الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ]
ِ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ: وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ إذَا طَلَبَهَا. وَكَانَتْ حُرَّةً يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا. وَلَمْ تَشْتَرِطْ دَارَهَا) . مَتَى كَانَ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، وَطَلَبَهَا الزَّوْجُ، وَكَانَتْ حُرَّةً: لَزِمَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: تَكُونُ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا عِنْدِي لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ وَالتَّضْيِيقِ. وَإِنَّمَا هُوَ لِلْغَالِبِ.
فَوَائِدُ
الْأُولَى: لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً نِضْوَةَ الْخِلْقَةِ، وَطَلَبَهَا: لَزِمَ تَسْلِيمُهَا. فَلَوْ خَشِيَ عَلَيْهَا: اسْتَمْتَعَ مِنْهَا كَالِاسْتِمْتَاعِ مِنْ الْحَائِضِ. وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُهَا مَعَ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُرْجَى زَوَالُهُ، كَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَصِغَرٍ. وَلَوْ قَالَ " لَا أَطَأُ " وَفِي الْحَائِضِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ لُزُومِ التَّسْلِيمِ. بَلْ لَوْ قِيلَ: بِالْكَرَاهَةِ لَاتَّجَهَ. أَوْ يَنْظُرُ إلَى قَرِينَةِ الْحَالِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي فِي بَابِ الْحَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ بِاللُّزُومِ. وَكَذَلِكَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ.
الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فِي ضِيقِ فَرْجِهَا، وَقُرُوحٍ فِيهِ، وَعَبَالَةِ ذَكَرِهِ يَعْنِي: كِبَرَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَتَنْظُرُهُمَا وَقْتَ اجْتِمَاعِهِمَا لِلْحَاجَةِ. وَلَوْ أَنْكَرَ أَنَّ وَطْأَهُ يُؤْذِيهَا: لَزِمَتْهَا الْبَيِّنَةُ.
الثَّالِثَةُ: إذَا امْتَنَعَتْ قَبْلَ الْمَرَضِ، ثُمَّ حَدَثَ بِهَا الْمَرَضُ: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَأَلْت الْإِنْظَارَ: أُنْظِرَتْ مُدَّةً، جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِصْلَاحِ أَمْرِهَا فِيهَا) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ؛ وَغَيْرِهِ: لَا لِعَمَلِ جِهَازٍ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: إنْ اُسْتُمْهِلَتْ هِيَ وَأَهْلُهَا: اُسْتُحِبَّ لَهُ إجَابَتُهُمْ، مَا يُعْلَمُ بِهِ التَّهَيُّؤُ مِنْ شِرَاءِ جِهَازٍ وَتَزَيُّنٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً: لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِاللَّيْلِ) . يَعْنِي مَعَ الْإِطْلَاقِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَلَوْ شَرَطَهُ نَهَارًا: وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَسْلِيمُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا. وَكَذَا لَوْ بَذَلَهُ السَّيِّدُ بِلَا شَرْطٍ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَذَلَهُ السَّيِّدُ، وَكَانَ قَدْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ تَسْلِيمُهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ. وَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَتِهَا، فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لِزَوْجِ الْأَمَةِ السَّفَرُ بِهَا. وَهَلْ يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ، سَوَاءٌ صَحِبَهُ الزَّوْجُ، أَوْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ.
أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي نَقَلَهُ الْمَجْدُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْمَجْدُ: جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَعَلَيْهَا يَنْبَنِي: لَوْ بَوَّأَهَا مَسْكَنًا لِيَأْتِيَهَا الزَّوْجُ فِيهِ. هَلْ يَلْزَمُهُ؟ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إذَا بَذَلَ السَّيِّدُ لَهَا مَسْكَنًا لِيَأْتِيَهَا الزَّوْجُ فِيهِ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) يَعْنِي: عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ. إذَا كَانَ فِي الْقُبُلِ، وَلَوْ مِنْ جِهَةِ عَجِيزَتِهَا، عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ السِّرِّ الْمَصُونِ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ كَرِهُوا الْوَطْءَ بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الدُّبُرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَا. قَوْلُهُ (مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ الْفَرَائِضِ، مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ، أَوْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، وَغَيْرُهُ
فَائِدَةٌ
قَالَ أَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي: إذَا زَادَ الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْجِمَاعِ. صُولِحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ جَعَلَ لِرَجُلٍ أَرْبَعًا بِاللَّيْلِ، وَأَرْبَعًا بِالنَّهَارِ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ صَالَحَ رَجُلًا اسْتَعْدَى عَلَى امْرَأَةٍ عَلَى سِتَّةٍ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، فَقُدِّرَ. كَمَا أَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ لَهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ. فَيَرْجِعَانِ فِي التَّقْدِيرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: فَإِنْ تَنَازَعَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضَهُ الْحَاكِمُ كَالنَّفَقَةِ، وَكَوَطْئِهِ إذَا زَادَ. انْتَهَى.
قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَطَأُ مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ الْفَرَائِضِ، وَمَا لَمْ يَضُرَّهَا بِذَلِكَ. وَيَأْتِي كَلَامُ النَّاظِمِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله عِنْدَ وُجُوبِ الْوَطْءِ.
تَنْبِيهٌ
قَوْلُهُ (وَلَهُ السَّفَرُ بِهَا، إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ بَلَدَهَا) . مُرَادُهُ: غَيْرُ زَوْجِ الْأَمَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا فِي الْحَيْضِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ وَطْئِهَا وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فِي كِتَابِ الْحَيْضِ.
قَوْلُهُ (وَلَا فِي الدُّبُرِ) . وَهَذَا أَيْضًا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ. وَلَوْ تَطَاوَعَا عَلَى ذَلِكَ: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَلَا يُعْذَرُ الْعَالِمُ بِالتَّحْرِيمِ مِنْهُمَا. وَلَوْ أَكْرَهَهَا الزَّوْجُ عَلَيْهِ نُهِيَ عَنْهُ. فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَمْسُهُ ": " هَلْ يَجُوزُ لَهَا اسْتِدْخَالُ ذَكَرِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ نَائِمٌ؟ ".
قَوْلُهُ (وَلَا يَعْزِلُ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا. وَلَا عَنْ الْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا) . وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَمَحَلُّ هَذَا: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ. فَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ: فَلَهُ الْعَزْلُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِ الْأَمَةِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ الْعَزْلُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يُبَاحُ مُطْلَقًا.
تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَلَا عَنْ الْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا " أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهَا هِيَ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إذْنُهَا أَيْضًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله بِقَوْلِهِ " إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا " جَوَازَ عَزْلِ السَّيِّدِ عَنْ سُرِّيَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَزْلُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إذْنُهَا. قُلْت: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. لِأَنَّ لَهَا فِيهِ حَقًّا. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يَسْتَأْذِنُ أُمَّ الْوَلَدِ فِي الْعَزْلِ، أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ) . أَمَّا الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ إذَا كَانَتْ بَالِغَةً، وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ: فَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا تُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَأَمَّا غَسْلُ النَّجَاسَةِ: فَلَهُ أَيْضًا إجْبَارُهَا عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَفِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا عَلَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ (إلَّا الذِّمِّيَّةَ، فَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى غُسْلِ الْحَيْضِ) وَكَذَا النِّفَاسُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهَا. فَعَلَيْهَا: فِي وَطْئِهِ بِدُونِ الْغُسْلِ: وَجْهَانِ.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَيُعَايَى بِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلِلزَّوْجِ إجْبَارُ زَوْجَتِهِ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ إجْبَارُهَا فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ لِلْغُسْلِ مِنْهُ وَالتَّسْمِيَةِ، وَالتَّعَبُّدِ بِهِ لَوْ أَسْلَمَتْ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ ذَلِكَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ " صِفَةِ الْغُسْلِ " وَفِي اعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ: وَجْهَانِ. وَيَصِحُّ مِنْهَا الْغُسْلُ بِلَا نِيَّةٍ. وَخَرَجَ ضِدُّهُ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ صِحَّةَ الْغُسْلِ بِلَا نِيَّةٍ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ. قُلْت: الصَّوَابُ مَا قَدَّمَهُ، وَأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَجِبُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْحَيْضِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَلْيُرَاجَعْ. وَهَلْ الْمُنْفَصِلُ مِنْ غُسْلِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ طَاهِرٌ، لِكَوْنِهِ أَزَالَ مَانِعًا، أَوْ طَهُورٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ:
إحْدَاهُمَا: هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَوْلَى جَعْلُهُ طَاهِرًا غَيْرَ طَهُورٍ.
وَالثَّانِيَةُ: هُوَ طَهُورٌ. قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَقِيلَ: إنْ لَزِمَهَا الْغُسْلُ مِنْهُ بِطَلَبِ الزَّوْجِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: أَوْ السَّيِّدِ فَطَاهِرٌ. وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدُهُمَا، أَوْ طَلَبَهُ وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ فَطَهُورٌ. وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ مِنْ غُسْلِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ طَهُورٌ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: فَطَهُورٌ قَوْلًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: طَاهِرٌ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَوْلَى. ثُمَّ قَالَ، قُلْت: إنْ وَجَبَ غُسْلُهَا مِنْهُ فِي وَجْهٍ: فَطَاهِرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ طَهُورٌ. قَوْلُهُ (وَفِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي: غَيْرَ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الذِّمِّيَّةِ. فَدَخَلَ فِي هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي حَكَاهُ: غُسْلُ الْجَنَابَةِ، وَالنَّجَاسَةُ، وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَخْذُ الشَّعْرِ الَّذِي تَعَافُهُ النَّفْسُ. وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِي الْجَنَابَةِ. وَفِي أَخْذِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ.
أَحَدُهُمَا: لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، فِي الْغُسْلِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ، عَلَى الْأَصَحِّ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالنَّجَاسَةِ، وَعَلَى تَرْكِ كُلِّ مُحَرَّمٍ، وَأَخْذِ مَا تَعَافُهُ النَّفْسُ مِنْ شَعْرٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي غَيْرِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى إزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ إذَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَكَذَلِكَ الْأَظْفَارُ. انْتَهَيَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ طَالَ الشَّعْرُ وَالظُّفْرُ: وَجَبَ إزَالَتُهُمَا، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ، فِي التَّنْظِيفِ، وَالِاسْتِحْدَادِ: وَجْهَانِ.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: فِي مَنْعِهَا مِنْ أَكْلِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَالْبَصَلِ، وَالثُّومِ، وَالْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. وَخَرَّجَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.
أَحَدُهُمَا: تُمْنَعُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
الثَّانِيَةُ: تُمْنَعُ الذِّمِّيَّةُ مِنْ شُرْبِهَا مُسْكِرًا إلَى أَنْ تَسْكَرَ. وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ شُرْبِهَا مِنْهُ مَا لَمْ يُسْكِرْهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: تُمْنَعُ مِنْهُ مُطْلَقًا.
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمِثْلُهُ أَكْلُ لَحْمِ خِنْزِيرٍ. وَ [لَا] تُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ بِيعَةٍ، وَكَنِيسَةٍ. وَلَا تُكْرَهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي صَوْمِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا إفْسَادِ صَلَاتِهَا وَسُنَّتِهَا.
قَوْلُهُ (وَلَهَا عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ) . وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَمِنْ كُلِّ ثَمَانٍ) . يَعْنِي إذَا طَلَبَتَا ذَلِكَ مِنْهُ لَزِمَ مَبِيتُ الزَّوْجِ عِنْدَ الْأَمَةِ لَيْلَةً مِنْ كُلِّ ثَمَانِ لَيَالٍ. اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْعُمْدَةِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مِنْ كُلِّ سَبْعٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَلْزَمُهُ مِنْ الْبَيْتُوتَةِ مَا يَزُولُ مَعَهُ ضَرَرُ الْوَحْشَةِ، وَيَحْصُلُ مِنْهُ الْأُنْسُ الْمَقْصُودُ بِالزَّوْجِيَّةِ، بِلَا تَوْقِيتٍ. فَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُ الْمَبِيتُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا. قَوْلُهُ (وَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَا يَبِيتُ وَحْدَهُ. مَا أُحِبُّ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى اخْتِيَارَ الْأَصْحَابِ، وَالْمُصَنِّفِ وَقِيلَ: حَقُّ الزَّوْجَةِ الْمَبِيتُ الْمَذْكُورُ وَحْدَهُ. وَيَنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ. إنْ شَاءَ.
قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً، إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وُجُوبَ الْوَطْءِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهَا. مَا لَمْ يُنْهِكْ بَدَنَهُ، أَوْ يَشْغَلْهُ عَنْ مَعِيشَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ وَاجِبٍ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَلَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ عَقِيلٍ: قَصْدَ الْإِضْرَارِ بِتَرْكِهِ لِلْوَطْءِ. قَالَ: وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، غَالِبًا مَا يَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ. وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَصْدِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ. وَحُمِلَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ عَلَى الْغَالِبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِيلَاءِ. وَأَمَّا إنْ اعْتَبَرَ قَصْدَ الْإِضْرَارِ: فَالْإِيلَاءُ دَلَّ عَلَى قَصْدِ الْإِضْرَارِ. فَيَكْفِي، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدُهُ. انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: خَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلًا: أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ بِالْغَيْبَةِ الْمُضِرَّةِ بِهَا وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْقُودًا، كَمَا لَوْ كُوتِبَ، فَلَمْ يَحْضُرْ بِلَا عُذْرٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي امْرَأَةِ مَنْ عُلِمَ خَبَرُهُ، كَأَسِيرٍ، وَمَحْبُوسٍ: لَهَا الْفَسْخُ بِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ. وَإِلَّا فَلَا إجْمَاعًا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا إجْمَاعَ.
وَإِنْ تَعَذَّرَ الْوَطْءُ لِعَجْزٍ: فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى، لِلْفَسْخِ بِتَعَذُّرِهِ إجْمَاعًا فِي الْإِيلَاءِ وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ.
وَقَالَ أَيْضًا: حُكْمُهُ كَعِنِّينٍ. قَالَ النَّاظِمُ:
وَقِيلَ يُسَنُّ الْوَطْءُ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً
…
وَإِلَّا فَفِي الْأُسْبُوعِ إنْ يَتَزَيَّدْ
وَلَيْسَ بِمَسْنُونٍ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ
…
سِوَى عِنْدَ دَاعِي شَهْوَةٍ أَوْ تَوَلُّدِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ سَافَرَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ. إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: قَدْ يَغِيبُ الرَّجُلُ عَنْ أَهْلِهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ.
قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ قَدْ يَغِيبُ فِي سَفَرٍ وَاجِبٍ كَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ فَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: فَالْقَاضِي جَعَلَ الزِّيَادَةَ عَلَى السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِسَفَرٍ وَاجِبٍ، كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَنَحْوِهِمَا.
[فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا: وَلَوْ كَانَ سُنَّةً أَوْ مُبَاحًا أَوْ مُحَرَّمًا، كَتَغْرِيبِ زَانٍ، وَتَشْرِيدِ قَاطِعِ طَرِيقٍ فَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَاحْتِمَالَانِ لِلْأَصْحَابِ] وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: يَقْتَضِي أَنَّهُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. وَذَلِكَ يَعُمُّ الْوَاجِبَ الشَّرْعِيَّ، وَطَلَبَ الرِّزْقِ الَّذِي هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. انْتَهَى.
قُلْت: قَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله بِمَا قَالَ. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ تَغَيَّبَ عَنْ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: إذَا كَانَ فِي حَجٍّ، أَوْ غَزْوٍ، أَوْ مَكْسَبٍ يَكْسِبُ عَلَى عِيَالِهِ.
أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، إنْ كَانَ قَدْ تَرَكَهَا فِي كِفَايَةٍ مِنْ النَّفَقَةِ لَهَا، وَمَحْرَمِ رَجُلٍ يَكْفِيهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، فَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) . وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ. نَصَّ عَلَيْهِ. يَعْنِي: حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْمَبِيتِ وَالْوَطْءِ وَالْقُدُومِ، وَأَبَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَحَيْثُ قُلْنَا: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ صَحِيحُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: فَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.
تَنْبِيهٌ
ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ قُدُومَهُ مِنْ السَّفَرِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَأَبَى مِنْ الْقُدُومِ: أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ. سَوَاءٌ قُلْنَا: الْوَطْءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، أَمْ لَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ، إلَّا إذَا قُلْنَا: بِوُجُوبِ الْوَطْءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ: قَدْ يُبَاحُ الْفَسْخُ.
وَطَلَاقُ الْحَاكِمِ لِأَجْلِ الْغَيْبَةِ، إذَا قَصَدَ بِهَا الْإِضْرَارَ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا تَرَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
فَوَائِدُ
الْأُولَى: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنِي) بِلَا نِزَاعٍ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ. قُلْت: قَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا " أَنَّهُ إذَا أَنْزَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ فِيمَا رَزَقْتنِي نَصِيبًا ". فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ عِنْدَ إنْزَالِهِ. وَلَمْ أَرَهُ لِلْأَصْحَابِ. وَهُوَ حَسَنٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: يُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ الْجِمَاعِ أَنْ يَقْرَأَ {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان: 54] . قَالَ: وَهَذَا عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تُجَوِّزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَ آيَةٍ. ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ. وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِبَ الْجِمَاعِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ. قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ: هَلْ التَّسْمِيَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالرَّجُلِ، أَمْ لَا؟ لَمْ أَجِدْهُ. وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ. بَلْ تَقُولُهُ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. انْتَهَى.
قُلْت: هُوَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَنَّ الْقَائِلَ: هُوَ الرَّجُلُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقُولُهُ أَيْضًا.
الثَّانِيَةُ:
يُسْتَحَبُّ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ عِنْدَ الْوَقَاعِ، وَعِنْدَ الْخَلَاءِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَأَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ.
وَقِيلَ: يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهَا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَّخِذَ خِرْقَةً تُنَاوِلُهَا لِلزَّوْجِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ جِمَاعِهَا. قَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُظْهِرَ الْخِرْقَةَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ دَارِهَا. فَإِنَّهُ يُقَالُ: إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَخَذَتْ الْخِرْقَةَ وَفِيهَا الْمَنِيُّ، فَتَمَسَّحَتْ بِهَا: كَانَ مِنْهَا الْوَلَدُ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَمْسَحَ ذَكَرَهُ بِالْخِرْقَةِ الَّتِي تَمْسَحُ بِهَا فَرْجَهَا. وَعَكْسُهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْعَطَّارِ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ وَيُكْرَهُ نَخْرُهَا عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَحَالَ الْجِمَاعِ، وَلَا نَخْرُهُ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْكَرَاهَةِ. فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّخْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَأَرَاهُ سَفَهًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. يُعَابُ عَلَى فَاعِلِهِ. وَقَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: يَكْرَهُونَ النَّخْرَ عِنْدَ الْجِمَاعِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَنْ انْفَلَتَتْ مِنْهُ نَخْرَةٌ فَلِيُكَبِّرْ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ إبْلِيسَ إلَى الْأَرْضِ أَنَّ وَنَخَرَ، فَلُعِنَ مِنْ أَنَّ وَنَخَرَ. إلَّا مَا أُرْخِصَ فِيهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ. وَسُئِلَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه عَنْ النَّخْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ؟ فَقَالَ:" أَمَّا النَّخْرُ: فَلَا. وَلَكِنْ يَأْخُذُنِي عِنْدَ ذَلِكَ حَمْحَمَةٌ كَحَمْحَمَةِ الْفَرَسِ ". وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُرَخِّصُ فِي النَّخْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ. وَسَأَلَتْ امْرَأَةٌ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ. فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي يَأْمُرُنِي أَنْ أَنَخَرَ عِنْدَ الْجِمَاعِ؟ فَقَالَ لَهَا: أَطِيعِي زَوْجَك.
وَعَنْ مَكْحُولٍ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ النَّاخِرَ وَالنَّاخِرَةَ إلَّا عِنْدَ الْوَقَاعِ» ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ فِي أَحْكَامِ الْوَطْءِ.
تَنْبِيهٌ
قَوْلُهُ (وَلَا يَنْزِعُ إذَا فَرَغَ قَبْلَهَا حَتَّى تَفْرُغَ) . يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، فَلَوْ خَالَفَ كُرِهَ لَهُ.
الثَّالِثَةُ: يُكْرَهُ الْجِمَاعُ وَهُمَا مُتَجَرِّدَانِ. بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: لَا سُتْرَةَ عَلَيْهِمَا. لِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
تَنْبِيهٌ
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ عِنْدَ مُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ) . وَتَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي آخِرِ بَابِ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ إلَّا بِرِضَاهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَرَافِقِ، وَلَوْ رَضِيَتَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: وَإِنْ أَسْكَنَهُمَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ: جَازَ. إذَا كَانَ فِي مَسْكَنِ مِثْلِهَا.
فَائِدَةٌ
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: الْمَنْعُ مِنْ جَمْعِ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ. كَمَا لَوْ كَانَا زَوْجَتَيْنِ. لِثُبُوتِ حَقِّهَا، كَالِاجْتِمَاعِ وَنَحْوِهِ. وَالسُّرِّيَّةُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الِاجْتِمَاعِ. قَالَ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُجَامِعُ إحْدَاهُمَا بِحَيْثُ تَرَاهُ الْأُخْرَى) .
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ. وَلَوْ رَضِيَتَا بِهِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَقَطَعَا بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُحَدِّثُهَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ. أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: التَّحْرِيمَ. وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ، وَالْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْضًا.
فَائِدَةٌ:
قَالَ فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: يَحْرُمُ إفْشَاءُ السِّرِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْرُمُ إفْشَاءُ السِّرِّ الْمُضِرِّ.
قَوْلُهُ (وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ مَنْزِلِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ بِلَا إذْنِهِ. فَإِنْ فَعَلَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إذَنْ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا قَامَ بِحَوَائِجِهَا، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ لَهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِيمَنْ حَبَسَتْهُ امْرَأَتُهُ لِحَقِّهَا: إنْ خَافَ خُرُوجَهَا بِلَا إذْنِهِ، أَسْكَنَهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْفَظُهَا غَيْرَ نَفْسِهِ: حُبِسَتْ مَعَهُ. فَإِنْ عَجَزَ، أَوْ خِيفَ حُدُوثُ شَرٍّ: أُسْكِنَتْ فِي رِبَاطٍ وَنَحْوِهِ. وَحَتَّى كَانَ خُرُوجُهَا مَظِنَّةً لِلْفَاحِشَةِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ، يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ رِعَايَتُهُ
قَوْلُهُ (فَإِنْ مَرِضَ بَعْضُ مَحَارِمِهَا، أَوْ مَاتَ: اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا لِأَجْلِ الْعِيَادَةِ.
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا: دَلَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَزُورُ أَبَوَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهَا زِيَارَتُهُمَا. كَكَلَامِهِمَا.
الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " فَإِنْ مَرِضَ بَعْضُ مَحَارِمِهَا، أَوْ مَاتَ " أَنَّهُ لَوْ مَرِضَ أَوْ مَاتَ غَيْرُ مَحَارِمِهَا مِنْ أَقَارِبِهَا: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَيْضًا. قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
فَوَائِدُ
الْأُولَى: لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ مَنْعَ أَبَوَيْهَا مِنْ زِيَارَتِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُمَا مِنْ زِيَارَتِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَهُ مَنْعُهُمَا. قُلْت: الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ: إنْ عُرِفَ بِقَرَائِنِ الْحَالِ: أَنَّهُ يَحْدُثُ بِزِيَارَتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا لَهُ ضَرَرٌ: فَلَهُ الْمَنْعُ. وَإِلَّا فَلَا.
الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهَا طَاعَةُ أَبَوَيْهَا فِي فِرَاقِ زَوْجِهَا، وَلَا زِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا. بَلْ طَاعَةُ زَوْجِهَا أَحَقُّ.
الثَّالِثَةُ: لَيْسَ عَلَيْهَا عَجْنٌ، وَلَا خَبْزٌ، وَلَا طَبْخٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: عَلَيْهَا ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَجِبُ عَلَيْهَا الْمَعْرُوفُ مِنْ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِ الْبَلَدِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْوُجُوبَ، مِنْ نَصِّهِ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ لِحَاجَةِ الْخِدْمَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وُجُوبُ الْخِدْمَةِ عَلَيْهَا.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ) وَلَا وَلِيُّهَا، أَوْ سَيِّدُهَا (إجَارَةَ نَفْسِهَا لِلرَّضَاعِ وَالْخِدْمَةِ، بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا) بِلَا نِزَاعٍ.
لَكِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ: لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ إنْ جَهِلَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ الْأَوَّلِ. مَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَيْهَا. قُلْت: وَيَكُونُ الْأَوَّلُ اسْتَأْجَرَهَا لِلرَّضَاعِ. انْتَهَى.
الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ إجَارَتِهَا نَفْسَهَا مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إنْ أَضَرَّ الْوَطْءُ بِاللَّبَنِ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلِلزَّوْجِ الثَّانِي وَطْؤُهَا مَا لَمْ يَفْسُدْ اللَّبَنُ. فَإِنْ أَفْسَدَ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ. وَالْأَشْهَرُ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ.
قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا، إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَيْهَا وَيَخْشَى عَلَيْهِ) . إنْ كَانَ الْوَلَدُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَيْهَا وَيَخْشَى عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَهَا ذَلِكَ إذَا شَرَطَتْهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُمَا: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا، إذَا انْتَفَى الشَّرْطَانِ وَهِيَ فِي حِبَالِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَلَفْظُ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِيهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَالْوَجِيزِ هُنَا كَخِدْمَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ " بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ " فَقَالَ " وَلَيْسَ لِلْأَبِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ ". وَجَزَمَ بِهِ هُنَاكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ: فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي " بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ " فَيَكُونُ عُمُومُ كَلَامِهِ هُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا هُنَاكَ. وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا هُنَا فِي الشَّرْحِ.
وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي " بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ) . غَيْرُ الزَّوْجِ الطِّفْلِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَعَلَيْهِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ ". أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، إذَا كَفَى الْأُخْرَى. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فِيهِمَا أَيْضًا. وَقَالَ: لَمَّا عَلَّلَ الْقَاضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ " لِأَنَّ حَقَّهُنَّ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْقَسْمِ، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ. فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ إلَى مَنْ شَاءَ " قَالَ: مُوجِبُ هَذِهِ الْعِلَّةِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ لِلْوَاحِدَةِ لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ. وَيَبِيتُ الْبَاقِيَ عِنْدَ الْأُخْرَى. انْتَهَى.
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: لَا بَأْسَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ فِي النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ ". وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ يَكُونُ فِي الْمَبِيتِ لَيْلَةً، وَلَيْلَةً فَقَطْ، إلَّا أَنْ يَرْضَيْنَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: لَهُ أَنْ يُقْسِمَ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إلَّا بِرِضَاهُنَّ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، فَهِيَ كَاللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ. لَكِنْ
الْأَوْلَى لَيْلَةٌ وَلَيْلَةٌ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ.
تَنْبِيهٌ
قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ الْبُدَاءَةُ بِإِحْدَاهُنَّ، وَلَا السَّفَرُ بِهَا، إلَّا بِقُرْعَةٍ) . يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: إذَا رَضِيَ الزَّوْجَاتُ بِسَفَرِ وَاحِدَةٍ مَعَهُ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا قُرْعَةٍ نَعَمْ: إذَا لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِهَا، وَأَرَادَ غَيْرَهَا: أَقْرَعَ.
قَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْوَطْءِ. بَلْ يُسْتَحَبُّ) . وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، فِي الْجِمَاعِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدَعَهُ عَمْدًا، يُبْقِي نَفْسَهُ لِتِلْكَ؟ .
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَيُقْسِمُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ لَيْلَةً، وَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً) بِلَا نِزَاعٍ. وَيُقْسِمُ لِلْمُعْتَقِ بَعْضُهَا بِالْحِسَابِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي نَوْبَتِهَا، أَوْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مَسْبُوقَةٍ: فَلَهَا قَسْمُ حُرَّةٍ. وَلَوْ عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ. فَقِيلَ: يُتِمُّ لِلْحُرَّةِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: يَسْتَوِيَانِ بِقَطْعٍ أَوْ اسْتِدْرَاكٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ عَتَقَتْ فِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا: أَضَافَ إلَى لَيْلَتِهَا لَيْلَةً أُخْرَى.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا: اسْتَأْنَفَ مُدَّةَ الْقَسْمِ مُتَسَاوِيًا، وَلَمْ يَقْضِ لَهَا مَا مَضَى؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ حَصَلَتْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهَا. وَإِنْ عَتَقَتْ، وَقَدْ قَسَمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَةً: لَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا. انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَزَادَ: إنْ عَتَقَتْ بَعْدَ نَوْبَتِهَا: بَدَأَ بِهَا أَوْ بِالْحُرَّةِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي نَوْبَتِهَا أَوْ قَبْلَهَا: أَضَافَ إلَى لَيْلَتِهَا لَيْلَةً أُخْرَى. وَإِنْ عَتَقَتْ بَعْدَ مُدَّتِهَا: اسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ مُتَسَاوِيًا.
تَنْبِيهٌ
هَكَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. أَعْنِي: أَنَّ الْأَمَةَ إذَا عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مَسْبُوقَةٍ: لَهَا قَسْمُ حُرَّةٍ. وَإِذَا عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ: فِيهَا الْخِلَافُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلِأَمَةٍ عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ: كَقَسْمِهَا. وَفِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مَسْبُوقَةٍ: يُتِمُّهَا عَلَى الرِّقِّ. بِعَكْسِ مَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَعَلَ لَهَا إذَا عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ: قَسْمَ حُرَّةٍ. وَإِذَا عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مَسْبُوقَةٍ: أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى الرِّقِّ. وَرَأَيْت بَعْضَ مَنْ تَقَدَّمَ صَوَّبَهُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ: مَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي نَوْبَتِهَا أَوْ فِي نَوْبَةِ الْحُرَّةِ، وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ: فَلَهَا قَسْمُ حُرَّةٍ. وَإِنْ عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ الْحُرَّةِ، وَهِيَ الْمُتَأَخِّرَةُ: فَوَجْهَانِ. فَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: جَعَلَا قَوْلَهُ " وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ "" وَهِيَ الْمُتَأَخِّرَةُ " عَائِدًا إلَى الْأَمَةِ، لَا إلَى الْحُرَّةِ. وَجَعَلَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ: عَائِدًا إلَى الْحُرَّةِ، لَا إلَى الْأَمَةِ. وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ فِي بَادِي الرَّأْيِ.
وَصَوَّبَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ذَلِكَ عَائِدٌ إلَى " الْحُرَّةِ " كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَخَطَّأَ مَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَتَبَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ قَاضِي قُضَاةِ مِصْرَ كُرَّاسَةً فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْمُحَرَّرِ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: قَوْلُ الشَّارِحِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ.
فَائِدَةٌ
يَطُوفُ بِمَجْنُونٍ مَأْمُونٍ وَلِيُّهُ وُجُوبًا. وَيَحْرُمُ تَخْصِيصٌ بِإِفَاقَتِهِ. وَإِنْ أَفَاقَ فِي نَوْبَةٍ وَاحِدَةٍ: فَفِي قَضَاءِ يَوْمِ جُنُونِهِ لِلْأُخْرَى وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْقَضَاءُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ.
قَوْلُهُ (وَيُقْسِمُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ وَالْمَعِيبَةِ) . وَكَذَا مَنْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ، وَالْمُحْرِمَةُ، وَمَنْ سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ، وَالزَّمِنَةُ، وَالْمَجْنُونَةُ الْمَأْمُونَةُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ: فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ كَانَتْ تُوطَأُ قَسَمَ لَهَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً قَسَمَ لَهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ دَخَلَ فِي لَيْلَتِهَا إلَى غَيْرِهَا: لَمْ يَجُزْ إلَّا لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَلْبَثْ عِنْدَهَا: لَمْ يَقْضِ. وَإِنْ لَبِثَ، أَوْ جَامَعَ: لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْأُخْرَى) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَقْضِي وَطْئًا فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِيمَنْ دَخَلَ نَهَارًا لِحَاجَةٍ، أَوْ لَبِثَ: وَجْهَانِ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ جَامَعَ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ " أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ، وَنَحْوَهُ: لَا يَقْضِي. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي:
يَقْضِي كَمَا لَوْ جَامَعَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ لَيْلَةَ صَيْفٍ عَنْ لَيْلَةِ شِتَاءٍ، وَعَكْسُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: لَا يَقْضِي لَيْلَةَ صَيْفٍ عَنْ شِتَاءٍ. انْتَهَى. وَيَقْضِي أَوَّلَ اللَّيْلِ عَنْ آخِرِهِ، وَعَكْسُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ مِثْلُ الزَّمَنِ الَّذِي فَوَّتَهُ فِي وَقْتِهِ.
الثَّانِيَةُ: لَهُ أَنْ يَأْتِيَ نِسَاءَهُ، وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَهُنَّ إلَى مَنْزِلِهِ. فَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدٌ مِنْهُنَّ سَقَطَ حَقُّهَا. وَلَهُ دُعَاءُ الْبَعْضِ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَأْتِي إلَى الْبَعْضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَدْعُو الْكُلَّ، أَوْ يَأْتِي الْكُلَّ. فَعَلَى هَذَا: لَيْسَتْ الْمُمْتَنِعَةُ نَاشِزًا. انْتَهَى.
وَالْحَبْسُ كَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ دَعَاهُنَّ: لَمْ يَلْزَمْ، مَا لَمْ يَكُنْ سَكَنَ مِثْلِهِنَّ.
قَوْلُهُ (وَمَتَى سَافَرَ بِقُرْعَةٍ: لَمْ يَقْضِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا.
جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، فِي غَيْرِ سَفَرِ النَّقْلَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَقْضِي مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَقْضِي فِي سَفَرِ النَّقْلَةِ دُونَ غَيْرِهِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، فِي الْقَضَاءِ فِي سَفَرِ النَّقْلَةِ: الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يَقْضِي فِي السَّفَرِ الْقَرِيبِ دُونَ الْبَعِيدِ. عَلَى مَا يَأْتِي.
فَائِدَةٌ
يَقْضِي مَا تَخَلَّلَهُ السَّفَرُ، أَوْ مَا يَعْقُبُهُ مِنْ الْإِقَامَةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّرْغِيبِ: إنْ أَقَامَ فِي بَلْدَةٍ مُدَّةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَمَا دُونَ: لَمْ يَقْضِ. وَإِنْ زَادَ: قَضَى الْجَمِيعَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ أَيْضًا: إنْ أَزْمَعَ عَلَى الْمُقَامِ قَضَى مَا أَقَامَهُ، وَإِنْ قَلَّ.
تَنْبِيهٌ
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ الْقَصِيرِ حُكْمُ السَّفَرِ الطَّوِيلِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقْضِيَ لِلْبَوَاقِي فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْبُلْغَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ: لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْأُخْرَى) . يَعْنِي مُدَّةَ غَيْبَتِهِ، إذَا لَمْ تَرْضَ الضَّرَّةُ بِسَفَرِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّهُ لَا يَقْضِي زَمَنَ سَيْرِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَقْضِي زَمَنَ سَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ.
تَنْبِيهٌ
مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ، أَوْ مِنْ الْمَبِيتِ عِنْدَهُ، أَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ: سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ) . أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ النَّفَقَةِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِيمَا إذَا كَانَ يَطَؤُهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: سُقُوطُ حَقِّهَا مِنْ النَّفَقَةِ أَيْضًا. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ، فِيمَا إذَا كَانَتْ قَدْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَيَأْتِي هَذَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي الْقَسْمِ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ.
أَحَدُهُمَا:
سُقُوطُ حَقِّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ التَّصْحِيحُ، وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَالْخِرَقِيِّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي:
لَا يَسْقُطَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. ذَكَرَهُ فِي مَكَانَيْنِ مِنْهُ.
وَقِيلَ: يَسْقُطُ الْقَسْمُ وَحْدَهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَفِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَيَأْتِي فِي " كِتَابِ النَّفَقَاتِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " هَلْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ، أَمْ لَا؟ "
قَوْلُهُ (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا بِإِذْنِهِ وَلَهُ، فَيَجْعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْأَمَةِ إذْنُ السَّيِّدِ، لِأَنَّ وَلَدَهَا لَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالْعَزْلِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ " خُصَّ بِهَا مَنْ شِئْت " لَأَشْبَهَ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورِثُ الْغَيْظَ، بِخِلَافِ تَخْصِيصِهَا وَاحِدَةً.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ هِبَةُ ذَلِكَ بِمَالٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْقِيَاسُ فِي الْمَذْهَبِ: جَوَازُ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ سَائِرِ حُقُوقِهَا، مِنْ الْقَسْمِ وَغَيْرِهِ.
وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْلُ لَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ لِتَلِي لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. [وَقِيلَ: إنْ وَهَبَتْهُ لَهُ: جَازَ، وَلَهُنَّ: لَمْ يَجُزْ. وَالْمُرَادُ فِيهِمَا: إلَّا بِإِذْنِهِمَا مَعَهَا، أَوْ بِإِذْنِ مَنْ عَلَيْهَا فِيهِ تَطْوِيلٌ فِي الزَّمَنِ، دُونَ غَيْرِهَا. وَهُوَ أَظْهَرُ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَوْ وَهَبَتْ رَابِعَةٌ لَيْلَتَهَا لِثَانِيَةٍ، فَقِيلَ: يَطَأُ ثَانِيَةً، ثُمَّ أُولَى ثُمَّ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً. وَقِيلَ لَهُ وَطْءُ الْأُولَى أَوَّلًا، ثُمَّ يُوَالِي الثَّانِيَةَ لَيْلَتَهَا وَلَيْلَةَ الرَّابِعَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
تَنْبِيهٌ
ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَمَتَى رَجَعَتْ فِي الْهِبَةِ عَادَ حَقُّهَا) . وَلَوْ كَانَ رُجُوعُهَا فِي بَعْضِ لَيْلَتِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَا يَقْضِيهَا إنْ عَلِمَ بَعْدَ تَتِمَّةِ اللَّيْلَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَقْضِيهَا. وَلَهُ نَظَائِرُ.
فَوَائِدُ
الْأُولَى: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ بَذْلُ قَسْمِهَا وَنَفَقَتِهَا وَغَيْرِهِمَا لِيُمْسِكَهَا. وَلَهَا الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا يَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: لَزِمَ ذَلِكَ وَلَا مُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ كَمَا لَوْ صَالَحَ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَالْأَمْوَالِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ. وَمِنْ عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ " إذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ " انْتَهَى. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. كَذَا قَالَهُ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَسَمَ لِاثْنَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ. ثُمَّ تَرَتَّبَ لَهُ رَابِعَةً إمَّا بِعَوْدٍ فِي هِبَةٍ، أَوْ رُجُوعٍ عَنْ نُشُوزٍ، أَوْ بِنِكَاحٍ [أَوْ رَجْعَةٍ، أَوْ بُلُوغِ زَمَنِ وَطْءٍ، أَوْ زَوَالِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ اسْتِحَاضَةٍ، أَوْ مَانِعٍ مِنْ وَطْءٍ حِسًّا، أَوْ شَرْعًا، أَوْ عُرْفًا، أَوْ عَادَةً] وَفَّاهَا حَقَّ الْعَقْدِ. ثُمَّ جَعَلَ رُبُعَ الزَّمَنِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسْتَقْبَلِ لِلرَّابِعَةِ مِنْهُنَّ، وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِلثَّالِثَةِ حَتَّى يُكْمِلَ حَقَّهَا. ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ التَّسْوِيَةَ.
الثَّالِثَةُ:
لَوْ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ، ثُمَّ نَكَحَ ثَالِثَةً: وَفَّاهَا حَقَّ الْعَقْدِ ثُمَّ لَيْلَةً لِلْمَظْلُومَةِ. ثُمَّ نِصْفَ لَيْلَةٍ لِلثَّالِثَةِ. ثُمَّ يَبْتَدِئُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا قَضَى حَقَّ الْجَدِيدَةِ بَدَأَ بِالثَّانِيَةِ. فَوَفَّاهَا لَيْلَتَهَا ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ نِصْفَ لَيْلَةٍ. ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْقَسْمَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ إذَا وَفَّى الثَّانِيَةَ نِصْفَهَا مِنْ حَقِّهَا وَنِصْفَهَا مِنْ حَقِّ الْأُخْرَى، فَيَثْبُتُ لِلْجَدِيدَةِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ نِصْفُ لَيْلَةٍ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ ضَرَّتَيْهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنَفْسِهِ فِي نِصْفِ لَيْلَةٍ. وَفِيهِ حَرَجٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ قَوْلَ الْقَاضِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله لَا يَبِيتُ نِصْفَهَا. بَلْ لَيْلَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ حَرَجٌ.
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ أَبَانَ الْمَظْلُومَةَ، ثُمَّ نَكَحَهَا وَقَدْ نَكَحَ جَدِيدَاتٍ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا قَسْمَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ يَمِينِهِ. وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِنَّ كَيْفَ شَاءَ. وَتُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ: يُسَاوِي فِي حِرْمَانِهِنَّ.
تَنْبِيهٌ
ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا: فَعَلَ، وَقَضَى لِلْبَوَاقِي) . أَنَّ الْخِيرَةَ لَهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: أَوْ أَحَبَّ هُوَ أَيْضًا. قَوْلُهُ " فَعَلَ وَقَضَى لِلْبَوَاقِي " يَعْنِي: سَبْعًا سَبْعًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَقْضِي لِلْبَوَاقِي مِنْ نِسَائِهِ الْفَاضِلَ عَنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ.
تَنْبِيهٌ
ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَكَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. فَيُقْسِمُ لِلْأَمَةِ الْبِكْرِ سَبْعًا. وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا كَالْحُرَّةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لِلْأَمَةِ نِصْفُ الْحُرَّةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ
فَائِدَةٌ
قَوْلُهُ (وَإِنْ زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ: قُدِّمَ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا) . يَعْنِي: الْأُولَى دُخُولًا مِنْهُمَا. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ فِعْلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ زُفَّتَا مَعًا: قُدِّمَ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، مَعَ الْكَرَاهَةِ لِهَذَا الْفِعْلِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَبْدَأُ بِالسَّابِقَةِ بِالْعَقْدِ، وَإِلَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ زُفَّتَا فَسَابِقَةٌ بِمَجِيءٍ. وَقِيلَ: بِعَقْدٍ، ثُمَّ قُرْعَةٍ. فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ: أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا زُفَّتْ وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، أَوْ زُفَّتَا مَعًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُمَا إذَا زُفَّتَا مَعًا لَا غَيْرُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ، فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَاهُمَا. سَافَرَ بِهَا. وَدَخَلَ حَقُّ الْعَقْدِ فِي قَسْمِ السَّفَرِ. فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْأَحْرَى، فَوَفَّاهَا حَقَّ الْعَقْدِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَقْضِيهِ لِلْأُخْرَى فِي الْأَصَحِّ بَعْدَ قُدُومِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَقْضِي لِلْأُخْرَى شَيْئًا إذَا قَدِمَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَسِبُ عَلَى الْمُسَافِرَةِ مَعَهُ بِمُدَّةِ سَفَرِهَا، فَيُوَفِّيهَا إذَا قَدِمَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ.
تَنْبِيهٌ
ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَتِهَا: أَثِمَ. فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ: قَضَى لَهَا لَيْلَتَهَا) . أَنَّهُ يَقْضِي لَهَا لَيْلَتَهَا وَلَوْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ أَبَانَ الْمَظْلُومَةَ ثُمَّ نَكَحَهَا وَقَدْ نَكَحَ جَدِيدَاتٍ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ كَمَا قَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا.
قَوْلُهُ:
(فَصْلٌ فِي النُّشُوزِ)(وَهُوَ مَعْصِيَتُهَا إيَّاهُ فِيمَا يَجِبُ لَهُ وَعَلَيْهَا. وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَاتُ النُّشُوزِ، بِأَنْ لَا تُجِيبَهُ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ، أَوْ تُجِيبَهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً: وَعَظَهَا) . بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَصَرَّتْ: هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْغُنْيَةِ، وَالْمُحَرَّرِ: بِأَنَّهُ لَا يَهْجُرُهَا فِي الْمَضْجَعِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. قَوْلُهُ (وَفِي الْكَلَامِ: فِيمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يَهْجُرُهَا فِي الْفِرَاشِ فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهِ الْهَجْرَ فِي الْكَلَامِ وَدُخُولَهُ وَخُرُوجَهُ عَلَيْهَا: جَازَ.
تَنْبِيهٌ
مَفْهُومُ قَوْلِهِ (فَإِنْ أَصَرَّتْ: فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ)
أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهَا إلَّا بَعْدَ هَجْرِهَا فِي الْفِرَاشِ، وَتَرْكِهَا مِنْ الْكَلَامِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: لَهُ ضَرْبُهَا أَوْ لَا. يَعْنِي: مِنْ حِينِ نُشُوزِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَى الْأَوَّلِ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] فَإِنْ نَشَزْنَ فَ {وَاهْجُرُوهُنَّ} [النساء: 34] فَإِنْ أَصْرَرْنَ فَ {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وَفِيهِ تَعَسُّفٌ. قَالَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّ الْوَعْظَ وَالْهِجْرَانَ وَالضَّرْبَ عَلَى ظُهُورِ أَمَارَاتِ النُّشُوزِ عَلَى جِهَةِ التَّرْتِيبِ. قَالَ الْمَجْدُ: إذَا بَانَتْ أَمَارَاتُهُ زَجَرَهَا بِالْقَوْلِ، ثُمَّ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ وَالْكَلَامِ دُونَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ يَضْرِبُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ. وَالْوَاوُ وَقَعَتْ لِلتَّرْتِيبِ.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) . قَالَ الْأَصْحَابُ: عَشْرَةٌ فَأَقَلُّ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَضَرْبُهَا حَسَنَةٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَا يَنْبَغِي سُؤَالُهُ لِمَ ضَرَبَهَا؟ . [وَلَا يَتْرُكُهُ عَنْ الصَّبِيِّ لِإِصْلَاحِهِ لَهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَقِيَاسُهُمَا: الْعَبْدُ، وَالدَّابَّةُ، وَالرَّعِيَّةُ، وَالْمُتَعَلِّمُ، فِيمَا يَظْهَرُ] . قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ، الْأَوْلَى: تَرْكُ السُّؤَالِ إبْقَاءً لِلْمَوَدَّةِ [وَالْأَوْلَى] : أَنْ يَتْرُكَهُ عَنْ الصَّبِيِّ لِإِصْلَاحِهِ. انْتَهَى.
فَالضَّمِيرُ فِي " تَرْكِهِ " عَائِدٌ إلَى الضَّرْبِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ فِيهِ " وَالْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَهُ عَنْ الصَّبِيِّ ".
وَقَدْ جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ عَائِدًا إلَى السُّؤَالِ عَنْ سَبَبِ الضَّرْبِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَالْمُوقِعُ لَهُ فِي ذَلِكَ ذِكْرُ الْفُرُوعِ فِيهِ لِكَلَامِ التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، عَقِبَ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله " وَلَا يَنْبَغِي سُؤَالُهُ [لِمَ ضَرَبَهَا؟] . الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ تَعْزِيرَهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. نَقَلَ مُهَنَّا: هَلْ يَضْرِبُهَا عَلَى تَرْكِ زَكَاةٍ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ ضَعْفٌ. لِأَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّهُ يَضْرِبُهَا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ. قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ. قُلْت: قَطَعَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا: بِجَوَازِ تَأْدِيبِهَا عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ فَقَالَا: لَهُ تَأْدِيبُهَا عَلَى تَرْكِ فَرَائِضِ اللَّهِ. وَسَأَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله عَمَّا يَجُوزُ ضَرْبُ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَقَالَ فِي الرَّجُلِ: لَهُ امْرَأَةٌ لَا تُصَلِّي يَضْرِبُهَا ضَرْبًا رَفِيقًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: أَخْشَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ مَعَ امْرَأَةٍ لَا تُصَلِّي، وَلَا تَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَلَا تَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظُلَمْ صَاحِبِهِ لَهُ: أَسْكَنَهُمَا الْحَاكِمُ إلَى جَانِبِ ثِقَةٍ، لِيُشْرِفَ عَلَيْهِمَا، وَيَلْزَمَهُمَا الْإِنْصَافُ) . قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ يَكْشِفُ عَنْهُمَا كَمَا يَكْشِفُ عَنْ عَدَالَةٍ وَإِفْلَاسٍ، مِنْ خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ. انْتَهَى.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِسْكَانَ إلَى جَانِبِ ثِقَةٍ: قَبْلَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ. كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا.
وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقُدَمَاءُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْعَدَاوَةُ وَخِيفَ الشِّقَاقُ: بَعَثَ الْحَكَمَيْنِ، مِنْ غَيْرِ إسْكَانٍ إلَى جَانِبِ ثِقَةٍ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَا إلَى الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ: بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ) وَيَكُونَانِ مُكَلَّفَيْنِ. اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ، وَالْعَدَالَةِ فِي الْحَكَمَيْنِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِاشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: حُرَّيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَجَمَاعَةٍ. فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، قَالَ الْقَاضِي: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا حُرَّيْنِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ: لَمْ تُعْتَبَرْ الْحُرِّيَّةُ. وَإِنْ كَانَا حَكَمَيْنِ: اُعْتُبِرَتْ الْحُرِّيَّةُ. وَقُدِّمَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ الْأَوْلَى فِي الْكَافِي.
تَنْبِيهٌ
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا فَقِيهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ. انْتَهَى.
قُلْت: أَمَّا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَمَتَى كَانَا حَكَمَيْنِ، اُشْتُرِطَ كَوْنَهُمَا فَقِيهَيْنِ. وَإِنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ: جَازَ أَنْ يَكُونَا عَامِّيَّيْنِ. قُلْت: وَفِي الثَّانِي ضَعْفٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: اشْتِرَاطُ كَوْنِهِمَا ذَكَرَيْنِ. بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: بِجَوَازِ كَوْنِهَا أُنْثَى، عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ امْتَنَعَا مِنْ التَّوْكِيلِ) يَعْنِي الزَّوْجَيْنِ (لَمْ يُجْبَرَا) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَكَمَيْنِ وَكِيلَانِ عَنْ الزَّوْجَيْنِ. لَا يُرْسِلَانِ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَتَوْكِيلِهِمَا. فَإِنْ امْتَنَعَا مِنْ التَّوْكِيلِ: لَمْ يُجْبَرَا عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالشَّرِيفَ أَبَا جَعْفَرٍ، وَابْنَ الْبَنَّا: لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا. وَرَضِيَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.
قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا أَشْهَرُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّ الزَّوْجَ إنْ وَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ فِي بَذْلِ الْعِوَضِ بِرِضَاهُمَا، وَإِلَّا جَعَلَ حَاكِمٌ إلَيْهِمَا ذَلِكَ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا حَكَمَانِ يَفْعَلَانِ مَا يَرَيَانِ: مِنْ جَمْعٍ، أَوْ تَفْرِيقٍ بِعِوَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. انْتَهَى.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ.
تَنْبِيهٌ
لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. مِنْهَا: لَوْ غَابَ الزَّوْجَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَنْقَطِعْ نَظَرُ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَيَنْقَطِعُ عَلَى الثَّانِيَةِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقَطِعُ نَظَرُهُمَا أَيْضًا عَلَى الثَّانِيَةِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَمِنْهَا: لَوْ جُنَّا جَمِيعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا: انْقَطَعَ نَظَرَهُمَا عَلَى الْأُولَى. وَلَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ عَلَى الْمَجْنُونِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: بِأَنَّ نَظَرَهُمَا يَنْقَطِعُ أَيْضًا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ بَقَاءُ الشِّقَاقِ، وَحُضُورُ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَهُوَ شَرْطٌ.
فَائِدَةٌ
لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْحَكَمَيْنِ إلَّا فِي الْخُلْعِ خَاصَّةً، مِنْ وَكِيلِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا.