المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب المحرمات في النكاح] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٨

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب المحرمات في النكاح]

[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ]

ِ فَائِدَةٌ:

قَوْلُهُ (وَالْبَنَاتُ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ) . وَكَذَا ابْنَتُهُ الْمَنْفِيَّةُ بِلِعَانٍ، وَمِنْ شُبْهَةٍ وَيَكْفِي فِي التَّحْرِيمِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا بِنْتُهُ ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لِغَيْرِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي اسْتِدْلَالِهِ: أَنَّ الشَّبَهَ كَافٍ فِي ذَلِكَ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَّاتُ) . عَمَّةَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. لِدُخُولِهَا فِي عَمَّاتِهِ، وَعَمَّةَ الْعَمِّ لِأَبٍ. لِأَنَّهَا عَمَّةُ أَبِيهِ. لَا عَمَّةَ الْعَمِّ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ. وَتَحْرُمُ خَالَةُ الْعَمَّةِ لِأُمٍّ. وَلَا تَحْرُمُ خَالَةُ الْعَمَّةِ لِأَبٍ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ. وَتَحْرُمُ عَمَّةُ الْخَالِ لِأَبٍ؛ لِأَنَّهَا عَمَّةُ الْأُمِّ. وَلَا تَحْرُمُ عَمَّةُ الْخَالَةِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ. وَيَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ سَوَاءٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ وَالْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُمَا: إلَّا أُمَّ أَخِيهِ، وَأُخْتَ ابْنِهِ. فَإِنَّهُمَا يَحْرُمَانِ مِنْ النَّسَبِ، وَلَا يَحْرُمَانِ بِالرَّضَاعِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ أُمُّ أَخِيهِ إنَّمَا حَرُمَتْ مِنْ غَيْرِ الرَّضَاعِ، مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لِكَوْنِهَا زَوْجَةَ. أَبِيهِ. وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، لَا مِنْ جِهَةِ تَحْرِيمِ النَّسَبِ.

ص: 113

وَكَذَلِكَ أُخْتُ ابْنِهِ: إنَّمَا حَرُمَتْ لِكَوْنِهَا رَبِيبَةً. فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِمَا. وَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَالصَّوَابُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: عَدَمُ اسْتِثْنَائِهِمَا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ. فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ أُمِّ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ. وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ نِكَاحُ أَبِي زَوْجِهَا وَابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ ابْنِ بَدِينَا فِي حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ. وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ إيرَادٌ صَحِيحٌ، سِوَى الْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ، كَالْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا. فَلَا إيرَادَ إذَنْ. انْتَهَى.

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ. وَهُنَّ أَرْبَعٌ: أُمَّهَاتُ نِسَائِهِ. فَيَحْرُمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَعَنْهُ: أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ كَالرَّبَائِبِ، لَا يَحْرُمْنَ إلَّا بِالدُّخُولِ بِبَنَاتِهِنَّ. ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ

. الرَّابِعُ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَحَلَائِلُ آبَائِهِ) . كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ، أَوْ جَدُّهُ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ، مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَإِنْ عَلَا، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، أَوْ افْتَرَقَا بِغَيْرِ ذَلِكَ

. وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَأَبْنَائِهِ) يَعْنِي وَحَلَائِلُ أَبْنَائِهِ: كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَهَا أَحَدٌ مِنْ

ص: 114

أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ نَزَلُوا، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ، مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ.

الْخَامِسُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالرَّبَائِبُ وَهُنَّ بَنَاتُ نِسَائِهِ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ) . أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَتْ " الرَّبِيبَةُ " فِي حِجْرِهِ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا تَحْرُمُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ.

فَائِدَةٌ:

يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُ ابْنِ زَوْجَتِهِ. نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَلَا تَحْرُمُ زَوْجَةُ رَبِيبِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا. وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ ابْنُ زَوْجَةِ أَبِيهَا، وَابْنُ زَوْجِ ابْنَتِهَا، وَابْنُ زَوْجِ أُمِّهَا، وَزَوْجُ زَوْجَةِ أَبِيهَا، وَزَوْجُ زَوْجَةِ أَبِيهَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ مُتْنَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ تَحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) يَعْنِي: إذَا مَاتَتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَهَا بِنْتٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَحْرُمْنَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 115

وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمْنَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَبَانَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا طَلَّقَ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَقَبْلَ الْوَطْءِ: فَرِوَايَتَانِ. أَنَصُّهُمَا وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَفِي مَوْضِعٍ فِي الْخِصَالِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيُّ: ثُبُوتُ حُكْمِ الرَّبِيبَةِ.

وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَفِي الْجَامِعِ فِي مَوْضِعٍ: لَا يَثْبُتُ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ. وَصَحَّحَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. قُلْت: وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

الثَّانِيَةُ: قَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَنَظَرِ الْفَرْجِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ، بِنَاءً عَلَى تَقَرُّرِ الصَّدَاقِ. وَيَأْتِي أَيْضًا: التَّنْبِيهُ عَلَى الْخَلْوَةِ فِيمَا تَقَرَّرَ الصَّدَاقُ فِي بَابِهِ. وَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ الرَّجُلِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّعْلِيقِ فِي اللِّعَانِ.

قَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ) . أَمَّا ثُبُوتُ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ: فَإِجْمَاعٌ.

ص: 116

وَيَثْبُتُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَحِكَايَةُ هَذَا الْوَجْهِ مِنْهُ عَجِيبٌ. فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الزِّنَا: كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ.

فَائِدَةٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَيْسَ بِحَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ. فَقَالَ: وَطْءُ الْحَرَامِ مُحَرِّمٌ، كَمَا يُحَرِّمُ وَطْءُ الْحَلَالِ وَالشُّبْهَةِ. وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: أَنَّهُ حَرَامٌ. وَأَمَّا ثُبُوتُهُ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ: فَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّهُ يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْءِ الدُّبُرِ بِالِاتِّفَاقِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّرْغِيبِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: إذَا وَطِئَ امْرَأَةً بِزِنًا: كَانَ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْءِ الدُّبُرِ. وَنَقَلَ بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا يُعْجِبُنِي. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ بِالْحَلَالِ، عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ. وَالْحَرَامُ مُبَايِنٌ لِلْحَلَالِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْوَطْءُ الْحَرَامُ لَا يَنْشُرُ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ. وَاعْتَبَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: التَّوْبَةَ، حَتَّى فِي اللِّوَاطِ. وَحَرَّمَ بِنْتَهُ مِنْ الزِّنَا. وَقَالَ: إنَّ وَطْءَ بِنْتِهِ غَلَطًا: لَا يَنْشُرُ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَّخِذْهَا زَوْجَةً، وَلَمْ يُعْلِنْ نِكَاحًا.

تَنْبِيهٌ:

شَمِلَ قَوْلُهُ (الْحَرَامِ) . الْوَطْءَ فِي قُبُلِهَا وَدُبُرِهَا. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، كَمَا تَقَدَّمَ.

ص: 117

فَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ: حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا كَوَطْءِ الْحَلَالِ وَالشُّبْهَةِ وَلَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ، أَوْ بِنْتَهَا: حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ لَا تَثْبُتُ مَحْرَمِيَّةٌ، وَلَا إبَاحَةُ النَّظَرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ مَيِّتَةً، أَوْ صَغِيرَةً، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، فِي وَطْءِ الصَّغِيرَةِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ: فِي الصَّغِيرَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ فِي الصَّغِيرَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ فِيهَا.

تَنْبِيهٌ:

مُرَادُهُ بِالصَّغِيرَةِ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاشَرَ امْرَأَةً، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا، أَوْ خَلَا بِهَا بِشَهْوَةٍ) يَعْنِي: فِي الْحَرَامِ، أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ (فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ.

ص: 118

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِيمَا إذَا بَاشَرَ الْأَمَةَ بِشَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي فِي الْقُبْلَةِ، وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ، وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ. وَقَطَعَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ فِيمَا إذَا بَاشَرَ حُرَّةً. وَقَالَا: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ: الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَالتَّفْصِيلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

إحْدَاهُمَا: لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: لَمْ يَنْشُرْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْمَرْأَةِ لَا تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ بِذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا " أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ بَدَنِهَا لِشَهْوَةٍ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَنْشُرُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ. وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَابْنُ هَانِئٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ لِشَهْوَةٍ. وَالصَّحِيحُ: خِلَافُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَا: لَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ لَا يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ.

فَائِدَةٌ:

حُكْمُ مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ، أَوْ نَظَرِهَا إلَى فَرْجِهِ، أَوْ خَلْوَتِهَا بِهِ لِشَهْوَةٍ: حُكْمُ الرَّجُلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا

. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلَوَّطَ بِغُلَامٍ حَرُمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمُّ الْآخَرِ وَبِنْتُهُ) .

ص: 119

يَعْنِي: أَنَّهُ يَحْرُمُ بِاللِّوَاطِ مَا يَحْرُمُ بِوَطْءِ الْمَرْأَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: هُوَ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ يَعْنِي: كَالْمُبَاشِرِ دُونَ الْفَرْجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي مَسْأَلَةِ التَّلَوُّطِ: أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَتَزَوَّجُ بِنْتَ الْمَفْعُولِ فِيهِ وَلَا أُمَّهُ. قَالَ: وَهُوَ قِيَاسٌ جَيِّدٌ. قَالَ: فَأَمَّا تَزَوُّجُ الْمَفْعُولِ فِيهِ بِأُمِّ الْفَاعِلِ: فَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ أَلْبَتَّةَ. وَهُوَ أَشْبَهُ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ دَوَاعِيَ اللِّوَاطِ لَيْسَتْ كَاللِّوَاطِ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا: أَنَّهُ كَاللِّوَاطِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ.

فَائِدَةٌ:

السِّحَاقُ بَيْنَ النِّسَاءِ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ مَحَلَّ وِفَاقٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ فِي اللِّوَاطِ: أَنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِشَهْوَةٍ.

ص: 120

قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْمُلَاعِنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ عَلَى التَّأْبِيدِ، إلَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ. فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ.

إحْدَاهُمَا: لَا تَحِلُّ. بَلْ تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ اللِّعَانِ. قَالَ الشَّارِحُ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي بَابِ اللِّعَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا.

الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُبَاحُ لَهُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ. وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ الشَّارِحُ وَهُنَا فِي بَابِ اللِّعَانِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ شَذَّ بِهَا حَنْبَلٌ عَنْ أَصْحَابِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا غَيْرَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا. فَأَمَّا إنْ فَرَّقَ بَيْنَهَا: فَلَا وَجْهَ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ بِحَالِهِ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ: تُبَاحُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، إنْ كَانَتْ أَمَةً. وَيَأْتِي هَذَا فِي اللِّعَانِ أَيْضًا مُسْتَوْفًى. فَلْيُرَاجَعْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ وَقَعَ اللِّعَانُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، فَهَلْ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِي اللِّعَانِ.

إحْدَاهُمَا: تَحْرُمُ أَيْضًا عَلَى التَّأْبِيدِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي.

ص: 121

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

فَائِدَةٌ:

ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي كِتَابِ التَّحْلِيلِ: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَتَلَ رَجُلًا لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا. وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ خَبَثَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى طَلُقَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؟ أَجَابَ: يُعَاقَبُ مِثْلُ هَذَا عُقُوبَةً بَلِيغَةً. وَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ فِيهِ.

فَوَائِدُ:

إحْدَاهَا: إذَا فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَهُ لِعُنَّةٍ، أَوْ عَيْبٍ فِيهِ يُوجِبُ الْفَسْخَ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَى التَّأْبِيدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْعُيُوبِ. وَعَنْهُ: تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ كَاللِّعَانِ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا. كَعَمَّاتِ آبَائِهَا. وَخَالَاتِهِمْ، وَعَمَّاتِ أُمَّهَاتِهَا وَخَالَاتِهِنَّ. وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ، وَلَوْ رَضِيَتَا، مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ. وَخَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي الرَّضَاعِ. فَلَمْ يُحَرِّمْ الْجَمْعَ مَعَ الرَّضَاعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: كُلُّ شَخْصَيْنِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ الْآخَرَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى، لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: خَالُ ابْنِهَا بِمَنْزِلَةِ خَالِهَا. وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ عَمَّةٍ وَخَالَةٍ، بِأَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَيَنْكِحَ ابْنَةَ أُمِّهَا فَيُولَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ.

ص: 122

وَيَحْرُمُ أَيْضًا الْجَمْعُ بَيْنَ خَالَتَيْنِ، بِأَنْ يَنْكِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ. فَتُولَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ. وَيَحْرُمُ أَيْضًا الْجَمْعُ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ، بِأَنْ يَنْكِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ. فَيُولَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ.

الثَّالِثَةُ: لَا يُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتَيْ عَمَّيْهِ أَوْ عَمَّتَيْهِ، أَوْ ابْنَتَيْ خَالَيْهِ أَوْ خَالَتَيْهِ. أَوْ بِنْتِ عَمِّهِ وَبِنْتِ عَمَّتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. كَمَا لَا يُكْرَهُ جَمْعُهُ بَيْنَ مَنْ كَانَتْ زَوْجَةَ رَجُلٍ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. فَيَكُونُ هَذَا الْمَذْهَبَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَحَرَّمَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ قِيَاسًا. يَعْنِي: عَلَى الْأُخْتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ زَيْدٍ مِنْ أَبِيهِ وَأُخْتَه مِنْ أُمِّهِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ بِنْتٌ، وَوَطِئَا أَمَةً، فَأَلْحَقَ وَلَدَهَا بِهِمَا، فَتَزَوَّجَ رَجُلٌ بِالْأَمَةِ وَبِالْبِنْتَيْنِ: فَقَدْ تَزَوَّجَ أُمَّ رَجُلٍ وَأُخْتَيْهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقَدْ نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ لُغْزًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ: لَمْ يَصِحَّ) وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَأَبِي الْحَارِثِ.

ص: 123

وَلَكِنْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ: يَخْتَارُ إحْدَاهُمَا. وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُهَا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ. وَقَالَ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَخَرَّجَ قَوْلًا بِالِاقْتِرَاعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ، أَوْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً: فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ جُهِلَتْ الْأُولَى فَسَخَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَالَا: بَطَلَا. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الصَّحِيحُ بُطْلَانُ النِّكَاحَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ الْأُولَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ قُلْت: فَمَنْ قَرَعَتْ جَدَّدَ عَقْدَهَا بِإِذْنِهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ، يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ: اخْتِيَارِي أَنْ يَسْقُطَ الْمَهْرُ، إذَا كَانَ مُجْبَرًا عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. قُلْت: فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعَايَى بِهَا، إذَا أُجْبِرَ عَلَى الطَّلَاقِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَاهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ) . يَعْنِي: لَوْ اشْتَرَى أُخْتَيْنِ، أَوْ امْرَأَةً وَعَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا: لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُولَى) .

ص: 124

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ. أَثْبَتَهَا الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَمَنَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةً بِالْكَرَاهَةِ، وَقَالَ: مَنْ قَالَ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله إنَّهُ قَالَ " لَا يَحْرُمُ. بَلْ يُكْرَهُ " فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ. وَمَأْخَذُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ وَمَرَاتِبِ الْكَلَامِ. وَأَحْمَدُ رحمه الله إنَّمَا قَالَ " لَا أَقُولُ إنَّهُ حَرَامٌ. وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ " وَكَانَ يَهَابُ قَوْلَ الْحَرَامِ إلَّا فِيمَا فِيهِ نَصٌّ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْعِدَّةِ.

فَائِدَةٌ:

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَمْلُوكَتَيْنِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَحْرُمَ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةِ الْوَطْءِ فِي تَحْرِيمِ الْأُخْتَيْنِ، حَتَّى تَحْرُمَ الْأُولَى: فَلَا إشْكَالَ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ:

فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى " إشْعَارٌ بِجَوَازِ وَطْءِ إحْدَاهُمَا ابْتِدَاءً قَبْلَ تَحْرِيمِ الْأُخْرَى. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لِهَذَا الْمَشْهُورِ. وَهُوَ أَصَحُّ. وَمَنَعَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْأُخْرَى. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَحْرِيمِ إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً.

ص: 125

وَقِيلَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ:

حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْإِمَاءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ أُخْتِهَا كَحُكْمِهِ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ ثَابِتٌ. لَا يُحَرِّمُ إلَّا الْوَطْءُ فَقَطْ.

تَنْبِيهَانِ

الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ " فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى " فَلَوْ خَالَفَ وَوَطِئَ الْأُخْرَى، لَزِمَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ. فَيَكُونُ الْمَمْنُوعُ مِنْهُمَا وَاحِدَةً مُبْهَمَةً. وَأَبَاحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَطْءَ الْأُولَى بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ " لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُولَى " بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَزْوِيجٍ، وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَكْفِي فِي إبَاحَةِ الثَّانِيَةِ مُجَرَّدُ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا. بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً وَتَنْقَضِيَ، فَتَكُونُ الْحَيْضَةُ كَالْعِدَّةِ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى.

ص: 126

وَلَا يَكْفِي اسْتِبْرَاؤُهَا بِدُونِ زَوَالِ الْمِلْكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ. إذْ بِهِ يَزُولُ الْفِرَاشُ الْمُحَرِّمُ لِلْجَمْعِ. ثُمَّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِتَحْرِيمِهَا بِكِتَابَةٍ أَوْ رَهْنٍ، أَوْ بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي فِي الْكِتَابَةِ. قَطَعَ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّ الْأُخْتَ لَا تُبَاحُ إذَا رَهَنَهَا أَوْ كَاتَبَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ فِي الرَّهْنِ. وَقَالَ: ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: الِاكْتِفَاءُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ. وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِرْجَاعُ، كَهِبَتِهَا لِوَلَدِهِ، أَوْ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ إذَا رَهَنَهَا، أَوْ كَاتَبَهَا، أَوْ دَبَّرَهَا: لَا تُبَاحُ أُخْتُهَا. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يَكْفِي كِتَابَتُهَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْجَمِيعِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَحِلَّ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْفَعَهُ وَحْدَهُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَلَوْ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ بَعْضِهَا. فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: كَفَاهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا.

الثَّالِثَةُ: شَمِلَ قَوْلُهُ (بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ) . الْإِخْرَاجَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا مِنْهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ، عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ.

ص: 127

لَكِنْ يُنْكَرُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نِزَاعٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ الْبَيْعُ هُنَا لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله وَالْأَصْحَابُ: تَحْرِيمَ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُخْرِجَ الْأُولَى عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ بَنَيْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي التَّفْرِيقِ: لَزِمَ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّفْرِيقُ بِغَيْرِ الْعِتْقِ، فِيمَا دُونَ الْبُلُوغِ. وَبَعْدَهُ. عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَلَعَلَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ التَّفْرِيقِ الْمُحَرَّمِ لِلْحَاجَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَمَةِ بِلَا مُوجِبٍ. انْتَهَى.

وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا قَوْلُهُ (فَإِنْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ: لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى) . سَوَاءٌ كَانَ وَطِئَ الثَّانِيَةَ أَوْ لَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَرْبَعِينَ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ عَادَتْ بَعْدَ وَطْءِ الْأُخْرَى: فَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ اجْتِنَابُهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا. وَإِنْ عَادَتْ قَبْلَ وَطْءِ الْأُخْرَى: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَالْخِرَقِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ.

ص: 128

وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ: أَنَّهَا إنْ عَادَتْ قَبْلَ وَطْءِ أُخْتِهَا فَهِيَ الْمُبَاحَةُ دُونَ أُخْتِهَا. وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ، بَعْدَ أَنْ وَطِئَ الْبَاقِيَةَ: أَنَّهُ يُقِيمُ عَلَى وَطْئِهَا، وَيَجْتَنِبُ الرَّاجِعَةَ. وَإِنْ رَجَعَتْ قَبْلَ وَطْءِ الْبَاقِيَةِ وَطِئَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: هَذَا إذَا عَادَتْ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَيْهِ. أَمَّا إنْ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ: لَمْ يَلْزَمْهُ تَرْكُ أُخْتِهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا: لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّهُ يَصِحُّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَحَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ رِوَايَةً. وَنَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَعْتَقَ سُرِّيَّتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَطَأُ حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ. وَالْمَوْطُوءَةُ هِيَ أَمَتُهُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمَانِ مَعًا، حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا.

ص: 129

فَوَائِدُ:

إحْدَاهَا: مِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ: لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَتِهِ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ الْأَمَةُ إلَيْهِ، لَكِنْ النِّكَاحُ بِحَالِهِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّ حِلَّ وَطْءِ الزَّوْجَةِ بَاقٍ. وَلِمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا: فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ. وَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ، وَابْنُ الْمُنَى. وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، كَمَا قَبْلَ الْعِتْقِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. الْتَزَمَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي مَوْضِعٍ، قِيَاسًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا

. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ مُسْلِمَةً، وَمَجُوسِيَّةً فَلَهُ وَطْءُ الْمُسْلِمَةِ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَرَى أُخْتَ زَوْجَتِهِ: صَحَّ. وَلَا يَطَؤُهَا فِي عِدَّةِ الزَّوْجِيَّةِ. فَإِنْ فَعَلَ فَالْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَهَلْ دَوَاعِي الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ إبَاحَةَ الْمُبَاشَرَةِ، وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ

. تَنْبِيهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَقَدَّمَ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ " إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ ".

ص: 130

الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِلْحُرِّ: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَلَا لِلْعَبْدِ: أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) . أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ جَازَ تَزَوُّجُ غَيْرِهَا فِي الْحَالِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَلَوْ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. فَكَذَّبَتْهُ. فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا، وَبَدَلُهَا. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا تَسْقُطُ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَنَسَبُ الْوَلَدِ، بَلْ الرَّجْعَةُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. مِنْهُمْ: صَالِحٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ. لَكِنْ لَوْ كَانَ نِصْفُهُ فَأَكْثَرَ حُرًّا: جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثَلَاثًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَقِيلَ: هُوَ كَالْعَبْدِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ " هَلْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَمْ لَا؟ ".

الثَّانِيَةُ: اُخْتُلِفَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي جَوَازِ تَسَرِّي الْعَبْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ. فَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ: الْجَوَازَ.

ص: 131

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، فِي آخِرِ بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: الْمَنْعَ كَالنِّكَاحِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي أَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ وَسُرِّيَّتَهُ يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ وَزَوْجَتِهِ. هَلْ يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ؟ عَلَى مَا يَأْتِي مُحَرَّرًا فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ (وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ، حَتَّى تَتُوبَ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: ظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٍ فِي التَّوْبَةِ: لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُهَا قَبْلَ التَّوْبَةِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ: فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْبُطْلَانِ فِيهِ. وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ، حَيْثُ خَصَّ الْبُطْلَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. انْتَهَى.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُهَا قَبْلَ التَّوْبَةِ إنْ نَكَحَهَا غَيْرُ الزَّانِي. ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَوْبَةُ الزَّانِي بِهَا إذَا نَكَحَهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ تَوْبَتُهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا.

ص: 132

فَوَائِدُ:

الْأُولَى: تَوْبَةُ الزَّانِيَةِ: أَنْ تُرَاوَدَ عَلَى الزِّنَا، فَتَمْتَنِعَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. وَنَصَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: تَوْبَتُهَا كَتَوْبَةِ غَيْرِهَا، مِنْ النَّدَمِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا تَعُودَ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، لَمْ يَجُزْ فِي الْعِدَّةِ نِكَاحُ أُخْتِهَا، وَلَا يَطَؤُهَا إنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِي جَوَازِ وَطْءِ أَرْبَعٍ غَيْرِهَا وَالْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَاخْتَارَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَكَان آخَرَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ الْأَرْبَعِ حَتَّى يُسْتَظْهَرَ بِالزَّانِيَةِ حَمْلٌ. وَاسْتَبْعَدَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ كَمَا قَالَ الْمَجْدُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ خَمْسٍ. فَيَكْفِي فِيهِ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ. وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ.

ص: 133

وَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْكُفَّارِ: لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَاخْتَارَ أَرْبَعًا: هَلْ يَعْتَزِلُ الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ أَمْ لَا؟

الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَاءِ الْعَتِيقَةِ نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ، وَابْنُ الْمُنَى. وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ كَمَا قَبْلَ الْعِتْقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَزَادَ: الْأَمَةَ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. الْتَزَمَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي مَوْضِعٍ، قِيَاسًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا.

الرَّابِعَةُ: لَوْ وُطِئَتْ امْرَأَةٌ بِشُبْهَةٍ، حَرُمَ نِكَاحُهَا فِي الْعِدَّةِ لِغَيْرِ الْوَاطِئِ. بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ: لَمْ يَصِحَّ. وَيُبَاحُ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: إنْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً مِنْ زَوْجٍ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَوَطِئَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا. وَأَمَّا لِلْوَاطِئِ: فَعَنْهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا أُبِيحَتْ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ أَصَحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْعُدَدِ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْحَابُ كَافَّةً، مَا عَدَا أَبَا مُحَمَّدٍ. وَعَنْهُ: تُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَالْمُصَنِّفُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. فَيَكُونُ هَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخِطْبَةِ. لَكِنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى خِلَافِهِ.

ص: 134

وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا حَتَّى تَفْرُغَ عِدَّتُهَا. ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: تَحْرِيمُهَا عَلَى الْوَاطِئِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي هَذَا الْقِيَاسِ نَظَرٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَصَابَهَا بِشُبْهَةٍ ".

قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ، إلَّا حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ) يَشْمَلُ مَسْأَلَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: حَرَائِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَهُمَا قِسْمَانِ: ذِمِّيَّاتٌ، وَحَرْبِيَّاتٌ. فَالذِّمِّيَّاتُ: يَبُحْنَ بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيَّاتُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: حِلُّ نِكَاحِهِنَّ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ نِكَاحُ الْحَرْبِيَّةِ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ اُضْطُرَّ. وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ. وَاخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: بِالْجَوَازِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَعَ الضَّرُورَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي الْأَسِيرِ: الْمَنْعُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ النِّكَاحِ " هَلْ يَتَزَوَّجُ بِدَارِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا؟ " وَقَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: إذَا كَانَتْ الْكَافِرَةُ أُمُّهَا حَرْبِيَّةٌ لَمْ يُبَحْ نِكَاحُهَا.

ص: 135

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَذَبَائِحِهِمْ بِلَا حَاجَةٍ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَرَائِرُ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا: أَنَّ مَنْ دَانَ بِصُحُفِ شِيثٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالزَّبُورِ: تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ. وَيُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، كَأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

إحْدَاهُمَا: لَا تَحِلُّ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي. وَالْمُقْنِعِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ تَحْرِيمُ مُنَاكَحَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَحِلُّ. ذَكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَحَكَاهَا فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ أَرَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِذَلِكَ نَصًّا. قُلْت: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا نَصٌّ. فَقَدْ أَثْبَتَهَا الثِّقَاتُ.

ص: 136

وَحَكَى ابْنُ رَزِينٍ رِوَايَةً ثَالِثَةً: إنْ كَانَ أَبُوهَا كِتَابِيًّا أُبِيحَتْ. وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَهُوَ خَطَأٌ.

تَنْبِيهَانِ: إحْدَاهُمَا: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، إذَا اخْتَارَتْ هِيَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ. أَمَّا إنْ اخْتَارَتْ غَيْرَهُ: فَلَا تُبَاحُ قَوْلًا وَاحِدًا.

الثَّانِي: فَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ كَانَ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيَّيْنِ، وَاخْتَارَتْ هِيَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: التَّحْرِيمُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ عَنْهُ: لَا تَحْرُمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، اعْتِبَارًا بِنَفْسِهِ، وَقَالَ: هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، فِي عَامَّةِ أَجْوِبَتِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: لَا يَنْكِحُ مَجُوسِيٌّ كِتَابِيَّةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَيَنْكِحُ كِتَابِيٌّ مَجُوسِيَّةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَنْكِحُهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ كِتَابِيٌّ مَجُوسِيَّةً. فَلَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (أَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ. فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)

ص: 137

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخِرَقِيِّ. ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ فِي بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ.

إحْدَاهُمَا: تَحِلُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ آخِرُ قَوْلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَحِلُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ نِسَاءَ الْعَرَبِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، غَيْرَ بَنِي تَغْلِبَ يَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُنَّ حُكْمُ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ.

قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. وَرَدَّهَا الْخَلَّالُ. وَقَالَ: إنَّمَا تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِيهَا، وَلَمْ يَنْفُذْ لَهُ قَوْلٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إلَّا أَنْ يَخَاف الْعَنَتَ وَلَا يَجِدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ. وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ) .

ص: 138

لَا يُبَاحُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ. وَلَوْ عُدِمَ الشَّرْطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله غَيْرَ خَوْفِ الْعَنَتِ. وَحَمَلَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ رِوَايَةَ مُهَنَّا عَلَى أَنَّ خَوْفَ الْعَنَتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ. وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِحْبَابِ. وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً "" هَلْ يَكُونُ أَوْلَادُ الْحُرِّ مِنْ الْأَمَةِ أَرِقَّاءَ أَمْ لَا؟ ". تَنْبِيهٌ:

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مِنْ الشَّرْطَيْنِ: أَنْ لَا يَجِدَ ثَمَنَ أَمَةٍ. وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى شِرَاءِ أَمَةٍ، فَفِي جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَجْهَانِ.

