الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسبيح الطعام والحصى في كفِّه الشريف "صلى الله عليه وسلم
":
وأمَّا ما روي من طاعات الجمادات وتكليمها له بالتسبيح والسلام ونحو ذلك مما وردت به الأخبار، فمنها تسبيح الطعام والحصا في كفة الشريف صلى الله عليه وسلم.
فخرج محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات قال: أخبرنا أبو اليمان قال: أنبأنا شعيب عن الزهري قال: ذكر الوليد بن سويد أن رجلًا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة: عن أبي ذر قال: هجرت.............................................
تسبيح الطعام والحصى في كفِّه الشريف "صلى الله عليه وسلم":
"وأمَّا ما روي من طاعات" أي: انقياد "الجمادات" جمع جماد، وهو ما لا روح له؛ كالحجر والشجر، والمراد: جنسها لا جميعها، "وتكليمها" خطابها "له بالتسبيح والسلام، ونحو ذلك" كمجيء الشجر له، "مما وردت به الأخبار".
"فمنها" أي: مما روي من الطاعات، "تسبيح الطعام والحصا" لف ونشر غير مرتب وهو أَوْلَى، وفي نسخة: تقديم الحصا على الطعام، "في كفّه الشريف صلى الله عليه وسلم " أي: قول سبحانه الله، "فخرَّج محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي -بضم الذال المعجمة وإسكان الهاء وباللام- النيسابوري الحافظ، روى عن أحمد، وإسحاق، وابن المديني وخلق، وعنه البخاري.
قال أبو بكر بن أبي داود: كان أمير المؤمنين في الحديث.
وقال الخطيب: كان أحد الأئمة العارفين والحفاظ المتقنين، والثقات المأمونين، مات سنة ثمان وخمسين ومائتين، "في الزهريات" -بزاي وراء- كتاب.
قال الخطيب: جمع فيه حديث الزهري وجوده، وكان ابن حنبل يثني عليه، ويشكر فضله.
"قال: أخبرنا أبو اليمان" الحكم -بفتحتين- ابن نافع البهراني -بفتح الموحدة- الحمصي، مشهور بكنيته، ثقة، ثبت من رجال الجميع، يقال: إنَّ أكثر حديثه عن شعيب مناولة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين، "قال: أنبأنا شعيب" بن أبي حمزة، دينار الأموي، مولاهم الحمصي، ثقة عابد، روى له الجماعة.
قال ابن معين: من أثبت في الزهري، مات سنة اثنتين وستين ومائة أو بعدها، "عن الزهري" محمد بن شهاب، العلم المنشور، "قال: ذكر الوليد بن سويدان أن رجلًا من بني سليم -بضم السين- "كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة -بفتح الراء والموحدة، والذال المعجمة- قرية قرب المدينة، كانت عامرة أول الإسلام، ذكر له "عن أبي ذر" الغفاري، "قال: هجرت" -بفتح الهاء وشد الجيم- سرت وقت الهاجرة، وهي اشتداد الحر نصف النهار،
يومًا من الأيام، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته، فسألته عنه الخادم، فأخبرني أنه ببيت عائشة، فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس، وكأنِّي حينئذ أرى أنه في وحي، فسلمت عليه فردَّ السلام، ثم قال:"ما جاء بك"، قلت: جاءني الله ورسوله، فأمرني أن أجلس، فجلست إلى جنبه، لا أسأله عن شيء ولا يذكره لي، فمكثت غير كثير، فجاء أبو بكر يمشي مسرعًا فسلّم عليه، فردَّ عليه السلام، ثم قال:"ما جاء بك؟ " قال: قلت: جاء بي الله ورسوله، فأشار بيده أن أجلس، فجلس إلى ربوة مقابل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر، ثم جاء عثمان كذلك، وجلس إلى جنب عمر، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات سبع أو تسع أو ما قرب من ذلك، فسبحن في يده، حتى سمع لهنّ حنين كحنين النحل....................................
"يومًا من الأيام، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته" الذي كنت أعهد جلوسه فيه، لا ينافي قوله:"فسألت عنه الخادم، فأخبرني أنه ببيت عائشة" إذ بيتها بيته، وهو لم يعين بيته الأول الذي خرج منه.
وفي رواية البيهقي وابن عساكر عن أبي ذكر، كنت أتتبع خلواته صلى الله عليه وسلم، فرأيته يومًا خاليًا فاغتنمت خلوته "فأتيته وهو جالس عنده أحد من الناس، وكأني حينئذ أرى" بالضم أظن "أنه في وحي" أي: استماعه، وفي نسخة: إنه وحي، ومعناها: وأرى أن ما هو مشغول به وحي، "فسلمت عليه، فردَّ السلام، ثم قال: "ما جاء بك؟ " قلت: جاءني الله ورسوله" أي: حبهما، "فأمرني أن أجلس، فجلست إلى جنبه لا أساله عن شيء، ولا يذكره لي، فمكثت غير كثير، فجاء أبو بكر يمشي مسرعًا، فسلَّم عليه فردَّ عليه السلام، ثم قال: "ما جاء بك" قال: قلت: جائني الله ورسوله، فأشار بيده أن اجلس" بفتح الهمزة، وكسر النون، ووصل همزة اجلس، وهي أن المفسرة؛ لأنها سبقت بجملة فيها معنى القول دون حروفه، وبعدها جملة "فجلس إلى ربوة" بتثليث الراء: ما ارتفع من الأرض، كما في القاموس وغيره، "مقابل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك، وقال له: يا رسول الله مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر، وفي رواية البيهقي وابن عساكر، وجلس عن يمين أبي بكر، "ثم جاء عثمان كذلك، وجلس إلى جنب عمر" أي: عن يمينه، كما في رواية، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات" جمع حصاة، "سبع أو تسع أو ما قرب من ذلك،" بالشك من الراوي، ويأتي الجزم بسبع في رواية البزار ومن معه، فالشك ممن دون أبي ذر، "فسبَّحن في يده" بأن قلن: سبحان الله، حتى سمع لهنَّ حنين" تصويت "كحنين" تصويت "النحل" بالمهملة، وهو
في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضعهنَّ وناولهنَّ أبا بكر، وجاوزني، فسبَّحن في كف أبي بكر، ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض، فخرسن وصرن حصى، ثم ناولهنَّ عمر، فسبحن في كفه، كما سبَّحن في كف أبي بكر"، وناولهن عثمان فسبحن في كفه، كنحو ما سبَّحن في كف أبي بكر وعمر، ثم أخذهنَّ فوضعهن في الأرض فخرسن.
وقال الحافظ بن حجر: قد اشتهر على الألسنة تسبيح الحصى. ففي حديث أبي ذر: تناول النبي صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينًا، ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن، ثم وضعهن في يد عمر فسبحن، ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن. أخرجه البزار، والطبراني في الأوسط.
