الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلام الذئب وشهادته له "صلى الله عليه وسلم" بالرسالة:
ومنها: قصة كلام الذئب وشهادته له صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
اعلم أنه قد جاء حديث قصة كلام الذئب في عدة طرق من حديث أبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي سعيد الخدري.
فأما حديث أبي سعيد، فرواه الإمام أحمد بإسناد جيد، ولفظه قال: عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنب وقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقًا ساقه الله إلي، فقال الراعي: يا عجبًا، ذئب مقع على ذنبه يكلمني بكلام الإنس، فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك: محمد.......................................
كلام الذئب وشهادته له "صلى الله عليه وسلم" بالرسالة:
"ومنها: قصة كلام الذئب" إضافة بيانية؛ إذ المراد معجزة الكلام، لا القصة، وعبَّر بقصة دون سابقة، نظرًا لقولهم قصة الجمل مثلًا، وأل في الذئب جنسية لتعدد القصة، بدليل روايتي أبي هريرة وكلامه، وإن كان لغيره، لكن إقراره به معجزة، "وشهادته" بالجر، عطف على كلام "له صلى الله عليه وسلم بالرسالة".
"اعلم: إنه قد جاء حديث قصة كلام الذئب في عدة طرق من حديث أبي هريرة، وأنس، وابن عمر" بن الخطاب "وأبي سعيد الخدري" المتبادر تعدد الطرق عن كل واحد من الأربعة، وليس بمراد، "فأمَّا حديث أبي سعيد، فرواه الإمام أحمد بإسناد جيد،" أي: مقبول، وكذا رواه الترمذي، والحكم، وصححاه.
"ولفظه: قال" أبو سعيد، لما ثبت ذلك عنده، وتحققه، وإن لم يحضره، فكان كالمشاهد له: عدا" هجم "الذئب على شاة، فأخذها" بغير اختيار صاحبها"، فشابه الظالم المتجاوز الحد فعبَّر بعدا"، وفي لفظ: عرض الذئب لشاة، "فطلبه الراعي" سعى خلفه حتى أدركه، وفي القاموس: طلبه طلبًا محركة، حاول وجوده وأخذه، فكأنه استعمل الطلب في محاولة الوجود، ومع ذلك فيه حذف، والتقدير: حاول وجوده حتى أدركه، "فانتزعها منه، فأقعى الذئب" ألصق ألييه بالأرض، ونصب ساقية، وتساند إلى ظهره، كما في الصحاح وغيره، فقوله: "على ذنبه" ليس صلة أقعى؛ لأن ليس من مسماه، فهو متعلق بمقدَّر، أي: واعتمد على ذنبه، أي: جعله بين رجليه، كما يفعل الكلب، ويفيد هذا ما يأتي في تفسير الاستنفار.
"وقال" للراعي: "ألا" حرف استفتاح "تتقي الله" تخافه وتحذره، "تنزع مني رزقًا" وفي رواية: حلت بيني وبين رزق "ساقه الله إلي"، سخَّره لي بأن مكَّنَني منه، "فقال الراعي: يا عجبًا! ذئب مقع على ذنبه، يكلمني بكلام الإنسان، وفي رواية: البشر، وهما بمعنى، تعجب منه؛ إذ ليس شأنه، "فقال الذئب" مجيبًا له، زاد في رواية: أتعجب مني؟ قال: كيف لا أعجب من ذئب مستوفز ذنبه يتكلم، فقال الذئب: والله إنك لتترك أعجب من هذا، "ألا أخبرك بأعجب
بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنودي بالصلاة جامعة، ثم خرج فقال للأعرابي:"أخبرهم" فأخبرهم.
من ذلك" وفي رواية: أنا أخبرك بأعجب من كلامي، قال: وماذا أعجب؟ قال: "محمد بيثرب" اسم المدينة المنورة قديمًا، وصحَّ النهي عن تسميتها به، "يخبر الناس بأنباء ما قد سبق" من الأمم السابقة وأحوالهم، وعَبَّر عن الأمم بما ليشمل ما وقع لغير العقلاء، كانفلاق البحر، وناقة صالحة، وإنما كان أعجب؛ لأن الإخبار بالغيب معجز، فهو أعجب من نطق حيوان، أنطقه من أنطق كل شيء، لكن ليس العجب واقعًا على مجرَّد إخباره بذلك، بل على جحدهم وتكذيبهم له، مع ظهور الآيات البينات على يديه، كما جاء في بعض طرق الحديث، مما ساقه في الشفاء وغيره، فقال: ألا أخبرك بأعجب من كلامي، رسول الله في النخلات بين الحجرتين يحدّث الناس عن نبأ سبق وما يكون بعد ذلك؟ وفي لفظ: يدعو الناس إلى الهدى وإلى الحق وهم يكذبونه، "قال" أبو سعيد: "فأقبل الراعي يسوق غنمه" المملوكة، ففي رواية: كان يرعى غنمًا له، "حتى دخل المدينة فزواها،" براي منقوطة "إلى زاوية من زواياها" أي: المدينة، "ثم أتى صلى الله عليه وسلم، فأخبره"، وقد اختلف في اسم مكلِّم الذئب المذكور، فقيل: أهبان بن أوس، وقيل: سلمة بن الأكوع، وأنه صاحب هذه القصة، وكانت سبب إسلامه، وقيل: أهبان بن الأكوع عن سلمة، وقيل: أهبان بن الأكوع بن عبّاد الخزاعي، وقيل: رافع بن ربيعة، وقيل: أهبان بن صيفي، وقيل: رافع بن عميرة الطائي، فإن كانت القصة تعدَّدت، فلا خلف، قال ابن عبد البر وغيره: كلّم الذئب ثلاثة من الصحابة: رافع بن عميرة، وسلمة بن الأكوع، وأهبان بن أوس، وروى البخاري في تاريخه، وأبو نعيم في الدلائل، عن أهبان بن أوس قال: كنت في غنم لي، فشدَّ الذئب على شاة منها، فصحت عليه، فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني، وقال: من لها يوم تشتغل عنها، تمنعني رزقًا رزقنيه الله تعالى، فصفقت بيدي وقلت: والله ما رأيت شيئًا أعجب من هذا، فقال: أعجب من هذا رسول الله بين هذه الخلات، يدعو إلى الله، فأتيت إليه وأخبرته وأسلمت، قال البخاري: إسناده ليس بالقوي، قال الحافظ: لأن فيه عبد الله بن عامر الأسلمي، وهو ضعيف.
"فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنودي بالصلاة جامعة،" بنصبهما على الحكاية، والأول إغراء، والثاني حال، ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر، ونصب الأول، ورفع الثاني، وعكسه، قاله السيوطي وغيره في قول البخاري: باب النداء بالصلاة جامعة، ثم خرج من المحل الذي كان فيه حين أخبره الراعي، "فقال للأعرابي:"أخبرهم" بما شاهدته ليسرّوا ويزداد إيمانهم "فأخبرهم"، وقضية سياقه أن الأمر بذلك كان عقب إخباره وليس بمراد، فالفاء للتعقيب مع التراخي كتزوج،
وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو سعد الماليني والبيهقي، وأما حديث أنس فأخرجه أبو نعيم في الدلائل، وأما حديث أبي هريرة فرواه سعيد بن منصور في سننه قال: جاء الذئب فأقعى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل يبصبص بذنبه، فقال صلى الله عليه وسلم:"هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئًا"، قالوا: والله لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجرًا ورماه به، فأدبر الذئب وله عواء، فقال صلى الله عليه وسلم:"الذئب وما الذئب".
