الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الصلة بين الإيمان والإسلام
يرى المعتزلة أن الإيمان والإسلام اسمان لمسمى واحد فعندما يذكر الإسلام فهو الإيمان بعينه، وعندما يذكر الإيمان فيراد به الإسلام أيضاً، وإذاً فالترادف بينهما هو ما ذهب إليه القوم، فهذان اللفظان عندهم جُعلا اسماً لمن يستحق المدح والتعظيم لا فرق بينهما إلا من حيث اللفظ فقط، يدل على هذا ما ذكره القاضي عبد الجبار حيث قال: قولنا مؤمن من الأسماء التي نُقلت من اللغة إلى الشرع، وصار بالشرع اسماً لمن يستحق المدح والتعظيم، كما أن قولنا مؤمن جُعل بالشرع اسماً لمن يستحق التعظيم والإجلال، فكذلك قولنا: مسلم، جُعل بالشرع اسماً لمن يستحق المدح والتعظيم حتى لا فرق بينهما إلا من جهة اللفظ 1.
ثم ساق القاضي بعد ذلك أدلة أصحابه على هذا الرأي حيث استدل أولاً بأن اسم المسلم نقل من معناه اللغوي الذي هو الانقياد والاستسلام إلى معنى شرعي جديد غير معناه اللغوي حيث أصبح في الشرع اسماً لمن يستحق المدح والتعظيم لأنه لو كان مُبقى على أصله اللغوي لجاز إجراؤه على الكافر إذا انقاد للغير، ومعلوم خلاف ذلك، ولما كان يجوز إجراؤه على النائم والساهي. لأن الانقياد منهما غير مقصود، ولكان يجب أن
1 عبد الجبار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة بتحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان، ص705، ط مطبعة الاستقلال الكبرى، القاهرة، سنة 1384هـ ـ 1965م.
لا يُسمى الآن بهذا الاسم إلا المشتغل به دون من سبق منه الإسلام، ومتى قيل كذا، قلنا: يلزم على هذا أن لا نسمي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الآن مسلمين حقيقة، وقد عرف خلاف ذلك، وكان يجب أيضاً أن لا يزول هذا الاسم بالندم وغيره، وقد عرف خلافه 1 اهـ. (بتصرف) .
ثم استدل بعد ذلك على هذا النقل ـ أي نقل اسم الإسلام من معناه اللغوي إلى معناه الشرعي الجديد ـ استدل بقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} 2، فقال: سمى هذه الجُمل دِيناً، ثم بين في آية أخرى أن الدين عند الله الإسلام، ولو كان مُبقى على أصل اللغة لم يصح ذلك، لأنه في الأصل غير مستعمل في إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وهذا كما يدل على أنه غير مُبقى على الأصل، فإنه يدل على أنه لا يجوز إجراؤه إلا على من يستحق المدح والتعظيم كالمؤمن سواء 3.
وقال أيضاً: ومما يدل على أن الدين والإسلام واحد قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} 4 والمعلوم أنه لو اتخذ الإيمان ديناً لقُبل منه 5.
فالآية الأولى استدل بها على أن الإسلام نقل من معناه اللغوي المعروف إلى معنى شرعي فيه انقياد مخصوص ووجه الاستدلال واضح من كلامه. أما هذه الآية الثانية فقد استدل بها على الترادف بين الإيمان والإسلام الشرعيين، ووجه ذلك أن الله تبارك وتعالى صرَّح في الآية بأن أيَّ دين غير دين الإسلام فهو مردود مرفوض ولا أحد ينكر أن من اتخذ الإيمان ديناً أن ذلك مقبول بدون جدال، فدل ذلك على اتحاد معنى الإيمان والإسلام، واندراجهما تحت كلمة دين.
1 المصدر السابق، ولا يخفى ما في هذا الكلام من تلاعب بالألفاظ ولكن المنهج العقلي عندهم يبرر كل قول يريدونه ويقتنعون به.
2 البينة: 5.
3 عبد الجبار بن أحمد، المصدر السابق ص706.
4 آل عمران: 85.
5 المصدر السابق.
ومن أدلتهم على الترادف أيضاً قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، قال عبد الجبار: فلو لم يكن أحدهما هو الآخر لكان لا يصح الاستثناء على هذا الوجه.
ويقول أيضاً في كتابه ((متشابه القرآن)) في بيان المراد من قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} ، يقول: فإنه لا يدل على أن الإيمان غير الإسلام، وذلك أن المراد بهذا الكلام أنهم لم يؤمنوا في الحقيقة، وانقادوا واستسلموا، فذكر تعالى في حالهم ما ذكره يبين ذلك أنه تعالى قال:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ومن لم يدخل الإيمان في قلبه البتة لا يكون مسلماً عند أحد إلا بعض المتأخرين فإنه يقول في مظهر الشهادتين أنه مسلم، لكنه لا يقول مع ذلك أنه مؤمن أيضاً، فلا يقدح خلافه فيما ذكرناه.
إلى غير ذلك مما استدل به القوم على ما ذهبوا إليه من القول بالترادف بين الإيمان والإسلام، من حيث الحقيقة الشرعية، فكما أن الإيمان تصديق وقول وعمل، فكذلك الإسلام وكما أن الإيمان يزيد وينقص، على ما سنبين من مذهبهم في ذلك فكذلك الإسلام يزيد وينقص، وكما أن اسم الإيمان يُسلَب كلية عن مرتكب الذنب الكبير، فكذلك اسم الإسلام. ومذهبهم هذا ـ أي القول بالترادف بين الإيمان والإسلام قد تقدم في بيان مذهب السلف في هذه الناحية أنه أحد أقوالهم. وأدلة القائلين بالترادف من السلف وغيرهم متقاربة، والله أعلم.