كثير: هذا خبر منكر، "فقال صلى الله عليه وسلم:"الحمد لله المحمود" من أسماء الله تعالى، كما صرح به هذا الخبر، وعده بعض العلماء في أسمائه، وفي شعر حسان: فذو العرش محمود؛ لأنه تعالى حمد نفسه وحمده عباده "بنعمته" التي لا تتناهى ولا يستطاع حصرها ولا تضاهي، "المعبود بقدرته" إذ لا قدرة على عبادته إلا بأقداره، "المطاع" المتبع الذي ينقاد له فيما أراده وفي التنزيل:{أَطِيعُوا اللَّه} [الأنفال: 20]، "المرهوب" الذي يخاف "من عذابه" وفي التنزيل:{وَإِيَّايَ فَارْهَبُون} [البقرة: 40] ، "وسطوته" قهره وإذلاله، "النافذ أمره في سمائه وأرضه" جنسهما، فالمراد جميع السموات والأرضين، "الذي خلق الخلق" قدرهم وأوجدهم "بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه وأكرمهم" كلهم مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم وملكهم، "بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم". ودليل العموم قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] فإرساله إكرام لجميع الخلائق.

ص: 362

إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا، أمرا مفترضا، أوشج به الأرحام، وألزم به الأنام"، فقال عز من قائل:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54] فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت

ويحتمل تخصيص الإكرام بالمؤمنين من الخلق، والأول أولى "إن الله تبارك اسمه، وتعالت عظمته، جعل المصاهرة"، المناكحة، "سببا" أمرا يتوصل به إلى اتصال بعض الأنساب ببعض "لاحقا" لازما لا يستغني عنه، ولا ينفك عن الناس. "وأمرا مفترضا" ثابتا، وهو قريب في المعنى مما قبله، فهو إطناب مستحسن في الخطب، "أوشج" بشين وجيم، أوصل "به الأرحام" القرابات، فإن من تزوج من قوم حصل بينه وبينهم قرابة بالنسل، ولم يذكر المجد، تعديته بالهمزة. وفي المغني: النقل بالهمزة قيل: كله قياسي، وقيل: سماعي في القاصر، والمتعدي إلى واحد. والحق أنه قياسي في القاصر، سماعي في غيره، وهذا ظاهر مذهب سيبويه، "وألزم" بلام وزاي، "به" بالتلبس بذلك السبب "الأنام"، وفي نسخة: بكاف وراء، من الإكرام "فقال عز من قائل:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} " [الفرقان: 54] ، من المني إنسانا "فجعله نسبا"، أي: ذا نسب، "وصهرا" ذا صهر، بأن يتزوج ذكر أو أنثى طلبا للتناسل.

قال الكيا الهراسي: وهو يدل على أن الله جعل الماء سبب الاجتماع والتآلف والرضاع، وفيه إشارة إلى المحرمات بالنسب والسبب، وأن كل ذلك تولد من الماء، "فأمر الله يجري إلى قضائه"، هو إرادته إيجاد العالم على نظامه العجيب، كذا في شرح المشكاة للشهاب المكي، وفي شرحه للأربعين، هو عند الأشعرية إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه، وفي شرح المقاصد: هو عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم مجتمعة، ومجملة على سبيل الإبداع.

"وقضاؤه يجري إلى قدره" هو تعلق الإرادة بالأشياء في أوقاتها، كما في شرح المشكاة، وفي شرح الأربعين: إيجاده على ما يطابق العلم، وأنه يرحم من يشاء من خلقه فضلا، ويعذب من شاء عدلا، وفي شرح المقاصد: هو عبارة عن وجود مواد الموجودات الخارجية مفصلة واحدا بعد واحد، فيما لا يزال بشهادة وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم، "ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل" مدة، "ولكل أجل كتاب" لكل وقت وأمد حكم مكتوب فيه تحديد، "يمحو" منه "ما يشاء ويثبت" بالتخفيف والتشديد، فيه ما يشاء من الأحكام وغيرها.

ص: 363

وعنده أم الكتاب. ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب، فاشهدوا أني قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك علي".

ثم دعا صلى الله عليه وسلم بطبق من بسر ثم قال: "انتهبوا"، فانتهبنا.

ودخل علي فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه ثم قال: "إن الله عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة، أرضيت بذلك"؟ فقال: قد رضيت بذلك يا رسول الله، فقال: عليه الصلاة والسلام

واستدل به الحنفية على تبدل السعادة والشقاوة، وأجاب الأشعرية: بأن ذلك التبديل في غير الكتاب الأزلي لقوله: "وعنده أم الكتاب"، أي: أصله الذي لا يغير منه شيء، وهو ما كتبه في الأزل. وقيل: أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ؛ إذ ما من كائن إلا وهو مكتوب فيه وذكر هذا في هذا المقام للإلماج إلى أن من سنن المرسلين النكاح؛ لأن صدر الآية: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} ، وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن هشام، قال: قلت لعائشة: إني أريد أن أتبتل، قالت: لا تفعل، أما سمعت الله يقول: وتلت الآية. "ثم" أقول: "إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب، فاشهدوا أني قد زوجته" إياها "على أربعمائة مثقال فضة".

وفي الحديث السابق: أنه باع بدنه بأربعمائة وثمانين درهما، فيجوز أن الدراهم كانت مقدرة بما تساوي المثاقيل وزنا، أو أنه زاد على ما باع به الدرع، "إن رضي بذلك علي" وفي ذخائر العقبى: اختلف في صداقها كيف كان، فقيل: كان الدرع ولم يكن إذ ذاك بيضاء ولا صفراء، وقيل: كان أربعمائة وثمانين، وورد ما يدل لكلا القولين. ويشبه أن العقد وقع على الدرع، وأنه صلى الله عليه وسلم أعطاها عليا ليبيعها فباعها، وأتاه بثمنها، فلا تضاد بين الحديثين، انتهى ملخصا. وهذا الجمع مدلول الحديث السابق، ثم إياك أن تفهم أن هذا الصداق يماثلها.

وقد ذكر السيوطي، أنه رأى في بعض المجاميع عن التكريتي: أن مهر المثل لا يتصور في حق فاطمة؛ لأنه لا مثل لها، قال وهو قول حسن بالغ:"ثم دعا صلى الله عليه وسلم بطبق" أي: طلب طبقا، على التوسع، أدخلت عليه الباء أو الباء سببية، والمفعول محذوف تقديره: دعا رجلا بسبب إحضار طبق "من بسر، ثم قال: "انتهبوا" أمر من الانتهاب، وهو أخذ الجماعة الشيء على غير اعتدال، "فانتبهنا، ودخل علي" بعد ذلك، "فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه" تبشيرا له، بأن الله رضيها لمن خطبها قبل، كما أرشد له قوله، "ثم قال: "إن الله عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة" فلا تنافي بين هذا وبين السابق، أن عليا خطبها وركن له المصطفى "على أربعمائة مثقال فضة، أرضيت بذلك"؟ فقال: قد رضيت بذلك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام:

ص: 364

"جمع الله شملكما وأعز جدكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيرا طيبا".

قال أنس: فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب.

والعقد لعلي وهو غائب محمول على أنه كان له وكيل حاضر، أو على أنه لم يرد به العقد، بل إظهار ذلك، ثم عقد معه لما حضر،

"جمع الله شملكما وأعز جدكما"، بفتح الجيم، حظكما، "وبارك عليكما" ودعا لهما أيضا بنحو ذلك ليلة البناء كما مر، "وأخرج منكما" نسل "كثيرا طيبا".

وفي رواية أبي الحسن بن شاذان: أنه لما زوجه وهو غائب قال: "جمع الله شملهما، وأطاب نسلهما، وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة، ومعادن الحكمة، وأمن الأمة" فلما حضر علي تبسم صلى الله عليه وسلم وقال: "إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، وإن الله أمرني أن أزوجكها على أربعمائة مثقال فضة"، فقال: رضيتها يا رسول الله، ثم خر علي ساجدا لله شكرا، فلما رفع رأسه قال صلى الله عليه وسلم:"بارك الله لكما، وبارك فيكما، وأعز جدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب".

"قال أن" بن مالك: راوي الحديث رضي الله عنه مشيرا إلى أن الله تعالى أجاب دعاءه صلى الله عليه وسلم، مؤكدا ذلك بالقسم، "فوالله لقد أخرج" الله "منهما الكثير الطيب" الطاهر، وجعل فيهم علماء وأولياء وكرماء، وملأ بهم الأرض ولله الحمد، وهم نسل النبوة.

وقد روى الطبراني والخطيب، عن ابن عباس، قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله لم يبعث نبيا قط إلا جعل ذريته من صلبه غيري، فإن الله جعل ذريتي من صلب علي"، ثم حديث أنس هذا، قال ابن عساكر: غريب فيه مجهول، وأقره الحافظ في اللسان، وإشارة صاحب الميزان إلى أنه كذب مردوده، كيف وله شاهد عند النسائي بإسناد صحيح عن بريدة: أن نفرا من الأنصار قالوا لعلي: لو كانت عندك فاطمة، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ليخطبها، فسلم عليه فقال:"ما حاجة ابن أبي طالب"؟ قال: فذكرت فاطمة، فقال صلى الله عليه وسلم:"مرحبا وأهلا" فخرج إلى الرهط من الأنصار ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: "مرحبا وأهلا"، قالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما قد أعطاك الأهل، وأعطاك الرحب، فقلما كان بعدها زوجة، قال:"يا علي لا بد للعرس من وليمة"، قال سعد: عندي كبش، وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة، فلماكان ليلة البناء، قال:"يا علي لا تحدث شيئا حتى تلقاني"، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ، ثم أفرغه على علي وفاطمة، فقال:"اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما"، "والعقد لعلي وهو غائب محمول، على أنه كان له وكيل حاضر" قبل العقد من المصطفى فورا، "أو على أنه لم يرد به العقد، بل إظهار ذلك ثم عقد معه لما حضر" وقد يرد على هذا قوله: "اشهدوا أني قد زوجته"، ثم لم ينقل عقده له بعد حضوره، إلا أن يقال قوله له:

ص: 365

أو على تخصيصه بذلك، جمعا بينه وبين ما ورد، مما يدل على شرط القبول على الفور.

وأخرج الدولابي، عن أسماء قالت: لقد أولم علي على فاطمة، فما كان وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته، رهن ردعه عند يهودي بشطر من شعير، وكانت وليمته آصعا، من شعير وتمر وحيس. والحيس: التمر والأقط.

"أمرني الله أزوجك فاطمة"، وإن كان إخبارا تضمن العقد لقوله:"أرضيت"؟، فقال علي:"قد رضيت"، "أو على تخصيصه بذلك" لأن له صلى الله عليه وسلم أن يزوج من شاء لمن شاء، "جمعا بينه وبين ما ورد مما يدل على شرط القبول على الفور.

وقد ذهب المالكية إلى أن التفريق اليسير لا يضر، فلعل غيبة علي كانت قريبة جدا، وقد يفهم من ظاهر الحديث أنه أتى في المجلس وهم ينتهبون البسر أو بعده، وأجاز أبو حنيفة التفريق مطلقا، ومنعه الشافعي مطلقا، هذا وأخذ بعضهم من هذا الخبر، أن نكاح القرابة القريبة ليس خلاف الأولى، كما تقول الشافعية، وأجيب بأن عليا قريب بعيد؛ إذ المراد بالقرابة القريبة من هي في أول درجات الخؤلة والعمومة، وفاطمة بنت ابن عم، فهي بعيدة، ونكاحها أول من الأجنبية، وأما الجواب بأن عليا لم يكن كفئا حينئذ لفاطمة سواه، فرد بأن أباه كافر، وأبوها سيد الخلق، "وأخرج الدولابي" بفتح الدال وضمها، الحافظ أبو بشر محمد بن أحمد الرازي، "عن أسماء قالت: لقد أولم علي على فاطمة، فما كان" وجد "وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته" لتقللهم حينئذ "رهن درعه عند يهودي" لا ينافي أنه باعها؛ لأن عثمان ردها له، كما مر أو أنها غيرها لتخلل مدة بين العقد والبناء.

ولم أر تسمية اليهودي "بشطر من شعير" قيل: أراد نصف مكوك، وقيل: صف وسق، قاله في النهاية، "وكانت وليمته آصعا" بفتح الهمزة وضم الصاد ومد "من شعير وتمر وحيس" وكبش من عند سعد، وآصع ذرة من عند جماعة من الأنصار.

كما في حديث بريدة "والحيس"، بفتح الحاء المهملة، وسكون التحتية وسين مهملة، "التمر والأقط" فعطفه على التمر من عطف الكل على الجزء، وهو بفتح الهمزة وكسر القاف.

قال عياض: هو جبن اللبن المستخرج زبده، وقيل: لبن مجفف مستحجر يطبخ به، وفي القاموس: الحيس: تمر يخلط بسمن، وأقط يعجن شديدا، ثم يندر منه نوه. قال الحافظ: وقد يخلط مع هذه الثلاثة غيرها، كالسويق انتهى، ولا ينافي هذا قول الشاعر:

التمر والسمن جميعا والأقط

الحيس إلا أنه لم يختلط

لأنه أراد أنه لم يختلط فيما حضره، وأنها حيس بالقوة لوجود الأجزاء دون الخلط.

ص: 366

وأخرج أحمد في المناقب عن علي: كان جهاز فاطمة رضي الله عنها خميله وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف.

"وأخرج" الإمام "أحمد في المناقب عن علي" قال: "كان جهاز فاطمة رضي الله عنها، خميله" باللام والهاء، بساط له خمل، أي: هدب رقيق، والجمع خميل بحذف الهاء، "وقربة ووسادة،" بكسر الواو، مخدة "من أدم" جلد "حشوها ليف،" أي: وسريرا مشروطا، كما في الرواية السابقة، ومر أن في رواية: أربع وسائد، وأنه يجمع بأن واحدة على السرير، وثلاثة في البيت، ومر أن فرشهما ليلة عرسهما كان جلد كبش، وأنه كان لهما فراشان، ولا معارضة؛ لأن الجهاز مجموع ذلك، فبعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر.

وروي عن الحسن البصري قال: كان لعلي وفاطمة قطيفة، إذا لبسوها انكشفت ظهورهما، وإذا لبسوها بالعرض انكشفت رءوسهما، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم مكث ثلاثة أيام لا يدخل عليهما بعد البناء، ثم دخل في الرابع في غداة باردة وهما في لحاف واحد، فقال:"كما أنتما"، وجلس عند رأسهما، ثم أدخل قدميه وساقيه بينهما، فأخذ علي أحدهما فوضعها على صدره وبطنه، ليدفيهما، وأخذت فاطمة الأخرى فوضعتها على صرها وبطنها لتدفيهما، وطلبت خادما فأمرها بالتسبيح والتحميد والتكبير.

وروي عن الحسن البصري قال: كان لعلي وفاطمة قطيفة، إذا لبسوها انكشفت ظهورهما، وإذا لبسوها بالعرض انكشفت رءوسهما، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم مكث ثلاثة أيام لا يدخل عليهما بعد البناء، ثم دخل في الرابع في غداة باردة وهما في لحاف واحد، فقال:"كما أنتما"، وجلس عند رأسهما، ثم أدخل قدميه وساقيه بينهما، فأخذ علي أحدهما فوضعها على صدره وبطنه، ليدفيهما، وأخذت فاطمة الأخرى فوضعتها على صدرها وبطنها لتدفيهما، وطلبت خادما فأمرها بالتسبيح والتحميد والتكبير.

وعن أنس قال: جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني وابن عمي، ما لنا فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل، ونعلف ناضحنا بالنهار، فقال:"يا بنية، اصبري، فإن موسى بن عمران أقام مع امرأته عشر سنين ما لهما فراش إلا عباءة قطوانية"، أي: بيضاء قصيرة الخمل، كما في النهاية، وهو بفتحتين نسبة إلى موضع بالكوفة كما في القاموس، وفي الصحيحن ومسند أحمد عن علي أن فاطمة شكت ما تلقى من أثر الرحى مما تطحن، فأتى النبي صلى اله عليه وسلم سبي، فانطلقت فلم تجده، فأخبرت عائشة، فلما جاء صلى الله عليه وسلم، أخبرته عائشة بمجئيء فاطمة، فجاء صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم فقال:"على مكانكما" فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، وقال:"ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني"؟، قلنا: بلى، قال:"كلمات علمنيهن جبريل، إذ أخذتما مضاجعكما من الليل، فكبرا ثلاثا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين، وأحمد ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم"، ويأتي إن شاء الله تعالى من مناقبهما في الأولاد والكتب النبوية، والله تعالى أعلم.

ص: 367