فولد له، ففي حديث أبي هريرة عند أحمد، فقال له صلى الله عليه وسلم:"إذا صليت الصبح معنا، فأخبر الناس بما رأيت" ، فلما أصبح الرجل وصلى الصبح، أمر صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للأعرابي:"أخبرهم" فأخبرهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"صدق، والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يخرج، أي: الرجل من أهله فيخبره نعله، أو سوطه، أو عصاه بما أحدث أهله من بعده".
"وأمَّا حديث ابن عمر، فأخرجه أبو سعد" بفتح، فسكون، الحافظ، العالم الزاهد، أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الل بن حفص الأنصاري الهروي، "الماليني" -بفتح الميم وكسر اللام وسكون التحتية، ونون- نسبة إلى مالين من أعمال هراة، سمع ابن عدي، والإسماعيلي، وابن نجيد، وأبا الشيخ وغيرهم، وعن الخطيب، والبيهقي وخلق، وكان ثقة متقنًا، من كبار الصوفية، مات بمصر يوم الثلاثاء، سابع عشر شوال، سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، "والبيهقي" في الدلائل بنحوه.
"وأمَّا حديث أنس، فأخرجه أبو نعيم في الدلائل" النبوية بنحوه، "وأمَّا حديث أبي هريرة" وهو مروي على وجهين، أحدهما موافق لحديث أبي سعيد، وهو ما ذكره المصنف بعد بقوله: وروى البغوي...... إلخ، والثاني: قصة أخرى وقعت للذئب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما ذكره بقوله:"فرواه سعيد بن منصور" بن شعبة، أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة، مصنف حافظ، مات سنة سبع وعشرين ومائتين، وقيل بعدها "في سننه".
"قال" أبو هريرة: "جاء الذئب، فأقعى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل يبصبص بذنبه،" أي: يحركه، يقال: بصبص الكلب بذنبه إذا حركه، كما في القاموس، "فقال صلى الله عليه وسلم:"هذا وافد الذئاب، جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئًا" لعله خاطبه بذلك أو أوحى إليه بالمعنى الذي جاء له الذئب أو أعلمه الله، بأنه يريد بتحريك ذنبه ذلك، "قالوا: والله لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجرًا ورماه به" خشية الحاجة، فيضَّجر المصطفى فبادر إلى صرفه عنه، أو خشي أن يأمرهم بشيء للذئاب، فلا يستطيعون "فأدبر الذئب وله عواء" بالضمِّ والمد، أي: صياح، "فقال صلى الله عليه وسلم: "الذئب" خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا الذئب قد رأيتموه، "وما الذئب" استفهام تفخيم لأمره، وأصله وما حاله، فوضع الظاهر موضع المضمر؛ لأنه أقوى في التفخيم على نحو:{الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} .
وروى البغوي في شرح السنَّة وأحمد وأبو نعيم بسند صحيح عن أبي هريرة أيضًا قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منه شاة، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه، قال: فصعد الذئب على تلٍّ واستثفر، وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته انتزعته مني، فقال الرجل: تالله إن رأيت كاليوم ذئب يتكلم، فقال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم، ولا تتبعونه، قال: وكان الرجل يهوديًّا، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره وأسلم، فصدَّقه النبي ثم قال صلى الله عليه وسلم:"إنها أمارات بيني يدي الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعد".
قال القاضي عياض في الشفاء وفي بعض الطرق عن أبي هريرة: قال الذئب: أنت أعجب مني ،واقفًا على غنمك وتركت نبيًّا................................................
