المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب أركان النكاح وشروطه] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٨

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب أركان النكاح وشروطه]

[بَابُ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَشُرُوطِهِ]

ِ قَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِيجَابُ إلَّا بِلَفْظِ " النِّكَاحِ " وَ " التَّزْوِيجِ ")

(وَالْقَبُولُ، أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ) أَوْ هَذَا التَّزْوِيجَ. وَمِنْ أَلْفَاظِ صِيَغِ الْقَبُولِ " تَزَوَّجْتهَا ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ " أَوْ رَضِيت هَذَا النِّكَاحَ ". اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، لَا غَيْرُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَيَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ أَيْضًا. وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ مِنْ جَعْلِهِ عِتْقَ الْأَمَةِ صَدَاقَهَا وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِ الْخَاطِبِ وَالْوَلِيِّ " نَعَمْ " فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْ الْمُتَخَاطِبِينَ، لَفْظٌ صَرِيحٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَنْعَقِدُ بِمَا عَدَّهُ النَّاسُ نِكَاحًا، بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ وَفِعْلٍ كَانَ. قَالَ: وَمِثْلُهُ كُلُّ عَقْدٍ. وَقَالَ: الشَّرْطُ بَيْنَ النَّاسِ مَا عَدُّوهُ شَرْطًا. فَالْأَسْمَاءُ: تُعْرَفُ حُدُودُهَا تَارَةً بِالشَّرْعِ، وَتَارَةً بِاللُّغَةِ، وَتَارَةً بِالْعُرْفِ. وَكَذَلِكَ الْعُقُودُ. انْتَهَى.

نَقَلَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ، فِي نُكَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ " الْإِنْكَاحِ " وَ " التَّزْوِيجِ ". قَالَ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَقِيَاسُ مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ. فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله نَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ " جَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك " وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ

ص: 45

إنْكَاحٌ " وَ " لَا تَزْوِيجٌ " وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ خَصَّهُ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ. وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِلَفْظِ " الْإِنْكَاحِ " وَ " التَّزْوِيجِ " ابْنُ حَامِدٍ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ، لِسَبَبِ انْتِشَارِ كُتُبِهِ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ بِمَا تَعَارَفَاهُ نِكَاحًا، مِنْ هِبَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَنَحْوِهِمَا، أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله " أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك ". قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت لَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَخْصِيصُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ إلَّا قَوْلَهُ " إذَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا فَلَيْسَ بِنِكَاحٍ ". ثُمَّ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي صِحَّتِهِ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " وَنَحْوِهَا رِوَايَتَيْنِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي الْخَصَائِصِ، مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: هَلْ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ لَا؟ . انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفَائِقِ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ إلَّا " قَبِلْت تَجْوِيزَهَا " بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ؟ فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " جَوْزَتِي طَالِقٌ " فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. انْتَهَى.

قُلْت: يُكْتَفَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ " قَبِلْت " عَلَى مَا يَأْتِي. وَيَكُونُ هَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلزَّوْجِ " زَوَّجْتُك فُلَانَةَ " بِفَتْحِ التَّاءِ: هَلْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ؟ تَوَقَّفَ فِيهَا نَاصِحُ الْإِسْلَامِ ابْنُ أَبِي الْفَهْمِ. وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ، فَرَّقَ بَيْنَ الْعَارِفِ بِاللُّغَةِ وَالْجَاهِلِ، كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ

ص: 46

إنْ دَخَلْت الدَّارَ " بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا. مِنْهُمْ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ. وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِصِحَّتِهِ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَصِحُّ جَهْلًا أَوْ عَجْزًا. وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي أَوَائِلِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " يُتَوَجَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمِثْلِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ " كُلَّمَا قُلْت لِي شَيْئًا وَلَمْ أَقُلْ لَك مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَائِلِ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ لَوْ قَالَ لَهَا " أَنْتَ طَالِقٌ " بِفَتْحِ التَّاءِ. وَهَذِهِ حَادِثَةٌ وَقَعَتْ بِحَرَّانَ زَمَنَ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ، فَسَأَلَ عَنْهَا الْعُلَمَاءَ. ذَكَرَهَا فِي النَّوَادِرِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ إذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ هَازِلٍ أَوْ مُلْجَأٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

فَائِدَةٌ:

لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ، فِيمَا إذَا عَلَّقَ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: إنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ لِيُخْرِجُوا الشُّرُوطَ الْحَاضِرَةَ وَالْمَاضِيَةَ. مِثْلَ قَوْلِهِ " زَوَّجْتُك هَذَا الْمَوْلُودَ إنْ كَانَ أُنْثَى " أَوْ " زَوَّجْتُك ابْنَتِي إنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا قَدْ انْقَضَتْ " أَوْ " إنْ كُنْت وَلِيَّهَا " وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهُ يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ شَاقِلَا: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَوْجُودٌ إذَا اللَّهُ شَاءَهُ، حَيْثُ اسْتَجْمَعْت أَرْكَانَهُ وَشُرُوطَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ " زَوَّجْتُك ابْنَتِي إنْ شِئْت " فَقَالَ " قَدْ شِئْت وَقَبِلْت "

ص: 47

فَإِنَّهُ يَصِحُّ. لِأَنَّهُ شَرْطُ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ إذَا صَدَرَ كَانَ الْقَبُولُ إلَى مَشِيئَةِ الْقَابِلِ مُقَارَنَةً لِلْقَبُولِ. وَلَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ. انْتَهَى

قَوْلُهُ (بِالْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ انْعِقَادَهُ بِغَيْرِهَا. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا، وَقَالَ: هُوَ أَقْيَسُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ: لَمْ يَلْزَمْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي إذَا قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ تَعَلُّمُهُمَا. وَيَنْعَقِدُ بِلِسَانِهِ بِمَعْنَاهُمَا الْخَاصِّ لَهُمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَالْوَجِيزِ. وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ بِالْعَرَبِيَّةِ: لَزِمَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ " قَبِلْت " أَوْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ

ص: 48

أَزَوَّجْت؟ " قَالَ " نَعَمْ " وَلِلْمُتَزَوِّجِ " أَقَبِلْت؟ " قَالَ " نَعَمْ " صَحَّ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَنَصَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ؛ لِعَدَمِ لَفْظِ " الْإِنْكَاحِ " وَ " التَّزْوِيجِ ". وَاخْتَارَ الصِّحَّةَ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِ " قَبِلْت " دُونَ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِهِ " نَعَمْ " فِي الْإِيجَابِ أَوْ الْقَبُولِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ أَوْجَبَ النِّكَاحَ، ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ الْقَبُولِ: بَطَلَ الْعَقْدُ كَمَوْتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَلَوْ أَوْجَبَهُ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبُولِ: فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قُلْت: وَيُتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ إذَا قَالَ فِي الْمَجْلِسِ.

الثَّانِيَةُ: يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْأَخْرَسِ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا بِكِتَابَةٍ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ.

ص: 49

وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَنْعَقِدُ الْإِيجَابُ إلَّا بِلَفْظِ " الْإِنْكَاحِ " مُرَادُهُمْ: الْقَادِرُ عَلَى النُّطْقِ. فَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ الْمُطْلَقِ: فَيَصِحُّ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ: فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ. ذَكَرَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَظْهَرُ الْمَنْعُ مَعَ حُضُورِهِ، وَالصِّحَّةُ مَعَ غَيْبَتِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَمَاعَةٌ: رِوَايَةً بِالصِّحَّةِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفَائِقِ إذَا تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي، أَوْ الْأَمْرِ. قَالَ النَّاظِمُ:

وَإِنْ يَتَقَدَّمْ لَمْ نُصَحِّحْهُ بَتَّةً

وَلَوْ صَحَّحُوا تَقْدِيمَهُ لَمْ أُبْعِدْ

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ لَوْ قَالَ " زَوِّجْنِي " فَقَالَ " زَوَّجْتُك " أَوْ قَالَ لَهُ الْوَلِيُّ " تَزَوَّجْت " فَقَالَ " تَزَوَّجْت " صَحَّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ إذَا تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ.

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَاخَى عَنْهُ: صَحَّ، مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) يَعْنِي: فِي الْعُرْفِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ: بَطَلَ الْإِيجَابُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 50

وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ. وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ مَعَ غَيْبَةِ الزَّوْجِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَخَذْت هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي رَجُلٍ مَشَى إلَيْهِ قَوْمٌ، فَقَالُوا " زَوِّجْ فُلَانًا " فَقَالَ " قَدْ زَوَّجْته عَلَى أَلْفٍ " فَرَجَعُوا إلَى الزَّوْجِ، فَأَخْبَرُوهُ. فَقَالَ " قَدْ قَبِلْت " هَلْ يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَشْكَلَ هَذَا النَّصُّ عَلَى الْأَصْحَابِ. فَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا حُكْمٌ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ. قَالَ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ وَكَّلَ مِنْ قِبَلِ الْعَقْدِ عَنْهُ، ثُمَّ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَأَمْضَاهُ. وَرَدَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ تُعْطِي أَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ صَحِيحٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: قَدْ أَحْسَنَ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ تَرَاخِيًا لِلْقَبُولِ. وَإِنَّمَا هُوَ تَرَاخٍ لِلْإِجَازَةِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَشُرُوطُهُ خَمْسَةٌ أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ) . لَوْ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَوْجَبَ لَهُ النِّكَاحَ فِي غَيْرِهَا، فَقَبِلَ يَظُنُّهَا مَخْطُوبَتَهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ صَحِيحٌ نَصَّ عَلَيْهِ.

فَائِدَةٌ:

قَوْلُهُ (فَإِذَا قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي، وَلَهُ بَنَاتٌ: لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُشِيرَ إلَيْهَا، أَوْ يُسَمِّيَهَا، أَوْ يَصِفَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ: صَحَّ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ. لَكِنْ لَوْ عَيَّنَا فِي الْبَاطِنِ وَاحِدَةً، وَعَقَدَا عَلَيْهَا الْعَقْدَ بِاسْمٍ غَيْرِ مُتَمَيِّزٍ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ " بِنْتِي " وَلَهُ بَنَاتٌ، أَوْ يُسَمِّيهَا بِاسْمٍ وَيَنْوِيهَا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُسَمَّاةٍ. فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ. اخْتَارَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: الصِّحَّةَ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْبُطْلَانَ؛ وَمَأْخَذُهُ: أَنَّ النِّكَاحَ يُشْتَرَطُ لَهُ الشَّهَادَةُ. وَيَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَى النِّيَّةِ.

ص: 51

وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ: إنْ كَانَتْ الْمُسَمَّاةُ غَلَطًا: لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا لِكَوْنِهَا مُزَوَّجَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ: صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِلَّا فَلَا. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ.

قَوْلُهُ (الثَّانِي: رِضَا الزَّوْجَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا الْأَبُ، لَهُ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ، وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ) اعْلَمْ أَنَّ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ عَشْرَ مَسَائِلَ:

إحْدَاهَا: أَوْلَادُهُ الذُّكُورُ الْعُقَلَاءُ الَّذِينَ هُمْ دُونَ الْبُلُوغِ، وَالْكِبَارُ الْمَجَانِينُ: فَلَهُ تَزْوِيجُهُمْ، سَوَاءٌ أَذِنُوا أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ رَضُوا أَمْ لَا، بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي إجْبَارِ مُرَاهِقٍ عَاقِلٍ نَظَرٌ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ إجْبَارِهِ. وَقِيلَ: لَهُ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَحَمَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْمُرَاهِقِ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْحَاجَةِ مُطْلَقًا، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يُحْتَمَلُ فِي ابْنِ تِسْعٍ يُزَوَّجُ بِإِذْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَبُوهُ أَوْ وَلِيُّ غَيْرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: يُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَأُنْثَى أَوْ كَعَبْدٍ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَثَيِّبٍ. وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلَا مَصْلَحَةَ لَهُ، وَإِذْنُهُ ضَيِّقٌ، لَا يَكْفِي صَمْتُهُ. وَقِيلَ: لَا يُزَوِّجُ لَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ. وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ الْمَجْنُونُ الْبَالِغُ بِحَالٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

ص: 52

وَقِيلَ: يُجْبِرُهُ مَعَ الشَّهْوَةِ، وَإِلَّا فَلَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا يُزَوِّجُهُ إلَّا الْحَاكِمُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: تَقْدِيمُ الْحَاكِمِ عَلَى الْأَبِ قَوْلٌ سَاقِطٌ. وَيَأْتِي هَلْ لِوَصِيِّ الصَّغِيرِ الْإِجْبَارُ؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَتِهِ ".

فَوَائِدُ:

مِنْهَا: مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إنَّ تَزْوِيجَ الطِّفْلِ وَالْمَعْتُوهِ لَيْسَ بِإِجْبَارٍ. إنَّمَا الْإِجْبَارُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ إذْنٌ وَاخْتِيَارٌ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ لَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَمِنْهَا: لَيْسَ لِلِابْنِ الصَّغِيرِ إذَا زَوَّجَهُ الْأَبُ خِيَارٌ إذَا بَلَغَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَالْأَصْحَابِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ. وَمِنْهَا: لِلْأَبِ قَبُولُ النِّكَاحِ لِلْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ. وَلَهُ أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَى الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إنْ صَحَّ بَيْعُهُ وَطَلَاقُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَصِحُّ قَبُولُ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرٍ وَهُوَ مُمَيِّزٌ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ تَفْوِيضِ الْقَبُولِ إلَيْهِ. وَمِنْهَا: حَيْثُ قُلْنَا: يُزَوَّجُ الصَّغِيرُ، وَالْمَجْنُونُ، فَيَكُونُ بِوَاحِدَةٍ. وَفِي أَرْبَعٍ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: الْإِطْلَاقُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُزَوِّجْهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ.

ص: 53

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: لَهُ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِأَرْبَعٍ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً. وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَيَأْتِي حُكْمُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ فِي تَزْوِيجِهِمْ لَهُمَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَوْلَادُهُ الذُّكُورُ الْعَاقِلُونَ الْبَالِغُونَ: لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهُمْ. يَعْنِي بِغَيْرِ إذْنِهِمْ بِلَا نِزَاعٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا. فَفِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْفُرُوعِ، وَالْبُلْغَةِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ. قُلْت: الْأَوْلَى الْإِجْبَارُ، إنْ كَانَ أَصْلَحَ لَهُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي " بَابِ الْحَجْرِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. فَلْيُرَاجَعْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ابْنَتُهُ الْبِكْرُ الَّتِي لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. وَرِضَاهَا بِلَا نِزَاعٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْبِكْرُ الَّتِي لَهَا تِسْعُ سِنِينَ فَأَزْيَدُ، إلَى مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ: لَهُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ إلَّا بِإِذْنِهَا. قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَغَيْرِهِمْ.

ص: 54

وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: عَدَمَ إجْبَارِ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا. قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَلَا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَلَا غَيْرُهُ إلَّا بِإِذْنِهَا. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَهُوَ الْأَقْوَى.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ، لَهُ إجْبَارُهَا أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، حَيْثُ قَالَ " وَبَنَاتُهُ الْأَبْكَارُ ". وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. وَالشَّرِيفُ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَتُجْبَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِكْرٌ بَالِغَةٌ. وَعَنْهُ: لَا يُجْبِرُهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ إذْنُهَا. وَكَذَا إذْنُ أُمِّهَا. قَالَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.

السَّادِسَةُ: الْبِكْرُ الْمَجْنُونَةُ: لَهُ إجْبَارُهَا مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَهُ إجْبَارُهَا إنْ كَانَ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا وَهِيَ عَاقِلَةٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِلَافِ لِأَبِي بَكْرٍ.

ص: 55

فَائِدَةٌ:

لَوْ كَانَ وَلِيُّهَا الْحَاكِمَ فَلَهُ تَزْوِيجُهَا فِي وَجْهٍ إذَا اشْتَهَتْهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ وَلِيُّهَا غَيْرَ الْحَاكِمِ وَالْأَبِ: زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ. وَقِيلَ: بَلْ يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله هُنَا " لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونَةِ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمَيْلُ إلَى الرِّجَالِ ".

السَّابِعَةُ: الثَّيِّبُ الْمَجْنُونَةُ الْكَبِيرَةُ، لَهُ إجْبَارُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُ إجْبَارُهَا فِي الْأَصَحِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُغْنِي: وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَاهُ. وَقِيلَ: لَا تُجْبَرُ أَلْبَتَّةَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

الثَّامِنَةُ: الثَّيِّبُ الْعَاقِلَةُ الَّتِي لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ، لَهُ إجْبَارُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا. قُلْت: فَعَلَى هَذَا: لَا تُزَوَّجُ أَلْبَتَّةَ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ. فَيَثْبُتُ لَهَا إذْنُ مُعْتَبَرَةٍ.

التَّاسِعَةُ: الثَّيِّبُ الْعَاقِلَةُ الَّتِي لَهَا تِسْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرَ، وَلَمْ تَبْلُغْ. فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ إجْبَارِهَا وَجْهَيْنِ. وَهُمَا كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمَجْدِ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.

أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 56

مِنْهُمْ: ابْنُ بَطَّةَ، وَصَاحِبُهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْمُسْلِمِ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهُ إجْبَارُهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ.

الْعَاشِرَةُ: الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ، لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا بِلَا نِزَاعٍ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ، فِي قَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَصِحَّ، إلَّا الْأَبُ لَهُ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَالْمَجَانِينِ، وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ) أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ لَهُ الْإِجْبَارُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةَ: أَنَّ الْجَدَّ يُجْبِرُ كَالْأَبِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لِلصَّغِيرَةِ، بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ: إذْنُ صَحِيحَةٍ مُعْتَبَرَةٍ. حَيْثُ قُلْنَا: لَا تُجْبَرُ، أَوْ تُجْبَرُ لِأَجْلِ اسْتِحْبَابِ إذْنِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَابْنُ هَانِئٍ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَالْأَثْرَمُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَجَامِعِهِ، وَمُجَرَّدِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ، وَتَذْكِرَتِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَنَصَبَهُمَا الشِّيرَازِيُّ لِلْخِلَافِ.

ص: 57

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا. وَكَذَا أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْقَاضِي. انْتَهَى.

وَاخْتَارَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، فِي التَّحْقِيقِ. نَقَلَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ عَنْ جَدِّهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: نَقَلَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا، وَأَشْهَرُهُمَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ فِي التَّسْهِيلِ: وَإِذْنُ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ: لَا إذْنَ لَهَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهَا قَبْلَهُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ.

الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: بِإِجْبَارِ الْمَرْأَةِ وَلَهَا إذْنٌ، أُخِذَ بِتَعَيُّنِهَا كُفُؤًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ أَرَادَتْ الْجَارِيَةُ رَجُلًا، وَأَرَادَ الْوَلِيُّ غَيْرَهُ: اتَّبَعَ هَوَاهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً غَيْرَ مُجْبَرَةٍ.

ص: 58

وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِتَعْيِينِ الْوَلِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالتَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً ".

قَوْلُهُ (وَالسَّيِّدُ لَهُ تَزْوِيجُ إمَائِهِ الْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْبَرُ الْأَمَةُ الْكَبِيرَةُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَا تُجْبَرُ الْأَمَةُ الْكَبِيرَةُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَيْسَ بِمَالٍ. لَكِنْ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ هُنَا: غَيْرُ الْمُكَاتَبَةِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ وَجْهٌ: لَهُ إجْبَارُهَا.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ نِصْفُ الْأَمَةِ حُرًّا، وَنِصْفُهَا رَقِيقًا: لَمْ يَمْلِكْ مَالِكُ الرِّقِّ إجْبَارَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّ لِلسَّيِّدِ إجْبَارَهَا. وَتَبِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُهُ. وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ وَهْمٌ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ بَعْضُهَا مُعْتَقًا: اُعْتُبِرَ إذْنُهَا وَإِذْنُ مَالِكِ الْبَقِيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِاثْنَيْنِ. وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا " زَوَّجْتُكهَا " وَلَا يَقُولُ " زَوَّجْتُك بَعْضَهَا ". قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفَخْرُ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ وَالتَّجَزُّؤَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ.

ص: 59

قَوْلُهُ (وَعَبِيدُهُ الصِّغَارُ) يَعْنِي: لَهُ تَزْوِيجُهُمْ (بِغَيْرِ إذْنِهِمْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ إجْبَارَهُمْ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَحَكَاهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ رِوَايَةً. وَهُوَ فِي الِانْتِصَارِ وَجْهٌ. وَالْحُكْمُ فِي الْعَبْدِ الْمَجْنُونِ الْكَبِيرِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُ إجْبَارَ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ) . يَعْنِي الْعَاقِلَ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُهُمْ كَبِيرَةً إلَّا بِإِذْنِهَا إلَّا الْمَجْنُونَةَ لَهُمْ تَزْوِيجُهَا إذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمَيْلُ إلَى الرِّجَالِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا الْحَاكِمُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ وَجْهًا: يُجْبِرُهَا الْحَاكِمُ وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ فِي الرِّعَايَةِ.

فَوَائِدُ:

إحْدَاهَا: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ إلَّا الْحَاكِمَ: زَوَّجَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُجْبِرُ حَاكِمٌ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

ص: 60

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ تَزْوِيجَهَا، إنْ قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: إنَّ عِلَّتَهَا تَزُولُ بِتَزْوِيجِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهَا.

الثَّانِيَةُ: تُعْرَفُ شَهْوَتُهَا مِنْ كَلَامِهَا، وَمِنْ قَرَائِنِ أَحْوَالِهَا، كَتَتَبُّعِهَا الرِّجَالَ وَمَيْلِهَا إلَيْهِمْ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.

الثَّالِثَةُ: إنْ احْتَاجَ الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ، وَالْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ، الْبَالِغُ إلَى النِّكَاحِ: زَوَّجَهُمَا الْحَاكِمُ بَعْدَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي الْمَجْنُونِ. وَظَاهِرُ الْإِيضَاحِ: لَا يُزَوِّجُهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَحْتَاجَا إلَيْهِ. فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ الْمَجْنُونِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقِيلَ: يُزَوِّجُهُمَا الْحَاكِمُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ فِي الْمَجْنُونِ.

