الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأة البيان العربي
مدخل
…
نشأة البيان العربي:
1-
كان للعرب في حياتهم الأولى ذوق وفيهم طبق، كانوا بهما في غنى عن الشرح والتحليل والتوجيه والتعليل لأحكام النقد ولأصول البيان العربي ومذاهبه، وكذلك كانت أصول البيان بعيدة عن البحث والدراسة والتقرير.
وفي ظلال الحياة الإسلامية اختلطت العناصر، وتمازجت الثقافات، فلقحت العقول، وأصابت الألسنة آثار من اللكنة واللحن، وأخذ أئمة العربية يعملون في صبر وعزيمة في وضع أصول النحو العربي، وجمع مواد اللغة العزيزة.. وصحب ذلك وتلاه دراسات أخرى تتناول البيان العربي وأصوله ومذاهبه بالبحث والتحليل، وأخذت تتكون من تلك الدراسات النواة الأولى للبيان العربي، وظل التقدم الفكري والنضوج الأدبي والعلمي يسير بهذه البحوث والدراسات نحو الكمال المنشود بخطوات كبيرة.. وكانت الثقافة البيانية تنمو حين ذاك بجهود ثلاث طبقات:
1-
الأولي طبقة رواة وعلماء الأدب من البصريين والكوفيين والبغداديين، من أمثال: خلف والأصمعي وأبي زيد وأبي عبيدة ويحيى بن نجيم وعمرو بن كركرة، وأستاذهم أبو عمر بن العلاء أعلم الناس بالعرب والعربية1، ومن عامة الرواة الذين لا يقفون إلا على البليغ الساحر من الأساليب كما يقول الجاحظ دون النحويين واللغويين والإخباريين الذين لم يتجهوا هذا الإتجاه2.. وبجوار هؤلاء أئمة الشعراء3 وغيرهم من الخطباء ورجال الأدب الذين تثقفوا بالثقافة العربية.
1 209/ 1 البيان.
2 224/ 3 البيان.
3 54/ 1 البيان.
ب- والثانية طبقة الكتاب الذين لم ير الجاحظ قومًا أمثل طريقة في البلاغة منهم والذين التمسوا من الألفاظ ما لم يكن وحشيًّا ولا سوقيًّا1، ورأى الجاحظ البصر بهذا الجوهر من الكلام فيهم أعم2، وحكم مذهبهم في النقد3، ومثلهم المعتزلة وفرق المتكلمين الذين رآهم الجاحظ فوق أكثر الخطباء وأبلغ من كثير من البلغاء4 وكان بعضهم من عناصر عربية وتثقفوا بثقافة أجنبية، والآخرون من عناصر أجنبية تثقفت بالثقافة العربية، مما كان له أثره في فهم أصول البيان وفي توجيه دراسته وبحوثه وفي الدعوة إلى آراء في الأدب توائم ثقافتهم وعقليتهم، وكان بعضهم يلقن مذاهبه الأدبية العامة للتلاميذ وشداة الأدب، كما ترى في محاضرة بشر بن المعتمر المعتزلي م 210هـ في أصول البلاغة5، والتي يقول الجاحظ عنها أن بشرًا مر بإبراهيم بن جبلة بن مخرمة6 وهو يعلم الفتيان الخطابة فوقف بشر فظن إبراهيم أنه إنما وقف ليستفيد فقال بشر: اضربوا عما قال صفحًا ثم دفع إليهم صحيفة من تحبيره وتنميقه في أصول البلاغة وعناصر البيان7، ومن رجال هذه الطبقة: أبو العلاء سالم مولى هشام وعبد الحميد الكاتب أو الأكبر كما يقول الجاحظ8 وابن المقفع وسهل ابن هرون9 والحسن والفضل10 ابنا سهل ويحيى البرمكي وأخوه
1 105/ 1 البيان.
2 225/ 3 البيان.
3 240/ 1 البيان.
4 106/ 1 البيان.
5 104/ 1 وما بعدها البيان، 228 وما بعدها صناعتين.
6 يعده الجاحظ من الخطباء الشعراء 55/ 1 البيان.
7 ولبشر كتاب في نظم كليلة ودمنة. 8 151 جـ1 البيان.
9 كان سهل يقول: سياسة البلاغة أشد من البلاغة "144/ 1، البيان، 32/ 3 العقد".
10 ذكر الحصري كثيرًا من بلاغته "16-19 جـ2 زهر".
جعفر1 وأيوب بن جعفر وأحمد بن يوسف وعمر بن مسعدة2 وابن الزيات وسواهم.
وكان لهذه الطبقة أثرها في بحث عناصر البيان وبلاغة الكلام. ونستطيع أن نعرف آثار هاتين الطبقتين في دراسات البيان بالرجوع إلى آرائهم المبثوثة في شتى أصول الأدب، والتي يمكننا أن نذكر لك هنا طرفًا منها، وإن شئت فاقرأ جواب صحار لمعاوية حين سأله عن البلاغة3، ويروى قبل هذا بكثير أن عامر بن الظرب سأل حممة بن رافع من أبلغ الناس؟. فقال، من حلى المعنى المزيز باللفظ الوجيز وطبق المفصل قبل التحزيز4 واقرأ تحديد المفضل الضبي للإيجاز5، وتفسير ابن المقفع للبلاغة6، وحوار الشمري لعمرو بن عبيد في البلاغة7، وتعريف الأصمعي للبليغ8، ورأي إبراهيم بن محمد في البلاغة9، وتعريف جعفر البرمكي للبيان10، وتعريف العتابي للبلاغة 11، وتفضيل الجاحظ لرأيه 12، ووصف الرشيد للبلاغة 13، ورأي شبيب بن شيبة في تفضيل بلاغة جودة القطع أو القافية على جودة الابتداء14، ووصف ابن المقفع كلام الأعراب 15، الذين أعجب
1 وصل الجاحظ بلاغته وأشاد به "85 و91/ 1 البيان، 81/ 2 زهر"، وكان يؤثر الإيجاز "81/ 1 البيان، 177/ 1 الكامل"، ونوه به سهل بن هارون "11/ 2 زهر". "2" نوه المأمون ببلاغته "264/ 3 زهر".
3 81/ 1 البيان، وراجع 18/ 2 الكامل.
4 216/ 1 العمدة، 280/ 2 الأمالي للقالي.
5 81/ 1 البيان.
6 91 البيان، 214/ 1 العمدة، 15-17 صناعتين.
7 90/ 1 البيان، 142/ 1 زهر، 47 الرسالة العذراء.
8 86/ 1 البيان، 220/ 1 العمدة. 9 75/ 1 البيان.
10 85/ 1 البيان، 42-47 صناعتين.
11 90/ 1، و157/ 1 البيان.
12 121/ 1 البيان.
13 264/ 3 زهر.
14 89/ 1 البيان.
15 118/ 2 زهر.
الجاحظ ببلاغتهم1 ووصف الحسن بن وهب بلاغة أبي تمام2، وتعريف المأمون للبليغ بأنه من كان كلامه في مقدار حاجته ولا يجيل الفكرة في اختلاس ما صعب عليه من الألفاظ ولا يتعمد الغريب الوحشي ولا الساقط السوقي3، وقول خالد بن صفوان: أبلغ الكلام ما لا يحتاج إلى الكلام إلخ4، وتعريفه للبلاغة بأنها التقريب من المعنى البعيد أو التباعد عن خسيس الكلام والدلالة بالكبير على الكثير، وتعريف ابن عتبة لها: بأنها دنو المأخذ وقرع الحجة والاستغناء بالقليل عن الكثير، وعرفها الخليل: بأنها ما قرب طرفاه وبعد منتهاه، وعرفها إبراهيم الإمام: بأنها الجزالة والإصابة وعرفها ابن المقفع: بأنها قلة الحصر والجراءة على البشر، إلى غير ذلك من شتى هذه التحديدات5، ويقول أبو داود الإيادي: رأس الخطابة الطبع وعمودها الدربة وجناحاها رواية الكلام وحليها الإعراب6 إلخ، ويقول الخليل: كل ما أدى إلى قضاء الحاجة فهو بلاغة فإن استطعت أن يكون لفظ لمعناك طبقًا ولتلك الحال وفقًا وآخر كلامك لأوله مشابهًا وموارده لمصادره موازنة فافعل واحرص أن تكون لكلامك متهمًا وإن ظرف7، ووصية أبي تمام للبحتري تدخل في هذا الباب8، ويقول عبد الملك بن صالح 199هـ: البلاغة معرفة رتق الكلام وفتقه9، وقال ابن الرومي: البلاغة حسن الاقتضاب عند البداهة والغزارة عند الأصالة10، ويقول البحتري: خير الكلام ما قل وجل ودل ولم يمل11،
1 110/ 1 البيان.
2 263/ 3 زهر.
3 423 صناعيتين.
4 35 و36 الرسالة العذراء.
5 راجع: 44-46 الرسالة العذراء، 75/ 1 البيان، 2 و3 و22 23/ 3 العقد، 140-150/ 1 زهر، 87-91/ 2 ديوان المعاني، 109، 202 إعجاز القرآن، 213-221/ 1 العمدة.
6 147/ 1 زهر، 51/ 1 البيان.
7 48 الرسالة العذراء.
8 151/ 1 زهر.
9 168/ 3 البيان.
10 41 الصناعتين.
11 36/ 1 المستطرف.
ويقول الثعالبي بعد: خير الكلام ما قل وجل ولم يمل1، ويقول ابن الأعرابي: البلاغة التقرب من البغية ودلالة قليل على كثير2.
جـ- وأما الطبقة الثالثة فهي طبقة المفكرين والمثقفين الذين تثقفوا بثقافة أجنبية واسعة، وتأثروا كل التأثر بآداب الأمم الأخرى، وترجموا آراءهم في البيان ومناهجه إلى اللغة العربية، أو ألفوا كتبًا تبحث في هذه الاتجاهات، وهؤلاء قد عاشوا في البيئة الإسلامية وأثروا في النقد والأدب والبيان ودراساته وتطوره تأثيرًا واضحًا كبيرًا، يمكننا أن نذكر شيئًا عن مجهود هذه الطبقة في خدمة البيان.
أهم عمل علمي قامت به هذه الطبقة: هو ترجمة كتابي الخطابة والشعر لأرسطو إلى العربية، فأما الخطابة فهو أصل البلاغة ودراساتها، وقد "أصيب بنقل قديم ونقله إسحاق بن حنين م 298هـ وكذلك نقله إبراهيم بن عبد الله وفسره الفارابي 339هـ" 3، وأما كتاب الشعر فقد اختصره الكندي م 253هـ، ونقله يحيى بن عدي ومتى في القرن الرابع من السريانية إلى العربية4
…
وقد ألفوا في صناعة الشعر وللكندي رسالة في صناعة الشعر5، ولأبي زيد البلخي كتاب بعنوان "صناعة الشعر" أيضًا6، وكذلك لأبي هفان7.
1 218/ 1 العمدة.
2 217/ 1 العمدة.
3 349 فهرست.
4 349 و350 فهرست، وتجد تحليلًا كاملًا للكتاب في "64-136 قواعد النقد الأدبي"، وهو لم يصل إلينا كاملًا وليس من شك في أن للكتاب جزءًا ثانيًا قد فقد "68 المرجع"، ونكاد نجزم أن أرسطو أراد بكتابه هذا أن يكون ردًّا على أفلاطون في رأيه الذي ذهب إليه وهو أن الشعر عمل غير جدير بمقام الذكاء البشري وأنه من أشد بواعث الفساد "71 المرجع"، ويقول أرسطو في أوله:"سأتكلم هنا عن فن الشعر وأنواعه المختلفة ووظائف كل نوع وفي البناء الصحيح للمنظومة وعدد أجزائها وخصائص كل منها""79 المرجع"، وترجمة ابن سينا وابن رشد "24 وما بعدها مقدمة فقد النثر".
5 359 فهرست.
6 198 فهرست.
7 207 فهرست.
وهناك آراء كثيرة مأثورة عن هذه الطريقة في البلاغة وعناصرها وهي متفرقة في شتى كتب الأدب ومصادره، وتجد في البيان والعمدة وسواهما أن صاحب اليونانيين عرف البلاغة بأنها تصحيح الأقسام واختيار الكلام، وعرفها الرومي بأنها وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة، وعرفها الفارسي بأنها معرفة الوصل من الفصل، وعرفها الهندي بأنها البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة إلخ، وعرفها أرسطو بأنها حسن الاستعارة، ويعرفها جالينوس بأنها إيضاح المفصل وفك المشكل، واقرأ البلاغة كما يراها حكيم الهند1، ويقول حكيم: البلاغة معرفة السليم من المعتل وفرق ما بين المضمن والمطلق وفصل ما بين المشترك والمفرد2، ويعرفها سقراط بأنها استشكاف الحقائق3، ويقسمها الكندي ثلاثة أنواع: فنوع لا تعرفه العامة ولا تتكلم به، ونوع بالعكس، ونوع تعرفه ولا تتكلم به وهو أحمدها4، ويقول: يجب للبليغ أن يكون قليل اللفظ كثير المعاني5، وذكر بزرجمهر فضائل الكلام ورذائله فقال: فضائله أن يكون صدقًا وأن يقع موقع الانتفاع به وأن يتكلم به في حينه وأن يحسن تأليفه وأن يستعمل منه مقدار الحاجة، ورذائله بالضد6 إلخ، وقال أبرويز لكاتبه: الكلام أربعة: سؤالك الشيء وسؤالك عن الشيء وأمرك بالشيء وخبرك عنه، فإذا طلبت فأسجع وإذا سألت فأوضح وإذا أمرت فأحكم وإذا أخبرت فحقق، وقال أيضًا: واجمع الكثر مما تريد في القليل7، ولعل ثعلبًا حين ذكر في صدر كتابه "قواعد الشعر" أقسام الشعر وأنها أمر ونهي وخبر واستخبار 8 قد تأثر بذلك الرأي.
1 78 و79/ 1 البيان، 20-38 صناعتين، 144/ 1 زهر.
2 88/ 2 البيان والتبيين.
3 أصول النقد الأدبي للشايب.
4 219/ 1 العمدة.
5 35/ 1 المستطرف.
6 183، الموازنة.
7 10 أدب الكاتب.
8 ص11 قواعد الشعر.
وبعد فقد تعاونت هذه الطبقات في خدمة البيان، ولها جميعًا أثرها في نشأته وتطوره.
2-
ومن الكتب الأولى التي ألفت في دراسات البيان وموضوعاته: مجاز القرآن لأبي عبيدة، وكتاب البيان لابن السكيت1 وكتاب الفصاحة للدينوري2، وكتاب التشبيه والتمثيل
للفضل بن نوبخت3، وصناعة الكلام للجاحظ4، وكتاب التمثيل له5، ونظم القرآن أيضًا6 وقواعد الشعر وكتاب البلاغة للمبرد7، وللحراني كتاب في البلاغة8، ولثعلب قوا عد الشعر، ولابن مقسم تلميذه كتاب المدخل إلى صناعة الشعر9، وللمروزي كتاب البلاغة والخطابة10 ولابن الحرون كتاب المطابق والمجانس 11، ولأبي سعيد الأصفهاني كتاب تهذيب الفصاحة12، وللباحث كتاب صنعة البلاغة 13 ولمحمد بن يزيد الواسطي المعتزلي م 306هـ كتاب إعجاز القرآن في نظمه وتأليفه ولابن الأخشيد كتاب نظم القرآن14 وكذلك لابن أبي داود 316هـ 15 وللحسن بن جعفر كتاب في الرد على من نفى المجاز في القرآن16.
3-
وبعد فقد كان البيان العربي في القرن الثالث مزيجًا من
1 208/ 1 كشف الظنون. وقد يكون في هذا الكتاب عرض للأدب وألوانه كالبيان والتبيين.
2 116 فهرست.
3 383 فهرست. وهو فارسي خدم المنصور والمهدي.
4 28 الجاحظ لمردم.
5 41 المرجع، 79/ 6 معجم الأدباء.
6 40 الجاحظ لمردم.
7 88 فهرست، 144/ 7 معجم الأدباء.
8 178 فهرست.
9 26 بغية الوعاة.
10 215 فهرست.
11 212 فهرست.
12 197 فهرست.
13 57 و58 فهرست.
14 324 فهرست.
15 52 الفهرست.
16 فهرست أيضًا.
ثقافات وآراء مختلفة عربية وغير عربية مؤلفة ومترجمة، ومن حيث كاد في القرن الثاني أن يكون عربيًّا خالصًا. وهنا سؤالان لابد من الجواب عليهما وهما: متى نشأ البيان العربي، وهل تأثر بثقافة أجنبية؟
أما نشأة البلاغة والبيان فالآراء فيها كثير ة. فالدكتور طه حسين يرى أن البلاغة نشأت في عهد متأخر والجاحظ في رأيه أول من اهتم بها وهو مؤسس البيان العربي حقًّا1، ويرى آخر أن نشأة البلاغة قديمة قد سبقت القرآن وتطورت بعده2 وأكثر الفنون الأدبية أخذت شواهدها من القرآن3 وينقد باحث هذا الرأي4.. ومن الضروري أن نفرق بين أمرين، نطق العرب في آثارهم الأدبية بأساليب لغتهم المختلفة من استعارة وتشبيه وكناية ومجاز وقصر وفصل ووصل وطباق وتجنيس إلخ، ومعرفتهم العلمية بأوضاع هذه الأساليب ونواحيها البلاغية، فالأول كان موجودًا عند العرب قبل القرآن وفي عصر القرآن وبعده، والثاني لم يوجد إلا في القرن الثالث الهجري كما ذهب إليه أكثر الباحثين، فقواعد البلاغة قد سنها الفكر أولًا ليجري عليها الأدب بل إن طبيعة الأدب موجودة من قبل سواء بحثت أو لم تبحث5، فالأدب وخواصه الأدبية موجودان من قديم وأما معرفة هذه الخصائص ودراستها وبحثها على أنها علم وأصول وقواعد فلم يوجد إلا بعد القرن الثاني الهجري، "فعلم البلاغة إسلامي لا عهد للجاهليين به"6، والبلاغة باعتبارها فنًّا مدروسًا أي التحليل العلمي للأساليب البلاغية ليست من علوم العصر الجاهلي إنما هي دراسة متأخرة في نشأتها على أنه لا شك كان هناك في العصر.
1 3 و30 و31 مقدمة نقد النثر. 2 48/ 1 النثر الفني، ومن قبل رأي الصاحبي أن النحو والعروض نشأ من قديم "8 وما بعدها الصاحبي".
3 56/ 1 النثر الفني.
4 16 وما بعدها تأريخ البلاغة العربية مخطوط بمكتبة كلية اللغة.
5 8 قواعد النقد الأدبي.
6 29 تأريخ البلاغة العربية.
الجاهلي وصدر الإسلام بعض الخصائص والأساليب البلاغية المتعارف عليها1، وهذا كله مما لا سبيل إلى الشك فيه.
وأما الأمر الثاني وهو هل تأثرت البلاغة العربية في نشأتها الأولى ببلاغة الأمم الأخرى؟ فيمكننا بسط الحديث فيه:
يذكر ابن الأثير أن الشعر والخطابة في الأدب العربي لم يتأثرا بثقافة اليونانية البيانية "فهذا شيء لم يكن ولا علم أبو نواس شيئًا منه ولا مسلم ولا أبو تمام ولا البحتري ولا المتنبي ولا غيرهم وكذلك جرى الحكم في أهل الكتابة كعبد الحميد وابن العميد"، ثم ينفي أن يكون هو قد تأثر في رسائله ومكاتباته بما ذكره علماء اليونان في حصر المعاني ويذكر أنه اطلع على ما كتبه ابن سينا في الخطابة والشعر فلم يوافق ذوقه واستجهله ورأى أن ما ذكره لغو لا يستفيد به صاحب الكلام العربي شيئًا2، ويرى باحث محدث أنه كان للبلاغة اليونانية أثر في علم البلاغة العربي3، ويرى باحث آخر أن أرسطو المعلم الأول للمسلمين في علم البيان4، وأن الكتاب والمتكلمين الذين عاشوا في القرن الثاني وأثروا في البيان وتطوره جلهم من الأعاجم5 وأن متكلمي المعتزلة كانوا بتضلعهم في الفلسفة اليونانية من مؤسسي البيان العربي6 وأنه حتى منتصف القرن الثالث لم يوجد إلا بيان عربي واحد كان لا يزال في دور الطفولة وكان خصبًا جامعًا للروح العربي والفارسي واليوناني ثم وجد من ذلك الوقت بيانان: عربي بحت، ويوناني يجهر بالأخذ عن أرسطو، على أن البيان العربي الصرف قد تأثر باليونان7. وترجم كتاب الخطابة في النصف الثاني من القرن.
1 ص4 و5 مجلة الأدب والفن نوفمبر 1945 من مقال للأستاذ جب.
2 20 المثل السائر.
3 177/ 1 ضحى الإسلام.
4 31 مقدمة نقد النثر.
5 ص6 المرجع نفسه.
6 نفس المرجع.
7 11 وما بعدها نفس المرجع.
الثالث، وجاء قدامة فاستفاد من كتاب الخطابة وفهم منه كل ما يمكن أن ينتفع به وطبقة على الشعر العربي وكان يجهل كتاب الشعر1 وقد درس قدامة الفلسفة وخاصة المنطق2، على أن تشريع الفلسفة للأدب في رأي الدكتور يظهر أول مرة في "نقد الشعر"3 ثم في "نقد النثر" الذي هو مستمد من آراء أرسطو في الجدل والقياس والخطابة4.
على أننا قد بسطنا القول في ذلك فيما سبق ورأينا أن المشتغلين بالفلسفة قد اشتركوا مع الجماعات الأخرى في خدمة البيان العربي وإنشائه والتأليف فيه وكان اتجاههم الأول إلى البيان اليوناني فأخذوا يدأبون على الإفادة منه في بحوث البيان العربي ودراساته وتلقيحه بما يمكن أن يلقح به من عناصر ومناهج علمية سلكها ومهد سبيلها اليونان، فهم قد استعانوا بطرقهم في دراسة البيان على فهم وتحليل أصول البيان العربي والتأليف فيه.
4-
ونحن الآن نعرض عليك خلاصة وافية لأهم الكتب التي تناولت بعض مسائل البلاغة بالبحث والتي ألفت فيها خاصة.
1-
جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي: وفي مقدمتها نجد آراء متفرقة في البلاغة والبيان، فهو يعرف الالتفات ويشير إلى أن العرب تخاطب الشاهد مخاطبة الغائب5، ويعرف مجاز الحذف ويفيض في شرحه6.
ب- الجاحظ وكتابه "البيان والتبيين":
والجاحظ إمام الكتاب وشيخ البيان وعلم من أعلام الأدب
1 17 المرجع.
2 16 المرجع.
3 16 وما بعدها مقدمة نقد النثر.
4 17 وما بعدها المرجع.
5 ص3 جمهرة أشعار العرب.
6 ص2 المرجع.
والنقد، وهو من أئمة المعتزلة، تتلمذ على النظام وسواه من فحول عصره فخرج واسع الثقافة عميق التفكير كثير الإحاطة والإطلاع على شتى المؤلفات والتراجم المنقولة من جميع اللغات إلى العربي.
اتصل الجاحظ باليونان وثقافتهم من كتبهم المترجمة وعن طريق المتكلمين وبمجالسته لكثير من المثقفين باليونانية1، كما أنه حذق الثقافة الفارسية من كتب ابن المقفع وسواه، وتوسع في الثقافات كلها بما كان يقرؤه من الكتب2، وتأثر بخطابة أرسطو إلى حد بعيد ومن المشابهة بينه وبين أصحاب الخطابة في الأسلوب استعماله القياس المضمر وهو المذهب الكلامي عند البديعيين3، ونقد الجاحظ التراجم والمترجمين من اليونانية وخاصة كتاب المنطق بأنه في أسلوب سقيم، فالجاحظ ولاشك قد تأثر "بالخطابة" لأرسطو كثيًرا4، وأنكر باحث آخر أن يكون كتاب البيان متأثرًا بخطابة أرسطو أو صدى له؛ لأن الجاحظ لم يره5 ولم ما يؤيده الدكتور طه حسين6.
ومن البدهي أن الجاحظ ألم بالثقافة الفارسية المترجمة إلمامًا واسعًا، ويبدو لي أنه كان يعرف اللغة الفارسية، ففي البخلاء يحكي الجاحظ كلام بخيل من أهل مرو تجاهل رجلًا زاره من أهل العراق: لو خرجت من جلدك لم أعرفك، قال الجاحظ: وترجمة هذا الكلام بالفارسية "كراز بوستت بارون ببائي نشناسيم"7:
1 401/ 1 ضحى الإسلام.
2 387/ 1 المرجع.
3 620 و621 الرسالة عدد 196 من محاضرة للأستاذ حمودة في أسبوع الجاحظ، وإذا كان الجاحظ ينكر أن يكون لليونانيين خطابة "15/ 3 البيان" فليس لك إلا في مقام الرد على الشعوببين وقد يكون الجاحظ لم يطلع على نصوص خطابية لليونان.
4 راجع 621 الرسالة العدد 196.
5 راجع 622 المرجع السابق.
6 ص3 مقدمة نقد النثر.
7 ص19 البخلاء.
وأثر ثقافته الفارسية واضح في كتبه وفي مؤلفه "البيان"، أما أثر ثقافته اليونانية فواضح أيضًا في الحيوان وفي كتابه البيان1، قرأ الجاحظ من كتب أرسطو المترجمة كتاب الحيوان واستدل برأي لأرسطو فيه"2" وكان مصدرًا كبيًرا له في كتابه "الحيوان"، والجاحظ يذكر تعريف صاحب المنطق للإنسان كثيًرا3 ويذكر صاحب المنطق وأنه كان بكئ اللسان مع علمه بتمييز الكلام وتفضيله ومعانيه وبخصائصه، 4 ويذكر تعاريف البلاغة عند الأمم المختلفة ومنها اليونان5 ويذكر كتب اليونان في المنطق وأن الحكماء جعلتها معيارًا للتفكير6، ويذكر نوادر ريسموس اليوناني7 ويرى أن لليونان فلسفة وصناعة منطق وليس لفلاسفتهم في الخطابة ذكر8، وأقسام الدالة عند الجاحظ9 هي من تفكير أرسطو، ويذكر أن للفرس رسائلها وخطبها وألفاظها ومعانيها ولليونان رسائلها وخطبها وعللها وحكمها وكتبها في المنطق وللهند حكمها وسيرها وعللها ويرى أنها لا توازن بما للعرب من بيان وبلاغة وصناعة وخطابة10، وللجاحظ رسالة في نقد الكندي11.
ويذكر الجاحظ في البيان "صناعة الكلام" ويعني بها حينًا علم الكلام12، وحينًا آخر البيان13، ويذكر اصطلاحات أخرى كصناعة المنطق14 وصناعة الخطابة ويذكر أحيانًا "أصحاب الخطابة والبلاغة"15.
1 وذلك في مواضع كثيرة.
2 61/ 1 البيان.
3 69 و128/ البيان.
4 15/ 3 البيان.
5 75/ 1 البيان.
6 7/ 3 البيان.
7 165 جـ2 البيان.
8 15/ 3 البيان، الظاهر أن الجاحظ لم يطلع على شيء من خطابتهم.
9 69/ 1 البيان، وهي في40 الرسالة العذراء، 9 نقد النثر.
10 7/ 3 البيان.
11 42 الجاحظ لمردم.
12 69/ 1 البيان.
13 108/ 1 البيان. ويشيد الجاحظ بصناعة الكلام. "3 جـ4 زهر". 14 79/ 1 البيان.
15 183/ 1 البيان.
ومهما يكن فالجاحظ فيما ذكره من أصول البلاغة العربية قريب من روح أرسطو، فدعوته إلى ترك الوحشي والسوقي1 له نظير عند أرسطو الذي دعا إلى "هجر الألفاظ الخسيسة التي لا يستعملها إلا العامة2 وقال "ينبغي ألا تكون الألفاظ سفسافة ولا مجاوزة الحد في المتانة مبلغ الأمر الذي يدل عليه فلا تبلغ درجة العامية ولا تحوج إلى الكلفة المنشوءة"، ودعوة الجاحظ إلى الوضوح3 لها نظير عند أرسطو حيث يذكر "حسن الدلالة ووضوح العبارة وأن الأغراب مستنكره وأنه يجب ألا تمعن في الإغرابات بل يجب أن تكون العبارة بحيث يفهمها الأماثل دون أسقاط الجمهور"، واللحن وخروجه عن حد البلاغة4 موجود في خطابة أرسطو حيث يوجب أن "يكون اللفظ فصيحًا لا لحن فيه"، ويذكر الجاحظ استعمال المبسوط في مواضعه والمقصور "المحذوف الموجز" في مواضعه5، والإيجاز والإطناب يوم الإطناب6، وأرسطو أول من أشار إلى ذلك كله فذكر الإيجاز والإسهاب وأشار إلى أن لكل منهما مقامًا، وعلى أي حال فمرجع هذا التشابه في الأفكار أرجح إن سببه نقل الجاحظ كثيرًا عن الذين ألموا بثقافة اليونان وكتب أرسطو في النقد وعلى الأخص الخطابة والشعر.
ومع ذلك فالجاحظ يجهل كثيرًا من النظريات التي شرحها أرسطو في كتابيه، فأنواع البيان والأساليب البلاغية الأنيقة التي ألم بها.
1 105 و110 و176 جـ1 البيان.
2 راجع الشفاء لابن سينا وكل المنصوص المنقولة هنا عن أرسطو فهي منقولة من الشفاء.
3 68 و110 و176/ 1 البيان. 4 121/ 1 البيان.
5 51/ 1 البيان، ويشير إلى ذلك في مواضع أخرى في كتابه 141 و147 و161 و180/ 1 البيان"
…
6 120 رسائل الجاحظ، وتبعه ابن قتيبة فذكر أن للإيجاز مواضعه وللإطالة مواضعها "مقدمة أدب الكاتب".
أرسطو1 لا يشير إليها الجاحظ في بيانه، وهو على العموم لم يطلع على كتابي أرسطو، ولا نشك في أنه أفاد من أستاذه النظام ومن علوم الفلسفة والمنطق التي شاعت في عصره كثيرًا، ونقل عمن اطلعوا على خطابه أرسطو، ويكفينا ذلك التحقيق في هذا المقام.
وبعد فللجاحظ في البيان العربي آثار كثيرة: كرسالته في تفضيل النطق على الصمت2، وكتابه البيان والتبيين.
والبيان "أول كتاب ظهر في الأدب جامعًا لفنون كثيرة من ضروبه3"، ويشيد به أبو هلال4، ويعده ابن خلدون من أركان الأدب5، والكتاب يبحث في فنون الأدب والبلاغة ويتناول النقد واللغة ويأتي على ذكر الخطباء والأدباء والشعراء والمنشئين وآثارهم الأدبية وهو من أجل وثائق الأدب في الجاهلية والإسلام6، ويذكر ابن رشيق أنه لا يبلغ جودة وفضلًا7، ويذكر أبو أحمد العسكري مثلًا من تصحيف الجاحظ فيه8، وينقد ابن شهيد الكتاب9 ورد عليه بعض المعاصرين10 والكتاب يجمع بين دفتيه الكثير من بلاغة العرب وسحرهم في البيان كما يجمع آراء كثيرة في أصول النقد الأدبي
1 كدراسته للاستعارة، وللرباطات "حروف العطف" وأنها تجعل الكلام الكثير كالواحد، وللجناس وسواه، ونظرية أرسطو في الوصل، وهي التي يفيض عبد القاهر في شرحها في الدلائل.. ونصيب في نقده في نقده للكميت في قوله "تكامل فيها الأنس والشنب"؛ لأنه باعد في القول "134/ 1 الأغاني، 355/ 1 الكامل" لا ينم ذلك عن معرفته بأسرار هذه الدراسات البيانية.
2 تجدها 8 148-154 رسائل الجاحظ.
3 80 العصر العباسي للأسكندري.
4 6 و7 الصناعتين.
5 553 مقدمة ابن خلدون.
6 35 الجاحظ لمردم.
7 227/ 1 العمدة.
8 53 و54 التصحيف والتحريف.
9 198/ 1 ذخيرة.
10 50/ 2 للنثر الفني.
وقوانين البلاغة العربية وأنواعها وعناصرها ومذاهبها واتجاهاتها وأثرها، سواء كانت هذه الآراء من جمع الجاحظ وروايته أم من رأيه وتفكيره، وحسبك أن تقرأ فيه البلاغة كما تتحدث عنها صحيفة هندية مكتوبة1، أو كما يصورها بشر بن المعتمر2، أو كما يراها ابن المقفع3، ولهذه النصوص قيمة كبيرة، وقد عد بعض الباحثين الجاحظ مؤسس البيان العربي لما جمعه من النصوص التي توضح لنا كيف كان العرب إلى منتصف القرن الثالث يتصورون البيان العربي وتعطينا صورة مجملة لنشأته4.
وفي الكتاب كثير من بحوث البلاغة، فهو يعرف الاستعارة5، ويتكلم على السجع6، ويشير إلى التفصيل والتقسيم7، والاستطراد، والكناية8، والأمثال9، والاحتراس10 والقلب 11 والأسلوب الحكيم12، والجاحظ فوق ذلك هو أول من لقب المذهب الكلامي بهذا الاصطلاح13، ويرى الجاحظ أن البلاغة في النظم لا في المعاني قال: والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي وإنما الشأن في إقامة الوزن وتحيز اللفظ وسهولة المخرج وفي صحة الطبع وجودة السبك 14، وهو ما ذهب إليه.
1 79/ 1 البيان.
2 104/ 1 وما بعدها البيان.
3 91/ 1 البيان.
4 3 مقدمة نقد النثر.
5 116/ 1 البيان.
6 194/ 1 البيان.
7 170/ 1 و91/ 2 البيان، وهو باب من أبواب البديع عند كثير من علماء البلاغة راجع 78 نقد الشعر، 332 صناعتين.
8 180/ 1 و29 و31 و85/ 3 البيان.
9 86 و88 و114 و183/ و224/ 2 البيان.
10 161/ 1 وما بعدها البيان.
11 180/ 1 البيان.
12 201 و202 جـ2 البيان، ويقرب من الأسلوب الحكيم ما يسميه الجاحظ "اللغز في الجواب""116/ 2 البيان".
13 101 البديع 76/ 2 العمدة.
14 40/ 3 الحيوان.
ابن خلدون1، ويقول شيلر، في الفن الشكل هو كل شيء والمعني ليس شيئًا مذكورًا.. وفي البيان نصوص كثيرة استغلها علماء البيان والبديع في اختيار شواهد أساليب البلاغة منها، مما لا داعي إلى ذكره هنا خوفًا من كثرة الإسهاب، والجاحظ يشيد بالإيجاز ويدعو إليه كثيرًا في بيانه2، وفي الحديث عن رسول الله: إذا قلت فأوجز وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف3، ويحث على ترك الوحشي والسوقي وعلى الإفهام والوضوح، وعلى ترك التعمق والتهذيب في صناعة الكلام، وعلى أي حال فالبيان والتبيين أثر أدبي وعلمي نفيس، والجاحظ يده على البيان العربي لا تجحد، ويعده ابن خلدون من السابقين في التأليف فيه4.
وبعد فالجاحظ أظهر من خص البيان بالتأليف وهو أعظم السابقين إلى جمع وتدوين آراء رجال البيان والبلاغة، وله مع ذلك آراء كثيرة وصل إليها بفكرة وذوقه وملكته البيانية الدقيقة الإحساس بالأساليب البلاغية ودقائقها، ولا يضير الجاحظ أن كانت دراساته في كتاب البيان موجزة مفرقة كما يقول أبو هلال5، فهي على كل حال ذات أثر كبير في نشأة البيان.
جـ- وقد كتب بعد الجاحظ كثير من العلماء في مسائل تتصل بالبلاغة والبيان: كالمبرد في كامله، وإبراهيم بن المدبر في الرسالة العذراء، وثعلب في قواعد الشعر، وابن عبد ربه في العقد، وسوى هؤلاء مما يطول الحديث لو فصلنا القول فيه.
1 577 مقدمة ابن خلدون.
2 80 و86 و114 و152 و187 و198/ 2 البيان.
3 5/ 1 الكامل للمبرد.
4 552 مقدمة ابن خلدون.
5 6 الصناعتين.