الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال السهيلي في حديث الهجرة: وأحسب في الحديث أن ثورًا ناداه أيضًا: إليَّ يا رسول الله، لما قال له ثبير: اهبط عني.
أنهما لم يخرجا من مكة قاصدين سواه.
"قال السهيلي في حديث الهجرة، وأحسب: "أظن" في الحديث أن ثورًا ناداه أيضًا: إلي يا رسول الله، لما قال له ثبير: اهبط عني" فيكون ناداه كلّ من ثور وحراء، والله أعلم بصحته، "ومن ذلك كلام الشجر له" وهو ما قام على ساق وما عداه نبات، وقد يطلق على بعضه شجر، كاليقطين والحنطة، "وسلامها عليه،" أي: الشجر، وهو اسم جنس، يذكر ضمير، ويؤنث عطف خاص على عام، "وطواعيتها:" انقيادها له بغير الكلام؛ لأن مجيئها بشقها للأرض ليس من الكلام، فهو مباين، وإن حمل على الطواعية بالكلام وغيره، كان عطف عام، والأولى أَوْلَى. "وشهادتها له بالرسالة" خاص على عام صلى الله عليه وسلم"، وهذا كتسليم الحجر، وحنين الجذع، ونبع الماء، من خصائصه على الأنبياء والمرسلين، كما في الأنموذج.
كلام الشجر له وسلامها عليه وطواعيتها له، وشهادتها له بالرسالة "صلى الله عليه وسلم
":
ومن ذلك كلام الشجر له وسلامها عليه وطواعيتها له، وشهادتها له بالرسالة صلى الله عليه وسلم.
أخرج البزار وأبو نعيم من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أوحى إلي جعلت لا أمرّ بحجر ولا شجر إلّا قال: السلام عليك يا رسول الله".
"أخرج البزار وأبو نعيم من حديث عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أوحى إليّ" وفي رواية: "لما استقبلني جبريل بالرسالة"، "جعلت" بفتح الجيم مبني للفاعل، أي: صرت، ويحتمل ضمها مبني للمفعول، أي: جعلني الله، "لا أمُرُّ بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله"، ففيه كلامها له وشهادتها له بالرسالة.
وروى أبو نعيم في الدلائل عن برة، قالت: لما أراد كرامة نبيه كان يمضي إلى الشعاب وبطون الأودية، فلا يمر بشجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله، وكان يرد عليهم وعليكم السلام.
قال الدلجي: لعله رد عليها السلام مكافأة لا وجوبًا؛ إذ ليست مكلفة، انتهى. والتوقف فيه باحتياجه لنقل قصور، فقد علمته رواية، وردّه بأن السلام شرع تحية موجبة للرد في حق البشر؛ لأنه أمان وليست من أهله ساقط، فالمكافأة لغير الأهل.
وخرَّج الإمام أحمد عن أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر، قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين، قد خضّب بالدماء، ضربه بعض أهل مكة، فقال له: ما لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فعل بي هؤلاء وفعلوا"، فقال له جبريل: اتحب أن أريك آية، فقال:"نعم". فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: ادع تلك الشجرة فدعاها، قال: فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، فقال: مرها..................
"وخرج الإمام أحمد عن أبي سفيان طلحة بن نافع" الواسطي، أبي سفيان الإسكاف، نزل مكة، صدوق من التابعين، "عن جابر" بن عبد الله" قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم" أي: في ساعة من يوم، "وهو جالس حزين" مغموم على قومه، أن يحلَّ بهم العذاب إذ كذبوه، لا لحَظِّ نفسه؛ لأنه كان لا يغضب لها، بل إذا انتهكت حرمات الله، وإلى هذا أشار القاضي عياض بقوله في الشفاء: وحزنه لتكذيب قومه، وطلبه الآية لهم لا له، أي: لأنه على يقين من أمره، عالم بقدرة ربه، ثم هذا لفظ جابر عند أحمد.
وفي حديث أنس عند الدارمي وغيره: إن جبريل قال للنبي، وآره حزينًا، وهو ما أورده في الشفاء، وهو جملة حالية، أي: وقد رآه محزونًا لعدم طاعة قومه في أول البعثة؛ إذ عرض نفسه على القبائل، "قد خضب بالدماء" لأنه "ضرَّ به بعض أهل مكة" لما صدع بأمر الله، فاجتمعوا عليه وأخذوه، وقالوا: أنت جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، فما دنا منهم أحد إلّا وأبو بكر يدفعهم عنه، وهو يقول: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله، كما مَرَّ في المقصد الأول، "فقال له مالك:" أي: شيء عرض لك حتى جلست حزينًا؟ "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فعل بي هؤلاء" الكفار، "وفعلوا" بتكرير الفعل، إشارة إلى تكرر أذاهم، وكثرة أنواعه من غير حصر، لا أنه مرتين فقط، فهو على حد كرتين، ورب ارجعون، ولا يقال حذف المفعول يؤذن بالعموم؛ لأنا نقول العموم ولو في نوع فقط، بخلاف تكرار الفعل، وفي حديث علي عند البزار: أخذته قريش، فهذا يجؤّه، وهذا يتلبَّبه.
وفي حديث عمرو بن العاص: ما رأيت قريشًا أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوم أغروا به، وهم في ظل الكعبة، وهو يصلي عند المقام، "فقال له جبريل: أتحب أن أريك آية؟ " معجزة تزيل حزنك، لأن الجماد إذا أطاع دعوته دلَّ ذلك على أن الناس تطيعه بعد، لكنَّ تأخير ذلك لحكم خفية، أو آية تدل من نظر إليها، أو علمها على صدقك، ويزول بها حزنك، "فقال: "نعم" أحب ذلك ليزول حزني، وأعلم أن الله سينصرني، ويلين قلوب قومي لإجابة دعوتي، "فنظر إلى شجرة من وراء الوادي" الذي كان فيه مع جبريل، "فقال" جبريل:"ادع تلك الشجرة" أي: مرها أن تأتي إليك، ولم يأمرها هو، إشارة إلى أن المعجزة له لا لجبريل، "فدعاها، قال: فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، فقال" جبريل: "مرها
فلترجع إلى مكانها، فأمرها فرجعت إلى مكانها، فقال صلى الله عليه وسلم:"حسبي حسبي"، ورواه الدارمي من حديث أنس.
وعن عليّ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلّا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله. رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
وخرج الحاكم في مستدركه بإسناد جيد عن ابن عمر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي، فلمَّا دنا منه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أين تريد؟ " قال: إلى أهلي،...................................................................
فلترجع إلى مكانها، الذي كانت فيه، "فأمرها، فرجعت إلى مكانها" كما كانت، "فقال صلى الله عليه وسلم:"حسبي حسبي" ذلك دليلًا على تصديقهم لي، وإن أنكروا عنادًا فلا أحزن".
وفي حديث عمر عند البيهقي، فقال:"لا أبالي من كذبني بعد هذا من قومي" ، ولعله ظهر ذلك لقومه، بحيث رأوه فلا عذر لهم في عدم تصديقه؛ لأنه بعد ما رؤية الآيات البيات عناد محض، "ورواه الدارمي من حديث أنس" بنحوه، وأخرجه البيهقي من حديث عمر بنحوه أيضًا وهي قصة واحدة، اختلفت الطرق فيها ببعض التغيير والزيادة، هذا هو الأصل، وتجويز التعدد بعيد.
"وعن عليٍّ قال: كنت""مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة" في ابتداء النبوة، "فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله" أي: لم يقع في مقابلته "جبل ولا شجر"، فنسب الاستقبال لهما، إشارة إلى إدراكهما، حتى كأنهما توجَّها لمقابلته، وإلّا فكان الظاهر: فما استقبل جبلًا ولا شجرًا "إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله" لما في المصباح، كل شيء جعلته تلقاء وجهك، فقد استقبلته، واستقبلت الشيء واجهته، فهو مستقبل بالفتح اسم مفعول، "رواه الترمذ: وقال: حديث حسن غريب" من جهة تفرد راويه، فلا ينافي قوله حسن.
ورواه أيضًا الدارمي والحاكم وصححه، كما قدَّمه المصنف في ترجمة تسليم الحجر، وأعاده هنا في ترجمة تسليم الشجر، فلا تكرار لاختلاف المراد من سوقه، وكذا كرر حديث عائشة المذكور أول هذه الترجمة في المحلين لذلك، فلا تكرار.
"وخرج الحاكم في مستدركه" على الصحيحين "بإسناد جيد،" أي: مقبول، "عن ابن عمر" بن الخطاب" قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأقبل أعرابي، فلما دنا:" قرب "منه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أين تريد؟ " أي: تقصد بمسيرك، قال: إلى أهلي، أي:
قال: "هل لك إلى خير"، قال: وما هو؟ قال: "تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله"، قال: هل لك من شاهد على ما تقول؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه الشجرة" ، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي على شاطيء الوادي، فأقبلت تخدّ الأرض خدًّا، فقامت بين يديه فاستشهدها ثلاثًا فشهدت، ثم رجعت إلى منبتها. الحديث رواه الدارمي........
إلى المكان الذي فيه أهلي، ليطابق الجواب السؤال، وحذف المكان للعلم به؛ إذ لا بد لأهله من مكان، أو لعدم تعلق غرضه بخصوص المكان؛ إذ مراده الذهاب إلى أهله في أيِّ مكان كانوا، أو لأنهم كانوا نزالة رحالة لا مكان لهم، وعدَّاه بإلى، والإرادة متعدية بنفسه لتضمنه معنى التوجه، وقدم سؤاله تأنيسًا له، وإزالة لما في نفسه من مهابته؛ لأنه كان مهيبًا لمن رآه، توطئة لقوله: قال: "هل لك" غرض في الوصول "إلى خير" مما أنت فيه أدلك عليه، فلك خبر مبتدأ محذوف، "قال: وما هو" الخير الذي دعوتني له؟ قال: "تشهد أن لا إله إلا الله وحده" حال لازمة، أي: متوحدًا، منزهًا عن شريك في ذاته وصفاته، وفي كونه معبودًا بحق، "لا شريك له" تأكيدًا لوحدانيته بعد تأكيد، "وأن محمد عبده ورسوله" قدَّم العبودية تنزيهًا لنفسه عن الإطراء في مدحه، ولم يقل وأني عبده ورسوله؛ لاحتمال أن الأعرابي كان يعرف شهرته بذلك، ولا يعرف عينه، "قال: هل لك من شاهد" آية ومعجزة. لا أحد الشهود، "على ما تقول" من الرسالة؟ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه الشجرة" شاهدي، وفي رواية قال:"هذا السمرة" بفتح المهملة وضم الميم وراء مفتوحة: شجرة عظيمة ذات شوك من الطلح، وأشار إليها لقربها منه، وجمعها سمر -بفتح السين وضم الميم، وسكونها- كما في اللغة لا بفتح الميم، كما وقع لبعض "فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهي على شاطيء" بمعجمة وألف، ومهملة وهمزة: جانب "الوادي" الأرض المتسعة المستوية، من ودى بمعنى سال، لما فيها من المياه السائلة، "فأقبلت تخد الأرض" جملة حالية أو مستأنفة "خدًّا، فقامت بين يديه" محاذية له قريبًا منه، فاستشهدها ثلاثًا،" أي: قال لها ثلاث مرات، وطلب منها أن تشهد له، بأنه رسول الله، والتثليث للتأكيد، ليقوى ذلك في قلب الأعرابي، "فشهدت" له بأنه رسول الله ثلاثًا، وتركه لعلمه من السياق، "ثم رجعت إلى منبتها" بفتح الموحدة قياسًا، وكسرها سماعًا.
قال المجد: المنبت كمجلس: موضع النبات شاذ، والقياس كمقعد؛ لأن قياس اسم المكان من يفعل، أن يكون على مفعل بالفتح، كمدخل ومخرج ومقعد، " الحديث" بقيته، ورجع الأعرابي إلى قومه، وقال: يا رسول الله، إن يتبعوني آتك بهم، وإلّا رجعت إليك وكنت معك، "ورواه الدارمي" والبزار، والبيهقي وأبو القاسم البغوي، ومن طريقه المتقدم أخرجه في
أيضا بنحوه.
وقوله: تخد الأرض -بضم الخاء المعجمة وتشديد الدال المهملة- أي: تشق الأرض.
وعن بريدة: سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم آية، فقال له:"قل لتلك الشجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك"، قال: فمالت الشجرة عن يمينها وشمالها، وبين يديها وخلفها، فتقطعت عروقها.........................................................
الشفاء، "أيضًا بنحوه" وفيه معجزات خلق الله في الجماد إدراكًا، ونطقًا وحركة إرادية تجيء بها وتذهب، وقد وقعت على سبيل التحدي، فحد المعجزة منطبق على كل واحدة منبها" وقوله: تخد الأرض -بضم الخاء المعجمة، وتشديد الدال المهملة، أي: تشق الأرض لتسعى بعروقها التي في جوف الأرض، ولولا ذلك لم تتحرم.
"وعن بريدة" علم منقول من تصغير بردة، قال أبو علي الطوسي: اسمه عامر وبريدة، لقب ابن الحصيب، بمهملتين مصغر، وصحّف من قال بخاء معجمة، الأسلمي.
قال ابن السكن: أسلم حين مرَّ به صلى الله عليه وسلم مهاجرًا بالغميم، وأقام موضوعه حتى مضت بدر وأحد، وقيل: أسلم بعد بدر، وسكن البصرة لما فتحت، وفي الصحيحين عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة، ومناقبه مشهورة، وأخبار كثيرة، وكان غزا خراسان زمن عثمان، ثم تحوَّل إلى مرو، فسكنها إلى أن مات سنة ثلاث وستين، كما في الإصابة، وتقدَّم بعض ترجمته في الهجرة وغيرها.
"سأل أعرابي" بعد أن أسلم، كما في نفس رواية البزار وأبي نعيم "النبي صلى الله عليه وسلم آية" علامة ومعجزة تقوي إسلامه" "فقال له:"قل لتلك الشجرة" مشير السمرة، كانت ثمة يحتمل أنها المذكورة في الحديث قبله وأنها غيرها، "رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك" بكسر الكاف، يطلب منك المجيء إليه والحركة نحوه، "قال" بريدة: فدعاها "فمالت" فالفاء فصيحة، ويحتمل أنها بمجرد سماعها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم، جاءت لتحصيل قصده بدون دعاء الأعرابي لها، وهذا أبلغ في المعجزة، لكن المتبادر الأول.
"الشجرة عن يمينها وشمالها، وبين يديها وخلفها" أي: مالت ميلًا شديدًا، وتحركت في جهاتها الأربع لتخلص عروقها من الأرض وتتمكّن من الحركة نحو المصطفى، ولعل حكمة ذلك إظهار أنه خلق فيها قوة وإدراك لفعل ذلك، وإن أمكن وصولها إليه بتعلق الإرادة بذلك بلا سبب يحال عليه، "فتقطعت عروقها" على ظاهره أو معناه: تخلّصت وتعلقت، وهذا
ثم جاءت تخد الأرض، تجر عروقها مغيرة حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال الأعرابي: مرها فلترجع إلى منبتها، فرجعت، فدلت عرقوها في ذلك الموضع فاستقرّت، فقال الأعرابي: ائذن لي أن أسجد لك، قال:"لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". رواه البزار في الشفاء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بم أعرف
هو الظاهر لقوله: "ثم جاءت تَخُدُّ الأرض، تجرّ عروقها،" ولو تقطعت حقيقة، فسدت ولم تبق ثابتة بحالها، وقيل: هي معجزة أخرى، مخالفة للعادة ببقائها بعد تقطع عروقها التي هي سبب حياتها، والجملتان حالان مترادفتان أو متداخلتان، والثانية مؤكدة للأولى، ولذا لم تعطف عليها، "مغيرة" بضم الميم وكسر المعجمة وسكون التحتية، أي: مسرعة في مشيها، قال تعالى:{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} الآية، فهو اسم فاعل من أغار، وروي بياء موحَّدة، مشددة مكسورة، وراء خفيفة، اسم فاعل، يقال غير: أثار الغبار، وروي مغبَّرة بضم فسكون ففتح الموحدة الخفيفة، والراء الثقيلة اسم فاعل أيضًا؛ لأنه ازم، أي: اشتد غبارها أو علاها الغبار، وهو حال إمَّا من ضمير تجر، أي: تجر العروق في حال غبرة، أو من العروق، أي: في حال كون العروق مغبرة، "حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم" قريبة منه، مواجهة له، "فقالت: السلام عليك يا رسول الله" فجمعت الطاعة والشهادة بالرسالة والتوقير، "قال الأعربي: مرها" بضم الميم، مخفف أؤمرها، "فلترجع إلى منبتها،" بكسر الموحدة وفتحها، كما مَرَّ فأمرها.
"فرجعت" لمحلها، "فدلَّت عروقها،" أدخلتها في ذلك الموضع" الذي هو أصلها، "فاستقرَّت" فيه، وفي الشفاء: فاستوت، أي: انتصبت قائمة من غير ميل، "فقال الأعرابي: ائذن،" بكسر الهمزة، وسكون التحتية، وأصله ائذن بهمزتين، والأولى وصل، والثانية فاء الكلمة، فلما اجتمع همزتان ثانيتهما ساكنة، وجب إبدالها ياء على القاعدة في ذلك، كما في الألفية وغيرها، خلاف قول البعض بكسر الهمزة الأولى وسكون الثانية، ويجوز إبدالها ياء، "لي أن أسجد لك"، فأبى صلى الله عليه وسلم، و"قال: "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد" أي: لو جاز أمر مخلوق بالسجود، لمثله، "لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" لوجوب طاعته عليها، وحقوقه الموجبة للتعظيم والخضوع، وفي شرعنا يمتنع السجود والركوع لغير الله تعالى، قيل: وكان جائزًا في الشرائع السابقة بقصد التعظيم لا العبادة، كما قال تعالى:{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} الآية. إن كان الضمير ليوسف، وسجدت الملائكة لآدم، وكان ذلك تحية ملوكهم، ولذا طلبه الأعرابي، فنهاه، وعوضنا عن تلك التحية بالسلام والمصافحة، "رواه البزار" في مسنده، وأبو نعيم في الدلائل،
أنك رسول الله؟ قال: إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة، أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ارجع فعاد، فأسلم الأعرابي، رواه الترمذي وصحَّحه.
وفي حديث يعلى ابن مره الثقفي: ثم سرنا نزلنا منزلنا، فنام النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته. ..........................................
ونقله "في الشفاء" بلا عزو بزيادة، وقال: ائذن لي أقبِّل يديك ورجليك، فأذن.
"وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي" من بني عامر، كما في رواية البيهقي، "إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول الله"؟ كأنَّه لما علم بدعائه الناس للتصديق برسالته، ولاحت عليه علامات السعادة، قصد استكشاف أمره بعلامه يستدل بها، ليتيقَّنَ صدقه صلى الله عليه وسلم، وتكون تلك العلامة حجة له على غيره، ولعلها تكون سببًا لهداية غيره، بها "قال: "إن دعوت" أمرت، وفي رواية: أرأيت: أرايت إن دعوت، "هذا الغدق" بمهملة مكسورة فمعجمة ساكنة، فقاف:: العرجون جامع الشماريخ، "من هذه النخلة" لنخلة كانت عنده، وأما العذق بفتح العين، فالنخلة نفسها، وقيل: تطلق بكسرها على النخلة أيضًا، لكنه لا يفسر به هنا، لقوله: من هذه، وفي الكلام حذف، فأجابني:"أتشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " أي: أتؤمن بي بما أرسلت به وتقر بذلك، "قال: نعم"، كما في الرواية، فسقط من قلم المصنف أو نساخه، "فجعل، أي: شرع، وصار العذق "ينزل من النخلة" شيئًا فشيئًا "حتى سقط" على الأرض بقعر النخلة، فأقبل وهو يسجد ويرفع، حتى انتهى "إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال" له: "ارجع" فعاد إلى مكانه الذي كان فيه، "فأسلم الأعرابي" زاد في رواية، وقال: والله لا أكذبك بشيء تقوله بعدها أبدًا، أشهد أنك رسول الله، وآمن، "رواه الترمذي وصحَّحه" فقال: هذا حديث صحيح، وكذا رواه البخاري في التاريخ، وأبو يعلى وابن حبان، والبيهقي.
"وفي حديث يعلى" بزنة يرضى -علم منقول من المضارع، "ابن مرة" بن وهب بن جابر "الثقفي"، وأمه سيابة -بكسر السين المهملة، كما في التقريب، وقال التلمساني: بفتحها وتخفيف التحتانية، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع أعناب ثقيف، فقطعها، وهو غير يعلى العامري، وقيل: هما واحد، اختلف في نسبه، فقيل: الثقفي، وقيل: العامري، قال يعلى: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير، فذكر الحديث إلى أن قال:"ثم سرنا حتى نزلنا منزلًا، فنام النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت شجرة" في رواية طلحة أو سمرة بالشك من الرازي في الشجرة، وهما نوعان من شجر البرية ذات شوك يسمَّى العضاه،
ثم رجعت إلى مكانها، فلمَّا استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرت له، فقال:"شجرة استأذنت ربها في أن تسلم علي فأذن لها". الحديث رواه البغوي في شرح السنة.
وفي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديًا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ير شيئًا يستتر به، فإذا شجرتان في شاطيء الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصنٍ من أغصانها فقال:"انقادي عليّ بإذن الله تعالى" فانقادت معه كالعبير المخشوش...........................
"تشق الأرض حتى غشيته،" وفي رواية: طافت به، أي دارت حوله، "ثم رجعت إلى مكانها" موضعها الذي هي نابتة فيه، "فلمَّا استيقظ انتبه "رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرت له" ذلك، "فقال: "شجرة استأذنت ربها في أن تسلم علي فأذن لها" ، فيه إشعار بعلمه، مجيئها قبل إخبار يعلى له به، ولعله علم ذلك في نومه؛ لأنه كان يوحى إليه فيه فتكون الشجرة حين زارته سلمت عليه، وعلم بها، فحصلت مقصودها، "الحديث رواه البغوي" الإمام الفقيه، الحافظ أبو محمد، الحسين بن مسعود بن محمد، صاحب المصنفات، المبارك له فيها القصد الصالح، فإنه كان من العلماء الربانيين، ذا تعبد ونسك وقناعة باليسير، مات بمرو سنة ستة عشرة وخمسمائة عن ثمانين سنة، "في شرح السنة" أحد تصانيفه، وهو حديث طويل، رواه الإمام أحمد، والطبراني، والبيهقي.
"وفي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" في غزاة حتى نزلنا واديًا أفيح،" بفتح الهمزة، وسكون الفاء، وفتح التحتية، وبالحاء المهملة، أي: واسعًا، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته" كناية عن التغوّط، اي: لأجل ذلك، "فاتبعته بإداوة" بالكسر مطهرة، جمعها إداوي -بفتح الواو "من ماء، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم" فلم ير شيئًا يستتر به" من الناس، "فإذا شجرتان" فاجأتاه بلا ترقب، وفي رواية: بشجرتين، بزيادة الباء "في شاطيء الوادي،" بالهمز: جانبه، "فانطق" توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحداهما" حتى قرب منها "فأخذ بغصن من أغصائها"، أي: أمسكه بيده، "فقال: "انقادي" طاوعيني، أو ميلي "علي" لتكوني ساترة لي "بإذن الله تعالى" تيسيره وتسهيله لا بقوة جذبي، "فانقادت معه:" طاوعته ومالت حتى سترته، كما أراد، وإنما أمسك غصنها، ولم يكتف بمجرد دعوتها، كما في الحديث قبله؛ لأن ذلك كان الإظهار معجزة، حتى يسلم الإعرابي، وهنا لم يقصد ذلك، "كالبعير المخشوش" بمعجمات اسم مفعول، أي: الذي وضع في أنفه خشاش بالكسر، أي: عود من خشب لينقاد بسهولة، فإن كان مفتولًا من وبر ونحوه فخزام، ومن نحاس فبرّة. قاله الخطابي وبه علم موقع المخشوش دون المخزوم؛ لأن الغصن من جنس العود، وهو تشبيه في السرعة
الذي يصانع قائدة، ثم فعل بالأخرى كذلك، حتى إذا كان بالمصنف بينهما قال:"التئما علي بإذن الله" فالتأمتا. الحديث رواه مسلم.
والمنصف -بفتح الميم: الموضع الوسط بين الموضعين.
والتلاؤم: الاجتماع.
ولله در الأبو صيري حيث قال:
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة
…
تمشي إليه على ساق بلا قدم
كأنما سطرًا لما كتبت
…
فروعها من بديع الخط في اللقم
والسهولة، "الذي يصانع" يلاين "قائده" بسهولة الانقياد له، مستعار من المصانع وهي المدارة والإعطاء، ولذا قيل للرشوة مصانعه، قاله الراغب، "ثم فعل بالأخرى كذلك" بأن أمسك غصنًا منها إلى آخره"حتى إذا كان بالمصنف بينهما،" أي: الشجرتين، قال:"التئما" بفتح الفوقية، وكسر الهمزة: انضمَّا واجتمعا "علي بإذن الله" بتيسيره، وإرادته، لا بفعلي، "فالتأمتا" اجتمعتا "الحديث. رواه مسلم" في الصحيح، "والمصنف -بفتح الميم، وإسكان النون وفتح الصاد المهملة الخفيفة، وبالفاء: "الموضع الوسط بين الموضعين والتلاؤم -بالهمز والالتئام: "الاجتماع"، ومنه التئام الجرح، وفي رواية أخرى عند مسلم: فقال -صلى اله عليه وسلم: "يا جابر، قل لهذه الشجرة: يقول لك رسول الله: الحقي بصاحبتها حتى أجلس خلفكما" فزحفت حتى لحقت بصاحبتها فجلس خلفهما، فرجعت أحضر، وجلست أحدث نفسي، فالتفَّت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والشجرتان قد افترقا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فوقف صلى الله عليه وسلم وقفة، فقال برأسه هكذا يمينًا وشمالًا، وهو حديث واحد طوَّله بعض الرواة وبعضهم اختصره، فكأنه لما أخذ بغصن إحداهما، قال لجابر:"قل لهذه الشجرة" إلخ.... فلمَّا جاءت فعل بها مثل ما فعل بالأخرى، وبقي أحاديث أخر في طاعة الأشجار وانقيادها، أورد منها في الشفاء جملة، ثم قال: فهذا ابن عمر، وبريدة، وجابر وابن مسعود، ويعلى بن مرة، وأسامة، وأنس، وعلي، وابن عباس وغيرهم، قد اتفقوا على هذه القصة نفسها أو معناها، ورواه عنهم من التابعين أضعافهم، فصارت في انتشارها من القوة حيث هي، "ولله در الأبوصيري" صوابه البوصيري، كما تقدَّم كثيرًا، "حيث قال: جاءت لدعوته" ندائه "الأشجار، ساجدة" خاضعة، "تمشي إليه على ساق بلا قدم" يعينها على المشي، قال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} الآية، والشجر ما له ساق، والنجم ما لا ساق له، وبلا قدم، متعلق بتمشي، أو صفة لساق، وباؤه للمصاحبة "كأنما" حال من فاعل تمشي، وما كافَّة، "سطرت" خَطَّت الأشجار "سطرًا لما" للذي "كتبت فروعها" أي: عروقها مجازًا من
فشبَّه آثار مشي الشجرة لما جاءت إليه صلى الله عليه وسلم بكتابة كاتب أوقعها على نسبة معلومة في أسطر منظومة.
وإذا كانت الأشجار تبادر لامتثال أمره صلى الله عليه وسلم حتى تخر ساجدة بين يديه، فنحن أَوْلَى بالمبادرة لامتثال ما دعا إليه، زاده الله شرفًا وكرمًا لديه.
وتأمَّل قول الأعرابي: "ائذن لي أن أسجد لك" لما رأى من سجود الشجرة، فرأى أنه أحرى بذلك، حتى أعلمه عليه الصلاة والسلام أن ذلك لا يكون إلّا لله، فحق على كل مؤمن أن يلازم السجود المعبود، ويقوم على ساق العبودية، وإن لم يكن له قدم كما قامت شجرة.
إطلاق اسم أحد الضدين على الآخر؛ ليناسب قوله في الحديث المارّ. فتقطعت عروقها، وإن كان الفرع لغة من كل شيء أعلاه، "من بديع الخط" بيان لما، والإضافة بيانية، أو هي من إضافة الصفة للموصوف، أي: الخط المبتدع؛ لأنه لم يعهد مثله للأشجار "في اللقم،" بفتح اللام والقاف، وبضم اللام وفتح القاف: الطريق أو وسطه، كما في القاموس، "فشبَّه آثار مشي الشجر لما جاءت إليه صلى الله عليه وسلم" المفيدة للخيرات، "بكتابة كاتب، أوقعها على نسبة معلومة في أسطر منظومة" منشقَّة، ووجه التشبيه أن الخط دالٌّ على اللفظ المفيد للمعاني، وآثار مشي فروع الشجرة في الأرض مفيد للخيرات، فالتشبيه من حيث الفائدة، "وإذا كانت الأشجار تبادر لامتثال أمره صلى الله عليه وسلم حتى تخر ساجدة بين يديه، فنحن أَوْلَى" أحق "بالمبادة لامتثال ما دعا إليه" لأنَّا عقلاء، مكلفون، وهي جماد غير مكلف، "زاده الله شرفًا وكرمًا لديه" عنده.
"وتأمَّل قول الأعرابي: ائذن لي أن أسجد لك" بكسر اللام وخفة الميم، أي: للأمر العظيم الذي "رأى من سجود الشجرة" بيان لما، "فرأى أنه أحرى" أولى بذلك منها، "حتى أعلمه عليه الصلاة والسلام أن ذلك" أي: السجود، لا يكون إلّا لله، فحق على كل مؤمن أن يلازم السجود للرب المعبود، ويقوم على ساق العبودية، وإن لم يكن له قدم" يقوم عليه، بأن كان كسيحًا، أو قدم معنوي، كما قامت الشجرة" على ساقها، طاعة للمصطفى، وهي عبودية لله تعالى.