"وروى البغوي في شرح السنة، وأحمد، والبزار، والبيهقي، "وأبو نعيم، بسند صحيح، عن أبي هريرة أيضًا، قال: جاء ذئب إلى راعي الغنم، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه، قال: فصعد الذئب على تلٍّ -بفوقية، ولام ثقيلة، معروف يجمع على تلال مثل سهم وسهام، "واستثفر" بإسكان المهملة والمثلثة بينهما فوقية مفتوحة ثم فاء، "وقال: عمدت" تصدت وزنًا ومعنًى، "إلى رزق رزقنيه الله" مكَّنَني منه، "أخذته" أنا، "انتزعته" أنت "مني"، فقال الرجل: تالله" قسم "إن" نافية، أي: ما "رأيت كاليوم" الكاف بمعنى مثل، أي: ما رأيت هذا اليوم "ذئب" بالرفع جواب سؤال مقدر، كأنه قيل له: وما رأيت؟ فقال: الذي رأيت ذئب، وفي نسخ بالنصب، أي فقال: رأيت ذئبًا يتكلم" بكلام الإنس، "فقال الذئب: أعجب من هذا" أي: كلامي، "رجل في النخلات بين الحرتين" بفتح المهملة وشد الراء وتاء التأنيث- حرة وهي ثنية مرتفعة ذات حجارة سود، كأنها أحرقت بالنار، "يخبركم بما مضى" من أخبار الأمم، "وما هو كائن بعدكم ولا تتبعونه، قال: وكان الرجل يهوديًّا، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وأسلم، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال صلى الله عليه وسلم مشيرًا إلى ترك استغراب مثل ذلك:"إنها أمارات بين يدي الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج" من أهله "فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعد" بالضم، أي: بعد خروجه.
"قال القاضي عياض في الشفاء: وفي بعض الطرق" بضمتين جمع طريق، مجاز عن الروايات "عن أبي هريرة" قال الذئب" للراعي: أنت" أي: حالك "أعجب مني" من حالي في حال كونك "واقفًا على غنمك" أي: راعيًا وحافظًا لها، وقد تركت نبيًّا، فالجملة حالية
لم يبعث الله قط أعظم منه عنده قدرًا، وقد فتحت له أبواب الجنة وأشرف على أصحابه ينظرون قتالهم، وما بينك وبينه إلّا هذا الشِّعْب، فتصير في جنود الله. قال الراعي: من لي بغنمي؟ قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع، فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى، فذكر قصته وإسلامه ووجوده النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"عد إلى غنمك تجدها بوفرها، فوجدها كذلك، وذبح للذئب شاة منها".
واستنفر -بالسين والمثناة ثم المثلثة فاء وآخره راء- كاستفعل، أي: جعل ذنبه بين رجليه كما يفعل الكلب.
وقد روى ابن وهب مثل.......................................................
بتقدير قد، "لم يبعث الله" نبيًّا "قط" من أنبيائه السابقة "أعظم، أجَلّ منه عنده قدرًا" منزلة، تمييز نسبة، "وقد فتحت" بالتخفيف والتشديد "له أبواب الجنة" جملة حالية أيضًا، "وأشرف على أصحابه، ينظرون قتالهم" وهم واقفون فيه صفوفًا كصفوف الملائكة، وفيه أنَّ الفتح حقيقي لا مجاز عن التهيئة، والإعداد كما زعم، "وما بينك وبينه إلّا هذا الشِّعْب" بكسر المعجمة، وسكون المهملة وموحدة، وهو: ما انفرج بين جبلين، يعني أنه قريب منك، لا عذر لك في التخلف عنه، فيجب عليك الذهاب إليه، "فتصير" معدودًا "في جنود الله،" حزبه المفلحين، فتخلفك مع هذا أعجب من نطقي الذي تعجبت منه.
