الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حنين الجذع شوقًا إليه "صلى الله عليه وسلم
":
ومن ذلك: حنين الجذع شوقًا إليه صلى الله عليه وسلم:
اعلم أن "الحنين" مصدر مضاف إلى الفاعل، والمراد: شوقه وانعطافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والذي في الأحاديث المسوقة هنا أنه صوت، ولعلّ المراد منه الدلالة على الشوق، أي: الصوت الدال على شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والجذع: واحد جذوع النخل، وهو بالذال المعجمة.
وقد روي حديث حنين الجذع عن جماعة من الصحابة من طرق كثيرة تفيد القطع بوقوع ذلك.
حنين الجذع شوقًا إليه "صلى الله عليه وسلم":
"ومن ذلك حنين الجذع" المعهود الذي كان يخطب عليه، "شوقًا إليه صلى الله عليه وسلم" لما فارقه وخطب على المنبر. "اعلم أن الحنين،" بفتح المهملة ونونين، بينهما تحتية، ساكنة، صوت كالأنين يكون عند الشوق لمن يهواه إذا فارقه، وتوصّ به الإبل كثيرًا، "مصدر مضاف إلى الفاعل" أي: إن الجزع حنَّ، "والمراد" بحنينه:"شوقه وانعطافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم"؛ لأن الحنين اشتياق المرأة إلى ولدها، فشبَّه سوق الجذع بالمرأة على ما يفهم من قصر المصباح، الحنين على ذلك، والحنان على غيرها، لكن قال الجوهري: الحنين: الشوق وتوقان النفس، تقول: حنّ إليه يحنُّ حنينًا.
وفي القاموس: الحنين: الشوق وشدة البكاء، والطرب أو هو صوت الطرب عن حزن أو فرح، وعليه فه بيان للمعنى المقصود بالحنين هنا، من جملة المعاني المذكورة، والذي في الأحاديث المسوقة هنا أنه صوت" فتفسيره بالشوق لا تعرض له في الأحاديث، "و" لكن "لعل المراد منه" أي: الصوت: "الدلالة على الشوق" للمصطفى، أي: الصوت الدال على شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبادر أنه بالخفض تفسير للشوق، فيصير المعنى، ولعلَّ المراد من الصوت الدلالة على الصوت؛ لأنَّه جعل تفسيرًا للشوق، وهذا لا معنى له، اللهمَّ إلّا أن يقرأ الصوت بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: فالمراد من الحنين الصوت الدال على شوقه، ويكون بيانه لحاصل المعنى، "والجذع" بكسر الجم""واحد جذوع النخل" وهو ساق النخلة، كما في القاموس وغيره، "وهو بالذال المعجمة"، وظاهره كان أخضر أو يابسًا، وقيل: يختص باليابس، ولا دلالة في {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} على الإطلاق؛ لأن كونه يابسًا يدل للتقييد على أنه لا دلالة فيه لواحد من القولين؛ لأن الواقع أنه كان يابسًا.
قال البيضاوي: الجذع ما بين العرق والغصن، وكانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة.
"وقد روي حديث حنين الجذع عن جماعة من الصحابة من طرق كثيرة، تفيد القطع بوقوع ذلك" فهو متواتر، فلا يليق تعبيره بروي ممرضًا؛ لأنه إنما يستعمل فيما يشك فيه، لا في الصحيح، فضلًا عن المتواتر، ولو أسقط عن، وجعل جماعة فاعل روى ببنائه للفاعل لم يرد عليها هذا.
قال العلامة التاج بن السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب: والصحيح عندي أن حنين الجذع متواتر:
رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر.
ورواه أحمد من رواية أبي جناب عن أبيه عن ابن عمر.
ورواه ابن ماجه وأبو يعلى الموصلي وغيرهما من رواية حمَّاد بن سلمة، عن ثابت عن أنس، وإسناده على شرط مسلم.
ورواه الترمذي وصحَّحه أبو يعلى وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصحَّحه وقال: على شرط مسلم، يلزمه إخراجه من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
"قال العلامة التاج بن السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب" في الأصول، والصحيح عندي، أن حنين الجذع متواتر، وسبقه إلى ذلك عياض وغيره، كما يأتي".
رواه البخاري" في علامات النبوة، والترمذي في الصلاة، "عن نافع عن ابن عمر" كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلمَّا اتخذ المنبر تحوَّل إليه، فحنَّ الجذع فأتاه، فمسح يده عليه، زاد الإسماعيلي، فسكن، وقال صلى الله عليه وسلم: "لو لم أفعل لما سكن".
"ورواه أحمد من رواية أبي جناب" بجيم ونون خفيفة، فألف، فموحدة، الكلبي، مشهور بكنيته، واسمه يحيى ابن أبي حيّة الكلبي، ضعَّفوه لكثرة تدليسه، مات سنة خمسين ومائة أو قبلها، روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، "عن أبيه" أبي حيّة -بفتح الحاء المهملة، والتحتية الثقيلة، واسمه حيّ -بفتح الحاء المهملة، وشد التحتية، الكلبي، الكوفي، روى عن سعد، وابن عمر، وعنه ابنته، قال أبو زرعة: محله الصدق.
وفي التقريب: مقبول من الثالثة، روى له ابن ماجه فقط، والمراد من سوقه أن أبا حيّة تابع نافعًا في روايته، "عن ابن عمر" فيغتفر ضعف أبي جناب؛ لأن القصد المتابعة لا الاحتجاج.