فَائِدَةٌ:

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَسَّرَ " الْعَنَتَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ: بِالزِّنَا.

ص: 139

وَكَذَا صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ. وَفَسَّرَهُ بِذَلِكَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَقَالَ: فَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّبْرِ، لَكِنْ يُؤَدِّي صَبْرَهُ إلَى مَرَضٍ: جَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَفَسَّرَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمْ: بِعَنَتِ الْعُزُوبَةِ، إمَّا لِحَاجَةِ الْمُتْعَةِ، وَإِمَّا لِلْحَاجَةِ إلَى خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ، لِكِبَرٍ أَوْ سَقَمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ الْخِدْمَةَ. وَأَدْخَلَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ، إذَا كَانَ لَهُ شَهْوَةٌ يَخَافُ مَعَهَا مِنْ التَّلَذُّذِ بِالْمُبَاشَرَةِ حَرَامًا، وَهُوَ عَادِمٌ لِلطَّوْلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ حُرٍّ مُسْلِمٍ غَيْرِ مَجْبُوبٍ أَمَةً مُسْلِمَةً إلَّا بِشَرْطَيْنِ.

تَنْبِيهٌ:

عُمُومُ قَوْلِهِ (وَلَا يَجِدُ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ) ، يَشْمَلُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ، وَالْكِتَابِيَّةَ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله الْحُرَّةَ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالُ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ وَجْهَانِ. وَيَشْمَلُ قَوْلُهُ (وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ) الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدْ أَطْلَقَ لِلْأَمَةِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ،

ص: 140

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَيَّدَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: الْأَمَةَ بِالْإِسْلَامِ.

فَوَائِدُ:

الْأَوْلَى " وُجُودُ الطَّوْلِ " هُوَ أَنْ لَا يَمْلِكَ مَالًا حَاضِرًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: الطَّوْلَ بِالسَّعَةِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: عَدَمُ الطَّوْلِ: أَنْ لَا يَجِدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ. زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا نَفَقَتَهَا، وَهُوَ أَوْلَى. إذَا عَلِمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْلِكْ مَالًا حَاضِرًا، وَوَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، أَوْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْخِيرِ صَدَاقِهَا، أَوْ بِدُونِ مَهْرِهَا: لَمْ يَلْزَمْهُ. وَجَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْأَزَجِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ صَدَاقِهَا، أَوْ بِدُونِ مَهْرِهَا: لَزِمَهُ. وَقِيلَ: إنْ رَضِيَتْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا: لَزِمَهُ. وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ وُهِبَ لَهُ الصَّدَاقُ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجْحِفَ بِمَالِهِ. فَإِنْ أَجْحَفَ بِمَالِهِ: جَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَا يُعَدُّ سَرَفًا.

الثَّالِثَةُ: لَوْ وَجَدَ حُرَّةً لَا تُوطَأُ لِصِغَرِهَا، أَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ غَائِبَةً: جَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي الزَّوْجَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

ص: 141

قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَيْسَ لِحُرٍّ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلِلْعَبْدِ الَّذِي تَحْتَهُ حُرَّةٌ: أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً. قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مَرِيضَةً جَازَ لَهُ أَيْضًا نِكَاحُ الْأَمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ.

الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: نِكَاحُ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ أَوْلَى مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَوْلَى مِنْ إرْقَاقِ جَمِيعِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَفِيهِ الشَّرْطَانِ، ثُمَّ أَيْسَرَ. أَوْ نَكَحَ حُرَّةً، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا، فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِي الْأَخِيرَةِ. إذَا تَزَوَّجَ الْأَمَةَ وَفِيهِ الشَّرْطَانِ ثُمَّ أَيْسَرَ: لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ الْأَمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى.

وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَبْطُلُ. وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَإِذَا نَكَحَ حُرَّةً عَلَى الْأَمَةِ: لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

ص: 142

الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَبْطُلُ. قَدَّمَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا فِيهِمَا، لَا فَسْخًا. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَمَةٍ يَكُونُ طَلَاقًا لِلْأَمَةِ. لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَوْ زَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا أَيْسَرَ، وَنَكَحَ حُرَّةً. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً فَلَمْ تُعِفَّهُ، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أُخْرَى، فَهَلْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ أُخْرَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً فَلَمْ تُعِفَّهُ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ نِكَاحِ أَمَةٍ عَلَيْهَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ.

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. إذَا كَانَ فِيهِ الشَّرْطَانِ قَائِمَيْنِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ.

ص: 143

وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَصِحُّ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يَصِحُّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: تَحَرَّرَ لِأَصْحَابِنَا فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ: ثَلَاثُ طُرُقٍ.

أَحَدُهَا: الْمَنْعُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ وَطْءُ الْحُرَّةِ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ: جَازَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَهَذِهِ الطَّرِيقُ هِيَ عِنْدِي مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَعَلَيْهَا يَدُلُّ كَلَامُهُ.

الطَّرِيقُ الثَّانِي: إذَا لَمْ تُعِفَّهُ. فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ.

الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: فِي الْجَمْعِ رِوَايَتَانِ. كَمَا ذَكَرَ الْمَجْدُ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْفَائِدَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْقَوَاعِدِ: لَوْ تَزَوَّجَ حُرٌّ خَائِفُ الْعَنَتِ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلطَّوْلِ حُرَّةً تُعِفُّهُ بِانْفِرَادِهَا، وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَحْدَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَهُوَ أَصَحُّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ جَمْعُهُمَا. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. انْتَهَى.

وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَلَمْ تُعِفَّهُ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ نِكَاحِ ثَانِيَةٍ بِشَرْطِهِ ثُمَّ ثَالِثَةٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ رَابِعَةٍ كَذَلِكَ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 144

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: إذَا قُلْنَا: لَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ: جَازَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهُنَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً. إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُعِفُّهُ إلَّا ذَلِكَ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِيهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا: فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ وَاحِدَةٌ، فَثَانِيَةٌ. ثُمَّ ثَالِثَةٌ ثُمَّ رَابِعَةٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: تَلَخَّصَ لِأَصْحَابِنَا فِي تَزَوُّجِ الْإِمَاءِ ثَلَاثُ طُرُقٍ

أَحَدُهَا: طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ، وَهِيَ: أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَّا إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ، بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ وَطْءُ الَّتِي تَحْتَهُ. وَمَتَى أَمْكَنَهُ وَطْؤُهَا لَمْ يَجُزْ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ: فَهَلْ يُجْعَلُ وُجُودُ زَوْجَةٍ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَمْنًا مِنْ الْعَنَتِ؟ وَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ سَوَاءً.

الطَّرِيقُ الثَّانِي: إذَا كَانَ فِيهِ الشَّرْطَانِ: فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا، وَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ وَطْءِ الْأُولَى. وَهَذَا مَعْنَى خَوْفِ الْعَنَتِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيُّ إلَّا ذَلِكَ. وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله يَقْتَضِي الْحِلَّ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْوَطْءِ.

ص: 145

الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: الْمَسْأَلَةُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلِلْعَبْدِ نِكَاحُ الْأَمَةِ) . وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ وَغَيْرَهُ عَلَّلَ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ بِالْمُسَاوَاةِ. فَيَقْتَضِي الْمَنْعَ فِيهِمَا، وَفِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ) يَعْنِي: الْعَبْدَ (أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى حُرَّةٍ؟)(عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ: جَازَ) . يَعْنِي: عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَجُوزُ، وَيَفْسُدُ النِّكَاحَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَفْسُدُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَحْدَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

ص: 146

وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يَصِحُّ فِي الْحُرَّةِ. وَفِي الْمُوجَزِ، فِي الْعَبْدِ رِوَايَةَ: يَصِحُّ فِي الْأَمَةِ، وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ، لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ. وَقَالَ: إنْ لَمْ تُعْتَبَرْ الْكَفَاءَةُ صَحَّ فِيهِمَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَيَتَخَرَّج أَنْ لَا يَجُوزَ) . قَالَ الشَّارِحُ: بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى حُرَّةٍ.

تَنْبِيهٌ:

تَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " لَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ بِشَرْطِهِ. هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ ". وَلَكِنْ لَوْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ طَلَاقًا بَائِنًا جَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي عِدَّتِهَا، مَعَ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَجْهًا بِالْمَنْعِ، إذَا مَنَعْنَا مِنْ الْجَمْعِ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ مَعَ الْغَيْبَةِ وَنَحْوِهَا.

فَائِدَةٌ:

الْحُرُّ الْكِتَابِيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. لَكِنْ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمَا: إنْ اعْتَبَرْنَا إسْلَامَ الْأَمَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ اعْتَبَرْنَا كَوْنَهَا كِتَابِيَّةً فِي حَقِّ الْكِتَابِيِّ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: الْمَجُوسِيُّ كَالْكِتَابِيِّ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَكُلُّ كَافِرٍ كَمُسْلِمٍ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا " إذَا مَلَكَ كِتَابِيٌّ مَجُوسِيَّةً. هَلْ لَهُ وَطْؤُهَا أَمْ لَا؟ ".

قَوْلُهُ (وَلَا لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ، وَلَا أَمَةَ ابْنِهِ) . لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَمَتِهِ بِلَا خِلَافٍ. وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ بَعْضُهَا. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ ابْنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 147

ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ.

تَنْبِيهٌ:

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الْحُرِّ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ. وَذَكَرُوا أَصْلَهُ فِي الْمَذْهَبِ. وَهُوَ وُجُوبُ إعْفَافِ الِابْنِ أَبَاهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَى النِّكَاحِ. وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ إعْفَافُهُ كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَمَتِهِ أَوْ أَمَةِ غَيْرِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. كَذَلِكَ يَلْزَمُ فِي سَائِرِ مَنْ يَلْزَمُ إعْفَافُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ، عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مُعْسِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إعْفَافِ أَبِيهِ، فَهَلْ لِلْأَبِ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَتِهِ؟ . ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ احْتِمَالَيْنِ: الْجَوَازُ؛ لِانْتِفَاءِ وُجُوبِ الْإِعْفَافِ. وَالْمَنْعُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. وَخَرَّجَ أَيْضًا: رِوَايَةً بِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَبِ أَمَةَ وَلَدِهِ مُطْلَقًا مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ وُجُوبِ إعْفَافِهِ. وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَنْعِ مَأْخَذٌ آخَرُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَالْأَصْحَابُ. وَهُوَ أَنَّ الْأَبَ لَهُ شُبْهَةُ الْمِلْكِ فِي مَالِ وَلَدِهِ. وَشُبْهَةُ الْمِلْكِ تَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ. كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَأَمَةِ الْمُكَاتَبِ. وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ: يَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِأَمَةِ الِابْنِ. وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ: وَلِلْمَنْعِ مَأْخَذٌ ثَالِثٌ. وَهُوَ أَنَّ الْأَبَ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةَ وَلَدِهِ فَأَوْلَدَهَا. فَهَلْ تَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْتَوْلَدَةً، وَيَنْعَقِدُ وَلَدُهُ حُرًّا أَمْ لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً، وَيَنْعَقِدُ رَقِيقًا؟

ص: 148

ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ الْوَلَدَ يَنْعَقِدُ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي مَالِ وَلَدِهِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِعَقْدٍ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْأَجَانِبُ. فَيَنْعَقِدُ الْوَلَدُ رَقِيقًا، وَلَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً. قَالَ: وَهَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا مَعَ ظَنِّ صِحَّتِهِ: فَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلَانِهِ: فَبَعِيدٌ جِدًّا. وَتَرَدَّدَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ فِي ثُبُوتِ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ وَاسْتِيلَادِهِ، كَتَرَدُّدِهِ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ. وَاسْتَشْكَلَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِ مَعَ رِقِّ الْوَلَدِ وَعَدَمِ الِاسْتِيلَادِ. وَكَانَ أَوَّلًا أَفْتَى بِالرِّقِّ وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ، مُسْتَنِدًا إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا حُكِمَ بِفَسَادِ النِّكَاحِ لَزِمَ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَاسْتِيلَادُ أُمِّهِ. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ، كَمَا لَوْ نَكَحَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا. وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَأْخَذُ الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ مُعَرَّضًا لِلِانْفِسَاخِ بِحُصُولِ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الْعَقْدِ. فَلَا يَصِحُّ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: جَوَازُ تَزْوِيجِ الِابْنِ بِأَمَةِ وَالِدِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ: فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَقَعُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ. الْأَدِلَّةِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ. وَالْمِلْكُ سَبَقَ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ. فَقَدْ سَبَقَ نُفُوذُ الطَّلَاقِ الْفَسْخَ، فَنَفَذَ.

ص: 149

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَقَعُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَارَنَ الْمَانِعَ، وَهُوَ الْمِلْكُ. فَلَمْ يَنْفُذْ. وَقَدَّمَهُ لِلْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُحَرَّرًا. وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً، وَقَالَ " إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَقِلُ الْمَلِكُ مَعَ الْخِيَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْتَقِلُ: وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَجْهًا وَاحِدًا. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.

فَائِدَةٌ:

لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ ". جَوَازُ تَزَوُّجِ الْأَبِ بِأَمَةِ وَلَدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا. وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ. وَكَذَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا إذَا كَانَتْ رَقِيقَةً.

فَائِدَةٌ:

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى الْحُرُّ زَوْجَتَهُ) وَكَذَا بَعْضَهَا (انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَإِنْ اشْتَرَاهَا ابْنُهُ) وَكَذَا بَعْضُهَا (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْفَسِخُ.

ص: 150

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: كَذَا الْحُكْمُ لَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ بَعْضَهَا مُكَاتَبَةً. خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إلَّا أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا وَجْهَانِ.

الثَّانِيَةُ: حُكْمُ شِرَاءِ الزَّوْجَةِ أَوْ وَلَدِهَا، أَوْ مُكَاتَبِهَا لِلزَّوْجِ: حُكْمُ شِرَاءِ الزَّوْجِ أَوْ وَلَدِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ لِلزَّوْجَةِ. فَلَوْ بَعَثَتْ إلَى زَوْجِهَا تُخْبِرُهُ " أَنِّي قَدْ حَرُمْت عَلَيْك، وَنَكَحْت غَيْرَك. وَعَلَيْك نَفَقَتِي وَنَفَقَةِ زَوْجِي " فَهَذِهِ امْرَأَةٌ مَلَكَتْ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ ابْنَ عَمِّهَا. فَيُعَايَى بِهَا. وَتَقَدَّمَ جَوَازُ تَزْوِيجِ بِنْتِهِ بِعَبْدِهِ. عِنْدَ " تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ ". وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.

قَوْلُهُ (وَمَنْ جَمْع بَيْنَ مُحَرَّمَةٍ وَمُحَلَّلَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. فَهَلْ يَصِحُّ فِيمَنْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ.

إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ فِيمَنْ تَحِلُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَنْصُوصُ: صِحَّةُ نِكَاحِ الْأَجْنَبِيَّةِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ تَزَوَّجَ أُمًّا وَبِنْتًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. فَفِيهِ وَجْهَانِ.

ص: 151

أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ النِّكَاحَانِ مَعًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأُمِّ وَحْدَهَا. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِدَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْقَوَاعِدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فِي التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، إلَّا إمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: جَوَازَ وَطْءِ إمَاءِ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. فَلَا يَصِحُّ ادِّعَاءُ الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَةِ هَؤُلَاءِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ نَصَّ عَلَيْهِ) . فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحِلُّ نِكَاحُهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إذَا قَالَ " أَنَا رَجُلٌ " لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدُ. وَإِنْ قَالَ " أَنَا امْرَأَةٌ " لَمْ تَنْكِحْ إلَّا رَجُلًا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ قَالَ " أَنَا رَجُلٌ " وَقَبِلْنَا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. . فَهَلْ يَثْبُتُ

ص: 152

فِي حَقِّهِ سَائِرُ أَحْكَامِ الرِّجَالِ، تَبَعًا لِلنِّكَاحِ، وَيَزُولُ بِذَلِكَ إشْكَالُهُ. أَمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، دُونَ مَا لَهُ مِنْهَا، لِئَلَّا يَلْزَمَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ بِمِيرَاثِ ذَكَرٍ وَدِيَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ " أَنَا امْرَأَةٌ " انْفَسَخَ نِكَاحُهُ) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ " أَنَا امْرَأَةٌ " بَعْدَ قَوْلِهِ " أَنَا رَجُلٌ " وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ مَهْرَ الْمَرْأَةِ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَفِي نِكَاحِهِ لِمَا يُسْتَقْبَلُ الْوَجْهَانِ الْآتِيَانِ بَعْدُ

فَوَائِدُ:

الْأُولَى: عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَزَوِّجًا، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، بِأَنْ قَالَ " أَنَا رَجُلٌ " ثُمَّ قَالَ " أَنَا امْرَأَةٌ " أَوْ عَكْسُهُ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابِ: أَنَّ لَهُ نِكَاحَ مَا عَادَ إلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَوْ عَادَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ: فَلَهُ نِكَاحُ مَا عَادَ إلَيْهِ، فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يُمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الصِّنْفَيْنِ عِنْدِي.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْكَافِي.

الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: لَا يَجُوزُ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ الزَّائِدِ.

قُلْت: إذَا زَوَّجْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى: لَمْ يُسْتَبْعَدْ جَوَازُ وَطْئِهِ فِيهِ. كَمَا يَجُوزُ مُبَاشَرَتُهُ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ، غَيْرَ دُبُرِهِ.

الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا يَحْرُمُ فِي الْجَنَّةِ زِيَادَةُ الْعَدَدِ، وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ، وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 153