الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ]
قَوْلُهُ (السُّنَّةُ: أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ: كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمَ جَمْعِ الثَّلَاثِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: طَلَاقُ السُّنَّةِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَيْضَتِهَا، أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ: فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ. وَيَقَعُ) .
الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ طَلَاقَهَا فِي حَيْضِهَا أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ: مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ. وَقَالَ أَيْضًا: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ طَلَاقَ الْمُجَامَعَةِ مَكْرُوهٌ، وَطَلَاقَ الْحَائِضِ مُحَرَّمٌ.
تَنْبِيهٌ:
مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ " إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ حَمْلُهَا. فَإِنْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا: فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ: احْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيَحْصُلُ النَّدَمُ. فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مُسْتَبِينًا: فَقَدْ طَلَّقَ وَهُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ. فَلَا يَخَافُ أَمْرًا يَتَجَدَّدُ مَعَهُ النَّدَمُ.
فَوَائِدُ:
الْأُولَى: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: كَذَا الْحُكْمُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ. يَعْنِي: أَنَّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ وَمُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ. وَتَبِعَهُ شَارِحُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَسَبَقَهُمْ إلَيْهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، إلَّا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْقُرُوءَ: الْأَطْهَارُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَيْضًا.
الثَّانِيَةُ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ الطَّلَاقِ مِنْ الْحَيْضِ: هِيَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ.
وَخَالَفَهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ. فَقَالَ: لِكَوْنِهِ فِي زَمَنِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ النَّهْيُ عَنْهُ. فَلَا يُبَاحُ إلَّا وَقْتَ الْحَاجَةِ. وَهُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي تَتَعَقَّبُهُ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ.
الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ: هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ، فَلَا يُبَاحُ وَإِنْ سَأَلَتْهُ إيَّاهُ، أَوْ لِحَقِّهَا. فَيُبَاحُ بِسُؤَالِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ. لَكِنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ خُلْعَ الْحَائِضِ زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَطَلَاقَهَا بِسُؤَالِهَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلَا بِدْعَةٌ. ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلَا سُنَّةَ لِخُلْعٍ وَلَا بِدْعَةَ. بَلْ لِطَلَاقٍ بِعِوَضٍ.
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ الْحَيْضِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَمْنَعُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ ".
الرَّابِعَةُ: الْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ جَمْعِ الثَّلَاثِ: سَدُّ الْبَابِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَدَمُ الْمَخْرَجِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَلْ الْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْ جَمْعِ الثَّلَاثِ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهَا. أَوْ تَضْيِيعُ الطَّلَاقِ لَا فَائِدَةَ لَهُ؟ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ تَحْرِيمُ جَمْعِ الطَّلْقَتَيْنِ.
الْخَامِسَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: تَحَمُّلُ الْمَرْأَةِ بِمَاءِ الرَّجُلِ فِي مَعْنَى الْوَطْءِ، قَالَ: وَكَذَا وَطْؤُهَا فِي غَيْرِ الْقُبُلِ، لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ (وَتُسْتَحَبُّ رَجْعَتُهَا)
هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ؛ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. ذَكَرَهَا فِي الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، فِيمَا إذَا وَطِئَ فِي طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِيهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْحَيْضِ. اخْتَارَهَا فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ.
فَائِدَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِقِيَامِهَا، فَقَامَتْ حَائِضًا، فَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هُوَ طَلَاقٌ مُبَاحٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِقُدُومِ زَيْدٍ، فَقَدِمَ فِي حَيْضِهَا: فَبِدْعَةٌ، وَلَا إثْمَ.
قُلْت: مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، بَلْ أَوْلَى بِالْإِبَاحَةِ، وَهُوَ أَوْلَى. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ مَا كَانَ عَلَّقَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: أَنَّهُ يَحْرُمُ وَيَقَعُ. الثَّانِيَةُ: طَلَاقُهَا فِي الطُّهْرِ الْمُتَعَقِّبِ لِلرَّجْعَةِ بِدْعَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمَا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَعَنْهُ يَجُوزُ. زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: وَيَلْزَمُهُ وَطْؤُهَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ: كُرِهَ. وَفِي تَحْرِيمِهِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي. إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَأَبِي دَاوُد، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بْنِ صَدَقَةَ، وَأَبِي الْحَارِثِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ. وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَحْرُمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ. اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهَا فِي الرَّوْضَةِ. وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ الطُّوفِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ. قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ. وَعَنْهُ: الْجَمْعُ فِي الطُّهْرِ بِدْعَةٌ، وَالتَّفْرِيقُ فِي الْأَطْهَارِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةٍ سُنَّةٌ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكُونُ الطَّلَاقُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مَكْرُوهًا. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: هُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً قَبْلَ الرَّجْعَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، كَأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ طَلَّقَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ: لَمْ يَكُنْ بِدْعَةً بِحَالٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةَ تَحْرِيمِهِ حَتَّى تَفْرُغَ الْعِدَّةُ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ: فَمَا إذَا رَجَعَ. قَالَ: لِأَنَّهُ طُولُ الْعِدَّةِ، وَأَنَّهُ مَعْنَى نَهْيِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] .
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ طَلَاقَهَا اثْنَتَيْنِ لَيْسَ كَطَلَاقِهَا ثَلَاثًا. وَهُوَ صَحِيحٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَقَالَ: وَقَدْ يَحْسُنُ بِنَاءُ رِوَايَتَيْ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ عَلَى أَصْلٍ قَالَهُ أَبُو يَعْلَى فِي تَعْلِيقِهِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْمُنَى، وَهُوَ: أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِيهِ سُنَّةً. انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ جَمْعِ الثَّلَاثِ: هَلْ هِيَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهَا، أَوْ تَضْيِيعُ الطَّلَاقِ لَا فَائِدَةَ لَهُ؟ فَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ جَمْعُ الطَّلْقَتَيْنِ.
فَائِدَةٌ:
إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً بَعْدَ أَنْ رَاجَعَهَا: طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً قَبْلَ رَجْعَةٍ وَاحِدَةٍ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ مِرَارًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، بَلْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَصْحَابُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ. وَأَوْقَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ ثَلَاثٍ مَجْمُوعَةٍ، أَوْ مُتَفَرِّقَةٍ، قَبْلَ رَجْعَةٍ: طَلْقَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَحَكَى عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً. بَلْ وَاحِدَةً فِي الْمَجْمُوعَةِ أَوْ الْمُتَفَرِّقَةِ عَنْ جَدِّهِ الْمَجْدِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ أَحْيَانًا سِرًّا. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الطَّبَقَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إذَنْ. فَلَا يَصِحُّ كَالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. [وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا، لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ بِخُلْعٍ بِعِوَضٍ يُعَارِضُ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَنِيَّتَهُ، فَضْلًا عَنْ حُصُولِهِ بِنَفْسِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ طَلَقَاتٍ] وَقَالَ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ: إنَّمَا جَعَلَهُ
لِإِكْثَارِهِمْ مِنْهُ، فَعَاقَبَهُمْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ، لَمَّا عَصَوْا بِجَمْعِ الثَّلَاثِ. فَيَكُونُ عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ، مِنْ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، لَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْهَا وَأَظْهَرُوهُ: سَاغَتْ الزِّيَادَةُ عُقُوبَةً. انْتَهَى.
[وَاخْتَارَهُ الْحِلِّيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ. لِحَدِيثٍ صَحِيحٍ فِي مُسْلِمٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. فَعَلَيْهِ: لَوْ أَرَادَ بِهِ الْإِقْرَارَ لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ اتِّفَاقًا، إنْ امْتَنَعَ صِدْقُهُ، وَإِلَّا فَظَاهِرًا فَقَطْ] . وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ، فِي الْهُدَى وَغَيْرِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نَقَلَهُ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُمَا كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ طَلَّقَ الْبِكْرَ ثَلَاثًا، فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى لُزُومِ إيقَاعِ الثَّلَاثِ. وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ. وَشَذَّ طَاوُسٌ، وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: يَقَعُ وَاحِدَةً. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ.
وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوقِعَ ثَلَاثًا مُجْتَمِعَةً فِي كَلِمَةٍ، أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي كَلِمَاتٍ ثَلَاثٍ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُغِيثٍ فِي وَثَائِقِهِ: أَنَّ الطَّلَاقَ يَنْقَسِمُ. إلَى طَلَاقِ سُنَّةٍ، وَطَلَاقِ بِدْعَةٍ. فَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَيْضٍ، أَوْ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ كَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما: يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. وَقَالَ: قَوْلُهُ " ثَلَاثًا " لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنهما. وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ. وَقَالَ بِهِ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ: ابْنُ زِنْبَاعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَقِيٍّ بْنِ مَخْلَدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ، فَقِيهُ عَصْرِهِ، وَأَصْبَغُ بْنُ الْحُبَابِ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ. وَقَدْ يَخْرُجُ بِقِيَاسٍ مِنْ غَيْرِ مَا مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَهُ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِتَعَالِيلَ جَيِّدَةٍ. انْتَهَى.
فَوُقُوعُ الْوَاحِدَةِ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُنَا لِكَوْنِهِ طَلَاقَ بِدْعَةٍ: لَا لِكَوْنِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً، أَوْ آيِسَةً، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا: فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ، إلَّا فِي الْعَدَدِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُنَّ لَيْسَ لِطَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ. فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى.
وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ: لَا سُنَّةَ لَهُنَّ وَلَا بِدْعَةَ، لَا فِي الْعَدَدِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: سُنَّةُ الْوَقْتِ تَثْبُتُ لِلْحَامِلِ. وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ. فَلَوْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ " طَلُقَتْ بِالْوَضْعِ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ زَمَنُ بِدْعَةٍ. كَالْحَيْضِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُطَلِّقَ حَائِضًا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ: لَوْ قَالَ لِمَنْ اتَّصَفَتْ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ " أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً. وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً " وَقَعَ طَلْقَتَانِ. إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فِي غَيْرِ الْآيِسَةِ إذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْوَصْفِ. فَيُدَيَّنُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَدِينُ. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي:
يُقْبَلُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لِلسُّنَّةِ، وَطَلْقَةً لِلْبِدْعَةِ " طَلُقَتْ طَلْقَةً فِي الْحَالِ، وَطَلْقَةً فِي ضِدِّ حَالِهَا الرَّاهِنَةِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ حَائِضًا: طَلُقَتْ إذَا طَهُرَتْ) .
سَوَاءٌ اغْتَسَلَتْ أَوْ لَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَغْتَسِلَ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ مَبْنَى الْقَوْلَيْنِ: عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَنْعِ مِنْ طَلَاقِ الْحَائِضِ إنْ قِيلَ: تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أُبِيحَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الطُّهْرِ. وَإِنْ قِيلَ: الرَّغْبَةُ عَنْهَا: لَمْ تُبِحْ رَجْعَتُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ، لِمَنْعِهَا مِنْهَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ. انْتَهَى وَيَأْتِي فِي " بَابِ الرَّجْعَةِ " مَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ مَا " إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ: هَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا، أَمْ لَا "؟ .
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ. وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ: طَلُقَتْ إذَا أَصَابَهَا، أَوْ حَاضَتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ يَنْزِعُ فِي الْحَالِ بَعْدَ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ، لِوُقُوعِ طَلَاقٍ ثَلَاثٍ عَقِيبَ ذَلِكَ. فَإِنْ اسْتَدَامَ ذَلِكَ: حُدَّ الْعَالِمُ، وَعُذِرَ الْجَاهِلُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي أَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ زَمَنَ السُّنَّةِ وَقُلْنَا: الْجَمْعُ بِدْعَةٌ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ مِنْ أَنَّ جَمْعَ طَلْقَتَيْنِ بِدْعَةٌ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ " طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ. يُصِبْهَا فِيهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَفِي الْأُخْرَى: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً. وَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي طُهْرَيْنِ فِي نِكَاحَيْنِ إنْ أَمْكَنَ. وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ. وَعَنْهُ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِنَّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَب، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرُهُمْ: وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: إنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ يَكُونُ سُنَّةً. فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَإِذَا طَهُرَتْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً. وَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي نِكَاحَيْنِ آخَرَيْنِ، أَوْ بَعْدَ رَجْعَتَيْنِ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله هَذَا الْقَوْلَ. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ " قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَقَعُ عَلَيْهَا السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ. فَلَوْ رَاجَعَهَا تَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى، وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى أُخْرَى، وَمَا يُعْجِبُنِي قَوْلُهُمْ هَذَا. قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله: أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ سُنَّةٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا لِوَصْفِهِ الثَّلَاثَ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ. فَأَلْغَى الصِّفَةَ، وَأَوْقَعَ الثَّلَاثَ كَمَا لَوْ قَالَ لِحَائِضٍ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْحَالِ لِلسُّنَّةِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا. فَإِنَّهُ قَالَ: يَقَعُ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ " لِلسُّنَّةِ ". قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَفِي هَذَا الِاحْتِمَالِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَلْغَى قَوْلَهُ " لِلسُّنَّةِ "
وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ فِي الْحَالِ، حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا. مُجَامَعَةً أَوْ غَيْرَ مُجَامَعَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَلْغَى قَوْلَهُ " لِلسُّنَّةِ " بَقِيَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَهُوَ مُوجِبٌ لِمَا ذَكَرَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْبِدْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ. وَالْأُخْرَى: مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ، فَحَيْثُ جَمَعَ الزَّوْجُ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ السُّنَّةِ: كَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً فِي إرَادَتِهِ السُّنَّةَ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ، لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ. فَلَا تُلْحَظُ فِي الثَّلَاثِ السُّنَّةُ، لِعَدَمِ إرَادَتِهِ لَهُ. وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَيُلْحَظُ السُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ، لِإِرَادَتِهِ لَهُ. فَلَا تَطْلُقُ إلَّا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ:
لَوْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. نِصْفُهَا لِلسُّنَّةِ، وَنِصْفُهَا لِلْبِدْعَةِ " طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ، وَطَلُقَتْ الثَّالِثَةَ فِي ضِدِّ حَالِهَا الرَّاهِنَةِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَطْلُقُ الثَّلَاثَ فِي الْحَالِ، لِتَبْعِيضِ كُلِّ طَلْقَةٍ. انْتَهَى.
وَكَذَا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ " وَأَطْلَقَ. وَلَوْ قَالَ " طَلْقَتَانِ لِلسُّنَّةِ، وَوَاحِدَةٌ لِلْبِدْعَةِ " أَوْ عَكَسَهُ. فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ. فَإِنْ أَطْلَقَ ثُمَّ قَالَ " نَوَيْت ذَلِكَ " إنْ فَسَّرَ نِيَّتَهُ بِمَا يَقَعُ فِي الْحَالِ: طَلُقَتْ وَقُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ. وَإِنْ فَسَّرَهَا بِمَا يُوقِعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيُؤَخِّرُ اثْنَتَيْنِ: دُيِّنَ. وَيُقْبَلُ فِي الْحَكَمِ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَظْهَرُ.
وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ. لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِأَخَفَّ مِمَّا يَلْزَمُهُ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ، وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ " طَلُقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ طَلْقَةٌ، وَيَتَأَخَّرَ اثْنَتَانِ إلَى الْحَالِ الْأُخْرَى.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ قُرْءٍ، وَهِيَ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ: لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ. فَتَطْلُقَ فِي كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ تُسْتَثْنَى الْحَائِضُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ الْأَطْهَارُ) . وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ (فَهَلْ تَطْلُقُ فِي الْحِلِّ طَلْقَةً؟) . أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.
إحْدَاهُمَا: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ طَلْقَةً. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَالْبُلْغَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَطْلُقُ إلَّا فِي طُهْرٍ بَعْدَ حَيْضٍ مُتَجَدِّدٍ.
فَوَائِدُ:
إحْدَاهَا: حُكْمُ الْحَامِلِ كَحُكْمِ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا الْآيِسَةُ: فَتَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ وَأَجْمَلَهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ) . وَكَذَا قَوْلُهُ " أَقْرَبَ الطَّلَاقِ، وَأَعْدَلَهُ، وَأَكْمَلَهُ، وَأَفْضَلَهُ، وَأَتَمَّهُ، وَأَسَنَّهُ " وَنَحْوَهُ. وَكَذَا قَوْلُهُ " طَلْقَةً جَلِيلَةً، أَوْ سُنِّيَّةً " وَنَحْوَهُ. وَإِنْ قَالَ " أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وَأَسْمَجَهُ " وَكَذَا " أَفْحَشَ الطَّلَاقِ وَأَرْدَأَهُ، أَوْ أَنْتَنَهُ " وَنَحْوَهُ. فَهُوَ كَقَوْلِهِ " لِلْبِدْعَةِ: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَحْسَنَ أَحْوَالِك أَوْ أَقْبَحَهَا: أَنْ تَكُونِي مُطَلَّقَةً " فَيَقَعُ فِي الْحَالِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ نَوَى بِأَحْسَنِهِ: زَمَنَ الْبِدْعَةِ، لِشَبَهِهِ بِخُلُقِهَا الْقَبِيحِ، أَوْ بِأَقْبَحِهِ: زَمَنَ السُّنَّةِ. لِقُبْحِ عِشْرَتِهَا وَنَحْوِهِ: فَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ قَالَ فِي أَحْسَنِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ " أَرَدْتُ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ " وَفِي أَقْبَحِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ " أَرَدْتُ طَلَاقَ السُّنَّةِ " قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَغْلَظِ عَلَيْهِ، وَدُيِّنَ فِي الْأَخَفِّ. وَهَلْ يُقْبَلُ حُكْمًا؟ خَرَجَ فِيهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) . وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْحَالِ لِلسُّنَّةِ " وَهِيَ حَائِضٌ. أَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ فِي الْحَالِ " وَهِيَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ. بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا.