المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌15 - باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدا. قال ابن عباس من نسي فلا بأسوقال الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} والناسي لا يسمى فاسقا. وقوله: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121] - شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري - جـ ٨

[القسطلاني]

فهرس الكتاب

- ‌67 - كتاب النكاح

- ‌1 - باب التَّرْغِيبُ فِي النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}

- ‌2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ. لأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ». وَهَلْ يَتَزَوَّجُ مَنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّكَاحِ

- ‌3 - باب مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ

- ‌4 - باب كَثْرَةِ النِّسَاءِ

- ‌5 - باب مَنْ هَاجَرَ أَوْ عَمِلَ خَيْرًا لِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَلَهُ مَا نَوَى

- ‌6 - باب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ الْقُرْآنُ وَالإِسْلَامُ. فِيهِ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لأَخِيهِ انْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ شِئْتَ حَتَّى أَنْزِلَ لَكَ عَنْهَا، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ

- ‌8 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّبَتُّلِ وَالْخِصَاءِ

- ‌9 - باب نِكَاحِ الأَبْكَارِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ: لَمْ يَنْكِحِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكْرًا غَيْرَكِ

- ‌10 - باب الثَّيِّبَاتِ وَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ قَالَ: لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ»

- ‌11 - باب تَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنَ الْكِبَارِ

- ‌12 - باب إِلَى مَنْ يَنْكِحُ، وَأَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ

- ‌12 م - باب اتِّخَاذِ السَّرَارِيِّ وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا

- ‌13 - باب مَنْ جَعَلَ عِتْقَ الأَمَةِ صَدَاقَهَا

- ‌14 - باب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}

- ‌15 - باب الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}

- ‌16 - باب الأَكْفَاءِ فِي الْمَالِ، وَتَزْوِيجِ الْمُقِلِّ الْمُثْرِيَةَ

- ‌17 - باب مَا يُتَّقَى مِنْ شُؤْمِ الْمَرْأَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ}

- ‌18 - باب الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ

- ‌19 - باب لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام: يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُولِى أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ

- ‌20 - باب {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ

- ‌21 - باب مَنْ قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ

- ‌22 - باب لَبَنِ الْفَحْلِ

- ‌23 - باب شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ

- ‌24 - باب مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} إِلَى آخِرِ الآيَةَ، وَقَالَ أَنَسٌ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ الْحَرَائِرُ حَرَامٌ {إِلَاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ. وَقَالَ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَهْوَ حَرَامٌ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ

- ‌25 - باب {وَرَبَائِبُكُمُ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}

- ‌26 - باب {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ}

- ‌27 - باب لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا

- ‌28 - باب الشِّغَارِ

- ‌29 - باب هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لأَحَدٍ

- ‌30 - باب نِكَاحِ الْمُحْرِمِ

- ‌31 - باب نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ آخِرًا

- ‌32 - باب عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ

- ‌33 - باب عَرْضِ الإِنْسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ

- ‌34 - باب قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ} الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ حَلِيمٌ} {أَكْنَنْتُمْ}: أَضْمَرْتُمْ وَكُلُّ شَيْءٍ صُنْتَهُ فَهْوَ مَكْنُونٌ

- ‌35 - باب النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ

- ‌36 - باب مَنْ قَالَ: لَا نِكَاحَ إِلَاّ بِوَلِيٍّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} فَدَخَلَ فِيهِ الثَّيِّبُ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ. وَقَالَ: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وَقَالَ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ}

- ‌38 - باب إِنْكَاحِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصِّغَارَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَاّئِي لَمْ يَحِضْنَ} فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ

- ‌39 - باب تَزْوِيجِ الأَبِ ابْنَتَهُ مِنَ الإِمَامِ.وَقَالَ عُمَرُ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ حَفْصَةَ فَأَنْكَحْتُهُ

- ‌40 - باب السُّلْطَانُ وَلِيٌّ، بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»

- ‌41 - باب لَا يُنْكِحُ الأَبُ وَغَيْرُهُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ إِلَاّ بِرِضَاهَا

- ‌42 - باب إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهْيَ كَارِهَةٌ، فَنِكَاحُهُ مَرْدُودٌ

- ‌43 - باب تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ، لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا}إِذَا قَالَ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فَمَكِثَ سَاعَةً أَوْ قَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا أَوْ لَبِثَا ثُمَّ قَالَ: زَوَّجْتُكَهَا فَهْوَ جَائِزٌ. فِيهِ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌44 - باب إِذَا قَالَ: الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ بِكَذَا وَكَذَا، جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلزَّوْجِ أَرَضِيتَ أَوْ قَبِلْتَ

- ‌45 - باب لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَدَعَ

- ‌46 - باب تَفْسِيرِ تَرْكِ الْخِطْبَةِ

- ‌47 - باب الْخُطْبَةِ

- ‌48 - باب ضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ وَالْوَلِيمَةِ

- ‌49 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وَكَثْرَةِ الْمَهْرِ، وَأَدْنَى مَا يَجُوزُ مِنَ الصَّدَاقِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ} وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»

- ‌50 - باب التَّزْوِيجِ عَلَى الْقُرْآنِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ

- ‌51 - باب الْمَهْرِ بِالْعُرُوضِ وَخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ

- ‌52 - باب الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ

- ‌53 - باب الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ.وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَشْتَرِطِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا

- ‌54 - باب الصُّفْرَةِ لِلْمُتَزَوِّجِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌55 - باب

- ‌56 - باب كَيْفَ يُدْعَى لِلْمُتَزَوِّجِ

- ‌57 - باب الدُّعَاءِ لِلنِّسَاءِ اللَاّتِي يَهْدِينَ الْعَرُوسَ، وَلِلْعَرُوسِ

- ‌58 - باب مَنْ أَحَبَّ الْبِنَاءَ قَبْلَ الْغَزْوِ

- ‌59 - باب مَنْ بَنَى بِامْرَأَةٍ وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ

- ‌60 - باب الْبِنَاءِ فِي السَّفَرِ

- ‌61 - باب الْبِنَاءِ بِالنَّهَارِ بِغَيْرِ مَرْكَبٍ وَلَا نِيرَانٍ

- ‌62 - باب الأَنْمَاطِ وَنَحْوِهَا لِلنِّسَاءِ

- ‌63 - باب النِّسْوَةِ اللَاّتِي يَهْدِينَ الْمَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا

- ‌64 - باب الْهَدِيَّةِ لِلْعَرُوسِ

- ‌65 - باب اسْتِعَارَةِ الثِّيَابِ لِلْعَرُوسِ وَغَيْرِهَا

- ‌66 - باب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ

- ‌67 - باب الْوَلِيمَةُ حَقٌّ

- ‌68 - باب الْوَلِيمَةِ وَلَوْ بِشَاةٍ

- ‌69 - باب مَنْ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ

- ‌70 - باب مَنْ أَوْلَمَ بِأَقَلَّ مِنْ شَاةٍ

- ‌71 - باب حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ، وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ

- ‌72 - باب مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ

- ‌73 - باب مَنْ أَجَابَ إِلَى كُرَاعٍ

- ‌74 - باب إِجَابَةِ الدَّاعِي فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهَا

- ‌75 - باب ذَهَابِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِلَى الْعُرْسِ

- ‌76 - باب هَلْ يَرْجِعُ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي الدَّعْوَةِ؟وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ، وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا فَرَجَعَ

- ‌77 - باب قِيَامِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرِّجَالِ فِي الْعُرْسِ وَخِدْمَتِهِمْ بِالنَّفْسِ

- ‌78 - باب النَّقِيعِ وَالشَّرَابِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ فِي الْعُرْسِ

- ‌79 - باب الْمُدَارَاةِ مَعَ النِّسَاءِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ»

- ‌80 - باب الْوَصَاةِ بِالنِّسَاءِ

- ‌81 - باب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}

- ‌82 - باب حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الأَهْلِ

- ‌83 - باب مَوْعِظَةِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوْجِهَا

- ‌84 - باب صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا تَطَوُّعًا

- ‌85 - باب إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا

- ‌86 - باب لَا تَأْذَنُ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا لأَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِهِ

- ‌87 - باب

- ‌88 - باب كُفْرَانِ الْعَشِيرِوَهْوَ الزَّوْجُ وَهْوَ الْخَلِيطُ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌89 - باب لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ. قَالَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌90 - باب الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا

- ‌91 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}

- ‌92 - باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ.وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رَفْعُهُ «غَيْرَ أَنْ لَا تُهْجَرَ إِلَاّ فِي الْبَيْتِ» وَالأَوَّلُ أَصَحُّ

- ‌93 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ، وَقَوْلِهِ: {وَاضْرِبُوهُنَّ} ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ

- ‌94 - باب لَا تُطِيعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَعْصِيَةٍ

- ‌95 - باب {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}

- ‌96 - باب الْعَزْلِ

- ‌97 - باب الْقُرْعَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا

- ‌98 - باب الْمَرْأَةِ تَهَبُ يَوْمَهَا مِنْ زَوْجِهَا لِضَرَّتِهَا، وَكَيْفَ يُقْسِمُ ذَلِكَ

- ‌99 - باب الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَاسِعًا حَكِيمًا}

- ‌100 - باب إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ

- ‌101 - باب إِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ

- ‌102 - باب مَنْ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ

- ‌103 - باب دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى نِسَائِهِ فِي الْيَوْمِ

- ‌104 - باب إِذَا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ نِسَاءَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ بَعْضِهِنَّ فَأَذِنَّ لَهُ

- ‌105 - باب حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ

- ‌106 - باب الْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يَنَلْ، وَمَا يُنْهَى مِنِ افْتِخَارِ الضَّرَّةِ

- ‌107 - باب الْغَيْرَةِ. وَقَالَ وَرَّادٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي»

- ‌108 - باب غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ

- ‌109 - باب ذَبِّ الرَّجُلِ عَنِ ابْنَتِهِ فِي الْغَيْرَةِ وَالإِنْصَافِ

- ‌110 - باب يَقِلُّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرُ النِّسَاءُ، وَقَالَ أَبُو مُوسَى: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «وَتَرَى الرَّجُلَ الْوَاحِدَ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً، يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ»

- ‌111 - باب لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَاّ ذُو مَحْرَمٍ، وَالدُّخُولُ عَلَى الْمُغِيبَةِ

- ‌112 - باب مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ

- ‌113 - باب مَا يُنْهَى مِنْ دُخُولِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْمَرْأَةِ

- ‌114 - باب نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ

- ‌115 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ لِحَوَائِجِهِنَّ

- ‌116 - باب اسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ

- ‌117 - باب مَا يَحِلُّ مِنَ الدُّخُولِ وَالنَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ فِي الرَّضَاعِ

- ‌118 - باب لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا

- ‌119 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِهِ

- ‌120 - باب لَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ، مَخَافَةَ أَنْ يُخَوِّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ

- ‌121 - باب طَلَبِ الْوَلَدِ

- ‌122 - باب تَسْتَحِدُّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطُ الشَّعِثَةُ

- ‌123 - باب {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ} -إِلَى قَوْلِهِ-: {لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}

- ‌124 - باب {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ}

- ‌125 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: هَلْ أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ وَطَعْنِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ فِي الْخَاصِرَةِ عِنْدَ الْعِتَابِ

- ‌68 - كتاب الطلاق

- ‌1 - باب أَحْصَيْنَاهُ: حَفِظْنَاهُ وَعَدَدْنَاهُ.وَطَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ

- ‌2 - باب إِذَا طُلِّقَتِ الْحَائِضُ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ

- ‌3 - باب مَنْ طَلَّقَ وَهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالطَّلَاقِ

- ‌4 - باب مَنْ أَجَازَ طَلَاقَ الثَّلَاثِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

- ‌5 - باب مَنْ خَيَّرَ نِسَاءَهُ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}

- ‌6 - باب

- ‌7 - باب

- ‌8 - باب {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌9 - باب

- ‌10 - باب إِذَا قَالَ: لاِمْرَأَتِهِ وَهْوَ مُكْرَهٌ: هَذِهِ أُخْتِي، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِسَارَةَ هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عز وجل»

- ‌11 - باب الطَّلَاقِ فِي الإِغْلَاقِ وَالْكُرْهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا وَالْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلَاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»

- ‌12 - باب الْخُلْعِ، وَكَيْفَ الطَّلَاقُ فِيهِ

- ‌13 - باب الشِّقَاقِ، وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؟ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} الآيَةَ

- ‌14 - باب لَا يَكُونُ بَيْعُ الأَمَةِ طَلَاقًا

- ‌15 - باب خِيَارِ الأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ

- ‌16 - باب شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ

- ‌17 - باب

- ‌18 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}

- ‌19 - باب نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ وَعِدَّتِهِنَّ

- ‌20 - باب إِذَا أَسْلَمَتِ الْمُشْرِكَةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ أَوِ الْحَرْبِيِّ

- ‌21 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} رَجَعُوا {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 و227]

- ‌22 - باب حُكْمِ الْمَفْقُودِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ

- ‌23 - باب الظِّهَارِ

- ‌24 - باب الإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالأُمُورِ

- ‌25 - باب اللِّعَانِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

- ‌26 - باب إِذَا عَرَّضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ

- ‌27 - باب إِحْلَافِ الْمُلَاعِنِ

- ‌28 - باب يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلَاعُنِ

- ‌29 - باب اللِّعَانِ، وَمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ اللِّعَانِ

- ‌30 - باب التَّلَاعُنِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌31 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ»

- ‌32 - باب صَدَاقِ الْمُلَاعَنَةِ

- ‌33 - باب قَوْلِ الإِمَامِ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ

- ‌34 - باب التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ

- ‌35 - باب يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْمُلَاعِنَةِ

- ‌36 - باب قَوْلِ الإِمَامِ اللَّهُمَّ بَيِّنْ

- ‌37 - باب إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَمْ يَمَسَّهَا

- ‌38 - باب {وَاللَاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ}

- ‌39 - باب {وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}

- ‌40 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

- ‌41 - باب قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَقَوْلِهِ عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}. {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} -إِلَى قَوْلِهِ- {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}

- ‌42 - باب الْمُطَلَّقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْهَا، أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا بِفَاحِشَةٍ

- ‌43 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ

- ‌44 - باب {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فِي الْعِدَّةِ وَكَيْفَ يُرَاجِعُ الْمَرْأَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ

- ‌45 - باب مُرَاجَعَةِ الْحَائِضِ

- ‌46 - باب تُحِدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

- ‌47 - باب الْكُحْلِ لِلْحَادَّةِ

- ‌48 - باب الْقُسْطِ لِلْحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْرِ

- ‌49 - باب تَلْبَسُ الْحَادَّةُ ثِيَابَ الْعَصْبِ

- ‌50 - باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

- ‌51 - باب مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً وَهْوَ لَا يَشْعُرُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا أَخَذَتْ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لَهَا صَدَاقُهَا

- ‌52 - باب الْمَهْرِ لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهَا وَكَيْفَ الدُّخُولُ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَسِيسِ

- ‌53 - باب الْمُتْعَةِ لِلَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وَقَوْلِهِ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُلَاعَنَةِ مُتْعَةً حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا

- ‌69 - كتاب النفقات

- ‌1 - باب (فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ)

- ‌2 - باب وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ وَالْعِيَالِ

- ‌3 - باب حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَاتُ الْعِيَالِ

- ‌4 - باب

- ‌5 - باب نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ

- ‌6 - باب عَمَلِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا

- ‌7 - باب خَادِمِ الْمَرْأَةِ

- ‌8 - باب خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ

- ‌9 - باب إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ

- ‌10 - باب حِفْظِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَةِ

- ‌11 - باب كِسْوَةِ الْمَرْأَةِ بِالْمَعْرُوفِ

- ‌12 - باب عَوْنِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي وَلَدِهِ

- ‌13 - باب نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ عَلَى أَهْلِهِ

- ‌14 - باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}

- ‌15 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ كَلاًّ أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ»

- ‌16 - باب الْمَرَاضِعِ مِنَ الْمَوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ

- ‌70 - كتاب الأطعمة

- ‌1 - باب وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وَقَوْلِهِ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}

- ‌2 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ، وَالأَكْلِ بِالْيَمِينِ

- ‌3 - باب الأَكْلِ مِمَّا يَلِيهِ وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ»

- ‌4 - باب مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ مَعَ صَاحِبِهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ كَرَاهِيَةً

- ‌5 - باب التَّيَمُّنِ فِي الأَكْلِ وَغَيْرِهِ

- ‌6 - باب مَنْ أَكَلَ حَتَّى شَبِعَ

- ‌7 - باب {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ} الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}

- ‌8 - باب الْخُبْزِ الْمُرَقَّقِ، وَالأَكْلِ عَلَى الْخِوَانِ وَالسُّفْرَةِ

- ‌9 - باب السَّوِيقِ

- ‌10 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ فَيَعْلَمُ مَا هُوَ

- ‌11 - باب طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ

- ‌12 - باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ

- ‌0000 - باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ

- ‌13 - باب الأَكْلِ مُتَّكِئًا

- ‌14 - باب الشِّوَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أَيْ مَشْوِيٍّ

- ‌15 - باب الْخَزِيرَةِ. وَقَالَ النَّضْرُ: الْخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ وَالْحَرِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ

- ‌16 - باب الأَقِطِ

- ‌17 - باب السِّلْقِ وَالشَّعِيرِ

- ‌18 - باب النَّهْسِ، وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ

- ‌19 - باب تَعَرُّقِ الْعَضُدِ

- ‌20 - باب قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ

- ‌21 - باب مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا

- ‌22 - باب النَّفْخِ فِي الشَّعِيرِ

- ‌23 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ

- ‌24 - باب التَّلْبِينَةِ

- ‌25 - باب الثَّرِيدِ

- ‌26 - باب شَاةٍ مَسْمُوطَةٍ وَالْكَتِفِ وَالْجَنْبِ

- ‌27 - باب مَا كَانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: صَنَعْنَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ سُفْرَةً

- ‌28 - باب الْحَيْسِ

- ‌29 - باب الأَكْلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ

- ‌30 - باب ذِكْرِ الطَّعَامِ

- ‌31 - باب الأُدْمِ

- ‌32 - باب الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ

- ‌33 - باب الدُّبَّاءِ

- ‌34 - باب الرَّجُلِ يَتَكَلَّفُ الطَّعَامَ لإِخْوَانِهِ

- ‌35 - باب مَنْ أَضَافَ رَجُلًا إِلَى طَعَامٍ وَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ

- ‌36 - باب الْمَرَقِ

- ‌37 - باب الْقَدِيدِ

- ‌38 - باب مَنْ نَاوَلَ أَوْ قَدَّمَ إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْمَائِدَةِ شَيْئًا قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُنَاوِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يُنَاوِلُ مِنْ هَذِهِ الْمَائِدَةِ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى

- ‌39 - باب الرُّطَبِ بِالْقِثَّاءِ

- ‌40 - باب

- ‌41 - باب الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقَطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25]

- ‌42 - باب أكلِ الجُمَّارِ

- ‌43 - باب الْعَجْوَةِ

- ‌44 - باب الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ

- ‌45 - باب الْقِثَّاءِ

- ‌46 - باب بَرَكَةِ النَّخْلِ

- ‌47 - باب جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ أَوِ الطَّعَامَيْنِ بِمَرَّةٍ

- ‌48 - باب مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَالْجُلُوسِ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَةً

- ‌49 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الثُّومِ وَالْبُقُولِ. فِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌50 - باب الْكَبَاثِ، وَهْوَ تَمَرُ الأَرَاكِ

- ‌51 - باب الْمَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ

- ‌52 - باب لَعْقِ الأَصَابِعِ وَمَصِّهَا قَبْلَ أَنْ تُمْسَحَ بِالْمِنْدِيلِ

- ‌53 - باب الْمِنْدِيلِ

- ‌54 - باب مَا يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ

- ‌55 - باب الأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ

- ‌56 - باب الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ، مِثْلُ الصَّائِمِ الصَّابِرِ. فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌57 - باب الرَّجُلِ يُدْعَى إِلَى طَعَامٍ فَيَقُولُ: وَهَذَا مَعِي.وَقَالَ أَنَسٌ: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ

- ‌58 - باب إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ فَلَا يَعْجَلْ عَنْ عَشَائِهِ

- ‌59 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}

- ‌71 - كتاب العقيقة

- ‌1 - باب تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ، وَتَحْنِيكِهِ

- ‌2 - باب إِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الصَّبِيِّ فِي الْعَقِيقَةِ

- ‌3 - باب الْفَرَعِ

- ‌4 - باب الْعَتِيرَةِ

- ‌72 - كتاب الذبائح والصيد

- ‌1 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيْدِ

- ‌2 - باب صَيْدِ الْمِعْرَاضِ

- ‌3 - باب مَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ

- ‌4 - باب صَيْدِ الْقَوْسِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبَ صَيْدًا فَبَانَ مِنْهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ لَا تَأْكُلُ الَّذِي بَانَ، وَتَأْكُلُ سَائِرَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ أَوْ وَسَطَهُ فَكُلْهُ، وَقَالَ الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدٍ: اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ حِمَارٌ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ حَيْثُ تَيَسَّرَ، دَعُوا مَا سَقَطَ مِنْهُ وَكُلُوهُ

- ‌5 - باب الْخَذْفِ وَالْبُنْدُقَةِ

- ‌6 - باب مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ

- ‌7 - باب إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الصَّوَائِدُ وَالْكَوَاسِبُ اجْتَرَحُوا اكْتَسَبُوا {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {سَرِيعُ الْحِسَابِ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} فَتُضْرَبُ وَتُعَلَّمُ حَتَّى يَتْرُكَ. وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ

- ‌8 - باب الصَّيْدِ إِذَا غَابَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً

- ‌9 - باب إِذَا وَجَدَ مَعَ الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ

- ‌10 - باب مَا جَاءَ فِي التَّصَيُّدِ

- ‌11 - باب التَّصَيُّدِ عَلَى الْجِبَالِ

- ‌12 - باب

- ‌13 - باب أَكْلِ الْجَرَادِ

- ‌14 - باب آنِيَةِ الْمَجُوسِ وَالْمَيْتَةِ

- ‌15 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ فَلَا بَأْسَوَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وَالنَّاسِي لَا يُسَمَّى فَاسِقًا. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]

- ‌16 - باب مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَالأَصْنَامِ

- ‌17 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ»

- ‌18 - باب مَا أَنْهَرَ الدَّمَ مِنَ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ وَالْحَدِيدِ

- ‌19 - باب ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالأَمَةِ

- ‌20 - باب لَا يُذَكَّى بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ وَالظُّفُرِ

- ‌21 - باب ذَبِيحَةِ الأَعْرَابِ وَنَحْوِهِمْ

- ‌22 - باب ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشُحُومِهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ نَصَارِىِّ الْعَرَبِ، وَإِنْ سَمِعْتَهُ يُسَمِّي لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الأَقْلَفِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ

- ‌23 - باب مَا نَدَّ مِنَ الْبَهَائِمِ فَهْوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْشِ. وَأَجَازَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَعْجَزَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَهْوَ كَالصَّيْدِ وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ

- ‌24 - باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ

- ‌25 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْمُثْلَةِ وَالْمَصْبُورَةِ وَالْمُجَثَّمَةِ

- ‌26 - باب الدَّجَاجِ

- ‌27 - باب لُحُومِ الْخَيْلِ

- ‌28 - باب لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. فِيهِ عَنْ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌29 - باب أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ

- ‌30 - باب جُلُودِ الْمَيْتَةِ

- ‌31 - باب الْمِسْكِ

- ‌32 - باب الأَرْنَبِ

- ‌33 - باب الضَّبِّ

- ‌34 - باب إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ أَوِ الذَّائِبِ

- ‌35 - باب الْوَسْمِ وَالْعَلَمِ فِي الصُّورَةِ

- ‌36 - باب إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ غَنِيمَةً، فَذَبَحَ بَعْضُهُمْ غَنَمًا أَوْ إِبِلًا بِغَيْرِ أَمْرِ أَصْحَابِهِمْ، لَمْ تُؤْكَلْ لِحَدِيثِ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ طَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ فِي ذَبِيحَةِ السَّارِقِ اطْرَحُوهُ

- ‌37 - باب إِذَا نَدَّ بَعِيرٌ لِقَوْمٍ، فَرَمَاهُ بَعْضُهُمْ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَأَرَادَ إِصْلَاحَهُمْ فَهْوَ جَائِزٌ لِخَبَرِ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌38 - باب

- ‌73 - كتاب الأضاحي

- ‌1 - باب سُنَّةِ الأُضْحِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ

- ‌2 - باب قِسْمَةِ الإِمَامِ الأَضَاحِيَّ بَيْنَ النَّاسِ

- ‌3 - باب الأُضْحِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ

- ‌4 - باب مَا يُشْتَهَى مِنَ اللَّحْمِ يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌5 - باب مَنْ قَالَ: الأَضْحَى يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌6 - باب الأَضْحَى وَالْمَنْحَرِ بِالْمُصَلَّى

- ‌7 - باب فِي أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ.وَيُذْكَرُ سَمِينَيْنِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ

- ‌8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بُرْدَةَ: «ضَحِّ بِالْجَذَعِ مِنَ الْمَعَزِ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»

- ‌9 - باب مَنْ ذَبَحَ الأَضَاحِيَّ بِيَدِهِ

- ‌10 - باب مَنْ ذَبَحَ ضَحِيَّةَ غَيْرِهِ. وَأَعَانَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فِي بَدَنَتِهِ وَأَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ

- ‌11 - باب الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

- ‌12 - باب مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَعَادَ

- ‌13 - باب وَضْعِ الْقَدَمِ عَلَى صَفْحِ الذَّبِيحَةِ

- ‌14 - باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الذَّبْحِ

- ‌15 - باب إِذَا بَعَثَ بِهَدْيِهِ لِيُذْبَحَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ

- ‌16 - باب مَا يُؤْكَلُ مِنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ، وَمَا يُتَزَوَّدُ مِنْهَا

- ‌74 - كتاب الأشربة

- ‌1 - باب وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

- ‌2 - باب الْخَمْرُ مِنَ الْعِنَبِ

- ‌3 - باب نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهْيَ مِنَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ

- ‌4 - باب الْخَمْرُ مِنَ الْعَسَلِ، وَهْوَ الْبِتْعُ

- ‌5 - باب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْخَمْرَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ مِنَ الشَّرَابِ

- ‌6 - باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ

- ‌7 - باب الاِنْتِبَاذِ فِي الأَوْعِيَةِ وَالتَّوْرِ

- ‌8 - باب تَرْخِيصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ بَعْدَ النَّهْيِ

- ‌9 - باب نَقِيعِ التَّمْرِ مَا لَمْ يُسْكِرْ

- ‌10 - باب

- ‌11 - باب مَنْ رَأَى أَنْ لَا يَخْلِطَ الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ إِذَا كَانَ مُسْكِرًا وَأَنْ لَا يَجْعَلَ إِدَامَيْنِ فِي إِدَامٍ

- ‌12 - باب شُرْبِ اللَّبَنِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}

- ‌13 - باب اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ

- ‌14 - باب شَوْبِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ

- ‌15 - باب شَرَابِ الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ

- ‌16 - باب الشُّرْبِ قَائِمًا

- ‌17 - باب مَنْ شَرِبَ وَهْوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ

- ‌18 - باب الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ فِى الشُّرْبِ

- ‌19 - باب هَلْ يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ فِى الشُّرْبِ لِيُعْطِىَ الأَكْبَرَ

- ‌20 - باب الْكَرْعِ فِى الْحَوْضِ

- ‌21 - باب خِدْمَةِ الصِّغَارِ الْكِبَارَ

- ‌22 - باب تَغْطِيَةِ الإِنَاءِ

- ‌23 - باب اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ

- ‌24 - باب الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ

- ‌25 - باب التَّنَفُّسِ فِى الإِنَاءِ

- ‌26 - باب الشُّرْبِ بِنَفَسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ

- ‌27 - باب الشُّرْبِ فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ

- ‌28 - باب آنِيَةِ الْفِضَّةِ

- ‌29 - باب الشُّرْبِ فِى الأَقْدَاحِ

- ‌30 - باب الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَآنِيَتِهِ وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ لِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَا أَسْقِيكَ فِى قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ

- ‌31 - باب شُرْبِ الْبَرَكَةِ وَالْمَاءِ الْمُبَارَكِ

- ‌75 - كتاب المرضى

- ‌1 - باب مَا جَاءَ فِى كَفَّارَةِ الْمَرَضِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}

- ‌2 - باب شِدَّةِ الْمَرَضِ

- ‌3 - باب أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ

- ‌4 - باب وُجُوبِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ

- ‌5 - باب عِيَادَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ

- ‌6 - باب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنَ الرِّيحِ

- ‌7 - باب فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ

- ‌8 - باب عِيَادَةِ النِّسَاءِ الرِّجَالَ وَعَادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنَ الأَنْصَارِ

- ‌9 - باب عِيَادَةِ الصِّبْيَانِ

- ‌10 - باب عِيَادَةِ الأَعْرَابِ

- ‌11 - باب عِيَادَةِ الْمُشْرِكِ

- ‌12 - باب إِذَا عَادَ مَرِيضًا فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً

- ‌13 - باب وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمَرِيضِ

- ‌14 - باب مَا يُقَالُ لِلْمَرِيضِ، وَمَا يُجِيبُ

- ‌15 - باب عِيَادَةِ الْمَرِيضِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَرِدْفًا عَلَى الْحِمَارِ

- ‌16 - باب قَوْلِ الْمَرِيضِ إِنِّى وَجِعٌ أَوْ وَارَأْسَاهْ أَوِ اشْتَدَّ بِى الْوَجَعُ وَقَوْلِ أَيُّوبَ: {أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

- ‌17 - باب قَوْلِ الْمَرِيضِ: قُومُوا عَنِّى

- ‌18 - باب مَنْ ذَهَبَ بِالصَّبِىِّ الْمَرِيضِ لِيُدْعَى لَهُ

- ‌19 - باب تَمَنِّى الْمَرِيضِ الْمَوْتَ

- ‌20 - باب دُعَاءِ الْعَائِدِ لِلْمَرِيضِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا»

- ‌21 - باب وُضُوءِ الْعَائِدِ لِلْمَرِيضِ

- ‌22 - باب مَنْ دَعَا بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْحُمَّى

- ‌76 - كتاب الطب

- ‌1 - باب مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَاّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً

- ‌2 - باب هَلْ يُدَاوِى الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ

- ‌3 - باب الشِّفَاءُ فِى ثَلَاثٍ

- ‌4 - باب الدَّوَاءِ بِالْعَسَلِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}

- ‌5 - باب الدَّوَاءِ بِأَلْبَانِ الإِبِلِ

- ‌6 - باب الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ الإِبِلِ

- ‌7 - باب الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ

- ‌8 - باب التَّلْبِينَةِ لِلْمَرِيضِ

- ‌9 - باب السَّعُوطِ

- ‌10 - باب السَّعُوطِ بِالْقُسْطِ الْهِنْدِىِّ الْبَحْرِىِّ وَهُوَ الْكُسْتُ مِثْلُ الْكَافُورِ وَالْقَافُورِ مِثْلُ كُشِطَتْ وَقُشِطَتْ نُزِعَتْ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ قُشِطَتْ

- ‌11 - باب أَىَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ؟ وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلاً

- ‌12 - باب الْحَجْمِ فِى السَّفَرِ وَالإِحْرَامِ، قَالَهُ ابْنُ بُحَيْنَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - باب الْحِجَامَةِ مِنَ الدَّاءِ

- ‌14 - باب الْحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ

- ‌15 - باب الْحَجْمِ مِنَ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاعِ

- ‌16 - باب الْحَلْقِ مِنَ الأَذَى

- ‌17 - باب مَنِ اكْتَوَى أَوْ كَوَى غَيْرَهُ، وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ

- ‌18 - باب الإِثْمِدِ وَالْكُحْلِ مِنَ الرَّمَدِ، فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ

- ‌19 - باب الْجُذَامِ

- ‌20 - باب الْمَنُّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ

- ‌21 - باب اللَّدُودِ

- ‌22 - باب

- ‌23 - باب العُذرَةِ

- ‌24 - باب دَوَاءِ الْمَبْطُونِ

- ‌25 - باب لَا صَفَرَ وَهْوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَطْنَ

- ‌26 - باب ذَاتِ الْجَنْبِ

- ‌27 - باب حَرْقِ الْحَصِيرِ لِيُسَدَّ بِهِ الدَّمُ

- ‌28 - باب الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ

- ‌29 - باب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْضٍ لَا تُلَايِمُهُ

- ‌30 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الطَّاعُونِ

- ‌31 - باب أَجْرِ الصَّابِرِ فِى الطَّاعُونِ

- ‌32 - باب الرُّقَى بِالْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَاتِ

- ‌33 - باب الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - باب الشَّرْطِ فِى الرُّقْيَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ

- ‌35 - باب رُقْيَةِ الْعَيْنِ

- ‌36 - باب الْعَيْنُ حَقٌّ

- ‌37 - باب رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ

- ‌38 - باب رُقْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌39 - باب النَّفْثِ فِى الرُّقْيَةِ

- ‌40 - باب مَسْحِ الرَّاقِى الْوَجَعَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى

- ‌41 - باب فِى الْمَرْأَةِ تَرْقِى الرَّجُلَ

- ‌42 - باب مَنْ لَمْ يَرْقِ

- ‌43 - باب الطِّيَرَةِ

- ‌44 - باب الْفَأْلِ

- ‌45 - باب لَا هَامَةَ

- ‌46 - باب الْكَهَانَةِ

- ‌47 - باب السِّحْرِ

- ‌48 - باب الشِّرْكُ وَالسِّحْرُ مِنَ الْمُوبِقَاتِ

- ‌49 - باب هَلْ يَسْتَخْرِجُ السِّحْرَ

- ‌50 - باب السِّحْرِ

- ‌51 - باب مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا

- ‌52 - باب الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ

- ‌53 - باب لَا هَامَةَ

- ‌54 - باب لَا عَدْوَى

- ‌55 - باب مَا يُذْكَرُ فِى سَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌56 - باب شُرْبِ السُّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ

- ‌57 - باب أَلْبَانِ الأُتُنِ

- ‌58 - باب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى الإِنَاءِ

- ‌77 - كتاب اللباس

- ‌1 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} وَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِى غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ

- ‌2 - باب مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ

- ‌3 - باب التَّشْمِيرِ فِى الثِّيَابِ

- ‌4 - باب مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهْوَ فِى النَّارِ

- ‌5 - باب مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ

- ‌6 - باب الإِزَارِ الْمُهَدَّبِ وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، وَأَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحَمْزَةَ بْنِ أَبِى أُسَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّهُمْ لَبِسُوا ثِيَابًا مُهَدَّبَةً

- ‌7 - باب الأَرْدِيَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: جَبَذَ أَعْرَابِىٌّ رِدَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - باب لُبْسِ الْقَمِيصِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا}

- ‌9 - باب جَيْبِ الْقَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ وَغَيْرِهِ

- ‌10 - باب مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ فِى السَّفَرِ

- ‌11 - باب لُبْسِ جُبَّةِ الصُّوفِ فِى الْغَزْوِ

- ‌12 - باب الْقَبَاءِ وَفَرُّوجِ حَرِيرٍ وَهْوَ الْقَبَاءُ وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِى لَهُ شَقٌّ مِنْ خَلْفِهِ

- ‌13 - باب الْبَرَانِسِ

- ‌14 - باب السَّرَاوِيلِ

- ‌15 - باب الْعَمَائِمِ

- ‌16 - باب التَّقَنُّعِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ، وَقَالَ أَنَسٌ: عَصَبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ

- ‌17 - باب الْمِغْفَرِ

- ‌18 - باب الْبُرُودِ وَالْحِبَرَةِ وَالشَّمْلَةِ

- ‌19 - باب الأَكْسِيَةِ وَالْخَمَائِصِ

- ‌20 - باب اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ

- ‌21 - باب الاِحْتِبَاءِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ

- ‌22 - باب الْخَمِيصَةِ السَّوْدَاءِ

- ‌23 - باب ثِيَابِ الْخُضْرِ

- ‌24 - باب الثِّيَابِ الْبِيضِ

- ‌25 - باب لُبْسِ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشِهِ لِلرِّجَالِ وَقَدْرِ مَا يَجُوزُ مِنْهُ

- ‌26 - باب مَسِّ الْحَرِيرِ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ. وَيُرْوَى فِيهِ عَنِ الزُّبَيْدِىِّ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌27 - باب افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ

- ‌28 - باب لُبْسِ الْقَسِّىِّ

- ‌29 - باب مَا يُرَخَّصُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ

- ‌30 - باب الْحَرِيرِ لِلنِّسَاء

- ‌31 - باب مَا كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَتَجَوَّزُ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْبُسْطِ

- ‌32 - باب مَا يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا

- ‌33 - باب التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَال

- ‌34 - باب الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ

- ‌35 - باب الثَّوْبِ الأَحْمَرِ

- ‌36 - باب الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاء

- ‌37 - باب النِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌38 - باب يَبْدَأُ بِالنَّعْلِ الْيُمْنَى

- ‌39 - باب يَنْزِعُ نَعْلَ الْيُسْرَى

- ‌40 - باب لَا يَمْشِى فِى نَعْلٍ وَاحِد

- ‌41 - باب قِبَالَانِ فِى نَعْلٍ وَمَنْ رَأَى قِبَالاً وَاحِدًا وَاسِعًا

- ‌42 - باب الْقُبَّةِ الْحَمْرَاءِ مِنْ أَدَمٍ

- ‌43 - باب الْجُلُوسِ عَلَى الْحَصِيرِ وَنَحْوِه

- ‌44 - باب الْمُزَرَّرِ بِالذَّهَبِ

- ‌45 - باب خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ

- ‌46 - باب خَاتَمِ الْفِضَّةِ

- ‌47 - باب

- ‌48 - باب فَصِّ الْخَاتَمِ

- ‌49 - باب خَاتَمِ الْحَدِيدِ

- ‌50 - باب نَقْشِ الْخَاتَمِ

- ‌51 - باب الْخَاتَمِ فِى الْخِنْصَرِ

- ‌52 - باب اتِّخَاذُ الْخَاتَمِ لِيُخْتَمَ بِهِ الشَّىْءُ أَوْ لِيُكْتَبَ بِهِ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ

- ‌53 - باب مَنْ جَعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ فِى بَطْنِ كَفِّهِ

- ‌54 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْقُشُ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ»

- ‌55 - باب هَلْ يُجْعَلُ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ

- ‌56 - باب الْخَاتَمِ لِلنِّسَاءِ، كَانَ عَلَى عَائِشَةَ خَوَاتِيمُ ذَهَبٍ

- ‌57 - باب الْقَلَائِدِ وَالسِّخَابِ لِلنِّسَاءِ، يَعْنِى: قِلَادَةً مِنْ طِيبٍ وَسُكٍّ

- ‌58 - باب اسْتِعَارَةِ الْقَلَائِدِ

- ‌59 - باب الْقُرْطِ لِلنِّساءِ

- ‌60 - باب السِّخَابِ لِلصِّبْيَانِ

- ‌61 - باب الْمُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ

- ‌62 - باب إِخْرَاجِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الْبُيُوتِ

- ‌63 - باب قَصِّ الشَّارِبِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ

- ‌64 - باب تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ

- ‌65 - باب إِعْفَاءِ اللِّحَى، عَفَوا: كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ

- ‌66 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الشَّيْبِ

- ‌67 - باب الْخِضَابِ

- ‌68 - باب الْجَعْدِ

- ‌69 - باب التَّلْبِيدِ

- ‌70 - باب الْفَرْقِ

- ‌71 - باب الذَّوَائِبِ

- ‌72 - باب الْقَزَعِ

- ‌73 - باب تَطْيِيبِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِيَدَيْهَاا

- ‌74 - باب الطِّيبِ فِى الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ

- ‌75 - باب الاِمْتِشَاطِ

- ‌76 - باب تَرْجِيلِ الْحَائِضِ زَوْجَهَا

- ‌77 - باب التَّرْجِيلِ

- ‌78 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الْمِسْكِ

- ‌79 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ

- ‌80 - باب مَنْ لَمْ يَرُدَّ الطِّيبَ

- ‌81 - باب الذَّرِيرَةِ

- ‌82 - باب الْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ

- ‌83 - باب الْوَصْلِ فِى الشَّعَرِ

- ‌84 - باب الْمُتَنَمِّصَاتِ

- ‌85 - باب الْمَوْصُولَةِ

- ‌86 - باب الْوَاشِمَةِ

- ‌87 - باب الْمُسْتَوْشِمَةِ

- ‌88 - باب التَّصَاوِيرِ

- ‌89 - باب عَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌90 - باب نَقْضِ الصُّوَرِ

- ‌91 - باب مَا وُطِئَ مِنَ التَّصَاوِيرِ

- ‌92 - باب مَنْ كَرِهَ الْقُعُودَ عَلَى الصُّورَةِ

- ‌93 - باب كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِى التَّصَاوِيرِ

- ‌94 - باب لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ

- ‌95 - باب مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ

- ‌96 - باب مَنْ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ

- ‌97 - باب مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ

- ‌98 - باب الاِرْتِدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ

- ‌99 - باب الثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ

- ‌100 - باب حَمْلِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ إِلَاّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ

- ‌101 - باب إِرْدَافِ الرَّجُلِ خَلْفَ الرَّجُلِ

- ‌102 - باب إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ الرَّجُلِ

- ‌103 - باب الاِسْتِلْقَاءِ، وَوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى الأُخْرَى

الفصل: ‌15 - باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدا. قال ابن عباس من نسي فلا بأسوقال الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} والناسي لا يسمى فاسقا. وقوله: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121]

بسم الله الرحمن الرحيم

‌67 - كتاب النكاح

هو لغة الضم والتداخل. وقال المطرّزي والأزهري: هو الوطء حقيقة، ومنه قول الفرزدق:

إذا سقى الله قومًا صوب غادية

فلا سقى الله أرض الكوفة المطرا

التاركين على طهر نساءهم

والناكحين بشطي دجلة البقرا

وهو مجاز في العقد لأن العقد فيه ضم، والنكاح هو الضم حقيقة قال:

ضممت إلى صدري معطر صدرها

كما نكحت أُم العلاء صبيها

أي: كما ضمت أو لأنه سببه فجازت الاستعارة لذلك، وقال بعضهم: أصله لزوم شيء لشيء، مستعليًا عليه ويكون في المحسوسات، وفي المعاني قالوا: انكح المطر الأرض، ونكح النعاس عينه، ونكحت القمح في الأرض إذا حرثتها وبذرته فيها، ونكحت الحصاة أخفاف الإبل.

قال المتنبي:

أنكحت صم حصاها خف يعملة

تغشمرت بي إليك السهل والجبلا

يقال: أنكحوا الحصى أخفاف الإبل إذا ساروا، واليعملة الناقة النجيبة المطبوعة على العمل، والتغشمر الأخذ قهرًا. وقال الفراء: العرب تقول نكح المرأة بضم النون بعضها وهو كناية عن الفرج، فإذا قالوا نكحها أرادوا أصاب نكحها. وقال ابن جني: سألت أبا علي الفارسي عن قولهم نكحها؟ فقال: فرقت العرب فرقًا لطيفًا يعرف به موضع العقد من الوطء فإذا قالوا: نكح فلان فلانة أو بنت فلان أو أخته أرادوا تزوّجها وعقد عليها، وإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا المجامعة لأن بذكر المرأة أو الزوجة يستغني عن العقد واختلف أصحابنا في حقيقته على ثلاثة أوجه حكاها القاضي حسين في تعليقه. أصحها أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء وهو الذي صححه القاضي أبو الطيب وقطع به المتولي وغيره واحتج له بكثرة وروده في الكتاب والسُّنّة للعقد حتى قيل: إنه لم يرد

ص: 2

في القرآن إلا للعقد ولا يرد مثل قوله حتى تنكح زوجًا غيره لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسُّنَّة وإلاّ فالعقد لا بدّ منه لأن قوله تعالى: {حتى تنكح} [البقرة: 230] معناه حتى تتزوج أي يعقد عليها ومفهومه أن ذلك كافٍ بمجرده لكن ثبتت السُّنَّة أن لا عبرة بمفهوم الغاية بل لا بدّ بعد العقد من ذوق العسيلة. قال ابن فارس: لم يرد النكاح في القرآن إلا للتزويج إلا قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6] فإن المراد به الحلم. والثاني: أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد وهو مذهب الحنفية. والثاني: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك ويتعين المقصود بالقرينة كما مرّ عن أبي علي، وذكر ابن القطاع للنكاح أكثر من ألف اسم وفوائده كثيرة منها: أنه سبب لوجود النوع الإنساني، ومنها قضاء الوطر بنيل اللذة والتمتع بالنعمة وهذه هي الفائدة التي في الجنة إذ لا تناسل فيها، ومنها غض البصر وكفّ النفس عن الحرام إلى غير ذلك.

‌1 - باب التَّرْغِيبُ فِي النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}

(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا للنسفي تقديم البسملة، وعند رواة الفربري تأخيرها ولأبي ذر سقوطها (باب الترغيب) ولأبي ذر: باب الترغيب (في النكاح لقوله تعالى): ولأبي ذر لقول الله عز وجل: ({فانكحوا ما طاب لكم من النساء})[النساء: 6] زاد أبو الوقت والأصيلي الآية، والأمر يقتضي الطلب وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب وقول داود وأتباعه من أهل الظاهر أنه فرض عين على القادر على الوطء والإنفاق تمسكًا بالآية. وقوله عليه الصلاة والسلام لعكاف بن وداعة الهلالي:"ألك زوجة يا عكاف" قال: لا. قال: "ولا جارية" قال: لا. قال: "وأنت صحيح موسر" قال: نعم والحمد لله. قال: "فأنت إذًا من إخوان الشياطين إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع فإن من سُنّتنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل أمواتكم عزّابكم. ويحك يا عكاف تزوّج" فقال عكاف: يا رسول الله لا أتزوّج حتى تزوّجني مَن شئت. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقد زوّجتك على اسم الله والبركة كريمة كلثوم الحميري". رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق بقية فهو إيجاب على معين فيجوز أن يكون سبب الوجوب تحقق في حقه، والآية لم تسق إلا لبيان العدد المحلل على ما عرف في الأصول.

5063 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَنْتُمُ

الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (أخبرنا) ولأبي الوقت: أخبرني بالإفراد (حميد بن أبي حميد الطويل) اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال (أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهط) اسم جمع لا واحد له من لفظه، والثلاثة علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعثمان بن مظعون كما في مرسل سعيد بن المسيب عند عبد الرزاق (إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا) بضم الهمزة وكسر الموحدة مبنيًّا للمفعول بذلك (كأنهم تقالوها)، بتشديد اللام المضمومة عدّوها قليلة (فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له) بضم الغين ولابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن المستملي قد غفر الله له (ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. قال) ولأبوي الوقت وذر فقال (أحدهم: أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم للتفضيل (أنا فإني) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: فأنا (أصلي الليل أبدًا) قيد لليل لا لقوله أصلي (وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر). بالنهار سوى العيدين وأيام التشريق ولذا لم يقيده بالتأبيد (وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد الأربعة لفظ إليهم (فقال) لهم:

(أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف تنبيه (والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)، قال في الفتح: فيه إشارة إلى ردّ ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره فأعلمهم أنه مع كونه لا يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشدّدون، وإنما كان كذلك لأن المشدّد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره

ص: 3

وخير العمل ما داوم عليه صاحبه انتهى.

فالنبي صلى الله عليه وسلم وإن أعطي قوى الخلق في العبادات لكن قصده التشريع وتعليم أمته الطريق التي لا يمل بها صاحبها. وقال ابن المنير: إن هؤلاء بنوا على أن الخوف الباعث على العبادة ينحصر في خوف العقوبة فلما علموا أنه صلى الله عليه وسلم مغفور له ظنوا أن لا خوف وحملوا قلة العبادة على ذلك، فردّ عليه الصلاة والسلام عليهم ذلك وبيّن أن لا خوف الإجلال أعظم من الإكثار المحقق الانقطاع لأن الدائم وإن قل أكثر من الكثير إذا انقطع وفيه دليل على صحة مذهب القاضي حيث قال: لو أوجب الله شيئًا لوجب وإن لم يتوعد بعقوبة على تركه وهو مقام الرسول صلى الله عليه وسلم التعبد على الشكر وعلى الإجلال لا على خوف العقوبة فإنه منه في عصمة.

(لكني) استدراك من محذوف دلّ عليه السياق تقريره أنا وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواء لكن أنا (أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوّج النساء فمن رغب) أعرض (عن سُنّتي) طريقتي وتركها (فليس مني) إذا كان غير معتقد لها والسُّنَّة مفرد مضاف يعم على الأرجح فيشمل الشهادتين وسائر

أركان الإسلام فيكون المعرض عن ذلك مرتدًّا وكذا إن كان الإعراض تنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، وأما إن كان ذلك بضرب من التأويل كالورع لقيام شبهة في ذلك الوقت أو عجزًا عن القيام بذلك أو لمقصود صحيح فيعذر صاحبه.

وفيه الترغيب في النكاح، وقد اختلف هل هو من العبادات أو المباحات فقال الحنفية: هو سُنّة مؤكدة على الأصح. وقال الشافعية: من المباحات. قال القمولي في شرح الوسيط المسمى بالبحر في باب النكاح فرع نص الإمام على أن النكاح من الشهوات لا من القربات. وإليه أشار الشافعي في الأم حيث قال: قال الله تعالى: {زين للناس حبِّ الشهوات من النساء} [آل عمران: 14] وقال عليه الصلاة والسلام: "حبب إليَّ من دنياكم الطيب، والنساء"، وابتغاء النسل به، أمر مظنون ثم لا يدري أصالح أم طالح انتهى.

وقال النووي: إن قصد به طاعة كاتباع السُّنّة أو تحصيل ولد صالح أو عفة فرجه أو عينه فهو من أعمال الآخرة يُثاب عليه وهو للتائق أي المحتاج له ولو خصيًا القادر على مؤونة أفضل من التخلي للعبادة تحصينًا للدين ولما فيه من إبقاء النسل والعاجز عن مؤونة يصوم والقادر غير التائق إن تخلى للعبادة فهو أفضل من النكاح وإلا فالنكاح أفضل له من تركه لئلا تُفضي به البطالة الى الفواحش انتهى.

وقد تعقب الشيخ كمال الدين بن الهمام قولهم التخلي للعبادة أفضل فقال: حقيقة أفضل تنفي كونه مباحًا إذ لا فضل في المباح والحق أنه إن اقترن بنيّة كان ذا فضل والتجرّد عند الشافعي أفضل لقوله تعالى: {وسيدًا وحصورًا} [آل عمران: 39] مدح يحيى عليه السلام بعدم إتيان النساء مع القدرة عليه لأن هذا معنى الحصور وحينئذٍ فإذا استدل عليه بمثل قوله عليه الصلاة والسلام: "أربع من سنن المرسلين. الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح" رواه الترمذي وقال حسن غريب. فله أن يقول في الجواب لا أنكر الفضيلة مع حسن النيّة، وإنما أقول التخلي للعبادة أفضل فالأولى في جوابه التمسك بحاله عليه الصلاة والسلام في نفسه ورده على من أراد من أمته التخلي للعبادة فإنه صريح في عين المتنازع فيه يعني حديث هذا الباب، فإنه عليه الصلاة والسلام رد هذا الحال ردًّا مؤكدًا حتى تبرأ منه، وبالجملة فالأفضلية في الاتباع لا فيما تخيل النفس أنه أفضل نظرًا إلى ظاهر عبادة أو توجه ولم يكن الله عز وجل يرضى لأشرف أنبيائه إلا بأشرف الأحوال وكان حاله إلى الوفاة النكاح فيستحيل أن يقرّه على ترك الأفضل مدة حياته، وحال يحيى عليه السلام كان أفضل في تلك الشريعة، وقد نسخت الرهبانية في ملتنا ولو تعارضا قدم التمسك بحال نبينا عليه الصلاة والسلام، ومن تأمل ما يشتمل عليه النكاح من تهذيب الأخلاق وتربية الولد والقيام بمصالح المسلم العاجز عن القيام بها وإعفاف المحرم ونفسه ودفع الفتنة عنه وعنهنّ إلى غير ذلك من الفرائض

ص: 4

الكثيرة لم يكد يقف عن الجزم بأنه أفضل من التخلي بخلاف ما إذا عارضه خوف جور إذ الكلام ليس فيه بل في الاعتدال مع أداء الفرائض والسُّنن، وذكرنا أنه إذا لم تقترن

به نيّة كان مباحًا لأن المقصود منه حينئذ مجرّد قضاء الشهوة ومبنى العبادة على خلافه ثم قال: وأقول بل فيه فضل من جهة أنه كان متمكّنًا من قضائها بغير الطريق المشروع فالعدول إليه مع ما يعلمه من أنه قد يستلزم أثقالًا فيه قصد ترك المعصية وعليه يُثاب انتهى.

5064 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَعُولُوا} قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَاّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فَيُكْمِلُوا الصَّدَاقَ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ.

وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني كما جزم به المزي كأبي مسعود أنه (سمع حسان بن إبراهيم) الكرماني العنزي قاضي كرمان (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (أنه سأل عائشة) رضي الله عنها (عن قوله تعالى: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا})[النساء: 3] أقرب من أن لا تميلوا من قولهم عال الميزان عولًا (قالت) عائشة: (يا ابن أختي) أسماء هي (اليتيمة) التي مات أبوها (تكون في حجر وليها)، القائم بأمورها (فيرغب في مالها وجمالها يريد أن يتزوّجها بأدنى) بأقل (من سنة صداقها) من مهر مثلها (فنهوا) بضم النون والهاء (أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فيكملوا الصداق) على عادتهن في ذلك (وأمروا) بالواو (بنكاح من سواهن) أي سوى اليتامى (من النساء). وهذا الحديث قد سبق في تفسير سورة النساء.

‌2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

«مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ. لأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ» . وَهَلْ يَتَزَوَّجُ مَنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّكَاحِ

؟

(باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة) بالموحدة والهمزة المفتوحتين وتاء التأنيث ممدودًا وقد لا يهمز ولا يمد وقد يهمز ويمد من غير هاء (فليتزوّج لأنه) أي التزوّج ولأبوي الوقت وذر عن المستملي والكشميهني: فإنه بالفاء بدل اللام وهو لفظ الحديث (أغض للبصر) بالغين والضاد المعجمتين (وأحصن للفرج) بالحاء والصاد المهملتين (وهل يتزوج من لا أرب له) بفتح الهمزة والراء والموحدة أي من لا حاجة له (في النكاح)؟ أم لا.

5065 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَيَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ: أَمَالَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» .

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس أنه (قال: كنت مع عبد الله) بن مسعود (فلقيه عثمان بمنى فقال) عثمان له: (يا أبا عبد الرحمن) وهي كنية ابن مسعود (إن لي إليك حاجة فخليا)، بالياء وللأصيلي كما في الفتح واليونينية فخلوا بالواو بدل الياء كدعوا وصوّبها ابن التين لأنه واوي يعني من الخلوة أي دخلا في موضع خالٍ (فقال عثمان) له:(هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوّجك بكرًا تذكّرك ما كنت تعهد) من نشاطك وقوّة شبابك (فلما رأى عبد الله) بن مسعود (أن ليس له) لنفسه (حاجة إلى هذا) الذي ذكره عثمان من التزويج، ولأبوي ذر والوقت عن الحموي والمستملي: أو ليس له أي لعثمان حاجة إلا هذا بتشديد اللام بدل إلى الجارّة أي الترغيب في النكاح (أشار إليّ فقال: يا علقمة فانتهيت إليه وهو) أي والحال أن ابن مسعود (يقول: أما) بالتخفيف (لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم):

(يا معشر الشباب) جمع شاب وهو من بلغ إلى أن يكمل ثلاثين عند الشافعية. وفي الجواهر لابن شاس من المالكية إلى أربعين أي يا طائفة الشباب (من استطاع منكم الباءة) أي الجماع فهو محمول على المعني الأعم بقدرته على مؤن النكاح (فليتزوّج) جواب الشرط وعند النسائي من طريق أبي معشر عن إبراهيم النخعي من كان ذا طول فلينكح (ومن لم يستطع) أي الجماع لعجزه عن مؤنه (فعليه بالصوم). قال أبو عبيد: فعليه بالصوم إغراء لغائب ولا تكاد العرب تغري إلا لشاهد تقول عليك زيدًا ولا تقول عليه زيدًا. وأجيب: بأن الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولًا بقوله "فمن استطاع منكم" فالهاء في فعليه ليست لغائب بل هي للحاضر المبهم إذ لا يصح خطابه بالكاف وهذا كما يقول الرجل: من قام الآن

ص: 5

منكم فله درهم فهذه الهاء لمن قام من الحاضرين لا لغائب (فإنه) أي الصوم (له وِجاء) بكسر الواو وبالجيم ممدودًا. وقيل بفتح الواو مع القصر بوزن عصا أي التعب والجفاء وذلك بعيد إلا أن يراد فيه معنى الفتور لأنه من وجى إذا فتر عن المشي، فشبه الصوم في باب النكاح بالتعب في باب المشي أي قاطع لشهوته، وأصله رض الأُنثيين لتذهب شهوة الجماع، وإطلاق الصوم على الوجاء من مجاز المشابهة لأن الوجاء قطع الفعل وقطع الشهوة إعدام له أيضًا وخص الشباب بالخطاب لأنهم مظنة قوّة الشهوة غالبًا بخلاف الشيوخ وإن كان المعنى معتبرًا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا.

واستدلّ بالحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لأنه أرشده إلى ما ينافيه ويضعف دواعيه، والأمر في قوله فليتزوج وفي قوله فانكحوا وإن كان ظاهرهما الوجوب إلا أن المراد بهما الإباحة.

قال في الأم بعد أن قال: قال الله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} إلى قوله: {يغنهم الله من فضله} [النور: 32] الأمر في الكتاب والسُّنّة يحتمل معاني. أحدها: أن يكون الله حرم شيئًا ثم أباحه فكان أمره إحلال ما حرم. كقوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] وكقوله: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10] الآية. وذلك أنه حرم الصيد على المحرم ونهى عن البيع عند النداء ثم أباحهما في وقت غير الذي حرمهما فيه كقوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} إلى {مريئًا} [النساء: 4]. وقوله: {فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا} [الحج: 36] قال: وأشباه ذلك كثير في كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ليس حتمًا أن يصطادوا وإذا حلّوا لا ينتشروا لطلب التجارة إذا صلوا ولا يأكل من صداق امرأته إذا طابت به عنه نفسًا ولا يأكل من بدنته إذا نحرها. قال: ويحتمل أن يكون دلّهم على ما فيه رشدهم بالنكاح كقوله: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} [النور: 32] يدل على ما فيه سبب الغنى والنكاح. كقوله صلى الله عليه وسلم: "سافروا تصحّوا" انتهى.

وقد قسم بعضهم النكاح إلى الأحكام الخمسة: الوجوب، والندب، والتحريم، والإباحة، والكراهة. فالوجوب: فيما إذا خاف العنت وقدر على النكاح إلا أنه لا يتعين واجبًا بل إما هو وإما التسرّي فإن تعذر التسرّي تعيّن النكاح حينئذٍ للوجوب لا لأصل الشريعة والندب لتائق يجد أهبته. والكراهة لعنين وممسوح وزمن ولو كانوا واجدين مؤنه وعاجز عن مؤنه غير تائق له لانتفاء حاجتهم إليه مع التزام العاجز ما لا يقدر عليه وخطر القيام به فيمن عداه والتحريم إما أن يكون لعينه كالسبع المذكورات في قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] أو غير ذلك مما هو مذكور في محله.

‌3 - باب مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ

(باب من لم يستطع الباءة فليصم).

5066 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم:«يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» .

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثني) بالإفراد (عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن عمير التيمي

الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أنه (قال: دخلت مع علقمة) أي عمه (والأسود) بن يزيد أي أخيه (على عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (فقال عبد الله) بن مسعود: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(يا معشر الشباب) أي يا طائفة الشباب (من استطاع) استفعل من الطاعة أصله استطوع استثقلت الحركة على الواو فنقلت إلى الساكن قبلها ثم قلبت الواو ألفًا أي أطاق (الباءة) المراد به هنا المعنى اللغوي وهو الجماع مأخوذ من المباءة وهي المنزل لأن من تزوج امرأة بوّأها منزلًا وإنما تتحقق قدرته بالقدرة على مؤنه ففيه حذف مضاف أي من استطاع منكم أسباب النكاح ومؤنه (فليتزوج). وقيل: المراد بها نفس مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها ولا بدّ من أحد التأويلين لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن لم يستطع) عطف على قوله (من استطاع) ولو حمل الباءة على الجماع لم يستقم قوله بعد: فإن الصوم له وجاء لأنه لا يقال للعاجز هذا، وإنما

ص: 6

يستقيم إذا قيل: أيها القادر المتمكن من الشهوة إن حصلت لك مؤن النكاح فتزوّج وإلاّ فصم ولذا خصّ الشباب (فإنه) أي التزوّج (أغض للبصر) لأن بعد حصول التزويج يضعف فيكون أغض وأحصن مما لم يكن لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه مع وجود الداعي وهو أفعل تفضيل بمعنى غاض أو التفضيل على بابه من غض طرفه إذا خفضه وأغمضه وكل شيء كففته فقد غضضته والمراد بالبصر هنا الطرف المشتمل عليه لأنه الذي يضاف إليه الغض حقيقة وللنسائي فإنه أغض للطرف فصرح به (وأحصن) أي أعف (للفرج)، ولم يرد به أفعل التفضيل لأنه لا يكون من رباعي كما نبه عليه ابن فرحون واللام في للبصر وللفرج للتعدية كما قرروه في أفعل التعجب نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو ولا فرق بين البابين قاله في العدّة ولم يقل في الرواية السابقة فإنه إلى آخره وهي ثابتة عند جميع من أخرج الحديث من طرق الأعمش بهذا الإسناد.

قال في الفتح: ويغلب على ظني أن حذفها من قبل حفص بن غياث شيخ البخاري وإنما آثر البخاري روايته على رواية غيره لوقوع التصريح فيها من الأعمش بالتحديث فاغتفر له اختصار المتن لهذه المصلحة انتهى.

(ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ذهب ابن عصفور إلى أن الباء زائدة في المبتدأ والتقدير فعليه الصوم وضعف باقتضائه حينئذٍ الوجوب لأن ذلك ظاهر في هذه الصيغة ولا قائل به (فإنه) أي الصوم (له وِجاء). وعند ابن حبان زيادة وهي: وهو الإخصاء وهي مدرجة لم تقع إلا في طريق زيد بن أبي أنيسة وفي تفسير الوِجاء بالإخصاء نظر لأن الوِجاء كما مر رضّ الأُنثيين والإخصاء سلّهما فيحمل على المجاز والمسامحة لتقاربهما في المعنى.

‌4 - باب كَثْرَةِ النِّسَاءِ

(باب كثرة النساء) لمن قدر على العدل بينهن.

5067 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوهَا وَلَا تُزَلْزِلُوهَا وَارْفُقُوا، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعٌ كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ.

وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (قال: حضرنا مع ابن عباس) رضي الله عنهما (جنازة ميمونة) أم المؤمنين بنت الحارث الهلالية (بسرف) بفتح السين وكسر الراء المهملتين بعدها فاء موضع بينه وبين مكة اثنا عشر ميلًا وكان النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها فيه وعند ابن سعد بإسناد صحيح عن يزيد بن الأصم قال: دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بنى بها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال ابن عباس: هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رفعتم نعشها) بالعين المهملة والشين المعجمة سريرها الذي وضعت عليه وهي ميتة (فلا تزعزعوها) بزايين معجمتين وعينين مهملتين (ولا تزلزلوها) أي لا تحركوها حركة شديدة بل سيروا بها سيرًا وسطًا معتدلًا فإن حرمتها بعد موتها باقية كحرمتها في حياتها وللحموي فلا تزعجوها بدل تزعزعوها (وارفقوا) أي بها (فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم) عند موته (تسع) من الزوجات في عصمته: سودة بنت زمعة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وصفية، وميمونة. (كان يقسم لثمان) منهن في المبيت عندهن (ولا يقسم لواحدة) منهن وهي سودة وهبت ليلتها لعائشة.

ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، ووجه تعليل ابن عباس الرفق بميمونة بأنه كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة التنبيه على مكانة ميمونة من وجهين كونها زوجته صلى الله عليه وسلم وأنها كانت عنده غير مرغوب عنها لأنها كانت من اللاتي يقسم لهن رضي الله عنه وقد كانت سودة آخر أمهات المؤمنين موتًا.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح والنسائي فيه وفي عِشرة النساء.

5068 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) الحناط أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة مهران اليشكري البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتطوف على نسائه) أي يجامعهن

ص: 7

(في ليلة واحدة وله) يومئذٍ (تسع نسوة) وفي كتاب الغسل وهن إحدى عشرة، لكن قال ابن خزيمة:

تفرّد بذلك معاذ بن هشام عن أبيه وجمع ابن حبان في صحيحه بين الروايتين بحمل ذلك على حالتين، واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وجزم ابن إسحاق بأنها اختارت البقاء في ملكه وهي ماتت قبله عليه الصلاة والسلام؟ فالأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل. قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة. قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا لم يجمع عنده من الزوجات أكثر من تسع مع أن سودة وهبت نوبتها لعائشة فرجحت رواية سعيد يعني رواية الباب، لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهن لفظ نسائه تغليبًا.

وبه قال: (قال لي خليفة) بن خياط بن خليفة أبو عمرو العصفري البصري صاحب الطبقات والتاريخ أحد شيوخ المؤلّف (حدّثنا يزيد بن زريع) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة أن أنسًا حدّثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم) وغرض المؤلّف بسياقه بيان تصريح قتادة بتحديث أنس له بذلك.

5069 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَتَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً.

وبه قال: (حدّثنا علي بن الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف (الأنصاري) المروزي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن رقبة) بالراء والقاف والموحدة المفتوحات ابن مصقلة بالميم المفتوحة والصاد المهملة الساكنة والقاف واللام المفتوحتين (عن طلحة) بن مصرف (اليامي) بالتحتية وبعد الألف ميم مخففة (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قال لي ابن عباس) رضي الله عنهما: (هل تزوّجت؟ قلت: لا. قال: فتزوّج فإن خير هذه الأمة) صلى الله عليه وسلم (أكثرها نساء) لأنه كان له تسع نسوة والتقييد بهذه الأمة ليخرج مثل سليمان عليه السلام لأنه كان أكثر نساء. وقيل المعنى خير أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل.

‌5 - باب مَنْ هَاجَرَ أَوْ عَمِلَ خَيْرًا لِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَلَهُ مَا نَوَى

هذا (باب) بالتنوين (من هاجر) إلى دار الإسلام (أو عمل خيرًا) كصلاة أو حج أو صدقة أو هجرة (لتزويج امرأة) قال الكرماني: ليجعلها زوجة نفسه أو التفعيل بمعنى التفعل واللام للتعليل (فله ما نوى).

5070 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْعَمَلُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسوله فهجرته إلى

اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجازي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن محمد بن إبراهيم بن الحارث) التيمي (عن علقمة بن وقاص) الليثي (عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه) أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(العمل) صحيح أو صحة العمل (بالنية) بالإفراد فيهما فالعمل مبتدأ أو الخبر الاستقرار الذي يتعلق به حرف الجر فإن قلت: العامل المقدر في المجرور يقتضي النصب وقد قيل إنه الخبر فكيف يكون في محل نصب. وأجيب: بأن الذي في موضع النصب قوله النية لأنه المفعول الذي وصل إليه العامل بواسطة الباء، والذي في موضع الرفع مجموع بالنية لأنه الذي ناب عن الاستقرار، وكذلك القول في كل مبتدأ خبره ظرف أو مجرور نحو قولك: زيد في الدار وزيد عندك ولفظ إنما ساقط هنا والباء في بالنية للإلصاق لأن كل عمل تلصق به نيته أو للسببية بمعنى أنها مقوّمة للعمل فكأنها سبب في إيجاده وسبق مزيد بحث في ذلك أول الكتاب (وإنما لامرئ) رجل أو امرأة (ما نوى) هذه الجملة مؤكدة للسابقة أو مفيدة غير ما أفادته الأولى لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها فترتب الحكم على ذلك، والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه. وقال ابن عبد السلام: الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال، والثانية لبيان ما يترتب عليها وأفادت أن النية إنما تشترط في العبادات التي لا تتميز بنفسها، وأما ما يتميز بنفسه فإنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له كالأذكار والأودعية والتلاوة لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع أما ما حدث فيه عرف كالتسبيح لمتعجب فلا ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى لكان

ص: 8

أكثر ثوابًا، ولذا قال في الإحياء: حركة اللسان بالذكر مع الغفلة خير من حركة اللسان بالغيبة بل هو خير من السكوت مطلقًا أي المجرد عن التفكّر. قال: وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب، (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) أي إلى طاعة الله أو إلى عبادة الله من مكة إلى المدينة قبل الفتح (فهجرته إلى الله ورسوله) جواب الشرط وجواب الشرط إذا كان جملة اسمية فلا بد من الفاء أو وإذا قوله تعالى:{وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} [الروم: 36] والفاء في جواب الشرط للسببية أو التعقيب وظاهره اتحاد الشرط مع الجزاء والقاعدة اختلافهما نحو من أطاع الله أثيب ومن عصاه عوقب واتحادهما غير مفيد لأنه من تحصيل الحاصل وأجاب ابن دقيق العيد بأن التقدير فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيّةً وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله ثوابًا وأجْرًا حكمًا وشرعًا.

قال ابن مالك: من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: ولو مت مت على غير الفطرة وجاز ذلك لتوقف الفائدة على الفضلة ومنه قوله تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7] فلولا قوله في الأول على غير الفطرة وفي الثاني لأنفسكم ما صح ولم يكن في الكلام فائدة.

قال في العدّة: وإعراب قصد أو نيّة يصح أن يكون خبر كان أي ذات قصد وذات نية

وتتعلق إلى بالمصدر ويصح أن يكون إلى الله الخبر وقصدًا مصدر في موضع الحال وأما قوله ثوابًا فلا يصح فيه إلا الحال من الضمير في الخبر انتهى.

وأعاد المجرور ظاهرًا لا مضمرًا لأنه لم يقل فهجرته إليهما ولم يذكره بلفظ الموصول كالذي بعده لقصد الاستلذاذ بذكر الله ورسوله بخلاف الدنيا والمرأة فإن الاحتقار والإبهام فيهما أولى (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها) يحصلها استعارة من إصابة الغرض والدنيا عند المتكلمين ما على الأرض والهواء والأظهر أنها كل مخلوق من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة والمراد بها في الحديث المال ونحوه بدليل ذكر المرأة في قوله (أو امرأة ينكحها) وإفرادها بعد دخولها في لفظ دنيا من باب ذكر الخاص بعد العامّ لأن الواقعة المذكورة في قصة المهاجر لتزويج امرأة فذكرت الدنيا مع القصة زيادة في التحذير قالوا: وفيه رد على ابن مالك حيث زعم في شرح عمدته أن عطف الخاص على العام لا يكون إلا بالواو والقصة المذكورة رواها سعيد بن منصور بإسناد صحيح على شرط الشيخين قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: من هاجر يبتغي شيئًا فإنما له ذلك. هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس. وليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك (فهجرته إلى ما هاجر إليه)، من الدنيا والمرأة حكمًا وشرعًا كما مرّ بما فيه من البحث أوّلًا أو الخبر محذوف في الثاني والتقدير فهجرته إلى ما هاجر إليه من الدنيا والمرأة قبيحة غير صحيحة أو غير مقبولة ولا نصيب له في الآخرة، وعورض بأنه يقتضي أن تكون الهجرة مذمومة مطلقًا وليس كذلك فإن من ينوي بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوّج المرأة معًا فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يُثاب لكن دون ثواب من أخلص وكذا من طلب التزويج فقط لا على صورة الهجرة إلى الله لأنه من الأمر المباح الذي قد يُثاب فاعله إذا قصد به القربة كالإعفاف، كما وقع في قصة إسلام أبي طلحة المروية عند النسائي عن أنس قال: تزوّج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام. أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت فإن أسلمت تزوجتك فأسلم فتزوجته.

قال في الفتح: وهو محمول على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجهه وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية، وأما إذا نوى العبادة وخالطها شيء مما

ص: 9

يغاير الإخلاص، فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء فإن كان في ابتدائه لله خالصًا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره والله أعلم.

‌6 - باب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ الْقُرْآنُ وَالإِسْلَامُ. فِيهِ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

-

(باب تزويج المعسر) الذي ليس معه شيء من المال (الذي معه القرآن والإسلام فيه) أي في

الباب (سهل) الساعدي الأنصاري ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر سهل بن سعد رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) السابق موصولًا في باب القراءة عن ظهر القلب في قصة الواهبة نفسها وقوله عليه الصلاة والسلام للرجل الذي قال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها "اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد، وقوله عليه السلام له: "ماذا معك من القرآن" قال: معي سورة كذا وكذا عدّها قال: "أتقرؤهن عن ظهر قلبك"؟ قال: نعم. قال: "اذهب فقد ملّكتكها بما معك من القرآن".

5071 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد سعد البجلي الكوفي قال: (حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم عوف الأحمسي (عن ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه أنه (قال: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء فقلنا: يا رسول الله ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (نستخصي) لتزول عنا شهوة الجماع (فنهانا عن ذلك) لما فيه من ضرر النفس وقطع النسل المقصود بالنكاح شرعًا.

ومطابقة الحديث للترجمة كما قال ابن المنير: أنه عليه الصلاة والسلام نهاهم عن الاستخصاء ووكّلهم إلى النكاح فلو كان المعسر لا ينكح وهو ممنوع من الاستخصاء لكلف شططًا وكان كلٌّ منهم لا بد وأن يحفظ شيئًا من القرآن فتعين التزويج بما معهم من القرآن فحكم الترجمة من حديث سهل بالتنصيص ومن حديث ابن مسعود بالاستدلال.

وهذا الحديث قد سبق في التفسير.

‌7 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لأَخِيهِ انْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ شِئْتَ حَتَّى أَنْزِلَ لَكَ عَنْهَا، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ

(باب قول الرجل لأخيه انظر أيّ زوجتيّ) بتشديد الياء (شئت حتى أنزل لك عنها) بفتح الهمزة وكسر الزاي أي أطلقها فإذا انقضت عدّتها تزوجها (رواه) أي المذكور في الترجمة (عبد الرحمن بن عوف) كما سبق موصولًا في البيع.

5072 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَآخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَعِنْدَ الأَنْصَارِيِّ امْرَأَتَانِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَأَتَى السُّوقَ، فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَشَيْئًا مِنْ سَمْنٍ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَيَّامٍ

وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ:«مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ» . فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ أَنْصَارِيَّةً قَالَ: «فَمَا سُقْتَ» ؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي (عن سفيان) الثوري (عن حميد الطويل) أنّه (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: قدم عبد الرحمن بن عوف) من مكة إلى المدينة مهاجرًا (فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري) بسكون عين سعد (وعند الأنصاري امرأتان فعرض عليه) أي على عبد الرحمن (أن يناصفه أهله وماله فقال) له عبد الرحمن: (بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فأتى السوق فربح شيئًا من أقط وشيئًا من سمن فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر) بفتح الواو والضاد المعجمة وبالراء لطخ من خلوق (من صفرة فقال) عليه الصلاة والسلام:

(مهيم) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء بعدها ميم ساكنة أي ما حالك وما شأنك (يا عبد الرحمن؟ فقال: تزوجت) يا رسول الله (أنصارية قال: فما سقت) زاد أبو ذر عن المستملي إليها (قال) سقت إليها (وزن نواة من ذهب) خمسة دراهم (قال: أولم ولو بشاة).

وهذا الحديث قد مرّ في البيع.

‌8 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّبَتُّلِ وَالْخِصَاءِ

(باب ما يكره من التبتل) بموحدة بين فوقيتين ثانيتهما مشدّدة أي الانقطاع عن النساء وترك التزويج للعبادة (والحصاء) بكسر الخاء المعجمة والمد وهو الشق على الأُنثيين وانتزاعهما.

5073 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا. [الحديث 5073 - أطرافه في: 5074].

وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (أخبرنا ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه (سمع سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة الساكنة (التبتل) أي ردّ عليه اعتقاد مشروعية التبتل كأنه لما رآه عبادة وليس كذلك ردّه عليه لأن كل ما يفعله العبد تقربًا إلى الله تعالى بقصد أن يتوصل به إلى رضا الله ورسوله وليس

ص: 10

من الشرع فهو مردود فردّ صلى الله عليه وسلم ما كان من ذلك خارجًا عن شرعه وسنته ولم يأذن له (ولو أذن) صلى الله عليه وسلم (له) أي لابن مظعون في ترك النكاح (لاختصينا) افتعال من خصيته سللت خصيته فهو خصيّ بفتح أوّله ومخصيّ أي: لفعلنا فعل من يختصي بأن نفعل ما يُزيل الشهوة، وليس المراد إخراج الخصيتين لأنه حرام أو هو على ظاهره وكان قبل النهي عن الاختصاء.

قال في الفتح ويؤيده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما. قال في شرح المشكاة: وكان من حق الظاهر أن يقال لو أذن له لتبتلنا فعدل إلى قوله اختصينا إرادة للمبالغة أي لو أذن لنا بالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء ولم يرد حقيقة الاختصاء لأنه غير جائز. قال في الفتح: وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتل لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتل فيتعين الخصاء طريقًا إلى تحصيل المطلوب وغايته أن فيه ألمًا عظيمًا في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل فهو كقطع الأصبع إذا وقعت في اليد المتأكلة صيانة لبقية اليد وليس الهلاك بالخصاء محققًا بل هو نادر.

وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة في النكاح.

5074 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَلَوْ أَجَازَ لَهُ التَّبَتُّلَ لَاخْتَصَيْنَا.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: لقد ردّ ذلك) أي اعتقاد مشروعية التبتل (يعني النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون) ثبت ابن مظعون لأبي الوقت (ولو أجاز) صلى الله عليه وسلم (له التبتل لاختصينا) لدفع شهوة النساء ليمكننا التبتل حينئذٍ ولعلهم كانوا يظنون جوازه ولم يكن هذا الظن موافقًا فإن الاختصاء حرام في الآدمي وغيره من الحيوانات إلا المأكول فيجوز في صغره ويحرم في كبره.

5075 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87].

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم أنه (قال: قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا) من المال (فقلنا) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا نستخصي) أي ألا نستدعي من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك بأنفسنا (فنهانا) صلى الله عليه وسلم (عن ذلك) نهي تحريم لما فيه من تعذيب النفس والتشويه وإبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة لأن خلق الشخص رجلًا من النعم العظيمة، فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال. (ثم رخص) عليه الصلاة والسلام (لنا) بعد ذلك (أن ننكح المرأة بالثوب) أي إلى أجل

في نكاح المتعة (ثم قرأ علينا) أي عبد الله بن مسعود كما في رواية مسلم وكذا الإسماعيلي في تفسير المائدة ({يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}) ما طاب ولذّ من الحلال ومعنى لا تحرموا لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدًا منكم وتقشفًا وعن ابن مسعود أن رجلًا قال له: إني حرمت الفراش فتلا هذه الآية. وقال: نم على فراشك وكفر عن يمينك ودعي الحسن إلى طعام ومعه فرقد السبخي وأصحابه فقعدوا على المائدة وعليها ألوان من الدجاج المسمن والفالوذج وغير ذلك فاعتزل فرقد ناحية فسأل الحسن أهو صائم قالوا لا ولكنه يكره هذه الألوان فأقبل الحسن عليه، وقال: يا فريقد أترى لُعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم ({ولا تعتدوا}) أي لا تتجاوزوا الحدّ الذي حدّ عليكم في تحريم أو تحليل أو ولا تتعدّوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم ({إن الله لا يحب المعتدين})[المائدة: 87] حدوده. قال الراغب: لما ذكر تعالى حال الذين قالوا إنا نصارى ذكر أن منهم قسيسين ورهبانًا فمدحهم بذلك، وكانت الرهابنة قد حرموا على أنفسهم طيبات ما أحل الله لهم ورأى الله تعالى قومًا تشوّفوا إلى حالهم

ص: 11

وهموا أن يقتدوا بهم نهاهم عن ذلك.

فإن قلت: لِمَ لم يقل والله يبغض المعتدين ليكون أبلغ؟ أجيب: بل المذكور أبلغ لأن من المعتدين من لا يوصف بأن الله يبغضه ويوصف بأن الله لا يحبه وهو من لم يكن اعتداؤه كثيرًا.

قال في الفتح: وظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يرى جواز المتعة ويأتي إن شاء الله تعالى البحث، في ذلك بعون الله تعالى.

5076 -

وَقَالَ أَصْبَغُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ، وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي. ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ» .

(وقال أصبغ) بن الفرج وراق عبد الله بن وهب فيما وصله جعفر الفريابي في كتاب القدر والجوزقي في الجمع بين الصحيحين (أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب) محمد الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قلت يا رسول الله: إني رجل شاب وأنا) ولأبي ذر عن الكشميهني وإني (أخاف على نفسي العنت) بفتح العين المهملة والنون والفوقية أي الزنا (ولا أجد ما أتزوّج به النساء) زاد في رواية حرملة فائذن لي أختصي (فسكت) صلى الله عليه وسلم (عني ثم قلت: مثل ذلك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاقٍ) أي نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ فبقي القلم الذي كتب به جافًّا لا مداد فيه لفراغ ما كتب به (فاختص) بكسر الصاد المهملة المخففة أمر من الاختصاء (على ذلك) أي فاختص حال استعلائك على العلم بأن كل شيء بقضاء الله وقدره فالجار والمجرور متعلق بمحذوف (أو ذر) أي أترك وفي رواية الطبري فاقتصر بالراء بعد الصاد ومعناه كما في شرح المشكاة اقتصر على الذي أمرتك به أو اتركه وافعل ما ذكر من الخصاء، وعلى الروايتين فليس الأمر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد كقوله تعالى:{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29].

‌9 - باب نِكَاحِ الأَبْكَارِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ: لَمْ يَنْكِحِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكْرًا غَيْرَكِ

(باب نكاح الأبكار. وقال ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير الأحول المكي فيما وصله المؤلّف في تفسير سورة النور (قال ابن عباس لعائشة) رضي الله عنهم: (لم ينكح النبي صلى الله عليه وسلم بكرًا غيرك) والبكر هي التي لم توطأ.

5077 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ؟ قَالَ:«فِي الَّتي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا» . تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا.

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس القرشي التيمي ابن أخت الإمام مالك بن أنس وصهره على ابنته (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد أبو بكر الأعشى (عن سليمان) بن بلال (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (لو نزلت واديًا وفيه شجرة قد أكل منها) بضم الهمزة وكسر الكاف (ووجدت شجرة لم يؤكل منها) بالإفراد في شجرة في الموضعين.

وقال في الفتح: وفي رواية أبي ذر وفيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرًا يعني بالإفراد في الأولى والجمع في الثانية. قلت: وهو الذي في اليونينية من غير عزو لرواية. وذكره الحميدي بلفظ فيه شجر قد أكل منها، وكذا في مستخرج أبي نعيم بلفظ الجمع وهو أصوب لقولها (في أيها) أي في أي الشجر (كنت ترتع بعيرك) بضم أوّله وكسر ثالثه ولو أرادت الموضعين لقالت في أيّهما (قال) صلى الله عليه وسلم:

ارتع (في) الشجر (التي لم يرتع منها) بضم التحتية وفتح الفوقية والراء بينهما ساكنة وزاد أبو نعيم فأنا هيه بكسر الهاء وفتح التحتية وسكون الهاء وهي للسكت (يعني) بالتحتية في الفرع وبالفوقية في غيره وهو الذي في اليونينية أي تعني عائشة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بكرًا غيرها)

وهذا فيه غاية بلاغة عائشة وحسن تأنيها في الأمور كما قاله في الفتح، وما أحسن قول الحريري في تفضيل البكر حيث قال: أما البكر فالدرة المخزونة، والبيضة المكنونة، والثمرة الباكورة، والسلافة المدخورة، والروضة الأنف، والطوق الذي ثمن وشرف لم يدنسها لامس، ولا استغشاها لابس ولا مارسها عابث، ولا واكسها طامث، لها الوجه الحييّ والطرف الخفي، والغزالة المغازلة، والملحة الكاملة، والوشاح الطاهر القشيب، والضجيع الذي يشب ولا يشيب.

5078 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ. فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ» .

وبه قال: (حدّثنا

ص: 12

عبيد بن إسماعيل) القرشي الهباري من ولد هبار بن الأسود الكوفي وكان اسمه عبد الله وعبيد لقب غلب عليه وعرف به، قال:(حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(أريتك) بضم الهمزة وكسر الراء والكاف (في المنام مرتين إذا رجل) ملك في صورة رجل وفي الترمذي أنه جبريل (يحملك) أي صورتك (في سرقة حرير) بفتح السين والراء المهملتين ثم قاف أي قطعة حرير (فيقول: هذه امراتك) زاد ابن حبان في الدنيا والآخرة (فأكشفها) أي السرقة (فإذا هي) أي الصورة التي في السرقة (أنت فأقول: إن يكن هذا) الذي رأيته (من عند الله يمضه) بضم أوله من الإمضاء.

فإن قلت: رؤيا الأنبياء وحي فما معنى قوله إن يكن؟ أجيب: باحتمال أن تكون هذه الرؤيا قبل النبوة وبعدها فعلى الأول لا إشكال، وعلى الثاني فلها ثلاثة أوجه أن تكون على ظاهرها فلا تحتاج إلى تعبير فسيمضيها الله تعالى وينجزها أو تحتاج إلى تعبير وتفسير وصرف عن ظاهرها كأن يخرج على مثالها كأختها أو قريبتها أو سميتها فالشك عائد إلى أنها على ظاهرها أو تحتاج إلى تعبير أو المراد إن كانت هذه الزوجية في الدنيا أو في الآخرة أو لم يشك، ولكن أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك وهذا نوع من أنواع البلاغة يسمى مزج الشك باليقين قاله القاضي عياض.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التعبير ومسلم في الفضائل، ونقل في المصابيح عن ابن المنير أن من خصائص عائشة رضي الله عنها أنها ولدت مسلمة بإسلام أبيها قبل ولادتها قال: وهذا لازم لأهل السير والتواريخ فيما ينقلونه ولم أر أحدًا انتزعه قبل ذلك والله أعلم.

‌10 - باب الثَّيِّبَاتِ وَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ قَالَ: لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ»

(باب الثيبات) اللاتي تزوجن، ولأبي ذر باب تزويج الثيبات (وقالت أم حبيبة) أم المؤمنين

رملة بنت أبي سفيان الأموي مما وصله في باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم الآتي إن شاء الله تعالى (قال النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قال لي النبي (صلى الله عليه وسلم) مخاطبًا لأزواجه (لا تعرضن) بفتح التاء وسكون العين المهملة وكسر الراء وسكون الضاد المعجمة مصححًا عليها في الفرع (عليّ بناتكن ولا أخواتكن) لحرمتهن لأنهن ربائبه وهو يحقق أنه عليه الصلاة والسلام تزوج الثيب ذات البنت من غيره، فحصلت المطابقة بين الحديث والترجمة.

5079 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةٍ، فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ، فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا يُعْجِلُكَ» ؟ قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ. قَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا» ؟ قُلْتُ: ثَيِّبٌ قَالَ: «فَهَلَاّ جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» . قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا -أَيْ عِشَاءً- لِكَىْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة قال: (حدّثنا سيار) بفتح السين المهملة وتشديد التحتية ابن أبي سيار واسمه وردان العنزي الواسطي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما أنه (قال: قفلنا) رجعنا (مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة) هي غزوة تبوك (فتعجلت على بعير لي قطوف) بفتح القاف أي بطيء (فلحقني راكب من خلفي فنخس بعير بعنزة) عصا طويلة أقصر من الرمح (كانت معه فانطلق بعيري كأجود ما أنت راءٍ من الإبل) بتنوين راء (فإذا) هو (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) لي:

(ما يعجلك)؟ بضم التحتية وسكون العين وكسر الجيم أي ما سبب إسراعك (قلت: كنت حديث عهد بعرس) بضم العين والراء المهملتين في الفرع كأصله وفي نسخة بسكون الراء أي قريب البناء بامرأة (قال) صلى الله عليه وسلم: أتزوجت (بكرًا) ولأبي ذر أبكرًا بإثبات همزة الاستفهام (أم) تزوجت (ثيبًا؟ قلت) هي (ثيب) ولأبي ذر ثيبًا نصب بتقدير تزوجت (قال) عليه الصلاة والسلام: (فهلا) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك) وعند الطبراني من حديث كعب بن عجرة أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل فذكر الحديث نحو حديث جابر وفيه تعضها وتعضك، وكلمة هلا للتحضيض (قال) جابر:(فلما ذهبنا) لندخل المدينة (قال) عليه الصلاة والسلام: (أمهلوا) بهمزة

ص: 13

قطع (حتى تدخلوا ليلًا أي عشاءً) قال الحافظ ابن حجر: وهذا يعارضه الحديث الآخر الآتي قبيل أبواب الطلاق لا يطرق أحدكم أهله ليلًا وهو من طريق الشعبي عن جابر أيضًا ويجمع بينهما بأن الذي في الباب لمن علم خبر مجيئه والعلم بوصوله والآتي لمن قدم بغتة (لكي تمتشط الشعثة) بفتح الشين المعجمة، وكسر العين المهملة، وفتح المثلثة، المنتشرة الشعر المغبرة الرأس الغير المتزينة (وتستحد المغيبة) بضم الميم

وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة أي تستعمل الحديدة وهي الموسى في إزالة الشعر من غاب عها زوجها أي لأن تتهيأ وتتزين لزوجها بامتشاط الشعر وتنظيف البدن.

وهذا الحديث قد سبق مطوّلًا ومختصرًا في البيوع والاستقراض والشروط والجهاد.

5080 -

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَارِبٌ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما يَقُولُ تَزَوَّجْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. «مَا تَزَوَّجْتَ»؟ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلِلْعَذَارَى وَلِعَابِهَا» . فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَقَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلَاّ جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» .

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محارب) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعد الألف راء مكسورة فموحدة ابن دثار بكسر الدال المهملة وفتح المثلثة آخره راء السدوسي (قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عهما يقول تزوّجت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(ما تزوّجت؟ فقلت): يا رسول الله صلى الله عليه وسلم (تزوجت ثيبًا. فقال) صلى الله عليه وسلم: (ما لك وللعذارى) بالذال المعجمة أي الأبكار (ولعابها) بكسر اللام مصدر من الملاعبة يقال: لاعب لعابًا وملاعبة. قال في الفتح: وفي رواية المستملي ولعابها بضم اللام والمراد به الريق وفيه إشارة إلى مصّ لسانها ورشف شفتها وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل وليس ببعيد كما قاله القرطبي، يؤيده أنه بمعنى آخر غير المعنى الأول وعند ابن ماجة عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهًا وأنتق أرحامًا بنون وفوقية أي أكثر حركة قال محارب:(فذكرت ذلك) وهو قوله ما لك وللعذارى (لعمرو بن دينار فقال عمرو: وسمعت جابر بن العبد الله يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا جارية تلاعبها وتلاعبك) تعليل لتزويج البكر لما في من الإلفة التامة فإن الثيب قد تكون متعلقة القلب بالزوج الأول، فلم تكن محبتها كاملة بخلاف البكر وذكر ابن سعد أن اسم امرأة جابر المذكورة سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك الأنصارية الأوسية وقد كان بين تزويج جابر لهذه المرأة وسؤاله صلى الله عليه وسلم له عن ذلك مدة طويلة.

‌11 - باب تَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنَ الْكِبَارِ

(باب) حكم (تزويج الصغار من الكبار في السن).

5081 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ عَائِشَةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ، فَقَالَ:«أَنْتَ أَخِي فِي دِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ، وَهْيَ لِي حَلَالٌ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن

يزيد) بن أبي حبيب بفتح المهملة وكسر الموحدة (عن عراك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء ابن مالك الغفاري (عن عروة) بن الزبير (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة) فأنهى خطبتها (إلى أبي بكر) رضي الله عنهما أو إلى بمعنى من والأول كقوله أحمد إليك الله أي أنهي حمده إليك (فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك) حصر مخصوص بالنسبة إلى تحريم نكاح بنت الأخ (فقال) صلى الله عليه وسلم له:

(أنت أخي في دين الله وكتابه) أشار إلى نحو قوله تعالى: {إنما المؤمنون أخوة} (وهي) أي عائشة (لي حلال) نكاحها لأن الأخوّة المانعة من ذلك أخوّة النسب والرضاع لا أخوّة الدين.

وهذا الحديث صورته صورة المرسل ويحتمل أنه حمله عن خالته عائشة أو عن أمه أسماء بنت أبي بكر. وقال أبو عمر بن عبد البر: إذا علم لقاء الراوي لمن أخبر عنه ولم يكن مدلسًا حمل ذلك على سماعه ممن أخبر عنه ولو لم يأت بصيغة تدل على ذلك.

‌12 - باب إِلَى مَنْ يَنْكِحُ، وَأَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ

هذا (باب) بالتنوين إذا أراد أن يتزوج ينتهي أمره (إلى من ينكح) من النساء بفتح التحتية وكسر الكاف أو بضم ثم فتح أي إلى من يعقد (وأي النساء خير وما يستحب) للرجل (أن يتخير) من النساء (لنطفه من غير إيجاب) في الأنواع الثلاثة.

5082 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُو نِسَاءِ قُرَيْشٍ: أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال: خير نساء ركبن الإبل) إشارة إلى العرب لأنهم الذين يكثر منهم

ص: 14

ركوب الإبل والعرب خير من غيرهم مطلقًا فى الجملة فيستفاد منه تفضيل نسائهم مطلقًا على نساء غيرهم مطلقًا (صالحو نساء قريش) أي في الدين وحسن المخالطة للزوج وأصله صالحون فسقطت النون للإضافة ولابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن الكشميهني صالح بالإفراد وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي صلح بضم الصاد وتشديد اللام المفتوحة جمع صالح (أحناه) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح النون أكثرهن شفقة (على ولد) نكر الولد إشارة إلى أنها تحنو على أي ولد كان وإن كان ولد زوجها من غيرها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على ولده بإثبات الضمير (في صغره) قال الهروي: والحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية وذكر الضمير في قوله أحناه وصالح وكان القياس أحناهن وصالحة باعتبار

اللفظ، أو الجنس، أو الشخص أو الإنسان (وأرعاه على زوج) أي أحفظه وأصون لماله بالأمانة فيه والصيانة له (في ذات يده). أي ماله المضاف له.

وفي الحديث فضيلة الحنوّ على الأولاد والشفقة عليهم وحسن تربيتهم والقيام عليهم ومراعاة حق الزوج في ماله والأمانة فيه وتدبيره في النفقة وغيرها وخرج بقوله ركبن الإبل مريم عليها السلام، وقد سبق في أواخر أحاديث الأنبياء في ذكر مريم، قول أبي هريرة: ولم تركب مريم بعيرًا قط، وكأنه أراد إخراج مريم من هذا التفضيل فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها.

ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة في النوع الأول والثاني، وأما الثالث فبطريق اللزوم لأنه إذا ثبت أن نساء قريش خير النساء فالمتزوّج منهن قد تخير لنطفه.

‌12 م - باب اتِّخَاذِ السَّرَارِيِّ وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا

(باب اتخاذ السراري).

جمع سرية بضم السين وتشديد الراء المكسورة وتحتية مشدّدة وهي الأمة المتخذة للوطء واشترط الفقهاء في صدق هذه التسمية حصول الوطء ولو مرة وتظهر فائدة ذلك فيمن جعل بيد زوجته عتق السرية التي يتخذها عليها فإن لم يطأها لم تعتق ولفظ السرية مأخوذ من التسرر وأصله من السر وهو من أسماء الجماع.

قال في القاموس: السر بالكسر ما يكتم كالسريرة الجمع أسرار وسرائر والجماع والذكر والنكاح والإفصاح به والزنا وفرج المرأة انتهى. وسميت بذلك لأنها يكتم أمرها عن الزوجة غالبًا وإنما ضمت سينها جريًا على المعتاد من تغيير النسب كما قالوا في النسبة إلى الدهر دهري وإلى السهل سهلي، وعن الأصمعي أنها مشتقة من السرور فيقال: تسررت سرية وتسريت بالياء فالأولى على الأصل والثاني: على البدل ما يقال تظنيت، وروى أبو داود في مراسيله عن الزبير بن سعد الهاشمي عن أشياخه رفعه قال: عليكم بأمهات الأولاد فإنهن مباركات الأرحام. وفي رواية عليكم بالسراري. وفي الكامل لأبي العباس قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس قوم أكيس من أولاد السراري لأنهم يجمعون عز العرب ودهاء العجم يريد إذا كن من العجم (و) ثواب (من أعتق جاريته ثم تزوجها).

5083 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَحَقَّ رَبِّهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ» . قَالَ الشَّعْبِيُّ: خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ

أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَصْدَقَهَا» .

وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا صالح بن صالح) أي ابن حي (الهمداني) بسكون الميم والدال المهملة المفتوحة قال: (حدّثني) بالإفراد والذي في اليونينية بالجمع (الشعبي) عامر بن شراحيل قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(أيما رجل كانت عنده وليدة) أي أمة (فعلمها) ما يجب تعليمه من الدين (فأحسن تعليمها وأدبها) لتتخلق بالأخلاق الحميدة (فأحسن تأديبها) برفق ولطف من غير عنف (ثم أعتقها وتزوجها) بعد أن أصدقها (فله أجران) أجر العتق وأجر التزويج (وأيما رجل من أهل الكتاب) التوراة والإنجيل أو الإنجيل فقط على القول بأن النصرانية ناسخة لليهودية حال كونه قد (آمن بنبيه) قال الداودي: يعني كان على دين عيسى، وأما اليهود وكثير من النصارى فليسوا من ذلك لأنه لا يجازى على الكفر بالخير قال

ص: 15

في المصابيح: وهذا ظاهر من الحديث فإن اليهود الذين بقوا على يهوديتهم بعد إرسال عيسى عليه السلام لا يصدق عليهم أنهم آمنوا بنبيهم. قال: فإذن هاتان الطائفتان خارجتان عن معنى الحديث فتأمله (وآمن بي) ولأبي ذر والوقت: وآمن يعني بي (فله أجران وأيما مملوك أدى حق مواليه) بلفظ الجمع ليدخل ما لو كان مشتركًا بين موال والمراد من حقهم خدمتهم (وحق ربه) تعالى كالصلاة والصوم (فله أجران).

ومباحث الحديث سبقت في العلم والجهاد.

و (قال الشعبي): عامر لرواية صالح بن صالح أو لرجل من خراسان ففي رواية هشيم عن صالح بن صالح المذكور قال رأيت رجلًا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوّجها فهو كالراكب بدنته فقال الشعبي: فذكر الحديث إلى أن قال له: (خذها) أي المسألة (بغير شيء) من أجرة بل بثواب التعليم (قد كان الرجل يرحل فيما دونه) أي المذكور ولأبي ذر دونها أي المسألة المذكورة (إلى المدينة) النبوية. (وقال أبو بكر): بسكون الكاف شعبة بن عياش بالتحتية آخره شين معجمة القارئ مما وصله أبو داود الطيالسي في مسنده (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي بردة) عامر (عن أبيه) أن موسى الأشعري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) الحديث. وقال فيه: (أعتقها ثم أصدقها). فصرح بثبوت الصداق هنا بخلاف الرواية السابقة فإن ظاهرها أن يكون العتق نفس المهر.

5084 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن تليد) بفتح الفوقية وكسر اللام المخففة وسكون التحتية بعدها دال مهملة المصري (قال أخبرني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت أخبرنا (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم).

0000 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَاّ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ: بَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ مَرَّ بِجَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَأَعْطَاهَا هَاجَرَ قَالَتْ: كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْكَافِرِ، وَأَخْدَمَنِي آجَرَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ.

وبه قال: (حدّثنا سليمان) بن حرب (عن حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين ولأبي ذر عن مجاهد بدل عن محمد قال الحافظ ابن حجر: وتبعه العيني وهو خطأ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.

(لم يكذب) كذا ورد موقوفًا لكريمة والنسفيّ، وكذا عن أبي نعيم وجزم به الحميدي قال الحافظ ابن حجر: وأظنه الصواب في رواية حماد عن أيوب وأن ذلك هو السر في إيراد رواية جرير بن حازم مع كونها نازلة ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم يكذب (إبراهيم) كذا في هامش الفرع كأصله وزاد في الفتح وكذا في رواية أبي الوقت والنسفيّ وأفاد أن ابن سيرين كان يقف كثيرًا من حديث أبي هريرة تخفيفًا أي لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (إلا ثلاث كذبات) بفتح الذال المعجمة وعند ابن الحطيئة عن أبي ذر بسكونها وليس هذا من الكذب الحقيقي المذموم بل هو من باب المعاريض المحتملة للأمرين لقصد شرعي ديني (بينما) بالميم (إبراهيم مرّ بجبار) اسمه صادوق كما قاله ابن قتيبة أو غير ذلك وكان على مصر فيما ذكره السهيلي (ومعه سارّة) زوجته (فذكر الحديث) ولفظه كما في أحاديث الأنبياء فقيل له: إن ها هنا رجلًا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال: من هذه؟ قال أختي فأتى سارّة قال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال: ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان (فأعطاها هاجر) أم إسماعيل (قالت) للخليل: (كف الله يد الكافر) الجبار عني (وأخدمني آجر) بالهمزة الممدودة بدل الهاء (قال أبو هريرة): بالسند السابق يخاطب العرب (فتلك) يعني هاجر (أمكم يا بني ماء السماء)

ص: 16

لكثرة ملازمتهم الفلوات التي بها مواقع المطر لرعي دوابهم.

ومطابقة الحديث للترجمة كما قال ابن المنير من جهة أن هاجر كانت مملوكة وقد صح أن إبراهيم أولدها بعد أن ملكها فهي سرية انتهى.

وتعقبه في الفتح فقال: إن أراد أن ذلك وقع صريحًا في الصحيح فليس بصحيح، وإنما الذي في الصحيح أن سارة ملكتها وأن إبراهيم أولدها إسماعيل وكونه ما كان بالذي يستولد أمة امرأته إلا بملك مأخوذ من خارج حديث الصحيح، وفي مسند أبي يعلى فاستوهبها إبراهيم من سارة فوهبتها له.

5085 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، أُمِرَ بِالأَنْطَاعِ فَأَلْقَي فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن حميد) الطويل (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة) بسدّ الصهباء (ثلاثًا)، أي ثلاثة أيام (يبنى عليه بصفية بنت حيي) بعد أن دفعها لأم سليم حتى تهيئها له ويبنى بضم التحتية وسكون الموحدة وفتح النون مبنيًّا للمفعول من البناء وهو الدخول بالزوجة قال في المصابيح وفيه رد على الجوهري حيث خطأ من قال بنى الرجل بأهله (فدعوت المسلمين إلى وليمته) صلى الله عليه وسلم (فما كان فيها من خبز ولا لحم) وسقطت من لأبي ذر (أمر) بضم الهمزة وكسر الميم ولأبي ذر بفتحهما وفي أصل اليونينية أمر بلالًا (بالأنطاع فألقى) بفتح الهمزة والقاف (فيها من التمر والإقِطِ والسمن فكانت وليمته) صلى الله عليه وسلم عليها (فقال المسلمون: أحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه) وعند مسلم فقال الناس لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد (فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطأ) أي هيأ (لها) شيئًا تقعد عليه (خلفه) أي على الراحلة (ومدّ الحجاب بينها وبين الناس).

قيل: ومطابقة الحديث للترجمة من تردد الصحابة هل صفية زوجة أو سرية.

‌13 - باب مَنْ جَعَلَ عِتْقَ الأَمَةِ صَدَاقَهَا

(باب من جعل عتق الأمة صداقها) هل يصح أم لا؟

5086 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، وَشُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا حماد) بن زيد (عن ثابت) البناني (وشعيب بن الحبحاب) بحاءين مهملتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وبعد الألف موحدة ثانية

البصري كلاهما (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية) بنت حيي (وجعل عتقها صداقها) أي أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها.

وفي رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس قال: وصارت صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها فقال عبد العزيز لثابت: يا أبا محمد أنت سألت أنسًا ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها فتبسم فهو ظاهر جدًّا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق وقد تمسك بظاهره أبو يوسف وأحمد فقالا: إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث، عبارة المرداوي من الحنابلة في تنقيحه، وإذا قال لأمته القن أو المدبرة أو المكاتبة أو أم ولده أو إلى المعلق عتقها على صفة أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح وإن كان متصلًا بحضرة شاهدين ويصح جعل صداق من بعضها رقيق عتق ذلك البعض صداق انتهى.

ومنهم من جعله من خصائصه صلى الله عليه وسلم وممن جزم بذلك الماوردي ويحيى بن أكثم ونقله المزني عن الشافعي قال وموضع الخصوصية أنه أعتقها مطلقًا وتزوّجها بغير مهر ولا ولي ولا شهود، وهذا بخلاف غيره، وقيل المعنى أعتقها ثم تزوجها فلما لم يعلم أنس أنه ساق لها صداقًا قال أصدقها نفسها أي لم يصدقها شيئًا فيما أعلم فلم ينفِ أصل الصداق، ولهذا قال الطبري من الشافعية وابن المرابط من المالكية ومن تبعهما: أنه قول أنس قاله: ظنًّا من قبل نفسه ولم يرفعه، وعورض بما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها أنها قالت: أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي فيرد على القائل بأن أنسًا قاله من قبل نفسه.

وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر.

‌14 - باب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}

(باب) جواز (تزويج المعسر لقوله تعالى: {إن يكونوا فقراء}) من المال ({يغنهم الله

ص: 17

من فضله}) [النور: 32] فالإعسار في الحال لا يمنع التزوّج لاحتمال حصول المال في المآل وعن علي بن أبي طلب عن ابن عباس أنه قال: رغبهم الله تعالى في التزويج وأمر به الأحرار والعبيد يعني في قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم} ووعدهم عليه الغنى فقال: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} ، وعن سعيد بن عبد العزيز قال: بلغني أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى قال: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} رواه ابن أبي حاتم، وعن ابن مسعود أنه قال: التمسوا الرزق في النكاح بقول الله: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} رواه ابن جرير وذكر البغوي عن ابن عمر نحوه، وفي حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله عونهم الناكح" يريد العفاف الحديث، وقال في مصابيح الجامع: وظاهر الآية وعد كل فقير تزوّج بالغنى ووعد الله واجب، فإذا رأينا فقيرًا تزوج ولم يستغن فليس ذلك لإخلاف الوعد حاش لله ولكن لإخلاله هو بالقصد لأن الله تعالى إنما وعد على حسن القصد فمن لم يستغن فليرجع باللوم على نفسه. وقال ابن كثير والمعهود من كرم الله ولطفه رزقه وإياها بما فيه كفاية له ولها، وأما حديث تزوّجوا فقراء يغنكم الله فلا أصل له ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف وفي القرآن غنية عنه.

5087 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ:«وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ» ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا» ، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ» . فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ:«مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، عَدَّدَهَا فَقَالَ:«تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد الساعدي) أنه (قال: جاءت امرأة) قال في المقدمة: يقال إنها خولة بنت حكيم، وقيل أم شريك ولا يثبت شيء من ذلك (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي) أي أكون لك زوجة بلا مهر وهو من الخصائص أو التقدير وهبت أمر نفسي لك فاللام لام التمليك استعملت هنا في تمليك المنافع (قال: فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعّد النظر) بتشديد العين أي رفعه (فيها وصوّبه) بتشديد الواو أي خفضه (ثم طأطأ رسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم طأطأ لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست فقام رجل من أصحابه) لم يسم (فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيها (حاجة فزوجنيها فقال) صلى الله عليه وسلم له:

(وهل عندك من شيء) تصدقها إياه (قال: لا والله يا رسول الله. فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر

ولو) كان الذي تجده (خاتمًا من حديد) فأصدقها إياه ففيه حذف كان واسمها وجواب لو وفيه دلالة على جواز التختم بالحديد وفيه خلاف فقيل يكره لأنه من لباس أهل النار والأصح عند الشافعية لا يكره (فذهب) إلى أهله (ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري. قال سهل) الساعدي مما أدرجه في الحديث (ما له رداء فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنع) أي المرأة (بإزارك إن لبسته) أنت (لم يكن عليها من شيء وإن لبسته) هي (لم يكن عليك شيء) وللأصيلي وأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي: لم يكن عليك منه شيء (فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه) بكسر اللام (قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليًا) مدبرًا (فأمر به فدعي) بضم الدال وكسر العين (فلما جاء قال) له: (ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا عدّدها) عين النسائي في روايته وكذا أبو داود من حديث عطاء عن أبي هريرة البقرة أو التي تليها وفي الدارقطني عن ابن مسعود البقرة وسور من المفصل، ولتمام الرازي عن أبي أمامة قال: زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأنصار على سبع سور (فقال) صلى الله عليه وسلم: (تقرؤهن عن ظهر قلبك) أي من حفظك (قال: نعم. قال: اذهب

ص: 18

فقد ملكتكها بما معك من القرآن) بفتح الميم قال الدارقطني هذه وهم والصواب زوّجتكها وهي رواية الأكثرين.

قال النووي: يحتمل صحة الوجهين بأن يكون جرى لفظ التزويج أوّلًا ثم لفظ التمليك ثانيًا أي لأنه ملك عصمتها بالتزويج السابق. زاد البيهقي في المعرفة من طريق زائدة عن أبي حازم عن سهل انطلق فقد زوّجتكها بما تعلّمها من القرآن، وفي حديث أبي هريرة عنده أيضًا قال: ما تحفظ من القرآن قال: سورة البقرة والتي تليها قال: قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك، وفي تعليمها القرآن منفعة تعود إليها وهو عمل من أعمال البدن التي لها أجرة، والباء في بما معك باء المقابلة وما موصولة وصلتها الظرف والعائد ضمير الاستقرار وقيل الباء سببية أي بسبب ما معك من القرآن قيل ويرجع إلى صداق المثل، وهذا مذهب الحنفية قالوا: لأن المسمى ليس بمال، والشارع إنما شرع ابتغاء النكاح للمال بقوله:{أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: 24] وتعليم القرآن ليس بمال فيجب مهر المثل وليس في قوله زوّجتكها بما معك من القرآن أنه جعله مهرًا ومن للبيان أو للتبعيض.

‌15 - باب الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}

(باب الأكفاء في الدين) بفتح الهمزة الأولى جمع كفء بضم الكاف وسكون تاليها آخره المثل والنظير يقال: كافأه أي ساواه، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم فالكفاءة معتبرة في النكاح لما روى جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء ولا يزوّجن من غير الأكفاء ولأن النكاح يعقد للعمر، ويشتمل على أغراض ومقاصد كالازدواج والصحبة والألفة وتأسيس القرابات ولا ينتظم ذلك عادة إلا بين الأكفاء، وقد جزم مالك رحمه الله بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين لقوله عليه الصلاة والسلام: "الناس سواء لا فضل

لعربي على عجمي إنما الفضل بالتقوى". وقال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]. وأجيب: بأن المراد به في حكم الآخرة وكلامنا في الدنيا، وقال الشيخ خليل في مختصره: والكفاءة الدين والحال قال شارحه وأعتبر فيها خمسة أوصاف.

الدين وهو متفق عليه، وظاهر قول المدوّنة المسلمون بعضهم لبعض أكفاء أن الرقيق ونقله عبد الوهاب نصًّا وعن المغيرة أنه يفسخ وصححه هو وغيره.

والنسب وفي المدونة المولى كفء للعربية، وقيل ليس بكفء.

والحال وهو أن يكون الزوج سالمًا من العيوب الفاحشة.

والمال فالعجز عن حقوقها يوجب مقالها وقيل: المعتبر من ذلك كله عند مالك الدين والحال وعند ابن القاسم الدين والمال وعندهما المال والحال انتهى.

وخصال الكفاءة عند الشافعية خمسة.

سلامة من عيب نكاح كجنون وجذام وبرص.

وحرية فمن مسه أو مس أبًا له أقرب رق ليس كفء سليمة من ذلك لأنها تعير به وخرج بالآباء الأمهات فلا يؤثر فيهن مس الرق.

ونسب ولو في العجم لأنه من المفاخر فعجمي أبًا وإن كانت أمه عربية ليس كفء عربية أبًا وإن كانت أمها أعجمية ولا غير قرشي من العرب كفأ لقرشية لحديث قدّموا قريشًا ولا تقدّموها رواه الشافعي بلاغًا ولا غير هاشمي ومطلبي كفأ لهما لحديث مسلم أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم فبنو هاشم وبنو المطلب أكفاء لحديث البخاري نحن وبنو المطلب شيء واحد.

وعفة بدين وصلاح فليس فاسق كفء عفيفة.

وحرفة فليس ذو حرفة دنيئة كفء أرفع منه فنحو كناس ليس كفء بنت خياط ولا خياط بنت تاجر ولا تاجر بنت عالم ولا يعتبر في خصال الكفاءة اليسار لأن المال غادٍ ورائح ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر، وقال الحنابلة: واللفظ للمرداوي في تنقيحه والكفاءة في زوج شرط لصحة النكاح عند الأكثر فهي حق لله والمرأة والأولياء كلهم حتى من يحدث ولو زالت بعد العقد فلها الفسخ فقط وعنه ليست بشرط بل للزوم واختاره أكثر المتأخرين وهو أظهر ولمن لم يرض الفسخ من المرأة والأولياء جميعهم فورًا وتراخيًا فهي حق

ص: 19

للأولياء والمرأة وهي دين ومنصب وهو النسب وحرية وصناعة غير زرية ويسار بمال بحسب ما يجب لها. وقال الشافعي: ليس نكاح غير الأكفاء حرامًا فأردّ به النكاح، وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء فإذا رضوا صح ويكون حقًّا لهم تركوه فلو رضوا إلا واحدًا فله فسخه.

(وقوله) عز وجل: ({وهو الذي خلق من الماء}) أي النطفة ({بشرًا}) إنسانًا ({فجعله نسبًا وصهرًا}) يريد فقسم البشر قسمين ذوي نسب أي ذكورًا ينسب إليهم فيقال: فلان ابن فلان وفلانة بنت فلان، وذوات صهر أي إناثًا يصاهر بهن وهو كقوله:{فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} [القيامة: 39]({وكان ربك قديرًا})[الفرقان: 54] حيث خلق من النطفة الواحدة بشرًّا نوعين ذكرًا وأنثى، وقيل فجعله نسبًا قرابة وصهرًا أي مصاهرة يعني الموصلة بالنكاح منّ بالأنساب لأن التواصل يقع بها وبالمصاهرة لأن التوالد بها يكون، وسقط لأبي ذر قولها {وكان ربك قديرًا} وقال بعد وصهرًا الآية. ومراد المؤلّف رحمه الله من سياق هذه الآية الإشارة إلى أن النسب والصهر مما يتعلق به حكم الكفاءة، ونقل العيني عن ابن سيرين أن هذه الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وزوّج عليه الصلاة والسلام فاطمة عليًّا وهو ابن عمه وزوج ابنته فكان نسبًا وكان صهرًا.

5088 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهْوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، كَمَا تَبَنَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَمَوَالِيكُمْ} فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ ثُمَّ الْعَامِرِيِّ وَهْيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن أبا حذيفة) مهشمًا على المشهور خال معاوية بن أبي سفيان (ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس) القرشي العبشمي (وكان ممن شهد بدرًا) والمشاهد كلها (مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالمًا) أي ابن معقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف من أهل فارس المهاجري الأنصاري (وأنكحه) زوّجه (بنت أخيه) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة (هند) غير مصروف للعلمية والتأنيث ولأبوي الوقت وذر هندًا لسكون وسطه (بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو) أي سالم (مولى لامرأة من الأنصار) اسمها ثبيتة بضم المثلثة وفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح الفوقية بنت يعار بفتح التحتية والعين المهملة المخففة وبعد الألف راء ابن زيد بن عبيد الأنصارية زوج أبي حذيفة المذكور (كما تبنى) أي ما اتخذ (النبي صلى الله عليه وسلم زيدًا) ابنًا (وكان من تبنى رجلًا في الجاهلية دعاه الناس إليه) فيقولون فلان ابن فلان للذي تبناه (وورث من ميراثه) كما يرث ابنه من النسب (حتى أنزل الله) تعالى ({ادعوهم لآبائهم} -إلى قوله- {ومواليكم})[الأحزاب: 5](فردوا) بصيغة البناء

للمفعول (إلى آبائهم) أي الذين ولدوهم (فمن لم يعلم له أب) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول (كان مولًى وأخًا في الدين فجاءت سهلة) بفتح السين المهملة وسكون الهاء (بنت سهيل بن عمرو) بضم السين وفتح الهاء وسكون التحتية وعمرو بفتح العين (القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة بن عتبة) ضرّة معتقة سالم الأنصارية (النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنا كنا نرى) بفتح النون نعتقد (سالمًا ولدًا) بالتبني (وقد أنزل الله فيه ما قد علمت) من قوله تعالى: {ادعوهم لآبائهم} (فذكر) أبو اليمان الحكم بن نافع شيخ البخاري (الحديث) وتمامه كما عند أبي داود والبرقاني: فكيف ترى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه" فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة. فبذلك كانت عائشة تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحدًا من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة: والله ما ندري لعلها رخصة من رسول الله لسالم دون الناس، وقد أخرج هذا الحديث من طريق القاسم بن محمد عن عائشة ومن طريق زينب عن أم سلمة ففي رواية القاسم

ص: 20

عنده جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو فقالت يا رسول الله إن في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال: أرضعيه. قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "قد علمت أنه رجل كبير" وفي لفظ فقالت: إن سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة شيئًا من ذلك فقال: أرضعيه تحرمي عليه فرجعت إليه فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة وهذا مختص بسهلة وسالم أو منسوخ، والجمهور على خلافه كما يأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في أبواب الرضاع.

ومطابقة الحديث للترجمة من تزويج أبي حذيفة سالمًا الذي تبناه وهو مولى لامرأة من الأنصار بنت أخيه هند ولم يعتبر فيه الكفاءة إلا في الدين، والحديث أخرجه النسائي أيضًا في النكاح.

5089 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ» ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَجِدُنِي إِلَاّ وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا:«حُجِّي وَاشْتَرِطِي، قُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» ، وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ.

وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) اسمه عبد الله أبو محمد الهباري القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة المخففة (بنت الزبير) بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم (فقال لها):

(لعلك أردت الحج؟ قالت: والله لا). ولأبي ذر: ما (أجدني) أي ما أجد نفسي (إلا وجعة)

واتحاد الفاعل والمفعول مع كونهما ضميرين لشيء واحد من خصائص أفعال القلوب وقوله وجعة بفتح الواو وكسر الجيم أي ذات مرض (فقال) صلى الله عليه وسلم (لها: حجي واشترطي) أنك حيث عجزت عن الإتيان بالمناسك واحتبست عنها بحسب قوّة المرض تحللت (قولي) ولأبي ذر وقولي (اللهم محلي) بفتح الميم وكسر الحاء، ولأبي ذر بفتحها أي مكان تحللي من الإحرام (حيث حبستني) فيه عن النسك بعلة المرض.

ومباحث ذلك سبقت في الحج في أبواب المحصر (وكانت) ضباعة (تحت المقداد بن الأسود) هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندي ونسب إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة لكونه تبناه فكان من حلفاء قريش، وتزوّج ضباعة وهي هاشمية ففيه أن النسب لا يعتبر في الكفاءة وإلاّ لما جاز له أن يتزوّجها لأنها فوقه في النسب. وأجيب: باحتمال أنها وأولياءها أسقطوا حقهم من الكفاءة.

5090 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» .

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن أبي سعيد) كيسان (عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(تنكح المرأة) بضم التاء وفتح الكاف مبنيًّا للمفعول والمرأة رفع به (لأربع) من الخصال (لمالها) بدل من السابق بإعادة العامل لأنها إذا كانت ذات مال قد لا تكلفه في الإنفاق وغيره فوق طاقته، وقول المهلب إن في الحديث دليلًا على أن للزوج الاستمتاع بمال زوجته فإن طابت نفسها بذلك حل له وإلاّ فله من ذلك قدر ما بذل لها من الصداق تعقب بأنه ليس في الحديث ما ذكره من التفصيل ولم ينحصر قصده في الاستمتاع بمالها فقد يقصد ترجي حصول ولد منها فيعود إليه مالها بالإرث أو أن تستغني عنه بمالها عن مطالبته بما يحتاج إليه غيرها من النساء كما مر وأما استدلال بعض المالكية به على أن للرجل أن يحجر على زوجته في مالها معلّلًا بأنه إنما تزوجها لمالها فليس لها تفويته ففيه نظر لا يخفى (و) تنكح المرأة أيضًا (لحسبها) بإعادة الجار أيضًا وفتح الحاء والسين المهملتين ثم موحدة أي لشرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدّوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقد قال أكثم بالمثلثة ابن صيفي: يا بني تميم لا يغلبنكم جمال النساء على صراحة الحسب فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف. وقال بكير الأسدي:

ص: 21

وأول خبث المرء خبث ترابه

وأول لؤم المرء لؤم المناكح

وقال آخر:

وإذا كنت تبغي أيضًا بجهالة

من الناس فانظر من أبوها وخالها

فإنهما منها كما هي منهما

كقدّك نعلًا أن أريد مثالها

ولا تطلب البيت الدنيء فعاله

ولا يد ذا عقل لورهاء مالها

فإن الذي ترجو من المال عندها

سيأتي عليه شؤمها وخبالها

وقيل: المراد بالحسب المال وردّ بذكر المال قبله وعطفه عليه، وعند النسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال. وفي حديث ميمونة المرفوع مما صححه الترمذي والحاكم الحسب المال والكرم التقوى، وحمل على أن المراد أن المال حسب من لا حسب له. وروى الحاكم حديث: تخيروا لنطفكم، فيكره نكاح بنت الزنا وبنت الفاسق. قال الأذرعي: ويشبه أن تلحق بهما اللقيطة ومن لا يعرف أبوها (و) تنكح أيضًا لأجل (جمالها) ولم يعد العامل في هذه والجمال مطلوب في كل شيء لا سيما في المرأة التي تكون قرينة وضجيعة، وعند الحاكم حديث خير النساء من تسرّ إذا نظرت وتطيع إذا أمرت. قال الماوردي: لكنهم كرهوا ذات الجمال الباهر فإنها تزهو بجمالها (و) تنكح (لدينها) بإعادة اللام، وفي مسلم بإعادتها في الأربع وحذفت هنا في قوله وجمالها فقط (فاظفر بذات الدين) ولمسلم من حديث جابر فعليك بذات الدين، والمعنى كما قال القاضي ناصر الدين البيضاوي: إن اللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم في كل شيء لا سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره، فلذا اختاره صلى الله عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية ومنتهى الاختيار والطلب الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة. وقال في شرح المشكاة قوله: فاظفر جزاء شرط محذوف أي إذا تحققت ما فصلت لك تفصيلًا بيّنًا فاظفر أيها المسترشد بذات الدين فإنها تكسبك منافع الدارين، قال: واللامات المكررة مؤذنة بأن كلاًّ منهن مستقلة في الغرض. وروى ابن ماجة حديث ابن عمر مرفوعًا لا ترجو النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن أي يهلكهن ولا تزوّجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهنّ ولكن تزوّجوهن على الدين ولأمة سوداء ذات دين أفضل.

(تربت يداك) أي افتقرتا إن خالفت ما أمرتك به يقال ترب الرجل إذا افتقر وهي كلمة جارية على ألسنتهم لا يريدون بها حقيقتها. وقيل: فيه تقدير شرط كما مر ورجحه ابن العربي لتعدية ذوات الدين إلى ذوات الجمال والمال، ورجح عدم إرادة الدعاء عليه وذلك لأنهم كانوا إذا رأوا مقدامًا في الحرب أبلى فيه بلاء حسنًا يقولون قاتله الله ما أشجعه، وإنما يريدون به ما يزيد قوته وشجاعته وكذلك ما نحن فيه فإن الرجل إنما يؤثر تلك الثلاثة على ذات الدين لإعدامها مالًا وجمالًا وحسبًا فينبغي أن يحمل الدعاء على ما يجبر عليه من الفقر أي عليك بذات الدين يغنك الله فيوافق معنى الحديث النص التنزيلي: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن

يكونوا فقراء يغنهم الله من فضلهِ} [النور: 32]. والصالح هو صاحب الدين قاله في شرح المشكاة وفي الحديث كما قال النووي الحث على مصاحبة أهل الصلاح في كل شيء لأن من صاحبهم استفاد من أخلافهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم.

وحكى محيي السُّنَّة أن رجلًا قال للحسن: إن لي بنتًا أحبها وقد خطبها غير واحد فمن ترى أن أُزوّجها؟ قال: زوّجها رجلًا يتقي الله فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.

وقال الغزالي في الإحياء: وليس أمره صلى الله عليه وسلم بمراعاة الدين نهيًا عن مراعاة الجمال ولا أمرًا بالإضراب عنه وإنما هو نهي عن مراعاته مجردًا عن الدين فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل

ص: 22

في النكاح دون التفات إلى الدين ولا نظر إليه فوقع النهي عن هذا. قال: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن يريد التزوج بالنظر إلى الخطوبة يدل على مراعاة الجمال إذ النظر لا يفيد معرفة الدين، وإنما يعرف به الجمال أو القبح، ومما يستحب في المرأة أيضًا أن تكون بالغة كما نص عليه الشافعي إلا لحاجة كان لا يعفه إلا غيرها أو مصلحة كتزوّجه صلى الله عليه وسلم عائشة وأن تكون عاقلة. قال في المهمات: ويتجه أن يراد بالعقل هنا العقل العرفي وهو زيادة على مناط التكليف انتهى.

والمتجه أن يراد أعم من ذلك وأن تكون قرابة غير قريبة لقوله صلى الله عليه وسلم لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويًا ذكره في الإحياء. وقوله: ضاويًا أي نحيفًا لضعف الشهوة. قال الزنجاني: ولأن من مقاصد النكاح اشتباك القبائل لأجل التعاضد واجتماع الكلمة وهو مفقود في نكاح القريبة. وتوقف السبكي في هذا الحكم لعدم صحة الحديث الدال عليه فقد قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلًا معتمدًا. قال السبكي: فلا ينبغي إثباته لعدم الدليل انتهى.

وقال الحافظ زين الدين العراقي: والحديث المذكور إنما يعرف من قول عمر أنه قال لآل السائب قد أضويتم فانكحوا في الغرائب. وقال الشاعر:

تخيرتها للنسل وهي غريبة

فقد أنجبت والمنجبات الغرائب

وما ذكر في الروضة من أن القريبة أولى من الأجنبية هو مقتضى كلام جماعة، لكن ذكر صاحب البحر والبيان أن الشافعي نص على أنه يستحب أن لا يتزوج من عشيرته، ولا يشكل ما ذكر بتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب مع أنها بنت عمته لأنه تزوّجها بيانًا للجواز ولا بتزوّج عليّ فاطمة لأنها بعيدة في الجملة إذ هي بنت ابن عمه لا بنت عمه وأن لا تكون ذات ولد لغيره إلا لمصلحة كما تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة ومعها ولد أبي سلمة للمصلحة وأن لا يكون لها مطلق يرغب في نكاحها وأن لا تكون شقراء فقد أمر الشافعي الربيع أن يرد الغلام الأشقر الذي اشتراه له وقال: ما لقيت من أشقر خيرًا.

وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا في النكاح وكذا أبو داود والنسائي.

5091 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ

عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا» : قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ، أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنَ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا» ؟ قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا» . [الحديث 5091 - أطرافه في: 6447].

وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري الأسدي قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل) أي ابن سعد الساعدي الأنصاري رضي الله عنه أنه (قال: مرّ رجل) غني لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) للحاضرين من أصحابه:

(ما تقولون في هذا؟ قالوا حريّ) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية أي حقيق (إن خطب) امرأة (أن ينكح) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (وإن شفع) في أحد (أن يشفع) بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة أي أن تقبل شفاعته (وإن قال أن يستمع) قوله (قال) سهل: (ثم سكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمرّ رجل) آخر قيل إنه جعيل بن سراقة كما في مسند الروياني وفتوح مصر لابن عبد الحكم وغيرهما (من فقراء المسلمين فقال) صلى الله عليه وسلم: (ما تقولون في هذا) الفقير المار (قالوا) هو (حريّ) حقيق (إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يستمع) لقوله لفقره وكان صالحًا دميمًا قبيحًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا) الفقير (خير من ملء الأرض مثل هذا) الغني وإطلاقه التفضيل على الغني المذكور لا يلزم منه تفضيل كل فقير على كل غني كما لا يخفى. نعم فيه تفضيله مطلقًا في الدين فيطابق الترجمة وقوله ملء بالهمز ومثل بالنصب والجر.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الرقاق وابن ماجة في الزهد.

‌16 - باب الأَكْفَاءِ فِي الْمَالِ، وَتَزْوِيجِ الْمُقِلِّ الْمُثْرِيَةَ

(باب) حكم (الأكفاء في المال) واختلف فيه، والأشهر عند الشافعي أنه لا أثر له في الكفاءة فالمعسر كفء للموسرة لأن المال غاد ورائح ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر نعم لو زوج الولي بالإجبار موليته معسرًا بغير رضاها بمهر المثل

ص: 23

لم يصح النكاح لأنه بخس حقها كتزويجها بغير كفء نقله في الروضة عن فتاوى القاضي ومنعه البلقيني، وقال الزركشي: هو مبني على اعتبار اليسار مع أنه نقل عن عامة الأصحاب عدم اعتباره انتهى. ونقل صاحب الإفصاح فيما حكاه في الفتح عن الشافعي أنه قال: الكفاءة في الدين والمال والنسب، وجزم باعتباره أبو الطيب والصيمري وجماعة، واعتبره الماوردي في أهل الأمصار وخص الخلاف بأهل البوادي والقرى المتفاخرين بالنسب دون المال انتهى.

(وتزويج المقل) بالجر عطفًا على سابقه والمقل بضم الميم وكسر القاف وتشديد اللام الفقير (المثرية) بضم الميم وسكون المثلثة وفتح التحتية التي لها ثراء بفتح المثلثة والراء والمد هو الغنى.

5092 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ صَدَاقَهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، إِلَاّ أَنْ يُقْسِطُوا فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ. قَالَتْ: وَاسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ إِلَى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ قَالَتْ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا، إِلَاّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى فِي الصَّدَاقِ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أنه سأل عائشة رضي الله عنها) عن تفسير قوله تعالى: ({وإن خفتم}) وللأربعة فإن خفتم ({أن لا تقسطوا في اليتامى})[النساء: 3](قالت: يا ابن أختي) أسماء (هذه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هي (اليتيمة) التي مات أبوها (تكون في حجر وليها) القائم بأمورها (فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص صداقها) عن مهر مثلها (فنهوا) بضم النون والهاء (عن نكاحهن إلا أن يقسطوا) بضم أوله وكسر ثالثه يعدلوا (في إكمال الصداق) على عادتهن في ذلك (وأمروا بنكاح من سواهن) أي من النساء كما في الرواية الأخرى (قالت) أي عائشة: (واستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فأنزل الله تعالى: {ويستفتونك}) سقطت واو ويستفتونك الأولى عند الأربعة ({في النساء}) إلى ({وترغبون أن تنكحوهن})[النساء: 127] لجمالهن أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن (فأنزل الله لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ونسبها) ولأبي ذر عن الكشميهني وسنتها (في إكمال الصداق وإذا) ولأبي ذر عن الكشميهني وإن (كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء. قالت: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى في) ولأبي ذر عن الكشميهني: من (الصداق) وكان عمر بن الخطاب إذا جاءه ولي اليتيمة نظر فإن كانت جميلة غنية قال: زوّجها غيرك والتمس لها من هو خير منك وإن كانت دميمة ولا مال لها قال: تزوجها فأنت أحق بها، وحديث الباب مر في التفسير.

‌17 - باب مَا يُتَّقَى مِنْ شُؤْمِ الْمَرْأَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ}

(باب ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم})

[التغابن: 14] قدم الأزواج لأن المقصود الإخبار بأن منهم أعداء ووقوع ذلك في الأزواج أكثر منه في الأولاد فكان أقعد في المعنى المراد فكان تقديمه أولى وأشار البخاري بإيراد ذلك إلى اختصاص الشؤم ببعض الأزواج دون بعض لما دلت عليه الآية من التبعيض.

5093 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الشُّؤْمُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ» .

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) الزهري (عن حمزة) بالحاه المهملة والزاي (وسالم ابني عبد الله بن عمر) بن الخطاب (عن) أبيهما (عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولأبي ذر النبي (صلى الله عليه وسلم قال):

(الشؤم) الذي هو ضدّ اليمن يقال تشاءمت بكذا وتيمنت بكذا وواو الشؤم همزة لكنها خففت فصارت واوًا غلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة (في المرأة والدار والفرس).

ونقل الحافظ أبو ذر الهرويّ عن البخاري أن شؤم الفرس إذا كان حرونًا وشؤم المرأة سوء خلقها وشؤم الدار سوء جارها وقال غيره: شؤم الفرس أن لا يغزى عليها، وشؤم المرأة أن لا تلد، وشؤم الدار ضيقها. وقيل: شؤم المرأة غلاء مهرها. وللطبراني من حديث أسماء: إن من شقاء المرء في الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة وفيه سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها، وسوء الدابة منعها ظهرها وسوء طبعها، وسوء المرأة عقم رحمها وسوء خلقها. وفي

ص: 24

حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم: من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة: المرأة السوء والمسكن السوء المركب السوء. وفي رواية لابن حبان: المركب الهنيء والمسكن الواسع، وفي رواية للحاكم: ثلاث من الشقاء المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك، والدابة تكون قطوفًا فإن ضربتها أتعبتها وإن تركتها لم تلحق أصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق.

وحديث الباب سبق في الجهاد.

5094 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْقَلَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن منهال) البصري ولأبي ذر المنهال قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء قال: (حدّثنا عمر بن محمد) بضم العين (العسقلاني عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه (قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(إن كان الشؤم في شيء) حاصلًا (ففي الدار والمرأة والفرس) يعني أن الشؤم لو كان له وجود في شيء لكان في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء له، لكن لا وجود له فيها أصلًا. وعلى هذا فالشؤم في الحديث السابق وغيره محمول على الإرشاد منه صلى الله عليه وسلم يعني إن كانت له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا تعجبه، فليفارق بالانتقال من الدار ويطلق المرأة ويبيع الفرس حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة.

5095 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ، فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَسْكَنِ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(إن كان) أي الشؤم حاصلًا (في شيء ففي الفرس والمرأة والمسكن) زاد مالك في الموطأ في آخره يعني الشؤم. واتفقت نسخ البخاري كلها على إسقاط الشؤم في هذه الرواية.

وسبق هذا الحديث في الجهاد وفي ذكر هذين الحديثين بعد الآية السابقة، كما قال الشيخ تقي الدين السبكي إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها وأن لها تأثيرًا في ذلك وهو شيء لا يقول له أحد من العلماء ومن قال: إنها سبب ذلك فهو جاهل، وقد أطلق الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكفر فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل؟ وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير أن يعتقد نسبة الفعل إليها.

5096 -

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» .

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري أنه (قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن بن مل (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء وكسر الدال المهملة (عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء) فالفتنة بهن أشدّ من الفتنة بغيرهن ويشهد لذلك قوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء} [آل عمران: 14] فجعل الأعيان التي ذكرها شهوات حين أوقع الشهوات أولًا مبهمًا ثم بيّنها بالمذكورات فعلم أن الأعيان هي عين الشهوات فكأنه قيل زين حب الشهوات التي هي النساء فجرد من النساء شئ يسمى شهوات وهي نفس الشهوات، كأنه قيل هذه الأشياء خلقت للشهوات والاستمتاع بها لا غير لكن المقام يقتضي الذم، ولفظ الشهوة عند العارفين مسترذل والتمتع بالشهوة نصيب البهائم وبدأ بالنساء قبل

بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك وتحقيق كون الفتنة بهن أشدّ أن الرجل يحب الولد لأجل المرأة، وكذا يحب الولد الذي أمه في عصمته ويرجحه على الولد الذي فارق أمه بطلاق أو وفاة غالبًا وقد قال مجاهد في قوله تعالى:{إن من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم} [التغابن: 14] قال: تحمل الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه فلا يستطيع مع حبه إلا الطاعة، وقال بعض الحكماء: النساء شرّ كلهم وأشرّ ما فيهن عدم

ص: 25

الاستغناء عنهن، ومع أنهن ناقصات عقل ودين يحملن الرجل على تعاطي ما في نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشدّ الفساد.

‌18 - باب الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ

(باب) جواز كون (الحرة تحت العبد) زوجة له إذا رضيت بذلك.

5097 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ، عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبُرْمَةٌ عَلَى النَّارِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ فَقَالَ:«لَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ» ؟ فَقِيلَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ:«هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المشهور بربيعة الرأي (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصدّيق (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى (ثلاث سنن) بضم السين وفتح النون الأولى أي طرق جمع سنة وهي الطريقة وإذا أطلقت في الشرع فالمراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلًا مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة.

إحداها أنها (عتقت) بفتحات أعتقتها عائشة (فخيرت) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول خيرها صلى الله عليه وسلم في فسخ نكاحها من زوجها مغيث وبين المقام معه وكان عبدًا فاختارت نفسها. وفي مرسل عامر الشعبي عند ابن سعد في طبقاته أنه صلى الله عليه وسلم قال لها لما أعتقت: قد عتق بضعك معك فاختاري، وهذا مذهب المالكية والشافعية لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتعير به وأن لسيده منعه عنها وأنه لا ولاية له على ولده وغير ذلك، وهذا بخلاف ما إذا عتقت تحت حر لأن الكمال الحادث لها حاصل له فأشبه ما إذا أسلمت كتابية تحت مسلم ولو عتق بعضها فلا خيار لبقاء النقصان وأحكام الرقّ، ويستثنى من ذلك ما إذا أعتقها مريض قبل الدخول وهي لا تخرج من ثلثه إلا بالصداق فلا خيار لها لأنها لو فسخت سقط مهرها وهو من جملة المال فيضيق الثلث عن الوفاء بها فلا تعتق كلها فلا يثبت الخيار وكل ما أدّى ثبوته إلى عدمه استحال ثبوته وهذه من صور

الدور الحكمي، وليس في هذا الحديث التصريح بكون زوج بريرة عبدًا ولا حرًّا، لكن صحيح البخاري يدل على أنه يمل إلى أنه كان حين عتقت عبدًا، وعنده في الطلاق من حديث عكرمة عن ابن عباس أنه كان عبدًا، وعند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث الأسود عن عائشة أنه كان حرًّا، وحمله بعض الحنفية على أنه كان حرًّا عندما خيرت وعبدًا قبل قال: الحرية تعقب الرقّ ولا ينعكس فمن أخبر بعبوديته لم يعلم بحريته ولم يخيرها صلى الله عليه وسلم لأنه كان عبدًا ولا لأنه كان حرًّا وإنما خيرها للعتق لأن الأمة إذا أعتقت لها الخيار في نفسها سواء كان زوجها حرًّا أم عبدًا. وقد أفرد ابن جرير الطبري وابن خزيمة مؤلفًا في الاختلاف هل كان مغيث حرًّا أم عبدًا.

وبقية مباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق.

(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): في شأن بريرة لما أرادت عائشة أن تشتريها وتعتقها وشرط مواليها أن يكون الولاء لهم (الولاء لمن أعتق) الجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو الولاء أي كائن أو مستقر لمن أعتق وبه يتعلق حرف الجر، ومن موصول وأعتق في موضع الصلة والعائد ضمير الفاعل، وسبق في العتق ما في الحديث من المباحث.

(ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرمة على النار) بضم الموحدة وسكون الراء قال: ابن الأثير هي القدر مطلقًا وجمعها برام وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز والواو في قوله وبرمة للحال (فقرب إليه) بضم القاف وتشديد الراء المكسورة (خبز وأدم من أدم البيت) جمع أدام كإزار وأزر وهو ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان والإضافة إضافة تخصيص (فقال) صلى الله عليه وسلم: (لم) وللأربعة ألم (أر البرمة) أي على النار فيها لحم والهمزة للتقرير والفعل مجزوم بحذف الألف المنقلبة عن الياء (فقيل) له عليه الصلاة والسلام هو (لحم تصدق به على بريرة) بضم التاء والصاد وكسر الدال المشددة مبنيًّا لما لم يسم فاعله جملة في محل رفع صفة للحم، وسقط لغير أبي ذر لفظ به (وأنت لا تأكل الصدقة) لحرمتها عليك (قال) عليه الصلاة والسلام:(هو) أي اللحم (عليها) أي

ص: 26

على بريرة ولأبي ذر عن الكشميهني لها (صدقة ولنا هدية) والفرق بينهما أن الصدقة إعطاء للثواب والهدية للإكرام.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق والأطعمة، وأخرجه مسلم في الزكاة والعتق والنسائي في الطلاق.

‌19 - باب لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام: يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:{أُولِى أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ

هذا (باب) بالتنوين (لا يتزوج) الرجل (أكثر من أربع) من النساء كما اتفق عليه الأربعة

وجمهور المسلمين (لقوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع}) وأجاز الروافض تسعًا من الحرائر، ونقل عن النخعي وابن أبي ليلى لأنه بيّن العدد المحلل بمثنى وثلاث ورباع وكذا المدبرة وأم الولد بحرف الجمع، والحاصل عن ذلك تسع. وقد تزوج عليه الصلاة والسلام تسعًا والأصل عدم الخصوصية إلا بدليل. وأجار الخوارج ثمان عشرة لأن مثنى وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرر على ما عرف في العربية فيصير الحاصل ثمانية عشر، وحكي عن بعض الناس إباحة أيّ عدد شاء بلا حصر للعمومات من نحو {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} ولفظ مثنى إلى آخره تعداد عرفي لا قيد كما يقال خذ من البحر ما شئت قربة وقربتين وثلاثًا والحجة عليهم أن الإحلال، وهو قوله تعالى:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3] لم يسق إلا لبيان العدد المحلل لا لبيان نفس الحل لأنه عرف من غيرها قبل نزولها كتابًا وسُنة فكان ذكره هنا معقبًا بالعدد ليس إلا لبيان قصر الحل عليه أو هي لبيان الحل المقيد بالعدد لا مطلقًا، كيف وهو حال من طاب فيكون قيدًا في العامل وهو الإحلال المفهوم من {فانكحوا} ثم إن مثنى معدول عن عدد مكرر لا يقف عند حد هو اثنان اثنان هكذا إلى ما لا يقف وكذا ثلاث في ثلاثة ومثله رباع في أربعة أربعة فمؤدى التركيب على هذا ما طاب لكم ثنتين ثنتين جمعًا في العقد أو على التفريق وثلاثًا ثلاثًا جمعًا أو تفريقًا وأربعًا أربعًا كذلك، ثم هو قيد في الحل على ما ذكر فانتهى الحل إلى أربع مخير فيهن بين الجمع والتفريق، وأما حل الواحدة فقد كان ثابتًا قبل هذه الآية بحل النكاح لأن أقل ما يتصور بالواحدة، فحاصل الحال أن حل الواحدة كان معلومًا وهذه لبيان حل الزائد عليها إلى حد معين مع بيان التخيير بين الجمع والتفريق في ذلك، وبه يتم جواب الفريقين قاله في فتح القدير.

قال في الكشاف: معدولة عن أعداد مكررة أي فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد اثنين اثنين وثلاثًا ثلاثًا وأربعًا أربعًا، ولما كان الخطاب للجميع وجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ولو أفردت لم يكن له معنى.

(وقال علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب (عليهما) وعلى أبيهما (السلام يعني مثنى أو ثلاث أو رباع وقوله جل ذكره) في سورة فاطر: ({أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع})[فاطر: 1](يعني مثنى أو ثلاث أو رباع) أراد أن الواو بمعنى أو فهي للتنويع أو هي عاطفة على العامل، والتقدير: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وانكحوا ما طاب لكم من النساء ثلاث، وانكحوا ما طاب لكم من النساء رباع. قال في الفتح: وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين، وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم انتهى.

وقال حمزة بن الحسين الأصفهاني في رسالته المعربة عن شرف الأعراب: القول بأن الواو

بمعنى أو عجز عن درك الحق واعلم أن الأعداد التي تجتمع قسمان قسم يؤتى به ليضم بعضه إلى بعض وهو الأعداد الأصول نحو {ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196] و {ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة} [الأعراف: 142].

وقسم يؤتى به لا ليضم بعضه إلى بعض وإنما يراد به الانفراد لا الاجتماع وهو الأعداد المعدولة كهذه الآية وآية فاطر أي منهم جماعة ذوو جناحين جناحين وجماعة ذوو ثلاثة ثلاثة وجماعة ذوو أربعة أربعة فكل جنس مفرد بعدد وقال:

ص: 27

ولكنما أهلي بواد أنيسه

ذئاب يبغي الباس مثنى وموحد

ولم يقولوا ثلاث وخماس ويريدون ثمانية كما قال تعالى: {ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} وللجهل بموقع هذه الألفاظ استعملها المتنبي في غير موضع التقسيم فقال:

أحاد أم سداس في أحاد

ليلتنا المنوطة بالتناد

5098 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قَالَ: الْيَتِيمَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَهْوَ وَلِيُّهَا فَيَتَزَوَّجُهَا عَلَى مَالِهَا وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا وَلَا يَعْدِلُ فِي مَالِهَا فَلْيَتَزَوَّجْ مَا طَابَ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهَا مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ.

وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام البيكندي قال: (أخبرنا عبدة) بسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها أنها قالت: في قوله تعالى: ({وإن خفتم}) بالواو ولأبي ذر فإن خفتم ({أن لا تقسطوا في اليتامى})[النساء: 3] أي أن لا تعدلوا فيهم (قال) أي عروة عن عائشة ولأبي ذر قالت: هي (اليتيمة تكون عند الرجل) سقط لفظ تكون لأبي ذر (وهو وليها) القائم بأمورها (فيتزوجها على مالها ويسيء صحبتها) بضم الياء من الإساءة (ولا يعدل في مالها فليتزوج ما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من (طاب له من النساء سواها مثنى وثلاث ورباع) والإجماع على أنه لا يجوز للحر أن ينكح أكثر من أربع لما سبق إلا قول رافضي ونحوه ممن لا يعتد بخلافه، فإن احتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع ولنا به أسوة قلنا: هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم كغيره من الأنبياء فلا دليل فيه وهو معارض بقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان وقد أسلم وتحته عشر نسوة: أمسك أربعًا وفارق سائرهن. رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما وصححوه وهو يدل على تخصيصه صلى الله عليه وسلم بذلك، فلو جمع الرجل خمسًا في عقد واحد لم يصح نكاحهن إذ لا أولوية لإحداهن على الباقيات فإن كان فيهن أختان اختصتا بالبطلان دون غيرهما عملًا بتفريق الصفقة، وإنما بطل فيهما معًا لأنه لا يمكن الجمع بينهما ولا أولوية لإحداهما على الأخرى أو مرتبًا فالخامسة.

وهذا الحديث قد سبق غير مرة.

‌20 - باب {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}

وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ

هذا (باب) بالتنوين في حكم الرضاع لقوله تعالى: ({وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم}) هو معطوف على قوله تعالى: {حرّمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] قال في الفتح: ووقع هنا في بعض الشروح كتاب الرضاع ولم أره في شيء من الأصول انتهى. والرضاع بفتح الراء وكسرها اسم لمص الثدي وشرب لبنه، وهذا جرى على الغالب الموافق للغة وإلاّ فهو اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في جوف طفل والأصل في تحريمه قبل الإجماع هذه الآية (و) حديث (يحرم من الرضاعة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من الرضاع (ما يحرم من النسب) وهو مروي في الصحيحين وجعل سببًا للتحريم لأن جزءًا من المرضعة وهو اللبن صار جزءًا للرضيع باغتذائه به فأشبه منيِّها وحيضها وأركانه ثلاثة: المرضع فيشترط كونها امرأة حيّة بلغت سنّ الحيض وإن لم تلد فلا تحريم بلبن رجل وخنثى ولا لبن بهيمة ولا لبن انفصل عن ميتة، والثاني: اللبن فيثبت به التحريم وإن تغير كالجبن والزبد أو عجن به دقيق أو خالطه ماء أو مائع وغلب اللبن على الخليط وكذا لو كان مغلوبًا بحيث لم يبق من صفاته الثلاث الطعم واللون والريح حسًّا وتقديرًا شيء فإنه يثبت به التحريم لكن يشترط شرب الجميع وكون اللبن المخلوط مقدار ما لو كان منفردًا أثر في التحريم بأن يمكن أن يسقى منه خمس دفعات، والثالث: المحل وهي معدة الطفل الحي أو دماغه لا ابن حولين ولا أثر له عند الشافعية دون خمس رضعات إلا إن حكم به حاكم يراه فلا ينقض حكمه.

5099 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أُرَاهُ فُلَانًا» ، لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: «نَعَمِ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ» .

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام الأئمة ودار الهجرة (عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله عنها (أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها) في حجرتها (وأنها سمعت صوت رجل) أي يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (يستأذن في بيت حفصة) أم المؤمنين (قالت) عائشة: (فقلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن

ص: 28

في بيتك) على حفصة (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(أراه) بضم الهمزة أي أظنه وفي اليونينية بفتحها (فلانًا، لعم حفصة) أي عن عم حفصة أو

اللام للتعليل، أي قال لأجل عم حفصة (من الرضاعة. قالت عائشة): كان السياق يقتضي أن تقول: قلت لكنه من باب الالتفات (لو كان فلان حيًّا لعمها) أي لعم عائشة (من الرضاعة دخل عليّ). قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه أيضًا ووهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس لأن القعيس والد عائشة من الرضاعة وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة كما سيأتي أنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تأذن له بعد أن امتنعت، وقولها هنا لو كان حيًّا يدل على أنه كان مات فيحتمل أن يكون أخًا لها آخر، ويحتمل أن تكون ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فاستأذن (فقال) صلى الله عليه وسلم:(نعم) كان له أن يدخل عليكِ (الرضاعة) المعتبرة (تحرم ما تحرم الولادة) من تحريم النكاح ابتداءً ودوامًا وانتشارًا لحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة فيحرم عليها هو ويحرم عليها فروعه من النسب والرضاع ولا يسري التحريم من الرضيع إلى آبائه وأمهاته وإخوته وأخواته فلأبيه أن ينكح المرضعة إذ لا منع من نكاح أم الابن وأن ينكح ابنتها، وكما صار الرضيع ابن المرضعة تصير هي أمه فتحرم عليه هي وأصولها من النسب والرضاع وفروعها من النسب والرضاع وإخوتها وأخواتها من النسب والرضاع فهم أخواله وخالاته وإن ثار اللبن من حمل من زوج صار الرضيع ابنًا للزوج فيحرم عليه الرضيع ولا يثبت التحريم من الرضيع بالنسبة إلى صاحب اللبن إلى أصوله وحواشيه فلأم الرضيع أن تنكح صاحب اللبن وصار الزوج أباه، فيحرم على الرضيع هو وأصوله وفصوله من النسب والرضاع فهم أعمامه وعماته ويحرم إخوته وأخواته من النسب والرضاع إذ هم أعمامه وعماته وتنزيلهم منزلتهم في جواز النظر وعدم نقض الطهارة باللمس والخلوة والمسافرة دون سائر أحكام النسب كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القصاص ورد الشهادة.

وهذا الحديث قد سبق في باب الشهادة على الأنساب من كتاب الشهادات.

5100 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا تَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ» . وَقَالَ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ مِثْلَهُ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين وتشديد الدال الأولى المهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء البصري (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم): قال في الفتح: القائل علي بن أبي طالب كما في مسلم (ألا تزوّج) بحذف إحدى التاءين ولأبي ذر عن الكشميهني ألا تتزوج بإثبات التاءين (ابنة حمزة) عمك زاد سعيد بن منصور فإنها من أحسن فتاة في قريش (قال) عليه الصلاة والسلام:

(إنها ابنة أخي من الرضاعة) ولعل عليًّا لم يكن علم أن حمزة رضيع النبي صلى الله عليه وسلم أو جوّز الخصوصية.

(وقال بشر بن عمر): بكسر الموحدة وسكون المعجمة الزهراني مما وصله مسلم (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (سمعت قتادة) قال: (سمعت جابر بن زيد مثله) أي مثل الحديث السابق ومراد البخاري بسياق هذا التعليق بيان سماع قتادة من جابر بن زيد لأنه مدلس والله أعلم.

5101 -

حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ:«أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ» ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي» . قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي. إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» . قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لأَبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ. [الحديث 5101 - أطرافه في: 5106، 5107، 5123، 5372].

وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (إن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سمة أخبرته أن أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) صخر بن حرب (أخبرتها أنها قالت: يا رسول الله انكح) بكسر الهمزة لأنه من نكح ينكح فثالث المضارع مكسور ومتى كسر ثالثه أو فتح كسر الأمر منه ومتى ضم ثالثه ضم الأمر منه كقتل يقتل الأمر منه اقتل بضم الهمزة أي تزوج (أختي) ولمسلم أختي عزة. وعند أبي موسى في الدلائل درة، وعند الطبراني قلت: يا رسول الله هل لك في حمنة (بنت) ولأبي ذر ابنة (أبي سفيان). وجزم المنذري

ص: 29

بأن اسمها حمنة.

وقال القاضي عياض لا نعلم لعزة ذكرًا في بنات أبي سفيان إلا في رواية يزيد بن أبي حبيب وقال أبو موسى الأشهر أنها عزة (فقال) عليه الصلاة والسلام:

(أوَ تحبين ذلك)؟ الهمزة للاستفهام والواو عاطفة على ما قبل الهمزة عند سيبويه وعلى مقدّر عند الزمخشري وموافقيه، فعلى مذهب سيبويه معطوف على انكح أختي، وعلى مذهب الزمخشري أأنكحها وتحبين ذلك وهو استفهام تعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع عليه النساء من الغيرة (فقلت: نعم) حرف جواب مقرّر لما سبق نفيًا أو إثباتًا (لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام والباء زائدة في النفي أي لست خالية من ضرّة غيري. قال في النهاية: المخلية التي تخلو بزوجها وتنفرد به أي لست لك بمتروكة لدوام الخلوة به وهذا البناء إنما يكون من أخليت ويقال: أخلت المرأة فهي مخلية فأما من خلوت فلا وقد جاء أخليت بمعنى

أخلوت، وقال ابن الأثير في موضع آخر: أي لم أجدك خاليًا من الزوجات غيري وليس من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الزوج (وأحب) بفتح الهمزة والمهملة (من شاركني) بألف بعد الشين (في خير أختي) أحب مبتدأ وهو أفعل تفضيل مضاف إلى من ومن نكرة موصوفة أي وأحب شخص شاركني فجملة شاركني في محل جر صفة لمن، ويحتمل أن تكون موصولة والجملة صلتها، والتقدير أحب المشاركين لي في خير أختي وفي خير متعلق بشاركني وأختي الخبر، ويجوز أن تكون أختي المبتدأ وأحب خبر مقدم لأن أختي معرفة بالإضافة وأفعل لا يتعرف بها في المعروف. قيل: والمراد بالخير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم المتضمنة لسعادة الدارين الساترة لما لعله يعرض من الغيرة التي جرت بها العادة بين الزوجات وفي رواية هشام الآتية إن شاء الله تعالى وأحب من شركني فيك أختي قال في الفتح: فعرف أن المراد بالخير ذاته صلى الله عليه وسلم.

(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذلك) بكسر الكاف خطاب لمؤنث (لا يحل لي) لأن فيه الجمع بين الأختين (قلت فإنا نحدّث) بضم النون وفتح الحاء والدال (إنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة) درة بضم الدال المهملة وتشديد الراء (قال) عليه الصلاة والسلام (بنت أم سلمة) مفعول مقدر أي أأنكح بنت أم سلمة أو تعنين (قلت: نعم) وعدل عن قوله أبي سلمة إلى قوله أم سلمة توطئة لقوله: (فقال: لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري) بفتح الحاء وقد تكسر واسم كان ضمير بنت أم سلمة وربيبتي خبرها وربيبة فعيلة بمعنى مفعول لأن زوج الأم يربها وقال القاضي عياض الربيبة مشتقة من الرب وهو الإصلاح لأنه يربها ويقوم بأمورها وإصلاح حاله ومن ظن من الفقهاء أنه مشتق من التربية فقد غلط لأن شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية والاشتراك فيها فإن آخر رب باء موحدة وآخر ربي ياء مثناة تحتية وجواب لو قوله (ما حلت لي) يعني لو كان بها مانع واحد لكفى في التحريم فكيف وبها مانعان وقوله في حجري تأكيد وراعى فيه لفظ الآية ولا مفهوم له عند الجمهور بل خرج مخرج الغالب وقد تمسك بظاهره داود الظاهري فأحل الربيبة البعيدة التي لم تكن في الحجر (إنها لابنة أخي من الرضاعة) اللام في قوله لابنة هي الداخلة في خبر إن (أرضعتني وأبا سلمة ثويبة) بضم المثلثة وفتح الواو وبعد التحتية الساكنة موحدة والجملة مفسرة لا محل لها من الإعراب ولا يجوز أن تكون بدلًا من خبر إن ولا خبرًا بعد الخبر لعدم الضمير. وأبا سلمة معطوف على المفعول أو مفعول معه (فلا تعرضن عليّ) بتشديد الياء (بناتكن ولا أخواتكن) لا ناهية وتعرضن فعل مضارع والنون الخفيفة نون جماعة النسوة والفعل معها مبنيّ ومع أختيها الشديدة والخفيفة وشرط ابن مالك أن تكون مباشرة مثل لينبذن فن لم تكن مباشرة نحو ولا تتبعان فأما ترين وليسجننه فهو معرب والأكثرون على أن المؤكد بالنون مبني مطلقًا باشرته النون أم لم تباشره، وزعم آخرون

ص: 30

أنه معرب مطلقًا باشرته أم لم تباشره، والصحيح التفصيل الذي اختاره ابن مالك من جهة القياس، وتعرضن هنا بفتح الفوقية وسكون العين والضاد المعجمة بينهما راء مكسورة وآخره نون خفيفة كذا في الفرع بناء على أنه لم يتصل به نون تأكيد وإنما اتصل بالفعل نون جماعة المؤنث فإن روي فلا تعرضن بضم الضاد فالخطاب للمذكرين لأنه لو كان

لمؤنثات لكان فلا تعرضنان لأنه يجتمع ثلاث نونات فيفرق بينها بالألف ومتى قدر أنه اتصل به ضمير جماعة المذكرين فتغليبًا لهم في الخطاب على المؤنثات الحاضرات فأصله لا تعرضونن فاستثقل اجتماع ثلاث نونان فحذف نون الرفع فالتقى ساكنان فحذفن الواو لاعتلالها وبقي النون المشددة لصحتها وإن كان الخطاب لأم حبيبة وحدها فبكسر الضاد وتشديد النون. وقال القرطبي جاء بلفظ الجمع وإن كانت القصة لاثنتين وهما أم حبيبة وأم سلمة ردعًا وزجرًا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل هذا.

(وقال غيره) بن الزبير بالإسناد السابق (وثويبة) المذكورة (مولاة لأبي لهب) واختلف في إسلامها قال أبو نعيم لا نعلم أحدًا ذكر إسلامها غير ابن منده (كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم) معطوف على أعتقها وظاهره أن عتقه لها كان قبل إرضاعها والذي في السير أن أبا لهب أعتقها قبيل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بدهر طويل (فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله) في المنام قيل هو العباس (بشرّ حيبة) بكسر الحاء المهملة وبعد التحية الساكنة موحدة والباء في بشر باء المصاحبة وهي باء الحال أي متلبسًا بسوء حال أو كائنًا به وهذه الرؤية حلمية فتتعدّى إلى مفعولين كالعلمية عند ابن مالك وموافقيه فبعض المرفوع قائم مقام المفعول الأول والثاني المتصل به، وقيل يتعدى لواحد فيكون تعدّيه هنا إلى اثنين بالنقل بالهمزة ولا بد من تقدير في المنام وحذف للعلم به والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب وعند المستملي كما قال في الفتح خيبة بفتح الخاء المعجمة أي في حالة خائبة من كل خير وعزاها في الفرع كأصله لغير الحموي والمستملي (قال) ولأبي ذر فقال (له) الرائي:(ماذا لقيت)؟ بعد الموت (قال أبو لهب: لم ألق بعدكم خيرًا) كذا في الفرع بإثبات المفعول. وقال في الفتح: إنه بحذفه في الأصول. قلت: والذي في اليونينية هو الحذف، وقال ابن بطال: سقط المفعول من رواية البخاري ولا يستقيم الكلام إلا به، وفي رواية الإسماعلي لم ألق بعد رخاء ولعبد الرزاق عن معمر عن الزهري لم ألق بعدكم راحة (غير أني سقيت) بضم السين مبنيًّا للمفعول (في هذه) زاد عبد الرزاق وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه وغير نصب على الاستثناء (بعتاقتي ثويبة) بفتح العين مصدر عتق يقال عتق يعتق بالكسر عتقًا وعتاقًا وعتاقة والمصدر هنا مضاف إلى الفاعل وثويبة مفعول للمصدر وفي رواية عبد الرزاق بعتقي.

قال في الفتح: وهو أوجه والوجه أن يقول بإعتاقي لأن المراد التخلص من الرقّ انتهى.

وتعقبه العيني فقال: هذا أخذه من كلام الكرماني فإنه قال: معناه التخلص من الرقيّة فالصحيح أن يقال بإعتاقي قال: وكلٌّ منهما لم يحرر كلامه فإن العتق والعتاقة والعتاق كلها مصادر من عتق العبد وقوله وهو أوجه غير موجه لأن العتق والعتاقة واحد في المعنى فكيف يقول: العتق أوجه؟ ثم قوله: والوجه أن يقول بإعتاقي لأن المراد التخلص من الرقّ كلام من ليس له وقوف على كلام القوم فإن صاحب المغرب قال: العتق الخروج من المملوكية وهو التخلص من الرقية وقد تقدم أن العتق يقوم مقام الإعتاق الذي هو مصدر أعتقه مولاه انتهى.

واستدلّ بهذا على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة وهو مردود بظاهر قوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا} [الفرقان: 23] لا سيما والخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدّثه به وعلى تقدير أن يكون موصولًا فلا يحتج به إذ هو رؤيا منام لا يثبت به حكم شرعي لكن يحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصًا من ذلك بدليل التخفيف عن أبي

ص: 31

طالب المروي في الصحيح والله أعلم.

‌21 - باب مَنْ قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}

وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ

باب من قال: لا رضاع بعد حولين لقوله تعالى: {حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة: 233].

قال في الكشاف: فإن قلت: كيف اتصل قوله لمن أراد بما قبله؟ قلت: هو بيان لمن توجه إليه الحكم كقوله تعالى: {هيت لك} بيان للمهيت به أي هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع وعن قتادة حولين كاملين. ثم أنزل الله اليسر والتخفيف. فقال: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} أراد أنه يجوز النقصان. وعن الحسن ليس ذلك بوقت لا ينقص منه بعد أن لا يكون في الفطام ضرر، وقيل اللام متعلقة بيرضعن كما تقول أرضعت فلانة لفلان ولده أي يرضعن حولين لمن أراد أن يتم الرضاعة من الآباء لأن الأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم وعليه أن يتخذ له ظئرًا إلا إذا تطوعت الأم بإرضاعه وهي مندوبة إلى ذلك ولا تجبر عليه انتهى. فقد جعل تعالى تمام الرضاعة في الحولين فأشعر بأن الحكم بعدها بخلافه لأن الولد يستغني غالبًا بغير اللبن ولا يشبعه بعد ذلك إلا اللحم والخبز ونحوهما. وفي حديث ابن مسعود عند أبي داود لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم وهو عنده أيضًا مرفوع بمعناه وقال: أنشر العظم.

وقد ورد ظواهر أحاديث تمسك بها العلماء فذهب الشافعي والجمهور إلى إناطة الحكم بالحولين بالأهلة من تمام انفصال الولد، وعن أبي حنيفة إناطته بحولين ونصف وعن زفر بثلاثة وعن مالك بزيادة أيام بعد الحولين وعنه بزيادة شهر وشهرين ورواية بثلاثة أشهر لأنه يغتفر بعد الحولين مدة يدمن فيها الطفل على الفطام لأن العادة أن الطفل لا يفطم دفعة واحدة بل على التدريج، وقيل لا يُزاد على الحولين وهو رواية ابن وهب عن مالك، وبه قال الجمهور لحديث ابن عباس عند الدارقطي مرفوعًا لا رضاع إلا ما كان في الحولين، وللترمذي وحسنه: لإرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الحولين.

وأما حديث سهلة السابق بعضه في باب الأكفاء في الدين أنها قالت: يا رسول الله إنّا كنا نرى سالمًا ولدًا وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فماذا تأمرني؟ فقال: "أرضعيه خمس رضعات يحرم

بهن عليك" ففعلت فكانت تراه ابنًا فأجاب عنه الشافعي وغيره: بأنه مخصوص بسالم. قال القاضي: ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمص ثديها ولا التقت بشرتاهما. قال النووي: وهو حسن، ويحتمل أنه عفي عن مسّه للحاجة كما خصّ بالرضاعة مع الكبر انتهى.

وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه يقتضي ذلك لا الحلب، وقد نقل التاج ابن السبكي أن والده قال لامرأة أرادت أن تحج مع كبير أجنبي: أرضعيه تحرمي عليه وفيه دلالة على أنه كان يرى مذهب عائشة فإنها كانت تأمر بنات إخوتها وأخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها. وقال ابن المنذر: لا يخلو أن يكون حديث سهلة منسوخًا.

(وما يحرم من قليل الرّضاع وكثيره) تمسكًا بعمومات أحاديث كحديث الباب وهو قول مالك وأبي حنيفة ومشهور مذهب أحمد وذهب آخرون إلى أن الذي يحرم ما زاد على رضعة وورد عن عائشة عشر رضعات أخرجه مالك في الموطأ. وعنها أيضًا سبع أخرجه ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح، وعنها أيضًا في مسلم كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس رضعات محرمات، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ وإلى هذا ذهب إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى.

5102 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ:«انْظُرْنَ مَا إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأشعث) بالشين المعجمة والعين المهملة والمثلثة (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي الكوفي (عن مسروق) أي ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها) حجرتها (وعندها رجل). قال في الفتح: لم أقف على اسمه وأظنه ابنًا لأبي القعيس، وغلط من قال إنه عبد الله بن يزيد رضيع عائشة لأن عبد الله هذا تابعي باتفاق الأئمة وكان أمه التي أرضعت عائشة عاشت بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ

ص: 32

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلذا قيل له رضيع عائشة (فكأنه) صلى الله عليه وسلم (تغير وجهه كأنه كره ذلك) ولمسلم فاشتدّ عليه ذلك ورأيت الغضب في وجهه (فقالت) عائشة: (إنه) أي الرجل (أخي) من الرضاعة (فقال) عليه الصلاة والسلام:

(انظرن) أي اعرفن وتأملن (من إخوانكن) ومن استفهامية مفعول به ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما إخوانكن إيقاعًا لما موقع من والأوّل أوجه والإخوان جمع أخ لكنه أكثر ما يستعمل لغة في الأصدقاء بخلاف غيرهم ممن هو بالولادة فيقال فيهم إخوة وكذا الرضاع كما في هذا الحديث (فإنما الرضاعة من المجاعة) تعليل للحث على إمعان النظر والتفكّر فإن الرضاعة تجعل

الرضيع محرمًا كالنسب ولا يثبت ذلك إلا بإنبات اللحم وتقوية العظم فلا يكفي مصّة ولا مصّتان بل أن تكون الرضاعة من المجاعة فيشبع الولد بذلك ويكون ذلك في الصغر ومعدته ضعيفة يكفيه اللبن ويشبعه ولا يحتاج إلى طعام آخر.

وهذا الحديث سبق في باب الشهادة على الأنساب من كتاب الشهادة.

‌22 - باب لَبَنِ الْفَحْلِ

(باب لبن الفحل) بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة الرجل هل يثبت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولدًا له أم لا ونسبة اللبن إليه مجاز لكونه سببًا فيه.

5103 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهْوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْحِجَابُ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها (أن أفلح) بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح اللام بعدها حاء مهملة (أخا أبي القعيس) بضم القاف وفتح العين المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة وأخا نصب بدلًا من أفلح وعلامة نصبه الألف وأبي مضاف والقعيس مضاف إليه وهذا هو المشهور أي أفلح أخو أبي القعيس واسم أبي القعيس وائل بن أفلح الأشعري كما عند الدارقطني (جاء) حال كونه (يستأذن عليها وهو) أي أفلح (عمها) أي عم عائشة (من الرضاعة) وكان مقتضى السياق أن تقول: وهو عمي لكنه من باب الالتفات وفي رواية معمر عن الزهري وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة رواه مسلم وأفلح أخو أبي القعيس فصار عمها من الرضاعة وكان استئذانه عليها (بعد أن نزل الحجاب) أي آية الحجاب أو حكمه آخر سنة خمس (فأبيت) فامتنعت (أن آذن له) بالمدّ للتردّد هل هو محرم وغلبت التحريم على الإباحة وزاد في رواية عراك السابقة في الشهادات فقال أتحتجبين مني وأنا عمك (فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي نعت فأمرني) صلى الله عليه وسلم (أن آذن له) بالمدّ أيضًا. وفيه دليل على أن لبن الفحل يحرم حتى تثبت الحرمة في جهة صاحب اللبن كما تثبت في جانب المرضعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت عمومة الرضاع وألحقها بالنسب لأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معًا، فوجب أن يكون الرضاع منهما، ولذا أشار ابن عباس بقوله المروي عند ابن أبي شيبة: اللقاح واحد وهذا مذهب الشافعي وأي حنيفة وصاحبيه ومالك وأحمد كجمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وقال قوم منهم ربيعة الرأي وابن علية وابن بنت الشافعي وداود وأتباعه: الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئًا واحتج بعضهم لذلك بأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل. وأجيب: بأنه

قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه.

وهذا الحديث سبق في كتاب الشهادات.

‌23 - باب شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ

(باب) حكم (شهادة المرضعة) وحدها بالرضاعة.

5104 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ لَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَهْيَ كَاذِبَةٌ. فَأَعْرَضَ فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ قُلْتُ إِنَّهَا كَاذِبَةٌ قَالَ:«كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، دَعْهَا عَنْكَ» . وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى يَحْكِي أَيُّوبَ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بأمه علية قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وسكون التحتية أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبيد بن أبي مريم) المكي ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وليس له في الصحيح سوى هذا الحديث (عن عقبة بن الحارث) القرشي المكي الصحابي (قال) عبد الله بن أبي مليكة (وقد سمعته) أي هذا الحديث (من عقبة) بن الحارث. قال الحافظ ابن حجر: والعمدة فيه

ص: 33

على سماع ابن أبي مليكة من عقبة نفسه (لكني لحديث عبيد أحفظ قال) عقبة بن الحارث: (تزوجت امرأة) هي أم يحيى بنت أبي إهاب (فجاءتنا امرأة سوداء) أي تسم (فقالت) لنا: قد (أرضعتكما) قال عقبة (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت): يا رسول الله (تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة) وفي بعض الطرق أمة (سوداء فقالت لي: إني قد) ولأبي ذر لقد (أرضعتكما وهي كاذبة) في قولها (فأعرض عنه) من باب الالتفات ولأبي ذر عن الكشميهني عني (فأتيته من قبل وجهه) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة وجهه (قلت: إنها كاذبة. قال) صلى الله عليه وسلم:

(كيف) تصنع (بها) أي بالتي تزوجتها أو أي فعل تفعل بها (وقد زعمت) أي المرأة السوداء (أنها قد أرضعتكما دعها) اتركها (عنك) أي على سبيل الاحتياط والورع لا الحكم بثبوت الرضاع وفساد النكاح بمجرد قول المرضعة إذ لم يجر بحضرته صلى الله عليه وسلم ترافع وإداء شهادة بل كان ذلك مجرد إخبار واستفتاء ثم لو شهدت المرضعة عند حاكم قبلت، ولو قالت: أرضعته لأنها لم تجر بشهادتها نفعًا ولم تدفع بها ضررًا بخلاف شهادتها بولادتها لجرها نفع النفقة والإرث وغيرهما ولا نظر إلى ما

يتعلق بشهادتها من ثبوت الحرمة وحل الخلوة فإن الشهادة لا ترد بمثل ذلك بدليل قبول شهادة الطلاق، وإن استفيد بها حل المناكحة وليس المراد قبول شهادتها وحدها بل لا تقبل عند الشافعي إلا مع ثلاث نسوة أخرى وأن لا تكون طالبة أجرة على الرضاع فإن طلبتها فلا تقبل لاتهامها بذلك واستدلّ به الشافعية على أنه لو شهدت واحدة أو أكثر ولم يتم النصاب بالرضاع فالورع للرجل أن يجتنبها بأن لا ينكحها إن لم ينكحها ويطلقها إن نكحها لتحلّ لغيره ويكره له المقام معها وتقبل في الرضاع شهادة أم الزوجة وبنتها مع غيرهما حسبة بلا تقدّم دعوى، وإن احتمل كون الزوجة مدّعية لأن الرضاع تقبل فيه شهادة الحسبة.

قال علي بن عبد الله المديني: (وأشار إسماعيل) ابن علية (بأصبعيه السبابة والوسطى يحكي) إشارة (أيوب) السختياني حيث يحكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث أشار بيده وقال بلسانه: دعها عنك فحكى ذلك كل راوٍ لمن دونه.

وسبق الحديث في كتاب العلم في باب الرحلة وفي باب شهادة: الإماء والعبيد في كتاب الشهادات.

‌24 - باب مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} إِلَى آخِرِ الآيَةَ، وَقَالَ أَنَسٌ:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ الْحَرَائِرُ حَرَامٌ {إِلَاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ. وَقَالَ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَهْوَ حَرَامٌ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ

(باب ما يحل من النساء وما يحرم) منهن (وقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم}) أي نكاح أمهاتكم فهو من مجاز الحذف الذي دل العقل على حذفه ({وبَناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت})[النساء: 23](إلى آخر الآية) وساق في رواية كريمة إلى قوله: {وأخواتكم} وقال: الآيتين إلى قوله: {إن الله كان عليمًا حكيمًا} والأمهات كل أنثى ولدتك أو ولدت من ولدك ذكرًا كان أو أنثى بواسطة أو بغيرها، والبنات كل أنثى ولدتها أو ولدت من ولدها ذكرًا كان أو أنثى بواسطة أو بغيرها، والأخوات كل أنثى ولدها أبواك أو أحدهما والعمات كل أخت ذكر ولدك بواسطة وبغيرها. والخالات كل أخت أنثى ولدتك بواسطة أو بغيرها فأخت أبي الأم عمة لأنها أخت ذكر ولدك بواسطة، وأخت أم الأب خالة لأنها أخت أنثى ولدتك بواسطة، وبنات الأخ وبنات الأخت وإن بعدن لا من دخلت في اسم ولد العمومة والخؤولة فلا تحرم.

(وقال أنس) أي ابن مالك مما وصله إسماعيل القاضي في كتابه أحكام القرآن بإسناد صحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك أنه قال: في قوله تعالى: ({والمحصنات من النساء}) أي (ذوات الأزواج) لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج (الحرائر حرام) نكاحهن إلا بعد طلاق أزواجهن وانقضاء عدتهن ({إلا ما ملكت أيمانكم})[النساء: 24](لا يرى بأسًا) حرجًا (أن ينزع) وفي نسخة أن يزوج (الرجل جاريته) وللكشميهني جارية (من) تحت (عبده) فيطأها والأكثرون على أن المراد بما ملكت أيمانهم اللاتي سبين ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين وإن كن محصنات.

(وقال) الله تعالى: ({ولا تنكحوا المشركات})

ص: 34

أي لا تتزوجوهن أو لا تزوجوهن ({حتى يؤمن})[البقرة: 221] أي المشركات فمن موانع النكاح الكفر فيحرم مناكحة غير أهل الكتابين التوراة والإنجيل وإن كان لهم شبهة كتاب إذ لا كتاب بأيديهم وكذا من المتمسكين بصحف شيث وإدريس وإبراهيم وزبور داود لأنها لم تنزل بنظم يدرس ويتلى وإنما أوحى إليهم معانيها أو أنها لم تتضمن أحكامًا وشرائع بل كانت حكمًا ومواعظ. وكذا يحرم نكاح سائر الكفار كعبدة الشمس والقمر والصور والنجوم والمعطلة والزنادقة والباطنية بخلاف أهل الكتابين. وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن غيرها اجتمع فيه نقصان الكفر في الحال وفساد الدين في الأصل والكتابية فيها نقص واحد وهو كفرها في الحال.

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله الفريابي وعبد بن حميد بإسناد صحيح عنه أنه قال في قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} (ما زاد على أربع) من الزوجات (فهو حرام كأمه وابنته وأخته) أما العبد فيحرم عليه ما زاد على اثنتين. قاله البخاري بالسند إليه.

5105 -

وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي حَبِيبٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَرُمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ. ثُمَّ قَرَأَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. الآيَةَ وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَجَمَعَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ فِي لَيْلَةٍ، وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى الْكِنْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَلَا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ. وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَرَّمَهُ، وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ بِسَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيُرْوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:

لَا تَحْرُمُ حَتَّى يُلْزِقَ بِالأَرْضِ يَعْنِي يُجَامِعَ. وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ لَا تَحْرُمُ وَهَذَا مُرْسَلٌ.

(وقال لنا أحمد بن حنبل) الإمام الأعظم في المذاكرة أو الإجازة. وليس للبخاري عنه في هذا الكتاب إلا هذا وحديث في آخر المغازي بواسطة (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (حبيب) هو ابن أبي ثابت (عن سعيد) ولأبي ذر زيادة ابن جبير (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه قال: (حرم) عليكم (في النسب سبع) من النساء (ومن الصهر) منهن (سبع ثم قرأ {حرمت عليكم أمهاتكم} الآية) والتحريم يطلق بمعنى التأثيم وعدم الصحة وهو المراد هنا، ويطلق بمعنى التأثيم فقط فيجامع الصحة كما في نكاح مخطوبة الغير مع بقاء خطبته، وزاد الطبراني من طريق عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس في آخر الحديث. ثم قرأ:{حرمت عليكم أمهاتكم} حتى بلغ {وبنات الأخ} ثم قال: هذا النسب ثم قرأ: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} حتى بلغ {وأن تجمعوا بين الأختين} وقرأ {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء: 22] فقال: هذا الصهر وفي تسميته ما هو بالرضاع صهرًا تجوز وكذلك امرأة الغير.

والموانع قسمان: مؤبد وغير مؤبد والمؤبد له أسباب قرابة، ورضاع، ومصاهرة، فيحرم بالمصاهرة أمهات الزوجة وإن علون لقوله تعالى:{وأمهات نسائكم} وأزواج آبائه وإن علوا لقوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} وأزواج أبنائه وإن سفلوا لقوله تعالى: {وحلائل أبنائكم} وقوله: {الذين من أصلابكم} لإخراج زوجة من تبناه لا زوج ابن الرضاع لتحريمها بما سبق وقدم على مفهوم الآية لتقدم المنطوق على المفهوم حيث لا مانع وكل من هؤلاء المحرمات من النوعين يحرمن بمجرد العقد الصحيح دون الفاسد إذ لا يفيد الحل في المنكوحة والحرمة في غيرها فرع الحل فيها وأما بنت زوجته وإن سفلت فلا تحرم إلا بالدخول بالأم كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.

(وجمع عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (بين ابنة علي) زينب (و) بين (امرأة علي) ليلى بنت مسعود فجمع بين المرأة وبنت زوجها وهذا وصله البغوي في الجعديات.

(وقال ابن سيرين) محمد فيما وصله سعيد بن منصور بسند صحيح لما قيل له: إن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته من غيرها (لا بأس به. وكرهه) أي الجمع بين المرأة وبنت زوجها (الحسن) البصري (مرة ثم قال: لا بأس به) وهذا وصله الدارقطني.

(وجمع الحسن بن الحسن بن علي) أي ابن أبي طالب فيما وصله عبد الرزاق وأبو عبيد بن سلام (بين ابنتي عم في ليلة) واحدة وهما بنت محمد بن علي وبنت عمر بن علي فقال محمد بن علي: هو أحب إلينا منهما، وزاد عبد الرزاق والشافعي من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن

الحسن بن محمد بن علي ابن الحنفية فأصبح النساء لا يدرون أين يذهبن.

(وكرهه) أي الجمع المذكور (جابر بن زيد) أبو الشعثاء البصري التابعي (للقطيعة) أي لوقوع التنافس بينهما في الحظوة عند الزوج فيؤدي ذلك إلى القطيعة. وقد أخرج أبو داود وابن أبي شيبة

ص: 35

من مرسل عيسى بن طلحة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة. وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضعائن قال البخاري تفقهًّا: (وليس فيه تحريم لقوله تعالى: ({وأحل لكم ما وراء ذلكم})[النساء: 24] وانعقد الإجماع عليه.

(وقال عكرمة عن ابن عباس): فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس (إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته) لأن النهي عن الجمع بين الأختين إنما هو إذا كان بعقد التزويج.

(ويروى عن يحيى) بن قيس (الكندي عن الشعبي) عامر بن شراحيل (وأبي جعفر) ولأبي ذر عن المستملي وابن جعفر. قال في الفتح: والأول هو المعتمد أنهما قالا (فيمن يلعب بالصبي إن أدخله فيه) يعني لاط به (فلا يتزوجن أمه) وهذا مذهب الحنابلة وعبارة التنقيح ومن تلوط بغلام أو بالغ حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته نصًّا والجمهور على خلافه قال البخاري: (ويحيى) الكندي (هذا غير معروف) أي غير معروف العدالة، وقد ذكره المؤلّف في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا، وذكره ابن حبان في الثقات وقد ارتفع عنه الجهالة برواية من ذكر (ولم يتابع) بفتح الموحدة (عليه) أي على ما رواه هنا وقوله ويروى عن يحيى إلى آخره ثابت في رواية الكشميهني والمستملي قال ابن الملقن: في عجالته وهذه مقالة عجيبة لو نزّه البخاري عنها كتابه لكان أولى.

(وقال عكرمة: عن ابن عباس) فيما وصله البيهقي (إذا زنى بها) أي بأم امرأته (لا تحرم عليه امرأته) لأن الحرام لا يحرم الحلال، وكذا لا يحرم عليه بنت من زنى بها ولو كانت من مائه إذ لا حرمة لماء الزنا فهي أجنبية عنه شرعًا بدليل انتفاء سائر أحكام النسب عنها سواء طاوعته أمها على الزنا أم لا ولو أرضعت المرأة بلبن الزاني صغيرة فكبنته قاله المتولي، أما المرأة فيحرم عليها وعلى سائر محارمها نكاح ابنها من الزنا لعموم الآية ولثبوت النسب والإرث بينهما، والفرق أن الابن كعضو منها وانفصل منها إنسانًا ولا كذلك النطفة التي خلقت منها البنت. نعم يكره نكاح المخلوقة من زناه خروجًا من خلاف من حرمها عليه. قال المرداوي من الحنابلة: وتحرم بناته من حلال أو حرام أو شبهة.

(ويذكر عن أبي نصر) الأسدي الثقة فيما قاله أبو زرعة فيما وصله الثوري في جامعه (أن ابن عباس حرمه) ولفظ الثوري أن رجلًا قال: إنه أصاب أُم امرأته أي زنى بها فقال له ابن عباس: حرمت عليك امرأتك وذلك بعد أن ولدت منه سبعة أولاد كل بلغ مبالغ الرجال. قال

البخاري: (وأبو نصر هذا لم يعرف) مبني للمفعول (سماعه) رفع مفعول ناب عن فاعله والذي في اليونينية بسماعه (عن ابن عباس) وعدم معرفة المؤلّف ذلك لا يستلزم نفي معرفة غيره به لا سيما وقد وصفه أبو زرعة بالثقة.

(ويروى عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الصحابي فيما وصله عبد الرزاق بإسناد لا بأس به (و) عن (جابر بن زيد) التابعي (والحسن) البصري فيما وصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما (و) عن (بعض أهل العراق) ومنهم الثوري (قال) سقط قوله قال: من اليونينية وآل ملك كلٌّ منهم (يحرم عليه) نكاح امرأته والذي في اليونينية تحرم بالفوقية وسقوط لفظ عليه أي تحرم المرأة أي نكاحها إذا فجر بأمها وكذا هي، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه خلافًا للجمهور لأن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها لا على مجرد الوطء.

(وقال أبو هريرة: لا يحرم عليه) نكاح البنت (حتى يلزق) بضم التحتية وكسر الزاي (وبالأرض يعني يجامع) الأم خلافًا للحنفية فإنهم قالوا إذا مسّ أُم زوجته أو نظر إلى داخل فرجها وهو ما يرى منها عند استلقائها بشهوة وجدها حرمت زوجته، وحدّ الشهوة إن كان شابًّا أن تنتشر آلته بها أو تزداد انتشارًا إن كانت منتشرة قبله، وإن كان شيخًا أو عنينًا فحدّها أن يتحرك قلبه أو يزداد تحركه ولا يعرف

ص: 36

ذلك إلا بقوله، وفي التبيين وجود الشهوة من أحدهما يكفي، ولو رأى فرجها من وراء الزجاج ثبتت الحرم، ولو رآه في المرآة لا تثبت، ولو مسها بحائل إن وصل حرارة البدن إلى يده ثبتت الحرمة وإلاّ فلا. ولا فرق بين أن يكون المسّ عمدًا أو خطأ أو ناسيًا أو مُكرَهًا، وشرطه أن لا ينزل فلو أنزل عند اللمس أو النظر لم تثبت به حرمة لأنه ليس مفضيًا إلى الوطء لانقضاء الشهوة انتهى.

(وجوّزه) أي المقام مع الزوجة وإن زنى بأمها (ابن المسيب) سعيد (وعروة) بن الزبير (والزهري) محمد بن مسلم بن شهاب لما مرّ قريبًا. (وقال الزهري): فيما وصله البيهقي (وقال علي) هو ابن أبي طالب في رجل وطئ أُم امرأته (لا يحرم) المقام مع امرأته. ولفظ البيهقي لا يحرم الحرام الحلال. قال البخاري: (وهذا) الحديث، ولأبي ذر: وهو (مرسل) أي منقطع فأطلق المرسل على المنقطع.

‌25 - باب {وَرَبَائِبُكُمُ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الْجِمَاعُ. وَمَنْ قَالَ: بَنَاتُ وَلَدِهَا مِنْ بَنَاتِهِ فِي التَّحْرِيمِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّ حَبِيبَةَ، «لَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» وَكَذَلِكَ حَلَائِلُ وَلَدِ الأَبْنَاءِ هُنَّ حَلَائِلُ الأَبْنَاءِ، وَهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِهِ وَدَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبِيبَةً لَهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهَا»، وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَ ابْنَتِهِ ابْنًا.

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وَربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي

دخلتم بهن}) [النساء: 23] قال الزمخشري: من نسائكم متعلق بربائبكم ومعناه أن الربيبة من المرأة المدخول بها محرمة على الرجل حلال له إذا لم يدخل بها انتهى. وذكر الحجور جرى على الغالب فلا مفهوم له ولا فرق بين أن يكون الدخول في عقد صحيح أو فاسد، والمراد بالدخول الوطء على الأصح من قولي الشافعي.

(وقال ابن عباس: الدخول والمسيس واللماس) بكسر اللام (هو الجماع) وهو الأصح من قولي الشافعي وقاله أبو حنيفة (ومن قال بنات ولدها) أي المرأة (من بناته) وفي نسخة هن من بناتها أي كحكم بناتها (في التحريم) على الرجل (لقول النبي صلى الله عليه وسلم) الآتي موصولًا (لأم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان (لا تعرضن) بفتح الفوقية وسكون العين وكسر الراء وسكون الضاد لوقوعها قبل نون النسوة مثل تضربن وخطابه لجمع النسوة وإن كانت القصة لامرأتين لأم سلمة وأم حبيبة ليعم الحكم كل امرأة وردعًا وزجرًا أن يعود له أحد بمثل ذلك (عليّ بناتكن) وبنت الابن بنت (ولا أخواتكن. وكذلك حلائل ولد الأبناء) أي أزواجهم (هن حلائل الأبناء) أي مثلهن في التحريم وهذا بالاتفاق فكذلك بنات الأبناء وبنات البنات (وهل تسمى الربيبة وإن لم تكن في حجره) الجمهور تسمى به سواء كانت في حجره أم لا، لأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة لا مخرج الشرط فهو تقييد عرفي لا تقييد للحكم بدليل قوله تعالى:{فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} [النساء: 23] علق الإباحة بعدم الدخول فقط، ولو كانت الحرمة مقيدة بهما لتعلقت الإباحة بعدمهما وقال علي: لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجره لظاهر الآية، وقول عليّ هذا رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره وقال به أيضًا عمر بن الخطاب فيما رواه أبو عبيد.

(ودفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبة له) هي زينب بنت أُم سلمة (إلى من يكلفها) وهو نوفل الأشجعي وقال له: إنما أنت ظئري. رواه البزار والحاكم موصولًا (وسمى النبي صلى الله عليه وسلم) فيما سبق موصولًا في المناقب (ابن ابنته) الحسن بن علي (ابنًا) حيث قال: "إن ابني هذا سيد" وثبت قوله ومن قال إلى هنا للمستملي والكشميهني.

5106 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ:«فَأَفْعَلُ مَاذَا» ؟ قُلْتُ: تَنْكِحُ. قَالَ: «أَتُحِبِّينَ» ؟ قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِيكَ أُخْتِي. قَالَ:«إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي» . قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ. قَالَ: «ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ» ؛ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي، مَا حَلَّتْ لِي أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» . وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ دُرَّةُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ.

وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب) بنت أبي سلمة (عن أم حبيبة) بنت أبي سفيان أنها

(قالت: قلت يا رسول الله هل لك في) تزويج أختي عزّة أو درّة أو حمنة (بنت أبي سفيان؟ قال):

(فأفعل ماذا)؟ قالت أم حبيبة: (قلت) يا رسول الله (تنكحـ) ـها (قال: أتحبين)؟ أي ذلك وأراد بالاستفهام الاستثبات في شدة الرغبة ليتقرر الجواب بعد ذلك، وأيضًا ليعلم السبب في محبتها ذلك ليرتب عليه الحكم الشرعي، ولذا قالت (قلت لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون المعجمة اسم فاعل من أخلاه وجده خاليًا فهو مخل والمرأة مخلية، وهذا من معاني صيغة أفعل كأحمدته وجدته حميدًا أي لست أجدك خاليًا من الزوجات غيري (وأحب من شركني) بفتح الشين وكسر الراء وتفتح من غير ألف (فيك أختي قال) عليه

ص: 37

الصلاة والسلام: (إنها لا تحل لي) لما فيه من الجمع بين الأختين (قلت) يا رسول الله (بلغني أنك تخطب) أي بنت أبي سلمة درة (قال: ابنة أم سلمة) أي أأنكحها (قلت: نعم. قال) عليه الصلاة والسلام: (لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي أرضعتني وأباها) بفتح الهمزة والموحدة المخففة أي والد درة أبا سلمة (ثويبة) رفع على الفاعلية وقوله: لو لم قال في المصابيح: هذا مثل نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فإن حلها للنبي صلى الله عليه وسلم منتف من جهتين كونها ربيبته وكونها ابنة أخيه من الرضاعة كما أن معصية صهيب منتفية من جهتي المخافة والإجلال (فلا تعرضن) بفتح التاء وكسر الراء وسكون الضاد كيضربن (عليّ بناتكن ولا أخواتكن).

(وقال الليث) بن سعد الإمام (حدّثنا هشام) أي ابن عروة بالإسناد المذكور فسمى بنت أبي سلمة فقال: هي (درة) بضم الدال المهملة وفتح الراء المشددة (بنت أبي سلمة) ولأبي ذر أم سلمة فوهم من سماها زينب.

‌26 - باب {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ}

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وأن تجمعوا بين الأختين}) في موضع رفع عطفًا على المحرمات. أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين لما فيه من قطيعة الرحم وإن رضيت بذلك فإن الطبع يتغير، وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله:"إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامهن". كما زاده ابن حبان وغيره سواء كانتا من الأبوين أو من أحدهما من النسب أو الرضاع وسواء النكاح وملك اليمين، ولو اشترى زوجته بأن كانت أمة فله أن يتزوج أختها وأربعًا سواها لأن ذلك الفراش قد انقطع، ولو اشترى أختين صح الشراء إجماعًا لأنه لا يتعين الوطء فلو وطئ إحداهما ولو في الدبر حرمت الأخرى للجمع المنهي عنه ({إلا ما قد سلف}) [النساء: 23] من الجمع بينهما فمعفوّ عنه.

5107 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ:«وَتُحِبِّينَ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. لَسْتُ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي» . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ

أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ: (بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ). فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ. فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (أن عروة بن الزبير) بن العوّام (أخبره أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة) أم المؤمنين رملة (قالت: قلت يا رسول الله انكح أختي) عزة (بنت أبي سفيان قال):

(وتحبين)؟ ذلك استفهام سقطت منه الأداة (قلت: نعم) أحب ذلك لأني (لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون المعجمة أي لست أجدك خاليًا من الزوجات غيري كما مرّ وسقط لك لغير أبي ذر (وأحب من شاركني) بألف بعد المعجمة وسقطت واو وأحب لغير أبي ذر عن الكشميهني ولأبي ذر من شركني بغير ألف مع كسر الراء (في خير) في رواية الباب السابق فيك أي في ذاتك (أختي) خبر المبتدأ الذي هو أحب (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذلك) بكسر الكاف خطابًا بالمفرد مؤنث (لا يحل لي) لما فيه من الجمع بين الأختين (قلت: يا رسول الله فوالله إنّا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة قال) عليه الصلاة والسلام: (بنت أم سلمة) قال النووي: هو سؤال استثبات ونفي إرادة غيرها. وقال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون لإظهار جهة الإنكار عليها أو على من قال ذلك (فقلت: نعم قال: فوالله لو لم تكن في حجري) بفتح الحاء وسكون الجيم أي ربيبتي (ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة) اللام في لابنة هي الداخلة في خبر إن ولأبي ذر ابنة بإسقاطها أي إنها حرام لسببين لو فقد أحدهما لم يحتي إليه لوجود الآخر (أرضعتني وأبا سلمة) والدها (ثويبة فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن) وتعرضن كيضربن بسكون الموحدة ويجوز تشديد النون للتوكيد فتكسر الضاد حينئذ لالتقاء الساكنين وأصله تعرضنن بثلاث نونات: الأولى نون النسوة والأخريان نون التوكيد المشددة فحذفت النون الأولى فالتقى ساكنان فكسر الأول.

وهذا الحديث سبق غير مرة.

‌27 - باب لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا

هذا (باب) بالتنوين (لا تنكح المرأة على عمتها) أي: ولا خالتها.

5108 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا. وَقَالَ دَاوُدُ وَابْنُ عَوْنٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن

المبارك قال: (أخبرنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن الشعبي) عامر بن شراحيل أنه (سمع جابرًا) الأنصاري (رضي الله عنه: قال):

(نهى رسول الله

ص: 38

-صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو) على (خالتها) أي أخت الأب وأخت الأم. وهذا حقيقة وفي معناهما أخت الجد ولو من جهة الأم وأخت أبيه وإن علا وأخت الجدة وأمها وإن علت ولو من قبل الأب، والضابط أنه يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة لو كانت إحداهما ذكرًا لحرمت المناكحة بينهما، والمعنى في ذلك ما فيه من قطيعة الرحم كما مرّ مع المنافسة القوية بين الضرّتين، ولا يحرم الجمع بين المرأة وبنت خالها أو خالتها ولا بين المرأة وبنت عمها أو عمتها لأنه لو قدرت إحداهما ذكرًا لم تحرم الأخرى عليه.

وهذا الحديث مخصص لقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24].

(وقال داود) بن أبي هند فيما وصله أبو داود والدارمي (وابن عون) عبد الله البصري مما وصله النسائي كلاهما (عن الشعبي عن أبي هريرة) فلفظ رواية الدارمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو المرأة على خالتها والعمة على بنت أخيها والخالة على بنت أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى وهذا كالبيان والتأكيد لقوله: نهى أن تنكح المرأة على عمتها إلى آخره. ولذلك لم يجيء بينهما بالعاطف والعمة والخالة هي الكبرى وبنت الأخ وبنت الأخت هي الصغرى بحسب المزية والرتبة أو لأنهما أكبر سنًّا منهما غالبًا ولفظ أبي داود لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولفظ النسائي لا تزوج المرأة على عمتها ولا على خالتها.

5109 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» . [الحديث 5109 - أطرافه في: 5110].

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(لا يجمع بين المرأة وعمتها) في نكاح واحد ولا يملك اليمين (ولا بين المرأة وخالتها) نكاحًا وملكًا وحيث حرم الجمع، فلو نكحهما معًا بطل نكاحهما إذ ليس تخصيص إحداهما بالبطلان أولى من الأخرى فإن نكحهما مرتبًا بطل نكاح الثانية لأن الجمع بها حصل.

5110 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَالْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا، فَنُرَى خَالَةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ.

وبه قال: (حدثَنا عبدان) عبد الله بن عثمان بن جبلة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: حدّثني) بالإفراد (قبيصة بن ذؤيب) بفتح القاف وكسر الموحدة وبضم المعجمة وفتح الهمزة في الثاني مصغرًا الخزاعي (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها و) أن تنكح (المرأة وخالتها) قال الزهري: (فنرى) بضم النون أي نظن (خالة أبيها بتلك المنزلة) في التحريم.

5111 -

لأَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.

(لأن عروة) بن الزبير (حدّثني) بالإفراد (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب) قال في الفتح: كأنه أراد إلحاق ما يحرم بالصهر بما يحرم بالنسب كما يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب ولما كانت خالة الأب من الرضاع لا يحل نكاحها فكذلك خالة الأب لا يجمع بيها وبين بنت ابن أخيها.

‌28 - باب الشِّغَارِ

(باب الشغار) بمعجمتين الأولى مكسورة آخره راء مصدر شاغر يشاغر شغارًا ومشاغرة وسمي شغارًا إما من قولهم شغر البلد عن السلطان إذا خلا عنه لخلوّه عن المهر، وقيل لخلوه عن بعض الشرائط. وقال ثعلب: هو من قولهم شغر الكلب إذا رفع رِجله ليبول، وفي التشبيه بهذه الهيئة القبيحة تقبيح للشغار وتغليظ على فاعله كأن كلاًّ من الوليين يقول للآخر لا ترفع رِجل ابنتي حتى أرفع رِجل ابنتك.

5112 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. [الحديث 5112 - أطرافه في: 6960].

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى) نهي تحريم (عن الشغار. والشغار أن يزوّج الرجل ابنته) أو موليته من أخت وغيرها (على أن يزوّجه الآخر ابنته) أو موليته (ليس بينهما صداق) بل بضع كل منهما صداق الأخرى. وقد اختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار فالأكثر لم ينسبوه لأحد، ولذا قال الشافعي فيما حكاه البيهقي في معرفة السنن لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر أو عن

ص: 39

نافع الراوي عنه أو عن مالك. وقال الخطيب: إنه قول مالك وصله بالمتن المرفوع، وفي ترك الخيل من البخاري أنه من قول نافع. وقال الباجي: هو من جملة الحديث. وبالجملة فإن كان مرفوعًا فهو المراد وإن كان من قول الصحابي فمقبول لأنه أعلم بالمقال والمعنى في البطلان التشريك في البضع حيث جعل موردًّا للنكاح وصداقًا للأخرى فأشبه

تزويج واحدة من اثنين. وقال القفال: العلة في البطلان التعليق والتوقيف فكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح بنتي حتى ينعقد لي نكاح بنتك وليس المقتضي للبطلان ترك ذر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسمية الصداق، لكن قال ابن دقيق العيد: إن قوله في الحديث ليس بينهما صداق يشعر بأن جهة الفساد ترك ذكر الصداق اهـ.

وكذا لا يصح لو ذكر مع البضع مالًا كقوله زوجتك بنتي أو موليتي بألف على أن تزوجني بنتك أو موليتك بألف وبضع كلٍّ منهما صداق الأخرى لوجود التشريك المذكور فلو أسقط في هذه وسابقتها وبضع كلٍّ منهما صداق الأخرى صح النكاح إذ ليس فيه إلا شرط عقد في عقد وهو لا يفسد النكاح، ونص الإمام الشافعي في الأم على البطلان ليس فيه أنه مع إسقاط ذلك فهو مقيد بعدم إسقاطه كلما قيد به في بقية نصوصه فثبت أنه مع الإسقاط يصح النكاحان بمهر المثل لفساد المسمى، ولو قال وبضع ابنتي صداق ابنتك، ولم يزد فقبل الآخر على ذلك صح الثاني فقط. وقال الحنفية: يصح نكاح الشغار ويجب مهر المثل على كل واحد منهما. لأن النكاح مما لا يبطل بالشروط الفاسدة وها هنا شرط فيه ما لا يصلح مهرًا فيبطل شرطه ويصح عقده كما لو سمي خمرًا. وقال الحنابلة: إن سمي المهر في الشغار صح وإن سمي لإحداهما ولم يسم للأخرى صح نكاح من سمي لها.

وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في النكاح وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

‌29 - باب هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لأَحَدٍ

هذا (باب) بالتنوين (هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد)؟ من الرجال على أن ينكحها من غير ذكر صداق، أو مع ذكره أجازه الحنفية لكن قالوا يجب مهر المثل لقوله تعالى:{وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} عطفًا على المحللات في قوله: {إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} وقوله عليه الصلاة والسلام: "ملكتكها بما معك من القرآن" قالوا: ولا يقال الانعقاد بلفظ الهبة خاص به صلى الله عليه وسلم بدليل قوله: "خالصة لك" لأنّا نقول الاختصاص والخلوص في سقوط المهر بدليل أنها مقابلة بمن آتى مهرها في قوله تعالى: {إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} إلى قوله: {وامرأة مؤمنة} وبدليل قوله تعالى: {لكيلا يكون عليك حرج} [الأحزاب: 50] والحرج بلزوم المهر دون لفظ التزويج فصار الحاصل أحللنا لك الأزواج المؤتى مهورهن والتي وهبت نفسها لك فلم تأخذ مهرًا خالصة هذه الخصلة لك من دون المؤمنين أما هم فقد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم من المهر وغيره، وقال الشافعية والجمهور: لا ينعقد إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح فلا ينعقد بلفظ البيع والتمليك والهبة لحديث مسلم: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولأن النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه والأذكار في العبادات تتلقى من الشرع والشرع إنما ورد بلفظ التزويج والإنكاح، وتعقب بأنه لا حجة في قوله عليه الصلاة والسلام: استحللتم فروجهن بكلمة الله فقد قال ابن

الحاجب في الأمالي: على هذا لو كان المراد لفظ التزويج ولفظ الإنكاح لكان الوجه أن يقال بكلمتي الله إذ لا يطلق المفرد على اثنين إلا فيما إذا كان معلومًا بالعادة كقولهم: أبصرته بعيني وسمعته بأُذني، وأما نحو اشتريته بدرهم والمراد بدرهمين فلا قائل به ولو سلم صحة إطلاق المفرد هنا على الاثنين لامتنّع أيضًا من جهة أنه إذا كان المراد اللفظ فاللفظ الموجود في القرآن إنما هو {أنكحوهن} ونحو:{إذا نكحتم المؤمنات} [الأحزاب: 49] و {زوجناكها} [الأحزاب: 37] وقد علم أنه إذا أخبر عن الكلمة باعتبار أنه إنما يراد صورتها ولفظها مجردة عن معناها أو مع معناها وقد علم أنه لا يقع الإنكاح بهذه الألفاظ

ص: 40

على صورتها لا بمجردها ولا بمعناها المراد بها، ولو سلم أن الإنكاح يقع بهما فليس في اللفظ ما يشعر أنه لا استحلال إلا بذلك، ولو سلم أن في اللفظ ما يشعر بالحصر فعندنا ما يأباه وهو أنه قد ذكر لفظ المراجعة معبرًا به عن التزويج. قال الله تعالى:{فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} [البقرة: 23] والمعنى فإن طلقها الزوج الثاني ثلاثًا فلا جناح على الزوج الأول وعلى الزوجة المطلقة من هذا الثاني أن يتراجعا. فقد عبّر بالمراجعة عن التزوبج أو المراد أن يتناكحا وذلك يأبى الحصر المسلم فيه ظهوره تقديرًا انتهى.

وحديث أنه صلى الله عليه وسلم زوّج امرأة فقال: "ملكتكها بما معك من بالقرآن" قيل: إنه وهم من الراوي وبتقدير صحته معارض برواية الجمهور زوجتكها. قال البيهقي: والجماعة أولى بالحفظ من الواحد ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظين.

5113 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ مِنَ اللَاّئِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَاّ يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ. رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَعَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام قال: (حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء محمد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: كانت خولة) بفتح الخاء المعجمة (بنت حكيم) بفتح المهملة ابن أمية السلمية وكانت امرأة عثمان بن مظعون وكانت من السابقات إلى الإسلام (من اللائي) بالهمزة (وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة): فيه إشعار بأن عروة حمل الحديث عن عائشة فلا يكون مرسلًا (أما) بتخفيف الميم (تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل) زاد محمد بن سيرين: بغير صداق (فلما نزلت: ({ترجي}) أي تؤخر ({من تشاء منهن}) وفي رواية عبدة بن سليمان فأنزل الله: {ترجي من تشاء} [الأحزاب: 51] وهي أظهر في أن نزول هذه الآية بهذا السبب (قلت: يا رسول الله ما أرى) بفتح الهمزة (ربك إلا يسارع في هواك) أي في رضاك (رواه) أي الحديث المذكور (أبو سعيد) محمد بن مسلم بن أبي الوضاح (المؤدب) وكان مؤدب موسى الهادي فيما وصله ابن مردوبه في تفسيره من طريق منصور بن أبي مزاحم عنه

(ومحمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العبدي الكوفي فيما وصله الإمام أحمد عنه بتمام الحديث (وعبدة) بن سليمان فيما وصله مسلم وابن ماجة الثلاثة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (يزيد بعضهم) في روايته (على بعض) فأما لفظ رواية ابن مردويه فهو: قالت التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم وأما رواية الإمام أحمد عنها فهو كانت تعير اللاتي وهبن أنفسهن فلما نزلت: {ترجي من تشاء منهن} قالت: إني لأرى ربك يسارع لك في هواك، وأما رواية مسلم فلفظها أنها كانت تقول: أما تستحي المرأة تهب نفسها لرجل حتى أنزل الله {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] فقلت: إن ربك يسارع لك في هواك وإنما قالت عائشة: ذلك لما عندها من الغيرة التي طبعت عليها النساء، وإلاّ فقد علمت أن الله تعالى قد أباح لنبيه صلى الله عليه وسلم وأن جميع النساء لو ملكه الله رقعهن لكان قليلًا فيغتفر في الغيرة ما لا يغتفر في غيرها من الحالات والله أعلم.

‌30 - باب نِكَاحِ الْمُحْرِمِ

(باب نكاح المحرم) بالحج أو العمرة أو بهما هل يجوز أم لا؟ والذي ذهب إليه الشافعية الثاني سواء كان الإحرام صحيحًا أو فاسدًا لحديث مسلم عن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه مرفوعًا: المحرم لا ينكح ولا ينكح فيبطل النكاح بحرام أحد الزوجين أو العاقدين من ولي ولو حاكمًا، وتنتقل الولاية للحاكم لا للأبعد إذ الإحرام لا يسلب الولاية لبقاء الرشد والنظر، وإنما يمنع النكاح كما يمنعه إحرام الزوج والزوجة، ولو أحرم الولي أو الزوج فعقد وكيله الحلال لم يصح لأن الوكيل سفير محض، فكان كالعاقد الموكل ولو أحرم السلطان أو القاضي فلخلفائه أن يزوجوه لأن تصرفهم بالولاية لا بالوكالة كما جزم به الخفاف وصححه الروياني، وقيل هذا في السلطان لا في القاضي لأن خلفاءه لا ينعزلون بموته وانعزاله بخلاف خلفاء القاضي ويصح بشهادة المحرم لأنه ليس بعاقد ولا معقود ولو راجع امرأته وهو محرم صح لأنها استدامة كالإمساك في دوام النكاح لا ابتداء عقد، وفي انعقاد النكاح ابتداء من المحرم

ص: 41

بين التحللين قولان صحّح الرافعي الصحة لأنه من المحرمات التي لا توجب تعاطيها إفسادًا فأشبهت الحلق وصحح النووي البطلان لأنه محرم. وقال الحنفية: يجوز تزويج المحرم والمحرمة حالة الإحرام دون الوطء ولو كان المزوّج لها محرمًا قالوا: وهو قول ابن مسعود وابن عباس وأنس بن مالك وجمهور التابعين إذ هو عقد معاوضة والمحرم غير ممنوع منه كشراء الجارية للتسري، ولو جعل عقد النكاح بمنزلة ما هو المقصود به وهو الوطء لكان تأثيره في إيجاب الجزاء أو فساد الإحرام لا في بطلان النكاح، وحديث عثمان ضعيف قاله البخاري، لأن في إسناده بيّنة ابن وهب ولا يلزم حجة. ولئن صح فهو محمول على الوطء لأنه الحقيقة أي لا يطأ المحرم واستدلوا لذلك بحديث الباب وهو ما رويناه بالسند إلى البخاري قال.

5114 -

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو وحَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ

قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُحْرِمٌ.

(حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد النهدي الكوفي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (ابن عيينة) سفيان قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن دينار قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (جابر بن زيد) أبو الشعثاء (قال: أنبأنا) ولأبي ذر أخبرنا (ابن عباس رضي الله عنهما) قال: (تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه (محرم) بعمرة القضية، وسبق في أواخر الحج من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس تزوّج ميمونة وهو محرم، وسبق أيضًا في عمرة القضاء من رواية عكرمة بلفظ حديث الأوزاعي. وزاد: وبنى بها وهو حلال وهذا قد عدّ من خصائصه صلى الله عليه وسلم على أن أكثر الروايات أنه تزوجها وهو حلال، وعند مسلم عن يزيد بن الأصم قال: حدّثتني ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال. قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس. وعند الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي رافع في صحيحهما أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال وبني بها وهو حلال. وكنت أنا الرسول بينهما.

وقرأت في كتاب المعرفة للبيهقي بسنده إلى الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلًا من الأنصار فزوّجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة قبل أن يخرج، وقد ردّ الشافعي بذلك رواية ابن عباس الأولى، واحتج على المخالف بحديث عثمان السابق الثابت، وبأن عثمان كان غير غائب عن نكاح ميمونة وبأن ابن أختها يزيد بن الأصم يقول: نكحها حلالًا ومعه سليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها وخبر اثنين أكثر من خبر واحد مع رواية عثمان التي هي أثبت من هذا كله. ولئن سلمنا أن الخبرين تكافآ، نظرنا فيما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده، وقد رأينا عمر وزيد بن ثابت يردّان نكاح المحرم ويقول ابن عمران: المحرم لا يَنكَح ولا يُنكَح ولا أعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفًا لذلك، وقد روينا عن الحسن أن عليًّا قال: من تزوج وهو محرم نزعنا منه امرأته ولم نجز نكاحه انتهى. ملخصًا من كتاب المعرفة.

وهذا الحديث سبق في كتاب الحج في باب تزويج المحرم، والظاهر من صنيع البخاري الجواز كالحنفية.

‌31 - باب نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ آخِرًا

(باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولأبي ذر النبي (صلى الله عليه وسلم) نهي تحريم (عن نكاح المتعة آخرًا) ولأبي ذر أخيرًا وهو المؤقت بمدة معلومة كسنة أو مجهولة كقدوم زيد وسمي بذلك لأن الغرض منه مجرد التمتع دون التوالد وسائر أغراض النكاح، وقد كان جائزًا في صدر الإسلام للمضطر كأكل الميتة ثم حرم كما أفهمه قول المصنف، ويأتي إن شاء الله تعالى ما ورد فيه.

5115 -

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي

الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ.

وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) النهدي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (أنه سمع الزهري) محمد بن مسلم (يقول أخبرني) بالإفراد (الحسن بن محمد بن علي) أي ابن أبي طالب (وأخوه) أي أخو الحسن (عبد الله) أبو هاشم ولأبي ذر عبد الله بن محمد كلاهما (عن أبيهما) محمد ابن الحنفية (أن) أباه (عليًّا رضي الله عنه قال لابن عباس) لما سمعه يفتي في متعة النساء أنه لا بأس بها (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة) في رواية أحمد عن سفيان عن نكاح المتعة (وعن لحوم الحمر الأهلية زمن

ص: 42

خيبر) ظرف للاثنين.

وفي غزوة خيبر من كتاب المغازي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية لكن قال البيهقي فيما قرأته في كتاب المعرفة: وكان ابن عيينة يزعم أن تاريخ خيبر في حديث علي إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية لا في نكاح المتعة. قال البيهقي: وهو يشبه أن يكون كما قال فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص فيه بعد ذلك ثم نهى عنه فيكون احتجاج علي بنهيه آخرًا حتى تقوم به الحجة على ابن عباس، وقال السهيلي: النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ولا رواة الأثر فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري انتهى.

واتفق أصحاب الزهري كلهم على خيبر بالخاء المعجمة والراء آخره إلا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث، فقال حنين بالحاء المهملة والنونين أخرجه النسائي والدارقطني وقالا إنه وهم تفرّد به، وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة والذي تحصل من ذلك أن أولها خيبر ثم عمرة القضاء كما رواه عبد الرزاق من مرسل الحسن البصري ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد ثم الفتح كما في مسلم بلفظ: إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ثم أوطاس كما في مسلم بلفظ رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها، لكن يحتمل أنه أطلق على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما لكن يبعد أن يقع الإذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح قبلها في الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة ثم تبوك فيما أخرجه إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة وهو ضعيف لأنه من رواية المؤمل بن إسماعيل عن عكرمة عن عمار وفي كلٍّ منهما مقال، وعلى تقدير صحته فليس فيه أنهم استمتعوا في تلك الحالة أو كان النهي قديمًا فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة ولذلك قرن صلى الله عليه وسلم النهي بالغضب كما في رواية الحازمي من حديث جابر لتقدم النهي عنه ثم حجة الوداع كما عند أبي داود بلفظ لكن اختلف فيه علي الربيع بن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر فإن كان حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي، فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليسمعه من لم يسمعه قبل ويقوّيه أنهم كانوا حجوا بنسائهم بعد أن وسع الله عليهم بفتح خيبر من

المال والسبي فلم يكونوا في شدة ولا طول عزوبة فلم يبق صحيح صريح سوى خيبر والفتح مع ما وقع في خيبر من الكلام، وأيّده ابن القيم في الهدي بأن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات. وقال النووي: الصواب والمختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين فكانت حلالًا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم الفتح وهو يوم أوطاس لاتصالها بها ثم حرمت يومئذٍ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة.

وسبق هذا الحديث في المغازي في غزوة خيبر.

5116 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَرَخَّصَ، فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَالِ الشَّدِيدِ، وَفِي النِّسَاءِ قِلَّةٌ أَوْ نَحْوَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. نَعَمْ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي البصري أنه (قال: سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما (سئل) بضم السين ولأبي ذر يسأل بتحتية مضمومة بلفظ المضارع مبنيًّا للمفعول فيهما (عن متعة النساء فرخص) فيها (فقال له مولى له): قيل: إنه عكرمة (إنما ذلك) الترخيص (في الحال الشديد) من قوّة الشهوة والعزوبة (وفي النساء قلة). وعند الإسماعيلي إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قلائل (أو) قال: (نحوه فقال ابن عباس: نعم) أي صدق إنما رخص فيها بسبب العزوبة في حال السفر.

5117 -

5118 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالا: َ كُنَّا فِي جَيْشٍ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا» .

وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو): بفتح العين ابن دينار (عن الحسن بن محمد) أي ابن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (وسلمة بن الأكوع) رضي الله عنهم أنهما (قالا: كنا في جيش) بالجيم المفتوحة والتحتية الساكنة بعدها معجمة (فأتانا رسول رسول الله

ص: 43

-صلى الله عليه وسلم) قيل إنه بلال، وللكشميهني مما في اليونينية رسول رسول رسول الله فلينظر (فقال: إنه قد أذن لكم) بضم الهمزة (أن تستمتعوا) زاد شعبة عند مسلم يعني متعة النساء (فاستمتعوا) بفتح المثناة الفوقية بلفظ الماضي وكسرها بلفظ الأمر.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح.

5119 -

حدثنا وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ لَيَالٍ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَزَايَدَا أَوْ يَتَتَارَكَا

تَتَارَكَا» فَمَا أَدْرِي أَشَيْءٌ كَانَ لَنَا خَاصَّةً، أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَنْسُوخٌ.

(وقال ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب فيما وصله الطبراني والإسماعيلي وغيرهما (حدّثني) بالإفراد (إياس بن سلمة بن الأكوع) بكسر الهمزة وتخفيف الياء (عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه قال:

(أيما رجل وامرأة توافقا) في النكاح بينهما مطلقًا من غير ذكر أجل (فعشرة ما بينهما ثلاث ليال) بفاء مفتوحة فعين مكسورة فمعجمة ساكنة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعشرة بموحدة مكسورة بدل الفاء قال في الفتح وبالفاء أصح والمعنى أن إطلاق الأجل محمول على التقييد بثلاثة أيام بلياليهن (فإن أحبا) الرجل والمرأة بعد انقضاء الثلاث (أن يتزايدا) في المدة تزايدًا أو أن يتناقصًا تناقصًا (أو) أحبا أن (يتتاركا) التوافق ويتفارقا (تتاركا) قال سلمة بن الأكوع: (فما أدري أشيء كان) الجواز (لنا) معشر الصحابة (خاصة أم) كان (للناس عامة) نعم وقع في حديث أبي ذر عند البيهقي أنها أحلّت للصحابة ثلاثة أيام ثم نهى عنها.

(قال أبو عبد الله) البخاري: (وبينه) ولأبي ذر وقد بينه أي حكم المتعة (علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ). وقد وقع الإجماع على تحريمها إلا الروافض وقد نقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه، واختلف هل يحدّ ناكح المتعة أم لا؟ وهو مبني على أن الاتفاق بعد الخلاف هل يرفع الخلاف المتقدّم، ومذهب الشافعية سقوط الحدّ ولو علم فساده لشبهة اختلاف العلماء ولو قال نكحتها متعة ولم يزد عليه فباطل يسقط بالوطء وفيه الحد ويلزم بالوطء فيه المهر والنسب والعدة، وأما نكاح المحلل فإن شرط في العقد أنه يحللها للذي طلقها ثلاثًا أو إذا وطئها لا نكاح بينهما أو أنه إذا حللها طلقها لا يصح لأنه عقد شرط قطعه دون غايته فيبطل كنكاح المتعة، فإن عقد النكاح ليحلها لكنه لم يشرطه في صلب العقد صح النكاح لخلوّه عن المفسدة وكره.

‌32 - باب عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ

(باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح) لينكحها رغبة في صلاحه.

5120 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا وَاسَوْأَتَاهْ. وَاسَوْأَتَاهْ قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. [الحديث 5120 - أطرافه في: 6123].

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا مرحوم) البصري مولى آل أبي سفيان

ولأبي ذر مرحوم بن عبد العزيز بن مهران بكسر الميم (قال: سمعت ثابتًا البناني قال: كنت عند أنس وعنده ابنة له) قال في الفتح: لم أقف على اسمها وأظنها أمينة بالتصغير (قال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها) ليتزوجها (قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت) ولأبي ذر: ابنة (أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه واسوأتاه) مرتين وهي الفعلة القبيحة والألف للندبة والهاء للسكت (قال) أن لابنته (هي) أي المرأة التي عرضت نفسها عليه صلى الله عليه وسلم (خير منك رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها) فيه جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح وأنه لا عار عليها في ذلك بل فيه دلالة على فضيلتها نعم إن كان لغرض دنيوي فقبيح.

وهذا الحديث أخرجه النسائي في النكاح.

5121 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ» ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قَالَ: «اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي وَلَهَا نِصْفُهُ، قَالَ سَهْلٌ: وَمَا لَهُ رِدَاءٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَمَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ» . فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلَسُهُ قَامَ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُ، أَوْ دُعِي لَهُ فَقَالَ لَهُ:«مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» ؟ فَقَالَ لَهُ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ يُعَدِّدُهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَمْلَكْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الجمحي نسبه لجده الأعلى لشهرته به قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف بكسر الراء المشددة الليثي المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) ثبت ابن سعد لأبي ذر الأنصاري رضي الله عنه (أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له رجل: يا رسول الله زوّجنيها) زاد في رواية إن لم يكن لك بها حاجة (فقال) ولأبي ذر قال عليه الصلاة والسلام له:

(ما عندك)؟ تصدقها (قال) الرجل: (ما عندي شيء) أصدقها إياه (قال) عليه الصلاة والسلام: (اذهب)

ص: 44

إلى أهلك (فالتمس) زاد في رواية شيئًا. واستدلّ بها على جواز كل ما يتموّل في الصداق من غير تحديد ولفظ شيء وإن كان يطلق على غير المال لكنه مخصوص بدليل آخر، وذلك أنه عوض كالثمن في البيع فاعتبر فيه ما يعتبر في الثمن مما دلّ الشرع على اعتباره فيه والالتماس افتعال من اللمس فهو استعارة والمراد الطلب والتحصيل لا حقيقة اللمس (ولو) كان الملتمس (خاتمًا من حديد) فإنه جائز (فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئًا ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري) ليس نصفه (ولها نصفه) صداقًا (قال سهل) رضي الله عنه:(وما له رداء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما تصنع بإزارك وإن لبسته) ولأبي ذر إن لبست بحذف الضمير المنصوب (لم يكن

عليها من شيء) كذا في الفرع والذي في اليونينية لم يكن عليها منه شيء (وإن لبسته) هي (لم يكن عليك منه شيء. فجلس الرجل حتى طال مجلسه) بفتح اللام مصححًا عليها في الفرع كأصله وفي غيرهما بكسرها أي جلوسه (قام) ليذهب (فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه أو دعي له) أي دعاه بنفسه أو أمر من دعاه والشك من الراوي (فقال له: ماذا معك من القرآن)؟ أي ما تحفظ منه (فقال له: معي سورة كذا وسورة كذا) مرتين وزاد أبو ذر عن الكشميهني وسورة كذا (لسور يعدّدها) في فوائد تمام أنها تسع سور من المفصل، وقيل كان معه إحدى وعشرون آية من البقرة وآل عمران. رواه أبو داود. (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أملكناكها) ولأبي ذر أمكناكها من التمكين والأولى من التمليك وفي رواية: زوّجتكها وهي رواية الأكثر وصوّبها الدارقطني وجمع النووي بأنه جرى لفظ التزويج أولًا ثم لفظ التمليك أو التمكين ثانيًا لأنه ملك عصمتها بالتزويج وتمكّن به منها والباء في قوله (بما معك من القرآن) للمعاوضة والمقابلة على تقدير مضاف أي زوّجتك إياها بتعليمك إياها ما معك من القرآن، ويؤيده أن في مسلم انطلق: فقد زوجتكها فعلّمها ما معك من القرآن، أو هي للسببية أي بسبب ما معك من القرآن فيخلو النكاح عن المهر فيكون خاصًّا بهذه القضية أو يرجع إلى مهر المثل وبالأول جزم الماوردي.

‌33 - باب عَرْضِ الإِنْسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ

(باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير) ليتزوجوا بها.

5122 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يُحَدِّثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، وَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِي. ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ قَالَ عُمَرُ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلَاّ أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبِلْتُهَا.

وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري (عن صالح بن كيسان) بفتح

الكاف (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أنه سمع) أباه (عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يحدّث أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (حين تأيمت حفصة بنت عمر) بفتح الهمزة والتحتية المشددة أي صارت أيمًا (من خنيس بن خذافة) بضم الخاء المعجمة وفتح النون وبعد التحتية الساكنة مهملة وحذافة بالحاء المهملة المضمومة بعدها معجمة فألف ففاء (السهمي) بالسين المهملة البدري (وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي بالمدينة) من جراحة أصابته يوم أُحُد، وجزم ابن سعد بأنه مات عقب قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر (فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه) أن يتزوج (حفصة فقال: سأنظر في أمري) أي أتفكّر فيه (فلبثت ليالي ثم لقيني) عثمان (فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا قال) وفي رواية فقال (عمر: فلقيت أبا بكر الصدّيق) رضي الله عنه (فقلت) له: (إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر فصمت) أي سكت (أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئًا) بفتح الياء وكسر الجيم وهذا تأكيد لرفع المجاز لاحتمال أن يظن أنه سكت زمانًا ثم تكلم قال عمر: (وكنت أوجد) أي أشد موجدة أي غضبًا (عليه) على أبي بكر (مني) أي من غضبي (على عثمان) لقوّة المودّة بينه وبين أبي بكر ولأن عثمان أجابه أولًا ثم اعتذر (فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك) ولأبي ذر عن الحموى والمستملي لقد (وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة

ص: 45

فلم أرجع إليك شيئًا) بكسر الجيم أي لم أعد عليك جوابًا (قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعي أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها) فيه كتمان السر فإن أفشاه صاحبه ساغ للذي أسرّ إليه إظهاره فلو حلف لا يفشي سرّ فلان فأفشى فلان سرّ نفسه ثم تحدّث به الحالف لا يحنث لأن صاحب السرّ هو الذي أفشاه.

وهذا الحديث قد سبق في المغازي.

5123 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّكَ نَاكِحٌ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعَلَى أُمِّ سَلَمَةَ؟ لَوْ لَمْ أَنْكِحْ أُمَّ سَلَمَةَ مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّ أَبَاهَا أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك) بكسر العين المهملة (أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان (قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قد تحدّثنا أنك ناكح) أي تريد أن تنكح (درّة بنت أبي سلمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(أعلى أم سلمة)؟ أتزوجها استفهام إنكاري (لو لم أنكح) أمها (أم سلمة ما حلّت لي إن أباها) أبا سلمة (أخي من الرضاعة).

فإن قلت ما وجه المطابقة بين هذا الحديث والترجمة؟ أجيب بأنه طرف من الحديث السابق في باب: وأن تجمعوا بين الأختين، وفيه قالت أم حبيبة: يا رسول الله انكح أختي فعرضت أختها عليه.

‌34 - باب قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ} الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ حَلِيمٌ} {أَكْنَنْتُمْ} : أَضْمَرْتُمْ وَكُلُّ شَيْءٍ صُنْتَهُ فَهْوَ مَكْنُونٌ

(باب قول الله عز وجل: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء}) أي في عدّة رجعية ({أو أكننتم في أنفسكم علم الله} الآية إلى قوله: {غفور حليم})[البقرة: 235] وسقط قوله: أو أكننتم إلى آخره لأبي ذر: ({أكننتم}): أي ({أضمرتم}) ولأبي ذر أو أكننتم وسترتم (في أنفسكم) في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين، (وكل شيء صنته وأضمرته فهو مكنون) قاله أبو عبيدة، وثبت لأبي ذر وأضمرته.

5124 -

وَقَالَ لِي طَلْقٌ بْنُ غَنَّامٍ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ. وَقَالَ الْقَاسِمُ: يَقُولُ إِنَّكِ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا، أَوْ نَحْوَ هَذَا، وَقَالَ عَطَاءٌ: يُعَرِّضُ وَلَا يَبُوحُ، يَقُولُ: إِنَّ لِي حَاجَةً، وَأَبْشِرِي، وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللَّهِ نَافِقَةٌ، وَتَقُولُ هِيَ: قَدْ أَسْمَعُ مَا تَقُولُ وَلَا تَعِدُ شَيْئًا، وَلَا يُوَاعِدُ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا، وَإِنْ وَاعَدَتْ رَجُلًا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ:{لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} الزِّنَا. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {الْكِتَابُ أَجَلَهُ} تَنْقَضِي الْعِدَّةُ.

قال المؤلّف: (وقال لي طلق) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف ابن غنام بالمعجمة وتشديد النون النخعي الكوفي أحد مشايخ المؤلّف (حدّثنا زائدة) بن قدامة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عباس) أنه قال في تفسير قوله تعالى: ({فيما عرّضتم به من خطبة النساء} يقول: إني أريد التزويج ولوددت: أنه تيسر ليس امرأة صالحة) بفتح الفوقية والتحتية والسين المهملة المشددة في الفرع كأصله، ولأبي ذر عن الكشميهني: يسر بضم الياء التحتية وكسر السين مبنيًّا للمفعول.

(وقال القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم فيما وصله مالك وابن أبي شيبة (يقول) في التعريض: (إنك عليّ كريمة وإني فيك لراغب) وهذا يدل على أن التصريح بالرغبة فيها سائغ وأنه لا يكون تصريحًا حتى يصرح بمتعلق الرغبة كان يقول إني في نكاحك لراغب (و) من التعريض أيضًا قوله (إن الله لسائق إليك خيرًا أو نحو هذا) من ألفاظ التعريض

كإذا حللت فآذنيني ومن يجد مثلك. وفي حديث مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس: (إذا حللت فآذنيني).

(وقال عطاء): هو ابن أبي رباح فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه مفرّقًا (يعرّض) بالخطبة (ولا يبوح) أي ولا يصرح (يقول: إن لي حاجة وأبشري) بقطع الهمزة (وأنت بحمد الله نافقة). والحكمة في ذلك أنه إذا صرح تحققت رغبته فيها فربما تكذب في انقضاء العدّة ويحرم التصريح بها لمعتدّة من غيره رجعية كانت أو بائنًا بطلاق أو فسخ أو موت أو معتدّة عن شبهة لمفهوم هذه الآية والإجماع والرجعية في معنى المنكوحة والتصريح ما يقطع بالرغبة في النكاح كإذا انقضت عدّتك نكحتك (وتقول هي) في التعريض (عد أسمع ما تقول ولا تعد شيئًا) بكسر العين وتخفيف الدال المهملتين أي لا تعده بالعقد وأنها لا تتزوّج غيره مثلًا (ولا يواعد) أي الرجل (وليها) بالرفع فاعلًا (بغير علمها) كذا في الفرع وفي اليونينية ولا يواعد بالجزم على النهي وليها بالنصب على المفعولية (وإن واعدت) أي المرأة (رجلًا في عدّتها ثم نكحها) تزوجها (بعد) أي بعد انقضاء عدتها (لم يفرق

ص: 46

بينهما) لأن ذلك ليس قادحًا في صحة النكاح وإن أثما.

قال في الكشاف، فإن قلت: أي فرق بين الكناية والتعريض؟ قلت: الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له، والتعريض أن تذكر شيئًا تدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ولذلك قالوا:

وحسبك بالتسليم مني تقاضيا

وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده انتهى.

وقال بعض أئمة الشافعية: ولا فرق كما اقتضاه كلامهم يعني الفقهاء بين الحقيقة والمجاز والكناية، وهي ما يدل على الشيء بذكر لوازمه كقولك: فلان طويل النجال للطويل وكثير الرماد للمضياف ومثالها هنا للتصريح، أريد أن أنفق عليك نفقة الزوجات، وأتلذذ بك وللتعريض أريد أن أنفق عليك نفقة الزوجات فكلٍّ من الثلاثة إن أفاد القطع بالرغبة في النكاح فهو تصريح أو الاحتمال لها فتعريض، وكون الكناية أبلغ من التصريح المقرر في علم البيان لا ينافي ذلك فمن قال هنا الظاهر أنها كالتصريح لأنها أبلغ منه التبس عليه التصريح هنا بالتصريح ثم؛ انتهى.

(وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد بن حميد ({لا تواعدوهن سرًّا}) أي (الزنا. ويذكر) مبني للمفعول (عن ابن عباس) مما وصله الطبري من طريق عطاء الخراساني عنه في قوله تعالى: {حتى يبلغ} ({الكتاب أجله}) ولأبي ذر ثبوت حتى يبلغ أي (تنقضي العدّة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي انقضاء العدة.

‌35 - باب النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ

(باب) استحباب (النظر إلى المرأة) والمرأة إلى الرجل (قبل التزويج) والخطبة لحديث المغيرة

عند الترمذي وحسنه والحاكم وصححه أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكم" أي تدوم بينكما المودة والألفة وأن يكون بعد العزم وقبل الخطبة لحديث أبي داود إذا ألفى امرؤ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها وإنما اعتبر ذلك قبل الخطبة لأنه لو كان بعد فلربما أعرض عنها فيؤذيها. وقيد ابن عبد السلام استحباب النظر بمن يرجو رجاءً ظاهرًا أنه يجُاب إلى خطبته دون غيره ولكلٍّ أن ينظر إلى الآخر وإن لم يأذن له اكتفاء بإذن الشارع سواء خشي فتنة أم لا، والمنظور غير العورة المقررة في شروط الصلاة فينظر الرجل من الحرّة الوجه والكفّين لأن الوجه يدل على الجمال والكفّين على خصب البدن، وينظر من الأمة ما عدا ما بين السرة والركبة وهما ينظرانه منه، والنووي إنما حرم نظر ذلك بلا حاجة مع أنه ليس بعورة لخوف الفتنة وهي غير معتبرة هنا فإن لم يتيسر نظره إليها بعث امرأة تتأملها وتصفها له لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم إلى امرأة وقال:"انظري عرقوبيها وشمي عوارضها". رواه الحاكم وصححه والعوارض الأسنان التي في عرض الفم وهي ما بين الثنايا والأضراس وذلك لاختبار النكهة فإن لم تعجبه سكت ولا يقول لا أريدها لأنه إيذاء.

5125 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ» ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(رأيتك في المنام) ولأبي ذر: أريتك بتقديم الهمزة على الراء مضمومة (يجيء بك الملك) جبريل (في سرقة) بفتح الراء أي قطعة (من حرير فقال لي: هذه امرأتك فكشفت عن وجهك الثوب) أي عن وجه صورتك (فإذا أنت هي) أي فإذا أنت الآن تلك الصورة أو كشفت عن وجهك عندما شاهدتك فإذا أنت مثل الصورة التي رأيتها في المنام. وهو تشبيه بليغ حيث حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ولأبي ذر عن الكشميهني: فإذا هي أنت (فقلت إن يكُ هذا) الذي رأيته (من عند الله يمضه) وزاد في رواية في أوائل النكاح بعد قوله: رأيتك في المنام مرتين. واستدلّ به على تكرار النظر عند الحاجة إليه ليتبين الهيئة فلا يندم بعد النكاح. قال الزركشي ولم يتعرضوا لضبط التكرار ويحتمل تقديره بثلاث قال: وفي خبر

ص: 47

عائشة الذي ترجم عليه البخاري الرؤيا قبل الخطبة أريتك ثلاث ليال.

وقال ابن المنير: الاستشهاد بنظره عليه الصلاة والسلام إلى عائشة قبل تزوجها لا يستثبت لوجهين. أحدهما: أن عائشة كانت حين الخطبة ممن ينظر إليها لطفوليتها إذ كانت بنت خمس سنين وشيء ومثل هذا السن لا عورة فيه البتة، والثاني: أن رؤيته لها كانت منامًا أتاه بها

جبريل عليه السلام في سرقة من حرير أي تمثالها وحكم المنام غير حكم اليقظة انتهى.

وتعقبه فى المصابيح فقال: فيه نظر فتأمله انتهى.

ووجه النظر أن رؤيته صلى الله عليه وسلم في النوم كاليقظة فإن رؤيا الأنبياء وحي.

وقد سبق الحديث والجواب عن قوله: إن يك من عند الله يمضه في أوائل النكاح في باب نكاح الأبكار.

5126 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ. فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ:«وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ» ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا» . فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. قَالَ:«انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ: سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ» . فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلَسُهُ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ:«مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةَ كَذَا وَسُورَةَ كَذَا وَسُورَةَ كَذَا، عَدَّدَهَا، قَالَ:«أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا يعقوب) بن عبد الرحمن (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين (أن امرأة جاءت رسول الله) ولأبي ذر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي) أي أن تتزوجني بلا مهر وقد عدّ هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم (فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر) بتشديد بالعين أي رفعه (إليها وصوّبه) بتشديد الواو خفضه (ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه) عليه الصلاة والسلام (لم يقضِ فيها شيئًا جلست. فقام رجل من أصحابه فقال: أي رسول الله إن لم تكن) بالفوقية (لك بها حاجة فزوّجنيها) لم يقل هبنيها لما ذكر أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم المراد حقيقة الهبة لأن الحرّ لا يملك نفسه (فقال) عليه الصلاة والسلام له:

(وهل عندك من شيء) تصدقها (قال: لا والله يا رسول الله قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟ فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئًا قال: انظر ولو) كان الذي تجده (خاتمًا من حديد) فأصدقها إياه فإنه سائغ (فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا)

وجدت (خاتمًا من حديد) ولأبي ذر ولا خاتم بالرفع أي ولا حضر خاتم من حديد (ولكن هذا إزاري قال سهل: ماله رداء فلها نصفه) صداقًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنع)؟ هي (بإزارك إن لبسته)؟ أنت (لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته) هي (لم يكن عليك شيء) وللكشميهني منه شيء (فجلس الرجل حتى طال مجلسه) بفتح اللام مصححًا عليها في الفرع كأصله (ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليًا فأمر به فدعي فلما جاء قال) له: (ماذا معك من القرآن؟ قال: سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا) ثلاث مرات. ونصب سورة في الثلاث في اليونينية وفرعها فقط وبالرفع أيضًا في غيرهما (عدّدها) ولأبي ذر عادّها بألف بعد العين فدال مشدّدة فهاء وسبق تعيينها (قال: أتقرؤهن عن ظهر قلبك) أي من حفظك (قال: نعم. قال: اذهب فقد ملّكتكها بما معك من القرآن) وفي رواية الأكثرين زوّجتكها بدل ملّكتكها وقال في المصابيح: الباء للسببية فيكون هذا نكاح تفويض انتهى.

والتفويض ضربان تفويض مهر بأن تقول المرأة للولي زوّجنيه بما شاء أو بما شئت وتفويض بضع وهو أن تقول زوّجنيه بلا مهر فزوّجها نافيًا للمهر وساكتًا عنه وجب لها مهر المثل بالوطء لأن الوطء لا يُباح بالإباحة لما فيه من حق الله تعالى أو بموت أحدهما قبل الوطء والفرض لأنه كالوطء في تقرير المسمى، فكذا في إيجاب مهر المثل في التفويض، ولأن بروع بنت واشق نكحت بلا مهر، فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهر نسائها وبالميراث. رواه أبو داود. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال المالكية: تستحق المفوّضة الصداق بالوطء لا بالعقد ولا بالموت أو الطلاق سواء مات هو أو هي وهو المشهور إلا أن يفرض وترضى فيشطر المفروض بالطلاق قبل البناء. قال ابن عبد السلام: وهو ظاهر أن فرض صداق المثل أو دونه ورضيت به، وقال الحنابلة: بالعقد. وسقط قوله: فلما رأت المرأة الخ للحموي، وقال: بعد قوله ثم طأطأ

ص: 48

رأسه وذكر الحديث كله.

‌36 - باب مَنْ قَالَ: لَا نِكَاحَ إِلَاّ بِوَلِيٍّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} فَدَخَلَ فِيهِ الثَّيِّبُ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ. وَقَالَ:{وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وَقَالَ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ}

(باب من قال: لا نكاح إلا بولي لقول الله تعالى: {فلا تعضلوهن})[البقرة: 232] أي لا تحبسوهن. وقال إمامنا الشافعي: إن هذه الآية أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى، وعبارته في المعرفة للبيهقي إنما يؤمر بأن لا يعضل من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به له نكاحها من الأولياء. قال: وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقًّا وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف انتهى.

وقال البخاري: (فدخل فيه) في النهي عن العضل (الثيب وكذلك البكر) لعموم لفظ النساء

(وقال) تعالى مخاطبًا للرجال: ({ولا تنكحوا}) أي أيها الأولياء مولياتكم ({المشركين حتى يؤمنوا})[البقرة: 221](وقال) عز وجل: ({وأنكحوا الأيامى}) جمع أيم ({منكم}) ولم يخاطب النساء فلا تعقد امرأة نكاحًا لنفسها ولا لغيرها بولاية إذ لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلًا، وفي حديث ابن ماجة المرفوع لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها. وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين، واستنبط المؤلّف الحكم من الآيات والأحاديث الآتية لكون الحديث الوارد بلفظ الترجمة ليس على شرطه، وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبي موسى، فلو وطئ في نكاح بلا ولي بأن زوّجت نفسها ولم يحكم حاكم بصحته ولا ببطلانه لزمه مهر المثل دون المسمى لفساد النكاح، ولحديث الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححاه أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثًا فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها الحديث ويسقط عنه الحدّ لشبهة اختلاف العلماء في صحته نعم يعزر معتقد تحريمه لارتكابه محرّمًا ولا حدّ فيه ولا كفّارة، وقال أبو حنيفة: لو زوجت نفسها وهي حرة عاقلة بالغة أو وكّلت غيرها أو توكّلت به جاز بلا ولي وكان أبو يوسف أوّلًا يقول: لا ينعقد إلا بولي إذا كان لها ولي ثم رجع وقال: إن كان الزوج كفؤًا لها جاز وإلا فلا.

ثم رجع وقال: جاز سواء كان الزوج كفؤًا لها أو لم يكن. وعند محمد ينعقد موقوفًا على إجازة الولي سواء كان الزوج كفوءًا لها أو لم يكن، ويروى رجوعه إلى قولهما. واستدلّ لذلك بقوله تعالى:{فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن} [البقرة: 234] وقوله: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 132] وفوله: {حتى تنكح زوجًا غيره} [البقرة: 230] فهذه الآيات تصرّح بأن النكاح ينعقد بعبارة النساء لأن النكاح المذكور منسوب إلى المرأة من قوله: أن ينكحن، وحتى تنكح. وهذا صريح بأن النكاح صادر منها، وكذا قوله: فيما فعلن، وأن يتراجعا صرّح بأنها هي التي تفعل وهي التي ترجع، ومن قال لا ينعقد بعبارة النساء فقد رد النص، وقوله صلى الله عليه وسلم:"الأيم أحق بنفسها من وليها" متفق على صحته، واستدلالهم بالنهي عن العضل لا يستقيم لأنه نهي عن المنع عن مباشرتها العقد، فليس له أن يمنعها المباشرة بعد ما نهي عنه، وقد قال البخاري: لم يصح في باب النكاح حديث دل على اشتراط الولي في جوازه ولئن سلم يكون محمولًا على الأمة والصغيرة انتهى.

5127 -

قَالَ: يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ ح حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا. وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ

ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الاِسْتِبْضَاعِ، وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ لَيَالي بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ، تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ، وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ. فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ، إِلَاّ نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ.

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى بن سعيد بن مسلم بن عبيد بن مسلم شيخ المؤلّف قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي فيما أخرجه الدارقطني من طريق أصبغ وأبو نعيم في مستخرجه من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب والإسماعيلي والجوزقي من طريق عثمان بن صالح عن ابن وهب.

قال المؤلّف: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا (أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: (حدّثنا عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة والسين المهملة ابن خالد ابن أخي يونس واللفظ المسوق له قال: (حدّثنا يونس) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح في) زمن (الجاهلية كان على أربعة أنحاء) بالحاء المهملة أي أنواع (فنكاح منها) وهو

ص: 49

الأول (نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته) كابنة أخيه (أو ابنته) للتنويع لا للشك وثبت وليته لأبي ذر عن الكشميهني (فيصدقها) بضم الياء وسكون الصاد أي يعين صداقها ويسمى مقداره (ثم ينكحها) أي يعقد عليها.

(ونكاح آخر) وهو الثاني (كان الرجل يقول: لامرأته إذا طهرت) بفتح الطاء المهملة وضم الهاء (من طمثها) بفتح الطاء المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة أي حيضها ليسرع علوقها (أرسلي إلى فلان) رجل من أشرافهم (فاستبضعي) أي اطلبي (منه) المباضعة وهي الجماع لتحملي منه (ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها) جامعها (زوجها إذا أحب وإنما يفعل) الزوج (ذلك) الاستبضاع (رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع).

(ونكاح آخر) وهو الثالث (يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها) يطؤها (فإذا حملت ووضعت ومرّ ليالي) ولغير أبي ذر ومرّ عليها ليالي (بعد أن تضع حملها أرسلت

إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم) بلفظ الجمع ولأبي ذر عن الكشميهني عرفت تخاطب الواحد (الذي كان من أمركم وقد ولدت) بتاء المتكلمة (فهو ابنك يا فلان تسمي مَن أحبّت باسمه فيلحق به) بفتح الياء والحاء أي بالرجل الذي تسميه (ولدها) رفع بيلحق (لا يستطيع أن يمتنع به) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني منه (الرجل) الذي تسميه.

(ونكاح الرابع) بالإضافة أي ونكاح النوع الرابع وهو من إضافة الشيء لنفسه على رأي الكوفيين (يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة) يطؤونها (لا تمتنع ممن) ولأبي ذر لا تمنع من (جاءها) من وطئها (وهن البغايا) جمع بغي وهي الزانية (كن ينصبن) بكسر الصاد (على أبوابهن رايات تكون علمًا) بفتح اللام علامة (فمن) ولأبي ذر عن الكشميهني لمن (أرادهن دخل عليهن) فيطؤهن (فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا) بضم الجيم وكسر الميم (لها) أي جمعوا لها الناس (ودعوا لها القافة) بالقاف وتخفيف الفاء الذين يلحقون الولد بالوالد بالآثار الخفية (ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط) بفوقية بعدها ألف فطاء مهملة أي التصق (به) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: فالتاطته ألحقته به (ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح) أهل (الجاهلية كله) ما ذكرته وغيره (إلا نكاح الناس اليوم) وهو أن يخطب إلى الولي ويزوّجه كما سبق.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود في النكاح.

5128 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَاّتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قَالَتْ: هَذَا فِي الْيَتِيمَةِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ شَرِيكَتَهُ فِي مَالِهِ، وَهْوَ أَوْلَى بِهَا فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَيَعْضُلَهَا لِمَالِهَا، وَلَا يُنْكِحَهَا غَيْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَشْرَكَهُ أَحَدٌ فِي مَالِهَا.

وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى المشهور بخت أو ابن جعفر البخاري البيكندي قال: (حدّثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها في تفسير قوله تعالى: {وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن} ) [النساء: 127](قالت: هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل) وفي تفسير النساء هو وليها ووارثها (لعلها أن تكون شريكته في ماله وهو أولى بها فيرغب) عن (أن) ولأبي ذر عنها أن (ينكحها) بفتح الياء أي يتزوج بها (فيعضلها) بضم الضاد المعجمة أي بمنعها أن تتزوج غيره (لمالها ولا ينكحها غيره) بضم الياء (كراهية) نصب على التعليل مضاف إلى المصدر وهو قوله: (أن يشركه أحد) ممن يتزوجها (في مالها) زاد في سورة النساء: فنزلت هذه الآية.

5129 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي

سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنِ ابْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ. فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالتوحيد (سالم أن) أباه (ابن عمر أخبره أن) أباه (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (حين تأيمت حفصة بنت عمر من ابن حذافة) خنيس (السهمي وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بدر توفي بالمدينة) من جراح نالته في سبيل الله (فقال عمر:

ص: 50

لقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه) تزويج حفصة (فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة فقال: سأنظر في أمري) أتفكّر فيه (فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت وإن شئت أنكحتك حفصة) الحديث وتقدم بتمامه قريبًا، والمراد منه هنا قوله: إن شئت أنكحتك حفصة.

5130 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنَّ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ.

وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي عمرو) حفص النيسابوري قاضيها (قال: حدّثني) بالتوحيد (أبي) حفص بن عبد الله بن راشد (قال: حدّثني) بالتوحيد أيضًا (إبراهيم) بن طهمان (عن يونس) بن عبيد البصري (عن الحسن) البصري أنه (قال) في تفسير قوله تعالى: ({فلا تعضلوهن})[البقرة: 132](قال: حدّثني) بالإفراد (معقل بن يسار) بالسين المهملة المخففة المزني (أنها نزلت فيه قال: زوجت أختًا لي) اسمها جميل بضم الجيم وفتح الميم بنت يسار بن عبد الله المزني وقيل اسمها ليلى قاله المنذري تبعًا للسهيلي في مبهمات القرآن. وعند ابن إسحاق فاطمة فيكون لها اسمان ولقب أو لقبان واسم (من رجل) اسمه أبو البدّاح بفتح الموحدة والدال المهملة المشددة وبعد الألف حاء مهملة ابن عاصم بن عديّ القضاعي حليف الأنصار كما في أحكام القرآن لإسماعيل القاضي، واستشكله الذهبي بأن أبا البدّاح تابعي على الصواب، قال في الفتح: فيحتمل أن يكون آخر، فقد جزم بعض المتأخرين بأنه البدّاح بن عاصم (فطلقها حتى إذا انقضت عدتها) منه (جاء يخطبها) من أخيها (فقلت له زوجتكـ) ـها (وفرشتك) لأبي ذر وأفرشتك أي

جعلتها لك فراشًا (وأكرمتك) بذلك (فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدًا. وكان رجلًا لا بأس به) أي جيدًا (وكانت المرأة) جميل (تريد أن ترجع إليه فأنزل الله) تعالى: (هذه الآية: {فلا تعضلوهن}) الآية. وهو ظاهر أن العضل يتعلق بالأولياء (فقلت: الآن أفعل يا رسول الله قال: فزوّجها إياه) بعقد جديد. وفي رواية الثعلبي فإني أؤمن بالله فأنكحتها إياه وكفّر عن يمينه.

وهذا الحديث من أقوى الأدلة وأصرحها على اعتبار الولي وإلاّ لما كان لعضله معنى ولأنها لو كان لها أن تزوّج نفسها لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه قال ابن المنذر لا أعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.

37 -

باب إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْخَاطِبَ، وَخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ، قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لِيُشْهِدْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُك، ِ أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا. وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَهَبُ لَكَ نَفْسِي فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا

هذا (باب) بالتنوين (إذا كان الولي) في النكاح (هو الخاطب) كابن العم هل يزوّج نفسه أو يزوّجه وليّ غيره؟ اختلف في ذلك فقال الشافعية: إذا أراد الولي تزويجها كابن العم لم يتول الطرفين فيزوجه من في درجته كابن عم آخر فإن لم يكن زوّجه القاضي فإن أراد القاضي تزويجها زوّجه من في درجته كابن عم آخر فإن لم يكن زوّجه القاضي فإن أراد القاضي تزويجها زوّجه قاضٍ آخر بمحل ولايته إذا كانت المرأة في عمله أو يستخلف من يزوّجه إن كان له الاستخلاف.

(وخطب المغيرة بن شعبة) بن مسعود بن معتب من ولد عوف بن ثقيف (امرأة) هي ابنة عمه عروة بن مسعود (هو أولى الناس بها) في ولاية النكاح (فأمر رجلًا) هو عثمان بن أبي العاص (فزوّجه) إياها لأنه ابن عم أعلى لأنه لا يجتمع معهم إلا في جدهم الأعلى ثقيف لأنه من ولد جشم بن ثقيف وهذا الأثر وصله وكيع في مصنفه والبيهقي من طريقه وكذا سعيد بن منصور.

(وقال عبد الرحمن بن عوف) فيما وصله ابن سعد (لأم حكيم) بفتح الحاء المهملة (بنت قارظ): بالقاف وبعد الألف راء مكسورة فظاء معجمة ابن خالد بن عبيد حليف بني زهرة وكانت قالت له: قد خطبني غير واحد فزوّجني أيهم رأيت (أتجعلين أمرك إليُّ)؟ بتشديد الياء. (قالت: نعم. فقال: قد تزوّجتك) قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه.

(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قالت: قلت لعطاء امرأة خطبها ابن عم لها لا رجل لها غيره. قال: (ليشهد) بالتحتية والجزم على الأمر (أني قد نكحتك أو ليأمر رجلًا من عشيرتها) أن يزوّجها له مع كونه أبعد ولفظ عبد الرزاق قال: فلتشهد أن فلانًا خطبها وأني أشهدكم أني قد نكحته.

(وقال سهل) فيما سبق موصولًا: (قالت امرأة: للنبي صلى الله عليه وسلم: أهب لك نفسي فقال رجل: يا رسول الله

ص: 51

إن لم تكن) بالمثناة الفوقية (لك بها حاجة فزوّجنيها) فزوّجها له عليه الصلاة والسلام وكان خطبها له.

5131 -

حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قَوْلِهِ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ الرَّجُلِ قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ فَيَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فَيَحْبِسُهَا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.

وبه قال: (حدّثنا ابن سلام) محمد قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها في) تفسير (قوله) عز وجل: ({ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن})[النساء: 127](إلى آخر الآية قال عروة: قالت عائشة: والذي في اليونينية قالت أي عائشة: (هي اليتيمة) التي مات أبوها (تكون في حجر الرجل) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم (قد شركته) بفتح المعجمة وكسر الراء (في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره فيدخل عليه في ماله فيحبسها فنهاهم الله عن ذلك) فإن قلت: ما وجه المطابقة؟ أجيب في قوله فيرغب عنها أن يتزوجها لأنه أعم من أن يتولى ذلك بنفسه أو يأمر غيره فيزوجه، وبه احتج محمد بن الحسن لأن الله لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل الجمال والمال بدون سنتها من الصداق وعاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحد على ترك ما هو حرام عليه انتهى من الفتح.

5132 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُلُوسًا فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ فَخَفَّضَ فِيهَا النَّظَرَ وَرَفَعَهُ فَلَمْ يُرِدْهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«أَعِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ» ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ قَالَ: «وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ؟ قَالَ: وَلَا خَاتَمًا، مِنَ حَدِيدٍ وَلَكِنْ أَشُقُّ بُرْدَتِي هَذِهِ فَأُعْطِيهَا النِّصْفَ، وَآخُذُ النِّصْفَ. قَالَ:«لَا، هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ» ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .

وبه قال: (حدّثنا أحمد بن المقدام) بميمين الأولى مكسورة ابن مسلم العجلي البصري قال:

(حدّثنا فضيل بن سليمان) البصري قال: (حدّثنا أبو حازم) سلمة بن دينار قال: (حدّثنا سهل بن سعد) الساعدي (قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوسًا فجاءته) ولأبي ذر عن المستملي (فجاءته امرأة تعرض نفسها عليه) صلى الله عليه وسلم (فخفض فيها النظر) بتشديد الفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي البصر بالموحدة والصاد المهملة بدل النون والظاء المعجمة (ورفعه فلم يردها) بضم الياء وكسر الراء وسكون الدال (فقال رجل: من أصحابه زوّجنيها يا رسول الله؟ قال):

(أعندك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هل عندك (من شيء) تمهرها إياه وهل حرف استفهام موضوع لطلب التصديق الإيجابي دون التصوّر ودون التصديق السلبي قال ابن هشام في مغنيه فيمتنع نحو: هل زيدًا ضربت تقديم الاسم يُشْعِر بحصول التصديق بنفس النسبة فيمتنع نحو هل زيد قائم أم عمرو إذا أريد بأُم المتصلة ويمتنع نحو هل لم يقم زيد ومن في قوله من شيء زائدة في المبتدأ والخبر متعلق الظرف (قال: ما عندي من شيء قال: ولا) تجد (خاتمًا من حديد) ولأبي ذر ولا خاتم بالرفع أي ولا عندك خاتم من حديد (قال) الرجل: (ولا) أجد (خاتمًا) ولأبي ذر ولا خاتم (من حديد ولكن أشق بردتي هذه فأعطيها) بضم الهمزة (النصف) منها (وآخذ النصف قال: لا) وفي الرواية السابقة: ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك شيء (قال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم. قال: اذهب فقد زوّجتكها بما معك من القرآن).

قال في فتح الباري: ووجه المطابقة من هذا الحديث يعني لمناسبة الترجمة الإطلاق أيضًا لكن انفصل من منع ذلك بأنه معدود من خصائصه أن يزوج نفسه وبغير وليّ ولا شهود ولا استئذان وبلفظ الهبة.

‌38 - باب إِنْكَاحِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصِّغَارَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَاّئِي لَمْ يَحِضْنَ} فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ

(باب) جواز (نكاح الرجل ولده الصغار) بفتح الواو واللام اسم جنس شامل للذكر والأنثى (لقوله) ولأبي ذر لقول الله (تعالى: {واللائي لم يحضن})[الطلاق: 4] أي من الصغار (فجعل عدّتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ) فدلّ على أن نكاحها قبل البلوغ جائز، وحذف في الآية قوله:{فعدتهن ثلاثة أشهر} لدلالة المذكور عليه قاله في الكشاف، وهذا من مواطن حذف الخبر.

واختلف في تقديره فقدّره الزمخشري وابن مالك جملة وقدره آخرون مفردًا أي كذلك وهو أحسن لأن أصل الخبر أن يكون مفردًا والأكثرون على تقديره مؤخرًا مفردًا، وقدره ابن عبد السلام مفردًا مقدمًا أي وكذلك اللائي لم يحضن وجعل منه والمحصنات من المؤمنات أي حل لكم وكذلك المحصنات من المؤمنات. وقيل: إن هذه الآية لا حذف فيها، والتقدير واللائي يئسن من الحيض من نسائكم إن ارتبتم واللائي لم يحضن فعدّتهن ثلاثة أشهر فقدّم وأخّر.

5133 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهْيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا.

وبه قال: (حدّثنا محمد

ص: 52

بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها) من أبي بكر رضي الله عنه (وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (وهي بنت تسع) من السنين (ومكثت) بفتح الكاف وضمها (عنده تسعًا) فتوفي صلى الله عليه وسلم وعمرها ثماني عشرة سنة.

‌39 - باب تَزْوِيجِ الأَبِ ابْنَتَهُ مِنَ الإِمَامِ.

وَقَالَ عُمَرُ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ حَفْصَةَ فَأَنْكَحْتُهُ

(باب تزويج الأب ابنته من الإمام) أي الأعظم (وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه مما سبق موصولًا: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم إليّ حفصة فأنكحته) إياه اهـ.

5134 -

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، قَالَ هِشَامٌ: وَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ.

وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بتشديد اللام المفتوحة العمي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين) كذا بفتح ست في الفرع وفي الأصل بالجر والواو للحال (وبنى بها وهي بنت تسع سنين).

قال الجوهري: بنى على أهله بناء أي زفها والعامة تقول بنى بأهله وهو خطأ وكان الأصل فيه أن الداخل بأهله يضرب عليها قبة عند دخوله بها، فقيل لكل داخل على أهله بانٍ، وعليه كلام التوربشتي والقاضي، وبالغًا في التخطئة حتى تجاوزا إلى تخطئة الراوي. وأجاب الطيبي بعد أن ذكر ذلك بأن استعمال بنى عليها بمعنى زفها في بدء الأمر كناية فلما أكثر استعماله في الزفاف فهم منه معنى الزفاف، وإن لم يكن ثمة بناء فأيّ بعد في أن ينتقل من المعنى الثاني إلى ثالث فيكون بمعنى أعرس بها. قال: ويوضح هذا ما قاله صاحب المغرب أصله أن المعرس كان يبني على أهله ليلة الزفاف خباء ثم كثر حتى كني به عن الوطء وعن ابن دريد بنى بامرأته بالباء كأعرس بها.

(قال) ولأبي ذر فقال (هشام) أي ابن عروة بالسند السابق: (وأنبئت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (أنها) أي عائشة (كانت عنده) صلى الله عليه وسلم (تسع سنين) ثم توفي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

‌40 - باب السُّلْطَانُ وَلِيٌّ، بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»

هذا (باب) بالتنوين (السلطان ولي) لمن لا ولي لها (بقول النبي) أي بسبب قول النبي، ولأبي ذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم باللام بدل الموحدة أي لأجل قول النبي (صلى الله عليه وسلم زوجناكها) بنون العظمة (بما معك من القرآن).

5135 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي وَهَبْتُ مِنْ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلًا فَقَالَ رَجُلٌ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، قَالَ:«هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ. تُصْدِقُهَا» ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَاّ إِزَارِي. فَقَالَ: «إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا» . فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا. فَقَالَ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدِ» . فَلَمْ يَجِدْ فَقَالَ: «أَمَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ:«زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه أنه (قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني وهبت من نفسي) أي وهبت نفسي فمن زائدة ولأبي الوقت وهبت منك نفسي، وفي رواية لك نفسي بلام التمليك، استعملت هنا في تمليك المنافع أي وهبت أمر نفسي لك (فقامت) قيامًا (طويلًا) فطويلًا نعت لمصدر محذوف وسمي مصدرًا لأن المصدر هو اسم الفعل أو عدده أو ما قام مقامه أو ما أضيف إليه وهذا قام مقام المصدر فسمي باسم ما وقع موقعه وقوله فقامت عطف على وهبت (فقال رجل): يا رسول الله (زوجنيها إن لم تكن) بالفوقية (لك بها حاجة قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر فقال:

(هل عندك من شيء تصدقها)؟ إياه ومن زائدة في المبتدأ والخبر متعلق الظرف وجملة تصدقها في موضع رفع صفة لشيء ويجوز فيه الجزم على جواب الاستفهام وتصدقها يتعدى لمفعولين الثاني محذوف أي إياه وهو العائد من الصفة على الموصوف (قال) الرجل (ما عندي إلا إزاري فقال) النبي صلى الله عليه وسلم له: (إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك) جواب الشرط ولا نافية وإزار اسم نكرة مبني مع لا ولك يتعلق بالخبر أي ولا إزار كائن لك (فالتمس شيئًا. فقال: ما أجد شيئًا فقال) عليه الصلاة والسلام: (التمس ولو) كان الملتمس (خاتمًا من حديد) فطلب (فلم يجد) ذلك (فقال) صلى الله عليه وسلم له: (أمعك من القرآن شيء؟ قال: نعم) معي (سورة كذا وسورة كذا) بالتكرار مرتين وفيما سبق تكرير ذلك ثلاثًا (لسور سماها) في فوائد تمام إنها تسع من المفصل وقيل غير ذلك مما سبق ذكره (فقال:

ص: 53

زوّجناكها) بنون العظمة ولأبي ذر قد زوّجناكها (بما معك من القرآن).

والمطابقة بين الترجمة والحديث ظاهرة. وفي حديث عائشة عند أبي داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم مرفوعًا "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" الحديث. وفيه السلطان ولي من لا ولي له لكنه لما لم يكن على شرط المؤلّف استنبط الحكم من قصة الواهبة ولا يزوج السلطان إلا بالغة بكفء عند عدم وليها الخاص أو غيبة الأقرب مسافة القصر، وهل يزوّج بالولاية العامة أو النيابة الشرعية وجهان حكاهما الإمام، وأفتى البغوي منهما بالأول قال: لأنه كان بالنيابة لما زوج مولية الرجل منه ومن فوائد الخلاف أنه لو أراد القاضي نكاح من غاب وليها إن قلنا بالولاية زوّجه أحد نوابه أو قاضٍ آخر أو بالنيابة لم يجز ذلك.

‌41 - باب لَا يُنْكِحُ الأَبُ وَغَيْرُهُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ إِلَاّ بِرِضَاهَا

هذا (باب) بالتنوين (لا ينكح الأب) بضم التحتية وكسر الكاف من الإنكاح (وغيره) من الأولياء (البكر والثيب إلا برضاهما) سواء كانتا كبيرتين أو صغيرتين كما هو ظاهر حديث الباب.

5136 -

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ:«أَنْ تَسْكُتَ» . [الحديث 5136 - طرفاه في: 6968، 6970].

وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء وتخفيف المعجمة قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (حدّثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال):

(لا تنكح الأيم) بضم الفوقية وفتح الكاف مبنيًّا للمفعول ورفع الحاء على أن لا نافية خبر بمعنى النهي وبالجزم كسر لالتقاء الساكنين على أنها ناهية والأولى أبلغ والأيم بتشديد التحتية المكسورة في الأصل التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا مطلّقة أو متوفّى عنها والمراد بها هنا التي زالت بكارتها بأي وجه كان سواء زالت بنكاح صحيح أو شبهة أو فاسد أو زنا أو بوثبة أو بأصبع أو غير ذلك لأنها جعلت مقابلة للبكر (حتى تستأمر) بضم الفوقية وفتح الميم أي يطلب أمرها (ولا تنكح البكر حتى تستأذن) أي يطلب إذنها وفرق بينهما بأن الأمر لا بد فيه من لفظ والإذن يكون بلفظ وغيره (قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها)؟ أي البكر (قال: أن تسكت) لأنها قد تستحيي أن تفصح واختلف فيما إذا سكتت وظهرت منها قرينة السخط كالبكاء أو الرضا كالتبسم فعند المالكية إن ظهرت منها قرينة الكراهة لم تزوج، وعند الشافعية لا يؤثر ذلك إلا إن وقع مع البكاء صياح ونحوه.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في ترك الحيل ومسلم في النكاح وكذا النسائي.

5137 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي، قَالَ:«رِضَاهَا صَمْتُهَا» . [الحديث 5137 - أطرافه في: 6949، 6971].

وبه قال: (حدّثنا عمرو بن الربيع بن طارق) بفتح العين وسكون الميم الهلالي المصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حدّثنا (الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن أبي عمرو) بفتح العين ذكوان (مولى عائشة عن عائشة) رضي الله عنها (أنها قالت: يا رسول الله إن البكر تستحي) أن تفصح به ولأبي ذر تستحيي بياءين (قال) عليه الصلاة والسلام:

(رضاها صمتها) أي سكوتها. وظاهر الحديث أنه ليس للولي تزويج موليته من غير استئذان ومراجعة واطّلاع على أنها راضية بصريح الإذن أو سكوت من البكر وللعلماء في هذا المقام تفصيل واختلاف فاتفقوا على أنه لا يجوز تزويج الثيّب البالغة العاقلة إلا بإذنها والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقًا أيضًا. وأما الثيب غير البالغ فاختلف فيها فقال مالك وأبو حنيفة: يزوّجها أبوها كما يزوج البكر، وقال إمامنا الشافعي أبو يوسف ومحمد: لا يزوجها إذا زالت البكارة بالوطء لا بغيره لأن إزالة البكارة تزيل الحياء الذي في البكر، وأما البكر البالغ فيزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء. واختلف في استثمارها. والحديث يدل على أنه لا إجبار عليها للأب إذا امتنعت وهو مذهب الحنفية. وقال مالك والشافعي وأحمد: يزوجها. واحتج بمفهوم حديث الباب لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها فدلّ على أن ولي البكر أحق بها منها وألحق الشافعي الجد بالأب، وقال أبو حنيفة في الثيب الصغيرة: يزوجها كل ولي فإذا بلغت ثبت لها الخيار وعن مالك يلتحق بالأب في ذلك وصي الأب دون بقية الأولياء لأنه

ص: 54

أقامه مقامه، وقال الحنابلة: وللأب إجبار بناته الأبكار مطلقًا وثيب لها دون تسع سنين لا من لها تسع فأكثر.

‌42 - باب إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهْيَ كَارِهَةٌ، فَنِكَاحُهُ مَرْدُودٌ

هذا (باب) بالتنوين (إذا زوج) الرجل (ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود) إذا كانت ثيبًا اتفاقًا من الأئمة الأربعة.

5138 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهُ. [الحديث 5137 - أطرافه في: 5139، 6945، 6969].

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن و) أخيه (مجمع) بضم الميم

الأولى وكسر الثانية مشددة بينهما جيم مفتوحة آخره عين مهملة (ابني يزيد) من الزيادة (ابن جارية) بالجيم الأنصاري ابن أخي مجمع بن جارية الصحابي (عن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وبعد النون الساكنة سين مهملة مهموز ممدود (بنت خدام) بكسر الخاء وتخفيف الذال بالمعجمتين وفي الفتح وبالدال المهملة (الأنصارية) الأويسية (أن أباها زوجها وهي ثيب) وإن زوجها الأول اسمه أنيس بن قتادة كما عند الواقدي، وقيل: أسير كما في المبهمات للقطب ابن القسطلاني وأنه مات ببدر وعند عبد الرزاق أن رجلًا من الأنصار تزوّج خنساء بنت خذام فقتل عنها يوم أُحُد فأنكحها رجلًا (فكرهت ذلك) ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسم الزوج الثاني. نعم قال الواقدي: إنه من بني مزينة، وعند ابن إسحاق أنه من بني عمرو بن عوف (فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد الإسماعيلي أنها قالت: أنا أريد أن أتزوج عم ولدي وعند عبد الرزاق إن أبي أنكحني وإن عم ولدي أحب إليّ (فردّ) عليه الصلاة والسلام (نكاحه).

وأما ما رواه النسائي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن جابر أن رجلًا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما فحمله البيهقي على أنه كان زوّجها من غير كفء أما إذا زوجها بكفء فإنه ينفذ ولو طلبت هي كفأ غيره لأنها مجبرة فليس لها اختيار الأزواج وهو أكمل نظرًا منها بخلاف غير المجبر فإنه لا يزوجها إلا ممن عينته لأن إذنها شرط في أصل تزويجها فاعتبر تعيينها.

5139 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ وَمُجَمِّعَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَاهُ، أَنَّ رَجُلًا يُدْعَى خِذَامًا أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ نَحْوَهُ.

وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا يزيد) بن هارون قال: (أخبرنا يحيى) بن سعيد الأنصاري (أن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (حدّثه أن عبد الرحمن بن يزيد و) أخاه (مجمع بن يزيد حدّثناه أن رجلًا يدعى خذامًا) بالخاء والذال المعجمتين في الفرع (أنكح ابنة له نحوه) أي نحو الحديث السابق. قال في الفتح: وقد ساق أحمد لفظه أن يزيد بن هارون بهذا الإسناد أن رجلًا منهم يدعى خزامًا أنكح ابنته فكرهت نكاح أبيها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فردّ نكاح أبيها فتزوجت أبا لبابة بن عبد المنذر فذكر يحيى بن سعيد أنه بلغه أنها كانت ثيبًا.

‌43 - باب تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ، لِقَوْلِهِ:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا}

إِذَا قَالَ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فَمَكِثَ سَاعَةً أَوْ قَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا أَوْ لَبِثَا ثُمَّ قَالَ: زَوَّجْتُكَهَا فَهْوَ جَائِزٌ. فِيهِ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

-

(باب تزويج اليتيمة) التي مات أبوها ولم تبلغ (لقوله) تعالى: ({وإن}) بالواو ولأبي ذر:

فإن ({خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى}) الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم واليتم الانفراد ({فانكحوا})[النساء: 3] الآية.

قال في الكشاف، فإن قلت: كيف جمع اليتيم وهو فعيل كمريض على يتامى؟ قلت: فيه وجهان أن يجمع على يتمى كأسرى لأن اليتم من وادي الآفات والأوجاع فعلى على فعالى كأسارى، ويجوز أن يجمع على فعائل لجري اليتيم مجرى بالأسماء نحو صاحب وفارس، فيقال يتائم ثم يتامى على القلب، وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال فإذا استغنوا بأنفسهم عن قائم عليهم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم ويقومون عليهم زال عنهم هذا الاسم، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: لا يتم بعد الحلم فما هو إلا تعليم شريعة لا لغة يعني إذا احتلم لم تجرِ عليه أحكام الصغار انتهى.

(وإذا قال) الخاطب: (للولي زوجني) موليتك (فلانة فمكث ساعة) بضم الكاف وفتحها ثم زوجه (أو قال) الولي للخاطب: (ما معك) تمهرها إياه (فقال: معي كذا وكذا) أو تخلل كلام نحو ذلك بين الإيجاب والقبول (أو لبثا) كلاهما بعد قوله للولي:

ص: 55

زوجني (ثم قال) الولي: (زوجتكها فهو جائز) في الصور بالثلاث ولا يضر ذلك لاتحاد المجلس.

(فيه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني في صفة الواهبة السابقة مرارًا، لكن في استخراج الحكم المذكور منها نظر لأنها واقعة عين يطرقها احتمال أن يكون قبل عقب الإيجاب، ومذهب الشافعية اشتراط القبول فورًا فلا يضر فصل يسير، فلو حمد الله الولي وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وأوصى بتقوى الله، ثم قال: زوجتك فلانة فقال الزوج: الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأوصى بتقوى الله ثم قبل النكاح صح، ولا يضر هذا الفصل لأن المتخلل مقدمة القبول فلا يقطع الموالاة بينهما والخطبة من الأجنبي كهي ممن ذكر فيحصل بها الاستحباب ويصح معها العقد فإن طال الذكر الفاصل بين الإيجاب والقبول أو تخلل بينهما كلام يسير أجنبي عن العقد لم يتعلق به ولم يستحب بطل العقد لإشعاره بالإعراض.

5140 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَ لَهَا: يَا أُمَّتَاهْ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} -إِلَى- {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ صَدَاقِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَاّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} -إِلَى- {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ، أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ مَالٍ وَجَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا وَالصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبًا عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ

النِّسَاءِ، قَالَتْ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلَاّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما سبق موصولًا في باب الأكفاء في المال (حدَّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين مصغرًا (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أنه سأل عائشة رضي الله عنها قال لها: يا أمتاه {وإن}) بالواو ولأبي ذر فإن ({خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} -إلى- {ما}) ولأبي ذر إلى قوله ما ({ملكت أيمانكم} قالت عائشة: يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر (هذه اليتيمة تكون في حجر وليها) زاد في التفسير تشركه في ماله (فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص من) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في (صداقها فنهوا) بضم النون والهاء (عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق) أسوة أمثالهن (وأمروا بنكاح من سواهن) من سوى اليتامى (من النساء قالت عائشة: استفتى) ولأبي ذر: فاستفتى (الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك) أي بعد نزول آية {وإن خفتم} (فأنزل الله) تعالى: ({ويستفتونك في النساء} -إلى- {وترغبون}) ولأبي ذر إلى قوله: {وترغبون} ({أن تنكحوهن})[النساء: 127] سقط أن تنكحوهن لغير أبي ذر (فأنزل الله لهم في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات مال وجمال رغبوا في نكاحها ونسبها والصداق) الذي هو غير صداق مثلها (وإذا كانت مرغوبًا عنها في قلة المال والجمال تركوها) فلم يتزوجوها (وأخذوا غيرها من النساء. قالت) عائشة: (فكما يتركونها) أي اليتيمة (حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق).

وهذا المتن لفظ رواية أبي شعيب وفيه دلالة على أن للولي غير الأب أن يزوج التي دون البلوغ بكرًا كانت أو ثيبًا لأن اليتيمة هي التي دون البلوغ ولا أب لها بكرًا كانت أو ثيبًا وقد أذن في نكاحها شرط أن لا يبخس من صداقها وقد اختلف في ذلك فقال أصحاب أبي حنيفة: يصح النكاح ولها الخيار إذا بلغت في فسخ النكاح وإجازته. وقال الشافعي: باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليتيمة تستأمر" واليتيمة كما مر اسم للصغيرة التي لا أب لها وهي قبل البلوغ لا عبرة بإذنها وكأنه صلى الله عليه وسلم شرط بلوغها فمعناه لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر، وعند الترمذي وقال: حسن صحيح لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن والله أعلم.

‌44 - باب إِذَا قَالَ: الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ بِكَذَا وَكَذَا، جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلزَّوْجِ أَرَضِيتَ أَوْ قَبِلْتَ

هذا (باب) بالتنوين (إذا قال الخاطب للولي: زوجني) موليتك (فلانة) وثبت قوله للولي لأبي ذر عن الكشميهني (فقال) للولي: (قد زوجتكـ) ـها (بكذا وكذا جاز النكاح وإن لم يقل للزوج

أرضيت أو قبلت) ويقبل هو ذلك وهذا مذهب الشافعية لوجود الاستدعاء الجازم، ولقوله في حديث الباب زوجنيها فقال: زوجتكها بما معك من القرآن ولم ينقل أته قال بعد ذلك قبلت نكاحها.

5141 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا فَقَالَ:«مَا لِي الْيَوْمَ فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ» . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَوِّجْنِيهَا. قَالَ:«مَا عِنْدَكَ» ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قَالَ: «فَمَا عِنْدَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا قَالَ: «فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل) الساعدي ولأبي ذر زيادة ابن سعد

ص: 56

(رضي الله عنه أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها) لينكحها (فقال):

(ما لي اليوم في النساء) ولأبي ذر عن الكشميهني بالنساء (من حاجة. فقال رجل: يا رسول الله زوّجنيها قال: ما عندك)؟ تصدقها (قال: ما عندي شيء. قال) عليه الصلاة والسلام: (أعطها) صداقًا (ولو) كان (خاتمًا من حديد. قال: ما عندي شيء) وهذه الجملة من قوله أعطها إلى هنا ثابتة في رواية أبي ذر (قال) صلى الله عليه وسلم: (فما عندك من القرآن؟ قال: كذا وكذا قال) عليه الصلاة والسلام (فقد) ولأبي ذر فقال: قد (ملكتكها) وللأكثرين زوجتكها (بما) أي بتعليمك إياها ما (معك من القرآن) ولم يرد أنه قال: قبلت بعد ذلك اكتفاء بقوله أولًا زوجنيها كما مرّ ومثله في الانعقاد بصيغة الأمر لو قال: تزوج ابنتي فيقول الخاطب: تزوجتها، فلو قال: زوجتني ابنتك أو تزوجنيها أو أتتزوج ابنتي أو تزوجها لا ينعقد لأنه استفهام.

‌45 - باب لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَدَعَ

هذا (باب) بالتنوين (لا يخطب) الرجل (على خطبة أخيه) بكسر الخاء المعجمة (حتى ينكح أو يدع).

5142 -

حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ.

وبه قال: (حدّثنا مكي بن إبراهيم) الحنظلي البلخي قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ولأبي ذر عن الكشميهني عن ابن جريج (قال: سمعت نافعًا يحدّث أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم) نهي تحريم (أن يبيع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب

الرجل) بالرفع على النفي (على خطبة أخيه) المسلم وكذا الذمي إذا صرح له بالإجابة (حتى يترك الخاطب قبله) التزويج (أو يأذن له الخاطب) الأول سواء كان الأول مسلمًا أو كافرًا محترمًا وذكر الأخ جرى على الغالب ولأنه أسرع امتثالًا، والمعنى في ذلك ما فيه من الإيذاء والتقاطع وفي معنى الإذن ما لو ترك أو طال الزمان بعد إجابته بحيث يعدّ معرضًا أو غاب زمنًا يحصل به الضرر أو رجعوا عن إجابته والمعتبر في التحريم إجابتها إن كانت غير مجبرة أو إجابة الولي المجبر إن كانت مجبرة، أو إجابتهما معًا إن كان الخاطب غير كفء، أو إجابة السيد أو السلطان في الأمة غير المكاتبة كتابة صحيحة بالنسبة للسيد.

5143 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَأْثُرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» . [الحديث 5143 - أطرافه في 6064، 6066، 6724].

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز أنه (قال: قال أبو هريرة) رضي الله عنه (يأثر) بضم المثلثة أي يروي (عن النبى صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

5144 -

«وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» .

(إياكم والظن) أي احذروا الظن السوء (فإن الظن) السيئ (أكذب الحديث ولا تجسسوا) بالجيم لا تبحثوا عن العورات (ولا تحسسوا) بالحاء المهملة لا تسمعوا لحديث القوم (ولا تباغضوا) بل تحابوا (وكونوا إخوانًا) كالإخوان في جلب المنفعة ودفع المضرة (ولا يخطب الرجل) امرأة (على خطبة أخيه) إذا أجيب (حتى ينكح) المخطوبة (أو يترك) تزويجها.

قال شارح المشكاة -رحمه الله تعالى-: حتى غاية النهي فتوهم أن بعد النكاح لا تكون الخطبة منهيًا عنها وبعد النكاح لا تتصوّر الخطبة، فكيف معنى حتى؟ وأجاب: بأنه من باب التعليق بالمحال يعني إذا استقام أن يخطب بعد النكاح جاز وقد علم أنه لا يستقيم فلا يجوز، ويجوز أن تكون حتى بمعنى كي وأو بمعنى إلى وضمير ينكح راجع إلى الرجل وفي يترك إلى أخيه، والمعنى لا يخطب الرجل على خطبة أخيه لكي ينكحها إلى أن يتركها أخوه انتهى.

وإذا عقد الثاني صح مع الحرمة. وقال الشيخ خليل من المالكية تحرم خطبة راكنة لغير فاسق ولو لم يقدر صداق، وقال شارحه: وتفسير ذلك فيما يرى أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقا على صداق وقد تراضيا فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه ولم يعن بذلك إذا خطب ولم يوافقها أمره ولم تركن إليه وقوله لغير فاسق احتراز مما إذا ركنت لفاسق فإن خطبتها لا تحرم وإن خطب ولم يدخل فسخ وهو المشهور عن مالك فإن دخل مضى النكاح وبئس ما صنع،

وقال ابن زرقون: وعنه إنه يفسخ على كل حال وعنه أنه لا يفسخ أصلًا وإن كان عاصيًا. وقال ابن القاسم: ويؤدب من

ص: 57

خطب على خطبة أخيه. حكاه في النوادر والعتبية.

‌46 - باب تَفْسِيرِ تَرْكِ الْخِطْبَةِ

(باب تفسير ترك الخطبة) بكسر الخاء.

5145 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يُحَدِّثُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ قَالَ عُمَرُ: لَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَاّ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا. تَابَعَهُ يُونُسُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أنه سمع) أباه (عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يحدّث أن) أباه (عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة) بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي (قال عمر: لقيت أبا بكر) الصديق (فقلت) له (إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني أبو بكر فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت) عليَّ (إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لقبلتها).

قال ابن بطال: تقدم في الباب السابق تفسير ترك الخطبة صريحًا في قوله: حتى ينكح أو يترك. وحديث هذا الباب في قصة حفصة لا يظهر منه تفسير ترك الخطبة لأن عمر لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حفصة فضلًا عن التراكن، فكيف توقف أبو بكر عن الخطبة أو قبولها من الولي ولكنه قصد معنًى دقيقًا يدل على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط وذلك أن أبا بكر علم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب إلى عمر أنه لا يرده بل يرغب فيه ويشكر الله على ما أنعم عليه به من ذلك. فقام علم أبي بهذا الحال مقام الركون والتراضي فكأنه يقول: كل من علم أنه لا يصرف إذا خطب لا ينبغي لأحد أن يخطب على خطبته.

(تابعه) أي تابع شعيب بن أبي حمزة (يونس) بن يزيد فيما وصله الدارقطني في العلل (وموسى بن عقبة) فيما وصله الذهلي في الزهريات (وابن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق الصديقي القرشي فيما وصله الذهلي أيضًا (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب.

وسبق حديث الباب بأتمّ من هذا في باب عرض الإنسان ابنته.

‌47 - باب الْخُطْبَةِ

(باب) استحباب (الخطبة) بضم الخاء قبل العقد.

5146 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا» . [الحديث 5146 - أطرافه في: 5767].

وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري أو ابن عيينة (عن زيد بن أسلم) أنه (قال: سمعت ابن عمر يقول: جاء رجلان من المشرق) مشرق المدينة وهما الزبرقان بن بدر التميمي وعمرو بن الأهيم سنة تسع من الهجرة وأسلما (فخطبا) خطبتين بليغتين يأتيان في الطب إن شاء الله تعالى بعون الله تعالى (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(إن من البيان سحرًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لسحرًا بزيادة اللام للتأكيد والبيان نوعان ما تحصل به الإنابة عن المراد والآخر تحسين اللفظ بحيث يستميل قلب السامع وهو الذي يشبه بالسحر إذا جلب القلوب وغلب على النفوس وهو عبارة عن تصنع في الكلام وتكلف تحسينه وصرف الشيء عن حقيقته كالسحر الذي هو تخييل لا حقيقة والمذموم منه ما يقصد به الباطل.

قال في فتح الباري: وجه مناسبة الحديث للترجمة كأنه أشار إلى أن الخطبة وإن كانت مشروعة في النكاح فينبغي أن لا يكون فيها ما يقتضي صرف الحق إلى الباطل بتحسين الكلام، وقال المهلب: الخطبة في النكاح إنما شرعت للخاطب ليسهل أمره فشبه حسن التواصل إلى الحاجة بحسن الكلام فيها باستنزال المرغوب إليه بالبيان بالسحر وإنما كان كذلك لأن النفوس طبعت على الأنفة من ذكر الموليات في أمر النكاح فكان حسن التوصل لدفع تلك الأنفة وجهًا من وجوه السحر الذي يصرف الشيء إلى غيره انتهى.

المستحب في النكاح أربع خطب: خطبة من الخاطب قبل الخطبة بكسر الخاء وخطبة من المجيب قبل الإجابة، وخطبتان قبل النكاح إحداهما من الولي قبل الإيجاب والأخرى من الخاطب قبل القبول لحديث "كل أمر ذي بال" وأخرج أصحاب السنن وصححه أبو عوانة وابن حبان مرفوعًا عن ابن مسعود: إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح أو غيره فليقل إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن

ص: 58

يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم} إلى قوله:{رقيبًا} [النساء: 1]، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدًا} إلى قوله:{عظيمًا} [الأحزاب: 70].

وحديث الباب أخرجه أيضًا في الطب وأبو داود في الأدب والترمذي في البر.

‌48 - باب ضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ وَالْوَلِيمَةِ

(باب) إباحة (ضرب الدف في النكاح) بضم الدال في الفرع كأصله على الأفصح وقد تفتح (و) ضرب الدف في (الوليمة) من عطف العام على الخاص ويأتي إن شاء الله تعالى باب الوليمة حق.

5147 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ: قَالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ:«دَعِي هَذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ» .

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن لاحق البصري، وفي نسخة باليونينية: عن بشر بن المفضل قال: (حدّثنا خالد بن ذكوان) أبو الحسن المدني (قال: قالت الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة (بنت معوذ ابن عفراء) بكسر الواو المشددة بعدها دال معجمة والعفراء بفتح العين المهملة وسكون الفاء ممدودًا (جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل) وللحموي والكشميهني يدخل بصيغة المضارع (حين بني علي) وفي رواية حماد بن سلمة عند ابن ماجة صبيحة عرسي وكانت تزوّجت إياس بن البكير الليثي (فجلس على فراشي كمجلسك مني) بكسر اللام أي مكانك وقد كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز النظر للأجنبية والخلوة بها (فجعلت جويريات لنا) أي يقف الحافظ ابن حجر على تسميتهن (يضربن بالدف ويندبن) أي يذكرن أوصاف (من قتل من آبائي يوم بدر) بالثناء عليهم وتعديد محاسنهم بالكرم والشجاعة ونحوهما، وكان الذي قتل يوم بدر معوذ ابن عفراء وعوف ومعاذ أحدهم أبوها والآخران عمّاها فأطلقت الأبوّة عليهما تغليبًا (إذ) ثبت لفظ إذ للكشميهني وفي المغازي حتى (قالت إحداهن): إحدى الجواري (وفينا نبيّ يعلم ما) يكون (في غد) بالسكون في اليونينية وفرعها وبالخفض منونًا في غيرهما (فقال) لها النبي صلى الله عليه وسلم:

(دعي هذه) المقالة فإن مفاتيح الغيب عند الله لا يعلمها إلا هو، وأيضًا يحتمل أن يكون المنع أن يوصف صلى الله عليه وسلم في أثناء اللعب واللهو إذ منصبه أجلّ وأشرف من أن يذكر إلا في مجالس الجد (وقولي بالذي كنت تقولين) من المدح والثناء ففيه جواز ذلك ما لم يفض إلى الغلوّ.

وفي هذا الحديث جواز ضرب الدف في النكاح، وقد قال الشافعية بجواز اليراع والدف وإن كان فيه جلاجل في الأملاك والختان وغيرهما، وقيل: يحرم اليراع وهو المزمار العراقي ويحرم الغناء مع الآلات مما هو من شعار شاربي الخمر كالطنبور وسائر المعازف أي الملاهي من الأوتار والمزامير فيحرم استعماله واستماعه قصدًا فلو لم يقصد لم يحرم ولا يحرم الطبل إلا الكوبة وهو طبل

متسع الطرفين ضيق الوسط يعتاد ضربه المخنثون ولا يحرم ضرب الكف بالكف كما صرح به في الإرشاد وغيره ولا الرقص إلا أن يكون فيه تكسر وتثنٍّ.

وهذا الحديث قد سبق في غزوة بدر.

‌49 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وَكَثْرَةِ الْمَهْرِ، وَأَدْنَى مَا يَجُوزُ مِنَ الصَّدَاقِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ} وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»

(باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل ({وآتوا النساء صدقاتهن}) مهورهن ({نحلة})[النساء: 4] من نحله كذا إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلًا وانتصابها على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء فكأنه قال: وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة أي أعطوهن مهورهن عن طيبة أنفسكم، قيل: النحلة لغة الهبة من غير عوض والصداق تستحقه المرأة اتفاقًا لا على وجه التبرع من الزوج، وأجيب: بأن عبيدة قال: عن طيب نفس بالفريضة، وتابعه ابن قتيبة وقال الكيا: الخطاب في فانكحوا للأزواج وإذا كان خطابًا لهم فإنما سماه عطية ترغيبًا في إيفاء صداقها، وقال بعضهم: نحلة اسم الصداق نفسه، وقال آخر: لأن استمتاعه يقابل استمتاعها به فكان الصداق من هذه الجهة لا مقابل له ولذا لم يكن ركنًا في العقد (وكثرة المهر) بالجر عطفًا على سابقه (وأدنى) أقل (ما يجوز من الصداق، وقوله تعالى): ولأبي ذر عز وجل ({وآتيتم

ص: 59

إحداهن قنطارًا}) قال في الكشاف: هو المال العظيم من قنطرت الشيء إذا رفعته ({فلا تأخذوا منه شيئًا})[النساء: 20] وقد روي أن عمر قال خطيبًا فقال: أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية فقامت إليه امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين لِمَ تمنعنا حقًّا جعله الله لنا والله يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} فقال عمر: كل أحد أعلم من عمر ثم قال لأصحابه: تسمعونني أقول مثل هذا فلا تنكرونه عليّ حتى ترده عليّ امرأة ليست من أعلم النساء. ذكره الزمخشري ورواه عبد الرزاق من طريق عبد الرحمن السلمي بلفظ قال عمر: لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر إن الله تعالى يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} من ذهب قال: وكذلك هو في قراءة ابن مسعود فقال عمر: امرأة خاصمت عمر فخصمته (وقوله جل ذكره: {أو تفرضوا لهن})[البقرة: 236] وزاد أبو ذر: فريضة.

(وقال سهل: قال النبي صلى الله عليه وسلم): في قصة الواهبة لمريد تزويجها التمس (ولو خاتمًا من حديد) والآية الأولى دالة لأكثر الصداق والحديث لأدناه وهل يتقدر أدناه أم لا. فمذهب الشافعية والحنابلة أدنى متموّل لقوله صلى الله عليه وسلم: "التمس ولو خاتمًا من حديد" والضابط كل ما جاز أن يكون ثمنًا

وعند الحنفية عشرة دراهم، والمالكية ربع دينار فيستحب عند الشافعية والحنابلة أن لا ينقص عن عشرة دراهم خروجًا من خلاف أبي حنيفة وأن لا يزيد على خمسمائة درهم كأصدقة بنات النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته، وأما إصداق أم حبيبة أربعمائة دينار فكان من النجاشي إكرامًا له صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يذكر المهر في العقد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخل نكاحًا عنه ولأنه أدفع للخصومة وعلم من استحباب ذكره في العقد جواز إخلاء النكاح عن ذكره للصداق أسماء ثمانية مشهورة جمعت في قوله:

صداق ومهر نحلة وفريضة

حباء وأجر ثم عقر علائق

وقيل: الصداق ما وجب بتسمية في العقد والمهر ما وجب بغير ذلك، وسمي صداقًا لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح، وفي حديث أبي داود أدّوا العلائق. قيل: وما العلائق؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون. وقال ابن الأثير: واحد العلائق علاقة بكسر العين المهر لأنهم يتعلقون به على الزوج، والعقر بضم العين وسكون القاف لغة أصل الشيء ومكانه فكأن المهر أصل في تملك عصمة الزوجة والحباء بكسر الحاء المهملة بعدها موحدة العطية، وفي الشرع الصداق هو ما وجب النكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرًا كرضاع ورجوع شهود.

5148 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ فَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَشَاشَةَ الْعُرْسِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ.

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد وفتح الهاء (عن أنس) رضي الله عنه (أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة) هي بنت الحيسر أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل كما جزم به الزبير بن بكار أو غيرها مما سيأتي إن شاء الله تعالى (على وزن نواة فرأى النبي صلى الله عليه وسلم بشاشة) بفتح الموحدة والمعجمتين بينهما ألف أي فرح (العرس) وللأربعة العروس بالجمع ولأبي ذر عن الكشميهني شيئًا شبيه العرس قال ابن قرقول: وهو تصحيف (فسأله) صلى الله عليه وسلم (فقال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة. وعن قتادة) بن دعامة عطف على قوله عن عبد العزيز وهو من رواية شعبة عنهما (عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة على وزن نواة من ذهب) فزاد من ذهب، واختلف في المراد بالنواة فقيل: واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب وأن القيمة عنها يومئذ خمسة دراهم، وقيل: ربع دينار وضعف بأن نوى التمر يختلف في الوزن، فكيف يجعل معيارًا أو أن لفظ النواة من الذهب خمسة دراهم من الورق، وجزم به الخطابي ويشهد له رواية البيهقي عن قتادة وزن نواة من ذهب قوّمت خمسة دراهم

ص: 60

أو وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه ابن قتيبة، وجزم به ابن فارس واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاث مثاقيل ونصفًا. وعن بعض المالكية النواة عند

أهل المدينة ربع دينار ويشهد له قول أنس عند الطبراني في الأوسط: حزرناها ربع دينار، وعن الشافعي النواة ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهمًا فتكون خمسة دراهم.

‌50 - باب التَّزْوِيجِ عَلَى الْقُرْآنِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ

(باب التزويج على) تعليم (القرآن وبغير) ذكر (صداق).

5149 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، يَقُولُ: إِنِّي لَفِي الْقَوْمِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَامَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ. فَلَمْ يُجِبْهَا شَيْئًا. ثُمَّ قَامَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحْنِيهَا. قَالَ:«هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ» ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: «اذْهَبْ فَاطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . فَذَهَبَ فَطَلَبَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. فَقَالَ: «هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ» ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، قَالَ «اذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .

وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (سمعت أبا حازم) سلمة بن دينار (يقول: سمعت سهل بن سعد الساعدي) رضي الله عنه (يقول: إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قامت امرأة) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمها قال وقول ابن القطاع في الأحكام إنها خولة بنت حكيم أو أم شريك نقل من اسم الواهبة الواردة في قوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} [الأحزاب: 50] وفي رواية فضيل بن سليمان كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوسًا فجاءته امرأة فليس المراد من قوله إذ قامت امرأة أنها كانت جالسة في المجلس فقامت، وعند الإسماعيلي أنه كان في المسجد (فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك) أي أمر نفسها أو نحو ذلك، وإلاّ فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحر لا تملك فكأنها قالت: أتزوجك بغير صداق، وكان الأصل أن يقال: إني وهبت نفسي لك لكنه على طريق الالتفات، وفيه أن الهبة في النكاح من الخصائص لقوله ذلك وسكوته عليه الصلاة والسلام عليه فدلّ على جوازه له خاصة لقول الرجل بعد: زوّجنيها ولم يقل هبها لي مع قوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50](فر فيها رأيك) براء مفتوحة بغير همز أمر على وزن "ف" لأن عين الفعل ولامه حذفا لأن أصله رأى على وزن أفعل حذفت لام الفعل للجزم لأن الأمر مجزوم ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء للتخفيف فاستغني عن همزة الوصل فحذفت فبقي على وزن ف ولبعضهم بالهمزة الساكنة بعد الراء وكل سائغ (فلم يجبها) صلى الله عليه وسلم (شيئًا ثم قامت) أي الثانية (فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فلم يجبها) عليه الصلاة والسلام (شيئًا، ثم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك) سقط للحموي من قوله فلم يجبها الثانية إلى هنا وسكوته عليه الصلاة والسلام إما حياءً أو انتظارًا للوحي (فقام رجل) من

الأنصار لم يقف الحافظ ابن حجر على تسميته، وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ينكح هذه؟ فقام رجل (فقال: يا رسول الله أنكحنيها). وعند النسائي من حديث أبي هريرة جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه، فقال لها:"أجلسي" فجلست ساعة ثم قامت فقال: "أجلسي بارك الله فيك أما نحن فلا حاجة لنا فيك ولكن تملكيني أمرك" قالت: نعم فنظر في وجوه القوم فدعا رجلًا فقال: "إني أريد أن أزوّجك هذا إن رضيت" قالت: ما رضيت لي فقد رضيت (قال):

(هل عندك من شيء)؟ تصدقها فيها إن النكاح لا بدّ فيه من الصداق وقد اتفق على أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجًا وُهب له دون الرقبة بغير صداق وفيه أيضًا أن الأولى ذكر الصداق في العقد لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة لأنه يثبت لها نصف المسمى إن طلقت قبل الدخول (قال: لا) زاد في رواية هشام بن سعد قال: فلا بدّ لها من شيء (قال) عليه الصلاة والسلام: (اذهب فاطلب ولو خاتمًا من حديد) قال عياض: لو تقليلية ووهم من زعم خلاف ذلك قال: والإجماع على أن مثل الشيء الذي لا يتمول ولا له قيمة لا يكون صداقًا ولا يحل به النكاح. قال في الفتح: فإن ثبت هذا فقد خرق هذا الإجماع ابن حزم حيث قال: يجوز بكل ما يسمى شيئًا ولو كان حبة شعير ويؤيد ما ذهب إليه الكافة قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو خاتمًا من حديد" لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة لما فوقه وفيه أنه لا حدّ لأقل المهر وردّ على من قال: إن أقله عشرة دراهم، ومن قال ربع دينار لأن خاتم الحديد لا يساوي ذلك، قاله ابن

ص: 61

المنير.

(فذهب فطلب ثم جاء فقال: ما وجدت شيئًا ولا خاتمًا من حديد) زاد في رواية أبي غسان هنا فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه أو دعي له (فقال) عليه الصلاة والسلام له ولأبي ذر قال: (هل معك من القرآن شيء)؟ تحفظه عن ظهر قلب (قال: معي سورة كذا وسورة كذا) وفي حديث أبي هريرة أنه قال سورة البقرة أو التي تليها كذا أو في رواية أبي داود والنسائي وفي حديث ابن مسعود سورة البقرة وسورة المفصل (قال: اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن).

وفي حديث ابن عباس عند أبي عمر بن حيويه في فوائده قال: هل تقرأ من القرآن شيئًا؟ قال: نعم "إنّا أعطيناك الكوثر". قال: أصدقها إياها، والظاهر أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر أو القصة متعددة، وفي حديث ابن مسعود قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوّضتها فتزوجها الرجل على ذلك.

وفيه أن كل عمل يستأجر عليه كتعليم قرآن وخياطة وخدمة يجوز جعله صداقًا فإن أصدقها تعليم سور من القرآن أو جزء منه بنفسه اشترط تعيينه واشترط علم الزوج والولي بالمشروط تعليمه بأن يعلما عينه وسهولته أو صعوبته وإلا وكّلا أو أحدهما من يعلمه ولا يشترط تعيين الحرف الذي يعلمه لها كقراءة نافع أو أبي عمرو مثلًا فيعلمها ما شاء فإن عينه كل منهما كحرف نافع تعين

عملًا بالشرط فلو خالف وعلمها حرف أبي عمرو فمتطوع به ويلزمه تعليم الحرف المعين عملًا بالشرط فلو لم يحسن الزوج التعليم لما شرط تعليمه لم يجز إصداقه إلا في الذمة لعجزه في الأول دون الثاني فيأمر فيه غيره بتعليمها أو يتعلم ثم يعلمها وإذ تعذر التعليم لبلادة نادرة أو ماتت أو مات والشرط أن يعلم بنفسه وجب مهر المثل فإن طلقها بعد أن علمها وقبل الدخول رجع عليها بنصف الأجرة.

وقال الحنفية: الباء في قوله بما معك من القرآن للسببية والمعنى كما وهبت نفسها منه صلى الله عليه وسلم وهبت صداقها لذلك الرجل.

وقال ابن المنير: لما تحقق صلى الله عليه وسلم عجز الرجل سأله هل معك من القرآن من شيء لأن القرآن هو الغنى الأكبر فلما ثبت له حظ منه ثبت له حظ من النبي صلى الله عليه وسلم فزوجه وليس في الحديث إسقاط الصداق فلعله زوجه إياها بصداق وجدت مظنته وإن لم توجد حقيقته وإذا وجدت مظنته أو شك أن يحصل بفضل الله وإنما استفسره عن جهده نصحًا للمرأة فلما أخبره أنه يحفظ شيئًا من القرآن علم أن الله لا يضيعهما قال: ولو فرضنا امرأة فوّضت أمرها في التزويج لرجل فخطبها منه من لا مال له ولكنه حامل للقرآن فزوجها منه ثقة بوعد الله لحامل كتابه بالغنى واقتداء بهذا الحديث لكان جديرًا بالصواب، ويجعل الصداق في ذمته ويكون تفويضًا ولا معنى للتفويض إلا ما وقع في الحديث انتهى.

‌51 - باب الْمَهْرِ بِالْعُرُوضِ وَخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ

(باب المهر بالعروض) بضم العين والراء جمع عرض بفتح ثم سكون وهو ما يقابل النقد (وخاتم من حديد) من عطف الخاص على العام.

5150 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لِرَجُلٍ: «تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ» .

وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى البلخي المعروف بخت كما صرح به ابن السكن قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن سفيان) الثوري (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل) من الأنصار قال له: يا رسول الله زوّجني تلك المرأة الواهبة نفسها (تزوج ولو بخاتم من حديد).

وهذا الحديث ساقه مختصرًا من رواية الثوري وأخرجه ابن ماجة من روايته أيضًا أتم منه، وللإسماعيلي أتم من ابن ماجة والطبراني مقرونًا برواية معمر وفيه فصمت بدل قوله في رواية الباب السابق فلم يجبها شيئًا، وفيه عند الطبراني فصمت ثم عرضت نفسها عليه فصمت فلقد رأيتها قائمة مليًّا تعرض نفسها عليه وهو صامت فقام رجل أحسبه من الأنصار وعند الإسماعيلي أعندك شيء؟ قال: لا. قال: إنه لا يصلح وفيه غير ذلك مما يطول ذكره.

‌52 - باب الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ

وَقَالَ عُمَرُ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ، قَالَ:«حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي» .

(باب الشروط) التي تحل (في النكاح. وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه:

ص: 62

(مقاطع الحقوق عند الشروط) وصله سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن غنم بلفظ قال: كنت مع عمر حيث تمس ركبتي ركبته فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين تزوجت امرأة وشرطت لها دارها وإني أجمع لأمري أو لشأني أن أنتقل إلى أرض كذا وكذا فقال لها شرطها فقال الرجل: هلك الرجال إذًا إذًا لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها إلا طلقت، فقال عمر: المسلمون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم.

(وقال المسور) ولأبي ذر المسور بن مخرمة مما وصله في المناقب: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صهرًا له) هو أبو العاص بن الربع (فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن) الثناء (قال: حدّثني فصدقني) بتخفيف الدال ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وصدقني بالواو بدل الفاء (ووعدني فوفى لي) ولأبي ذر عن الكشميهني فوفاني بالنون بدل اللام.

5151 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ، أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام ولأبي ذر الليث (عن يزيد بن أبي حبيب) المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن عقبة) بن عامر الجهني (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(أحق ما أوفيتم من الشروط) التي أمر الله بها من المهر المشروط في مقابلة البضع (أن توفوا به) وخبر المبتدأ الذي هو أحق قوله (ما استحللتم به الفروج). وقوله: أن توفوا بدل من الشروط وقيل المراد جميع ما تستحقه المرأة بمقتضى الزوجية من المهر والنفقة وحسن العشرة فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت فيه، ثم إن الشرط إن لم يتعلق به غرض كشرط أن لا تأكل إلا كذا أو تعلق به غرض لكنه يوافق مقتضى النكاح كشرط أن ينفق عليها أو يقسم لها لم يؤثر في النكاح ولا في الصداق وإن لم يوافق مقتضى النكاح فإن لم يخل بمقصود العقد كشرط أن لا ينفق أو لا يتزوج عليها أو لا يسافر بها أو لا يقسم لها أو أن يسكنها مع ضرّتها صح النكاح لعدم الإخلال بمقصوده ولأنه لا يتأثر بفساد العوض فبفساد الشرط أولى، لكن لها مهر المثل لا المسمى لفساد الشرط لأنه إن كان لها فلم ترض بالمسمى وحده وإن كان عليها فلم يرض الزوج ببذل المسمى إلا عند سلامة ما شرطه فإذا فسد الشرط وليس له قيمة يرجع إليها وجب الرجوع إلى مهر المثل

وإن أخل به كشرط أن يطلقها ولو بعد الوطء أو أن له الخيار في النكاح.

قال الحناطي ولو شرط أنها لا ترثه أو أنه لا يرثها أو أنهما لا يتوارثان أو على أن النفقة على غير الزوج بطل للإخلال المذكور وفي قول يصح ويبطل الشرط. قال البلقيني وغيره: وهذا هو الأصح ووجهه أن الشرط المذكور لا يخل بمقصود العقد ولو شرط الزوج أن لا يطأها فلا يبطل وقال أحمد يجب الوفاء بالشرط مطلقًا وأما الشرط الذي يشترطه الولي لنفسه فقال الشافعي: إن وقع في نفس العقد وجب للمرأة مهر مثلها وإن وقع خارجًا عنه لم يجب، وقال مالك: إن وقع في حال العقد فهو من جملة المهر أو خارجًا عنه فهو لمن وهب له وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها فما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه" الحديث.

‌53 - باب الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَشْتَرِطِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا

(باب الشروط التي لا تحل في النكاح. وقال ابن مسعود) عبد الله: (لا تشترط المرأة طلاق أختها). قال في الفتح: هذا اللفظ وقع في بعض طرق الحديث المرفوع عن أبي هريرة.

5152 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» .

وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام العبسي الكوفي قال: (عن زكريا هو ابن زائدة) خالد أو هبيرة (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها) في النسب أو في الرضاع أو في الدين أو في البشرية لتدخل الكافرة أو المراد الضرة ولفظ لا يحل ظاهر في التحريم لكن حمل على ما إذا لم يكن هناك سبب مجوّز كريبة في المرأة لا يسوغ معها الاستمرار في العصمة وقصدت النصيحة المحضة

ص: 63

إلى غير ذلك من المقاصد الصحيحة وحمله على الندب مع التصريح بالتحريم بعيد، وفي مستخرج أبي نعيم لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها وبلفظ الأشراط تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة وظاهر هذه الرواية التي فيها لفظ الشرط أن المراد الأجنبية فتكون الأخوة في الدين ويؤيده ما في حديث أبي هريرة عند ابن حبان: لا تسأل المرأة طلاق أختها فإن المسلمة أخت المسلمة (لتستفرغ صحفتها) أي تجعلها فارغة لتفوز بحظها من النفقة والمعروف والمعاشرة، وهذه استعارة مستملحة تمثيلية شبه النصيب والبخت بالصحفة وحظوظها وتمتعها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة

اللذيذة وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة، ثم أدخل المشبه في جنس المشبه به واستعمل في المشبه ما كان مستعملًا في المشبه به من الألفاظ. قاله في شرح المشكاة فيما قرأته فيه. وفي حديث أبي هريرة عند البيهقي: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ إناء أختها ولتنكح أي ولتتزوج الزوج المذكور من غير أن تشترط طلاق التي قبلها (فإنما لها) أي للمرأة التي تسأل طلاق أختها (ما قدّر لها) في الأزل وقد اختلف في حكم ذلك فقال: الحنابلة إن شرط لها طلاق ضرتها صح وقيل لا وهو الأظهر واختاره جماعة وكذا حكم بيع أمته وعلى القول بالصحة فإن لم يفِ فلها الفسخ. وقال الشافعي: يصح ولها مهر المثل وفى لها أو لم يفِ.

والحديث يأتي في القدر إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته والله أعلم.

‌54 - باب الصُّفْرَةِ لِلْمُتَزَوِّجِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

-

(باب) حكم (الصفرة للمتزوج. ورواه) ولأبي ذر رواه (عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم) فيما وصله أول البيوع.

5153 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ:«كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا» ؟ قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة) من خلوق وهو طيب من زعفران وغيره تعلق به من زوجته فهو غير مقصود، وإلا فالتزعفر منهي عنه عند الشافعية والحنفية. وقال المالكية: يجوز في الثوب دون البدن ونقله إمامهم رحمه الله عن علماء المدينة وفيه حديث أبي موسى مرفوعًا لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق (فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن ذلك (فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار) هي بنت الحيسر المهملتين بينهما تحتية ساكنة وآخره راء واسمه أنس بن رافع الأنصاري كما جزم به الزبير بن بكار (قال) عليه الصلاة والسلام له:

(كم سقت إليها) مهرًا (قال) عبد الرحمن سقت إليها: (زنة نواة من ذهب) صفة النواة. قال ابن دقيق العيد: في معنى ذلك قولان: أحدهما: أن المراد نواة من نوى التمر وهو قول مرجوح، والثاني أنه عبارة عن قدر معلوم عندهم وهو وزن خمسة دراهم قال: ثم في المعنى وجهان: أحدهما: أن يكون المصدق ذهبًا وزنه خمسة دراهم، والثاني: أن يكون المصدق دراهم بوزن نواة من ذهب. قال: وعلى الأول يتعلق قوله من ذهب بلفظ زنة، وعلى الثاني يتعلق بنواة، قال ابن فرحون: أما تعلقه بزنة فلأنه مصدر وزن وأما تعلقه بنواة فيصح أن يكون من باب تعلق الصفة

بالموصوف أي نواة كائنة من ذهب ويكون المراد إما عدلها دراهم أو تكون هي الموزون بها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) له: (أولم) أمر للاستحباب من أولم واللفظة مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان (ولو بشاة) ليست لو هذه الامتناعية وإنما هي للتقليل أي أن أقلها للموسر شاة ولغيره ما قدر عليه فقد أولم صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدّين من شعير وعلى صفية بتمر وسمن وأقط.

وهذا الحديث أخرجه النسائي في النكاح.

‌55 - باب

هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة وسقط لفظ باب للنسفي.

5154 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِزَيْنَبَ فَأَوْسَعَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، فَخَرَجَ كَمَا يَصْنَعُ إِذَا تَزَوَّجَ، فَأَتَى حُجَرَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُو وَيَدْعُونَ لَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ فَرَجَعَ، لَا أَدْرِى أخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ بِخُرُوجِهِمَا.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي أبو الحسن البصري الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن حميد) الطويل (عن أنس) أنه (قال: أولم النبي صلى الله عليه وسلم بزينب) بنت

ص: 64

جحش (فأوسع) على (المسلمين خيرًا) بتحتية ساكنة بعد المعجمة المفتوحة وفي سورة الأحزاب خبزًا ولحمًا (فخرج) عليه الصلاة والسلام والقوم جالسون يتحدثون بعد أن أكلوا (كما) كان (يصنع إذا تزوج فأتى حجر أمهات المؤمنين يدعو) لهن (ويدعون له) وسقط له لغير أبي ذر (ثم انصرف) من الحجر (فرأى رجلين) ممن حضر الوليمة قد تأخرا (فرجع) عن بيته، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم خرجا مسرعين قال أنس:(لا أدري أخبرته أو أخبر بخروجهما) الحديث ساقه هنا مختصرًا، وسبق بأطول منه بالأحزاب، ولم تظهر المناسبة بين الترجمة والحديث. وأجاب الحافظ ابن حجر بأنه لم يقع في قصة تزويج زينب ذكر للصفرة فكأنه يقول: الصفرة للمتزوج من الجنائز لا من الشروط لكل متزوج وأجاب العيني بأن المطابقة من حيث الأمر بالوليمة في السابق، وفي هذا ذكرها في قوله: أولم كذا قالا فليتأمل والله أعلم.

‌56 - باب كَيْفَ يُدْعَى لِلْمُتَزَوِّجِ

هذا (باب) بالتنوين (كيف يدعى للمتزوج).

5155 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، قَالَ:«مَا هَذَا» ؟ قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ. أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» .

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد هو ابن زيد عن ثابت) هو

البناني (عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة قال):

(ما هذا) استفهام إنكار لما سبق من النهي عن التزعفر (قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب) فعلق بي هذه الصفرة منها ولم أقصد ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (بارك الله لك أولم ولو بشاة) فيستحب الدعاء للزوجين بالبركة بعد العقد، فيقال: بارك الله لك كما في هذا الحديث وبارك عليك الله وجمع بينكما في خير كما في الترمذي، وقال: حسن صحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ من تزوج قال بارك الله لك وعليك وجمع بينكما في خير، ويكره أن يقال بالرفاء والبنين للنهي عن ذلك كما رواه بقيّ بن مخلد من طريق غالب عن الحسن عن رجل من بني تميم قال: كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين فلما جاء الإسلام علمنا نبينا قال: (قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم) والرفاء بكسر الراء وبعدها فاء ممدودًا الالتئام من رفأت الثوب ورفوته رفوًا ورفاءً وهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف واختلف في علة النهي عنه فقيل لأنه من ألفاظ الجاهلية أو لما فيه من الإشعار ببغض البنات لتخصيص البنين بالذكر أو لخلوّه عن حمد الله والثناء عليه، فعلى هذا لو قيل بالرفاء والأولاد أو أُتي بالحمد والثناء لا يكره.

‌57 - باب الدُّعَاءِ لِلنِّسَاءِ اللَاّتِي يَهْدِينَ الْعَرُوسَ، وَلِلْعَرُوسِ

(باب الدعاء للنساء) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: للنسوة (اللاتي يهدين العروس) بضم الياء من أهدى وبفتحها لغير أبي ذر من الثلاث (و) الدعاء (للعروس) أيضًا.

5156 -

حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ.

وبه قال: (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة بعدها راء ممدودًا وفروة بالفاء المفتوحة والراء الساكنة الكندي الكوفي وسقط ابن أبي المغراء لغير أبي ذر قال: (حدّثنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها قالت: (تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي) أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس (فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت) سمى منهن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية كما عند جعفر المستغفري والطبراني لا أسماء بنت عميس وإن وقع في الطبراني لأن بنت عميس كانت إذ ذاك مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة (فقلن) لأم رومان ومن معها وللعروس (على الخير والبركة) قدمتنّ (وعلى خير طائر) أي حظ ونصيب وعند أحمد أن أمها أجلستها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم.

‌58 - باب مَنْ أَحَبَّ الْبِنَاءَ قَبْلَ الْغَزْوِ

(باب من أحب البناء) أي الدخول على زوجته (قبل الغزو) إذا حضر الجهاد ليكون فكره مجتمعًا لأن الذي يعقد عقده على امرأة يصير متعلق الخاطر بها بخلاف ما إذا دخل عليها.

5157 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمْ يَبْنِ بِهَا» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) الهمداني قال: (حدّثنا عبد الله بن المبارك) المروزي وسقط لغير أبي ذر

ص: 65

لفظ عبد الله (عن معمر) بسكون العين وفتح الميمين ابن راشد (عن همام) بتشديد الميم الأولى ابن منبه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(غزا) أي أراد أن يغزو (نبي من الأنبياء) يوشع أو داود عليهما السلام (فقال لقومه) بني إسرائيل (لا يتبعني) بالجزم على النهي (رجل ملك بضع امرأة) أي نكحها (وهو) أي والحال أنه (يريد أن يبني بها) أي يدخل عليها (ولم يبن بها) لتعلق قلبه غالبًا بها.

وهذا الحديث قد مرّ في الخمس.

‌59 - باب مَنْ بَنَى بِامْرَأَةٍ وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ

(باب من بنى بامرأة) أي دخل عليها (وهي بنت تسع سنين).

5158 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ وَهْيَ ابْنَةُ سِتٍّ، وَبَنَى بِهَا وَهْيَ ابْنَةُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا.

وبه قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) بفتح القاف وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة فصاد مهملة وعقبة بضم العين وسكون القاف قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام بن عروة عن) أبيه (عروة) بن الزبير أنه قال: (تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة) رضي الله عنها (وهي ابنة) ولأبي ذر بنت (ست) ولأبي ذر عن الكشميهني ست سنين (وبنى بها) دخل عليها (وهي ابنة) ولأبي ذر بنت (تسع ومكثت عنده) صلى الله عليه وسلم (تسعًا) فتوفي صلى الله عليه وسلم وعمرها ثمان عشرة سنة.

وهذا الحديث مرّ قريبًا في باب إنكاح الرجل ولده الصغار.

‌60 - باب الْبِنَاءِ فِي السَّفَرِ

(باب البناء) بالمرأة (في السفر).

5159 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقَامَ

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَأُلْقِىَ فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ. فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ. فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطأَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي ولأبي ذر هو ابن سلام قال: (أخبرنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير القارئ (عن حميد) الطويل (عن أنس) رضي الله عنه أنه (قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم) لما رجع من غزوة خيبر (بين خيبر والمدينة) بسدّ الصهباء (ثلاثًا) من الأيام (يبنى عليه) بصيغة المجهول (بصفية بنت حيي فدعوت المسلمين إلى) ولأبي ذر عن المستملي على (وليمته فما كان فيها من خبز ولا لحم) إعلام بأنه ما كان فيها من طعام المتنعمين المسرفين بل من طعام أهل التقشف (أمر) عليه الصلاة والسلام (بالأنطاع) فبسطت (فألقي فيها من التمر والأقط) اللبن الجامد (والسمن فكانت) تلك الحيسة المتخذة من التمر والأقط والسمن (وليمته) عليه الصلاة والسلام (فقال المسلمون): أي (إحدى أمهات المؤمنين) الحرائر؟ (أو مما ملكت يمينه فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكلت يمينه. فلما ارتحل وطأ لها خلفه) على ناقته (ومدّ الحجاب بينها وبين الناس) فكانت من أمهات المؤمنين.

وفي الحديث أن السُّنَّة في الإقامة عند الثيب لا تختص بالحضر ولا تتقيد بمن له امرأة غيرها ولو كان تحته واحدة وجدد عليها أخرى أقام وجوبًا عند البكر التي جددها سبعًا فإن كانت ثيبًا ثلاثًا متواليات لحديث ابن حبان في صحيحه سبع للبكر وثلاث للثيب والمعنى فيه زوال الحشمة بينهما وزيد للبكر لأن حياءها أكثر واعتبر تواليها لأن الحشمة لا تزول بالمفرق فلو فرقها لم تحسب وقضاها لها متواليات.

وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر.

‌61 - باب الْبِنَاءِ بِالنَّهَارِ بِغَيْرِ مَرْكَبٍ وَلَا نِيرَانٍ

(باب البناء) أي الدخول للرجل على زوجته (بالنهار) فلا تختص بالليل (بغير مركب) بفتح الميم والكاف للزوج أو الزوجة أو للناس لعلان أو للزينة (ولا نيران) توقد كالشموع ونحوها بين يدي العروس. وفيما رواه سعيد بن منصور ومن طريقه أبو الشيخ ابن حيان عن عبد الله بن قرط الثمالي وكان عامل عمر على حمص أنه مرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها فضربهم بدرته حتى تفرقوا عن عروسهم ثم خطب فقال: إن عروسكم أوقدوا النيران وتشبهوا بالكفرة والله مطفئ نورهم. نقله في الفتح وفيه دليل على كراهة ذلك والله أعلم.

5160 -

حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَاّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (فروة بن أبي المغراء) قال: حدّثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أنها (قالت: تزوّجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي) أم رومان (فأدخلتني الدار فلم يرعني) أي لم

ص: 66

يفجأني ولم يخوّفني (إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى) أي وقت الضحى ففيه ما ترجم له أن دخوله عليه الصلاة والسلام عليها كان نهارًا من غير مركب ولا نيران.

‌62 - باب الأَنْمَاطِ وَنَحْوِهَا لِلنِّسَاءِ

(باب) جواز اتخاذ (الأنماط) بفتح الهمزة وسكون النون ضرب من البسط له خمل (ونحوها) من الحلل والأستار والفرش (للنساء).

5161 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلِ اتَّخَذْتُمْ أَنْمَاطًا» ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ. قَالَ:«إِنَّهَا سَتَكُونُ» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا محمد بن المنكدر) التيمي المدني (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما) أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): أي لجابر لما تزوج.

(هل اتخذتم أنماطًا) قال جابر: (قلت يا رسول الله وأنى) بفتح النون المشددة أي ومن أين (لنا أنماط)؟ كذا شطب على اللام ألف في الفرع كأصله (قال) صلى الله عليه وسلم (إنها ستكون) زاد في علامات النبوة لكم الأنماط قال النووي رحمه الله: فيه جواز اتخاذ الأنماط إذا لم تكن من حرير وتعقب بأنه لا يلزم من الأخبار بأنها ستكون الإباحة. وأجيب: بأن أخباره عليه الصلاة والسلام أنها ستكون ولم ينه فكأنه أقرّه نعم في حديث عائشة عند مسلم أنها أخذت نمطًا فسترته على الباب فجذبه صلى الله عليه وسلم حتى هتكه وقال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" قالت: فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك. قال في الفتح: فيؤخذ منه أن الأنماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل لما يصنع بها، وقد اختلف في ستر البيوت والجدار والذي جزم به جمهور الشافعية الكراهة، بل صرّح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم لحديث عائشة هذا، وقال غيره: ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ونفي الأمر يستلزم نفي ثبوت النهي. نعم يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره والنهي صريحًا،

ولفظه ولا تستروا الجدار بالثياب لكن في إسناده ضعف وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين.