تَنْبِيهَاتٌ:

أَحَدُهُمَا: أَلْحَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ جَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِالْحَاكِمِ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْخِلَافُ مَعَ عَدَمِهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مَخْصُوصَةٌ بِالْحَاكِمِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ تَزْوِيجُهُ إذَا قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: إنَّ فِي ذَلِكَ ذَهَابَ عِلَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهِ. الثَّانِي: الْمُرَادُ هُنَا مُطْلَقُ الْحَاجَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَاجَةُ لِلنِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الْحَاجَةَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ.

ص: 61

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَغَيْرِهِ: الْحَاجَةُ هُنَا هِيَ الْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ لَا غَيْرُ.

قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُ صَغِيرَةٍ بِحَالٍ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالنَّظْمِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَهُمْ ذَلِكَ. وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ تِسْعِ سِنِينَ. فَعَلَيْهَا: يُفِيدُ الْحِلَّ وَالْإِرْثَ وَبَقِيَّةَ أَحْكَامِ النِّكَاحِ. عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يُفِيدُ الْإِرْثَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: لَا يُفِيدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا. وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَهُمْ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ بِإِذْنِهَا. اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ ابْنَةِ تِسْعٍ: هَلْ لَهَا إذْنُ مُعْتَبَرَةٍ أَمْ لَا؟ وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ، الْمَنْصُوصَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ لَهَا إذْنَ مُعْتَبَرَةٍ. فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ.

ص: 62

قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَلِغَيْرِهِمَا تَزْوِيجُ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقَدْ بُنِيَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ هَذَا الْخِلَافُ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي ابْنَةِ تِسْعٍ: هَلْ لَهَا إذْنُ مُعْتَبَرَةٍ أَمْ لَا؟ كَمَا تَقَدَّمَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: عَدَمُ الْبَقَاءِ، حَيْثُ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ هُنَاكَ. وَقَدَّمُوا هُنَا عَدَمَ تَزْوِيجِهِمْ مُطْلَقًا.

تَنْبِيهٌ:

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ لَهُمْ تَزْوِيجُهَا. كَالْحَاكِمِ. فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ، وَإِنْ مَنَعْنَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِلَا خِلَافٍ. وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مُوَافِقًا. بَلْ صَرَّحَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَمَعَ ذَلِكَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَصَالِحِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى مُوَافِقٍ. وَلَعَلَّهُ " كَالْأَبِ " فَسَبَقَ الْقَلَمُ. وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا نَصْرُ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِمَا. وَذَكَرَ شَيْخُنَا: أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.

تَنْبِيهٌ آخَرُ:

الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ " وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ " الْبُلُوغَ الْمُعْتَادَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ بُلُوغُ تِسْعِ سِنِينَ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ.

ص: 63

قَوْلُهُ (وَإِذْنُ الثَّيِّبِ: الْكَلَامُ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. (وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَلَكِنْ نُطْقُهَا أَبْلَغُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ النُّطْقُ فِي غَيْرِ الْأَبِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي مَسْأَلَةِ إجْبَارِ الْبَالِغَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْذَانِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ الْمَعْرِفَةُ بِهِ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ، عَلَى الصَّحِيحِ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى إذْنِهَا. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنَى فِي تَعْلِيقِهِ: لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ عَلَى رِضَى الْمَرْأَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَفِي الْمَذْهَبِ خِلَافٌ شَاذٌّ: يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى إذْنِهَا. انْتَهَى.

وَإِنْ ادَّعَتْ الْإِذْنَ، فَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ: صُدِّقَتْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا عَنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّيُوبَةِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ) . أَمَّا الْوَطْءُ الْمُبَاحُ: فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا ثَيِّبٌ بِهِ. وَأَمَّا الْوَطْءُ بِالزِّنَا وَذَهَابِ الْبَكَارَةِ بِهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَالْوَطْءِ الْمُبَاحِ فِي اعْتِبَارِ الْكَلَامِ فِي إذْنِهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قُلْت: بَلْ أَوْلَى، إنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً.

ص: 64

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ، وَلَوْ بِزِنًا. وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ. قُلْت: لَعَلَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ أَرَادَ: إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً. وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِإِصْبَعٍ، أَوْ وَثْبَةٍ. فَلَا تُغَيِّرُ صِفَةَ الْإِذْنِ) وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تُغَيِّرُ صِفَةَ الْإِذْنِ. فَيُعْتَبَرُ النُّطْقُ فِي الْكُلِّ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ ذَهَبَتْ بَكَارَتُهَا بِإِصْبَعٍ أَوْ وَثْبَةٍ، وَبَيْنَ مَنْ وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا مُطَاوِعَةً فَيَكْفِي الصَّمْتُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ قَوِيٌّ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: حَيْثُ حَكَمْنَا بِالثُّيُوبَةِ، لَوْ عَادَتْ الْبَكَارَةُ: لَمْ يُزَلْ حُكْمُ الثُّيُوبَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْحَاكِمِ. وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الثُّيُوبَةِ حَاصِلٌ لَهَا. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مَحَلُّ وِفَاقٍ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ ضَحِكَتْ الْبِكْرُ، أَوْ بَكَتْ: كَانَ كَسُكُوتِهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: فَإِنْ بَكَتْ كَارِهَةً فَلَا. إلَّا أَنْ تَكُونَ مُجْبَرَةً. انْتَهَى قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنَّ الْبُكَاءَ تَارَةً يَكُونُ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، وَتَارَةً يَكُونُ لِشِدَّةِ الْغَضَبِ، وَعَدَمِ الرِّضَى بِالْوَاقِعِ. فَإِنْ اشْتَبَهَ فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا إلَى دَمْعِهَا. فَإِنْ كَانَ مِنْ السُّرُورِ كَانَ بَارِدًا. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْحُزْنِ كَانَ حَارًّا. ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى فِي مَرْيَمَ {وَقَرِّي عَيْنًا} [مريم: 26] . فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يُمْكِنُهَا النُّطْقُ إذَا كَرِهَتْ.

ص: 65

قُلْنَا: وَكَانَ يُمْكِنُهَا النُّطْقُ بِالْإِذْنِ إذَا رَضِيَتْ. وَلَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَطْبُوعَةً عَلَى الْحَيَاءِ فِي النُّطْقِ: عَمَّ الرِّضَى وَالْكَرَاهَةَ.

قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: الْوَلِيُّ. فَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي: الْوَلِيُّ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ. وَعَنْهُ: لَيْسَ الْوَلِيُّ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا. وَخَصَّهَا الْمُصَنِّفُ، وَجَمَاعَةٌ بِالْعُذْرِ؛ لِعَدَمِ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ (لَوْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، أَوْ غَيْرَهَا: لَمْ يَصِحَّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ لَهَا تَزْوِيجُ نَفْسِهَا. ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: أَنَّ لَهَا أَنْ تَأْمُرَ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا. وَعَنْهُ: لَهَا تَزْوِيجُ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ: لَمْ يُثْبِتْهَا الْقَاضِي، وَمَنَعَهَا. وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ لَفْظَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي أَخْذِ رِوَايَةٍ مِنْ هَذَا نَظَرٌ، لَكِنْ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى إثْبَاتِهَا. قَوْلُهُ (فَيَخْرُجُ مِنْهُ: صِحَّةُ تَزْوِيجِ نَفْسِهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا. وَتَزْوِيجِ غَيْرِهَا بِالْوَكَالَةِ) . يَعْنِي: عَلَى رِوَايَةِ " أَنَّ لَهَا تَزْوِيجَ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا ". وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَجْدِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: هَذَا التَّخْرِيجُ غَلَطٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ عَنْ هَذَا التَّخْرِيجِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى رِوَايَةِ تَزْوِيجِ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا بَيْنَ تَزْوِيجِ

ص: 66

أَمَتِهَا وَتَزْوِيجِ نَفْسِهَا وَغَيْرِهَا، بِأَنَّ التَّزْوِيجَ عَلَى الْمِلْكِ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ. بِدَلِيلِ تَزْوِيجِ الْفَاسِقِ مَمْلُوكَتَهُ.

تَنْبِيهٌ:

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُزَوِّجُ أَمَتَهَا بِإِذْنِهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُزَوِّجُهَا أَيْ رَجُلٌ أَذِنَتْ لَهُ، هَذَا إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً. فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا: فَيُزَوِّجُ أَمَتَهَا وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا خَاصَّةً. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِإِذْنِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِالْإِذْنِ، ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ زَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، فَهُوَ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ. وَفِيهِ طَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْبُطْلَانُ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. وَهِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِيهِ. وَعَلَيْهِ فِرَاقُهَا. فَإِنْ أَبَى، فَسَخَهُ الْحَاكِمُ. فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله -

ص: 67

وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ: لَمْ يُنْقَضْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: يُنْقَضُ. خَرَّجَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَهَلْ يَثْبُتُ بِنَصٍّ فَيُنْتَقَضُ حُكْمُ مَنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَفِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَتَانِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ (وَعَنْهُ: لَهَا تَزْوِيجُ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا) . أَنَّ الْمُعْتَقَةَ كَالْأَمَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي الْحَجَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَعَنْهُ: لَا تَلِي نِكَاحَ الْمُعْتَقَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْأَوْلَى: إنْ طَلَبَتْ وَأَذِنَتْ زَوَّجَتْهَا. فَلَوْ عَضَلَتْ زَوَّجَ وَلِيُّهَا. لَكِنْ فِي إذْنِ السُّلْطَانِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ إذْنِهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُزَوِّجُهَا بِدُونِ إذْنِهَا أَقْرَبُ عَصَبَتِهَا، ثُمَّ السُّلْطَانُ. وَيُجْبِرُهَا مَنْ يُجْبِرُ سَيِّدَتَهَا. قُلْت: الْأَوْلَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ لَا تُجْبَرَ الْمُعْتَقَةُ الْكَبِيرَةُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْمُعْتَقَةُ فِي الْمَرَضِ، هَلْ يُزَوِّجُهَا قَرِيبُهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ: يَمْلِكُ إجْبَارَهَا مَنْ يَمْلِكُ إحْبَارَ سَيِّدَتِهَا الَّتِي أَعْتَقَتْهَا. قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْكَبِيرَةِ.

ص: 68

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إجْبَارٍ فِي تَزْوِيجِ الْمُعْتَقَةِ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ (وَأَحَقُّ النَّاسِ بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ: أَبُوهَا. ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا. ثُمَّ ابْنُهَا. ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ سَفَلَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الِابْنُ وَابْنُهُ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنَى فِي تَعْلِيقِهِ. وَأَخَذَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ " الْعَصَبَةُ فِيهِ: مَنْ أَحْرَزَ الْمَالَ ". وَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْجَدِّ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ عَلَيْهَا تَقْدِيمُ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ. وَعَنْهُ سَوَاءٌ. وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِتَقْدِيمِ الْجَدِّ عَلَى الْأَخِ، عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَجْهًا بِتَسَاوِي الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ اسْتِوَاءِ الْأَخِ وَالْجَدِّ. قَوْلُهُ (ثُمَّ أَخُوهَا لِأَبَوَيْهَا. ثُمَّ لِأَبِيهَا) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: هُمَا سَوَاءٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 69

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا.

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَبِ، وَالْأَعْمَامِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَبِ، وَأَوْلَادِهِمْ. وَهَلُمَّ جَرًّا.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَا ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ: فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَخِ مِنْ الْأَبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هُمَا سَوَاءٌ. وَلَا مَزِيَّةَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ؛ لِانْفِرَادِهَا بِالْإِرْثِ. وَزَادَ قَوْلُ الْقَاضِي. وَهُوَ كَمَا قَالَا. قَوْلُهُ (ثُمَّ الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ. ثُمَّ عَصَبَاتُهُ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَبُو الْمُعْتِقَةِ عَلَى ابْنِهَا فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا وَعَتِيقَتِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَوْلُهُ (ثُمَّ السُّلْطَانُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: مَنْ أَسْلَمَتْ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِتَزْوِيجِهَا مِنْ السُّلْطَانِ.

ص: 70

فَوَائِدُ:

مِنْهَا: السُّلْطَانُ هُنَا: هُوَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ، أَوْ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَإِذَا اسْتَوْلَى أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ جَرَى حُكْمُ سُلْطَانِهِمْ وَقَاضِيهِمْ فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْإِمَامِ وَقَاضِيهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ.

وَمِنْهَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ وَالِي الْبَلَدِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: يُزَوِّجُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَاضِي. لَكِنْ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى حَمَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّهُ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله حَمَلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا.

وَمِنْهَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ. فَعَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا بُدَّ مِنْ الْوَلِيِّ مُطْلَقًا. حَتَّى قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ لَيْسَ مَعَهُمَا وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، وَإِنْ خَافَ الزِّنَا بِهَا. قُلْت: وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ مَعَ خَوْفِ الزِّنَا. وَعَنْهُ: وَالِي الْبَلَدِ أَوْ كَبِيرُهُ يُزَوِّجُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالصَّحِيحُ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَغَيْرِهِ: يُزَوِّجُهَا ذُو السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَالْعَضِلِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ، وَكَّلَتْ. وَعَنْهُ: ثُمَّ عَدْلٌ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْأَمَةُ: فَوَلِيُّهَا سَيِّدُهَا) . هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا، أَوْ مُكَاتَبًا.

ص: 71

وَتَقَدَّمَ: أَنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُجْبِرَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مُكَاتَبَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ لِامْرَأَةٍ: فَوَلِيُّهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا عِبَارَةَ لَهَا فِي النِّكَاحِ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا.

قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ: الْحُرِّيَّةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَصَالِحٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلِيَ عَلَى ابْنَتِهِ. ثُمَّ جَوَّزَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ احْتِمَالًا بِالصِّحَّةِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَلْ لِلْعَبْدِ وِلَايَةٌ عَلَى قَرَابَتِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَكُونُ وَلِيًّا. قَوْلُهُ (وَالذُّكُورِيَّةُ) . وَهُوَ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ: هَلْ لَهَا تَزْوِيجُ نَفْسِهَا أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَاتِّفَاقُ الدِّينِ) . يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ. بِحَالٍ وَعَكْسُهُ "

قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وَعَدَالَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . أَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْخِلَافَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي.

ص: 72

إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَالْأَثْرَمِ، وَعَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَحَرْبٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ نَقْلًا وَاخْتِيَارًا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ أَوْلَى.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. فَعَلَيْهَا: يَصِحُّ تَزْوِيجُ ابْنِ عَشْرٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: إذَا بَلَغَ عَشْرًا: زَوَّجَ وَتَزَوَّجَ. قَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَعَنْهُ: اثْنَيْ عَشَرَ.

وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يُشْتَرَطُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْأَزَجِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْفُرُوعِ.

ص: 73

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُ الْفَاسِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الطِّفْلَ، وَالْعَبْدَ، وَالْكَافِرَ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَاسِقَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكْفِي مَسْتُورُ الْحَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَمَلَ صَاحِبُ التَّصْحِيحِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ:

مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ: فِي غَيْرِ السُّلْطَانِ. أَمَّا السُّلْطَانُ: فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَزْوِيجِهِ الْعَدَالَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَجْرَى أَبُو الْخَطَّابِ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: اُشْتُرِطَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَغَيْرِهِمْ: الرُّشْدُ فِي الْوَلِيِّ. وَاشْتُرِطَ فِي الْوَاضِحِ: كَوْنُهُ عَارِفًا بِالْمَصَالِحِ، لَا شَيْخًا كَبِيرًا جَاهِلًا بِالْمَصْلَحَةِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله " الرُّشْدُ " هُنَا: هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِالْكُفْءِ وَمَصَالِحِ النِّكَاحِ لَيْسَ هُوَ حِفْظَ الْمَالِ. فَإِنَّ رُشْدَ كُلِّ مَقَامٍ بِحَسْبِهِ. وَاشْتَرَطَ فِي الرِّعَايَةِ أَنْ لَا يَكُونَ مُفَرِّطًا فِيهَا، وَلَا مُقَصِّرًا. وَمَعْنَاهُ فِي الْفُصُولِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعَضْلَ مَانِعًا، وَإِنْ لَمْ يَفْسُقْ لِعَدَمِ الشَّفَقَةِ. وَشَرْطُ الْوَلِيِّ الْإِشْفَاقُ.

ص: 74

الثَّانِيَةُ: لَا تَزُولُ الْوِلَايَةُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْعَمَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْعَمَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَزُولُ بِذَلِكَ. وَلَا تَزُولُ بِالسَّفَهِ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ جُنَّ أَحْيَانًا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ بِنَحْوِ مَرَضٍ، أَوْ أَحْرَمَ: انْتَظَرَ زَوَالَ ذَلِكَ. نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ فِي الْمَجْنُونِ. وَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُمْ بِطَرَيَانِ ذَلِكَ. وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ وَكِيلٌ، ثُمَّ حَلَّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ جُنَّ مُتَفَرِّقًا، أَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَحْرَمَ: فَهَلْ الْأَبْعَدُ أَوْلَى، أَوْ الْحَاكِمُ، أَوْ هُوَ فَيُنْتَظَرُ فَيَبْقَى وَكِيلُهُ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. وَكَذَا يَخْرُجُ لَوْ تَوَكَّلَ الْمُحِلُّ ثُمَّ أَحْرَمَ. ثُمَّ حَلَّ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَضَلَ الْأَقْرَبُ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

فَائِدَةٌ:

" الْعَضْلُ " مَنْعُ الْمَرْأَةِ التَّزَوُّجَ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَرَغِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، سَوَاءٌ طَلَبَتْ ذَلِكَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ دُونَهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ " إذَا اخْتَارَتْ كُفُؤًا وَاخْتَارَ الْوَلِيُّ غَيْرَهُ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ الَّذِي اخْتَارَتْهُ. " فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهِ. كَانَ عَاضِلًا " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُ إمَائِهِ ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ صُوَرِ الْعَضْلِ: إذَا امْتَنَعَ الْخُطَّابُ مِنْ خِطْبَتِهَا، لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ.

ص: 75

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً: زَوَّجَ الْأَبْعَدُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي. وَخَرَّجَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ عَضْلِ الْوَلِيِّ. وَتَابَعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.

تَنْبِيهٌ:

مَحِلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَمَةً: فَإِنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُهَا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، مُدَّعِيًا أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، حَيْثُ قَالَ: زَوَّجَهَا مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ مِنْ عَصَبَتِهَا قَوْلُهُ (وَهِيَ مَا لَا يُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ، أَوْ يَصِلُ فَلَا يُجِيبُ عَنْهُ، كَمَنْ هُوَ فِي أَقْصَى الْهِنْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّامِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا يُحْتَمَلُ لِبُعْدِهِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَيُحْتَمَلُ: وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا. فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْعَاضِلِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ أَوْمَأَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله إلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا لَا تَقْطَعُهُ الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، كَسَفَرِ الْحِجَازِ. وَتَبِعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: إذَا كَانَ الْأَبُ بَعِيدَ السَّفَرِ: زَوَّجَ الْأَبْعَدُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ.

ص: 76

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَحَدَّهَا أَبُو الْخَطَّابِ بِمَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ بَعِيدًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: إذَا كَانَ الْأَبُ بَعِيدَ السَّفَرِ زَوَّجَ الْأَخُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: يُكْتَفَى بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله اعْتَبَرَ الْبُعْدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، وَأَطْلَقَ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: مَا تَسْتَضِرُّ بِهِ الزَّوْجَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: مَا يَفُوتُ بِهِ كُفْءٌ رَاغِبٌ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ أَيْضًا.

فَائِدَةٌ:

مَنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ كَالْمَأْسُورِ، وَالْمَحْبُوسِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَعِيدِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْأَقْرَبِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى زَوَّجَ الْأَبْعَدُ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ، مِنْ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْعَزْلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، بِخِلَافِ هَذَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ شَرْطَ تَزْوِيجِ الْأَبْعَدِ: الْغَيْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ: أَقَرِيبٌ هُوَ، أَمْ بَعِيدٌ؟ لَمْ يُزَوِّجْ الْأَبْعَدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ وَالْحَالُ هَذِهِ. كَذَلِكَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَرِيبٌ، وَلَكِنْ لَا يُعْلَمُ مَكَانُهُ. وَهُوَ حَسَنٌ. مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ لَا يَأْبَاهُ. انْتَهَى.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ مَجْهُولًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ، ثُمَّ عَرَفَ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: لَوْ زُوِّجَتْ بِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهَا الْأَبُ.

ص: 77

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَوْ لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْأَقْرَبِ، حَتَّى زَوَّجَ الْأَبْعَدُ: خَرَّجَهَا فِي الْكَافِي عَلَى رِوَايَتَيْ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ. وَرَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَشَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ ابْنَ رَجَبٍ الصِّحَّةَ هُنَا. وَقَدْ يُقَالُ: كَلَامُ صَاحِبِ الْكَافِي لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ فَاسِقًا، أَوْ مَجْنُونًا. وَعَادَتْ وِلَايَتُهُ بِزَوَالِ الْمَانِعِ. فَزَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِعَوْدِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ. وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ بِالْأَقْرَبِ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّسِيبَ الْأَقْرَبَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُنْسَبْ الْأَبْعَدُ إلَى تَفْرِيطٍ. فَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ. فَسَقَطَ الِاسْتِئْذَانُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ. فَالْأَبْعَدُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى تَفْرِيطٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ فِيهِ مَانِعٌ وَزَالَ. فَإِنَّ الْأَبْعَدَ يُنْسَبُ إلَى تَفْرِيطٍ، إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حَالَ الْعَقْدِ مَعْرِفَةُ حَالِ الْأَقْرَبِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ) . يَعْنِي: لَا يَكُونُ وَلِيًّا لَهَا (إلَّا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ فِي وَجْهٍ) وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ، غَيْرَ نَحْوِ أُمِّ وَلَدٍ. وَقِيلَ: لَا يَلِيهِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

ص: 78

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَلِي نِكَاحَ مُكَاتَبَتِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ لَمْ أَرَ قَوْلًا صَرِيحًا بِالْفَرْقِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَوْ صَرِيحُهُ: أَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَ ابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي وِلَايَةِ فَاسِقٍ يَلِيهِ عَلَيْهَا. وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَلِيهِ: فَهَلْ يُبَاشِرُهُ وَيَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ؟ أَوْ يُبَاشِرُهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ. أَوْ يُبَاشِرُهُ حَاكِمٌ بِإِذْنِهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

إحْدَاهُنَّ: يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَهُ الْأَزَجِيُّ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الثَّانِي: يَعْقِدُهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ. وَالثَّالِثُ: يَعْقِدُهُ الْحَاكِمُ بِإِذْنِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَعْقِدُ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ عَقْدَ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ. وَقِيلَ: يَعْقِدُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

ص: 79

قَوْلُهُ (وَيَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الذِّمِّيِّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اتِّحَادٍ بَيْنَهُمْ أَوْ تَبَايُنِهِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي جَوَازِ كَوْنِ النَّصْرَانِيِّ يَلِي نِكَاحَ الْيَهُودِيَّةِ وَعَكْسِهِ وَجْهَيْنِ، مِنْ تَوَارُثِهِمَا وَقَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ: هَلْ هُوَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ.

أَحَدُهُمَا: يَلِيهِ. أَعْنِي: يَكُونُ وَلِيًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ بَلْ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَذْهَبُ، لِلنَّصِّ عَنْ الْإِمَامِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ أَنْ يُبَاشِرَ التَّزْوِيجَ، وَيَعْقِدَ النِّكَاحَ بِنَفْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يُبَاشِرُهُ، وَيَعْقِدُهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ.

ص: 80

وَقِيلَ: يُبَاشِرُهُ الْحَاكِمُ بِإِذْنِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَعْقِدُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. فَإِنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا يَلِي مَالَهَا عَلَى قِيَاسِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي شَهَادَتِهِمْ: يَلِي مَالَهَا، عَلَى قِيَاسِهِ. وَفِي تَعْلِيقِ ابْنِ الْمُنَى فِي وِلَايَةِ الْفَاسِقِ: لَا يَلِي عَلَى مَالِهَا كَافِرٌ، إلَّا عَدْلٌ فِي دِينِهِ. وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ، فَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْقَدْحِ فِي نَسَبِ نَبِيٍّ، أَوْ وَلِيٍّ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْمَالِ.

فَائِدَةٌ:

يُشْتَرَطُ فِي الذِّمِّيِّ، إذَا كَانَ وَلِيًّا: الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُسْلِمِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ، أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ. وَلَا نَظَرَ لِلْحَاكِمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا أَمَرَ الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ بِالْإِجَازَةِ. فَإِنْ أَجَازَهُ، وَإِلَّا صَارَ عَاضِلًا، فَيُجِيزُهُ الْحَاكِمُ. أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَشْبَاهَهُمَا: حُكْمُهُمَا حُكْمُ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَيْعِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ تَزَوَّجَ الْأَجْنَبِيُّ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَقِيلَ: هُوَ كَفُضُولِيٍّ. فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ

ص: 81

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ هُنَا. قَوْلًا وَاحِدًا كَذِمَّتِهِ. قُلْت: وَهِيَ بِمَسْأَلَةِ الْفُضُولِيِّ أَقْرَبُ. فَتَلْحَقُ بِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَلَى كِلَا الطَّرِيقَيْنِ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، عَلَى الصَّحِيحِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ مُوَلِّيَتَهُ الَّتِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. فَهُوَ كَزَوَاجِ الْأَجْنَبِيِّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَوَكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي النِّكَاحِ، وَجَوَازُ تَوْكِيلِ الْوَلِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مُجْبِرًا أَوْ غَيْرَ مُجْبِرٍ، أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ بِإِذْنِ الزَّوْجَةِ وَبِغَيْرِ إذْنِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يُوَكَّلُ غَيْرُ مُجْبِرٍ بِلَا إذْنِهَا، إلَّا الْحَاكِمَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، فَتَنَاقَضَ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: هَذِهِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَا: مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِجْبَارُ يَكُونُ كَالْوَكِيلِ فِي التَّوْكِيلِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ مَنَعْت الْوَلِيَّ مِنْ التَّوْكِيلِ: امْتَنَعَ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا وَغَيْرُهُ.

ص: 82

وَقِيلَ: لَا يُوَكَّلُ مُجْبِرٌ أَيْضًا بِلَا إذْنِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا إذْنُ مُعْتَبَرَةٍ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

فَوَائِدُ:

الْأُولَى: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا. فَالْمُطَلَّقُ: مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي تَزْوِيجِ مَنْ يَرْضَاهُ، أَوْ مَنْ يَشَاءُ وَنَحْوِهِمَا. وَالْمُقَيَّدُ: مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي تَزْوِيجِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ لِغَيْرِ الْمُجْبِرِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ لِلْمُجْبِرِ وَغَيْرِهِ.

الثَّانِيَةُ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ مِثْلُ مَا يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ. فَإِنْ كَانَ لَهُ الْإِجْبَارُ: ثَبَتَ لِوَكِيلِهِ. وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ وِلَايَةَ مُرَاجَعَةٍ: احْتَاجَ الْوَكِيلُ إلَى إذْنِهَا وَمُرَاجَعَتِهَا فِي زَوَاجِهَا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ. فَيَثْبُتُ لَهُ مِثْلُ مَا يَثْبُتُ لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي السُّلْطَانِ وَالْحَاكِمِ يَأْذَنُ لِغَيْرِهِ فِي التَّزْوِيجِ. فَيَكُونُ الْمَأْذُونُ لَهُ قَائِمًا مَقَامَهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ: وَاَلَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فِيهِ لِلْوَكِيلِ: هُوَ غَيْرُ مَا يُوَكِّلُ فِيهِ الْمُوَكِّلُ. بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إذْنِهَا فِي التَّزْوِيجِ. فَهُوَ كَالْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ.

الثَّالِثَةُ: يُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ الْوَلِيِّ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ نَفْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ فَاسِقًا وَنَحْوَهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

ص: 83

وَقِيلَ: يَصِحُّ تَوْكِيلُ فَاسِقٍ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ الزَّوْجِ عَدَالَتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: هُوَ أَوْلَى. وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، إلَّا ابْنَ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْوَكَالَةِ.

الرَّابِعَةُ: يَتَقَيَّدُ الْوَلِيُّ وَوَكِيلُهُ الْمُطْلَقُ بِالْكُفْءِ إنْ اُشْتُرِطَتْ الْكَفَاءَةُ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ.

الْخَامِسَةُ: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ. فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ كَتَزْوِيجِ الْفُضُولِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي التَّوَكُّلِ، فَوَكَّلَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهُ: صَحَّ. وَكَذَا إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَقُلْنَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ مُطْلَقًا. وَأَمَّا مَنْ وِلَايَتُهُ بِالشَّرْعِ كَالْوَلِيِّ وَالْحَاكِمِ وَأَمِينِهِ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ. وَلَوْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ الْمَالِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَأَلْحَقَ الْوَصِيَّ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْوَصِيَّ يُشْبِهُ الْوَكِيلَ لِتَصَرُّفِهِ بِالْإِذْنِ.

ص: 84

قَالَ: وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْيَتِيمَةُ وَغَيْرُهَا. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ. وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ لَهَا إذْنٌ مُعْتَبَرٌ. انْتَهَى.

وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْوَكِيلِ لِوَلَدِهِ.

السَّادِسَةُ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ، أَوْ وَكِيلُهُ، لِوَكِيلِ الزَّوْجِ " زَوَّجْت فُلَانَةَ لِفُلَانٍ " أَوْ " زَوَّجْت مُوَكِّلَك فُلَانًا فُلَانَةَ " وَلَا يَقُولُ " زَوَّجْتهَا مِنْك " وَيَقُولُ الْوَلِيُّ " قَبِلْت تَزْوِيجَهَا، أَوْ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ " فَإِنْ لَمْ يَقُلْ " لِفُلَانٍ " فَوَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ قَالَ " قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ " وَنَوَى أَنَّهُ قَبِلَهُ لِمُوَكِّلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ: صَحَّ. قُلْت: يُحْتَمَلُ ضِدُّهُ. بِخِلَافِ الْبَيْعِ. انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ بَابِ الْوَكَالَةِ.

قَوْلُهُ (وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَتِهِ) . فَتُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ إذَا نَصَّ عَلَى التَّزْوِيجِ، كَالْأَبِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَيُجْبِرُ مَنْ يُجْبِرُهُ الْمُوصِي. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالنَّظْمِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ. فَلَا يُزَوِّجُ مَنْ لَا إذْنَ لَهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 85

وَعَنْهُ: لَا تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالْحَضَانَةِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي. وَمَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَضَانَةِ. وَأَخَذَ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَعَنْهُ: لَا تُسْتَفَادُ بِالْوَصِيَّةِ، إذَا كَانَ لِلْمُوصِي عَصَبَةٌ. حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ.

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: هَلْ يَسُوغُ لِلْمُوصِي الْوَصِيَّةُ بِهِ، أَوْ يُوَكِّلُ فِيهِ؟ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِيهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ " هَلْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ أَمْ لَا؟ " وَفِي بَابِ الْوَكَالَةِ " هَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمْ لَا؟ ".

الثَّانِيَةُ: حُكْمُ تَزْوِيجِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ بِالْوَصِيَّةِ حُكْمُ تَزْوِيجِ الْأُنْثَى بِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ. وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. أَعْنِي: إذَا أَوْصَى إلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ: هَلْ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ؟ قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ زَوَّجَ غُلَامًا غَيْرَ بَالِغٍ، أَوْ مَعْتُوهًا: لَمْ يَجُزْ، إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ وَالِدُهُ، أَوْ وَصِيٌّ نَاظِرٌ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ: لِلْوَصِيِّ مُطْلَقًا تَزْوِيجُهُ. يَعْنِي: سَوَاءٌ كَانَ وَصِيًّا فِي التَّزْوِيجِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَأَنَّهُ قَوْلُهُمَا: أَنَّ وَصِيَّ الْمَالِ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا لَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ

ص: 86

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُزَوِّجُهُ وَيُجْبِرُهُ بَعْدَ أَبِيهِ وَصِيُّهُ. وَقِيلَ: ثُمَّ الْحَاكِمُ. قُلْت: بَلْ بَعْدَ الْأَبِ. وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ " هَلْ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، غَيْرِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، تَزْوِيجُهُ أَمْ لَا؟ " بَعْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ إلَّا بِإِذْنِهَا ".

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَالْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَجَدْت فِي رُقْعَةٍ بِخَطِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَوَابَ مَسْأَلَةٍ " إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ وَصِيُّهُ: ثَبَتَ نِكَاحُهُ، وَتَوَارَثَا. فَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْخِيَارُ " انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَوَى الْأَوْلِيَاءُ فِي الدَّرَجَةِ: صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَفْضَلِهِمْ، ثُمَّ أَسَنِّهِمْ) ثُمَّ يُقْرَعُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُدِّمَ الْأَفْضَلُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ، وَالْخِبْرَةِ بِذَلِكَ، ثُمَّ الْأَسَنُّ. ثُمَّ مَنْ قَرَعَ. انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: يُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ، ثُمَّ الْأَسَنُّ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلسِّنِّ هُنَا. وَأَصْحَابُنَا قَدْ اعْتَبَرُوهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، فَزَوَّجَ: صَحَّ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ) .

ص: 87

وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ.

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا أَذِنَتْ لَهُمْ. فَأَمَّا إنْ أَذِنَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: تَعَيَّنَ. وَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ غَيْرِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ إنْ أَجَازَهُ مَنْ عَيَّنَتْهُ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا.

فَائِدَةٌ:

قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: وَإِذَا اسْتَوَتْ دَرَجَةُ الْأَوْلِيَاءِ، فَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ وَالِاسْتِقْلَالِ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ عَضَلَ الْكُلُّ أَثِمُوا. وَلَوْ عَضَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: دُعِيَ إلَى النِّكَاحِ. فَإِنْ لَمْ يُجِبْ، فَهَلْ يَعْصِي؟ يَنْبَنِي هَذَا عَلَى الشَّاهِدِ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ: هَلْ يَعْصِي بِالِامْتِنَاعِ؟ وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالْعِصْيَانِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي تَوَقُّفِ النِّكَاحِ بِحَالٍ. إذْ غَيْرُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَ اثْنَانِ، وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ: فُسِخَ النِّكَاحَانِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ.

ص: 88

وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، فَعَلَى هَذَا: يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يَفْسَخُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ لِلزَّوْجَيْنِ الْفَسْخَ بِأَنْفُسِهِمَا. وَقَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ يُطَلِّقَانِهَا. حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ شَاقِلَا.

قُلْت: هَذَا أَحْوَطُ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: فَعَلَى هَذَا: هَلْ يُنْقِصُ هَذَا الطَّلَاقُ الْعَدَدَ، لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ. وَعَنْهُ: النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ بِنَفْسِهِ. فَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَاسِخٍ. ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: مَا أَرَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نِكَاحًا. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَبْطُلُ النِّكَاحَانِ. وَهُوَ أَظْهَرُ، وَأَصَحُّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. اخْتَارَهُ النَّجَّادُ. وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيُّ.

ص: 89

فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: مَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا جَدَّدَ نِكَاحَهُ بِإِذْنِهَا. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ: مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ جَدَّدَ نِكَاحَهُ. وَعَنْهُ: هِيَ لِلْقَارِعِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ: ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. لَكِنْ اخْتَلَفَ نَقْلُ الزَّرْكَشِيّ وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّجَّادِ، كَمَا تَرَى. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجَدِّدُ نِكَاحَهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْبَرَ الْمَرْأَةُ عَلَى نِكَاحِ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، بَلْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا وَمِنْ غَيْرِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَلَيْسَ هَذَا بِالْجَيِّدِ. فَإِنَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا أَمَرْنَا الْمَقْرُوعَ بِالْفُرْقَةِ وَقُلْنَا: لَهَا أَنْ لَا تُزَوَّجَ الْقَارِعَ خَلَتْ مِنْهُمَا. فَلَا يَبْقَى بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَرْقٌ. وَلَا يَبْقَى لِلْقُرْعَةِ أَثَرٌ أَصْلًا. بَلْ تَكُونُ لَغْوًا. وَهَذَا تَخْلِيطٌ. وَإِنَّمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ زَوْجَةُ الْقَارِعِ، بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا، وَلَوْ مَاتَ وَرِثَتْهُ. لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُجَدِّدَ الْعَقْدَ. فَيَكُونُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ لِحِلِّ الْوَطْءِ فَقَطْ. هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالزَّوْجِيَّةِ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ. وَيَكُونُ التَّجْدِيدُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا كَمَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاجِبًا عَلَى الْآخَرِ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله -

ص: 90

تَعَرُّضٌ لِلطَّلَاقِ. وَلَا لِتَجْدِيدِ الْآخَرِ النِّكَاحَ. فَإِنَّ الْقُرْعَةَ جَعَلَهَا الشَّارِعُ حُجَّةً وَبَيِّنَةً تُفِيدُ الْحِلَّ ظَاهِرًا كَالشَّهَادَةِ وَالنُّكُولِ، وَنَحْوِهِمَا. انْتَهَى.

وَعَلَى رِوَايَةِ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا: يُعْتَبَرُ طَلَاقُ صَاحِبِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ. وَيُعْتَبَرُ طَلَاقُ صَاحِبِهِ. فَإِنْ أَبَى فَحَاكِمٌ. وَاخْتَارَهُ النَّجَّادُ، وَالْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: وَهَذَا أَقْرَبُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَفِي هَذَا ضَعْفٌ. فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ يَجِبُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَيُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ، أَمْ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ اخْتَارَ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا. وَبِهِ أَفْتَى أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَعَنْهُ: لَا يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ. وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ. حَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ. انْتَهَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَعَنْهُ: مَنْ قَرَعَ فَهُوَ الزَّوْجُ، وَفِي اعْتِبَارِ طَلَاقِ الْآخَرِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ.

ص: 91

وَقِيلَ: مَنْ قَرَعَ جَدَّدَ عَقْدًا بِإِذْنِهَا. وَطَلَّقَ الْآخَرُ مَجَّانًا. فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. قَالَ فِي الْكُبْرَى: فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُجَدِّدُ الَّذِي خَرَّجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ النِّكَاحَ، لِتَحِلَّ لَهُ بِيَقِينٍ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّجَّادِ. ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى حِينَئِذٍ مَعْنًى لِلْقُرْعَةِ.

فَوَائِدُ:

الْأُولَى: إذَا جُهِلَ أَسْبَقُ الْعَقْدَيْنِ. فَفِيهِ مَسَائِلُ.

مِنْهَا: إذَا عُلِمَ عَيْنُ السَّابِقِ ثُمَّ جُهِلَ. فَهَذِهِ مَحَلُّ الْخِلَافِ السَّابِقِ.

مِنْهَا: لَوْ عُلِمَ السَّبْقُ وَنُسِيَ السَّابِقُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا إشْكَالَ فِي جَرَيَانِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

فَرْعٌ:

لَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ. وَمِنْهَا: لَوْ جَهِلَ كَيْفَ وَقَعَا؟ . فَقِيلَ: هِيَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 92

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِيمَا أَظُنُّ. وَعِنْدَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ: يَبْطُلَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ حَكَى فِي الْكُبْرَى قَوْلًا بِالْبُطْلَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

مِنْهَا: لَوْ جُهِلَ وُقُوعُهُمَا مَعًا، فَهِيَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَبْطُلَانِ.

وَمِنْهَا: لَوْ عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا: بَطَلَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى رِوَايَةِ الْإِقْرَاعِ. وَذَكَرَهُ فِي خِلَافِهِ احْتِمَالًا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَلَا أَظُنُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ إلَّا خِلَافَ الْإِجْمَاعِ. انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ بِرَدْسٍ شَيْخُ شَيْخِنَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ: يَخْتَارُ إحْدَاهُمَا. وَهَذَا يَعْضُدُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: إذَا أَمَرَ غَيْرُ الْقَارِعِ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَ، فَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ فَسَخَ النِّكَاحَ أَوْ طَلَّقَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِمَا. حَكَاهَا عَنْهُ ابْنُ شَاقِلَا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَأَفْتَى بِهِ النَّجَّادُ. حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْخَرَزِيُّ. وَحَكَاهُ رِوَايَةً فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ.

ص: 93

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَنَصُّهُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا. انْتَهَى.

وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إطْلَاقُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَحَكَى فِي الْقَوَاعِدِ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَجْهَيْنِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ، فَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا. فَيُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ قَرَعَ: حَلَفَ وَوَرِثَ. قُلْت: هَذَا أَقْرَبُ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْمُغْنِي. لَكِنْ ذَكَرَ عَلَى الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْلِفُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ لَا يُخَرَّجُ عَلَى الْمَذْهَبِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّا لَا نَقِفُ الْخُصُومَاتِ قَطُّ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَنْ قَالَ " لَا أَعْرِفُ الْحَالَ "؟ وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ أَيُّهُمَا قَرَعَ: فَلَهُ الْمِيرَاثُ بِلَا يَمِينٍ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا " لَا يُقْرَعُ " فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَأْخُذُ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِالْقُرْعَةِ فَكَذَلِكَ يَرِثُهَا أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ. بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا إنْ قُلْنَا " لَا مَهْرَ لَهَا " فَهُنَا قَدْ يُقَالُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا. انْتَهَى.

الْخَامِسَةُ: لَوْ مَاتَ الزَّوْجَانِ: كَانَ لَهَا رُبُعُ مِيرَاثِ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَقَرَّتْ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا: فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْ الْآخَرِ. وَهِيَ تَدَّعِي رُبُعَ مِيرَاثِ مَنْ أَقَرَّتْ لَهُ. فَإِنْ كَانَ قَدْ ادَّعَى ذَلِكَ أَيْضًا: دَفَعَ إلَيْهَا رُبُعَ مِيرَاثِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ادَّعَى ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ. فَإِنْ نَكَلُوا، قُضِيَ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا: اُحْتُمِلَ أَنْ يَحْلِفَ وَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

ص: 94

وَتَبْرَأُ. وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ: فَلَهَا رُبُعُ مِيرَاثِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: فِي رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ. زَوَّجَ إحْدَاهُنَّ مِنْ رَجُلٍ. ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَيَّتَهُنَّ زَوَّجَ؟ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ. فَأَيَّتُهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ. وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ: كَانَتْ هِيَ الْوَارِثَةُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ الْوَجْهِ بِالْقُرْعَةِ: يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ، فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ الْعِلْمَ بِالْحَالِ. وَيَشْهَدُ لَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ.

السَّادِسَةُ: لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَّهُ السَّابِقُ. فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْمَهْرِ وَجَبَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِإِقْرَارِهِ لَهَا بِهِ. وَإِقْرَارِهَا بِبَرَاءَةِ صَاحِبِهِ. وَإِنْ مَاتَا: وَرِثَتْ الْمُقَرَّ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ لِذَلِكَ. وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ قَبْلَهُمَا: اُحْتُمِلَ أَنْ يَرِثَهَا الْمُقَرُّ لَهُ كَمَا تَرِثُهُ. وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَقْبَلَ إقْرَارَهَا لَهُ كَمَا لَمْ تَقْبَلْهُ فِي نَفْسِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ فِي حَيَاتِهِ. لَيْسَ لِوَرَثَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِنْكَارُ لِاسْتِحْقَاقِهَا. وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. وَكَانَ لَهَا مِيرَاثُ مَنْ تَقَعُ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ أَصَابَهَا، وَكَانَ هُوَ الْمُقَرُّ لَهُ، أَوْ كَانَتْ لَمْ تُقِرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا: فَلَهَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهَا بِهِ. وَهِيَ لَا تَدَّعِي سِوَاهُ. وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً لِآخَرَ: فَهِيَ تَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ، وَهُوَ يُقِرُّ لَهَا بِالْمُسَمَّى. فَإِنْ اسْتَوَيَا، أَوْ اصْطَلَحَا: فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ: حَلَفَ عَلَى الزَّائِدِ وَسَقَطَ. وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى لَهَا أَكْثَرَ: فَهُوَ مُقِرٌّ لَهَا بِالزِّيَادَةِ، وَهِيَ تُنْكِرُهَا. فَلَا تَسْتَحِقُّهَا.

ص: 95

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ مِنْ أَمَتِهِ: جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا أَيْضًا: لَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْمُجْبَرَةَ بِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ، وَقُلْنَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ بِابْنَتِهِ. وَكَذَا لَوْ زَوَّجَ وَصِيٌّ فِي نِكَاحِ صَغِيرٍ بِصَغِيرَةٍ تَحْتَ حِجْرِهِ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمَا إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ مِثْلُ ابْنِ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى وَالْحَاكِمِ إذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي نِكَاحِهَا) . يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِإِذْنِهَا. قَالَهُ فِي الْمُنَوِّرِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَقَدَّمَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُهُمَا وَأَنَصُّهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ثَمَانِيَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ تَوَلِّي طَرَفَيْهِ لِغَيْرِ زَوْجٍ.

ص: 96

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْإِمَامُ. ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَتَى قُلْنَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْوَلِيِّ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ: لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ وَكِيلِهِ لَهُ، إلَّا الْإِمَامَ، إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ. فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا بِوِلَايَةِ أَحَدِ نُوَّابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ نُوَّابٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، لَا عَنْهُ. انْتَهَى.

وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَيْنِ فِي تَوَلِّي طَرَفَيْهِ. ثُمَّ قَالَ، وَقِيلَ: تَوَلِّي طَرَفَيْهِ يَخْتَصُّ بِالْمُجْبِرِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: مِنْ صُوَرِ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ: لَوْ وَكَّلَ الزَّوْجُ الْوَلِيَّ، أَوْ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ. أَوْ وَكَّلَا وَاحِدًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ جَوَازُ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ يَكْفِي قَوْلُهُ " زَوَّجْت فُلَانًا فُلَانَةَ " أَوْ " تَزَوَّجْتهَا " إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَقَالَ: هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، فَيَقُولُ " زَوَّجْت نَفْسِي فُلَانَةَ ". وَ " قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ " وَنَحْوَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمُجْبَرَةِ كَبِنْتِ عَمِّهِ الْمَجْنُونَةِ، وَعَتِيقَتِهِ الْمَجْنُونَةِ نِكَاحُهَا بِلَا وَلِيٍّ غَيْرِهِ، أَوْ حَاكِمٍ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَجُوزُ بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: كَبِنْتِ عَمِّهِ الْمَجْنُونَةِ. وَقِيلَ: وَعَتِيقَتِهِ الْمَجْنُونَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك: صَحَّ) .

ص: 97

هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ. رَوَاهُ عَنْهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ. مِنْهُمْ ابْنَاهُ: عَبْدُ اللَّهِ، وَصَالِحٌ. وَمِنْهُمْ. الْمَيْمُونِيُّ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَحَرْبٌ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ. قَالَ فِي التَّعْلِيقِ: هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا. فَإِنْ أَبَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَرِوَايَتَيْهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: فَمِنْهُمْ مِنْ مَأْخَذِهِ انْتِفَاءُ لَفْظِ النِّكَاحِ الصَّرِيحِ. وَهُوَ ابْنُ حَامِدٍ. وَمِنْهُمْ مِنْ مَأْخَذِهِ انْتِفَاءُ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكُونُ مَهْرُهَا الْعِتْقَ. وَقِيلَ: بَلْ مَهْرَ الْمِثْلِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ مِنْهُ وَحْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ دُونَ

ص: 98

إذْنِهَا وَرِضَاهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ. فَيُوَكِّلُ مَنْ يَعْقِدُ لَهُ النِّكَاحَ بِأَمْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهُوَ حَسَنٌ. وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.

فَوَائِدُ:

الْأُولَى: لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صُوَرٌ:

مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ " جَعَلْت عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا " أَوْ " جَعَلْت صَدَاقَ أَمَتِي عِتْقَهَا " أَوْ " قَدْ أَعْتَقْتهَا وَجَعَلْت عِتْقَهَا صَدَاقَهَا " أَوْ " أَعْتَقْتهَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا " أَوْ " أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك وَعِتْقُك صَدَاقُك " نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، إنْ اشْتَرَطْنَاهُمَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا مَعَ قَوْلِهِ أَيْضًا " وَتَزَوَّجْتهَا ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْعِتْقُ، إذَا قَالَ " جَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك " فَلَمْ تَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَصِرْ صَدَاقًا. وَهُوَ لَمْ يُوقِعْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَإِنْ قَبِلَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَبُولَ لَا يَصِيرُ بِهِ الْعِتْقُ صَدَاقًا. فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَا قَالَ. وَيَتَوَجَّهُ فِي قَوْلِهِ " قَدْ أَعْتَقْتهَا، وَجَعَلْت عِتْقَهَا صَدَاقَهَا " أَنَّهَا إنْ قَبِلَتْ: صَارَتْ زَوْجَةً، وَإِلَّا عَتَقَتْ مَجَّانًا، أَوْ لَمْ تُعْتَقْ بِحَالٍ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا: رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. لَكِنْ إذَا لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً. فَهَلْ يَنْتَظِرُ الْقُدْرَةَ، أَوْ يَسْتَسْعِي؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ.

ص: 99

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: أَصْلُهُمَا الْمُفْلِسُ إذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ: هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الِاكْتِسَابِ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْبَرُ. فَيَكُونُ الصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهَا تُسْتَسْعَى.

الثَّالِثَةُ: لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِسُؤَالِهِ أَوَّلًا: عَتَقَ مَجَّانًا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ. وَإِنْ قَالَ " أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي، أَوْ أَمَتِي " فَفَعَلَ: عَتَقَ. وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ لَا يُسْتَحَقُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِالشَّرْطِ. قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ: لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي نِكَاحٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَتَوَجَّهُ صِحَّةُ السَّلَفِ فِي الْعُقُودِ كَمَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ. وَيَصِيرُ الْعَقْدُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمُسْتَسْلِفِ إنْ فَعَلَ، وَإِلَّا قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الثَّوَابُ.

الرَّابِعَةُ: الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ: كَالْقِنِّ فِي جَعْلِ عِتْقِهِنَّ صَدَاقَهُنَّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ ثَابِتَةٌ فِيهِنَّ كَالْقِنِّ. وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ احْتِمَالًا فِي الْمُكَاتَبَةِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ إذْنِهَا. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَصَّ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ. وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا: فَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّهَا كَالْقِنِّ فِي ذَلِكَ. وَتَبِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ.

ص: 100

وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ: فَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْجَامِعِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا كَالْقِنِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ: يُعْتِقُهَا وَيَتَزَوَّجُهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ يُعْتِقُهَا وَيَتَزَوَّجُهَا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُمْ أَحْكَامُ الْإِمَاءِ. وَهَذَا الْعِتْقُ الْمُعَجَّلُ لَيْسَ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ. وَلِهَذَا يَصِحُّ كِتَابَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ جَعْلُ عِتْقِهَا صَدَاقَهَا. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَلَى ظَهْرِ خِلَافِهِ، مُعَلِّلًا بِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ الصَّدَاقُ هُوَ تَعْجِيلُهُ. وَذَلِكَ لَا يَكُونُ صَدَاقًا. قَالَ الْخَلَّالُ: قَالَ هَارُونُ الْمُسْتَمْلِي لِأَحْمَدَ: أُمُّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى تَزْوِيجِهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يُعْلِمَهَا. قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ؟ قَالَ: يَسْتَأْنِفُ التَّزْوِيجَ الْآنَ. وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُعْلِمَهَا. فَلَعَلَّهَا لَا تُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا. فَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا مُنَجِّزًا. ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهَا النِّكَاحَ. وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ.

الْخَامِسَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ أَعْتَقَهَا وَزَوَّجَهَا لِغَيْرِهِ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: صِحَّتُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالسَّيِّدِ.

السَّادِسَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ قَالَ " أَعْتَقْت أَمَتِي وَزَوَّجْتُكَهَا عَلَى أَلْفٍ " فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: جَوَازُهُ. فَإِنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ " أَعْتَقْتهَا وَأَكْرَيْتُهَا مِنْك سَنَةً بِأَلْفٍ " وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْخِدْمَةِ.

السَّابِعَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَالَ " أَعْتَقْتُك وَتَزَوَّجْتُك عَلَى أَلْفٍ " فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ هُنَا، إذَا قِيلَ بِهِ فِي إصْدَاقِ الْعِتْقِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَعَلَّلَهُ.

ص: 101

الثَّامِنَةُ: قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ " أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجِي بِي " فَقَالَتْ " رَضِيت بِذَلِكَ " نَفَذَ الْعِتْقُ. وَلَمْ يَلْزَمْهَا الشَّرْطُ، بَلْ هِيَ بِالْخِيَارِ فِي الزَّوَاجِ وَعَدَمِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَلْزَمَهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

التَّاسِعَةُ: قَالَ الْقَاضِي: لَوْ قَالَ الْأَبُ ابْتِدَاءً " زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى عِتْقِ أَمَتِك " فَقَالَ " قَبِلْت " لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَصِحَّ.

قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ. فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ) ؛ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ، خَوْفَ الْإِنْكَارِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ وَجَمَاعَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا أَكْثَرُهُمْ. وَقَيَّدَ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِمَا إذَا لَمْ يَكْتُمُوهُ. فَمَعَ الْكَتْمِ تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمَجْدِ وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ ابْنُ حَمْدَانَ قَوْلًا. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ، وَإِنْ كَانَا ضَرِيرَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ فَاسِقَيْنِ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَمُرَاهِقَيْنِ عَاقِلَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَأَسْقَطَ رِوَايَةَ الْفِسْقِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَخَذَهَا فِي الِانْتِصَارِ مِنْ رِوَايَةِ مُثَنَّى

ص: 102

وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: إذَا تَزَوَّجَ بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ غَيْرِ عُدُولٍ: يَفْسُدُ مِنْ النِّكَاحِ شَيْءٌ؟ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَفْسُدُ مِنْ النِّكَاحِ شَيْءٌ. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ كَافِرَيْنِ، مَعَ كُفْرِ الزَّوْجَةِ، وَقَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَيَأْتِي نَحْوُهُ قَرِيبًا. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الشَّرْحِ.

تَنْبِيهٌ:

يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " عَدْلَيْنِ " ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهُوَ أُحُدُ الْوَجْهَيْنِ، وَاحْتِمَالٌ فِي التَّعْلِيقِ لِلْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ عَدْلَيْنِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا. فَيَصِحُّ بِحُضُورِ مَسْتُورَيْ الْحَالِ. وَإِنْ لَمْ نَقْبَلْهُمَا فِي الْأَمْوَالِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَيَصِحُّ مِنْ مَسْتُورَيْ الْحَالِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَالَةُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مِنْهُ، وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ عَقِيلٍ حَاكِيًا لَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَكْفِي مَسْتُورَيْ الْحَالِ إنْ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِهِمَا. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: يَثْبُتُ بِهِمَا مَعَ اعْتِرَافٍ مُتَقَدِّمٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ تَابَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَكَمَسْتُورِ الْحَالِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عُقِدَ بِمَسْتُورَيْ الْحَالِ. ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُمَا كَانَا فَاسِقَيْنِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: تَبَيَّنَ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَنْعَقِدْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يَنْعَقِدُ: لِوُجُودِ شَرْطِ النِّكَاحِ ظَاهِرًا.

ص: 103

قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: وَلَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا مَنْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. انْتَهَى.

وَهُوَ صَحِيحٌ. بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ جَمَاهِيرُهُمْ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْعَقِدَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ رِوَايَةِ قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَإِنْ قُلْنَا: تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، صَحَّ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ عَدُوَّيْنِ، أَوْ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

أَحَدُهُمَا: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ عَدُوَّيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَنْعَقِدُ فِي رِوَايَةٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ عَدُوَّيْنِ.

ص: 104

وَأَمَّا عَدَمُ انْعِقَادِهِ بِحُضُورِ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا. فَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ هُنَاكَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَنْعَقِدُ بِهِمَا وَبِأَحَدِهِمَا. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَنْعَقِدُ فِي رِوَايَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي شَهَادَةِ عَدُوَّيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوْ الْوَلِيِّ: وَجْهَانِ. وَفِي مُتَّهَمٍ لِرَحِمٍ: رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي عَدُوَّيْ الزَّوْجِ، أَوْ الزَّوْجَةِ، أَوْ عَدُوِّهِمَا، أَوْ عَدُوَّيْ الْوَلِيِّ، أَوْ بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ ابْنَيْ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَبَوَيْهِمَا، أَوْ أَبَوَيْ أَحَدِهِمَا، أَوْ عَدُوِّهِمَا وَأَجْنَبِيٍّ، وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ مِنْ الْوَلِيِّ. وَقِيلَ: فِي الْعَدُوَّيْنِ، وَابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا: رِوَايَتَانِ. انْتَهَى

. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: كَوْنُ الرَّجُلِ كُفُؤًا لَهَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ.

إحْدَاهُمَا: هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

ص: 105

وَعَنْهُ: لَيْسَتْ بِشَرْطٍ يَعْنِي لِلصِّحَّةِ بَلْ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهِيَ أَصَحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ وَالْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهِيَ أَوْلَى. لِلْآثَارِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ. فَعَلَى الْأُولَى: الْكَفَاءَةُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلِلْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ، حَتَّى مَنْ يَحْدُثُ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ (لَكِنْ إنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ جَمِيعُهُمْ، فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ الْفَسْخُ. فَلَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا. فَلِلْإِخْوَةِ الْفَسْخُ) . هَذَا كُلُّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. نَصَّ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ الْفَسْخِ، مَعَ رِضَى الْمَرْأَةِ وَالْأَقْرَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَهُ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ وَمُتَرَاخِيًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.

ص: 106

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا: يَسْقُطُ خِيَارُهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ: فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَوْلِ.

فَائِدَةٌ:

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ عَقَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَمْ يَرْضَ الْبَاقُونَ: فَهَلْ يَقَعُ الْعَقْدُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ صَحِيحًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. أَشْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ " فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ الْفَسْخُ " وَلَا يَكُونُ الْفَسْخُ إلَّا بَعْدَ الِانْعِقَادِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَيْضًا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا زَوَّجَهَا الْأَبُ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَقُلْنَا: الْكُفْءُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَفِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ: الْبُطْلَانُ كَنِكَاحِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالصِّحَّةُ، كَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ. وَقِيلَ: إنْ عُلِمَ بِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ: لَمْ يَصِحَّ. وَإِلَّا صَحَّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ كَبِيرَةً، لِاسْتِدْرَاكِ الضَّرَرِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: طَرِيقَةُ الْمَجْدِ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ الصِّفَاتِ الْخَمْسَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْكَفَاءَةِ. قَوْلًا وَاحِدًا. ثُمَّ هَلْ يُبْطِلُ النِّكَاحَ فَقْدُهَا أَوْ لَا يُبْطِلُهُ، لَكِنْ يَثْبُتُ الْفَسْخُ، أَوْ يُبْطِلُهُ فَقْدُ الدِّينِ وَالْمَنْصِبِ، وَيُثْبِتُ الْفَسْخُ فَقْدُ الثَّلَاثَةِ؟ عَلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَالْكَفَاءَةُ: الدِّينُ وَالْمَنْصِبُ) . يَعْنِي: لَا غَيْرُ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 107

وَعَنْهُ: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالصِّنَاعَةَ وَالْيَسَارَ مِنْ شُرُوطِ الْكِفَاءِ أَيْضًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّ فَقْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَمَّا فَقْدُ الدِّينِ، وَالْمَنْصِبِ، فَقِيلَ: يُبْطِلُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: الْمُبْطِلُ فَقْدُ الْمَنْصِبِ. ذَكَرَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الَّذِي يَقْوَى عِنْدِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ فَقْدَ شَرْطٍ وَاحِدٍ مُبْطِلٌ. وَهُوَ النَّسَبُ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّ " الْحُرِّيَّةَ " مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ. وَاخْتَارَ الشِّيرَازِيُّ: أَنَّ " الْيَسَارَ " مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ أَجِدْ نَصًّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ لِفَقْرٍ أَوْ رِقٍّ. وَلَمْ أَجِدْ أَيْضًا عَنْهُ نَصًّا بِإِقْرَارِ النِّكَاحِ مَعَ عَدَمِ الدِّينِ وَالْمَنْصِبِ، خِلَافًا. وَاخْتَارَ أَنَّ النَّسَبَ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْكَفَاءَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] . وَقِيلَ: الْكَفَاءَةُ النَّسَبُ فَقَطْ. وَهُوَ تَوْجِيهٌ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ: إذَا قُلْنَا الْكَفَاءَةُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى: اُعْتُبِرَ " الدِّينُ " فَقَطْ، قَالَ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيهِ تَسَاهُلٌ، وَعَدَمُ تَحْقِيقٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

ص: 108

قُلْت: هَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ. وَلَمْ يُفْهَمْ مَعْنَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: " الْمَنْصِبُ " هُوَ النَّسَبُ. وَأَمَّا " الْيَسَارُ " فَهُوَ بِحَسَبِ مَا يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ وَقِيلَ: تَسَاوِيهِمَا فِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَعْنَى الْكَفَاءَةِ فِي الْمَالِ: أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: لِأَنَّهُ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ. وَلَمْ يَعْتَبِرْ فِي الْكَافِي إلَّا " النَّفَقَةَ " فَقَطْ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهَا عَادَتَهَا عِنْدَ أَبِيهَا فِي بَيْتِهِ.

الثَّانِيَةُ: لَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْمَرْأَةِ وَلَيْسَتْ الْكَفَاءَةُ شَرْطًا فِي حَقِّهَا لِلرَّجُلِ. وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ: يُخَيَّرُ مُعْتِقٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ. وَفِي الْوَاضِحِ احْتِمَالٌ: يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِعِتْقِ الزَّوْجِ الَّذِي تَحْتَهُ أَمَةٌ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ فِيمَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ بِحُرَّةٍ. فَإِنَّهُ يَبْطُلُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ.

قَوْلُهُ (وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ (لَا تُزَوَّجُ قُرَشِيَّةٌ بِغَيْرِ قُرَشِيٍّ، وَلَا هَاشِمِيَّةٌ بِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ) . قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه. وَرَدَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ

ص: 109

الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: أَنَّ قُرَيْشًا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ، قَالَ: وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَرِوَايَتَيْهِ وَصَحَّحَهَا فِيهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَيْضًا: وَمَنْ قَالَ " إنَّ الْهَاشِمِيَّةَ لَا تُزَوَّجُ بِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ " بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، فَهَذَا مَارِقٌ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. إذْ قِصَّةُ تَزْوِيجِ الْهَاشِمِيَّاتِ مِنْ بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِنَّ بِغَيْرِ الْهَاشِمِيِّينَ: ثَابِتٌ فِي السُّنَّةِ ثُبُوتًا لَا يَخْفَى. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَى هَذَا خِلَافًا فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه. وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ: لَيْسَ وَلَدُ الزِّنَا كُفُؤًا لِذَاتِ نَسَبٍ، كَعَرَبِيَّةٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَضَافَهُ إلَى الْمُصَنِّفِ.

فَائِدَةٌ:

لَيْسَ مَوْلَى الْقَوْمِ كُفُؤًا لَهُمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ كُفْءٌ لَهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ.

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ (لَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ) . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَلَا لِمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ. انْتَهَى.

فَلَوْ وَجَدَتْ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ حَالَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَقُولَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بَعْدَ إيجَابِ النِّكَاحِ لَهُ " قَبِلْت لَهُ هَذَا النِّكَاحَ وَأَعْتَقْته " فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِمَنْعِهَا. وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ ". أَمَّا إنْ كَانَ قَدْ مَسَّهُ رِقٌّ، أَوْ أَبَاهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ تَزْوِيجِهِ بِحُرَّةِ الْأَصْلِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 110

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَلَا تُزَوَّجُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ: لَا تُزَوَّجُ بِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

فَائِدَةٌ:

(التَّانِئُ) فِي قَوْلِهِ (وَلَا بِنْتُ تَانِئٍ) . هُوَ صَاحِبُ الْعَقَارِ. وَقِيلَ: الْكَثِيرُ الْمَالُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَ " الْبَزَّازُ " بَيَّاعُ الْبَزِّ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ، وَالصِّنَاعَةَ، وَالْيَسَارَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ (فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ، وَلَا بِنْتُ بَزَّازٍ بِحَجَّامٍ، وَلَا بِنْتُ تَانِئٍ بِحَائِكٍ، وَلَا مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ) . أَنَّهُ يَشْمَلُ كُلَّ صِنَاعَةٍ رَدِيئَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَقِيلَ: نَسَّاجٌ كَحَائِكٍ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ زَالَتْ الْبَكَارَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ: فَلَهَا الْفَسْخُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. كَعِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ.

ص: 111

وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ. كَطَوْلِ حُرَّةٍ مِنْ نِكَاحِ أَمَةٍ، وَكَوَلِيِّهَا. وَفِيهِ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: يُعْزَى لِأَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْفَسْخَ أَيْضًا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ شَيْخِهِ فِي التَّعْلِيقِ. وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّ مِثْلَ الْوَلِيِّ مَنْ وُلِدَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي ذَلِكَ. وَأَنَّهُ إنْ طَرَأَ نَسَبٌ فَاسْتَلْحَقَ شَرِيفٌ مَجْهُولَةً، أَوْ طَرَأَ صَلَاحٌ: فَاحْتِمَالَانِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ ": " لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى إذْنِهَا وَلَا الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ ".

ص: 112