الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الطَّلَاقِ]
ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ) . وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ، أَوْ بَعْضِهِ بِوُقُوعِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَقَاتِ، أَوْ بَعْضِهَا. وَقِيلَ: هُوَ تَحْرِيمٌ بَعْدَ تَحْلِيلٍ كَالنِّكَاحِ: تَحْلِيلٌ بَعْدَ تَحْرِيمٍ. قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ. وَيُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ ضَرَرٌ) . اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ. وَهِيَ: الْإِبَاحَةُ، وَالِاسْتِحْبَابُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْوُجُوبُ، وَالتَّحْرِيمُ.
فَالْمُبَاحُ: يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. لِسُوءِ خُلُقِ الْمَرْأَةِ، أَوْ لِسُوءِ عِشْرَتِهَا، وَكَذَا لِلتَّضَرُّرِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْغَرَضِ. بِهَا. فَيُبَاحُ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَالْمَكْرُوهُ: إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: يُبَاحُ. فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ. وَالْمُسْتَحَبُّ: وَهُوَ عِنْدَ تَفْرِيطِ الْمَرْأَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا مِثْلَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا. وَكَوْنِهَا غَيْرَ عَفِيفَةٍ. وَلَا يُمْكِنُ إجْبَارُهَا عَلَى فِعْلِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. فَهَذِهِ يُسْتَحَبُّ طَلَاقُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَجِبُ. لِكَوْنِهَا غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وَلِتَفْرِيطِهَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ، أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ: هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُفَرِّطَةً فِي حَقِّ زَوْجِهَا وَلَا تَقُومُ بِحُقُوقِهِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ.
فَائِدَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: زِنَى الْمَرْأَةِ لَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ يُسْكِرُ زَوْجَ أُخْتِهِ يُحَوِّلُهَا إلَيْهِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
الثَّانِيَةُ: إذَا تَرَكَ الزَّوْجُ حَقَّ اللَّهِ. فَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالزَّوْجِ. فَتَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالْخُلْعِ وَنَحْوِهِ. وَالْمُحَرَّمُ: وَهُوَ طَلَاقُ الْحَائِضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ. وَالْوَاجِبُ: وَهُوَ طَلَاقُ الْمُولِي بَعْدَ التَّرَبُّصِ. إذَا أَبَى الْفَيْئَةَ، وَطَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ إذْ رَأَيَا ذَلِكَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ هُنَا. وَالرَّابِعُ: ذَكَرَهُ فِي بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ. وَالْخَامِسُ: ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ.
فَائِدَةٌ:
لَا يَجِبُ الطَّلَاقُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجِبُ الطَّلَاقُ إذَا أَمَرَهُ أَبُوهُ بِهِ وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ عَدْلًا.
وَأَمَّا إذَا أَمَرَتْهُ أُمُّهُ: فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَا يُعْجِبُنِي طَلَاقُهُ. وَمَنَعَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْهُ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي بَيْعِ السُّرِّيَّةِ: إنْ خِفْت عَلَى نَفْسِك. فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَكَذَا نَصَّ فِيمَا إذَا مَنَعَاهُ مِنْ التَّزْوِيجِ.
قَوْلُهُ (وَمِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُمَيِّزِ الْعَاقِلِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَالْأَصْحَابُ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ، وَصَالِحٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ، وَالْأَثْرَمُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، وَحَرْبٌ، وَالْمَيْمُونِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ. كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَقَعُ طَلَاقُ الْمُمَيِّزِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ، وَالْبَغْدَادِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَلَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ إلَّا مِنْ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.
وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنْ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ. نَقَلَ صَالِحٌ: إذَا بَلَغَ عَشْرًا يَتَزَوَّجُ، وَيُزَوِّجُ وَيُطَلِّقُ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: فِي طَلَاقِ مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنْ ابْنِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ الشَّارِحُ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ: تَحْدِيدُ مَنْ يَقَعُ طَلَاقُهُ مِنْ الصِّبْيَانِ بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي. وَرَوَى أَبُو الْحَارِثِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: إذَا عَقَلَ الطَّلَاقَ جَازَ طَلَاقُهُ مَا بَيْنَ عَشْرٍ إلَى ثِنْتَيْ عَشَرَةَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ مِمَّنْ لَهُ دُونَ الْعَشْرِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْخُلْعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " هَلْ يَصِحُّ طَلَاقُ الْأَبِ لِزَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ؟ ".
قَوْلُهُ (وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ كَالْمَجْنُونِ، وَالنَّائِمِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمُبَرْسَمِ: لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ) . هَذَا صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ ذَكَرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونَ بَعْدَ أَنْ أَفَاقَا أَنَّهُمَا طَلَّقَا: وَقَعَ الطَّلَاقُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا فِيمَنْ جُنُونُهُ بِذَهَابِ مَعْرِفَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. فَأَمَّا الْمُبَرْسَمُ، وَمَنْ بِهِ نِشَافٌ: فَلَا يَقَعُ.
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْمُبَرْسَمُ، وَالْمَمْسُوسُ إنْ عَقَلَا الطَّلَاقَ: لَزِمَهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ: مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ غَشِيَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ بِلَا رَيْبٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: إنْ غَيَّرَهُ الْغَضَبُ، وَلَمْ يُزِلْ عَقْلَهُ: لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ فَأَوْقَعَهُ وَهُوَ يَكْرَهُهُ لِيَسْتَرِيحَ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ قَصْدٌ
صَحِيحٌ. فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ. وَلِهَذَا لَا يُجَابُ دُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ نَذْرُ الطَّاعَةِ فِيهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ زَالَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ كَالسَّكْرَانِ: فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ، وَالْحَلْوَانِيُّ، فِي كِتَابٍ الْوَجْهَيْنِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَقَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ فِي الْأَشْهَرِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. وَقَدَّمَهُ. وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ: هَذَا الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَقَعُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِي، وَزَادِ الْمُسَافِرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ. وَهُوَ مِنْهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَدِلَّةَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَظْهَرُ.
نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: كُنْت أَقُولُ: يَقَعُ، حَتَّى تَبَيَّنْته. فَغَلَبَ عَلَيَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الَّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ إنَّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً. وَاَلَّذِي يَأْمُرُ بِهِ: أَتَى بِاثْنَتَيْنِ. حَرَّمَهَا عَلَيْهِ، وَأَبَاحَهَا لِغَيْرِهِ. وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّهَا آخِرُ الرِّوَايَاتِ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْأُصُولِ: هَذَا أَشْبَهُ. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي التَّحْقِيقِ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله حَيْثُ تَوَقَّفَ. فَلِلْأَصْحَابِ قَوْلَانِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ. قُلْت: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ تَوَقُّفُهُ لِقُوَّةِ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. فَلَمْ يَقْطَعْ فِيهَا بِشَيْءٍ. وَحَيْثُ قَالَ بِقَوْلٍ فَقَدْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ دَلِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطَعَ بِهِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ تُخَرَّجُ فِي قَتْلِهِ، وَقَذْفِهِ، وَسَرِقَتِهِ، وَزِنَاهُ، وَظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَكَذَا بَيْعُهُ، وَشِرَاؤُهُ، وَرِدَّتُهُ، وَإِقْرَارُهُ، وَنَذْرُهُ، وَغَيْرُهَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. اعْلَمْ أَنَّ فِي أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ: رِوَايَاتٌ صَرِيحَاتٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. إحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِهَا، فَهُوَ كَالصَّاحِي فِيهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: السَّكْرَانُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ عَمْدًا، فَهُوَ كَالصَّاحِي فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ فِيمَا عَلَيْهِ، فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِخِلَافِ مَنْ سَكِرَ بِبَنْجٍ، وَنَحْوِهِ. انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَاخَذٍ بِهَا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي إقْرَارِهِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَكَذَا قَدَّمَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْإِقْرَارِ. عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ كَالصَّاحِي فِي أَفْعَالِهِ، وَكَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَالِهِ. وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ فِي الْحُدُودِ كَالصَّاحِي. وَفِي غَيْرِهَا كَالْمَجْنُونِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: تَلْزَمُهُ الْحُدُودُ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْحُقُوقُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَالرِّوَايَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ مِثْلَ قَتْلِهِ وَعِتْقِهِ، وَغَيْرِهِمَا كَالصَّاحِي. وَفِيمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَبَيْعِهِ وَنِكَاحِهِ، وَمُعَاوَضَاتِهِ كَالْمَجْنُونِ. حَكَاهَا ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْبَرْزَاطِيِّ. فَقَالَ: لَا أَقُولُ فِي طَلَاقِهِ شَيْئًا. قِيلَ لَهُ: فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ: فَغَيْرُ جَائِزٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَنَقَلَ عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ مَا يَحْتَمِلُ عَكْسَ الرِّوَايَةِ الْخَامِسَةِ. فَقَالَ " لَا أَقُولُ فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ وَعِتْقِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ ". وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ فَقَطْ. حَكَاهَا ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي قَتْلِهِ فِي " بَابِ شُرُوطِ الْقِصَاصِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
فَوَائِدُ:
الْأُولَى: حَدُّ السَّكْرَانِ الَّذِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ هُوَ الَّذِي يَخْلِطُ فِي كَلَامِهِ وَقِرَاءَتِهِ، وَيَسْقُطُ تَمْيِيزُهُ بَيْنَ الْأَعْيَانِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ
لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. فَقَالَ: السَّكْرَانُ الَّذِي إذَا وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي ثِيَابِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَعْرِفْهَا، أَوْ وَضَعَ نَعْلَهُ فِي نِعَالِهِمْ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. وَإِذَا هَذَى فِي أَكْثَرِ كَلَامِهِ، وَكَانَ مَعْرُوفًا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَكْفِي تَخْلِيطُ كَلَامِهِ. ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ فِي بَابِ حَدِّ السُّكْرِ. وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَخْتَلُّ فِي كَلَامِهِ الْمَنْظُومِ، وَيُبِيحُ بِسِرِّهِ الْمَكْتُومِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَزَعَمَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: أَنَّ النِّزَاعَ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ إنَّمَا هُوَ فِي النَّشْوَانِ. فَأَمَّا الَّذِي تَمَّ سُكْرُهُ، بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ مَا يَقُولُ: فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ: وَالْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ جَعَلُوا النِّزَاعَ فِي الْجَمِيعِ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا تَصِحُّ عِبَادَةُ السَّكْرَانِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله " وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَتُوبَ " لِلْخَبَرِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله.
الثَّالِثَةُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي السَّكْرَانِ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ: إذَا كَانَ آثِمًا فِي سُكْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. فَإِنَّ قَوْلَهُ " فَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ".
فَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ عَلَى السُّكْرِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَالْمَعْذُورُ بِالسُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: فَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُخْتَارِ، لَمَا فِيهِ مِنْ اللَّذَّةِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُخْتَارِ، لِسُقُوطِ الْمَأْثَمِ عَنْهُ وَالْحَدِّ. قَالَ: وَإِنَّمَا يُخَرَّجُ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ " إنَّ الْإِكْرَاهَ يُؤَثِّرُ فِي شُرْبِهَا " فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا يُؤَثِّرُ الْإِكْرَاهُ فِي شُرْبِهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُخْتَارِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ: فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ) . اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ أَلْحَقُوا بِالسَّكْرَانِ: مَنْ شَرِبَ أَوْ أَكَلَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. كَالْمُزِيلَاتِ لِلْعَقْلِ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْبَنْجِ، وَنَحْوِهِ فَجَعَلُوا فِيهِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي السَّكْرَانِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. وَمَنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي السَّكْرَانِ أَطْلَقَهُ هُنَا، إلَّا صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ. فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْوُقُوعِ مِنْ السَّكْرَانِ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا، وَصَحَّحَ فِي التَّصْحِيحِ الْوُقُوعَ فِيهِمَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّهُ كَالسَّكْرَانِ. قَالَ: لِأَنَّهُ قَصَدَ إزَالَةَ الْعَقْلِ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ تَدَاوَى بِبَنْجٍ فَسَكِرَ: لَمْ يَقَعْ.
وَصَحَّحَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ: نَظَرْت. فَإِنْ تَدَاوَى بِهِ: فَهُوَ مَعْذُورٌ. وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْمَجْنُونِ. وَإِنْ تَنَاوَلَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ: كَانَ حُكْمُهُ كَالسَّكْرَانِ. وَالتَّدَاوِي حَاجَةٌ. انْتَهَى.
قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا تَنَاوَلَهُ لِحَاجَةٍ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَنَاوُلَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، إذَا زَالَ الْعَقْلُ بِهِ: كَالْمَجْنُونِ، لَا يَقَعُ طَلَاقُ مَنْ تَنَاوَلَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ فِيهِ. وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّكْرَانِ. فَأَلْحَقَهُ بِالْمَجْنُونِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَالَ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: لَا يَقَعُ مِنْ زَائِلِ الْعَقْلِ إلَّا بِمُسْكِرٍ مُحَرَّمٍ. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَطَلَاقُ الزَّائِلِ الْعَقْلِ بِلَا سُكْرٍ، لَا يَقَعُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ أَثِمَ بِسُكْرٍ وَنَحْوِهِ، فَرِوَايَتَانِ. ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ.
فَائِدَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِمَّا يُلْحَقُ بِالْبَنْجِ: الْحَشِيشَةُ الْخَبِيثَةُ. وَأَبُو الْعَبَّاسِ يَرَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ. حَتَّى فِي إيجَابِ الْحَدِّ.
[وَهُوَ الصَّحِيحُ، إنْ أَسْكَرَتْ أَوْ كَثِيرُهَا، وَإِلَّا حُرِّمَتْ، وَعُزِّرَ فَقَطْ فِيهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ طَهُرَتْ] .
وَفَرَّقَ أَبُو الْعَبَّاسِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَنْجِ. بِأَنَّهَا تُشْتَهَى وَتُطْلَبُ فَهِيَ كَالْخَمْرِ بِخِلَافِ الْبَنْجِ فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ مَنُوطٌ بِاشْتِهَاءِ النَّفْسِ لَهَا وَطَلَبِهَا. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ ضَرَبَ بِرَأْسِهِ فَجُنَّ: لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَعَلَّلَهُ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ حَقٍّ: لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ ذَا سُلْطَانٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ أَخْذِ الْمَالِ، وَنَحْوِهِ قَادِرٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ: فَهُوَ إكْرَاهٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ مُكْرَهًا حَتَّى يَنَالَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَذَابِ، كَالضَّرْبِ وَالْخَنْقِ وَعَصْرِ السَّاقِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. مِنْهُمْ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي تَهْدِيدِهِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَقَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إذَا هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يَقَعُ إذَا هَدَّدَ بِهِمَا. وَعَنْهُ: إنْ هَدَّدَهُ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ، فَإِكْرَاهٌ. وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: التَّهْدِيدُ بِالْقَتْلِ إكْرَاهٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَتَبِعَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَزَادَ: وَقَطْعِ طَرَفٍ. كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا.
فَوَائِدُ:
الْأُولَى: يُشْتَرَطُ لِلْإِكْرَاهِ شُرُوطٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ قَادِرًا بِسُلْطَانٍ أَوْ تَغَلُّبٍ، كَاللِّصِّ وَنَحْوِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ نُزُولُ الْوَعِيدِ بِهِ، إنْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا طَلَبَهُ، مَعَ عَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ وَهَرَبِهِ وَاخْتِفَائِهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ ضَرَرًا كَثِيرًا، كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ الطَّوِيلَيْنِ، وَأَخْذِ الْمَالِ الْكَثِيرِ. زَادَ فِي الْكَافِي: وَالْإِخْرَاجَ مِنْ الدِّيَارِ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ: الْحَبْسَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَأَمَّا الضَّرْبُ الْيَسِيرُ: فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُبَالِي بِهِ: فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ. وَإِنْ كَانَ فِي ذَوِي الْمُرُوءَاتِ، عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا بِصَاحِبِهِ وَغَضًّا لَهُ، وَشُهْرَةً لَهُ فِي حَقِّهِ: فَهُوَ كَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. انْتَهَيَا. فَأَمَّا السَّبُّ وَالشَّتْمُ وَالْإِخْرَاقُ: فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا. رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ.
وَقِيلَ: إخْرَاقُ مَنْ يُؤْلِمُهُ ذَلِكَ: إكْرَاهٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَاضِحِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: الْإِكْرَاهُ يَخْتَلِفُ. فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا رِوَايَةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، مِمَّنْ يَتَأَلَّمُ بِالشَّتْمِ أَوْ لَا يَتَأَلَّمُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ مُكْرَهٍ، لَا بِشَتْمٍ وَتَوَعُّدٍ لِسُوقَةٍ
الثَّانِيَةُ: ضَرْبُ وَلَدِهِ وَحَبْسُهُ وَنَحْوُهُمَا: إكْرَاهٌ لِوَالِدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْوَالِدِ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ ضَرْبَ وَالِدِهِ وَنَحْوَهُ وَحَبْسَهُ: كَضَرْبِ وَلَدِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَيَتَوَجَّهُ تَعْدِيَتُهُ إلَى كُلِّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَعْدِيَتُهُ مَشَقَّةً عَظِيمَةً، مِنْ وَالِدٍ وَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ سُحِرَ لِيُطَلِّقَ: كَانَ إكْرَاهًا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قُلْت: بَلْ هُوَ مِنْهُ أَعْظَمُ الْإِكْرَاهَاتِ. [ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ وَاضِحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ]
الرَّابِعَةُ: يَنْبَغِي لِلْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ، وَطَلَّقَ: أَنْ يَتَأَوَّلَ. فَإِنْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ: لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَطْلُقُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ نَوَى الْمُكْرَهُ ظُلْمًا غَيْرَ الظَّاهِرِ: نَفَعَهُ
تَأْوِيلُهُ. وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ جَهْلًا أَوْ دَهْشَةً: لَمْ يَضُرَّهُ. وَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا نِزَاعَ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يَتَأَوَّلْ بِلَا عُذْرٍ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَلِابْنِ حَمْدَانَ: احْتِمَالٌ بِالْوُقُوعِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. انْتَهَى.
وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ مُبْهَمَةٍ. فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هَلْ يَقَعُ لَغْوًا، أَوْ يَقَعُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. [يَعْنِي أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ: هَلْ هُوَ لَغْوٌ، لَا حُكْمَ لَهُ، أَوْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَةِ، إنْ نَوَى الطَّلَاقَ: وَقَعَ. وَإِلَّا فَلَا؟ وَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ صَرِيحًا فِيهِمَا] .
الْخَامِسَةُ: لَوْ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ، دُونَ دَفْعِ الْإِكْرَاهِ: وَقَعَ الطَّلَاقُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ أُكْرِهَ فَطَلَّقَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقِيلَ: لَا يَقَعُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.
وَقِيلَ: إنْ نَوَى وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا كَالْكِنَايَةِ. حَكَاهُمَا فِي الِانْتِصَارِ. وَحَكَى شَيْخُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، مَا يَدُلُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَجَعَلَ الْأَشْبَهَ الْوُقُوعَ. أَوْرَدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَذْهَبًا.
السَّادِسَةُ: الْإِكْرَاهُ عَلَى الْعِتْقِ وَالْيَمِينِ وَنَحْوِهِمَا: كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ غَيْرُهَا مِثْلَهَا. قَوْلُهُ (وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا) . قُلْت: وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: حَمَلَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ وَلِمَنْ اعْتَقَدَ فَسَادَ النِّكَاحِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ صِحَّةَ النِّكَاحِ، إمَّا بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ. فَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ بُطْلَانَهُ: فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ. انْتَهَى.
فَائِدَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا بِالْوُقُوعِ فِيهِ. فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فِي الْحَيْضِ. وَلَا يُسَمَّى طَلَاقَ بِدْعَةٍ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: يَقَعُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ.
فَائِدَةٌ:
الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي نِكَاحِ فُضُولِيٍّ قَبْلَ إجَازَتِهِ. وَإِنْ بَعُدَ بِهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِالْوُقُوعِ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مِنْ عِنْدِهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّ طَلَاقَ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ: صَحَّ طَلَاقُهُ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ صَحَّ طَلَاقُ مُمَيِّزٍ: صَحَّ تَوْكِيلُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي: وَلَوْ صَحَّ طَلَاقُهُ: لَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. ذَكَرَهُ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ، إلَّا أَنْ يَحُدَّ لَهُ الزَّوْجُ حَدًّا) : أَوْ يَفْسَخَ، أَوْ يَطَأَ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَطْءَ عَزْلٌ لِلْوَكِيلِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَا يَنْعَزِلُ بِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. وَقَالَ: فِي بُطْلَانِهَا بِقُبْلَةٍ خِلَافٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يُطَلِّقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ إلَيْهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إنْ لَمْ يَحُدَّ لَهُ حَدًّا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ وَمَا شَاءَ، إلَّا أَنْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ وَكَّلَهُ فِي ثَلَاثٍ، فَطَلَّقَ وَاحِدَةً، أَوْ وَكَّلَهُ فِي وَاحِدَةٍ، فَطَلَّقَ ثَلَاثًا: طَلُقَتْ وَاحِدَةً، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ خَيَّرَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: مَلَكَ اثْنَتَيْنِ فَأَقَلَّ، وَلَا يَمْلِكُ بِالْإِطْلَاقِ تَعْلِيقًا. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِهِ أَيْضًا " هَلْ يَقَعُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْكِنَايَةِ إذَا وَكَّلَهُ بِالصَّرِيحِ، أَمْ لَا؟ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِيهِ: فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ، إلَّا بِإِذْنِهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ وَكَّلَهُمَا فِي ثَلَاثٍ، فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ: وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ) . فَلَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ أَكْثَرَ: فَوَاحِدَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِيهِ نَظَرٌ.
فَائِدَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَلِّقِ الطَّلَاقُ وَقْتَ بِدْعَةٍ. فَإِنْ فَعَلَ حَرُمَ وَلَمْ يَقَعْ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ وَيَقَعُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. حَيْثُ قَالَ " وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ ". وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.
الثَّانِيَةُ: تُقْبَلُ دَعْوَى الزَّوْجِ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْوَكَالَةِ قَبْلَ إيقَاعِ الْوَكِيلِ الطَّلَاقَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ فِي تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله نَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْأَزَجِيُّ، فِي عَزْلِ الْمُوَكِّلِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَ: وَكَذَا دَعْوَى عِتْقِهِ وَرَهْنِهِ وَنَحْوِهِ. وَعَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ ذِكْرُ الْوَكَالَةِ فِي الطَّلَاقِ فِي آخِرِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَكِنَايَتِهِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " أَمْرُك بِيَدِك " وَنَحْوِهِ
. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك. فَلَهَا ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ) . إذَا قَالَ لَهَا " طَلِّقِي نَفْسَك " صَحَّ ذَلِكَ. كَتَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فِيهِ بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ نَوَى عَدَدًا، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى. وَإِنْ أَطْلَقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ: لَمْ تَمْلِكْ إلَّا وَاحِدَةً، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي آخِرِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ " لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك. فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي ". وَيَأْتِي هُنَاكَ مَا تَمْلِكُ بِقَوْلِهِ لَهَا " طَلَاقُك بِيَدِك، أَوْ وَكَّلْتُك فِي الطَّلَاقِ " وَصِفَةُ طَلَاقِهَا، وَفُرُوعٌ أُخَرُ مُسْتَوْفَاةٌ مُحَرَّرَةٌ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِ الْوَكَالَةِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ الْوَكَالَةِ، كَالْوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ. وَكَ " أَمْرُك بِيَدِك " وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَرَجَّحَهُ فِي الْكَافِي.
قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ " طَلِّقِي نَفْسَك " تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك. أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك، هَلْ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ أَوْ لَا؟ " وَتَأْتِي أَيْضًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ.