المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الرابع الجهمية أصحاب جهم بن صفوان الترمذي، ومذهبهم في الإيمان أنه - الإيمان بين السلف والمتكلمين

[أحمد بن عطية الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: مذهب السلف في الإيمان

- ‌الفصل الأول: في حقيقة الإيمان

- ‌الفصل الثانيالصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌الفصل الثالثزيادة الإيمان ونقصه

- ‌الفصل الرابعمذهب السلف في مرتكب الكبيرة

- ‌الفصل الخامسالاستثناء في الإيمان

- ‌الباب الثاني: مذاهب المتكلمين في الإيمان

- ‌الفصل الأول: الخوارج

- ‌الفصل الثانيالمرجئة

- ‌الفصل الرابعالجهمية

- ‌الفصل الخامسالكرامية

-

- ‌الفصل السادس: المعتزلة

- ‌المبحث الأولحقيقة الإيمان عند المعتزلة

- ‌المبحث الثانيالصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالثزيادة الإيمان ونقصه

- ‌المبحث الرابعحكم مرتكب الكبيرة عند المعتزلة

-

- ‌الفصل السابع:الأشاعرة

- ‌المبحث الأولحقيقة الإيمان عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثانيالصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالثمذهب الأشاعرة في زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المبحث الرابعرأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الخامسالاستثناء في الإيمان عند الأشاعرة

- ‌الباب الثالث: موقف السلف من أراء مذاهب المتكلمين

- ‌الفصل الأول: موقف السلف من آراء المتكلمين في حقيقة الإيمان

- ‌الفصل الثاني: موقف السلف من آراء المتكلمين في زيادة الإيمان ونقصه

- ‌الفصل الثالثموقف السلف من المتكلمين في حكم مرتكب الكبيرة

- ‌الفصل الرابعموقف السلفمن المتكلمين في مسألة الاستثناء

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌الفصل الرابع الجهمية أصحاب جهم بن صفوان الترمذي، ومذهبهم في الإيمان أنه

‌الفصل الرابع

الجهمية

أصحاب جهم بن صفوان الترمذي، ومذهبهم في الإيمان أنه مجرد المعرفة بأن الله هو الرب الخالق لكل شيئ، وكانوا يقولون: إن الناس متساوون في هذه المعرفة كأسنان المشط ـ لا يزيد أحد فيها على الآخر، ولا ينقص عنه، ومن أتى بتلك المعرفة، ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده، لأن المعرفة والعلم لا يزولان بالجحد، والإيمان لا يتبعض إلى عقد، وقول وعمل، ولا يتفاضل أهله فيه ومن أجل رأيهم هذا في الإيمان عدَّهم أبو الحسن الأشعري في كتابه ((مقالات الإسلاميين)) من فرق المرجئة 1 كما تقدم.

فإذاً الجهمية ترى أن الإيمان عبارة عن شيئ واحد، وهو المعرفة، وأنه لا يزيد ولا ينقص، والناس فيه سواء. ومع ملاحظتنا أن أكثر الباحثين في الفرق وعقائدها تذكر أن جهماً يرى أن الإيمان هو المعرفة، ولا ينوِّعون التعبير عن هذه المعرفة بالتصديق، وذلك لاعتقادهم الفرق بين اللفظين وسيأتي بيان تفريقهم عند ذكر مذهب الأشاعرة.

بينما نرى جماعة أخرى من الباحثين تذكر مذهب جهم في الإيمان

1 مقالات الإسلاميين للأشعري، ج1 ص213-214. وانظر: مقالتهم في الملل والنحل للشهرستاني، ج1 ص88، والفرق بين الفرق للبغدادي، ص211.

ص: 108

على أنه التصديق وذلك لأنهم لا يفرِّقون بين التصديق والمعرفة كما فرَّق غيرهم، وكلاهما يرجع إلى القلب وهما شيئ واحد، ومن هؤلاء الباحثين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث ذكر أن جهماً قال بأن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، ولم يجعل أعمال القلوب من الإيمان 1.

ثم يذكر في موضع آخر أنه لا فرق بين المعرفة والتصديق حيث قال: " الفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد، الذي يجعل قول القلب أمراً دقيقاً، وأكثر العقلاء ينكرونه، وبتقدير صحته، لا يجب على أحد أن يوجب شيئين لا يتصور الفرق بينهما، وأكثر الناس لا يتصورون الفرق بين معرفة القلب وتصديقه "2. ورأي ابن تيمية هذا في نظري صحيح، ولكن الفرق بين رأي جهم ورأي غيره ممن قال بأن الإيمان هو التصديق فرق جوهري، لأن جهماً جعله تصديقاً مجرداً عن الانقياد القلبي فمن عرف الله بقلبه فهو المؤمن، ولا يشترط أن يتبع تلك المعرفة خضوعاً له وانقياداً، فيكون قد صدَّقه بقول قلبه وعمل قلبه محبة وتعظيماً.

أما الآخرون الذي قالوا بأن الإيمان مجرد التصديق، فإنهم يقصدون تصديق القلب وانقياده بإدخال أعمال القلوب فيه بأن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويصدقه في جميع ما نزل من الوحي الإلهي. فيكون الفرق بين المذهبين أن جهماً جعل الإيمان تصديقاً مجرداً عن أعمال القلب، بينما غيره أدخل فيه أعمال القلوب. وقد تابع شيخ الإسلام في رأيه هذا الشيخ محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي في كتابه ((لوامع الأنوار البهيَّة)) 3.

ورأي جهم في الإيمان الذي تقدم ذكره تكاد تجمع المصادر التي تذكر آراءه على أنه قد قال به، ودعا إليه.

فالإيمان إذن عند جهم لا يتناول إلا الباطن، بحيث أن الإنسان إذا

1 كتاب الإيمان لابن تيمية، ص157.

2 ابن تيمية، المصدر السابق ص340.

3 ج1 ص363، ط1 بمطبعة مجلة المنار، مصر، سنة 1324هـ.

ص: 109

أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده، فالمعرفة بالله فحسب شرط العقد، والعلم والمعرفة لا تزول بنطق اللسان. كما أن الإيمان لا يتبعض إلى قول، وعقد وعمل، والناس فيه سواء، لأن المعرفة شيئ واحد لا تفاضل فيه.

ولا شك أن مذهب جهم هذا من أقبح المذاهب في مجال الإيمان وأكثرها تطرّفاً وشذوذاً. وقد وقفت منه جميع الطوائف الإسلامية موقف الرفض والإنكار، لأنه يُدخل في الإيمان ما عُلِم ضرورة وبداهة خروجه منه، ومع هذا فقد حاول تاج الدين السبكي أن يجد مخرجاً للجهم حيث قال: وأما جهم فنحن على قطع بأنه رجل مبتدع ومع ذلك لا أعتقد أنه ينتهي إلى القول بأن من عاند الله وأنبياءه ورسله، وأظهر الكفر وتعبد به يكون مؤمناً، لكونه عرف بقلبه، فلعل الناقل عنه حمل اللفظ ما لا يطيقه، أو جازف كما جازف في النقل عن غيره1. وقد أشار بذلك إلى ابن حزم الذي أشرك الأشعري مع الجهم في هذا المذهب 2. أما هذا المذهب فلم يختص ابن حزم بذكره عن الجهم، بل اشتهر بين جميع محرري المذاهب، لذلك من الخطأ أن نصفه بالمجازفة في النقل. وأما إشراك الأشعري معه فيه فهذا ما لا نوافق عليه، لأنه حين قال أولاً إن الإيمان هو التصديق لم يقصد مجرد العلم ـ بل قصد بذلك علم القلب وعمله ـ بأن يعلم ثم يتبع ذلك بالانقياد القلبي، الذي هو عمل القلب. مع أن الأشعري رجع أخيراً إلى القول بقول السلف وأنه قول وعمل يزيد وينقص كما هو موجود في الإبانة،

والمقالات3.

ولا شك أن جهماً قال قولاً شر من قول المرجئة، وأشد خطراً منه،

1 السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، طبقات الشافعية، ج1 ص91، تحقيق محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو، ط1 مطبعة عيسى الحلبي، سنة 1383هـ.

2 ابن حزم، الفصل في الملل والنحل، ج3 ص188.

3 انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري،ج1 ص347.

ص: 110

إذ أنه جعل مجرد العلم الذي لا انقياد معه إيماناً، كما جعل الكفر الذي هو ضد الإيمان مجرد الجهل بما كان ينبغي أن يُعرف، فهو ولا شك مرجئ. ولكنه بالغ في الإرجاء حتى كان مذهبه يفوق مذهبهم من حيث الفساد، وسفاهة الرأي، والجهم كما عرفنا يرى أن إيمان الناس سواء لا تفاضل بينهم فيه، لأنهم لم يُكلَّفوا في الإيمان إلا بالمعرفة المجردة. والعصاة قال فيهم بقول المرجئة فجعلهم في حل مما يفعلون، وذلك بناء على رأيه في الجبر، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة، إلا لله وحده، وأنه هو الفاعل وأن الناس إنما تُنسَب إليهم أفعالهم على المجاز، كما يقال: تحركت الشجرة، ودار الفلك. فالإنسان عنده كالريشة المعلقة في مهب الريح فكيف يؤاخذ على أعمال لا قدرة له عليها. ولا شك أن هذا المذهب ظاهر الفساد فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأعطاه القدرة على أن يفعل أو لا يفعل فهو مخير بين الفعل وتركه لا مجبور عليه، فأعطاه القدرة ووضع القيود، فإذا فعل فعل باختياره، وقدرته، وإذا ترك كذلك، فهو مؤاخذ على فعله وتركه لأنه بقدرته واختياره.

ثم إن المصادر التي ذكرت رأيه في الإيمان لم تذكر له دليلاً عليه. ونشأة الجهم، وكثرة مخالفاته، وسيرته الشريرة، تُنبئنا عن أنه قال أقوالاً يعرف أنها فاسدة، ولكن هواه قاده إلى تبنِّيها. ولا نكلف أنفسنا عناء البحث عن أدلة رأي لا يُقرِّه عقل، فضلاً عن أن يسنده ويقرره دين، والأمة بأسرها أجمعت على فساده وتفاهته، وبطلانه معلوم من الدين بالضرورة، وليس جهم ممن يُعتدُّ برأيه، ولولا الوفاء بالمذاهب في الإيمان لما تطرقت إلى ذكره. وقد أدى هذا الأصل من أصول عقيدة جهم إلى هجوم السلف عليه، وسنبين عند ذكرنا لموقفهم من آراء المتكلمين، ما ردوا به عليه، وألزموه به من إلزامات تدل على فساد مذهبه، وخروجه على مجال العقيدة الصحيحة.

ص: 111