تشبيه في علوّ الصوت فقط، فلا يردّ أن دون النحل ليس بألفاظ مفهومة، وتسبيح الحصى بألفاظ علم الحاضرون أنها تسبيح، ويأتي كلّ منها متكلم باعتبار خلق الكلام فيها حقيقة، خرقًا للعادة، "في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضعهنّ" بالأرض فخرسن، ثم أخذهن، "وناولهن أبا بكر" كما في رواية البيهقي وغيره، والمخرج متّحد، ففيه هنا اختصار، "وجاوزني، فسبَّحن في كف أبي بكر" حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل، كما عند البيهقي وغيره "ثم أخذن منه، فوضعهن في الأرض، فخرسن وصرن حصى" لا تسبيح فيه "ثم" تناولهن، أي: من الأرض، وناولهن عمر، فسبّحن في كفه، كما سبحن في كَفِّ أبي بكر"، وللطبراني والبيهقي: حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل، "وناولهن عثمان فسبَّحن في كفه كنحو ما سبَّحن في كف أبي بكر وعمر" وللطبراني والبيهقي: حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل، "ثم أخذهن، فوضعن في الأرض فخرسن"، فقال صلى الله عليه وسلم: "هذه خلافة النبوة" كما في رواية البيهقي والطبراني وغيرهما، وبه يعلم وجه مجاوزته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر، مع أنه كان أقرب إليه منهم في المجلس؛ لأنه ليس من الخلفاء.
وقال الحافظ ابن حجر" في فتح الباري في شرح حديث: كنا نسمع تسبيح الطعام "قد اشتهر على الألسنة تسبيح الحصى، ففي حديث أبي ذر: تناول النبي صلى الله عليه وسلم سبع حصيات" بسين قبل الموحدة، "فسبَّحن في يده حتى سمعت لهن حنينًا، ثم وضعهنَّ في يد أبي بكر، بعد وضعهن في الأرض "فسبحنَّ، ثم وضعهنَّ في يد عمر فسبّحن، ثم وضعهن في يد عثمان فسبَّحن. أخرجه البزار والطبراني في الأوسط، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر في التاريخ، وعندهم أنه سمع لهن حنينًا كحنين النحل، وقت كونهن مع الخلفاء الثلاثة، كالنبي صلى الله عليه وسلم، فالحافظ اختصره.
وفي رواية الطبراني: فسمع تسبيحهنَّ من في الحلقة، ثم دفعهنَّ إلينا فلم يسبحن مع أحد منَّا، قال البيهقي في "الدلائل": كذا رواه صالح بن أبي الأخضر، ولم يكن بالحافظ، عن الزهري عن سويد بن يزيد السلمي عن أبي ذر.
والمحفوظ ما رواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: ذكر الوليد بن سويد أن رجلًا من بني سليم كان كبير السن. انتهى.
وفي رواية الطبراني: فسمع تسبيحهنَّ من في الحلقة" بسكون اللام وفتحها لغة، "ثم دفعهنَّ إلينا فلم يسبحن مع واحد منَّا"، ولم يذكر عليًّا، فإن كان تسبيحها مع غيره صلى الله عليه وسلم مخصوصًا بالخلفاء فهو خليفة، كابنه الحسن أيضًا، فيحتمل أنه لم يكن حاضرًا، أو لأنَّ خلافته أدركت الفتنة، على أن مثله لا يشين مقامه مع ما له من المناقب، كما قاله بعض شراح الشفاء، واستظهر بعضهم تعدد الواقعة؛ لأن الرواية الأولى تقتضي أنه لم يكن ثَمَّة غير أبي ذر، والثانية تقتضي أنه حضرها جماعة من الصحابة؛ لقوله في رواية ابن عساكر، من حديث أنس بعد عثمان، ثم وضعهنَّ في أيدينا رجلًا رجلًا فما سبحت حصاة منهنّ. وعلى كليهما لم يحضر علي معهم، فقيه إشارة إلى عدم امتداد خلافته استقلالًا رضي الله عنه، وفيه: إن الأصل عدم التعدد، لا سيما مع المخرج الذي هو أبو ذر، عن أنس لا يقتضي تعدد القصة؛ إذ هي قصة واحدة رواها اثنان، وكون متقضى حديث أبي ذر أنه لم يكن غيره ثمة، ومقتضى حديث أنس: أن حضرها جمع لا يقتضي التعدد أيضًا؛ لأنه من اختلاف الرواية بالزيادة والنقص، وقد صرَّح الحافظ وغيره بأنَّ تسبيح الحصى إنما له هذه الطريق الواحدة، مع ضعفها.
"قال البيهقي في الدلائل" النبوية: "كذا رواه صالح بن أبي الأخضر" اليمامي، مولى هشام بن عبد الملك نزل البصرة، ضعيف يعتبر به، مات بعد الأربعين ومائة، روى له الأربعة، كما في التقريب، وسقط في نسخ المصنف لفظ أبي قبل الأخضر، مع أنه في الفتح عن البيهقي، بلفظ: أداة الكنية، وهو الصواب، ولم يكن بالحافظ، وإن روى "عن الزهري عن سويد بن يزيد السلمي عن أبي ذر. والمحفوظ ما رواه شعيب بن أبي حمزة" نافع، وروى عنه ابن مهدي ومسلم، وكان يخدم الزهري، فقد لينه البخاري واسمه دينار، عن الزهري، قال: ذكر الوليد بن سويد، أن رجلًا من بني سليم كان كبير السن" ممن أدرك أبا ذر بالربذة، ذكر له عن أبي ذرك، "انتهى".
وذكر ابن الحاجب عن بعض الشيعة: إنه انشقاق القمر، وتسبيح الحصى، وحنين الجذع، وتسليم الغزالة، مما نقل آحادًا مع توفر الدواعي على نقله، ومع ذلك لم تكذب رواتها، وأجاب بأنه استغنى عن نقلها تواترًا بالقرآن، وأجاب غيره: بمنع نقلها آحادًا، وعلى تسليمه، فمجموعها
وليس لحديث تسبح الحصى إلّا هذه الطريق مع ضعفها، لكنه مشهور عند الناس.
وما أحسن قول سيدي محمد وفي:
لسبحة ذاك الوجه قد سبح الحصا
…
ومن سخ سحب الكف قد سبح الرعد
وقول الآخر:
يا حبدا لو لثمت كفًّا
…
قد سبحت وسطها الحصاء
وقد أخرج البخاري من حديث ابن مسعود:....................
يفيد القطع، والذي أقول: إنها كلها مشتهرة عند الناس.
أما من حيث الرواية، فليست على حد سواء، فحنين الجذع وانشقاق القمر، نقل كلٌّ منهما نقلًا مستفيضًا يفيد القطع عند من يطّلع على طرق ذلك من أئمة الحديث دون غيرهم، ممن لا ممارسة له في ذلك.
