المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فوائد جمة في آداب الأكل والشرب] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٨

[المرداوي]

الفصل: ‌[فوائد جمة في آداب الأكل والشرب]

[فَوَائِدُ جَمَّةٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ]

ِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَوْمُ حِينَ وَضْعِ الطَّعَامِ أَنْ يَفْجَأَهُمْ، وَإِنْ فَجَأَهُمْ بِلَا تَعَمُّدٍ: أَكَلَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: الْكَرَاهَةَ إلَّا مَنْ عَادَتُهُ السَّمَاحَةُ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله الْخُبْزَ الْكِبَارَ. وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: وَضْعَهُ تَحْتَ الْقَصْعَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَأَنَّهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَكَرِهَهُ غَيْرُهُ، وَكَرِهَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْأُولَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي الثَّانِيَةِ. ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ. فَإِنْ عَلِمَ بِقَرِينَةٍ رِضَا مَالِكِهِ، فَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُبَاحُ. وَأَنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ ظَنِّهِ رِضَاهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَهُ أَخْذُ مَا عَلِمَ رِضَى رَبِّهِ بِهِ، وَإِطْعَامُ الْحَاضِرِينَ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَيَأْتِي: هَلْ لَهُ أَنْ يُلَقِّمَ غَيْرَهُ؟ وَمَا يُشَابِهُهُ. وَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: تَحْرِيمُ الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا قَرِينَةٍ، وَأَنَّ الدُّعَاءَ إلَى الْوَلِيمَةِ إذْنٌ فِي الْأَكْلِ. وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ قَبْلَهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَةَ الْكَرَاهَةِ.

ص: 324

قُلْت: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ غَسْلُ يَدَيْهِ بَعْدَ الطَّعَامِ إذَا كَانَ لَهُ غَمْرٌ. انْتَهَى.

وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُهُ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُكْرَهُ الْغَسْلُ بِطَعَامٍ. وَلَا بَأْسَ بِنُخَالَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ بِدَقِيقِ حِمَّصٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلَاءَ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ فِي الْآدَابِ: وَيَتَوَجَّهُ تَحْرِيمُ الْغَسْلِ بِمَطْعُومٍ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَمَّا أَمَرَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْمَرْأَةَ أَنْ تَجْعَلَ مَعَ الْمَاءِ مِلْحًا، ثُمَّ تَغْسِلَ بِهِ الدَّمَ عَنْ حَقِيبَتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْمِلْحُ طَعَامٌ. فَفِي مَعْنَاهُ مَا يُشْبِهُهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي جَوَازَ غَسْلِهَا بِالْمَطْعُومِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. وَجَزَمَ النَّاظِمُ بِجَوَازِ غَسْلِ يَدَيْهِ بِالْمِلْحِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: تَعَشَّيْت مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَرَّةً. فَجَعَلَ يَأْكُلُ، وَرُبَّمَا مَسَحَ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ لُقْمَةٍ بِالْمِنْدِيلِ. وَيَتَمَضْمَضُ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ. وَيَلْعَقُ قَبْلَ الْغَسْلِ أَوْ الْمَسْحِ أَصَابِعَهُ، أَوْ يُلْعِقُهَا. وَيَعْرِضُ رَبُّ الطَّعَامِ الْمَاءَ لِغَسْلِهِمَا. وَيُقَدِّمُهُ بِقُرْبِ طَعَامِهِ. وَلَا يَعْرِضُ الطَّعَامَ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَغَيْرِهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُصَغِّرَ اللُّقْمَةَ. وَيُجِيدَ الْمَضْغَ. وَيُطِيلَ الْبَلْعَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ الْإِطَالَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: اسْتِحْبَابَ تَصْغِيرِ الْكِسَرِ. انْتَهَى.

وَلَا يَأْكُلُ لُقْمَةً حَتَّى يَبْلَعَ مَا قَبْلَهَا.

ص: 325

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَا يَمُدُّ يَدَهُ إلَى أُخْرَى، حَتَّى يَبْتَلِعَ الْأُولَى. كَذَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَيَنْوِي بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ. وَيَبْدَأُ بِهِمَا الْأَكْبَرُ وَالْأَعْلَمُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى. وَقَالَ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ:

وَيُكْرَهُ سَبْقُ الْقَوْمِ لِلْأَكْلِ نَهْمَةً

وَلَكِنْ رَبُّ الْبَيْتِ إنْ شَاءَ يَبْتَدِئُ

وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُ ضَرِيرٌ: أَعْلَمَهُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ. وَتُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِمَا، وَالْأَكْلُ بِالْيَمِينِ. وَيُكْرَهُ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ وَالْأَكْلُ بِشِمَالِهِ، إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الشُّرْبِ إجْمَاعًا. وَقِيلَ: يَجِبَانِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيُسْرَى وَمَسِّ الْفَرَجِ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي كِلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِي الْأَكْلِ أَرْبَعُ فَرَائِضَ: أَكْلُ الْحَلَالِ. وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ. وَالتَّسْمِيَةُ عَلَى الطَّعَامِ. وَالشُّكْرُ لِلَّهِ عز وجل عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِهِ قَالَ إذَا ذَكَرَ: " بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ". وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يَقُولُ " بِسْمِ اللَّهِ ". وَفِي الْخَبَرِ «فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» .

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَوْ زَادَ " الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ " عِنْدَ الْأَكْلِ لَكَانَ حَسَنًا. فَإِنَّهُ أَكْلٌ بِخِلَافِ الذَّبْحِ. فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ. انْتَهَى

ص: 326

وَيُسَمِّي الْمُمَيِّزُ. وَيُسَمِّي عَمَّنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ غَيْرُهُ. قَالَهُ بَعْضُهُمْ. إنْ شُرِعَ الْحَمْدُ عَنْهُ. وَيَنْبَغِي لِلْمُسَمِّي: أَنْ يَجْهَرَ بِهَا. قَالَهُ فِي الْآدَابِ. لِيُنَبِّهَ غَيْرَهُ عَلَيْهَا. وَيَحْمَدَ اللَّهَ إذَا فَرَغَ، وَيَقُولَ: مَا وَرَدَ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْحَمْدُ. وَقِيلَ: وَيَحْمَدُ الشَّارِبُ كُلَّ مَرَّةٍ. وَقَالَ السَّامِرِيُّ: يُسَمِّي الشَّارِبُ عِنْدَ كُلِّ ابْتِدَاءٍ، وَيَحْمَدُ عِنْدَ كُلِّ قَطْعٍ. قَالَ فِي الْآدَابِ. وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي أَكْلِ كُلِّ لُقْمَةٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: أَنَّهُ جَعَلَ عِنْدَ كُلِّ لُقْمَةٍ: يُسَمِّي وَيَحْمَدُ. وَقَالَ: أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ. وَيُسَنُّ مَسْحُ الصَّحْفَةِ، وَأَكْلُ مَا تَنَاثَرَ. وَالْأَكْلُ عِنْدَ حُضُورِ رَبِّ الطَّعَامِ وَإِذْنِهِ. وَيَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ. وَيُكْرَهُ بِإِصْبَعٍ. لِأَنَّهُ مَقْتٌ، وَبِإِصْبَعَيْنِ، لِأَنَّهُ كِبْرٌ، وَبِأَرْبَعٍ وَخَمْسٍ، لِأَنَّهُ شَرَهٌ. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا يَتَنَاوَلُ عَادَةً وَعُرْفًا بِإِصْبَعٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ. فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِيهِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ: إذَا كَانَ الطَّعَامُ لَوْنًا أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا يَلِيهِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْآدَابِ: نَقَلَ الْآمِدِيُّ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ أَكَلَ مِمَّا يَلِيهِ. وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ: فَلَا بَأْسَ أَنْ تَجُولَ يَدُهُ. انْتَهَى.

قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْفَاكِهَةَ كَغَيْرِهَا.

ص: 327

وَكَلَامُ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ مُحْتَمِلُ الْفَرْقَ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ رضي الله عنه. لَكِنْ فِيهِ مَقَالٌ. انْتَهَى.

وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ أَعْلَى الْقَصْعَةِ، وَأَوْسَطِهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَكَذَلِكَ الْكَيْلُ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسَنُّ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ. وَيُكْرَهُ نَفْخُ الطَّعَامِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْآدَابِ، وَغَيْرِهِمَا: وَالشَّرَابِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِتَابِ: مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ إذَا كَانَ حَارًّا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. إنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى الْأَكْلِ حِينَئِذٍ. وَيُكْرَهُ أَكْلُ الطَّعَامِ الْحَارِّ. قُلْت: عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ. وَيُكْرَهُ فِعْلُ مَا يَسْتَقْذِرُهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَكَذَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ بِمَا يُسْتَقْذَرُ، أَوْ بِمَا يُضْحِكُهُمْ، أَوْ يُحْزِنُهُمْ. قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله الْأَكْلَ مُتَّكِئًا. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: وَعَلَى الطَّرِيقِ أَيْضًا. وَيُكْرَهُ أَيْضًا الْأَكْلُ مُضْطَجِعًا وَمُنْبَطِحًا. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.

ص: 328

وَيُسَنُّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْأَكْلِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى، أَوْ يَتَرَبَّعَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّاءِ: أَنَّ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ يَجْلِسَ مُفْتَرِشًا. وَإِنْ تَرَبَّعَ فَلَا بَأْسَ. انْتَهَى.

وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ يَأْكُلَ مُطْمَئِنًّا. كَذَا قَالَ. وَيُكْرَهُ عَيْبُ الطَّعَامِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ. وَيُكْرَهُ قِرَانُهُ فِي التَّمْرِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ رِعَايَتَيْهِ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ مَعَ شَرِيكٍ لَمْ يَأْذَنْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا وَحْدَهُ، وَلَا مَعَ أَهْلِهِ، وَلَا مَنْ أَطْعَمَهُمْ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، فِي كِتَابِهِ أُصُولِ الْفِقْهِ: لَا يُكْرَهُ الْقِرَانُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ. قَالَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَمِثْلُهُ مَا الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِتَنَاوُلِهِ وَلَهُ أَفْرَادٌ. وَكَذَا قَالَ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَهُ قَطْعُ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ. وَالنَّهْيُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَالسُّنَّةُ: أَنْ يَكُونَ الْبَطْنُ أَثْلَاثًا: ثُلُثًا لِلطَّعَامِ، وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ، وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ. وَيَجُوزُ أَكْلُهُ كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤْذِيهِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: وَلَوْ أَكَلَ كَثِيرًا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ. وَذَكَرَ النَّاظِمُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّبَعِ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِسْرَافُ.

ص: 329

وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يُكْرَهُ الْأَكْلُ كَثِيرًا مَعَ خَوْفِ تُخَمَةٍ. وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَكْلَهُ حَتَّى يُتْخَمَ. وَحَرَّمَهُ أَيْضًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَحَرَّمَ أَيْضًا: الْإِسْرَافَ. وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ. وَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ كَرَاهَةُ إدْمَانِ أَكْلِ اللَّحْمِ. وَلَا يُقَلِّلُ مِنْ الْأَكْلِ بِحَيْثُ يَضُرُّهُ ذَلِكَ. وَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ تَرْكُ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ. وَلَا يُكْرَهُ الشُّرْبُ قَائِمًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ قَائِمًا. وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالشُّرْبِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قُلْت: إنْ قُلْنَا: إنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الضَّرَرِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَكْلِ: امْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله الشُّرْبَ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ، وَاخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ، وَهُوَ قَلْبُهَا. وَيُكْرَهُ أَيْضًا الشُّرْبُ مِنْ ثُلْمَةِ الْإِنَاءِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَشْرَبُ مُحَاذِيًا الْعُرْوَةَ، وَيَشْرَبُ مِمَّا يَلِيهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. وَحَمَلَهُ فِي الْآدَابِ عَلَى أَنَّ الْعُرْوَةَ مُتَّصِلَةٌ بِرَأْسِ الْإِنَاءِ. وَإِذَا شَرِبَ نَاوَلَ الْإِنَاءَ الْأَيْمَنَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَكَذَا غَسْلُ يَدِهِ.

ص: 330

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ: وَكَذَا فِي رَشِّ مَاءِ الْوَرْدِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، كَإِطْعَامِ سَائِلٍ، وَسِنَّوْرٍ، وَتَلْقِيمٍ، وَتَقْدِيمٍ: يَحْتَمِلُ كَلَامُهُ وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَجَوَازُهُ أَظْهَرُ. وَقَالَ فِي آدَابِهِ: الْأَوْلَى جَوَازُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يُلْقِمُ جَلِيسَهُ، وَلَا يُفْسِحُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يُكْرَهُ أَنْ يُلْقِمَ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ، لِأَنَّهُ يَأْكُلُ [وَيَتْلَفُ بِأَكْلِهِ] عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يُلْقِمَ أَحَدًا يَأْكُلُ مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِ الطَّعَامِ. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْأَدَبَ وَالْأَوْلَى: الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى طَعَامِهِ بِبَعْضِ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ. وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ: تَقْدِيمُ بَعْضِ الضِّيفَانِ مَا لَدَيْهِ، وَنَقْلُهُ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ. لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِفَاعِلِ ذَلِكَ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّ جَلِيسِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَالْقَرِينَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: كُنْت أَقُولُ: لَا يَجُوزُ لِلْقَوْمِ أَنْ يُقَدِّمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَا لِسِنَّوْرٍ، حَتَّى وَجَدْت فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الدُّبَّاءِ. انْتَهَى.

وَيُسَنُّ أَنْ يَغُضَّ طَرْفَهُ عَنْ جَلِيسِهِ.

قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: مِنْ الْآدَابِ: أَنْ لَا يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى وُجُوهِ الْآكِلِينَ. انْتَهَى.

ص: 331

وَيُسَنُّ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْآدَابِ: وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا بِالْأَدَبِ وَالْمُرُوءَةِ، وَمَعَ الْفُقَرَاءِ بِالْإِيثَارِ، وَمَعَ الْإِخْوَانِ بِالِانْبِسَاطِ، وَمَعَ الْعُلَمَاءِ بِالتَّعَلُّمِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَأْكُلُ بِالسُّرُورِ مَعَ الْإِخْوَانِ، وَبِالْإِيثَارِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، وَبِالْمُرُوءَةِ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا. انْتَهَى.

وَيُسَنُّ أَنْ يُخَلِّلَ أَسْنَانَهُ إنْ عَلِقَ بِهَا شَيْءٌ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " تَرْكُ الْخِلَالِ يُوهِنُ الْأَسْنَانَ ". وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا. قَالَ النَّاظِمُ: وَيُلْقِي مَا أَخْرَجَهُ الْخِلَالُ، وَلَا يَبْتَلِعُهُ، لِلْخَبَرِ. وَيُسَنُّ الشُّرْبُ ثَلَاثًا. وَيَتَنَفَّسُ دُونَ الْإِنَاءِ ثَلَاثًا. فَإِنْ تَنَفَّسَ فِيهِ كُرِهَ. وَلَا يَشْرَبُ فِي أَثْنَاءِ الطَّعَامِ. فَإِنَّهُ مُضِرٌّ، مَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً. وَيُسَنُّ أَنْ يُجْلِسَ غُلَامَهُ مَعَهُ عَلَى الطَّعَامِ. وَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ أَطْعَمَهُ. وَيُسَنُّ لِمَنْ أَكَلَ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَنْ لَا يَرْفَعَ يَدَهُ قَبْلَهُمْ، مَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ. وَيُكْرَهُ مَدْحُ طَعَامِهِ وَتَقْوِيمُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ بِيَدِهِ، وَلَا يَأْكُلَ بِمِلْعَقَةٍ، وَلَا غَيْرِهَا. وَمَنْ أَكَلَ بِمِلْعَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا: أَكَلَ بِالْمُسْتَحَبِّ. انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمِلْحِ وَيَخْتِمَ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: زَادَ الْمِلْحَ. وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ فِيهِ، وَرَدُّهُ فِي الْقَصْعَةِ. وَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ بِالْخُبْزِ، وَلَا يَسْتَبْذِلُهُ. وَلَا يَخْلِطُ طَعَامًا بِطَعَامٍ. قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ.

ص: 332

وَيُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ، أَنْ يُبَاسِطَ الْإِخْوَانَ بِالْحَدِيثِ الطَّيِّبِ، وَالْحِكَايَاتِ الَّتِي تَلِيقُ بِالْحَالَةِ إذَا كَانُوا مُنْقَبِضِينَ. وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: يُبَاسِطُ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ لَا يَسْكُتُوا عَلَى الطَّعَامِ، بَلْ يَتَكَلَّمُونَ بِالْمَعْرُوفِ. وَيَتَكَلَّمُونَ بِحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ فِي الْأَطْعِمَةِ. انْتَهَى.

وَلَا يَتَصَنَّعُ بِالِانْقِبَاضِ. وَإِذَا أَخْرَجَ مِنْ فِيهِ شَيْئًا لِيَرْمِيَ بِهِ: صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الطَّعَامِ، وَأَخَذَهُ بِيَسَارِهِ. قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الطَّعَامِ إلَيْهِمْ. وَيُقَدِّمُ مَا حَضَرَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. وَلَا يَسْتَأْذِنُهُمْ فِي التَّقْدِيمِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْآدَابِ: كَذَا قَالَ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا: وَلَا يُكْثِرُ النَّظَرَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الطَّعَامُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الشَّرَهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إذَا دُعِيَ إلَى أَكْلٍ: دَخَلَ إلَى بَيْتِهِ، فَأَكَلَ مَا يَكْسِرُ نَهْمَتَهُ قَبْلَ ذَهَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ النَّوَى وَالتَّمْرِ، فِي طَبَقٍ وَاحِدٍ. وَلَا يَجْمَعَهُ فِي كَفِّهِ، بَلْ يَضَعَهُ مِنْ فِيهِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ. وَكَذَا كُلُّ مَا فِيهِ عَجَمٌ، وَثِقَلٌ. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْآمِدِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ: رَأَيْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله يَأْكُلُ التَّمْرَ، وَيَأْخُذُ النَّوَى عَلَى ظَهْرِ إصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وَرَأَيْته يَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَلِرَبِّ الطَّعَامِ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الضِّيفَانِ بِشَيْءٍ طَيِّبٍ، إذَا لَمْ يَتَأَذَّ غَيْرُهُ. وَيُسْتَحَبُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُفَضِّلَ شَيْئًا، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِفَضْلَتِهِ، أَوْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ.

ص: 333

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّ الْخُبْزَ لَا يُقَبَّلُ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُنَاهَدَةِ. نَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَاهَدَ فِي الطَّعَامِ وَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ. لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَفْعَلُونَ هَذَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَةً: لَا يَتَصَدَّقُ بِلَا إذْنٍ وَنَحْوِهِ. انْتَهَى.

وَمَعْنَى " النَّهْدِ " أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّفْقَةِ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ، وَيَدْفَعُونَهُ إلَى رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، وَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا. وَإِنْ أَكَلَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ: فَلَا بَأْسَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ دَعَاهُ اثْنَانِ: أَجَابَ أَسْبَقَهُمَا) . وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ هَلْ السَّبْقُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ الصَّوَابُ أَوْ بِقُرْبِ الْبَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحُكِيَ، هَلْ السَّبْقُ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْبَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى.

قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ السَّبْقَ بِالْقَوْلِ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ. خُصُوصًا: الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ: فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِتَقْدِيمِ الْأَدْيَنِ. ثُمَّ الْأَقْرَبِ جِوَارًا. وَقَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: فَإِنْ اسْتَوَيَا: أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا بَابًا. زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُقَدِّمُ إجَابَةَ الْفَقِيرِ مِنْهُمَا. وَزَادَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا رَحِمًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا: أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا: أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

ص: 334

وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ دَعَاهُ اثْنَانِ: قَدَّمَ أَسْبَقَهُمَا. ثُمَّ إنْ أَتَيَا مَعًا: قَدَّمَ أَدْيَنَهُمَا. ثُمَّ أَقْرَبَهُمَا رَحِمًا. ثُمَّ جِوَارًا. ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيُقَدِّمُ أَسْبَقَ. ثُمَّ أَدْيَنَ. ثُمَّ أَقْرَبَ جِوَارًا. ثُمَّ رَحِمًا. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. ثُمَّ قَارَعَ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُقَدِّمُ السَّابِقَ. فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَنْظُرُ أَقْرَبَهُمَا دَارًا، فَيُقَدِّمُ فِي الْإِجَابَةِ. وَقِيلَ: الْأَدْيَنُ بَعْدَ الْأَقْرَبِ جِوَارًا. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: فَإِنْ جَاءَا مَعًا: أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا. فَإِنْ اسْتَوَيَا: قَدَّمَ أَدْيَنَهُمَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا كَالزَّمْرِ، وَالْخَمْرِ وَأَمْكَنَهُ الْإِنْكَارُ: حَضَرَ، وَأَنْكَرَ، وَإِلَّا لَمْ يَحْضُرْ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ حَضَرَ وَشَاهَدَ الْمُنْكَرَ: أَزَالَهُ وَجَلَسَ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ: انْصَرَفَ) بِلَا خِلَافٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ بِهِ، وَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ: فَلَهُ الْجُلُوسُ) . ظَاهِرُهُ: الْخِيرَةُ بَيْنَ الْجُلُوسِ وَعَدَمِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَا بَأْسَ بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ النَّاظِمُ: إنْ شَاءَ يَجْلِسُ. وَلَكِنْ عَنْهُمْ: الْبُعْدُ أَجْوَدُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَا يَنْصَرِفُ.

ص: 335

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاهَدَ سُتُورًا مُعَلَّقَةً فِيهَا صُوَرُ الْحَيَوَانِ: لَمْ يَجْلِسْ إلَّا أَنْ تُزَالَ) . هَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي تَحْرِيمِ لُبْثِهِ فِي مَنْزِلٍ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ: وَجْهَانِ. وَالْمَذْهَبُ: لَا يَحْرُمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَقَدَّمَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ " هَلْ يَحْرُمُ ذَلِكَ، أَمْ لَا؟ ".

فَائِدَةٌ

إذَا عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ يَحْرُمُ الدُّخُولُ، أَمْ لَا؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الدُّخُولُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ مَبْسُوطَةً، أَوْ عَلَى وِسَادَةٍ: فَلَا بَأْسَ بِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: الصُّوَرُ وَالتَّمَاثِيلُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، إلَّا فِي الْأَسِرَّةِ وَالْجُدُرِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ.

فَائِدَةٌ

يَحْرُمُ تَعْلِيقُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ، وَسِتْرُ الْجُدُرِ بِهِ، وَتَصْوِيرُهُ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله رِوَايَةً. كَافْتِرَاشِهِ، وَجَعْلِهِ مِخَدًّا. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ.

ص: 336

قَوْلُهُ (وَإِنْ سُتِرَتْ الْحِيطَانُ بِسُتُورٍ لَا صُوَرَ فِيهَا، أَوْ فِيهَا صُوَرُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ: فَهَلْ تُبَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . مُرَادُهُ: إذَا كَانَتْ غَيْرَ حَرِيرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ.

إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِذَا حَضَرَ، فَرَأَى سُتُورًا مُعَلَّقَةً لَا صُوَرَ عَلَيْهَا، فَهَلْ يَجْلِسُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. أَصْلُهُمَا: هَلْ هُوَ حَرَامٌ، أَوْ مَكْرُوهٌ؟ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ. فَأَمَّا إنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ وَاضِحٌ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَهَلْ يُبَاحُ؟ " أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْإِبَاحَةِ وَعَدَمِهَا. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ. فَمُرَادُهُ بِالْإِبَاحَةِ: الْجَوَازُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ التَّحْرِيمِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ: يَكُونُ وُجُودُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ: يَكُونُ أَيْضًا عُذْرًا فِي تَرْكِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 337

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ عُذْرًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ الْمُتَقَدِّمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْوَاجِبُ لَا يُتْرَكُ لِذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُ: كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ وَشِبْهِهِ. فَلَا يَدْخُلُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا بَأْسَ أَنْ لَا يَدْخُلَ. قَالَ: لَا كَرَيْحَانٍ مُنَضَّدٍ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْعَجَمِ لِلتَّحْرِيمِ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: لَا يَشْهَدُ عُرْسًا فِيهِ طَبْلٌ، أَوْ مُخَنَّثٌ، أَوْ غِنَاءٌ، أَوْ تَسَتُّرُ الْحِيطَانِ. وَيَخْرُجُ لِصُورَةٍ عَلَى الْجِدَارِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَالْفَضْلُ: لَا لِصُورَةٍ عَلَى سِتْرٍ، لَمْ يَسْتُرْ بِهِ الْجُدُرَ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُبَاحُ الْأَكْلُ بِغَيْرِ إذْنٍ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا) بِلَا نِزَاعٍ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ، أَوْ قَرِينَةٍ، وَلَوْ مِنْ بَيْتِ قَرِيبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ، وَلَمْ يُحْرِزْهُ عَنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ النَّضْرِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرِهِ: يَجُوزُ أَكْلُهُ مِنْ بَيْتِ قَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ، إذَا لَمْ يُحْرِزْهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي آدَابِهِ. وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْمُتَوَجَّهُ. وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: عَلَى الشَّكِّ فِي رِضَاهُ، أَوْ عَلَى الْوَرَعِ. انْتَهَى.

وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي آخِرِ الْغَصْبِ، فِيمَنْ يَكْتُبُ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ يَجُوزُ فِي حَقِّ مَنْ يَنْبَسِطُ إلَيْهِ، وَيَأْذَنُ لَهُ عُرْفًا.

ص: 338

قَوْلُهُ (وَالدُّعَاءُ إلَى الْوَلِيمَةِ: إذْنٌ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَكَذَا تَقْدِيمُ الطَّعَامِ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: لَا يَحْتَاجُ بَعْدَ تَقْدِيمِ الطَّعَامِ إذْنًا إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِالْأَكْلِ بِذَلِكَ. فَيَكُونُ الْعُرْفُ إذْنًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّ الْمَسْنُونَ الْأَكْلُ عِنْدَ حُضُورِ رَبِّ الطَّعَامِ وَإِذْنِهِ. وَتَقَدَّمَ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ إذْنًا فِي الدُّخُولِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هُوَ إذْنٌ فِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ. وَنَسَبَهُ إلَى الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ كَانَ إذْنًا. وَإِلَّا فَلَا.

الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ: مَذْهَبُنَا لَا يَمْلِكُ الطَّعَامَ الَّذِي قُدِّمَ إلَيْهِ، بَلْ يَهْلَكُ بِالْأَكْلِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ: أَكْلُ الضَّيْفِ إبَاحَةٌ مَحْضَةٌ. لَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِهِ بِحَالٍ. عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا. انْتَهَى.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ: هَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنْ قُوتِهِ؟ الضَّيْفُ لَا يَمْلِكُ الصَّدَقَةَ بِمَا أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ؟ . وَقَالَ: إنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ، فَأَضَافَهُ: لَمْ يَحْنَثْ. لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ شَيْئًا. وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ الْأَكْلَ. وَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. انْتَهَى.

قُلْت: فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِدُونِهِ.

ص: 339

قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: يَأْكُلُ الضَّيْفُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الطَّعَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَمْلِيكٍ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْآدَابِ: مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ فِي الْمُغْنِي: التَّحْرِيمُ. قُلْت: وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَغَيْرِهِ: لَوْ قَدَّمَ لِضِيفَانِهِ طَعَامًا: لَمْ يَجُزْ لَهُمْ قِسْمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ. نَقَلَهُ عَنْهُمْ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ الْأَطْعِمَةِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله رِوَايَةٌ بِإِجْزَاءِ الطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَتَنْزِلُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. وَهُمَا: أَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ مَا قُدِّمَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكًا خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَكْلِ. وَإِمَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَمْلِيكٌ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْآدَابِ: وَوُجِّهَتْ رِوَايَةُ الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَةِ صَدَقَةِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ وَالْإِذْنِ عُرْفًا، فَجَازَ. كَصَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا. قَالَ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ جَارٍ فِي مَسْأَلَتَيْ الضَّيْفِ. انْتَهَى.

وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ، أَوْ بِحُصُولِهِ فِي الْفَمِ، أَوْ بِالْبَلْعِ، أَوْ لَا يَمْلِكُهُ بِحَالٍ، كَمَذْهَبِنَا.

قَوْلُهُ (وَالنِّثَارُ، وَالْتِقَاطُهُ: مَكْرُوهَانِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 340

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إبَاحَتُهُمَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. كَالْمُضَحِّي يَقُولُ " مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الْعُرْسِ دُونَ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يُعْجِبُنِي. هَذَا نُهْبَةٌ، لَا يَأْكُلُهُ وَلَا يُؤَكِّلُهُ لِغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ. كَقَوْلِ الْإِمَامِ وَالْأَمِيرِ فِي الْغَزْوِ وَفِي الْغَنِيمَةِ " مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ " وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَصَلَ فِي حِجْرِهِ شَيْءٌ، مِنْهُ: فَهُوَ لَهُ) . وَكَذَا مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ فَهُوَ لَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَصْدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

فَائِدَةٌ

يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ لِيَأْكُلُوا جَمِيعًا. وَهُوَ النَّهْدُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَالضَّرْبُ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ) . إعْلَانُ النِّكَاحِ مُسْتَحَبٌّ. بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا يُسْتَحَبُّ الضَّرْبُ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله أَيْضًا: الصَّوْتَ فِي الْعُرْسِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّوْتِ وَالدُّفِّ فِيهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَة فِي بَابِ بَقِيَّةِ مَنْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ وَيُبَاحُ الدُّفُّ فِي الْعُرْسِ. انْتَهَى

ص: 341

تَنْبِيهٌ

ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَالضَّرْبُ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ " أَنَّهُ سَوَاءً كَانَ الضَّارِبُ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ، وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ: التَّسْوِيَةُ. قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ مَا تَرَى النَّاسَ الْيَوْمَ، تُحَرِّكُ الدُّفَّ فِي أَمْلَاكٍ، أَوْ بِنَاءٍ، بِلَا غِنَاءٍ؟ فَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ. وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ يَكُونُ فِيهِ جَرَسٌ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: ضَرْبُ الدُّفِّ مَخْصُوصٌ بِالنِّسَاءِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ مُطْلَقًا.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: ضَرْبُ الدُّفِّ فِي نَحْوِ الْعُرْسِ كَالْخِتَانِ، وَقُدُومِ الْغَائِبِ وَنَحْوِهِمَا كَالْعُرْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: أَصْحَابُنَا كَرِهُوا الدُّفَّ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ. وَكَرِهَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: فِي غَيْرِ عُرْسٍ وَخِتَانٍ. وَيُكْرَهُ لِرَجُلٍ، لِلتَّشَبُّهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ فِي الْخِتَانِ. وَقِيلَ: وَكُلِّ سُرُورٍ حَادِثٍ.

الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ كُلُّ مَلْهَاةٍ، سِوَى الدُّفِّ كَمِزْمَارٍ، وَطُنْبُورٍ، وَرَبَابٍ، وَجُنْكٍ، وَنَايٍ، وَمِعْزَفَةٍ، وَسِرْنَايٌ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. وَكَذَا الْجِفَانَةُ، وَالْعُودُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ: سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَتْ لِحُزْنٍ، أَوْ سُرُورٍ. وَسَأَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ النَّفْخِ فِي الْقَصَبَةِ كَالْمِزْمَارِ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُهُ.

ص: 342

وَفِي تَحْرِيمِ الضَّرْبِ بِالْقَضِيبِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ الْكَرَاهَةَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا يُكْرَهُ إلَّا مَعَ تَصْفِيقٍ، أَوْ غِنَاءٍ أَوْ رَقْصٍ، وَنَحْوِهِ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِالتَّحْرِيمِ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: الطَّبْلَ لِغَيْرِ حَرْبٍ، وَنَحْوِهِ. وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْحَرْبِ. وَقَالَ: لِتَنْهِيضِ طِبَاعِ الْأَوْلِيَاءِ، وَكَشْفِ صُدُورِ الْأَعْدَاءِ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله التَّغْبِيرَ، وَنَهَى عَنْ اسْتِمَاعِهِ. وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ. وَمُحْدَثٌ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا يُعْجِبُنِي. وَنَقَلَ يُوسُفُ: لَا يَسْتَمِعُهُ؟ قِيلَ: هُوَ بِدْعَةٌ قَالَ: حَسْبُك. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَقَدْ مَنَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ " الْبِدْعَةِ " عَلَيْهِ، وَمِنْ تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ كَشِعْرٍ مُلَحَّنٍ كَالْحُدَاءِ لِلْإِبِلِ، وَنَحْوِهِ.

ص: 343