"ورواه ابن ماجه" وأبو يعلى الموصلي، وغيرهما من رواية حمَّاد، بن سلمة" ابن دينار البصري، ثقة، عابد، أثبت الناس في ثابت، روى له مسلم والأربعة، "عن ثابت" بن أسلم البناني، عابد، ثقة، روى له الستة، "عن أنس، وإسناده على شرط مسلم"، فهو من الطبقة السادسة من مراتب الصحيح، "ورواه الترمذي وصححه أبو يعلى، وابن خزيمة والطبراني، والحاكم وصحَّحه، وقال: على شرط مسلم، يلزمه إخراجه من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة" الأنصاري، المدني، ثقة، حجة من رجال الجميع، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة،
عن أنس.
ورواه الطبراني من رواية الحسن عن أنس.
ورواه أحمد بن منيع والطبراني وغيرهما، من رواية حمَّاد بن سلمة عن عمَّار بن أبي عامر عن ابن عباس.
ورواه أحمد والدارمي وأبو يعلى وابن ماجه وغيرهم من رواية الطفيل بن أبي كعب عن أبيه.
ورواه الدارمي من رواية أبي حازم عن سهل بن سعد.
ورواه أبو محمد الجوهري من رواية عبد العزيز أبي رواد عن نافع تميم الدارمي.
ثم قال: ولست أدعى أن التواتر حاصل بما عددت من الطرق، بل من طرق أخرى كثيرة يجدها المحدث.......................................................
وقيل: سنة أربع وثلاثين، وكان مالك لا يقدم عليه أحدًا في الحديث فيما قال الواقدي، "عن أنس" بن مالك. "ورواه الطبراني، من رواية الحسن" البصري، فهؤلاء ثلاثة رووه" "عن أنس، ورواه أحمد بن منيع البصري" بفتح الميم وكسر النون ابن عبد الرحمن أبو جعفر البغوي، نزيل بغداد، ثقة حافظ، مات سنة أربع وأربعين ومائتين وله أربع وثمانون.
"والطبراني وغيرهما من رواية حمَّاد بن سلمة، عن عمار بن أبي عامر، مولى بني هاشم أبو عمر، ويقال: "أبو عبد الله، صدوق، روى له مسلم والأربعة، مات بعد العشرين ومائة، "عن ابن عباس" عبد الله، "ورواه أحمد، والدارمي، وأبو يعلى، وابن ماجه وغيرهم من رواية الطفيل بن أبيّ بن كعب،" الأنصاري، الخزرجي، ثقة، من كبار التابعين، يقال: وُلِدَ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقال له أبو بطن لعِظَمِ بطنه، روى له البخاري في الأدب المفرد، "عن أبيه" أبي بن كعب، بن قيس، بن زيد، بن معاوية، بن عمرو، بن مالك، بن النجار، سيد القراءة، من فضلاء الصحابة، يكنَّى أبا المنذر، ويكنَّى أبا الفيل أيضًا.
"ورواه الدارمي من رواية أبي حازم" بمهملة وزاي، سلمة بن دينار المدني، عابد، ثقة من رجال الجميع، "عن سهيل بن سعد الساعدي.
"ورواه أبو محمد" الحسن بن علي "الجوهري" من رواية عبد العزيز أبي رواد،" بفتح الراء، وشد الواو، صدوق، عابد، ربما وهم ورمي بالإرجاء، روى له الأربعة، وعلق له البخاري، مات سنة تسع وخمسين ومائة" عن نافع عن تميم، بن أوس بن خارجة "الدارمي" الصحابي المشهور، مات سنة أربعين، فعدَّ ستة من الصحابة الذين رووه، "ثم قال" ابن السبكي: "ولست أدعى أن التواتر حاصل بما عددت من الطرق، بل من طرق أخرى كثيرة، يجدها المحدث
ضمن المسانيد والأجزاء وغيرهما، وإنما ذكرت في المشاهد منها أو في بعضها، وربَّ متواتر عن قوم غير عند آخرين. انتهى.
وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري: حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كلّ منهما نقلًا مستفيضًا يفيد القطع عند من يطّلع على طرق الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له في ذلك، والله أعلم، انتهى.
وقال البيهقي: قصه حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف، انتهى.
وهذه الآية من أكبر الآيات والمعجزات الدالة على نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي -فيما نقله ابن أبي حاتم عنه، في مناقبه: ما أعطى الله نبيًّا ما أعطى نبينا محمدًا، فقيل له: أعطى عيسى إحياء الموتي، قال: أعطى محمدًا حنين الجذع حتى سمع صوته، فهو أكبر من ذلك.
ضمن المسانيد والأجزاء وغيرهما" كالمشيخات والمعاجم، أي: غير القسمين، وفي نسخة وغيرها، بالتأنيث نظرًا للمعني، أي: وغير الإفراد، المذكورة، "وإنما ذكرت" بالبناء للفاعل، مسند إلى ضمير المتكلم، وحذف المفعول، أي: ما وجدته "في الشاهدة منها، أو في بعضها، وربَّ متواتر عند قوم" لكثرة اطِّلَاعهم، "غير متواتر عند آخرين" لقِلَّته، "انتهى" كلام ابن السبكي.
"وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري" في حديث تسبيح الطعام: "حنين الجذع وانشقاق القمر، نقل كلٌّ منهما نقلًا مستفيضًا، يفيد القطع عن من يطَّلع على طرق الحديث، دون غيرهم، ممن لا ممارسة له في ذلك، والله أعلم. انتهى".
"وقال" هنا "قال البيهقي: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف" ورووها "عن السلف" رواية الإخبار الخاصة كالتكليف، هذا بقية كلام البيهقي، "انتهى. وهذه الآية من أكبر الآيات والمعجزات الدالة على نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم".
"قال الشافعي فيما نقله ابن أبي حاتم" عن أبيه، عن عمرو بن سواد، "عنه" أي: الشافعي "في" كتاب "مناقبه" التي ألفها ابن أبي حاتم، "ما أعطى الله نبيًّا" مثل "ما أعطى نبينا محمدًا،، فقيل له" القائل عمرو بن سواد، بلفظ قلت:"أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمدًا حنين الجذع حتى سمع صوته، فهي أكبر من ذلك".
وقال القاضي عياض: حديث حنين الجذع مشهور منتشر، والخبر به متواتر، أخرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر، منهم: أُبَيّ بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وسهل بن سعد، وأبو سعيد الخدري، وبريدة، وأم سلمة، والمطلب بن أبي وداعة، انتهى.
فأمَّا حديث أُبَيّ بن كعب فرواه الشافعي، في مسنده وابن ماجه والدارمي وأحمد وأبو يعلى كما سبق قريبًا، والبيهقي كلهم من حديث الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مستندًا إلى جذع إذ كان المسجد عريشًا، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه:.......................
وقال القاضي عياض: في الشفاء: "حديث حنين الجذع مشهور منتشر،" أي: شائع بين الخلق، والخبر به متواتر، لكثرة طرقه الصحيحة، ونقل جماعة له عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، "أخرجه أهل الصحيح" أي: الذين التزموا إخراج الأحاديث الصحيحة في كتبهم، كالبخاري، ومسلم، وابن خزيمة، وابن حبان.
"ورواه من الصحابة بضعة عشر" بكسر الباء وفتحها من ثلاثة إلى تسعة، "منهم: أُبَيّ بن كعب وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر" بن الخطاب، "وعبد الله بن عباس، "وسهل بن سعد، وأبو سعيد" سعد بن مالك "الخدري" بالدال المهملة، "وبريدة وأم سلمة" أم المؤمنين هند بنت أبي أمية، "والمطلب بن أبي وداعة" بفتح الواو وخفة الدال- الحارث بن صبيرة -بمهملة، ثم موحدة- ابن سعيد، بالتصغير، السهمي، أبو عبد الله، صحابي أسلم يوم الفتح، وأمه أروى بنت الحارث بن عبد المطلب، بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، نزل المدينة، ومات بها، وله أحاديث في مسلم والسنن، "انتهى" ما نقله من كلام عياض، ومنه كلهم يحدث بمعنى الحديث، أي: فروايتهم متفقة بحسب المعنى، وكأنه يشير إلى أن تواتره معنوي لا اصطلاحي، كقول ابن صلاح: إن التواتر لا يكاد يوجد، لكن تعقب بأنه حقيقي لإجماع من بعدهم على صحتها، ثم نسب المصنف ما ذكره عياض من أحاديث هؤلاء إلى مخرجها إلّا أخيرها، وهو المطلب، وقد أخرجه أحمد والزبير بن بكار، فقال:"فأما حديث أُبَيّ بن كعب""فرواه الشافعي""في مسنده" وابن ماجه" والدارمي، وأحمد، وأبو يعلى، كما سبق قريبًا والبيهقي، كلهم من حديث الطفيل بن أُبَيّ بن كعب، عن أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مستندًا إلى جذع، إذ كان المسجد عريشًا" أي: مسقَّفًَا بالجريد، وكانت الجذوع له كالأعمدة، "وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه" هو تميم الداري، ففي
هل لك أن نجعل لك منبرًا تقوم عليه يوم الجمعة، ويسمع الناس خطبتك؟ قال:"نعم"، فصنع له ثلاث درجات، هي التي على المنبر،.........................................
أبي داود وغيره بإسناد جيد، أن تميمًا قال له صلى الله عليه وسلم لما كثر لحمه، ألا نتخذ لك منبرًا يحمل عظامك، قال:"بلى" فاتخذ منبرًا، الحديث. ولا تصريح فيه بأن صانع المنبر تميم، بل روى ابن سعد، أن تميمًا لم يعمله، وأشبه الأقوال بالصواب أن صانعه ميمون؛ لكونه من رواية سهل بن سعد، أخرجه قاسم بن أصبغ، وأبو سعد في الشرف، وهو مولى امرأة من الأنصار، كما في الصحيح، وقيل: مولى سعد بن عبادة، فكأنه في الأصل مولى امرأته، ونسب إليه مجازًا، واسمها فكيهة بنت عمة عبيد بن دليم، أسلمت وبايعت، وأمَّا الأقوال الأخرى أن صانعه تميم، أو بأقوال باللام أخره، أو الميم الرومي، أو صباح -بضم المهملة، وخفة الموحدة، أو قبيضة، أو مينا -بكسر الميم، أو صالح مولى العباس، أو إبراهيم أو كلاب مولى العباس، فلا اعتداد بها لوهائها، ويبعد جدًّا الجمع بينها، بأنَّ النجار كانت له أسماء متعددة، واحتمال كون الجميع اشتركوا في عمله يمنع منه قوله في كثير من الروايات: لم يكن بالمدينة إلا نجار واحد يقال له ميمون، إلّا أن يحمل على أن المراد واحد في صناعته، والبقية أعوانه، فيمكن كما بسطه في فتح الباري، وقدمته في المقصد الأول مبسوطًا.
"هل لك أن نجعل منبرًا تقوم عليه يوم الجمعة"، فتستريح من القيام على الجذع، ويسمع الناس خطبتك" أقوى من سماعهم وأنت على الأرض، "قال: "نعم" ، فصنع له ثلاث درجات هـ التي على المنبر، أي: فوقه؛ لأنه كان ثلاثة درجات إلى أن زاده مروان بن الحكم في خلافة معاوية ست درجات، وسبب ذلك أن معاوية كتب إليه أن يحمل المنبر إليه من المدينة إلى الشام، فأمر به، فقلع فأظلمت المدينة، وانكسفت الشمس حتى رأو النجوم، فخرج مروان فخطب فقال: إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه، فدعا نجارًا، فزاد فيه ست درجات، وقال: إنما زدت فيه حين كثر الناس، أخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة من طرق.
قال ابن النجار: واستمرَّ على ذلك إلى أن احترق مسجد المدينة، سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق.
قال السيوطي: وكان ذلك إشارة إلى زوال دولة آل البيت النبوي بني العباس، فإنها انقرضت عقب ذلك بقليل في فتنة التتار.
قال ابن النجار: ثم جدَّد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين وستمائة منبرًا، ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين منبرًا، فأزيل منبر المظفر فلم يزل منبر بيبرس إلى سنة عشرين وثمانمائة، فأرسل المؤيد شيخ منبرًا، فلم يزل إلى سنة وستين وثمانمائة، فأرسل الظاهر
فلمَّا صنع وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه الذي هو فيه، فكان إذا بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطب عليه، تجاوز الجذع الذي كان يخطب عليه خار حتى تصدّع وانشقّ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع، فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر، الحديث.
وأما حديث جابر فرواه البخاري من طرق، وفي لفظ له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل من الأنصار: ألا نجعل لك منبرًا؟ قال: "إن شئتم" ، فجعلوا له منبرًا، كان يوم الجمعة
خشقدم منبرًا، انتهى.
"فلمَّا صنع" من أثل الغابة، كما في الصحيح، "وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه الذي هو فيه، فكان إذا بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطب تجاوز الجذع الذي كان يخطب عليه، خار،" بخاء معجمة: صوت، وهو في الأصل يختص بصياح البقر، ثم توسعوا فيه في أصوات جميع البهائم، ثم قاله الراغب، فإطلاقه على صوت الجذع مجاز، "حتى تصدَّع وانشقَّ،" عطف تفسير؛ إذ حقيقة الصدع شق الأجسام الصلبة، كالزجاج والحديد، ثم استعير منه صدع الأمر بينه كأصدح بما تؤمر، وهو مبالغة في شدة صياحه، كما يقال: صاح حتى انفلق، ويجوز بقاؤه على ظاهره، ولكن يؤيد الأول قوله:"فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع، فمسحه بيده،" فسكت، كما في رواية لزوال ألمه بقربه منه ومشيه له، ثم رجع إلى المنبر. الحديث.
"وأما حديث جابر، فرواه البخاري من طيق" في مواضع، "وفي لفظ له" في علامات النبوة وغيرها، عن شيخه أبي نعيم، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر:"أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة" يخطب "إلى شجرة، أو" قال: إلى نخلة بالشكِّ من الراوي، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع، عن عبد الواحد، فقال: إلى نخلة، أي: إلى جذع نخلة، "فقالت امرأة من الأنصار" لم تسم، أو هي فكيهة بنت عبيد بن دليم زوجة سعد بن عبادة، وقول المستغفري: اسمها علاثة، تصحيف، وللطبراني اسمها عائشة، وإسناده ضعيف، "أو رجل" شكّ من الراوي، والمعتمد الأول، وقد تقدَّم بيانه في الجمعة، والخلاف في اسمها قاله في الفتح، وقال في مقدمته: في رواية البيهقي أنه تميم الداري، وقدّمنا الخلاف في اسم صانع المنبر، ورجَّحنا أن تميمًا هو المشير به، وأن صانعه الذي قطعه من طرفاء الغابة هو المختلف في اسمه، انتهى. ويقع في نسخ المصنف: أو رجل "من الأنصار" وليس في البخاري من الأنصار، ولا يصحّ لرواية البيهقي، فقال تميم: وليس من الأنصار، "ألا" بالتحفيف "نجعل لك منبرًا؟ قال:"إن شئتم" جعله فاجعلوا، "فجعلوا له منبرًا، فلمَّا كان يوم الجمعة"
رفع إلى المنبر، فصاحت النخلة، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضمَّها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكن، قال:"كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها".
وفي لفظ: قال جابر بن عبد الله: كان المسجد مسقوفًا على جذوع نخل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلمَّا صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العشار - وهو بكسر العين المهملة: النوق الحوامل.
وفي حديث أبي الزبير....................................
برفع يوم، اسم كان، ونصبه على الظرفية "رفع" بالراء، وفي رواية بالدال بدلها، وكسر الفاء، أي: النبي صلى الله عليه وسلم "إلى المنبر" ليخطب عليه، "فصاحت النخلة" التي كان يخطب عندها، أسقط من لفظ البخاري في العلامات صياح الصبي، وزاد في البيع: حتى كادت أن تنشق، "فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمها" أي: النخلة، وفي رواية: فضمَّه، أي: الجذع "إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكن" بضم التحتية، آخره نون، مبني للمفعول من التسكين، قاله المصنف.
"قال" عليه الصلاة والسلام: "كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها"، أي: ذكر الله، أو المواعظ، أو القرآن، أو نفس المصطفى؛ لأنه أطلق عليه الذكر أيضًا، لكن يبعده تسمع، وهو جواب سؤال نشأ من الكلام السابق، تقديره: لم كانت تبكي.
"وفي لفظ" للبخاري أيضًا في العلامات والجمعة، "قال جابر بن عبد الله: كان المسجد" النبوي "مسقوفًا على جذوع نخل" أي: كانت له كالأعمدة، "فكان" بالفاء، وفي رواية: بالواو، "النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب، يقوم" مستندًا "إلى جذع منها" حين يخطب، وصرَّح به في رواية الإسماعيلي: "فلمَّا صنع بالبناء للمفعول "له المنبر" وخطب عليه، مفارقًا للجذع "سمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العشار"، وبقية هذا الحديث في البخاري، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها، فسكنت. قال المصنف: بالنون "وهو بكسر العين المهملة" بعدها معجمة خفيفة، "النوق الحوال التي انتهت في حملها إلى عشرة أشهر، جمع عشراء -بضم، ففتح. وقال الخطابي: هي التي قاربت الولادة، وفي القاموس: العشراء من النوق التي مضى لحملها عشرة أشهر وثمانية، أو هي كالنفساء من النساء، وتقدَّم في الطريق الأخرى، فصاحت صياح الصبي، حتى كادت أن تنشق.
"وفي حديث أبي الزبير"، محمَّد بن مسلم المكي، صدوق، روى له الجميع، مات
عن جابر -عند النسائي في الكبرى: اضَّطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج. انتهى.
والخلوج -بفتح الخاء المعجمة، وضم اللام الخفيفة وآخره جيم: الناقة التي انتزع منها ولدها.
والحنين: هو صوت المتألم المشتاق عند الفراق.
وإنما يشتاق إلى بركة رسول الله، ويأسف على مفارقته أعقل العقلاء. والعقل والحنين بهذا الاعتبار يستدعي الحياة، وهذا يدل على أن الله عز وجل خلق فيه الحياة والعقل والشوق، ولهذا حنَّ وأنَّ.
فإن قلت: مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري:...................................
سنة ست وعشرين ومائة، "عن جابر عند النسائي في" السنن "الكبرى" إحدى تصانيفه، والصغرى هي أحد الكتب الستة:"اضَّطربت" تحرَّكت "تلك السارية" وصوَّتت تصويتًا، "كحنين الناقة الخلوج، انتهى. والخلوج -بفتح الخاء المعجمة، وضمّ اللام الخفيفة، وآخره جيم: الناقة التي انتزع منها ولدها".
زاد الفتح: وفي حديث أنس عند ابن خزيمة: فحنَّت الخشبة حنين الواله، وفي روايته الأخرى عند الدارمي: خار ذلك الجذع كخوار الثور.
وفي حديث أُبَيّ بن كعب عند أحمد، والدارمي، وابن ماجه: فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشقّ، فأخذ أُبَيّ ذلك الجذع لما هُدِمَ المسجد، فلم يزل عنده حتى بلي وصار رفاتًا، وهذا لا ينافي أنه دفن، لاحتمال أنه ظهر بعد الهدم عند التنظيف، فأخذه أُبَيّ بن كعب، انتهى.
"والحنين: هو صوت المتألم المشتاق عند الفراق" لمن يهواه، "وإنما يشتاق إلى بركة رسول الله، ويأسف على مفارقته أعقل العقلاء، والعقل والحنين بهذا الاعتبار يستدعي الحياة، وهذا يدل على أن الله عز وجل خلق فيه" أي: الجذع "الحياة والعقل والشوق، ولهذا حنَّ وأنَّ" والأنين صوت المريض، وهما متقاربان، وقيل في الأنين زيادة امتداد الصوت، وعبَّر به إيماءً إلى أنه لحقه ألم كالمريض، وهو عطف خاص على عام؛ لأن الحنين في الإبل إذا فارقت أولادها، ثم شاع في مطلق الشوق ولو بالكلام، وأمَّا الأنين فيما لا يفهم كالتأوّه، ففيه إشارة إلى أنه كان بصوت يفهم منه الحزن بدلالة طبيعة، كأنين المريض.
"فإن قلت: مذهب الشيخ الحسن الأشعري" من ذرية أبي موسى الأشعري الصحابي،
إن الأصوات لا يستلزم خلقها في المحل خلق الحياة ولا العقل.