وأما تسبيح الحصى فليس له إلّا هذا الطريق الواحدة مع ضعفها.
وأما تسليم الغزالة، فلم أجد له إسنادًا لا من وجه قوي، ولا من وجه ضعيف، ذكره الحافظ عقب كلام البيهقي، بلفظ:
فائدة: فاقتصر منه المصنف على قوله: "وليس لحديث تسبيح الحصى إلّا هذه الطريق الواحدة، وكأنه لم يعتبر طريق صالح لقول البيهقي: إنها غير محفوظة وإلا فهما طريقان، طريق صالح وطريق شعيب، وإن اتحد المخرج، لكن يرد عليه أنَّ ابن عساكر أخرجه عن أنس فهي طريق ثانٍ، لاختلاف المخرج، وإن اتحدت القصة، "مع ضعفها، لكنه مشهور عند الناس"، وذلك يجبر ضعف الطريق، وما أحسن قول سيدي محمد وفي: لسبحة "بضم السين: بهاء ونور، "ذاك الوجه" النبوي "قد سبح الحصى" دلالة على صدقه، "ومن سخ" بفتح السين وشد الخاء المهملتين: صب وسيلان، "سحب" جمع سحاب، "الكف" أي: ومن أجل عطاياه المشبه للماء الكثير الذي يصبّه السحاب، "قد سبّح الرعد" دلالة على كماله صلى الله عليه وسلم، "وقول الآخر: يا حبذا لو لثمت كفًّا قد سبحت وسطها" بالسكون "الحصاء" بالمد للضروة على أحد القولين في جواز مد المقصور، وفي نسخة الحصاة أي: جنسها، وفي نسخة الحصباء بزيادة باء، وهي تحريف، ينزحف به البيت.
وقد أخرج البخاري في علامات النبوة، والترمذي في المناقب، من حديث ابن مسعود قال: كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفًا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقلَّ الماء، فقال:"اطلبوا فضلة من ماء" فجاؤا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال:
كنَّا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام، ونحن نسمع تسبيح الطعام.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم فسبح. رواه القاضي عياض في "الشفاء"............
"حيّ على الطهور المبارك، والبركة من الله"، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، ولقد كنَّا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. هذا لفظ البخاري.
وأما قوله: "كنَّا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام"، فهو لفظ الترمذي، فتسامح المؤلف بعزوه للبخاري وإتيانه بلفظ الترمذي، فلو عزاه لهما لسهل ذلك، وقد قال الحافظ وتبعه المصنف، قوله: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، أي: في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غالبًا، ووقع ذلك عند الإسماعيلي صريحًا من الوجه الذي أخرجه من البخاري، بلفظ: كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم الطعام، ونن نسمع تسبيح الطعام، زاد الحافظ: وله شاهد عند البيهقي، كان أبو الدرداء وسلمان إذا كتب أحدهما إلى الآخر، قال: بآية الصحفة، وذلك أنهما بينا هما يأكلان في صحفة إذ سبحت وما فيها. انتهى. ولأبي الشيخ عن أنس: أتى صلى الله عليه وسلم بطعام ثريد، فقال:"إن هذا الطعام يسبح" قالوا: أوتفقه تسبيحه؟ قال: "نعم"، ثم قال لرجل:"أدن هذه القطعة من هذا الرجل" فأدناها، فقال: نعم يا رسول الله، هذا الطعام يسبّح، ثم قال:"ردها" فردها. وظاهر هذين الحديثين أنه كان يسبح وهو في الإناء، وظاهر حديث البخاري أنه كان يسبح بعد وضعه في الفم، ولا مانع منهم، ثم هذا كله مما يستأنس به؛ لأن معنى قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} الآية. تسبيح حقيقي بلسان المقال لا بلسان الحال، ويشهد له قوله:{وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} الآية. إذ لو كان بلسان الحال لفهمناه، وفي قوله: كنَّا دليل على تكرّره، وأنه وقع مرارًا عديدة، وهو آية للنبي صلى الله عليه وسلم أعظم من تسبيح الجبال مع داود، وفهم نطق الطير لسليمان.
"وعن جعفر" الصادق "بن محمد، عن أبيه" محمد الباقر بن علي، زين العابدين بن الحسين، بن علي بن أبي طالب، "قال" محمّد:"مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل بطبق،" أي: وعاء مجازًا، وإن كان الطبق لغة الغطاء؛ لأنه على هيئته، "فيه رمّان وعنب" من الجنة على الظاهر، وزعم أنهما من الدنيا، إذ لو كانا من الجنة لم يفنيا، لقوله:{أُكُلُهَا دَائِمٌ} لا يسمع، الآية؛ لأن ذاك في يوم القيامة، "فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم، أي: فأراد الأكل منه؛ إذ تناوله بيده لا بعد الأكل؛ كقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] كذا لبعض، "رواه" أي: ذكره القاضي عياض في الشفاء" بلا إسناد تعليقًا.
قال السيوطي: ولم أجده في كتب الحديث، يعني: المشهورة، فلا ينافي اطّلاع عياض
ونقله عنه الحافظ أبو الفضل في فتح الباري.
واعلم أن التسبيح من قبيل الألفاظ الدالة على معنى التنزيه، واللفظ يوجد حقيقة ممن قام به اللفظ، فيكون في غير من قام به مجازًا، فالطعام والحصا والشجر ونحو ذلك، كلّ منهما متكلم باعتبار خلق الكلام فيها حقيقة، وهذا من قبيل خرق العادة.
وفي قوله: "ونحن نسمع تسبيحة" تصريح بكرامة الصحابة بسماع هذا التسبيح وفهمه، وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك تسليم الحجر عليه صلى الله عليه وسلم:.....................................
عليه، "و" من ثَمَّ "نقله عنه الحافظ أبو الفضل في فتح الباري" في شرح حديث ابن مسعود.
"واعلم: أن التسبيح من قبيل الألفاظ الدالة على معنى التنزيه، واللفظ يوجد حقيقة ممن قام به اللفظ،" وهو الحيوان الناطق، "فيكون في غير من قام به مجازًا" علاقته المشابهة في النطق، "فالطعام والحصى والشجر ونحو ذلك، كل منهما متكلم باعتبار خلق الكلام"، وهذا من قبيل خرق العادة"؛ إذ خلق الله فيها النطق بما تنزهه به، لا أنه عبارة عن أحد كان يسبح حين أحضر الطعام أو الحصيات ونحوهما؛ لأنه خروج عن الظاهر بلا دليل، وخوارق العادات لا تقاس بالمعهودات.
"وفي قوله: ونحن نسمع تسبيحه، تصريح بكرامة الصحابة بسماع هذه التسبيح وفهمه،" مع أنه ليس بمعهود"وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم"؛ حيث سرَّى سرَّه إليهم، وهي أعظم من معجزة داود عليه السلام في تسبيح الجبال معه؛ لأنها لم تسبح بيده، بخلاف نبينا، فسبَّحت بيده، ويد من أراده من أمته، وتسبيح الطعام أعظم منهما؛ إذ لم يعهد مثله، والجبال قد وصفت بالخضوع والخشوع، ومن فهم سليمان منطق الطير؛ لأنه ناطق في الجملة بخلاف الطعام، والله أعلم.
"ومن ذلك تسليم الحجر عليه صلى الله عليه وسلم" قال ابن سيد الناس: يحتمل أن يكون هذا التسليم حقيقة، ويكون الله أنطقه بذلك، كما خلق الحنين في الجذع، ويحتمل أن يكون مضافًا إلى ملائكة يسكنون هناك من باب:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} الآية. فيكون من مجاز الحذف، وهو علم ظاهر من أعلام نبوّته على كلا التقريرين، انتهى، وبالأوّل جزم النووي، فقال في شرح مسلم: سلامه حقيقة، وقيل في قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} الآية. أنه
خرج مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلّم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن".
وقد اختلف في هذا الحجر، فقيل: هو في الحجر الأسود، وقيل: هو حجر غيره بزقاق يعرف به بمكة، والناس يتبركون بلمسه، ويقولون: إنه هو الذي كان يسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم متى اجتاز به.
وقد ذكر الإمام أبو عبد الله، محمد بن رشيد -بضم الراء- في رحلته..................
حقيقة بتمييز يخلقه الله تعالى، ونقله الأبي وأقرّه.
"خرَّج مسلم من حديث جابر بن سمرة" صحابي بن صحابي، نزل الكوفة ومات بها بعد سنة سبعين، "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلّم عليّ" أي: يقول: السلام عليك يا رسول الله، "قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن" ، استحضار لمشاهدته حتى كأنه يسمع سلامه الآن. قاله عياض، وتأكيده بأن، وتنكيره إشارة إلى أن له شأنًا خاصًّا به، وأنه حجر ليس كسائر الحجارة، ولذا روي أنه الحجر الأسود، فلا يقال: لا فائدة في ذكر حجر واحد، مع أنه كان لا يمر بحجر ولا شجر إلّا سلم عليه.
"وقد اختُلِفَ في هذا الحجر، فقيل: هو في الحجر الأسود"، كما روي في بعض المسندات، قاله في الروض والعيون، وقال في الإكمال، وفي غير مسلم: كانوا يرونه الحجر الأسود، انتهى. فصرَّحوا بأنه رواية، ولا ينافيه قوله:"إني لأعرفه الآن"؛ إذ الحجر الأسود يشاركه في معرفته جميع الناس؛ لأن المراد: إني لأستحضر ذلك ولم أنسه، حتى كأني أسمع سلامه الآن، كما ذكره عياض.
"وقيل: هو حجر غيره بزقاق يعرف به" أي: بزقاق الحجر "بمكة" وزقاق المرفق، والناس يتبركون بلمسه، ويقولون: إنه هو الذي كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم متى اجتاز به"، ولكن الأول أصح؛ لأنه رواية، "وقد ذكر الإمام عبد الله محمد بن رشيد -بضم الراء،" مصغر رشد، نسبة لجده الأعلى؛ إذ ومحمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس بن سعيد بن مسعود بن حسن بن محمد بن عمر بن رشيد الفهري، السبتي، ولد بها سنة سبع وخمسين وستمائة، وكان إمامًا حافظًا متضلعًا من العلوم، عالي الإسناد، صحيح النقل، أخذ عن خلق بالمغرب، والشام، والحجاز، ضمنهم رحلته، وعاد إلى غرناطة فنشر بها العلم، ومات بفاس سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، "في رحلته" التي سماها: ملء العيبة، وهي ست مجلدات.
مما ذكره في "شفاء الغرام" عن علم الدين أحمد بن أبي بكر بن خليل قال: أخبرني عمّي سليمان قال: أخبرني محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف، قال: أخبرني أبو حفص الميانشي قال: أخبرني كلّ من لقيته بمكة أن هذا الحجر -يعني المذكور- هو الذي كلّم النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى الترمذي والدارمي والحاكم وصحّحه، عن علي بن أبي طالب قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا حجر إلّا قال: السلام عليك يا رسول الله.
مما ذكره في شفاء الغرام" في تاريخ البلد الحرام، للحافظ تقي الدين محمد بن أحمد الشريف الفاسي، "عن علم الدين أحمد بن أبي بكر بن خليل" العسقلاني، "قال: "أخبرني عمي سليمان قال: أخبرني محمد بن إسماعيل" بن عبد الله، بن أبي الصيف -بصاد مهملة- اليمنى، سمع بمكة أبا نصر عبد الرحمن اليوسفي، والمبارك بن الطباخ وطبقتهما.
قال الذهبي: كان عارفًا بالمذهب، وحصل كثيرًا من الكتب، وله نكت على التنبيه، مشتملة على فوائد، وجمع أربعين حديثًا عن أربعين شيخًا، من أربعين مدينة، سمع الكل بمكة، وكان على طريقة حسنه، وسيرة جميلة وخير، مات بمكة في ذي الحجة سنة سبع، وقيل: ست وستمائة.
"قال: أخبرني أبو حفص الميانشي" نسبة إلى ميانش، قال في المراصد -بالفتح وتشديد الثاني- أي: التحتانية، فألف، فنون مكسورة، وشين معجمة، قرية من قرى المهدية فيها ماء عذب، إذا قصر الماء بالمهدية، استجلب منها.
"قال: أخبرني كلّ من لقيته بمكة أن هذا الحجر، يعني المذكور" في كلام ابن رشيد من أنه الحجر المبني في الجدار، المقابل لدار أبي بكر، المشهورة بسوق الليل، "هو الذي كلّم النبي صلى الله عليه وسلم"، لكنه وإن اشتهر لا يعادل الأول لأنه رواية.
"وروى الترمذي" وقال: حسن غريب، والدارميّ والحاكم، وصحّحه عن علي بن أبي طالب، قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، وفي الشفاء عن علي: فخرج إلى بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا حجر، إلّا قال" له كلّ منهما:"السلام عليك يا رسول الله! " بأن خلق الله فيه نطقًا، وإن لم يكن معه حياة؛ لأنه لا تلازم بينهما كما سبق، لكن قال بعض الظاهر: إنه كان فيه حياة أيضًا، وهذا كما قاله ابن إسحاق: كان في بدء النبوة تطمينًا لقلبه، وتبشيرًا له، بانقياد الخلق له بعد ذلك، وإجابتهم لدعوته.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما استقبلني جبريل بالرسالة جعلت لا أمرُّ بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله ". رواه البزار وأبو نعيم.
وعن جابر بن عبد الله قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر بحجر ولا شجر إلّا سجد له. رواه.
ومن ذلك: تأمين أسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه عليه الصلاة والسلام، عن أبي أسيد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: "يا أبا الفضل،......
"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما استقبلني جبريل" أي: نزل عليّ وأتاني "بالرسالة، جعلت" ، أي: صرت "لا أمر بحجر ولا شجر، إلا قال: السلام عليك يا رسول الله" ، وأمر بقربه الحجر كيف ينكره البشر، "رواه البزار وأبو نعيم،" وثبت حديث عائشة هنا في نسخ، وسقط في أخرى، ويأتي للمصنف قريبًا إعادته مع حديث عليّ قبله في قوله: ومن ذلك كلام الشجر ولا تكرار، لأنه ساقهما هنا استدلالًا على تسليم الحجر، وثَمَّة على كلام الشجر.
"وعن جابر بن عبد الله" رضي الله عنهما، "قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم" في ابتداء بعثته "يمر بحجر ولا شجر إلّا سجد له"، أي: انخفض حتى مسَّ الأرض على هيئة السجود، تواضعًا له تعظيمًا وتكريمًا، كما سجدت الملائكة لآدم، والسجود لغير الله إنما يمتنع من البشر، "رواه" بيض بعده، وقد رواه البيهقي في الدلائل عن جابر بلفظه، ومثله لا يقال رأيًا، فيحتمل أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، كحديث عائشة قبله، ويحتمل من غيره ممن شاهد ذلك، لا أنَّه من باب الكشف، كما زعم بعض؛ إذ لا دخل له في الأحاديث، ولا أنه شاهد ذلك؛ لأنه في ابتدا بعثته ولم يكن جابر حينئذ معه، "ومن ذلك تأمين أسكفة" بضم الهمزة والكاف، بينهما مهملة ساكنة، ثم فاء ثقيلة مفتوحة، فهاء: عتبة "الباب" العليا، وقد تستعمل في السفلى، والجمع: إسكفات، "وحوائط البيت:" جمع حائط، أي: جدرانه المحيطة بجوانبه ونواحيه، "على دعائه عليه الصلاة والسلام، عن أبي أسيد" بضم الهمزة وفتح المهملة، مالك بن ربيعة "الساعدي" مشهور بكنيته، شهد بدرًا وغيرها، ومات سنة ثلاثين، وقيل بعد ذلك، حتى قال المدائني: مات سنة ستين، قال: وهو آخر من مات من البدريين.
"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: "يا أبا الفضل" كنيته باسم أكبر
لا ترم منزلك أنت وبنوك غدًا حتى آتيكم، فإن لي فيكم حاجة" ، فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى، فدخل عليهم فقال: "السلام عليكم"، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال: "كيف أصبحتم؟ " قالوا: أصبحنا بخير بحمد الله تعالى، فقال لهم: "تقاربوا"، فتقاربوا يزحف بعضهم إلى بعض حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته، فقال: "يارب هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه"، قال: فأمَّنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين. رواه البيهقي في الدلائل وابن ماجه مختصرًا.
ومن ذلك كلامه....................................................................
أولاده، "لا ترم" بفتح القوفية وكسر الراء، قال ابن الأثير، أي: لا تبرح، يقال: رام يريم إذا برح، أي: زال من مكانه، وأكثر ما تستعمل في النفي، "منزلك"، وأورده في النهاية: لا ترم من منزلك، بزيادة من "أنت وبنوك غدًا" وهم الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وقتم، ومعبد، وعبد الرحمن، كما بينه ابن السري في روايته، ذكره المصنف في المقصد السابع، فإسقاط بعضهم معبدًا وعبد الرحمن تقصير، والاعتذار عنه بأنه لعله بيان للحاضرين حينئذ، لا يصح المخالفة المروي أن الحاضرين الستة المذكورين، وهم من أم الفضل، "حتى آتيكم فإن لي فيكم حاجة"، منفعة أوصلها لكم، وجعلها له لشدة رأفته بهم، أو أوحي إليك بذلك، فهي له، "فانتظروه حتى جاء بعدما أضحى، فدخل عليهم، فقال: "السلام عليكم"، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال: "كيف أصبحتم؟ " قالوا: أصبحنا بخير بحمد الله تعالى، فقال لهم: "تقاربوا" فتقاربوا، يزحف بعضهم إلى بعض، حتى إذا أمكنوه" من أنفسهم، بحيث اتصلوا به، "اشتمل" استولى "عليهم"، وأحاط بهم وضمهم "بملاءته" بضم الميم، ولام، وهمزة والمدء، وهي: الإزار والملحفة، وقيل: الملاءة الإزار له شقتان، فإن كان له شقة واحدة فريطة -براء وطاء مهملتين، فقال:"يارب هذ عمي وصنوا أبي" بكسر المهملة، أي: قرينه، ومثله في الشفقة علي، "وهؤلاء أهل بيتي" أي: منهم، "فاسترهم من النار" امنعهم من دخولها وارتكاب ما يوجب عذابها، فهو مجاز عن ذلك؛ إذ الستر ما يمنع المستور ويحجبه، وشبه بعد التجوز، قوله:"كستري إياهم بملاءتي هذه"، قال: فأمَّنت -بفتح الهمزة، والميم الشديدة، "أسكفه الباب وحوائط البيت، فقالت: آمين آمين آمين،" ثلاثًا في نسخ، ومثله في ابن كثير والشامي.
وفي نسخ مرتين، ومثله في الشفاء، وهو إمَّا على التوزيع، أي: قالت الأسكفة: آمين، والحوائط آمين، وإمَّا أن كل واحد منهما كرَّر آمين، تأكيدًا وتحقيقًا للمقال؛ إذ قد يغفل عن مثله.
"رواه البيهقي في الدلائل" النبوية مطولًا، "وابن ماجه مختصرًا، ومن ذلك كلامه
للجبل وكلام الجبل له صلى الله عليه وسلم، عن أنس قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان أحدًا، فرجف بهم، فضربه النبي صلى الله عليه وسلم برجله وقال:"اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان". رواه أحمد والبخاري والترمذي وأبو حاتم.
قال ابن المنير: قيل: الحكمة في ذلك أنه لما رجف أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين أن هذه الرجفة ليست من جنس رجفة الجبل بقوم موسى..........................
للجبل" بقوله: "اثبت" اسكن ونحوهما،" وكلاهما الجبل" بقوله: "اهبط" إلخ
…
، "له صلى الله عليه وسلم"، وعد هذا من طاعات الجمادات له، من حيث أنه صلى الله عليه وسلم لما خاطبه انقاد له حتى علم ما قال واستقرَّ بأمره، وبهذا يطابق الترجمة، "عن أنس" بن مالك "قال: صعد" بكسر العين: علا "النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا" بضمتين، وقد يسكن ثانية، وقيل: إنه ضرورة جبل بالمدينة، مرَّ الكلام عليه في المغازي، هكذا عدى، صعد بنفسه في رواية البخاري في مناقب أبي بكر وعثمان، وله في فضل عمر: صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد، فعدَّاه بإلى، وكلاهما جائر، ويعدَّى أيضًا بفي، كما في اللغة، "وأبو بكر" وفي مناقب عثمان وعمر: ومعه أبو بكر وعمر وعثمان"، هكذا الرواية في البخاري في المواضع الثلاثة، وفي غيره أيضًا، بتقديم أحدًا على قوله: وأبو بكر، فما في كثير من نسخ المصنف من تأخير قوله: أحدًا عن عثمان، خلاف الرواية، "فرجف" بفتح الراء والجيم، تحرك واضطرب "بهم" أحد، "فضربه صلى الله عليه وسلم برجله،" تسميته ضربًا حقيقة؛ إذ الضرب إمساس جسم جسمًا بعنف، وبعضهم قيِّدَ الممسوس بكونه حيوانًا، فيكون مجازًا تنزيل للجبل منزلة الحيوان؛ لكون صار يحس ويفهم ما يقوله المصطفى له، "وقال:"اثبت" أمر من الثبات، لفظ البخاري في مناقب الشيخين، ولفظه في مناقب عثمان:"اسكن أحد"، منادى حذفت أداته، أي: يا أحد، ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز والحقيقة، لكن الظاهر الحقيقة، فحمله عليها أولى، كقوله:"أُحد جبل يحبنا ونحبه" ، ويؤيده ضربه برجله، قاله الحافظ والمصنّف، "فإنما عليك نبي وصديق"، أبو بكر، "وشهيدان" عمر وعثمان، وللبخاري في مناقب عمر:"فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"، وأو للتنويع، فقيل: أو بمعنى الواو، وقيل: تغيير الأسلوب للإشعار بمغايرة الحال؛ لأن صفتي النبوة والصديقية كانتا حاصلتين بخلاف صفة الشهادة، فإنها لم تكن وقعت حينئذ، قاله الحافظ، "رواه أحمد" في المسند، "والبخاري، والترمذي" كلاهما في المناقب، وكذا النسائي، "وأبو حاتم" وأبو داود في السنة.
"قال ابن المنير: قيل الحكمة في" قوله صلى الله عليه وسلم "ذلك القول: "أنه لما رجف" بابه قتل، "أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين أن هذه الرجفة ليست من جنس رجفة الجبل بقوم موسى" لما أمره أن يأتيه بسبعين من بني إسرائيل، فاختار من كل سبطة ستة، فزاد اثنان، فقال: ليتخلف
لما حرَّفوا الكلم، وإن تلك رجفة الغضب، وهذه هزة الطرب، ولهذا نص على مقام النبوة والصديقية والشهادة التي توجب سرور ما اتصلت به لا رجفانه، فأقرَّ الجبل بذلك فاستقرَّ، انتهى.
وأحد: جبل بالمدينة، وهو الذي قال فيه:"أحد جبل يحبنا ونحبه"، رواه البخاري ومسلم.
واختلف في المراد بذلك، فقيل: أراد به أهل المدينة..............................
منكم رجلان فتشاجروا، فقال: إن لمن قعد أجر من خرج، فقعد كالب ويوشع، وذهب مع الباقين، فلما دنوا من الجبل غشيه غمام، فدخله موسى بهم، وخروا سجدًا، فسمعوه يكلم موسى، يأمره وينهاه، ثم انكشف الغمام، فقالوا:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} ، فأخذتهم الرجفة، أي: الصاعقة، أو رجفة الجبل، فصعقوا منها، أي: ماتوا.
"لما حرفوا الكلم، وإن تلك" الواقعة لقوم موسى، "رجفة الغضب" عليهم، "وهذه هزة" بكسر الهاء وشد الزاي، نشاط وارتياح "الطرب:" الفرح والخفة اللاحقة من السرور، "ولهذا نصَّ على مقام النبوة، والصديقية، والشهادة التي توجب سرور ما اتصلت به لا رجفانة،" بفتحتين: اضطرابه الشديد، "فأقَرَّ" أي: أثبت النبي صلى الله عليه وسلم "الجبل بذلك" القول، "فاستقرَّ:" ثبت، انتهى" كلام ابن المنير.
ويرد عليه أن كونه أراد بيان ذلك لا يظهر مع قوله: فإنما عليك؛ لأنه نهي عن تلك الحالة، فلو كانت فرحًا لأقرَّه وما نهاه، بل قد يقتضي ذلك زيادة فرحه، فتزداد هزته.
والجواب: إنه أراد تسكينه خشية الضرر لأصحابه، لئلّا يتولد منه ضرر، والذي يظهر لي أنه أراد لومه على فعله؛ لأنه وإن كان فرحًا، لكن فيه ترك الأدب مع من عليه، ويدل لذلك التعليل بقوله:"فإنما عليك.... " إلخ. وقد قيل: سبب تحركه مهابته صلى الله عليه وسلم، أو خوف الجبل من الله، أو أنه لزللة اتفقت عند صعودهم عليه.
"وأحد جبل بالمدينة" على أقل من فرسخ منها؛ لأنَّ بين أوله وبين بابها المعروف بباب البقيع ميلين وأربعة أسباع ميل، تزيد قليلًا، كما حرره السمهودي، "وهو الذي قال فيه:"أحد جبل" خبر موطيء لقوله: "يحبنا ونحبه" حقيقة؛ لأن جزاء من يحب أن يحب، وزاد في رواية أحمد:"وهو من جبال الجنة"، "رواه البخاري ومسلم" عن أنس، والبخاري أيضًا عن سهل، وفي رواية لهما أيضًا: أن أحدًا، "واختلف في المراد بذلك، فقيل: أراد به أهل المدينة".
كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهلها، قاله الخطابي، وقال البغوي فيما حكاه الحافظ المنذري: الأولى إجراؤه على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء، وأهل الطاعة، كما حنت الأسطوانة على مفارقته صلى الله عليه وسلم حتى سمع الناس حنينها إلى أن سكنها، وكما أخبر أن حجرًا كان يسلم عليه قبل الوحي، فلا ينكر أن يكون جبل أحد وجميع أجزاء المدينة تحبه وتحن إلى لقائه حال مفارقته أيها. انتهى.
وقال الحافظ المنذري: هذا الذي قاله البغوي جيد.
وعن ثمامة....................................
الأنصار؛ لأنهم جيران أحد، فهو من مجاز الحذف، "كما قال تعالى"، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} الآية، "أي: أهلها، قاله الخطابي".
قال الشاعر:
وما حب الديار شغفن قلبي
…
ولكن حب من سكن الديارا
"وقال البغوي: فيما حكاه الحافظ المنذري: الأولى إجراؤه على ظاهره، من أنه حب حقيقي من الجبل، ورجَّحه النووي وغيره، "ولا ينكر وصف الجمادات" التي هي سبب دعوى المجاز، لعدم عقلها "بحب، الأنبياء والأولياء وأهل الطاعة" عطف عام على خاص، "كما حنت الأسطوانة" بضم الهمزة، والطاء والنون، أصلية عند الخليل، فوزنها أفعواله، وزائدة عند بعضهم، والواو أصل، فوزنها: افعلانة، والمراد بها: الجذع الذي حن له، كما يأتي على مفارقته صلى الله عليه وسلم" لما تركها وخطب على المنبر، فخار كما يخور الثور، "حتى سمع الناس حنينها إلى أن سكنها،" كما يأتي تفصيله، "وكما أخبر أن حجرا كان يسلم عليه، بمكة "قبل الوحي" كما مر قريبا، فلا ينكر أن يكون جبل أحد وجميع أجزاء المدينة تحبه" قيقة، "وتحن إلى لقائه حال مفارقته إياها، انتهى".
"وقال الحافظ المنذري: وهذا الذي قاله البغوي جيد"؛ لأن فيه إبقاء اللفظ على حقيقته الذي هو الأصل، ورفع توهم بقائه على حقيقته، وقد صحَّحه النووي وغيره، فوضع الله الحب في الجبل، كما وضع التسبيح في الجبال مع داود، والخشية في الحجارة، حيث قال:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74] ، وقمت لذلك مزيدًا في غزوة أحد.
"وعن ثمامة" بمثلثة مضمومة، وميمين خفيفتين، ابن شراحيل اليماني، مقبول، من أواسط التابعين، روى له أبو داود والترمذي والنسائي، وروايته له في الكبرى، كما في التقريب وغيره،
عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة، ومعه أبو بكر وعمر وأنا، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض، فركضه برجله وقال:"اسكن ثبير، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" خرَّجه النسائي والترمذي والدارقطني.
والحضيض: القرار من الأرض عند منقطع الجبل.
وركضه برجله: أي: ضربه بها.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال صلى الله عليه وسلم:"اسكن حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد".
ووهم من زعم أنه ثمامة بن أثال الصحابي؛ لأنه لا حديث له في الكتب الستة.
"عن عثمان بن عفان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير" بمثلثة مفتوحة، وموحدة مكسورة، وتحتية ساكنة وراء مهملة: جبل بالمزدلفة على يسار الذاهب إلى مِنَى "مكة" احترز عن غيره، فإن ثبير متعدد، "ومعه أبو بكر، وعمر، وأنا،" أي: عثمان الراوي، "فتحرَّك الجبل" تحركًا قويًّا "حتى تساقطت حجارته بالحضيض -بمهملة وضادين معجمتين بينهما تحتية ساكنة، "فركضه" ضربه صلى الله عليه وسلم "برجله، وقال:"اسكن ثبير" منادى بحذف الأداة، "فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" خرجه النسائي والترمذي والدارقطني.
والحضيض: القرار من الأرض عند منقطع الجبل." كما قيد ب الصحاح ومختاره، وأسقط القاموس عند منقطع الجبل، وهو بفتح الطاء؛ حيث ينتهي إليه، طرفه اسم معنى، أي: مصدر ميميى، أما بكسر الطاء فالشيء نفسه اسم عين، وركضه برجله، أي: ضربه بها، يقال: ركض البعير إذا ضربه برجله، وأصل الركض تحريك الرجل، ومنه:{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} ، كما في الصحاح.
"وعن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحرَّكت الصخرة" التي هي موضع وقوفهم، أو سمي الجبل بتمامه صخرة، "فقال صلى الله عليه وسلم: "اسكن حراء" منادى بحذف الأداة "فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد" وهم من بعد الصديق، فإن كلا قتل شهيدًا، كما مَرَّ مفصَّلًا في الكتاب، وعبَّر بأو، بتقدير: فما كل أحد ممن عليك، وإلّا حد الدائر لا يخرج عن الثلاثة، ولا يقتضي وصف كل واحد بالثلاثة؛ إذ وصف النبوة قاصر على المصطفى، ولعلَّ حكمة أو هنا الإشارة إلى أن الأمر بالسكون يكفي فيه كل واحد بانفراده لشرف كل، وجمع فيما مر بالواو، لبيان الواقع.
وركضه برجله أي ضربه بها.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال صلى الله عليه وسلم: اسكن حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد.
وفي رواية: وسعد بن أبي وقاص، ولم يذكر عليًّا. خرجهما مسلم وانفرد بذلك.
وخرّجه الترمذي في مناقب عثمان، ولم يذكر "سعدًا"، وقال:"اهدأ" مكان "اسكن" وقال: حديث صحيح.
وخرجه الترمذي أيضًا عن سعيد بن زيد، وذكر أنه كان عليه العشرة إلّا أبا عبيدة، وقال: اثبت حراء.
وكذا رواه الخلعي عنه بنحوه، ولم يذكر أبا عبيدة بن الجراح. ورواه أيضًا إسحاق البغدادي في ما رواه الكبار عن الصغار، والآباء عن الأبناء، ولله در..........................
وفي رواية: وسعد بن أبي وقاص" مالك الزهري، وسعد لم يستشهد بل مات بقصره بالعقيق قرب المدينة، فحمل على رقاب الرجال، ودفن بالبقيع، فلا يبعد أنه استشهد بسبب غير القتل، "ولم يذكر عليًّا معهم في هذه الرواية، وإن كان شهيدًا، فالمتحصّل من الروايتين ذكر سعد وعلي معًا، "خرجهما" أي: الروايتين عن أبي هريرة "مسلم، وانفرد بذلك" المذكور منهما عن البخاري.
"وخرجه الترمذي في مناقب عثمان، ولم يذكر سعدًا" بل عليًّا، فرجحت رواية مسلم الأولى على الثانية، "وقال:"اهدأ حراء" بالهمزة والجزم بالأمر، "مكان "اسكن" وهو بمعناه، قال الجوهري: هدأ: سكن، "وقال: حديث صحيح، وخرَّجه الترمذي أيضًا عن سعيد بن زيد، وذكر أنه كان عليه العشرة، فعدَّ نفسه فيهم ولم يقتل، فيحمل على أنه استشهد بغير القتل، "إلّا أبا عبيدة" بن الجراح، "وقال: أثبت حراء" أمكان اسكن أو اهدأ.
"وكذا رواه الخلعي" بكسر ففتح، نسبة إلى الخِلَع؛ لأنه كان يبيعها لملوك مصر، أبو الحسن علي بن الحسين، الموصلي الأصل، المصري، المولود بها في محرم سنة خمس وأربعمائة، الفقيه الصالح، له كرامات وتصانيف، أعلى أهل مصر إسنادًا، جمع له أحمد بن الحسين الشيرازي عشرين جزأ خرجها عنه، وسماها الخلعيات، ومات في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وتقدم ذلك أيضًا عنه" عن سعيد بن زيد "بنحوه" بنحو رواية الترمذي، "ولم يذكر أبا عبيدة بن الجراح" أيضًا، كما لم يذكره الترمذي، "ورواه أيضًا إسحاق" بن إبراهيم بن يونس المنجنيقي، أبو يعقوب الوراق "البغدادي"، نزيل مصر، ثقة حافظ، مات سنة أربع وثاثمائة، وعنه النسائي "في" كتاب "ما رواه الكبار عن الصغار" والأصل فيه رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم خبر الجساسة، "والآباء عن الأبناء" وهو نوع مهم من فوائده، أمن انقلاب السند، "ولله در
القائل:
ومال حراء تحته فرحًا به
…
فلولا مقال "اسكن" تضعضع وانقضى
وحراء وثبير: جبلان متقابلان معروفان بمكة.
واختلاف الروايات يحمل على أنها قضايا تكررت. قاله الطبري وغيره.
لكن صحح الحافظ ابن حجر: أنه "أحد" قال: ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة، ثم ظهر لي أن الاختلاف فيه من سعيد، فإني وجدته في مسند الحارث بن أبي أسامة عن روح بن عبادة فقال فيه:"أحد" بالشك. وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ: حراء، وإسناده صحيح. وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ "أحد"، وإسناده صحيح، فقوي احتمال تعدد القصة.
القائل: ومال حراء تحته" بالمد، وفي نسخة: ومال حراء من تحته، فحراء بالقصر وبالصرف عليهما، وتقدَّم أن لغاته جمعت في بيت:
حرا وقبا ذكر وأنثهما معًا
…
ومد أو اقصر واصرفنّ وامنع الصرف
"فرحًا به، فلولا مقال" أي: قول النبي صلى الله عليه وسلم له: "اسكن"، تصحيح:" انهدم حتى الأرض، "وانقضى" ذهبت آثاره فلم يبق منه شيء".
"وحراء وثبير جبلان متقابلان" أي: أحدهما مقابل الآخر في الجملة، لا بقيد التحاذي، وهو الاستواء في المقابلة، فلا ينافي أن حراء أقرب إلى مكة من ثبير، "معروفان بمكة، واختلاف الروايات يحمل على أنها قضايا" وقائع "تكررت، قاله الطبري وغيره" فيكون وقف على كل من أحد وحراء وثبير، وتحرك كل وخاطبهم بذلك جمعًا بين الروايات لصحة جميعها.
"لكن صحح الحافظ ابن حجر" في أول كلامه، ثم رجع عنه في آخره، "أنه أحد" حيث قال:" صعد أحدًا، ولمسلم وأبي يعلي من وجه آخر: حراء، والأول أصح، "ولولا اتحاد المخرج" وهو أنس "لجوَّزت تعدد القصة، ثم ظهر لي أن الاختلاف فيه من سعيد" بن أبي عروبة، راوي الحديث عن قتادة، عن أنس، "فإني وجدته في مسند الحارث بن أبي أسامة عن روح بن عبادة" بن العلاء بن حسان البصري، ثقة من رجالهم، عن سعيد بن أبي عروبة، "فقال فيه: أحد وحراء بالشك، وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة"، بن الخصيب الصحابي، "بلفظ حراء، وإسناده صحيح، وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ أحمد، وإسناده صحيح، فقوى احتمال تعدد القصة"؛ إذ لا وجه لإعمال بعض الروايات، وطرح بعضها مع صحة جمعيها.
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيد تعدد القصة، فذكر أنه كان على حراء، ومعه الجماعة المذكورون هنا، وزاد معهم غيرهم.
ولما طلبته عليه الصلاة والسلام قريش، قال له ثيبر: اهبط يا رسول الله إني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله تعالى، فقال له حراء: إليَّ يا رسول الله. رواه في "الشفاء" وهو حديث مروي في الهجرة من السير.
وحراء مقابل لثبير، والوادي بينهما، وهو على يسار السالك إلى مني، وحراء قبلي قبير مما يلي شمال الشمس.
وهذه الواقعة غير واقعة ثور في خبر الهجرة. هذا هو الظاهر والله أعلم.
"وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيده تعدد القصة، فذكر أنه كان على حراء، ومعه الجماعة المذكورون هنا" في حديث أنس، وهم العمران وعثمان، "وزاد معهم غيرهم"، وهم عليّ وطلحة والزبير، وقد سبق لفظه قريبًا.
ولما ذكر أحاديث تكليم المصطفى صلى الله عليه وسلم للجبال ذكر حديث تكليم الجبل له، فقال:"ولما طلبته عليه الصلاة والسلام قريش" حين خرج مهاجرًا، وأرسلوا خلفه من يطلبه، وقد صعد ثبيرًا "قال له ثبير: اهبط يا رسول الله" انزل من فوقي، واذهب إلى مكان آخر تختفي به عنهم، "إني أخاف أن يقتلوك على ظهري، فيعذبني الله تعالى" بالنصب عطفًا على يقتلوك، فإنما خاف العذاب بسبب قتله؛ لأنه لو قتل على ظهره غضب الله على المكان الذي يقع فيه مثل هذا الأمر العظيم، كما غضب على أرض ثمود، فلا يرد كيف يعذب بذنب غيره، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وتوجيهه بأنه خوف بمعنى حزنه وتأسفه عليه، نحو ذلك مما لا وجه له، "فقال له حراء: إليّ" بشد الياء المفتوحة، أي: ائت، أو هو اسم فعل بمعنى أقبل "يا رسول الله"، ألهمه الله تعالى أن يقدره على أن ينشق ويستتر في جوفه، ونحو ذلك مما تقع به سلامته، فلم يذهب إليه لسبق تعبده به، فخاف أن يطلبوه فيه، "رواه" أي: ذكره "في الشفاء" بلا إسناد بلفظ وقد روى أنه حين طلبته قريش فذكره، "وهو حديث مروي في الهجرة من السير" بلا إسناد، ولم يخرجه في مناهل الصفاء، "وحراء قابل" مواجه "لثبير، والوادي بينهما وهو على يسار السالك إلى منى، وحراء قبلي ثبير، مما يلي شمال الشمس، وهذه الواقعة غير واقعة ثور في خبر الهجرة"، فكأنها كانت قبل توجهه إلى غار ثور الذي اختفى فيه، "هذا هو الظاهر، والله أعلم،" لكن مقتضى قوله في حديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم والصديق، وعدا الدليل غار ثور،