"قال الراعي: من" يتكفَّل لي بغنمي" يحفظها أو من يرعاها لي، فمن استفهامية، حتى أذهب إليه وأجيء" قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع" إليها من عنده، "فأسلم الرجل" الراعي إليه إلى الذئب غنمه، ومضى إليه صلى الله عليه وسلم، فذكر له قصته مع الذئب وما كلَّمه به، "وإسلامه" الغنم له، "ووجوده النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل" كما قاله الذئب، "فقال له النبي صلى الله عليه وسلم" بعدما قصَّ عليه وأسلم: "عد إلى غنمك تجدها بوفرها" -بفتح الواو وسكون الفاء- بتمامها وكمالها لم ينقص منها شيء من قولهم، أرض وافرة لم يرع نباتها، كذا فسروه وكأنه مراد، وإلا فالوفر الإتمام لا الالتمام، والذي بمعناه الوفور، كما في المصباح وغيره، فعاد إليها، فوجدها كذلك" تامَّة لم ينقص منها شيء وذبح للذئب شاة منها" جزاءً له على صنيعه وإرشاده للهدى.
واستثفر بالسين" المهملة" والمثناة الفوقية، "ثم المثلثة" تليها "فاء وآخره راء كاستفعل، أي: بزنته أي جعل ذنبه بين رجليه، كما يفعل الكلب" بيان للمراد باستثفار الذئب، وإن أطلق الاستثفار على معان آخر في اللغة، ثم قال عياض: "وقد روى ابن وهب مثل
هذا أنه جرى لأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية مع ذئب وجداه أخذ ظبيًا، فدخل الظبي الحرم، فانصرف الذئب عنه، فعجبا من ذلك، فقال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار، فقال أبو سفيان: واللات والعزّى، لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنّها خلوفًا - بضم الخاء المعجمة، أي: فاسدة متغيّرة، يعني: يقع الفساد والتغيّر في أهلها.
هذا" المذكور من كلام الذئب، "أنه جرى لأبي سفيان بن حرب" بدل من مثل هذا، "وصفوان بن أمية" قبل إسلامهما "مع ذئب وجداه أخذ ظبيًا" أي: أراد أخذه، فجرى خلفه من الحل ليأخذه، بقرينة قوله: "فدخل الظبي الحرم، فانصرف الذئب عنه؛ لأنه في الحرم المحرم صيده، أو أنه انفلت منه بعد أخذه، "فعجبا من ذلك" أي: من كون الذئب عرف حرمة الحرم، وكفَّ عن صيد أمكنه، وليس من العقلاء، "فقال الذئب" لما سمع تعجبهما، أو علمه من حالهما، "أعجب من ذلك" الفعل الواقع مني، "محمد بن عبد الله" كائن "بالمدينة يدعوكم إلى الجنة" بدعائه إلى الإسلام المقتضي لدخولها، "وتدعونه إلى النار" بقولكم: لم لا توافقنا وتعبد آلهتنا، مما هو سبب للخلود فيها، وكان هذا أعجب لمخالفته لما يقتضيه العقل، ونطق حيوان أعجم بقدرة الله وإقداره ليس بعجيب في النظر السديد والعقل السليم، وليس بأعجب من عبادة الحجارة، فقال أبو سفيان: واللات والعزَّى لئن ذكرت" بضم التاء، أي: أنا، وبفتحها، أي: أنت يا صفوان "هذا" الذي قاله الذئب في شأن محمد بمكة لأهلها لتتركنَّها خلوفًا -بضم الخاء المعجمة واللام، وإسكان الواو وفاء، "أي: فاسدة متغيرة، يعني: يقع الفساد والتغيّر في أهلها" بإسلامهم، فيغير دينهم الذي يزعمون أنه حق، وهو ضلال باطل من خلف، بمعنى تغيّر، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم" أي: تغيّر ريحه، وقيل معناه: خالية من أهلها، بأن يسلموا ويهاجروا؛ إذ من سمع ذلك لا يتردد في صحة رسالته وسعادة متبعه، من قولهم: أتيت الحي فوجدته خلوفًا، أي: ليس فيه أحد من الرجال بل النساء، ويقال لهن الخوالف كما في التنزيل؛ لأنهن يخلفن الرجال، وما اقتصر عليه المصنف أظهر؛ لأن الفساد الذي زعموه لا يختص بالرجال، بل عندهم كل م أسلم فسد دينه، رجلًا كان أو امرأة.