وحديث الباب سبق في علامات النبوة.

‌63 - باب النِّسْوَةِ اللَاّتِي يَهْدِينَ الْمَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا

(باب النسوة اللاتي) بالجمع (يهدين) بضم الياء (المرأة إلى زوجها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: التي بالإفراد والأولى أولى وزاد أبو ذر ودعائهن بالبركة ولأبي ذر لهذه الزيادة في الحديث.

5162 -

حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ، فَإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ» .

وبه قال: (حدّثنا الفضل بن يعقوب) البغدادي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) أبو جعفر التميمي البغدادي أحد مشايخ المؤلّف روى عنه بالواسطة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها (أنها زفّت) بالزاي المفتوحة والفاء المشدّدة المفتوحة أيضًا (امرأة) كانت يتيمة في حجرها كما في الأوسط للطبراني وعند ابن ماجة قرابة لها، وعند أبي الشيخ بنت أختها أو ذات قرابة منها، وفي أُسد الغابة ما يدل على أن اسمها الفارعة بنت أسعد بن زرارة (إلى رجل من الأنصار) في أُسد الغابة أن اسمه نبيط بن جابر الأنصاري (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم):

(يا عائشة ما كان معكم لهو) وفي رواية شريك فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال: تقول:

أتيناكم أتيناكم

فحيانا وحياكم

ولولا الذهب الأحمـ

ـر ما حلت بواديكم

ولولا الحنطة السمرا

ء ما سمنت عذاريكم

(فإن الأنصار يعجبهم اللهو) وفي حديث ابن عباس عند ابن ماجة قوم فيهم غزل، وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم: أعلنوا النكاح. زاد الترمذي وابن ماجة من حديث عائشة: واضربوا عليه بالدف، وسنده ضعيف، ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب: فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف.

‌64 - باب الْهَدِيَّةِ لِلْعَرُوسِ

(باب) إهداء (الهدية للعروس) صبيحة البناء.

5163 -

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَاسْمُهُ الْجَعْدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَرَّ بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرُوسًا بِزَيْنَبَ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: لَوْ اهْدَيْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً، فَقُلْتُ لَهَا: افْعَلِي. فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي إِلَيْهِ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لِي:«ضَعْهَا» . ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَالَ: «ادْعُ لِي رِجَالًا» سَمَّاهُمْ، وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ. قَالَ: فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَنِي فَرَجَعْتُ فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَقُولُ لَهُمُ:«اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ» قَالَ: حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا. فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ، وَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ الْحُجُرَاتِ، وَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَإِنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ وَهْوَ يَقُولُ: «{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53] قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: قَالَ أَنَسٌ إِنَّهُ خَدَمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ.

(وقال إبراهيم) بن طهمان الهروي: (عن أبي عثمان واسمه الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن دينار اليشكري البصري (عن أنس بن مالك قال) أبو عثمان الجعد: (مرّ بنا) أنس بالبصرة (في مسجد بني رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء وبالعين المهملة ابن الحارث (فسمعته يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم-

ص: 67

إذا مرّ بجنبات) أمي (أم سليم) بفتح الجيم والنون والموحدة أي ناحيتها (دخل عليها فسلم عليها ثم قال) أنس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم عروسًا بزينب) بنت جحش الأسدية (فقالت لي) أمي: (أم سليم لو أهدينا لرسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم هدية فقلت لها: افعلي) ذلك (فعمدت) بفتح الميم (إلى تمر وسمن وأقط فاتخذت حيسة) بفتح الحاء المهملة وبعد التحتية سين مهملة (في برمة) في قِدر من حجر (فأرسلت بها) بالحيسة (معي إليه) صلى الله عليه وسلم (فانطلقت بها إليه فقال لي):

(ضعها، ثم أمرني فقال: ادع لي رجالًا) سماهم (وادع لي من لقيت. قال) أنس: (ففعلت الذي أمرني) به (فرجعت فإذا البيت غاص) بالغين المعجمة والصاد المهملة المشددة بينهما ألف أي ممتلئ (بأهله فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه) بالتثنية (على تلك الحيسة) التي أرسلتها أم سليم (وتكلم بها) بالموحدة قبل الهاء مصححًا عليها بالفرع كأصله (ما شاء الله) أن يتكلم، وسقط لفظ بها لأبي ذر (ثم جعل يدعو عشرة عشرة) من القوم الذين اجتمعوا (يأكلون منه) من الطعام المسمى بالحيسة (ويقول لهم) عليه الصلاة والسلام: (اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه. قال: حتى

تصدعوا) بتشديد الدال المهملة تفرقوا (كلهم عنها) عن الحيسة (فخرج منهم من خرج وبقي نفر) ثلاثة رجال (يتحدثون) في الحجرة (قال) أنس (وجعلت أغتمّ) بالغين المعجمة وتشديد الميم أي أحزن من عدم خروجهم (ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم نحو الحجرات) سكن أمهات المؤمنين (وخرجت في أثره فقلت) له (إنهم قد ذهبوا فرجع) صلى الله عليه وسلم (فدخل البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة وهو) عليه الصلاة والسلام (يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم}) أي إلا مصحوبين بالإذن فهو في موضع الحال ({إلى طعام غير ناظرين إناه}) مصدر أنى الطعام إذا أدرك أي لا ترقبوا الطعام إذا طبخ حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول ({ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا}) تفرقوا وأخرجوا من منزله ({ولا مستأنسين لحديث وإن ذلكم}) الانتظار والاستئناس ({كان يؤذي النبي}) لتضييق المنزل عليه وعلى أهله ({فيستحيي منكم}) أن يخرجكم ({والله لا يستحيي من الحق})[الأحزاب: 53] وسقط لأبي ذر قوله: {ولكن إذا دعيتم} إلى آخره وقال بعد قوله: {إناه} إلى قوله: {والله لا يستحيي من الحق} (قال أبو عثمان) الجعد (قال أنس: إنه) أي أنسًا (خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين).

قال في الفتح: وقد استشكل القاضي ما وقع هنا أن الوليمة بزينب كانت من الحيس الذي أهدته أم سليم وإن المشهور من الروايات أنه أولم عليها بالخبز واللحم ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام وإنما فيه أنه أشبع المسلمين خبزًا ولحمًا قال: وهذا وهم من رواية وتركيب القصة على أخرى. وأجاب: بأن حضور الحيسة صادف حضور الخبز واللحم فأكلوا كلهم من ذلك.

وقال القرطبي: لعل الذين دعوا إلى الخبز واللحم أكلوا حتى شبعوا وذهبوا ولم يرجعوا وبقي النفر الذين كانوا يتحدثون عنده حتى جاء أنس بالحيسة فأمر أن يدعو أناسًا آخرين ومَن لقي فدخلوا فأكلوا أيضًا حتى شبعوا واستمر أولئك النفر يتحدثون.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح والترمذي في التفسير.

‌65 - باب اسْتِعَارَةِ الثِّيَابِ لِلْعَرُوسِ وَغَيْرِهَا

(باب استعارة الثياب للعروس وغيرها) وغير الثياب مما تتجمل به العروس كالحلي أو غير العروس.

5164 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلَاّ جَعَلَ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجُعِلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةٌ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبيد بن إسماعيل) قال: (حدّثنا أبو أسامة)

حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء) أختها (قلادة) لتتزين بها للنبي صلى الله عليه وسلم (فهلكت) أي ضاعت (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من أصحابه في طلبها) وفي التيمم رجلًا وفسر بأنه

ص: 68

أسيد بن حضير (فأدركتهم الصلاة) لم أقف على تعيينها (فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك) أي فقدهم الماء وصلاتهم بغير وضوء (إليه فنزلت آية التيمم) التي في سورة المائدة (فقال أسيد بن حضير): بضم الهمزة والحاء المهملة مصغرين الأنصاري لعائشة (جزاك الله خيرًا فوالله ما نزل أمر قط إلا جعل لك) ولأبي ذر عن الكشميهني إلا جعل الله لك (منه مخرجًا) من مضايقه (وجعل للمسلمين) كلهم (فيه بركة) ولأبي ذر: جعل بضم الجيم مبنيًّا للمفعول فيه بركة رفع نائبًا عن الفاعل قيل: ولا مطابقة بين الحديث والترجمة إذ ليست القلادة من الثياب ولم تكن عائشة حينئذ عروسًا. وأجاب في الفتح: بأن ذلك من جهة المعنى الجامع بين القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي يتزين به الزوج أعم من أن يكون عند العروس أو بعده. وأجاب العيني بأنّا إذا أعدنا الضمير في قوله في الترجمة وغيرها إلى العروس تحصل المطابقة.

‌66 - باب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ

(باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله) أي إذا أراد الجماع.

5165 -

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فهي بِذَلِكَ أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا» .

وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي الكوفي المعروف بالضخم قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (عن كريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم استفتاحية (لو أن أحدهم يقول حين يأتي) سقط لغير الكشميهني أن (أهله) يجامع امرأته أو سريته، وعند أبي داود كالمصنف في الدعوات من رواية جرير عن منصور لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله يقول:(بسم الله اللهم جنبني الشيطان) بالإفراد (وجنّب الشيطان ما رزقتنا) بالجمع وأطلق ما على من يعقل لأنها بمعنى شيء كقوله: {والله أعلم بما وضعت} [آل عمران: 36] ولو هذه يجوز أن تكون للتمني على حدّ فلو أن لنا كرّة والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم تمنى لهم ذلك الخير يفعلونه لتحصل لهم السعادة وحينئذ فيجيء فيه الخلاف المشهور هل يحتاج إلى جواب أو لا وبالثاني قال ابن الضائع وابن هشام: ويجوز أن تكون شرطية

والجواب محذوف والتقدير لمسلم من الشيطان أو نحو ذلك ويدل عليه قوله: (ثم قدر بينهما) ولد (في ذلك) الإتيان (أو قضي ولد) وسقط لغير الكشميهني قوله في ذلك (لم يضره شيطان أبدًا) ولأحمد لم يضر ذلك الولد الشيطان أبدًا أي بإضلاله وإغوائه بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الإسراء: 65] وفي مرسل الحسن عند عبد الرزاق إذا أتى الرجل أهله فليقل: بسم الله اللهم بارك لنا في ما رزقتنا ولا تجعل للشيطان نصيبًا فيما رزقتنا، وكان يرجى إن حملت أن يكون ولدًا صالحًا. وهذا يؤيد أن المراد لا يضره في دينه ولا يقال إنه يبعده انتفاء العصمة لأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا تصدر منه معصية عمدًا وإن لم يكن ذلك واجبًا له.

‌67 - باب الْوَلِيمَةُ حَقٌّ

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» .

هذا (باب) بالتنوين (الوليمة) وهي الطعام المتخذ للعرس (حق) أي ثابت في الشرع وهل هي واجبة أو سُنة؟ فعند الشافعية أنها واجبة على النص وإليه ذهب ابن خيران لقوله عليه السلام لعبد الرحمن: أولم ولأنه عليه السلام لم يتركها في سفر ولا حضر وقيل فرض على الكفاية إذا فعلها واحد أو اثنان في الناحية أو القبيلة وشاع وظهر سقط الفرض عن الباقين والأصح أنها سُنّة والترجمة لفظ حديث مرفوع أخرجه الطبراني.

(وقال عبد الرحمن بن عوف) فيما وصله في البيع (قال لي النبي صلى الله عليه وسلم) لما تزوجت: (أولم ولو بشاة) والأمر للندب قياسًا على الأضحية ونقل القرطبي الوجوب في رواية في مذهب مالك وقال: إن مشهور المذهب أنها مندوبة.

5166 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أُمَّهَاتِي يُوَاظِبْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ. وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهَا عَرُوسًا فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِيَ رَهْطٌ مِنْهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ لِكَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَشَيْتُ حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالسِّتْرِ، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ.

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف وسكون التحتية ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني)

ص: 69

بالإفراد (أنس بن مالك) رضي الله عنه (أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنصب مقدم على الظرفية أي زمان قدومه (المدينة) في الهجرة (فكان) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فكن (أمهاتي) أي أمه وأخواتها (يواظبنني) بالظاء المعجمة والموحدة الساكنة من المواظبة على الشيء وهو الاستمرار عليه، ولأبي ذر عن أبي الوقت يواطئنني بالطاء المهملة والتحتية مهموزة من المواطأة أي يحرّضنني (على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم فخدمته عشر سنين) زاد في الأدب والله ما قال لي أف قط (وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل) حكمه في آية الأحزاب (وكان أول ما نزل) الحجاب (في مبتنى) في زمان دخول (رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت) ولغير أبي ذر ابنة (جحش) رضي الله عنها (أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروسًا فدعا القوم) لوليمتها (فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي رهط) ما بين الثلاثة إلى العشرة ولم يسموا (منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث) يتحدّثون في البيت (فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت) معه (حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم) أي النفر (جلوس لم يقوموا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر) بزيادة الموحدة (وأنزل الحجاب) في آية: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} [الأحزاب: 53] الآية.

ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة واختلف في وقت الوليمة فقال ابن الحاجب من المالكية إنه بعد البناء. قال الشيخ خليل في التوضيح: وهو ظاهر المذهب واستحبها بعض الشيوخ قبل البناء.

قال اللخمي وواسع قبله وبعده، ولمالك في العتبية لا بأس إن لم يولم قبل البناء وبعده، وقال ابن يونس: يستحب الإطعام عند عقد النكاح وعند البناء. وقال الباجي: المختار منها يوم واحد، وقال ابن حبيب: وقد أبيح أكثر من يوم ويكره استدامة ذلك أيامًا انتهى.

وصرح الماوردي من الشافعية بأنها عند الدخول وحديث الباب صريح في أنها بعده لقوله فيه أصبح عروسًا بزينب فدعا القوم.

وهذا الحديث سبق قريبًا.

‌68 - باب الْوَلِيمَةِ وَلَوْ بِشَاةٍ

(باب) استحباب (الوليمة ولو بشاة) للموسر.

5167 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ: كَمْ أَصْدَقْتَهَا، قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ

مِنْ ذَهَبٍ. وَعَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ نَزَلَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الأَنْصَارِ، فَنَزَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ: أُقَاسِمُكَ مَالِي، وَأَنْزِلُ لَكَ عَنْ إِحْدَى امْرَأَتَيَّ. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ. فَخَرَجَ إِلَى السُّوقِ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى، فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَتَزَوَّجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» .

وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا رضي الله عنه قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف و) الحال أنه كان قد (تزوج امرأة من الأنصار) هي بنت الحيسر بن رافع بن امرئ القيس.

(كم أصدقتها؟ قال): أصدقتها (وزن نواة) ويجوز رفع وزن أي الذي أصدقتها وزن نواة (من ذهب، و) بالسند السابق (عن حميد سمعت) ولأبي ذر عن الكشميهني سمع (أنسًا) رضي الله عنه أنه (قال: لما قدموا) أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (المدينة نزل المهاجرون على الأنصار فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع) الأنصاري وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينهما (فقال) سعد لعبد الرحمن (أقاسمك مالي) فخذ شطره (وأنزل لك عن إحدى امرأتي) فأيتهما شئت طلقتها لك فإذا حلّت تزوجتها. قال في الفتح: ولم أقف على اسم امرأتي سعد بن الربيع إلا أن ابن سعد ذكر أنه كان له من الولد أم سعد واسمها جميلة وأمها عمرة بنت حزم وتزوّج زيد بن ثابت أم سعد فولدت له ابنة خارجة قال: فيؤخذ من هذا تسمية إحدى امرأتي سعد قال: وأخرج الطبري في التفسير قصة مجيء امرأة سعد بن الربيع بابنتي سعد لما استشهد فقالت: إن عمهما أخذ ميراثهما فنزلت آية المواريث، وسماها إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند له مرسل عمرة بنت حزم انتهى.

ورأيت في حاشية نسخة من الفتح عن شيخنا الحافظ

ص: 70

أبي الخير السخاوي ما نصه قد أبعد شيخنا في عزو ذلك للطبري مع أنه في أبي داود والترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم وغيره قال: وقد وقفت على تسمية الزوجة الثانية في تفسير مقاتل عند قوله تعالى: {الرجال قوّامون على النساء} [النساء: 34] وأنها حبيبة بنت زيد بن أبي زهير.

(قال) عبد الرحمن لا حاجة لي في ذلك (بارك الله لك في أهلك ومالك فخرج إلى السوق) وهو سوق بني قينقاع (فباع واشترى) اتجر (فأصاب) أي ربح (شيئًا من أقط وسمن فتزوج) بنت الحيسر فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم في سكّة من سكك المدينة وعليه إثر صفرة فقال: مهيم؟ قال: تزوجت (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة) وهي أقلها للموسر ولغيره ما قدر عليه، وقال النسائي: من الشافعية: المراد أقل الكمال شاة لقول صاحب التنبيه بأي شيء أولم من الطعام جاز. وقال القاضي عياض: أجمعوا على أنه لا حدّ لأكثرها وأما أقلها فكذلك ومهما تيسر أجزأ.

5168 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أَوْلَمَ بِشَاةٍ.

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس) أنه (قال: ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب) بنت جحش (أولم بشاة) ليس للتحديد وإنما وقع اتفاقًا وهو موافق لحديث جابر.

5169 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ.

وبه قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن عبد الوارث) بن سعيد البصري ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حدّثنا عبد الوارث (عن شعيب) هو ابن الحبحاب بحاءين مهملتين بينهما موحدة ساكنة وبعد الألف أخرى البصري (عن أنس) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية) بنت حيي (وتزوّجها وجعل عتقها صداقها) أي أعتقها بلا عوض وتروجها بلا مهر مطلقًا وهو في معنى الواهبة نفسها وهي لا مهر لها مطلقًا ولم تجعله الحنابلة من الخصائص بل قالوا إنه إذا قال لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح إن كان متصلًا بحضرة شاهدين فلو طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها (وأولم عليها بحيس) وهو ما اتخذ من أقط وتمر ونزع نواه وقد يجعل بدل الأقط دقيق أو سويق وقد يزاد فيه السمن.

وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في النكاح.

5170 -

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ بَيَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: بَنَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ، فَأَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا إِلَى الطَّعَامِ.

وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي هو ابن معاوية الجعفي (عن بيان) بفتح الموحدة وتخفيف التحتية ابن بشر الأحمسي أنه (قال: سمعت أنسًا) رضي الله عنه (يقول: بنى النبي صلى الله عليه وسلم) دخل (بامرأة) هي زينب بنت جحش كما في الترمذي (فأرسلني فدعوت رجالًا إلى الطعام) المتخذ لوليمتها.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي في التفسير.

‌69 - باب مَنْ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ

(باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض)

5171 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: ذُكِرَ تَزْوِيجُ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ عِنْدَ أَنَسٍ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَيْهَا، أَوْلَمَ بِشَاةٍ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد بن ثابت) البناني أنه (قال: ذكر تزويج زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (جحش عند أنس فقال: ما رأيت النبي-صلى الله عليه وسلم أولم على أحد من نسائه) قدر (ما أولم عليها. أو لم بشاة) أي أولم عليها أكثر مما أولم على نسائه شكرًا لنعمة الله إذ زوّجه إياها بالوحي كما قاله الكرماني أو وقع اتفاقًا لا قصدًا كما قاله ابن بطال أو ليبين الجواز كما قاله غيره.

وهذا الحديث أخرجه مسلم.

‌70 - باب مَنْ أَوْلَمَ بِأَقَلَّ مِنْ شَاةٍ

(باب من أولم بأقل من شاة).

5172 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري وجوّز الكرماني أن يكون محمد هو البيكندي وسفيان هو ابن عيينة والذي جزم به الإسماعيلي وأبو نعيم الأول وقال البرقاني: روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ووكيع والفريابي وروح بن عبادة عن الثوري (عن منصور ابن صفية) واسم والد منصور عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري الحجبي المكي (عن أمه صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة اختلف في صحبتها أنها (قالت: أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه

ص: 71

بمدّين من شعير) وهما نصف صاع لأن المدّ ربع صاع. قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيين اسم التي أولم عليها صريحًا. نعم يحتمل أن تفسر بأم سلمة لحديثها عند ابن سعد عن شيخه الواقدي المذكور فيه أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوّجها أدخلها بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئًا من إهالة فآدمته عليه فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما حديث أنس المروي من طريق شريك عن حميد عنه أنه صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن وسويق فوهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ أو من الراوي عنه وهو جندل بن والق فإن مسلمًا والبزار ضعّفاه إنما المحفوظ من حديث حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية أخرجه النسائي، وهذا الحديث مرسل لأن صفية ليست بصحابية أو صحابية لكنها لم تحضر القصة لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد وترويج المرأة كان بالمدينة وقد روى حديثها هذا أبو أحمد الزبيري ومؤمل بن إسماعيل ويحيى بن اليمان عن الثوري فقال فيه عن صفية عن عائشة والذين لم يذكروا عائشة أكثر عددًا وأحفظ وأعرف بحديث الثوري ممن زاد فالذي يظهر على قواعد المحدثين أنه من

المزيد في متصل الأسانيد، وقد غلط من رواه عن منصور ابن صفية عن صفية بنت حيي انتهى ملخصًا.

‌71 - باب حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ، وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ

(باب حق إجابة الوليمة) أي وجوب الإجابة إلى طعام العرس (والدعوة) بفتح الدال على المشهور وهي أعم من الوليمة لأن الوليمة خاصة بالعرس كما نقله ابن عبد البر عن أهل اللغة ونقل عن الخليل وثعلب وجزم به الجوهري وابن الأثير على هذا فيكون قوله والدعوة من عطف العام على الخاص (و) باب ذكر (من أولم سبعة أيام) كما رواه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت: لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام الحديث، وأخرجه البيهقي أيضًا من وجه آخر (ونحوه) أي نحو السبعة. قيل يشير إلى رواية عبد الرزاق حديث حفصة المذكور إذ فيه عنده ثمانية أيام بدل قوله في السابقة سبعة (ولم يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم) للوليمة وقتًا معينًا يختص به الإيجاب أو الاستحباب لا (يومًا ولا يومين) نعم أخرج أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف كان يثني عليه إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه يقوله قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة". ولكن قال البخاري في تاريخه: لا يصح إسناده ولا يصح لزهير صحبة قال وقال ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب" ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها انتهى.

ولحديث زهير بن عثمان شواهد منها عند ابن ماجة من حديث أبي هريرة مثله، وفيه عبد الملك بن حسين وهو ضعيف جدًّا وأحاديث أُخر ضعيفة، لكن مجموعها يدل على أن للحديث أصلًا وقد عمل بظاهر ذلك الحنابلة والشافعية فقالوا: تجب في اليوم الأول وتستحب في الثاني وتكره فيما بعده.

5173 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» . [الحديث 5173 - طرفه في: 5179].

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها). قال في الفتح: أي فليأت مكانها والتقدير إذا دعي إلى مكان الوليمة فليأتها ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا والأمر للإيجاب، والمراد وليمة العرس لأنها

المعهودة عندهم، ويؤيده ما في مسلم أيضًا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب وتكون فرض عين إن لم يرض صاحبها بعذر المدعوّ وفي غيرها مستحبة، لكن في سنن أبي داود إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو غيره وقضيته وجوب الإجابة في سائر الولائم وبه أجاب جمهور العراقيين كما قاله الزركشي واختاره السبكي وغيره، ويؤيد عدم وجوبها في غير العرس أن عثمان بن العاص دعي إلى ختان فلم يجب. وقال: لم يكن يدعى له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد في مسنده، وإنما تجب

ص: 72

الإجابة أو تستحب بشروط. منها: أن يكون الداعي مسلمًا فلو كان كافرًا لم تجب إجابته لانتفاء طلب المودة معه ولأنه يستقذر طعامه لاحتمال نجاسته وفساد تصرفه وأن لا يخص بالدعوة الأغنياء ولا غيرهم بل يعم عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته وإن كانوا كلهم أغنياء لحديث شر الطعام الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى، وليس المراد أن يعم جميع الناس لتعذره وأن لا يطلبه طمعًا في جاهه أو خوفًا منه لو لم يحضره بل للتودد وأن يعين المدعوّ بنفسه أو نائبه لا إن نادى في الناس كأن فتح الباب وقال: ليحضر من أراد أو قال لغيره ادع من شئت وأن يدعو في اليوم الأول فلو أولم ثلاثة أيام فأكثر لم تجب الإجابة أو تسن إلا في اليوم الأول فلو لم يمكنه استيعاب الناس في الأول لكثرتهم أو لصغر منزله أو غيرهما. قال الأذرعي: فذلك في الحقيقة كوليمة واحدة دعي الناس إليها أفواجًا أفواجًا في يوم واحد ويشترط أيضًا أن لا يحضر هناك من يؤذي المدعوّ أو تقبح مجالسته كالأراذل وأن لا يكون هناك منكر كفرش الحرير وصور الحيوان المرفوعة.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وأبو داود في الأطعمة والنسائي في الوليمة.

5174 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فُكُّوا الْعَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ» .

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق ابن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(فكوا العاني) الأسير (وأجيبوا الداعي) إلى وليمة العرس (وعودوا المريض). ولأبي ذر عن الكشميهني المرضى.

وهذا الحديث سبق في باب فكاك الأسير من الجهاد.

5175 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَشْعَثِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنهما أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي. وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ وَعَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ وَالْقَسِّيَّةِ، وَالإِسْتَبْرَقِ،

وَالدِّيبَاجِ. تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَشْعَثَ فِي إِفْشَاءِ السَّلَامِ.

وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) البجلي الخشاب البوراني قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولى بني حنيفة (عن الأشعث) بن أبي الشعثاء بالشين المعجمة والمثلثة فيهما واسم أبي الشعثاء سليم المحاربي (عن معاوية بن سويد) الكوفي أنه قال: (قال البراء بن عازب رضي الله عنهما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض) زيارته مسلم أو ذمي وهي سُنّة إذا كان له متعهد وإلا فواجبة (واتباع الجنازة) وهو فرض كفاية ولأبي ذر عن المستملي الجنائز بالجمع (وتشميت العاطس) بأن يقول له يرحمك الله إذا حمد الله وهو سُنّة على الكفاية (وإبرار القسم) ولأبي ذر عن الكشميهني المقسم بضم الميم وسكون القاف وكسر السين أي تصديق من أقسم عليك وهو أن تفعل ما سأله الملتمس وأقسم عليه أن تفعله (ونصر المظلوم) ولو ذميًّا (وإفشاء السلام وإجابة الداعي) إلى وليمة العرس (ونهانا) صلى الله عليه وسلم (عن خواتيم الذهب وعن آنية الفضة) استعمالًا واتخاذًا فيهما (وعن المياثر) بفتح الميم وبالمثلثة والراء جمع ميثرة فراش من حرير محشوّ بالقطن يجعله الراكب تحته على الرحل والسرج وهي من مراكب العجم وأصلها موثرة فقلبت الواو ياء لكسرة الميم وتكون من حرير فتحرم وحمراء فمنهي عنها (و) عن الثياب (القسية) بفتح القاف وتشديد السين المهملة المكسورة والتحتية ضرب من ثياب مخلوط بحرير يؤتى به من مضر نسب إلى قرية على ساحل البحر بالقرب من دمياط درسها البحر (و) عن (الإستبرق) بكسر الهمزة الغليظ من الحرير (و) عن الثياب المتخذة من (الديباج) وهو الإبريسم وهذه ستة والسابع الحرير يذكر إن شاء الله تعالى في اللباس، وهذه الخصال مختلفة المراتب في حكم العموم والخصوص والوجوب فيحرم خاتم الذهب ولبس الديباج للرجال خاصة دون النساء وتحرم آنية الفضة عامة على الرجال والنساء للسرف والخيلاء ويجوز أن تعطف السنة على الواجب إن دلت على ذلك قرينة كصوم رمضان وستًّا من شوال.

وهذا الحديث سبق في الجنائز.

(تابعه) أي تابع أبا الأحوص سلام بن سليم (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري فيما وصله المؤلّف في كتاب الأشربة (و) تابع أبا الأحوص

ص: 73

أيضًا (الشيباني) أبو إسحاق سليمان فيما وصله أيضًا في الاستئذان كلاهما (عن أشعث) بن أبي الشعثاء (في) روايته بلفظ (إفشاء السلام) فخالفا رواية شعبة عن أشعث حيث قال: وردّ السلام كما سبق في الجنائز.

5176 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُرْسِهِ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهْيَ الْعَرُوسُ. قَالَ سَهْلٌ تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ. [الحديث 5176 - أطرافه في: 5182، 5183، 5591، 5597، 6685].

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني البلخي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبي حازم) سلمة بن دينار ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني عن أبيه بدل قوله عن أبي حازم (عن سهل بن سعد) كذا في الفرع كأصله، وقال الحافظ ابن حجر: وفي رواية المستملي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: وهو سهو إذ لا بدّ من واسطة بينهما، إما أبوه أو غيره (قال: دعا أبو سعيد) بضم الهمزة وفتح السين مالك بن ربيعة (الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه وكانت امرأته) أم أسيد سلامة بنت وهب بن سلامة بن أثيمة (يومئذ خادمهم) يقع على الذكر والأنثى (وهي العروس) نعت استوى فيه المذكر والمؤنث ما داما في تعريسهما (قال سهل) الساعدي (تدرون) استفهام سقطت أداته (ما سقت) أي العروس (رسول الله صلى الله عليه وسلم أنقعت له تمرات) في ماء (من الليل فلما أكل) صلى الله عليه وسلم من طعام الوليمة (سقته إياه).

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأشربة وكذا مسلم، وأخرجه ابن ماجة في النكاح.

‌72 - باب مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ

(باب من ترك الدعوة) أي إجابة الدعوة (فقد عصى الله ورسوله).

5177 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة). قال البيضاوي: يريد من شر الطعام فمن مقدّرة فإن من الطعام ما يكون شرًّا منه وإنما سماه شرًّا لما ذكر عقبه حيث قال: (يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء) فإن الغالب فيها ذلك وكأنه قال: شر الطعام طعام الوليمة التي من شأنها هذا، فاللفظ وإن أطلق فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه، قال ابن بطال: فإذا ميّز الداعي بين الأغنياء والفقراء وأطعم كلاًّ على حِدَة فلا بأس وقد فعله ابن عمر، وقال الطيبي متعقبًا البيضاوي: التعريف في الوليمة للعهد الخارجي وكان من عادتهم مراعاة الأغنياء فيها وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم، وقوله يدعى إلى آخره استئناف بيان لكونها شرّ الطعام وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير من وقوله ومن ترك حال والعامل يدعى أي يدعى الأغنياء لها والحال أن الإجابة واجبة فيكون دعاؤه سببًا كل المدعوّ شرّ الطعام، وقول الزركشي جملة يدعى في موضع الصفة لطعام تعقبه الدماميني بأن الظاهر أنها صفة للوليمة على أن تجعل اللام جنسية مثلها في قوله:

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

ويستغنى حيئنذّ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفة لطعام انتهى.

وهذا الحديث موقوف على أبي هريرة لكن قوله (ومن ترك الدعوة) أي إجابتها (فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم) يقتضي كونه مرفوعًا إذ مثل هذا لا يكون من قبيل الرأي، لكن جلّ رواة مالك كما قال ابن عبد البر لم يصرحوا برفعه. نعم قال روح بن القاسم عن مالك بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن سلمة بن مغيث عن مالك، ولمسلم من طريق سفيان سمعت زياد بن سعد يقول: سمعت ثابتًا الأعرج يحدّث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر نحوه. وكذا أخرجه أبو الشيخ مرفوعًا من طليق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي قوله: عصى الله ورسوله دليل لوجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب كما لا يخفى.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح وأبو داود في الأطعمة والنسائي في الوليمة وابن ماجة في النكاح.

‌73 - باب مَنْ أَجَابَ إِلَى كُرَاعٍ

(باب من أجاب إلى كراع) بضم الكاف وتخفيف الراء أي من أجاب إلى وليمة فيها كراع وهو مستدق الساق من الرِّجل ومن حد الرسغ من اليد

ص: 74

وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير.

5178 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ» .

وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي السكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي حازم) سلمان بسكون اللام مولى عزة بفتح العين المهملة وتشديد الزاي قال الحافظ ابن حجر: ووهم من زعم أنه سلمة بن دينار الراوي عن سهل بن سعد المقدم ذكره قريبًا فإنهما وإن كانا مدنيين لكن راوي حديث الباب أكبر من ابن دينار (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(لو دعيت إلى كراع لأجبت) وأما رواية الغزالي الحديث في الإحياء بلفظ: ولو دعيت إلى كراع الغميم لا أصل لهذه الزيادة والمراد به المكان المعروف بين مكة والمدينة وزعم بعضهم أنه أطلق ذلك على سبيل المبالغة في الإجابة ولو بعد المكان، لكن المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء أوضح في المراد ومن ثم ذهب الجمهور إلى أن المراد بالكراع كراع الشاة (ولو أهدي) بضم الهمزة (إليَّ) بتشديد الياء (ذراع) ولأبي ذر كراع (لقبلت) واللام في لقبلت ولأجبت للتأكيد.

وهذا الحديث سبق في الهبة وأخرجه النسائي في الوليمة.

‌74 - باب إِجَابَةِ الدَّاعِي فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهَا

(باب إجابة الداعي) أي إجابة المدعوّ الداعي فالمصدر مضاف إلى مفعوله وطوي ذكر الفاعل (في العرس) وهو طعام الوليمة المعمول عند العرس (وغيرها) أي غير وليمة العرس، ولأبي ذر وغيره أي وغير العرس. وذكر النووي أن الولائم ثمانية الإعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان والعقيقة للولادة في اليوم السابع، والخرس بضم الخاء المعجمة وسكون الراء ثم سين مهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة، والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار، والوكيرة للسكن المتجدد مأخوذ من الوكر وهو المأوى والمستقر، والوضيمة بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة، والمأدبة بضم الدال ويجوز فتحها لما يتخذ بلا سبب ومنها الحذاق بكسر الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة وبعد الألف قاف الطعام الذي يعمل عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في الشامل.

وقال ابن الرفعة: هو الذي يعمل عند ختم القرآن، والعتيرة بفتح المهملة وكسر الفوقية وهي شاة تذبح في أول رجب، وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلا معنى لذكرها مع الولائم، وقد أخرج مسلم وأبو داود حديث، إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو غيره وقد أخذ بظاهره بعض الشافعية فقال بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقًا عرشًا كان أو غيره بشرطه، وقد جزم المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح.

5179 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا» ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهْوَ صَائِمٌ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله بن إبراهيم) البغدادي قال البخاري عنه أنه متقن قال: (حدّثنا الحجاج بن محمد) الأعور (قال: قال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(أجيبوا هذه الدعوة) أي دعوة الوليمة (إذا دعيتم لها. قال) نافع: (كان عبد الله) بن عمر (يأتي الدعوة في العرس وغير العرس وهو) أي والحال أنه (صائم) وفي مسلم حديث ابن عمر مرفوعًا: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرًا فليطعم وإن كان صائمًا فليصل) أي فليدع بدليل رواية فليدع بالبركة رواه أبو عوانة فإن كان الصوم نفلًا فإفطاره لجبر خاطر الداعي أفضل ولو آخر النهار لأنه صلى الله عليه وسلم لما أمسك من حضر معه وقال: إني صائم قال له: "يتكلف أخوك المسلم وتقول إني صائم؟ أفطر ثم اقضِ يومًا مكانه". رواه البيهقي وغيره وفي إسناده راوٍ

ضعيف، لكنه توبع ولو أمسك المفطر عن الأكل لم يحرم. بل يجوز وفي مسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك. وفي شرح مسلم تصحيح وجوب الأكل ويحرم على الصائم الإفطار من صوم فرض.

‌75 - باب ذَهَابِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِلَى الْعُرْسِ

(باب ذهاب النساء والصبيان إلى) وليمة (العرس) من غير

ص: 75

كراهة.

5180 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءً وَصِبْيَانًا مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ فَقَامَ مُمْتَنًّا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) العيشي بفتح العين المهملة وسكون التحتية وكسر الشين المعجمة قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه (قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم نساءً وصبيانًا) حال كونهم (مقبلين من عرس فقام) عليه الصلاة والسلام (ممتنًّا) بميم مضمومة فميم ساكنة فمثلثة مفتوحة كذا في الفرع مصححًا عليه كأصله، وقال في الفتح بمثناة ونون ثقيلة من المنة بضم الميم وهي القوة أي من قام إليهم مسرعًا مشتدًّا في ذلك فرحًا بهم أو من الامتنّان لأن من قام إليه صلى الله عليه وسلم وأكرمه بذلك فقد امتنّ عليه بشيء لا أعظم منه (فقال):

(اللهم) قالها للتبرك أو للاستشهاد في صدقه على قوله (أنتم من أحب الناس إليّ) وزاد في رواية معمر في مناقب الأنصار قالها ثلاث مرات، وفيه شهود النساء والصبيان لوليمة العرس فلو دعت امرأة امرأة لوليمة أو دعت رجلًا وجب أو استحب لا مع خلوة محرمة فلا يجيبها إلى طعام مطلقًا أو مع عدم الخلوة فلا يجيبها إلى طعام خاص به كان جلست به وبعثت له الطعام إلى بيت آخر من دارها خوف الفتنة بخلاف ما إذا لم تخف فقد كان سفيان الثوري وأضرابه يزورون رابعة العدوية ويسمعون كلامها فإن وجد رجل كسفيان وامرأة كرابعة فالظاهر أنه لا كراهة في الإجابة ويعتبر في وجوب الإجابة للمرأة إذن الزوج أو السيد للمدعوّ والله أعلم.

‌76 - باب هَلْ يَرْجِعُ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي الدَّعْوَةِ؟

وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ، وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا فَرَجَعَ

هذا (باب) بالتنوين (هل يرجع) المدعوّ (إذا رأى) شيئًا (منكرًا في) مجلس (الدعوة) كفرش الحرير في دعوة اتخذت للرجال وفرش جلود نمر بقي وبرها كما قاله الحليمي وغيره.

(ورأى ابن مسعود) عبد الله ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري (صورة في البيت) الذي دعي إليه للوليمة (فرجع) ويحتمل أن يكون وقع لكلٍّ من عبد الله بن مسعود ولأبي مسعود عقبة ذلك وأثر أبي مسعود عقبة وصله البيهقي بسند صحيح، وأما أثر ابن مسعود عبد الله فقال: في الفتح لم أقف عليه.

(ودعا ابن عمر) فيما وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني (أبا أيوب) خالد بن زيد الأنصاري إلى وليمة عرس ابنه سالم فجاء (فرأى في البيت سترًا على الجدار) فأنكر على عبد الله بن عمر (فقال ابن عمر: غلبنا) بفتحات (عليه) أي على وضع الستر على الجدار (النساء) يا أبا أيوب (فقال) أبو أيوب (من كنت أخشى عليه). قال الكرماني: أي إن كنت أخشى على أحد يعمل في بيته مثل هذا المنكر (فلم أكن أخشى عليك) ذلك (والله لا أطعم لكم طعامًا فرجع) وقد اختلف في ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية بالكراهة ويشهد له أثر ابن عمر هذا إذ لو كان حرامًا ما قعد الذين قعدوا من الصحابة ولا فعله ابن عمر، فيحمل فعل أبي أيوب على كراهة التنزيه جمعًا بين الفعلين، ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين قعدوا ولم ينكروا يرون الإباحة، وقد صرح الشيخ أبو نصر المقدسي من الشافعية بالتحريم لحديث مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" وتعقب بأنه ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي نعم عند أبي داود من حديث ابن عباس ولا تستروا الجدر بالثياب.

5181 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا بَالُ هَذِهِ النِّمْرِقَةِ» ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ» .

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (عن) عمته (عائشة) رضي الله عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة) بنون وراء مضمومتين بينهما ميم ساكنة وبعد الراء قاف وفي اليونينية بكسر النون والراء وسادة صغيرة (فيها تصاوير) أي تماثيل حيوان (فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل) زاد في ذكر الملائكة وجعل يتغير

ص: 76

وجهه (فعرفت في وجهه الكراهية) بكسر الهاء بعدها تحتية مخففة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الكراهة بفتح الهاء وإسقاط التحتية (فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(ما بال هذه النمرقة)؟ ما شأنها فيها تماثيل (قالت: فقلت: اشتريتها لك) بهمزة قطع مفتوحة في اليونينية (لتقعد عليها وتوسدها) بحذف إحدى التاءين (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور) الحيوانية الذين يصنعونها (يعذبون يوم القيامة) على صنعها (ويقال لهم) استهزاءً وتعجيزًا (أحيوا) بهمزة قطع مفتوحة (ما خلقتم. وقال) صلى الله عليه وسلم: (إن البيت الذي فيه الصور) الحيوانية (لا تدخله الملائكة) الذين ليسوا حفظة إذ هم لا يفارقون المكلف وإنما لم يدخلوا لكون ذلك معصية فاحشة لما فيها من مضاهاة خلق الله.

وموضع الترجمة قولها قام على الباب فلم يدخل وهو أعم مقتضاه المنع من الدخول في المكان الذي فيه الصورة سواء كان فيه دعوة أم لا: ومحل المنع من ذلك إن لم يزل ذلك المنكر لأجل المدعوّ فإن كان يزول لأجله وجبت إجابته للدعوة وإزالة المنكر فإن لم يقدر على إزالته فليرجع وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أو مكروه؟ وجهان، وبالتحريم قال الشيخ أبو حامد، وبالكراهة قال صاحب التقريب، والصيدلاني ورجحه الإمام والغزالي، ولا بأس بصور مبسوطة تُداس أو مخادّ يتكأ عليها أو ممتهنة بالاستعمال كقصعة وطبق أو كانت مرتفعة وقطع رأسها.

‌77 - باب قِيَامِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرِّجَالِ فِي الْعُرْسِ وَخِدْمَتِهِمْ بِالنَّفْسِ

(باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس) أي نفسها.

5182 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَاّ امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ، بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ فَسَقَتْهُ تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ.

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بالغين المعجمة والسين المهملة المشددة المفتوحتن محمد بن مطرف بالطاء المهملة المفتوحة والراء المشددة المكسورة (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل) هو ابن سعد الساعدي أنه (قال لما عرّس) بفتح العين والراء المشددة وهو يردّ على الجوهري حيث قال: يقال أعرس لا عرس أي لما اتخذ عروسًا (أبو أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة واسمه على الأصح مالك بن ربيعة (الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعامًا ولا قرّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد) بضم الهمزة سلامة بنت وهيب (بلّت تمرات في تور) بفتح المثناة الفوقية قدح (من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته) بفتح المثلثة وسكون المثناة الفوقية مرسته بيديها (له) صلى الله عليه وسلم (فسقته) عليه الصلاة والسلام حال كونها (تتحفه بذلك) ولأبي ذر عن الكشميهني أتحفته وله عن الحموي

والمستملي تحفة وعند ابن السكن تخصه بالخاء المعجمة والصاد المهملة المشددة.

‌78 - باب النَّقِيعِ وَالشَّرَابِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ فِي الْعُرْسِ

(باب) اتخاذ (النقيع) وهو ما ينقع من تمر في ماء لتخرج حلاوته (والشراب الذي لا يسكر في العرس) فلو أسكر حُرِّم اتفاقًا وعطف الشراب على النقيع من عطف العام على الخاص لأنه يعم نقيع التمر وغيره.

5183 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِعُرْسِهِ فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَهْيَ الْعَرُوسُ فَقَالَتْ: أَوْ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَنْقَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ.

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري) بتشديد التحتية نسبة إلى قارة المدني نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: سمعت سهل بن سعد أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعرسه) أي لأجل عرسه (فكانت امرأته) أم أسيد وهي ممن وافقت كنيتها كنية زوجها (خادمهم يومئذٍ) بغير فوقية بعد الميم (وهي العروس) الواو للحال (فقالت) أي العروس: (أو قال) أي سهل بالشك (أتدرون) ولأبي ذر عن الكشميهني فقالت أو ما تدرون بغير شك (ما أنقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنقعت له تمرات من الليل) بالفوقية وفتح الميم (في تور) بالمثناة الفوقية قال في القاموس: إناء يشرب فيه.

وهذا الحديث من رواية سهل كما في الرواية السابقة وحينئذٍ فقوله: أنقعت

ص: 77

بفتح العين وسكون التاء في الموضعين على صيغة الماضي للغائبة وهو الذي في الفرع وعلى رواية بالكشميهني بسكون العين بصيغة المتكلم.

‌79 - باب الْمُدَارَاةِ مَعَ النِّسَاءِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ»

(باب المداراة) أي المجاملة والملاينة (مع النساء) للإلفة واستمالة قلوبهن لما جبلن عليه من الأخلاق (وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما المرأة كالضلع) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وسكونها والفتح أفصح.

5184 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ» .

وبه قال: (حدّثنا عَبْد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو بن أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الأصبحي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(المرأة كالضلع) مبتدأ وخبر ولمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد أن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة وفي صحيح ابن حبان عن سمرة بن جندب مرفوعًا أن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها، وفي غرائب مالك للدارقطني نحو لفظ رواية حديث الباب إلا أنه قال: على خليقة واحدة إنما هي كالضلع. (إن أقمتها) أي إن أردت إقامتها (كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج) بكسر العين وفتح الواو بعدها جيم، ولأبي ذر: عوج بفتح العين والأكثر على الكسر وقيل: إذا كان فيما هو منتصب كالحائط والعود عوج بفتح العين وفي غير المنتصب كالدين والخلق والأرض ونحو ذلك بكسر العين قاله ابن السكيت، ونقل ابن قرقول عن أهل اللغة أن الفتح في الشخص المرئي والكسر فيما ليس بمرئي.

وفي الحديث إشارة إلى الإحسان إلى النساء والرفق بهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وغير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى قريبًا.

‌80 - باب الْوَصَاةِ بِالنِّسَاءِ

(باب الوصاة) بفتح الواو أي الوصية (بالنساء).

5185 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ» [الحديث 5185 - أطرافه في: 6018، 6136، 6138، 6475].

وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبه لجدّه واسم أبيه إبراهيم السعدي قال: (حدّثنا حسين) بضم الحاء ولأبي ذر الحسين بزيادة الألف واللام أي ابن علي بن الوليد (الجعفي) بضم الميم وسكون العين المهملة وبالفاء (عن زائدة) بن قدامة (عن ميسرة) ضدّ الميمنة ابن عمار الأشجعي (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة بفتح العين المهملة وتشديد الزاي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي من كان يؤمن بالمبدأ والمعاد إيمانًا كاملًا (فلا يؤذي جاره).

5186 -

«وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» .

(واستوصوا) أي أوصيكم (بالنساء خيرًا) فأقبلوا وصيتي فيهن كذا قرره البيضاوي لأن

الاستيصاء استفعال وظاهره طلب الوصية وليس هو المراد، وقال الطيبي: الأظهر أن السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير. وقال في الكشاف: السين للمبالغة أي يسألون أنفسهم الفتح ويجوز أن يكون من الخطاب العام أي يستوصي بعضكم من بعض في حق النساء، (فإنهن خلقن من ضلع) معوج فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن والصبر على اعوجاجهن، والضلع استعير للمعوج أي خلقن خلقًا فيه اعوجاج فكأنهن خلقن من أصل معوج، وقيل أراد به أن أول النساء حوّاء خلقت من ضلع آدم (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ذكره تأكيدًا لمعنى الكسر أو ليبين أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع كأنه قال: خلقن من أعلى الضلع وهو أعوج، ويحتمل كما قال في الفتح: أن يكون ضرب ذلك مثلًا لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل منه الأذى، وسأل الكرماني فقال: فإن قلت العوج من العيوب فكيف يصح منه أفعل التفضيل؟ وأجاب بأنه أفعل الصفة أو أنه شاذ أو الامتناع عند الالتباس بالصفة فحيث يتميز عنه بالقرينة جاز البناء منه (فإن ذهبت تقيمه) أي الضلع (كسرته وإن تركته) ولم تقمه (لم يزل أعوج) فيه الندب إلى مداراة النساء وسياستهن والصبر على عوجهن وأن مَن رام تقويمهن رام مستحيلًا وفاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها

ص: 78

ويستعين بها على معاشه قال:

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إن تقويم الضلوع انكسارها

أتجمع ضعفًا واقتدارًا على الهوى

أليس عجيبًا ضعفها واقتدارها

فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها (فاستوصوا) أي أوصيكم (بالنساء خيرًا) فأقبلوا وصيتي واعملوا بها، قال الغزالي، وللمرأة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف وأن يحسن خلقه معها قال: وليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها والحلم عن طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان أزواجه يراجعنه الكلام وتهجره إحداهن إلى الليل قال: وأعلى من ذلك أن الرجل يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة فهي التي تطيب قلوب النساء فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق حتى روي أنه كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يومًا فقال لها: هذه بتلك.

5187 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَامَ وَالاِنْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَيْبَةَ أَنْ يُنْزَلَ فِينَا شَيْءٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا.

وبه قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه (قال: كنا نتقي) أي نتجنب (الكلام) الذي يخشى منه العاقبة (و) نتقي أيضًا (الانبساط إلى نسائنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم هيبة أن ينزل فينا شيء) من القرآن

بمنع أو تحريم وهيبة نصب مفعولًا لقوله نتقي وإن مصدرية أي نتقي لخوف النزول (فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا) إلى نسائنا تمسكًا بالبراءة الأصلية وفيه إشعار بأن الذي كانوا يتركونه كان من المباح والانبساط إليهن يحتمل أن يكون من جملة الوصاة بهن فيناسب الترجمة والله أعلم.

وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الجنائز.

‌81 - باب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}

هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({قوا أنفسكم}) احفظوها بترك المعاصي وفعل الطاعات ({وأهليكم}) بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم ({نارًا})[التحريم: 6] وفي ذكر المؤلّف هذه الآية عقب الباب السابق المذكور فيه: واستوصوا بالنساء خيرًا كما قال في فتح الباري رمز إلى أنه يقوّمهنّ برفق بحيث لا يبالغ فيكسر وليس المراد أنه يترهن على الاعوجاج إذا تعدين ما طبعن عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب، بل المراد أن يتركهن على اعوجاجهن في الأمور المباحة كما لا يخفى فللَّهِ در المؤلّف ما أدق نظره. قال الحسن: ما أطاع رجل امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في النار.

5188 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ: فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهْيَ مَسْؤولَةٌ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(كلكم راعٍ) أي حافظ وأمين، وأصله راعي بتحتية بعد العين لأنه من رعى يرعى رعاية استثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان فحذفت الياء فصار راعٍ على وزن فاعل فالمحذوف لام الفعل (وكلكم مسؤول) أي عن رعيته (فالإمام) بالفاء ولأبي ذر والإمام (راعٍ وهو مسؤول) أي عن رعيته (والرجل راع على أهله) يأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معاصيه ويقوم عليهم بما لهم من الحق (وهو مسؤول) أي عن رعيته فإن لم يكن له رعية فهو راعٍ على أعضائه وجوارحه وقواه وحواسه ومسؤول عنها (والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة) أي عن رعيتها (والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول) أي عن رعيته (ألا) بالتخفيف (فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول) أي عن رعيته.

‌82 - باب حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الأَهْلِ

(باب حسن المعاشرة مع الأهل).

5189 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ. قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. قَالَتِ الرَّابِعَةُ. زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ، أَوْ عَيَايَاءُ، طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلاًّ لَكِ. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ، مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ، قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ، مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ، قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ، أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ، وَمُنَقٍّ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ابْنُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، مَضْجِعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلَا تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا، قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ كُلِي أُمَّ زَرْعٍ. وَمِيرِي أَهْلَكِ قَالَتْ فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ: وَلَا تُعَشِّشُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعْضُهُمْ فَأَتَقَمَّحُ بِالْمِيمِ وَهَذَا أَصَحُّ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (سليمان بن عبد الرحمن) المعروف بابن بنت شرحبيل أبو أيوب الدمشقي (وعلي بن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها راء ابن إياس أبو الحسن السعدي المروزي (قال: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن) أخيه (عبد الله بن عروة عن) أبيه (عروة) بن الزبير بن العوّام (عن

ص: 79

عائشة) رضي الله عنها (قالت) مما هو موقوف وليس بمرفوع. نعم قوله: كنت لك كأبي زرع مرفوع، وقد رواه النسائي في عِشرَة النساء عن أبي عقبة خالد بن عقبة بن خالد السكونيّ عن أبيه عن هشام به موقوفًا وآخره مرفوع، وعن عبد الرحمن بن محمد بن سلم عن أبي عصمة ريحان بن سعيد بن المثنى عن عباد بن منصور عن هشام به جميعه مسند مرفوع، ورواه الطبراني في الكبير من رواية الدراوردي وعباد بن منصور كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا، وإنما المرفوع كنت لك كأبي زرع لأُم زرع والمحفوظ فيه رواية سعيد بن سلمة بن أبي الحسام وعيسى بن يونس كلاهما عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة عن أبيهما عن عائشة، ورواه الطبراني من حديث الدراوردي وعباد كما أشرنا إليه سابقًا بدون واسطة أخيه عن هشام بن جميعه مسند مرفوع ولفظه، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كنت لك كأبي زرع لأم زرع". قالت عائشة: بأبي وأمي يا رسول الله ومن كان أبو زرع؟ قال: "اجتمع" فَسَاق الحديث كله، لكن قال ابن عساكر: الصواب حديث هشام عن أخيه عبد الله بن عروة بعضه مسند وأكثره موقوف انتهى.