أجيب: بأنه كذلك، ونحن لم نجعل الحياة لازمة، إلّا أنَّ الشوق إلى الحق شوقًا معنويًّا عقليًّا لا طبيعيًّا بهيميًّا. ومذهب الشيخ أبي الحسن أن الذكر المعنوي والكلام النفسي يستلزمان الحياة استلزام العلم لها. وقد بينَّا أن هذه المعاني وجدت في الجذع، وأطلق الحاضرون على صوته أنه حنين، وفهموا أنه شوق إلى الذكر وإلى مقام الحبيب عنده، وقد عامله النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة، فالتزمه كما يلتزم الغائب أهله وأعزته يبرد غليل شوقهم إليه وأسفهم عليه، ولله در القائل:
وحنَّ إليه الجذع شوقًا ورِقَّةً
…
ورجع صوتًا كالعشار مرددا
فبادره ضمًّا فقَرَّ لوقته
…
لكل امرئ من دهره ما تعوّدا
"إن الأصوات لا يستلزم خلقها في المحل خلق الحياة ولا العقل"؛ إذ الأصوات من العرض عند الأكثرين، ولم يخالف فيه إلّا النظام، وجعل الأشعري الأصوات اصطكاك الجواهر بعضها ببعض، وذلك لا يستلزم الحياة والإرادة. "أجيب: بأنه كذلك، ونحن لم نجعل الحياة لازمة" للصوت حى يلزمنا مخالفة الأشعري، "إلّا أن الشوق إلى الحق" إنما يكون "شوقًا معنويًّا"، فهو خبر محذوف، أَوْلَى من تخريجه على نصب أنَّ الجزأين "عقليًّا لا طبيعيًّا بهيميًّا، ومذهب الشيخ أبي الحسن" الأشعري، "أن الذكر المعنوي والكلام النفسي يستلزمان الحياة استلزام العلم لها، وقد بينَّا أن هذه المعاني وجدت في الجذع، وأطلق الحاضرون على صوته أنه حنين، وفهموا أنه شوق إلى الذكر، وإلى مقام الحبيب عنده، وفي رواية سهل: وكثر بكاء الناس لما رأوا به، "وقد عامله النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة" معاملة الحي العاقل، "فالتزمه" اعتنقه وضمَّه، "كما يلتزم الغائب أهله وأعزته، يبرد غليل:" حرارة "شوقهم إليه، وأسفهم:" حزنهم "عليه"، ففيه دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكًا كالحيوان، بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لمن حمل قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] الآية، على ظاهر، كما في الفتح، "ولله در القائل" وهو صالح بن الحسين الشاعر، في قصيدة طويلة:"وحنَّ" صوت "إليه الجذع شوقًا" أي: لأجل شوقًا، أو هو مفعول مطلق، أي: اشتاق إليه شوقًا عظيمًا، فالتنوين للتعظيم، "ورقة ورجّع صوتًا كالعشار" بكسر العين وخفة الشين، "مرددًا،" بفتح الدال، صفة صوتًا، وكسرها حال من فاعل رجع: أي: ورجع الجذع حال كونه مرددًا الترجيح صوتًا كصوت العشار، "فبادره ضمًّا" اعتناقًا، "فَقَرَّ" سكن "لوقته لكل امرئ من دهره ما تعوّدا"، يعني: إنه أمر مطَّرد في كل من اعتاد أمرًا وانقطع عنه، فإنه يتألم
وأما حديث أنس، فرواه أبو يعلى الموصلي بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب الناس، فجاءه رومي فقال: ألا أصنع لك شيئًا تقعد عليه كأنك قائم؟ فصنع منبرًا له درجتان، ويقعد على الثالثة، فلمَّا قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر جأر الجذع كجؤار الثور، وارتجَّ المسجد لجؤاره حزنًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فالتزمه وهو يخور، فلمَّا التزمه.....
لذلك ويحزن، فإذا رجع إليه فرح واطمأنَّ، وهذا الجذع لما ألف مقامه صلى الله عليه وسلم اعتاد ذلك، فصار يتألَّم لفراقه تألُّم من فارقته أحبته، فلمَّا ضمه، سكن وفرح كمقيم ورد عليه أحبته المسافرون سفرًا طويلًا، لا سيما إذا ظنّ المقيم أن لا يرجع المسافر إليه.
"وأما حديث أنس فرواه أبو يعلى الموصلي،" الحافظ، الثقة، أحمد بن علي بن المثني، التميم، المتوفَّى سنة سبع وثلاثمائة، وقد زاد على مائة وعمَّر، وتفرَّد ورحل الناس إليه "بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد" النبوي، كالعمود "يخطب الناس، فجاءه روميّ" باقوم، بموحدة، فألف، فقاف مضمومة، آخره ميم، أو لام، أو مينًا أو غيرهما، والأصح والأشهر أنه ميمون، كما مَرَّ عن الحافظ، ووقع للمصنف أن الأشهر باقوم، وفيه نظر، "فقال: ألا أصنع لك شيئًا تقعد عليه كأنك قائم، فصنع منبرًا" بكسر الميم من نبره، رفعه، ورقاه؛ لأن القائم عليه يرتفع عن غيره، "له درجتان، ويقعد على الثالثة، فلمَّا قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، جأر" بجيم، فهمزة مفتوحة، والجؤار معروف، ولذا قال: "كجؤار الثور،" وهو مثل الخوار بالخاء، يقال: جار الثور يجار، أي: صاع، وقرأ بعضهم:{عجلًا جسدًا له جؤار} [طه: 88] الآية، بالجيم، حكاه الأخفش، كذا في نور النبراس.
وقال التلمساني: بضم الخاء المعجمة، يهمز ويسهل، وهو أولى، وبالجيم، وهو رفع صوته مع تضرع، واستغاثة، فصدر بالخاء، وذكر الحجازي على الشفاء، أن الرواية بالجيم، وأنه لم بالخاء فيما علم وارتج" بهمزة وصل، "وراء ساكنة، وفوقية مفتوحة، وجيم ثقيلة: تحرَّك واضَّطرب اضطرابًا شديدًا، "المسجد"أي: أهله "لجؤاره" لعظيم هذه الآية، وكثر فيه الكلام، أو هو على ظاهره بأن تحرَّكت حيطانه وجدارنه لشدة صوته، إمَّا حقيقة، أو لظنّ ذلك ممن هو فيه، "حزنًا"، وفي رواية" تحزنًا"، أي: إظهار حزن، وهو خلاف السرور "على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر، فالتزمه" ضمَّه "وهو يخور:" يصوت، "فلمَّا التزمه
سكت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفس محمد بيده، لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزنًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فأمر به صلى الله عليه وسلم فدفن. ورواه الترمذي وقال: صحيح غريب.
وكذا رواه ابن ماجه والإمام أحمد من طريق الحسن عن أنس ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة، فلمَّا كثر الناس قال:"ابنوا لي منبرًا"، أراد أن يسمعهم،......................................................
سكت" عن ذلك، "ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس" روح "محمد بيده" قدرته وتصرفه، وحياته ومماته، متى أراد "لو لم ألتزمه" اعتنقه وأضمه، افتعال من اللزوم، وهو عدم الفراق، ثم استعير للعناق، كما في الأساس، "لما زال هكذا" أي: له صياح وجؤار "حتى تقوم الساعة"، وفي رواية:"إلى يوم القيامة"، "حزنًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم "، قيل: وهذا على طريق المبالغة، كقوله:{حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} ، وإن لم يقع، فلا يشكل بقوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} الآية. ولا حاجة إليه، فلا مانع من بقائه على ظاهره؛ لأنه علّق بقاءه على عدم التزامه، فإذا التزمه تغير وفني، وقد علَّم الله ذلك، "فأمر به صلى الله عليه وسلم" بعض صحبه بأخذه ودفنه، "فدفن" تحت المنبر، كما في رواية.
وفي بعض الروايات: فدفنت تحت منبره، أو جعلت في السقف، كذا في بعض نسخ الشفاء، فيحتمل أنه دفن تحت المنبر أولًا، ثم رفع في السقف، لئلَّا يداس بالأرجل، تكريمًا لأثره صلى الله عليه وسلم، فلما هُدِمَ المسجد أخذه أُبَيّ، فكان عنده إلى أن بلي وصار رفاتًا.
قال البرقي: وإنما دفنه وهو جماد؛ لأنه صار حكمه حكم المؤمن لحبه وحنينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال غيره: لئلّا تشتغل به الناس، وربما افتتن به بعد العصر الأول، وفيه إشارة إلى أنه سينبت في الجنة، كما يأتي، "ورواه" أي: حديث أنس المذكور "الترمذي، وقال: صحيح غريب" لتفرد راويه، فيجامع الصحة، فلا تنافي، ونصَّ على صحته لبيان حاله، لا لنفي صحة غيره، وكذا رواه ابن ماجه والإمام أحمد من طريق الحسن البصري، "عن أنس، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة، هي جذع نخلة، وفيه تكرر ذلك منه؛ لأن خبر كان إذا كان مضارعًا يفيد ذلك استعمالًا، كقولهم: كان حاتم يقري الضيف.
وفي التنزيل: وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، "فلا كثر الناس، قال: "ابنوا لي منبرًا" أراد أن يسمعهم، فأرسل لامرأة من الأنصار أن مري غلامك النجار، كما في حديث سهل، ولا
فبنوا له عتبتين، فتحوّل من الخشبة إلى المنبر، قال: فأخبر أنس بن مالك أنه سمع الخشبة تحنّ كحنين الواله، قال: فما زالت تحنّ حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فمشي إليها، فاحتضنها فسكتت.
ورواه أبو القاسم البغوي وزاد فيه: فكان الحسن إذا حدَّث بهذا الحديث بكى ثم قال: يا عباد الله، الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقًا إليه لمكانه من الله، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.
ينافي ذلك أن المشير بن تميم، وأن الرومي قال: ألا أصنع لك شيئًا، كما في الرواية قبله عن أنس؛ لأنه لما شقَّ عليه القيام على الجذع، وأراد إسماع الناس، أشار تميم بذلك، وقال له الرومي ما قال، فقال:"ابنو لي منبرًا" ثم أرسل المرأة، "فبنوا له عتبتين"، أي: درجتين، والثالثة هي التي يجلس عليها، كما في الرواية قبله، ولا يفهم من قوله:"ابنوا" وقوله: فبنوا أنه من طين؛ لأنه لم يثبت، كما قدَّمه المصنف في المقصد الأول، والذي في الصحيحين، أنه من أثقل الغابة، وهو بمثلثة شجر، كالطرفاء والغابة، بمعجمة موضع بالمدينة، "فتحوّل من الخشبة" أي: الجذع "إلى المنبر، قال" الحسن: "فأخبر أنس بن مالك، أنه سمع الخشبة تحنّ كحنين الواله، قال: فما زالت تحنّ حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر، فمشى إليها فاحتضنها، فسكنت، تركت صياحها لزوال همّها وحزنها بمشيه لها وضمها، "ورواه أبو القاسم" الحافظ الكبير، مسند العالم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، "البغوي" الأصل، البغدادي، الإمام الجليل، المصنف العارف، طال عمره وتفرّد في الدنيا، ومات سنة سبع عشرة وثلاثمائة عن مائة وثلاث سنين، وهو متقدِّم على محيي السنة البغوي بزمان، "وزاد فيه: فكان الحسن" البصري، "إذا حدَّث بهذا الحديث بكى، ثم قال: يا عباد الل! الخشبة" أي: الجذع، "تحنَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقًا إليه" مفعول مطلق لتحنّ، كجلست قعودًا، أو مفعول له الأوّل أَوْلَى، لقوله: "لمكانه من الله، بلام التعليل، إن لم يكن بدلًا من قوله إليه، أو علة متداخلة، فشوقًا علة لتحنّ، ولمكانه علة لشوقًا، أي: إن الخشبة اشتاقت لعلوّ مقامه وجلالة قدره، وهي جماد، "فأنتم أحق" من الجماد "أن تشتاقوا إلى لقائه"، وذكر ابن عطية عن أبيه: سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على سرير وعظه، سنة تسع وستين وأربعمائة: من أحبَّ أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل الكهف وصحبهم، فذكره الله في محكم تنزيله، فالخشبة تحنّ، والكلب يحب، فهذه عبرة لأولي الألباب.
ولله در القائل:
وألقى حتى في الجمادات حبه
…
فكانت لإهداء السلام له تهدى
وفارق جذعا كان يخطب عنده
…
فأن أنين الأم إذا تجد الفقدا
يحن إليه الجذع يا قوم هكذا
…
أما نحن أولى أن نحن له وجدا
إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة
…
فليس وفاء أن نطيق له بعدا
وأما حديث سهل بن سعد، ففي الصحيحين من طرق.
وأما حديث ابن عباس فعند الإمام أحمد بإسناد على شرط مسلم، ورواه ابن ماجه.
وأما حديث ابن عمر، ففي البخاري.
وأما حديث أبي سعيد الخدري، فعند عبد بن حميد.
"ولله در القائل: وألقى حتى في الجمادات حبه" عليه السلام، "فكانت لإهداء السلام له تهدى،" أي: تدل لذلك، بأن يخلق الله فيها هداية للسلام عليه.
فارق جذعا كان يخطب عنده
…
فأن أنين الأم إذا تجد الفقدا
بألف الإطلاق، وهو إشباع حركة الروى، فيتولد منها حرف مجانس لها، "يحن إليه الجذع يا قوم هكذا،" أي: الحنين الزائد المشبه بحنين الأم.
أما نحن أولى أن نحن له وجدا
…
إذا كان جذع لم يطق بعد
بضم، فسكون "ساعة، فليس وفاء" منا، خبر ليس قدم على اسمها، وهو "أن نطيق له بعدا" وهو معرفة بل من أعرف المعارف، لأن المصدر المنسبك من أن، والفعل في رتبة الضمير، كما في المغني.
"وأما حديث سهل بن سعد، ففي الصحيحين" في الصلاة وغيرها "من طرق" عن سهل، قال: بعث صلى الله عليه وسلم إلى امرأة: "أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أجلس عليهن".
"وأما حديث ابن عباس، فعند الإمام أحمد، بإسناد على شرط مسلم،" ولا يلزم أنه كصحة ما رواه نفس مسلم، كما نبه عليه ابن الصلاح وغيره، ولذا كان من الرتبة السادسة من مراتب الصحيح، "ورواه ابن ماجه" وابن منيع والطبراني، كما مر،
"وأما حديث ابن عمر، ففي البخاري" مختصرا، وقدمت لفظه، "وأما حديث أبي سعيد الخدري، فعند عبد" بلا إضافة "ابن حميد" بن نصر الكسبي، بمهملة أبي محمد، قيل: اسمه
وأمَّا حديث عائشة، فعند البيهقي وفي آخره: أنه صلى الله عليه وسلم خَيّرَ الجذع بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة.
وأما حديث بريدة، فعند الدارمي وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين حَنَّ: "إن شئت أن أردَّك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك، ويجدد لك خوص وثمرة، وإن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك؟ " ثم أصغى له النبي صلى الله عليه وسلم يستمع ما يقول، فقال: بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله، وأكون في مكان لا أبلى فيه، فسمعه من يليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"قد فعلت"، ثم قال: اختار دار البقاء على دار الفناء.
عبد الحميد، وبذلك جزم ابن حبان وغير واحد، ثقة، حافظ، روى عن مسلم والترمذي، مات سنة تسع وأربعين ومائتين، وكذا رواه عنه الدارمي.
"وأمَّا حديث عائشة، فعند البيهقي" في الدلائل، ولم يذكرها أولًا فيمن أجمله من الصحابة، "وفي آخره: أنه صلى الله عليه وسلم خَيِّرَ الجذع بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة" وفيه نوع إجمال بيته قوله.
"وأمَّا حديث بريدة، فعند الدارمي وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله حين حن: "إن شئت" بتاء الخطاب؛ لأنَّ الله خلق فيه إدراكًا "أن أردك إلى الحائط" أي: البستان، "الذي كنت فيه تنبت لك عروقك" بدل من أردك، أو مستأنف لبيان علة الرد إلى مكانه الذي نبت فيه، "ويكمل خلقك ويجدد ذلك خوص" بضم الخاء ورق النخل، "وثمرة" أي: يعود لك خلقتك بتمامها ونضارتها، "وإن شئت" غرسك، بالمفعول مقدر، "أغرسك في الجنة" بالجزم جواب الشرط، "فيأكل أولياء الله من ثمرك" ، عطف على الجواب، فخيره بين الحياة الدنيوية والأخروية، "ثم أصغى" بمهملة فمعجمة: أمال رأسه" وقرَّبه له النبي صلى الله عليه وسلم يستمع ما يقول" أي: ليستمع قوله وجوابه: "فقال" الجذع: بل تغرسني في الجنة، أي: تصيرني من غراسها، فيأكل مني" أي: من ثمري "أولياء الله" المؤمنون، "وأكون في مكان لا أبلى -بفتح الهمزة: أفني وضمها خطأ "فيه" وهو الجنة كسائر أهلها وأشجارها، "فسمعه" أي: لام الجذع "من يليه" أي: الجذع أو النبي، أي: يقرب منه فسماعه لم يختص به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"قد فعلت" بضم التاء للمتكلم، أي: جعلتك من غراس الجنة، "ثم قال" صلى الله عليه وسلم:"اختار دار البقاء" الجنة "على دار الفناء" الدنيا، بفتح الفاء والمد: الذهاب والزوال.