المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولحقيقة الإيمان عند المعتزلة - الإيمان بين السلف والمتكلمين

[أحمد بن عطية الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: مذهب السلف في الإيمان

- ‌الفصل الأول: في حقيقة الإيمان

- ‌الفصل الثانيالصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌الفصل الثالثزيادة الإيمان ونقصه

- ‌الفصل الرابعمذهب السلف في مرتكب الكبيرة

- ‌الفصل الخامسالاستثناء في الإيمان

- ‌الباب الثاني: مذاهب المتكلمين في الإيمان

- ‌الفصل الأول: الخوارج

- ‌الفصل الثانيالمرجئة

- ‌الفصل الرابعالجهمية

- ‌الفصل الخامسالكرامية

-

- ‌الفصل السادس: المعتزلة

- ‌المبحث الأولحقيقة الإيمان عند المعتزلة

- ‌المبحث الثانيالصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالثزيادة الإيمان ونقصه

- ‌المبحث الرابعحكم مرتكب الكبيرة عند المعتزلة

-

- ‌الفصل السابع:الأشاعرة

- ‌المبحث الأولحقيقة الإيمان عند الأشاعرة

- ‌المبحث الثانيالصلة بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الثالثمذهب الأشاعرة في زيادة الإيمان ونقصه

- ‌المبحث الرابعرأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الخامسالاستثناء في الإيمان عند الأشاعرة

- ‌الباب الثالث: موقف السلف من أراء مذاهب المتكلمين

- ‌الفصل الأول: موقف السلف من آراء المتكلمين في حقيقة الإيمان

- ‌الفصل الثاني: موقف السلف من آراء المتكلمين في زيادة الإيمان ونقصه

- ‌الفصل الثالثموقف السلف من المتكلمين في حكم مرتكب الكبيرة

- ‌الفصل الرابعموقف السلفمن المتكلمين في مسألة الاستثناء

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الأولحقيقة الإيمان عند المعتزلة

‌المبحث الأول

حقيقة الإيمان عند المعتزلة

يرى المعتزلة أن الإيمان الشرعي المعتبر مركب من أجزاء ثلاثة: اعتقاد بالقلب، وتصديق باللسان، وعمل بالجوارح. وهم بهذا يوافقون السلف الذين قالوا بهذا القول، واستدلوا له من الكتاب والسنة، وإنما الخلاف بين الفريقين يكمن في حكم العصاة من المؤمنين وليس هذا موضع إيضاح لجوهر هذا الخلاف فلذلك موضعه، غير أننا هنا نكتفي ببيان مذهب المعتزلة على حقيقته فنقول:

إن الألفاظ المعبِّرة عن هذا المذهب قد اختلفت من باحث لآخر. وقبل بيان المراد من جميع ما أورده العلماء من تعريفات للإيمان على مذهب هذه الفرقة أبدأ بسرد بعض ما ورد من تلك الألفاظ. فهذا أبو محمد ابن حزم الأندلسي يحكي عن المعتزلة وغيرهم قولهم: إن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين، والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح، وإن كل طاعة وعمل خير فرضاً كان أو نافلة فهي إيمان 1. وحكى البغدادي عنهم قولهم برجوع الإيمان إلى جميع الفرائض مع ترك الكبائر 2. أما ابن تيمية فحكى

1 ابن حزم، أبو محمد علي بن حزم الأندلسي الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج3 ص188.

2 البغدادي، أبو منصور، عبد القاهر بن طاهر التميمي، أصول الدين، ص249، ط1 مطبعة الدولة باستانبول، سنة 1346هـ ـ 1928م.

ص: 121

عنهم قولهم: إن الإيمان جماع الطاعات1. إلى غير ذلك من المصادر التي تحكي عنهم قولاً واحداً، نأتي بعد ذلك إلى أبي الحسن الأشعري حيث ذكر عنهم أقوالاً ستة، فقال:

واختلفت المعتزلة في الإيمان ما هو على ستة أقاويل:

1 ـ فقال قائلون: الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها. وإن المعاصي ضربان: منها ما هو صغائر، ومنها ما هو كبائر. وإن الكبائر على ضربين، منها ما هو كفر، ومنها ما ليس بكفر

الخ.

والقائل بهذا القول هم أصحاب أبي الهذيل، وإلى هذا القول كان يذهب أبو الهذيل.

2 ـ وقال هشام الفوطي: الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها، والإيمان على ضربين، إيمان بالله، وإيمان لله، ولا يقال إنه إيمان بالله.

3 ـ وقال عباد بن سليمان: " الإيمان هو جميع ما أمر الله سبحانه به من الفرض وما رغب فيه من النفل، والإيمان على وجهين: إيمان بالله وهو ما كان تاركه أو تارك شيئ منه كافراً كالملة،والتوحيد، والإيمان لله إذا تركه تارك لم يكفر "اهـ.

4 ـ وقال إبراهيم النظام: الإيمان اجتناب الكبائر

5 ـ وقال آخرون: الإيمان اجتناب ما فيه الوعيد عندنا وعند الله

6 ـ وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي يزعم أن الإيمان لله هو جميع ما افترضه الله سبحانه ـ على عباده، وأن النوافل ليست بإيمان وأن كل خصلة من الخصال التي افترضها الله سبحانه فهي بعض إيمان لله 2 اهـ.

1 ابن تيمية، كتاب الإيمان، ص280،، دمشق، ط المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، بدون تاريخ.

2 انتهى باختصار، نقلاً عن مقالات الإسلاميين للأشعري، بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ج1 ص329-331.

ص: 122

وهكذا فإن أغلب مؤرخي الفرق يحكي عن المعتزلة اتفاقهم على قول واحد، أما أبو الحسن الأشعري فجعل آراءهم ستة. وبعد إمعان النظر في ذلك كله وجدت أن جميع الآراء التي ذكرها الأشعري بالإضافة إلى ما تقدم، ترجع في جملتها إلى رأيين اثنين لا ثالث لهما.

والخلاف في تعدد الآراء إنما يرجع إلى اللفظ لا إلى الحقيقة، وهذان الرأيان هما:

1 ـ إن الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها، واجتناب الكبائر.

2 ـ إن الإيمان هو جميع الطاعات الفرض منها دون النفل، واجتناب الكبائر وقد ذكر هذين الرأيين القاضي عبد الجبار حيث قال: الإيمان عند أبي علي وأبي هاشم عبارة عن أداء الطاعات الفرائض دون النوافل، واجتناب المقبَّحات. وعند أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل واجتناب المقبَّحات. قال المعلق: وهو الصحيح من المذهب الذي اختاره قاضي القضاة1.

ورأي المعتزلة الذي تتفق عليه والذي يبدو واضحاً من التعريفين السالفين هو جعل الطاعات المفروضة من الإيمان وهذا هو بعينه مذهب الزيدية الذين يوافقونهم في هذا الباب2. والخلاف كما هو واضح ينحصر بينهم في النوافل هل هي داخلة في الإيمان أو لا. وحينما يعبرون بالطاعات فإنهم يقصدون الطاعات التي تصدر عن القلب، فطاعته اعتقاده وتصديقه، وعن اللسان وطاعته قوله الخير وتعبيره عما في قلبه، والعمل ببقية الجوارح

1 انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار، تعليق الإمام أحمد بن الحسين بن أبي هاشم، وتحقيق الدكتور عثمان، ص707، ط1 مطبعة الاستقلال الكبرى، القاهرة، سنة 1384هـ ـ 1965م.

2 انظر: كتاب العقد الثمين في معرفة رب العالمين للعالم الزيدي الأمير الحسين بن بدر الدين المتوفى سنة 662هـ، ط1 مطبوعات دار مكتبة الحياة، بيروت، سنة 1392هـ ـ 1972م.

ص: 123

سواء كان ذلك مفروضاً أو نافلة. وقد ذكر أحمد بن يحيى بن المرتضى في كتابه طبقات المعتزلة اجماعهم على هذا المعنى حيث قال: أجمعت المعتزلة على أن الإيمان قول ومعرفة وعمل1.

وإذاً فالمعتزلة قد عوَّلوا على العمل كثيراً، والعمل عندهم له شأن، لأنه لا قيمة للتكاليف إذا لم يقم بها مَن كُلِّفوا بأدائها، ولهذا جعلوا الإيمان فولاً ومعرفة وعملاً، فالقول لا بد منه حتى يكون كالبيان والإظهار لما في القلب، ولا يمكن أن نميِّز المؤمن من غيره إلا بالنطق باللسان ولا يقلّ العمل عندهم في تحقيق الإيمان عن الركنين الآخرين. وهذا الأمر موضع اتفاق بين المعتزلة والسلف.

أما أدلة المعتزلة على ما ذهبوا إليه في حقيقة الإيمان، فهي بعينها أدلة السلف في هذا الباب، وقد تقدم ذكرها فأكتفي هنا ببيان مثال منها لتتبين الموافقة في طريقة الاستدلال.

فمن أدلة المعتزلة من القرآن الكريم قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (1) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (2) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّا} 2. يقول القاضي عبد الجبار: إن هذه الآية تدل على أن الإيمان ليس هو القول باللسان، أو اعتقاد القلب على ما ذهب المخالف إليه، ولكنه كل واجب وطاعة، لأنه تعالى ذكر في صفة المؤمنين ما يختص بالقلب، وما يختص بالجوارح لما اشترك الكل في أنه من الطاعات والفرائض 3.

ومما استدلوا به من الأحاديث النبوية الشريفة: حديث شعب الإيمان ـ وقد تقدم ـ فقد ذكره كدليل للمعتزلة على هذا الرأي العالم الزيدي جعفر بن

1 أحمد بن يحيى بن المرتضي، طبقات المعتزلة بتحقيق سوسنة ديفلد، ص8، ط المطبعة الكاثوليكية، بيروت، سنة 1380هـ ـ 1961م.

2 الأنفال: 2-4.

3 عبد الجبار بن أحمد، متشابه القرآن، تحقيق الدكتور عدنان محمد زرزور، ج1 ص312، القاهرة، ط دار النصر للطباعة، بدون تاريخ.

ص: 124

أحمد بن عبد السلام في كتابه ((أمالي القاضي عبد الجبار المعتزلي)) ، وعقب عليه بذكر كلام القاضي عبد الجبار على هذا الحديث حيث قال قاضي القضاة: وإنما أراد صلى الله عليه وسلم أن يأتي بالشهادة على معرفة وبصيرة، لا كما ينطق بها المنافق، ودل بذلك على أن الإيمان كما يدخل فيه القول، كذلك يدخل فيه الفعل بالجوارح. وقد ذكر المصنف أدلة مماثلة، وسرد طريقة المعتزلة في الاستدلال بها على هذا النمط، الذي هو بعينه استدلال السلف، فلا داعي لإعادتها.

ص: 125