وكذا روي مرفوعًا من رواية عبد الله بن مصعب والدراوردي عند الزبير بن بكار، وأخرجه مسلم في الفضائل عن علي بن حجر وأحمد بن جناب بفتح الجيم والنون كلاهما عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله عن عروة عن عائشة قالت:(جلس) جماعة (إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن) أي ألزمن أنفسهن عهدًا وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقدًا (أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا).

وعند الزبير بن بكار عن عائشة دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي بعض نسائه فقال يخصني بذلك: "يا عائشة أنا لك كأبي زرع لأُم زرع" قلت: يا رسول الله ما حديث أبي زرع وأم زرع؟ قال: "إن قرية من قرى اليمن كان بها بطن من بطون اليمن وكان منهم إحدى عشرة امرأة وإنهن خرجن إلى مجلس فقلن تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب" ففيه ذكر قبيلتهن وبلادهن، لكن في رواية الهيثم إنهنّ كنّ بمكة.

وعند ابن حزم إنهن من خثعم، وعند النسائي من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع".

وعند أبي القاسم عبد الحكيم بن حيان بسند له مرسل من طريق سعيد بن عفير عن القاسم بن الحسن عن عمرو بن الحارث عن الأسود بن جبير المعافري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم

على عائشة وفاطمة وقد جرى بينهما كلام فقال "ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي إن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع". فقالت: يا رسول الله حدّثنا عنهما فقال: "كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة وكان الرجال خلوفًا فقلن تعالين نذكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب".

(قالت) المرأة (الأولى) ولم تسم تذم زوجها (زوجي لحم جمل غث) بفتح العين المعجمة وتشديد المثلثة والرفع صفة للحم والجرّ صفة لجمل وكلاهما في الفرع. قال البدر الدماميني: لا إشكال في جوازهما لكن لا أدري ما المرويّ منهما ولا هل ثبتا معًا في الرواية فينبغي تحريره انتهى. قلت: قال ابن الجوزي: المشهور في الرواية الخفض، وقال لنا ابن ناصر: الجيد الرفع، ونقله عن التبريزي وغيره والمعنى زوجي شديد الهزال (على رأس جبل) زاد الترمذي في الشمائل وعر أي كثير الصخر شديد الغلظة يصعب الرقيّ إليه وعند الزبير بن بكار على رأس جبل وعث بفتح الواو وسكون المهملة بعدها مثلثة صعب المرتقى بحيث توحل فيه الأقدام فلا تخلص منه ويشق فيه المشي (لا سهل فيرتقى) بضم التحتية وفتح القاف مبنيًا للمفعول أي فيصعد إليه لصعوبة المسلك إليه ولا سهل بالخفض منوّنًا في الفرع كأصله صفة

ص: 80

الجبل، ويجوز الفتح بلا تنوين على إعمال لا مع حذف الخير أي لا سهل فيه والرفع مع التنوين خبر مبتدأ مضمر أي لا هو. قال البدر الدماميني: ويلزم عليه إلغاء لا مع عدم التكرير في توجيه الرفع ودخول لا على الصفة المفردة مع انتفاء التكرير في توجيه الجر وكلاهما باطل انتهى. وعند الطبراني لا سهل فيرتقى إليه (ولا سمين) بالجر والرفع منوّنًا والفتح بلا تنوين كما مرّ في لا سهل، ويجوز أن يكون رفع سمين على أنه صفة للحم وجره صفة للجمل (فينتقل) أي لا ينقله أحد لهزاله. وعند أبي عبيد فينتقى وهو وصف للحم أي ليس له نقي يستخرج والنقي بكسر النون المخ يقال نقوت العظم ونقيته إذا استخرجت مخه.

قال القاضي عياض: انظر إلى كلامها فإنه مع صدق تشبيهه قد جمع من حسن الكلام أنواعًا، وكشف عن محيا البلاغة قناعًا، وقرن بين جزالة الألفاظ، وحلاوة البديع، وضم تفاريق المناسبة والمقابلة والمطابقة والمجانسة والترتيب والترصيع، فأما صدق تشبيهها فقد أودعت أول كلامها تشبيه شيئين من زوجها بشيئين فشبهت باللحم الغث بخله وقلة عرفه، وبالجبل الوعث شراسة خلقه وشموخ أنفه، فلما تممت كلامها جعلت تفسر شابقة كل واحدة من الجملتين وتفصل ناعتة كل قسم من المشبهين ففصلت الكلام وقسمته، وأبانت الوجه الذي علقت التشبيه به وشرحته، فقالت: لا الجبل سهل فلا يشق ارتقاؤه لأخذ اللحم ولو كان هزيلًا لأن الشيء المزهود فيه قد يؤخذ إذا وجد بغير نصب، ولا اللحم سمين فيحتمل في طلبه واقتنائه مشقة صعود الجبل ومعاناة وعورته فإذا لم يكن هذا ولا ذاك واجتمع قلة الحرص عليه ومشقة الوصول إليه، لم تطمح إليه همة طالب ولا امتدت نحوه أمنية راغب، فقطع الكلام عند تمام التشبيه والتمثيل، وابتداؤه بحكم التفسير والتفصيل أليق بنظم الكلام وأحسن من نفي التبرئة وردّ الصفة في نمط البيان وأجلى في ردّ الأعجاز على صدور هذه الأقسام، والتشبيه أحد أبواب البلاغة وأبدع أفانين هذه

الصناعة وهو موضع للجلاء والكشف والمبالغة في البيان والعبارة عن الخفي بالجلي، والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير والشيء بما هو أعظم منه وأحسن أو أخس وأدون وعن القليل الوجود بالمألوف المعهود، وكل هذا تأكيد في البيان والمبالغة في الإيضاح، فانظر إلى قول امرأة: زوجي بخيل لا يوصل إليّ شيء مما عنده، وإلى كلام هذه المرأة فقد شبهت بخل زوجها وأنه لا يوصل إلى ما عنده مع شراسة خلقه وكبر نفسه بلحم الجمل الغث على رأس الجبل الوعث، فشبهت وعورة خلقه بوعورة الجبل وبعد خيره ببعد اللحم على رأسه والزهد فيما يرجى منه لقلته وتعذره بالزهد في لحم لجمل الغث فأعطت التشبيه حقه ووفته قسطه، وهذا من تشبيه الجلي بالخفي والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير، ثم انظر أيضًا حسن نظم كلامها ونضارته وأخذه حقه من المؤالفة والمناسبة في الألفاظ التي هي رأس الفصاحة وزمام البلاغة فإنها وازنت ألفاظها وماثلت كلماتها وقدّرت فقرها وحسنت أسجاعها فوازنت في الفقرة الأولى لحم برأس في الثانية وجمل بجبل وغث بوعث وقحر بوعر فأفرغت كل فقرة في قالب أختها ونسجتها على منوال صاحبتها، ثم في كلامها أيضًا نوع آخر من البديع وهو الموازنة ويسمى الترصيع والتسميط والتصفير والتسجيع وهو أن تتضمن الفقر أو بيت الشعر مقاطع أخر بقوافٍ متماثلة غير فقر السجع وقوافي الشعر اللازمة فيتوشح بها القول وينفصل بها نظم اللفظ، كما أتت هذه المرأة بجمل في وسط الفقرة الأولى وجبل في وسط الفقرة الأخرى، ففصلت بذلك الكلام على جزء من المقابلة أثناء السجعتين اللتين هما غث ووعث لكل فقرة سجعتان متقابلتان متماثلتان، ثم في كلامها أيضًا نوع من البديع يسمى المطابقة وهو مقابلة الشيء بضده فقابلت الوعر بالسهل والغث بالسمين في الفقرتين الأخيرتين وهو مما يحسن الكلام ويروق بمناسبته، وفي طيه أيضًا نوع من

ص: 81

المجانسة وهو تجانس جمل بجبل وهو وإن لم يجانسه في كل حروفه فقد جانسه في أكثرها، ثم في كلامها أيضًا نوع من البديع وهو حسن التفسير وغرابة التقسيم وإبداع حمل اللفظ على المعنى والمعنى على المعنى في المقابلة والترتيب وذلك في قولها: لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى، فإنها فسرت ما ذكرت، وبينت حقيقة ما شبهت، وقسمت كل قسم على حياله، وفصلت كل فصل من مثاله، وجاءت للفقرتين الأولين بفقرتين مفسرتين، وقابلت لا سهل فيرتقى بقولها: ولا سمين فينتقى، وهذا يسمى المقابلة عند أهل النقد. ووقع في رواية النسائي بتقديم لا سمين لعوده على اللحم المقدم وتأخير سهل لعطفه على الجبل المؤخر فيكون أوّل تفسير لأوّل مفسر وهو قولها كلحم جمل والثاني للثاني فحملت اللفظ على اللفظ، ثم ردت المقدم على المقدم والمؤخر على المؤخر فتقابلت معاني كلماتها وترتبت ألفاظها. ثم في كلامها أيضًا نوع من البديع وهو التزام ما لا يلزم في سجعها وهو قولها فيرتقى وينتقى فالتزمت القاف والتاء في كل سجع قبل القافية وقافية سجعها الياء المقصورة، وهذا نوع زيادة في تحسين الكلام وتماثله وإغراق في جودة تشابهه وتناسبه، ثم فيه أيضًا نوع من البديع يسمى الإيغال وهو أن يتم كلام الشاعر قبل البيت أو الناثر قبل السجع إن كان كلامه مسجعًا وقبل الفصل والقطع إن لم يكن كذلك فيأتي بكلمة لتمام قافية البيت أو السجع

أو مقابلة الفصل والقطع تفيد معنى زائدًا فإنها لو اقتصرف على تشبيه زوجها بلحم جمل على رأس جبل لاكتفت ببعد مناله ومشقة الوصول إليه والزهد فيه وهو غرضها لكنها زادت بسجعها غث ووعر معنيين بينين وبالغت في القول فأفادت بزيادتها التناهي في غاية الوصف انتهى كلام القاضي وإنما أطلنا به لما فيه من فرائد الفوائد.

وأما قوله في التنقيح تريد أنه مع قلة خيره متكبر على عشيرته فيجمع إلى منع الرفد سوء الخلق فتعقبه في المصابيح بأنه لا دلالة في لفظها على أنه متكبر على العشيرة مترفع على قومه انتهى.

ولعل هذا أخذه الزركشي من قول الخطابي إن تشبيهها له بالجبل الوعر إشارة إلى سوء خلقه وأنه يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه أي جمع إلى قلة الخير التكبر.

(قالت) المرأة (الثانية) واسمها عمرة بنت عمرو التميمي تذم زوجها (زوجي لا أبث) بالموحدة المضمومة أي لا أظهر ولا أشيع (خبره) لطوله وفي رواية ذكرها القاضي عياض لا أنث بالنون بدل الموحدة أي لا أظهر حديثه الذي لا خير فيه لأن النث بالنون أكثر ما يستعمل في الشر، وعند الطبراني لا أنم بالنون والميم من النميمة (إني أخاف أن لا أذره) بالذال المعجمة والضمير يعود على قولها خبره عند ابن السكيت أي أخاف أن لا أترك من خبره شيئًا لأنه لطوله وكثرته لم أستطع استيفاءه فاكتفت بالإشارة خشية أن تطول العبارة، وقيل يعود الضمير إلى زوجها وكأنها خشيت إذا ذكرت ما فيه أن يبلغه فيفارقها ولا زائدة أو أنها إن فارقته لا تقدر على تركه لعلاقتها به وأولادها منه فاكتفت بالإشارة إلى أن له معايب وفاء بما التزمته من الصدق وسكتت عن تفسيرها للمعنى الذي اعتذرت به (إن أذكره أذكر) بالجزم جواب إن (عجره وبجره) بضم العين والموحدة وفتح الجيم. قال في القاموس: وذكر عجره وبجره أي عيوبه وأمره كله، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام ثم ابن السكيت استعملا فيما يكتمه المرء ويخفيه عن غيره. وقال الخطابي: أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة. قال: ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن، وقال علي بن أبي طالب أشكو إلى الله عجري وبجري أي همومي وأحزاني وأصل العجرة الشيء يجتمع في الجسد كالسلعة والبجرة نحوها وقيل العجر في الظهر والبجر في البطن.

(قالت) المرأة (الثالثة) وهي حبى بضم الحاء المهملة وتشديد الموحدة مقصورًا بنت كعب اليماني تذم زوجها (زوجي العشنق) بفتح العين المهملة والشين المعجمة والنون المشددة بعدها قاف الطويل المذموم السيء الخلق وقيل: ذمته بالطول لأن الطول في

ص: 82

الغالب دليل السفه لبُعد الدماغ عن القلب (إن أنطق) بكسر الطاء أي إن أذكر عيوبه فيبلغه (أطلق) بضم الهمزة وفتح الطاء واللام المشددة مجزوم جواب الشرط (وإن أسكت) عنها (أعلق) بوزن أطلق السابقة أي يتركني معلقة لا أيمًا فأتفرغ لغيره ولا ذات بعمل فأنتفع به. وقال في الفتح: الذي يظهر لي أنها أرادت وصف سوى حالها عنده فأشارت إلى سوء خلقه وعدم احتماله لكلامها إن شكت له حالها وأنها تعلم

أنها متى ذكرت له شيئًا من ذلك بادر إلى طلاقها وهي لا تحب تطليقه لها لمحبتها فيه ثم عبرت عن الجملة الثانية إشارة إلى أنها إن سكتت صابرة على تلك الحال كانت عنده كالمعلقة. وقال القاضي عياض: أوضحت بقولها على حد السنان المذلق مرادها بقولها قبل إن أسكت أعلق وإن أنطق أطلق أي أنها إن حادت عن السنان سقطت فهلكت وإن استمرت عليه أهلكها.

(قالت) المرأة (الرابعة) واسمها مهدد بفتح بالميم وسكون الهاء وفتح الدال المهملة الأولى بنت أبي هرومة بالراء المضمومة وبعد الواو ميم تمدح زوجها (زوجي كليل تهامة) بكسر التاء الفوقية اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز وهو من التهم بفتح الفوقية والهاء وهو ركود الريح وقال: في القاموس وتهامة بالكسر مكة شرّفها الله تعالى تريد أنه ليس فيه أذى بل راحة ولذاذة عيش كليل تهامة لذيذ معتدل (لا حر) مفرط (ولا قرّ) بضم القاف ولا برد وهو لفظ رواية النسائي والاسمان رفع مع التنوين كما في الفرع. وفي رواية الهيثم بن عدي عند الدارقطني ولا وخامة بواو وخاء معجمة مفتوحتين وبعد الألف ميم يقال مرعى وخيم إذا كانت الماشية لا تنجع عليه (ولا مخافة ولا سآمة) أي لا ملالة لي ولا له من المصاحبة والكلمتان مبنيتان على الفتح في الفرع ويجوز الرفع كقراءة أبي عمرو وابن كثير: فلا رفث ولا فسوق بالرفع والتنوين فيهما على أن لا ملغاة وما بعدها رفع بالابتداء وسوّغ الابتداء بالنكرة سبق النفي عليها وبناء الثالث والرابع على أن لا للتبرئة، والمعنى لا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه ولا يسأمني ولا يستثقل بي فيملّ صحبتي وليس بسيئ الخلق فأسأم من عِشرته فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل. وقال ابن الأنباري: أرادت بقولها ولا مخافة أن أهل تهامة لا يخافون لتحصنهم بجبالها أو أرادت وصف زوجها بأنه حامي الذمار مانع لداره وجاره ولا مخافة عند من يأوي إليه ثم وصفته بالجود، وقال غيره: قد ضربوا المثل بليل تهامة في الطيب لأنها بلاد حارة في غالب الزمان وليس فيها رياح باردة فإذا كان الليل كان وهج الحر ساكنًا فيطيب الليل لأهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حرّ النهار.

(قالت) المرأة (الخامسة) واسمها كبشة بالموحدة الساكنة والمعجمة تمدح زوجها (زوجي إن دخل) البيت (فهد) بفتح الفاء وكسر الهاء فعل فِعْل الفهد يقال: فهد الرجل إذا أشبه الفهد في كثرة نومه تريد أنه ينام ويغفل عن معايب البيت الذي يلزمني إصلاحه، وقيل تريد وثب عليّ وثوب الفهد كأنها تريد أنه يبادر إلى جماعها من حبه لها بحيث إنه لا يصبر عنها إذا رآها. قال الكمال الدميري قالوا: أنوم من فهد وأوثب من فهد قال: ومن خلقه الغضب وذلك أنه إذا وثب على فريسة لا يتنفس حتى ينالها. وقال القاضي عياض: حمله الأكثر على الاشتقاق من خلق الفهد إما من جهة قوّة وثوبه وإما من كثرة نومه. قال: ويحتمل أن يكون من جهة كثرة كسبه لأنهم قالوا: أكسب من فهد وأصله أن الفهود الهرمة تجتمع على فهد منها فتيّ فيتصيد عليها كل يوم حتى يشبعها فكأنها قالت: إذا دخل المنزل دخل معه بالكسب لأهله كما يجيء الفهد لمن يلوذ به من الفهود الهرمة ثم لما كان في وصفها له بالفهد ما قد يحتمل الذم من جهة كثرة النوم رفعت

اللبس بوصفها له بخلق الأسد فأوضحت أن الأول سجية كرم ونزاهة شمائل ومسامحة في العشرة لا سجية جبن وخور في الطبع فقالت: (وإن خرج) من البيت (أسد) بكسر السين المهملة فعل

ص: 83

ماض تريد يفعل فعل الأسد في شجاعته وفيه كما قال القاضي عياض: المطابقة بين دخل وخرج لفظية وبين فهد وأسد معنوية وتسمى أيضًا المقابلة وفيهما أيضًا الاستعارة فإنها استعارت له في الحالتين خلق هذين الحيوانين فجاء في غاية من الإيجاز والاختصار ونهاية من البلاغة والبيان أي إذا دخل تغافل وتناوم، وإذا خرج صال فلما استعارت له خلق هذين السبعين في الحالين اللازمتين له المختصتين أعربت بذلك عن تخلقه بهما والتزامه لوصفيهما وعبرت عن جميع ذلك بكلمة وكلمة كل واحدة من ثلاثة أحرف حسنة التركيب مع جمالها في اللفظ ومناسبتهما في الوزن وسهولتهما في النطق (ولا يسأل عما عهد) بفتح العين وكسر الهاء أي عما له عهد في البيت من ماله إذا فقده لتمام كرمه وزاد الزبير بن بكار في آخره ولا يرفع اليوم لغد أي لا يدخر ما حصل عنده اليوم من أجل غد فكنّت بذلك عن غاية جوده، ويحتمل أن يكون المراد من قولها فهد على تفسيره بالوثوب عليها للجماع الذم من جهة أنه غليظ الطبع ليست عنده مداعبة قبل المواقعة بل يثب وثوب الوحش أو أنه كان سيئ الخلق يبطش بها ويضربها، وإذا خرج على الناس كان أمره أشدّ في الجرأة والإقدام والمهابة كالأسد ولا يسأل عما تغير من حالها حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة وغاب، ثم جاء لا يسأل عن ذلك ولا يتفقد حال أهله ولا بيته بل إن ذكرت له شيئًا من ذلك وثب عليها بالبطش والضرب.

(قالت) المرأة (السادسة) واسمها هند تذم زوجها (زوجي إن أكل لف) باللام المفتوحة والفاء المشددة فعل ماضٍ أي أكثر الأكل من الطعام مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقي منه شيئًا من نهمته وشرهه، وعند النسائي من رواية عمر بن عبد الله إذا أكل اقتف بالقاف أي جمع واستوعب، وحكى القاضي عياض: أنه روي رف بالراء بدل اللام قال وهي بمعنى لف (وإن شرب اشتف) بالشين المعجمة أي استقصى ما في الإناء، وقيل رويت استف بالسين المهملة وهي بمعناها (وإن اضطجع) نام (التف) في ثيابه وحده في ناحية من البيت وانقبض عنها فهي كئيبة لذلك كما قالت:(ولا يولج الكف) أي لا يدخل كفه داخل ثوبي (ليعلم البث) أي الحزن الذي عندي لعدم الحظوة منه فجمعت في ذمها له بين اللؤم والبخل وسوء العشرة مع أهله وقلة رغبته في النكاح مع كثرة شهوته في الطعام والشراب، وهذا غاية الذم عند العرب فإنها تذم بكثرة الطعام والشرب وتتمدح بقلتهما وكثرة الجماع لدلالة ذلك على صحة الذكورية والفحولية، وقول أبي عبيد في قولها ولا يولج الكف إنه كان في جسدها عيب فكان لا يدخل يده في ثوبها ليلمس ذلك العيب لئلا يشق عليها فمدحته بذلك. تعقبه ابن قتيبة بأنها قد ذمته في صدر الكلام فكيف تمدحه في آخره؟ وأجاب ابن الأنباري بأنه لا مانع أن تجمع المرأة بين مثالب زوجها ومناقبه لأنهن كن تعاهدن أن لا يكتمن من صفاتهم شيئًا، فمنهن من وصفت زوجها بالخير في جميع أموره، ومنهن من ذمته في جميع أموره، ومنهن من جمعت. وفي كلام هذه من البديع المناسبة والمقابلة في قولها: إن أكل وإن

شرب والالتزام فإنها التزمت التاء قبل القافية وقافية سجعها الفاء وفيه الترصيع وهو حسن التقسيم والتتبع والإرداف وهو من باب الكنايات والإشارات وهو التعبير بالشيء بأحد توابعه، وكلٍّ من الكنايات الحسية لأنها عبرت بقولها التف واكتفت به عن الإعراض عنها وقلة الاشتغال بها.

(قالت) المرأة (السابعة) واسمها حبى بنت علقمة تذمّ زوجها: (زوجي غياياء) بالغين المعجمة والتحتيتين المفتوحتين بينهما ألف مهموز ممدود مخفف مأخوذ من الغيّ بفتح المعجمة الذي هو الخيبة قال تعالى: {فسوف يلقون غيًّا} [مريم: 59] أو من الغياية بتحتيتين بينهما ألف وهو كل شيء أظل الشخص فوق رأسه فكأنه مغطى عليه من جهله فلا يهتدي إلى مسالك أو أنه كالظل المتكاثف الظلمة الذي لا إشراق فيه (أو) قالت: (عياياء)

ص: 84

بالمهملة الذي لا يضرب ولا يلقح من الإبل أو هو من العي بكسر العين المهملة أي الذي يعييه مباضعة النساء، والشك من عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الراوي. وقال الكرماني: هو تنويع من الزوجة القائلة كما صرح به أبو يعلى في روايته عن أحمد بن جناب عنه، وللنسائي من رواية عمر بن عبد الله عياياء بمعجمة من غير شك (طباقاء) بطاء مهملة فموحدة مفتوحتين فألف فقاف ممدود هو الأحمق أو الذي لا يحسن الضراب أو الذي تنطبق عليه أموره أو الثقيل الصدر عند الجماع يطبق صدره على صدر المرأة عند الجماع فيرتفع أسفله عنها فلا تستمتع به، وقد ذمت امرأة امرئ القيس فقالت له: ثقيل الصدر خفيف العجز سريع الإراقة بطيء الإفاقة (كل) ما تفرق في الناس من (داء) ومعايب (له داء) أي موجود فيه قال القاضي عياض: في هذا من لطيف الوحي والإشارة الغاية لأنه انطوى تحت هذه اللفظة كلام كثير (شجك) بشين معجمة وجيم مشدّدة مفتوحتين وكاف مكسورة أي أصابك بشجة في رأسك (أو قلك) بفاء ولام مشددة مفتوحتين وكاف مكسورة أي أصابك بجرح في جسدك أو كسرك أو ذهب بمالك أو قسرك بخصومته، وزاد ابن السكيت في رواية أو بجك بموحدة وجيم مشددة مفتوحتين وكاف مكسورة أي طعنك في جراحتك فشقها والبج شق القرحة (أو جمع كلاًّ) من الشج والفل (لك) وفي رواية الزبير إن حدّثته سبك وإن مازحته فلك وإلاّ جمع كلالك فوصفته كما قال القاضي عياض: بالحمق والتناهي في سوء العشرة وجمع النقائص بأن يعجز عن قضاء وطرها مع الأذى فإذا حدّثته سبها وإذا مازحته شجها وإذا أغضبته كسر عضوًا من أعضائها أو شق جلدها أو جمع كل ذلك من الضرب والجرح وكسر العضو وموجع الكلام، وفي هذا القول من البديع المطابقة والالتزام في قولها شجك فلك بجك جمع كلالك والتقسيم وبديع الوحي والإشارة بقولها كل داء له داء وهو من لطيف الوحي والإشارة وهي جملة أنبأت بوجازة ألفاظها وأعربت بلطائف إشاراتها عن معانٍ كثيرة.

(قالت) المرأة (الثامنة) وهي ياسر بنت أوس بن عبد تمدح زوجها: (زوجي المس) منه (مس أرنب) وصفته بأنه ناعم الجلد كنعومة وبر الأرنب أو كنّت بذلك عن حسن خلقه ولين جانبه (والريح) منه (ريح زرنب) أي طيب العرق لنظافته واستعماله الطيب، والزرنب بزاي مفتوحة فراء ساكنة فنون مفتوحة فموحدة. قال في القاموس: طيب أو شجر طيب الرائحة والزعفران، ويحتمل

أن تكون كنّت بذلك عن طيب الثناء عليه لجميل معاشرته، وقال القاضي عياض: هذا من التشبيه بغير أداة وفيه حسن المناسبة والمقابلة بقولها المسّ مسّ أرنب والالتزام في قولها أرنب وزرنب فإنها التزمت الراء والنون، وزاد الزبير بن بكار والنسائي من رواية عقبة وأنا أغلبه والناس يغلب فوصفته مع جميل العِشرة لها والصبر عليها بالشجاعة، وهذا كما حكاه صاحب تحفة النفوس أن صعصعة بن صوحان قال يومًا لمعاوية كيف ننسبك إلى العقل وقد غلبك نصف إنسان يريد امرأته فاختة بنت قرطة. فقال: إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام، وقال عياض: وقولها والناس يغلب فيه نوع من البديع يسمى التتميم لأنها لو اقتصرف على قولها وأنا أغلبه لظن أنه جبان ضعيف فلما قالت: والناس يغلب دل على أن غلبها إياه إنما هو من كرم سجاياه فتممت بهذه الكلمة للمبالغة في حسن أوصافه.

(قالت) المرأة (التاسعة) ولم تسم تمدح زوجها: (زوجي رفيع العماد) بكسر العين المهملة وهو العمود الذي يدعم به البيت تعني أن البيت الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدونه كما كانت بيوت الأجواد، يعلونها ويضربونها في المواضع المرتفعة ليقصدهم الطارقون والطالبون أو هو مجاز عن زيادة شرفه وعلو ذكره (طويل النجاد) بكسر النون بعدها جيم فألف فدال مهملة. قال في

ص: 85

القاموس: ككتاب حمائل السيف أي طويل القامة وفي ضمن كلامها إنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته (عظيم الرماد) لأن ناره لا تطفأ لتهتدي الضيفان إليها فيصير رمادها كثيرًا لذلك أو كنّت به عن كونه مضيافًا لأن كثرة الرماد مستلزمة لكثرة الطبخ المستلزمة لكثرة الأضياف، وهذه الكناية عندهم من الكنايات البعيدة لأن الانتقال فيها من الكناية إلى المطلوب بها بواسطة فإنه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور ومن كثرة الإحراق إلى كثرة الطبائخ، ومنها إلى كثرة الآكلين، ومنها إلى كثرة الضيفان.

(وها هنا فائدة جليلة في الفرق بين الكناية والمجاز).

قال الشيخ تقي الدين السبكي، ومن خطة نقلت من الفروق المشهورة بينهما أن الحقيقة لا يصح إرادتها مع المجاز وتصح إرادتها مع الكناية، وأقول هذا صحيح ولا يحصل به شفاء لأن الكناية إن أريد بها معناها كانت حقيقة وإن أريد بها المكنّى عنه كانت مجازًا، وأيضًا فإن هذا إنما يجيء عند من لا يجوّز الجمع بين الحقيقة والمجاز أما من يجوّزه فلا يمنع إرادة الحقيقة مع إرادة المجاز والجواب أن الكناية مثل قولنا: كثير الرماد وله ثلاثة أحوال.

أحدها: أن يراد حقيقته فقط من غير أن يقصد معنى الكرم فهذا حقيقة لا كناية ولا مجاز بأن يريد الإخبار عن رجل عنده رماد كثير حاصل عنده وإن كان بخيلًا.

الثاني: أن يقصد بقوله كثير الرماد استعماله في معنى كريم ونقله إليه على وجه الاستعارة لما بينهما من العلاقة، وهذا مجاز لأنه استعمال اللفظ في غير موضوعه.

الثالث: أن يقصد استعماله في معناه الحقيقي ليفيد معنى الكرم للزومه له غالبًا وهذا هو الكناية، فالمعنى الحقيقي مراد والمعنى المجازي مراد بالدلالة عليه بالمعنى الحقيقي، فعلى هذا ينبغي حمل قولهم إنه تجتمع الكناية مع الحقيقة بخلاف المجاز ولا فرق بين أن يقول: يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز أو لا، لأن معنى الجمع بين الحقيقة والمجاز أن يريدهما بكلمة واحدة يستعملها فيهما والكناية لم يستعملها فيهما وإنما استعملها في أحدهما للدلالة على الآخر والتعريض قريب من الكناية يشتركان في إرادة الحقيقة وفي قصد إفادة معنى آخر ويفترقان في أن المفاد بالكناية على جهة اللزوم غالبًا والدلالة عليه قوية وفي التعريض بخلافه والله أعلم انتهى.

(قريب البيت من الناد) من مجلس القوم فإذا اشتوروا على أمر اعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره لشرفه في قومه أو وصفته بقرب البيت لطالب القرى، وبالجملة فقد وصفته بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة، والنادي بالياء على الأصل لكن المشهور في الرواية حذفها وبه يتم السجع، وفي قولها من البديع المناسبة والاستعارة والإرداف والتتبع وحسن التسجيع فناسبت ألفاظها وقابلت كلماتها بقولها رفيع العماد طويل النجاد فكل لفظة على وزن صاحبتها، وفيه الإرداف والتتبع في طويل النجاد فإن طول النجاد من توابع الطول ولوازمه وعظيم الرماد من توابع الكرم وروادفه وكذلك قريب البيت من الناد من التتبع البديع أيضًا إذ العادة أنه لا ينزل قرب النادي إلا المنتصب للضيفان فكان ردفًا لكرمه وجوده. وقولها طويل النجاد أبلغ وأكمل من قولها طويل، فلما عبرت عنه بما هو من توابعه بقولها طويل النجاد أبلغت في طوله وكأنها أظهرت طوله للسامع صورة ليراها مع ما في هذه الصيغة من طلاوة اللفظ مع الإيجاز إذ لو أرادت تحقيق طوله المحمود لطال كلامها وتحت هذه الألفاظ الوجيزة جمل كثيرة أعربت هذه الكنايات اللطيفة عنها، وأين هي في البلاغة من قولها لو قالت زوجي كريم كثير الضيفان أو كرم الناس فإن واحدًا من هذه الأوصاف على كثرة ألفاظها ومبالغة أوصافها لا ينتهي منتهى واحد من قولها عظيم الرماد. قال القاضي عياض: إذا لمحت كلام هذه وتأملته ألفيتها لأفانين البلاغة جامعة وبعلم البيان وبعض الإيجاز والقصد قارعة انتهى.

ص: 86

(قالت) المرأة (العاشرة) واسمها كبشة كاسم الخامسة بنت الأرقم بالراء والقاف تمدح زوجها: (زوجي مالك وما مالك): استفهامية للتعجب والتعظيم أي أيّ شيء هو مالك ما أعظمه وأكرمه (مالك خير من ذلك) بكسر الكاف زيادة في الإعظام وترفيع المكانة وتفسير لبعض الإبهام وإنه خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر (له) أي لزوجي (إبل كثيرات المبارك) بفتح الميم جمع مبرك وهو موضع البروك أي كثيرة ومباركها كذلك أو كثيرًا ما تُثار فتُحلب ثم تبرك فتكثر مباركها لذلك (قليلات المسارح) لاستعداده للضيفان بها لا يوجه منها إلى المرعى إلا قليلًا ويترك سائرها بفنائه فإن فاجأه ضيف وجد عنده ما يقريه به من لحومها وألبانها (وإذا سمعن) أي الإبل (صوت المزهر) عند ضربه به فرحًا بالضيفان عند قدومهم عليه (أيقنّ أنهنّ هوالك) لمعرفتهن بعقرهنّ للضيفان لما كثرت عادته بذلك، والمزهر بكسر الميم وسكون الزاي

وفتح الهاء بعدها راء آلة من آلاف اللهو، والحاصل أنها جمعت في وصفها له بين الثروة والكرم وكثرة القرى والاستعداد له.

(قالت) المرأة (الحادية عشرة) وهي أم زرع بنت أكيمل بن ساعدة اليمنية واسمها فيما حكاه ابن دريد عاتكة تمدح زوجها (زوجي أبو زرع فما) بالفاء ولأبي ذر: وما (أبو زرع) أخبرت أولًا باسمه ثم عظمت شأنه بقولها فما أبو زرع أي إنه لشيء عظيم كقوله تعالى: {الحاقة * ما الحاقة} [الحاقة: 1، 2] وزاد الطبراني صاحب نعم وزرع (أَناس) بهمزة مفتوحة فنون مخففة فألف فسين مهملة أي حرك (من حليّ) بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد التحتية أي ملأ (أُذنيّ) تثنية أُذن من أقراط وشنف من ذهب ولؤلؤ حتى تدلى ذلك واضطرب من كثرته وثقله، وفي رواية ابن السكيت أُذني وفرعي بالتثنية أي يديها لأنهما كالفرعين من الجسد تريد حليّ أُذنيّ ومعصميّ (وملأ من شحم عضدي) بتشديد التحتية تثنية عضد. قال في القاموس: بالفتح وبالضم وبالكسر وككتف وندس وعنق ما بين المرفق إلى الكتف وهما إذا سمنا سمن الجسد كله فذكرها العضدين للسجع ودلالتهما على الباقي فكأنها قالت أسمنني وملأ بدني شحمًا (وبجحني) بموحدة وجيم مخففة وفي اليونينية مشددة وحاء مهملة مفتوحات ثم نون مكسورة عظمني (فبجحت) بفتحات ثم سكون الفوقية (إليّ) بتشديد التحتية (نفسي) فعظمت عندي أو فخرني ففخرت أو وسع عليّ وترفني وعند النسائي وبجح نفسي فتبجحت إليّ نفسي بالتشديد أي فرحني ففرحت (وجدني في أهل غنيمة) بضم الغين المعجمة وفتح النون تصغير غنم وأنّث على إرادة الجماعة تقول: إن أهلها كانوا ذوي غنم وليسوا أصحاب إبل ولا خيل (بشق) بموحدة ومعجمة مكسورة عند المحدّثين مفتوحة عند غيرهم اسم موضع أو هو بالكسر أي مشقة من ضيق العيش والجهد أو بشق جبل أي ناحيته كانوا يسكنونه لقلتهم وقلة غنمهم وبالفتح شق في الجبل كالغار فيه (فجعلني في أهل صهيل) صوت خيل (و) أهل (أطيط) صوت إبل من ثقل حملها، وزاد النسائي: وجامل وهو جمع جمل أو اسم فاعل لمالك الجمال كقوله: لابن وتامر (و) أهل (دائس) يدوس الزرع في بيدره ليخرج الحب من السنبل (ومنق) بفتح النون في الفرع وتشديد القاف من نقى الطعام تنقية أي يزيل ما يختلط به من قشر ونحوه، وروي بكسر النون. قال أبو عبيد: ولا أعرفه فإن صحت الرواية به فهو من النقيق وهو أصوات المواشي والأنعام فتكون وصفته بكثرة الأموال وأنه نقلها من شدة العيش وجهده إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع (فعنده) أي عند زوجي (أقول) وفي رواية الزبير أتكلم (فلا أقبح) بضم الهمزة وفتح القاف والموحدة المشددة بعدها حاء مهملة مبنيًّا للمفعول فلا يقول لي قبحك الله أو لا يقبح قولي لكثرة إكرامه لي لمحبته لي ورفعة مكاني عنده (وأرقد فأتصبح) بهمزة وفوقية ومهملة وموحدة مشدّدة مفتوحات ثم حاء مهملة أي أنام الصبحة وهي نوم أول النهار فلا

ص: 87

أوقظ لأن لي من يكفيني مؤونة بيتي ومهنة أهلي (وأشرب) الماء أو اللبن أو غيرهما (فأتقنح) بهمزة ففوقية فقاف فنون مشددة لأبي ذر مفتوحات فحاء مهملة أي أشرب كثيرًا حتى لا أجد مساغًا أو لا أتقلل من مشروبي ولا يقطع عليّ حتى تتم شهوتي منه. وفي رواية

الهيثم وآكل فأتمنح أي أطعم غيري، يقال: منحه يمنحه إذا أعطاه وأتت بالألفاظ كلها بوزن أتفعل لتفيد تكرر ذلك وملازمته مرة بعد أخرى ومطالبة نفسها أو غيرها بذلك، وقول أبي عبيد لا أراها قالت فأتقنح إلا لعزة الماء عندهم أي فلذلك فخرت بالري من الماء تعقب بأن السياق ليس فيه ذكر الماء فهو محتمل له ولغيره من الأشربة؛ قيل: إن لم تثبت رواية الهيثم وآكل فأتمنح ففي اقتصارها على ذكر الشرب إشارة إلى أن المراد به اللبن لأنه هو الذي يقوم مقام الطعام والشراب، ولغير أبي ذر: فأتقمح بالميم بدل النون ما ذكرها المصنف بعد عن بعضهم، وقال: إنها أصح فقول القاضي عياض إنه لم يقع في الصحيحين إلا بالنون، ورواه الأكثر في غيرهما بالميم لا يخفى ما فيه. قال أبو عبيد: أتقمح بالميم أي أروى حتى لا أشرب مأخوذ من الناقة القامح وهي التي ترد الحوض فلا تشرب وترفع رأسها ريًّا أو هما بمعنى.

(أُم أبي زرع) زوجي (فما أم أبي زرع) ما استفهامية للتعجب والتعظيم (عكومها) بضم العين المهملة والكاف والميم أي أعدالها وغرائرها التي تجمع فيها أمتعتها أو نمطها الذي تجعل فيه ذخيرتها ذكره في القاموس وغيره (رداح) بفتح الراء والدال المهملتين وبعد الألف حاء مهملة مرفوعة أي عكومها كلها رداح ثقيلة فوصفها بالثقل لكثرة ما فيها من المتاع والثياب. وقال في النهاية: أي ثقيلة الكفل ويصح أن يكون رداح خبر عكوم فيخبر عن الجمع بالجمع أو خبر لمبتدأ محذوف أي كلها رداح كما مرّ على أن رداح واحد جمعه ردح بضمتين، وقد سمع الخبر عن الجمع بالواحد مثل أدرع دلاص فيحتمل أن يكون هذا منه، ويحتمل أن يكون مصدرًا كطلاق وكمال أي على حذف مضاف أي عكومها ذات رداح (وبيتها فساح) بفاء مفتوحة فسين مهملة مخففة فألف فحاء مهملة مرفوع واسع كثير، والحاصل أنها وصفت والدة زوجها بكثرة الآلات والأثاث والقماش وسعة المال كبيرة المنزل لبر ابنها أبي زرع لها وأنه لم يطعن في السن لأن ذلك هو الغالب ممن يكون له والدة.

(ابن) زوجي (أي زرع) ولم يسم (فما ابن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة) بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام مصدر ميمي بمعنى المسلول والشطبة بفتح الشين المعجمة السعفة الخضراء يشق منها قضبان رقاق ينسج منها الحصر أي موضعه الذي ينام فيه في الصغر كمسلول الشطبة ويلزم منه كونه مهفهفًا أو أرادت سيفًا سلّ من غمده، والعرب تشبه الرجل بالسيف لخشونة جانبه ومهابته أو لجماله ورونقه وكمال لألائه أو لكمال صورته في استوائها واعتدالها (ويشبعه ذراع الجفرة) بفتح الجيم وسكون الفاء بعدها راء الأنثى من ولد المعز ابن أربعة أشهر وفصل عن أمه وأخذ في الرعي، ويقال لولد الضأن أيضًا إذا كان ثنيًا. وفي القاموس الجفر من أولاد الشاء ما عظم واستكرش أو بلغ أربعة أشهر وزاد ابن الأنباري ويرويه فيقة اليعرة ويميس في حلة النترة، فقولها ويرويه من الإرواء والفيقة بكسر الفاء وسكون التحتية بعدها قاف ما يجتمع في الضرع بين الحلبتين واليعرة بفتح التحتية وسكون العين المهملة بعدها راء العناق ويميس بالسين المهملة يتبختر، والنترة: بالنون المفتوحة ثم الفوقية الساكنة الدرع اللطيفة، وقيل اللينة الملمس. والحاصل أنها

وصفته بهيف القدّ وأنه ليس ببطين ولا جاف وأنه قليل الأكل والشرب ملازم لآلة الحرب يختال في موضع القتال وذلك مما تتمادح به العرب.

(بنت) زوجي (أبي زرع فما بنت أبي زرع)؟ في مسلم وما بالواو بدل الفاء ولم تسم البنت المذكورة (طوع أبيها وطوع أمها) فلا تخرج عن أمرهما وصفتهما ببرهما وزاد الزبير وزين أهلها ونسائها أي

ص: 88

يتجملون بها (وملء كسائها) لامتلاء جسمها وسمنها (وغيظ جارتها) أي ضرّتها لما ترى من جمالها وأدبها وعفتها. وقول الزركشي كغيره في هذه الألفاظ دليل لسيبويه في إجازته مررت برجل حسن وجهه خلافًا للمبرد والزجاج أي حيث أنكرا إجازة مثل ذلك لأنه من إضافة الشيء إلى مثله، تعقبه البدر الدماميني فقال: ما أظن أن سيبويه يرضى بهذا الاستدلال وذلك لأن كلاًّ من طوع وملء وغيظ ليس صفة مشبهة ولا اسم فاعل ولا مفعول من فعل لازم حتى يجري مجرى الصفة المشبهة، وإنما كلٌّ منها مصدر لفعل متعدٍّ فطوع أبيها بمعنى طائعة أبيها أي مطيعة ومنقادة له، وملء كسائها أي مالئة كساءها، وغيظ جارتها أي غائظة جارتها وجواز مثل هذا في اسم الفاعل من الفعل المتعدي جائز بالإجماع لا يخالف فيه المبرد ولا الزجاج ولا غيرهما، وبالجملة فليس هذا من محل النزاع في شيء انتهى.

وعند مسلم من رواية سعيد بن سلمة وحقر جارتها بفتح الحاء المهملة وسكون القاف أي دهشتها أو قتلها، وللطبراني وحين جارتها بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها نون أي هلاكها، وزاد ابن السكيت قباء هضيمة الحشا جائلة الوشاح عكناء فعماء نجلاء دعجاء زجاء قنواء مؤنقة معنقة فقوله قباء بفتح القاف وتشديد الموحدة أي ضامرة البطن وهضيمة الحشا بمعنى ضامرة وجائلة الوشاح بالجيم والوشاح بكسر الواو أي يدور وشاحها لضمور بطنها والوشاح قال في القاموس: بالضم والكسر كرسان من لؤلؤ وجوهر منظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر أو أديم عريض مرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها، وهي غرثى الوشاح هيفاء، وعكناء بفتح العين المهملة وسكون الكاف وبالنون والمدّ أي ذات عكن وهي طيات بطنها، وعكناء بفتح العين المهملة وسكون الكاف وبالنون.

والمدّ أي ذات عكن وهي طيات بطنها، وفعماء بفتح الفاء وسكون العين المهملة وبالمدّ أي ممتلئة الأعضاء، ونجلاء بفتح النون وسكون الجيم والمدّ واسعة العين، ودعجاء من الدعج بالجيم شدة سواد العين في شدة بياضها، وزجاء بالزاي والجيم المشدّدة من الزجج وهو تقويس الحاجب مع طول في أطرافه وامتداده وقيل: بالراء بدل الزاي أي كبيرة الكفل يرتج من عظمه، وقنواء بفتح القاف وسكون النون والمد من القنو طول في الأنف ودقة الأرنبة مع حدب في وسطه ومؤنقة بالنون المشدّدة والقاف من الشيء الأنيق المعجب ومعنقة بوزنه أي مغذية بالعيش الناعم وكلها كما لا يخفى أوصاف حسان.

(جارية) زوجي (أبي زرع) لم تسم (فما جارية أبي زرع؟ لا تبث) بضم الموحدة وتشديد

المثلثة لا تفشي (حديثنا تبثيثًا) مصدر من بثّ بوزن فعل بالتشديد للمبالغة أي بل تكتمه (ولا تنقث) بضم الفوقية وفتح النون وكسر القاف المشدّدة بعدها مثلثة أي لا تخرج أو لا تفسد أو لا تسرع بالخيانة أو لا تذهب بالسرقة (ميرتنا) بكسر الميم وسكون التحتية بعدها راء أي زادنا (تنقيثًا) مصدر وصفتها بالأمانة (ولا تملأ بيتنا تعشيشًا) بالعين المهملة والشينين المعجمتين بينهما تحتية ساكنة أي لا تترك الكناسة والقمامة في البيت مفرقة كعش الطائر بل هي مصلحة للبيت مهتمة بتنظيفه وإلقاء كناسته وإبعادها منه، وقيل لا تخوننا في طعامنا فتخبؤه في زوايا البيت وقيل تريد عفاف فرجها وعدم فسقها، وزاد الهيثم بن عدي ضيف أبي زرع فما ضيف أبي زرع في شبع وري ورتع.

طهاة أبي زرع فما طهاة أبي زرع؟ لا تفتر ولا تعدى تقدح قدرًا وتنصب أخرى فتلحق الآخرة بالأولى. مال أبي زرع فما مال أبي زرع؟ على الجمم معكوس وعلى العفاة محبوس، فقوله رتع بفتح الراء والفوقية أي تنعم ومسرة والطهاة بضم الطاء المهملة. أي الطباخون لا تفتر بالفاء الساكنة ثم الفوقية المضمومة لا تسكن ولا تضعف ولا تعدى بضم الفوقية وتشديد الدال المهملة أي لا تترك ذلك ولا تتجاوز عنه وتقدح بالقاف والحاء المهملة آخره أي تغرف وتنصب أي ترفع قدرًا أخرى على النار، والجمم بالجيم جمع جمة القوم يسألون في الدية ومعكوس أي مردود والعفاة بضم العين

ص: 89

المهملة وتخفيف الفاء السائلون ومحبوس أي موقوف عليهما.

(قالت) أم زرع: (خرج) زوجي (أبو زرع) من عندي (والأوطاب) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الطاء المهملة وبعد الألف موحدة زقاق اللبن واحدها وطب على وزن فلس فجمعه على أفعال مع كونه صحيح العين نادر، والمعروف وطاب في الكثرة وأوطب في القلة والواو للحال أي خرج والحال أن زقاق اللبن (تمخض) بالخاء والضاد المعجمتين مبنيًّا للمفعول ليؤخذ زبد اللبن، ويحتمل أنها أرادت أن خروجه كان غدوة وعندهم الخير الكثير من اللبن الغزير بحيث يشربه صريحًا ومخيضًا ويفضل عندهم حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده، ويحتمل أنها أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان زمن الخصب والربيع، وكان خروجه إما لسفر أو غيره فلم تدر ما يحدث لها بسبب خروجه (فلقي امرأة) لم أقف على اسمها (معها ولدان لها) أي يسميا (كالفهدين) وفي رواية ابن الأنباري كالصقرين، وفي رواية الكاذي كالشبلين (يلعبان من تحت خصرها) وسطها (برمانتين) لأنها كانت ذات كفل عظيم فإذا استلقت على ظهرها ارتفع كفلها بها من الأرض حتى يصير تحتها فجوة تجري فيها الرمانة، وحمل بعضهم الرمانتين على النهدين محتجًّا بأن العادة لم تجر بلعب الصبيان ورميهم الرمان تحت أصلاب أمهاتهم. قال: ولعله مدر من كلام بعض الرواة، أورده على سبيل التفسير الذي ظنه فأدرج في الخبر، ورجحه القاضي عياض وتعقب بأن الأصل عدم الإدراج (فطلقني ونكحها) لما رأى من نجابة ولديها إذ كانوا يرغبون أن تكون أولادهم من النساء المنجبات

في الخلق والخُلق، وفي رواية الحارث بن أبي أسامة فأعجبته فطلقني (فنكحت) تزوجت (بعده رجلًا) أي يسم (سريًّا) بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية أي خيارًا (ركب) فرسًا (شريًّا) بالشين المعجمة فائقًا يستشري في سيره يمضي فيه بلا فتور ولاء (وأخذ) رمحًا (خطيًّا) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة المكسورة والتحتية المشددتين صفة موصوف محذوف والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح (وأراح) بفتح الهمزة والراء آخره حاء مهملة من الإراحة وهي الإتيان إلى موضع المبيت بعد الزوال (عليّ) بتشديد التحتية (نعمًا) بفتح النون والعين واحد الأنعام وأكثر ما يقع على الإبل (ثريًّا) بفتح المثلثة وكسر الراء وتشديد التحتية أي كثيرًا والثروة كثرة العدد وقول التنقيح كغيره وحقه أن يقول ثرية، ولكن وجهه بأن كل ما ليس بحقيقي التأنيث لك فيه وجهان في إظهار علامة التأنيث في الفعل واسم الفاعل والصفة أو تركها، تعقبه في المصابيح بأن هذا إنما هو بالنسبة إلى ظاهر غير الحقيقي التأنيث، وأما بالنسبة إلى ضميره فبالتأنيث قطعًا إلا في الضرورة مع التأويل وإلاّ فمثل قولك: الشمس طلع أو طالع ممتنع وعلى تقدير تسليم ذلك فلا يتمشى في هذا المحل فقد قال الفراء: إن النعم مذكر لا مؤنث يقولون هذا نعم وارد (وأعطاني من كل رائحة) من كل شيء يأتيه من أصناف الأموال التي تأتيه وقت الرواح (زوجًا) أي اثنين ولم يقتصر على الفرد من ذلك بل ثنّاه وضعفه إحسابًا إليها (وقال كلي) يا (أم زرع وميري أهلك) أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة وهي الطعام (قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع). وللطبراني فلو جمعت كل شيء أصبته منه فجعلته في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملأه، والظاهر أنه للمبالغة وإلا فالإناء أو الوعاء لا يسع ما ذكرت أنه أعطاها من أصناف النِعم، والحاصل أنها وصفت هذا الثاني بالسؤدد في ذاته والثروة والشجاعة والفضل والجود لكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله وتهدي ما شاءت لأهلها مبالغة في إكرامها، ومع ذلك لم يقع عندها موقع أبي زرع وأن كثيره دون قليل أبي زرع مع إساءة أبي زرع لها أخيرًا في تطليقها، ولكن حبها له بغّض إليها الأزواج لأنه أول أزواجها فسكنت عبته في قلبها كما قيل:

ما الحب إلا للحبيب الأول

ص: 90

ولذا كره أُولو الرأي تزوج امرأة لها زوج طلقها مخافة أن تميل نفسها إليه والحب يستر الإساءة. قال القاضي عياض: في كلام أم زرع من الفصاحة والبلاغة ما لا مزيد عليه فإنه مع كثرة فصوله وقلة فضوله مختار الكلمات، واضح السمات، نيّر القسمات، قد قدّرت ألفاظه قدر معانيه وقررت قواعده وشيدت مبانيه، وجعلت لبعضه في البلاغة موضعًا، وأودعته من البديع بدعًا، وإذا لمحت كلام التاسعة صاحبة العماد والنجاد ألفيتها لأفانين البلاغة جامعة فلا شيء أسلس من كلامها، ولا أربط من نظامها، ولا أطبع من سجعها، ولا أغرب من طبعها، وكأنما فقرها مفرغة في قالب واحد، ومحذوّة على مثال واحد، وإذا اعتبرت كلام الأولى وجدته مع صدق تشبيهه، وصقالة وجوهه، قد جمع من حسن الكلام أنواعًا، وكشف عن محيا البلاغة قناعًا، بل كلهن حسان الأسجاع، متفقات الطباع، غريبات الإبداع.

(قالت عائشة) رضي الله عنها بالسند الأول (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع) أي أنا لك فكان زائدة كقوله تعالى: {كنتم خير أمة أُخرجت للناس} [آل عمران: 110] وهذا فيه شيء لأن كان لا تدل على الانقطاع ولا على الدوام، فليس في هذا الكلام ما يقتضي انقطاع هذه الصفة فلا حاجة إلى دعوى زيادة كان وإن المعنى أنا لك. وزاد في رواية الهيثم بن عدي في الإلفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء، وزاد الزبير إلا أنه طلقها وأنا لا أطلقك فاستثنى الحالة المكروهة وهي ما وقع من تطليق أبي زرع تطييبًا لها وطمأنينة لقلبها ودفعًا لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء سوى ذلك، وقد أجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها فقالت: كما عند النسائي والطبراني: يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع، وفي رواية الزبير: بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع.

(قال أبو عبد الله) البخاري، وفي اليونينية شطب بالحمرة على قال أبو عبد الله (قال سعيد بن سلمة) بن الحسام المدني الصدوق وليس له في البخاري إلا هذا الموضع وصوّبه الغساني، وقال الكرماني إنه في بعض النسخ أنه وقال موسى: أي ابن إسماعيل التبوذكي عن سعيد بن سلمة (عن هشام) بن عروة يعني بالإسناد ولأبي ذر قال هشام (ولا تعشش) بضم الفوقية وفتح العين المهملة وتشديد الشين الأولى (بيتنا تعشيشًا) وضبطها في الفتح تغشش بالغين المعجمة بدل المهملة قال: وهو من الغش ضد الخالص أي لا تملؤه بالخيانة بل هي ملازمة للنصيحة فيما هي فيه، وقيل كناية عن عفة فرجها، والمراد أنها لا تملأ البيت وسخًا بأطفالها من الزنا.

(قال أبو عبد الله) البخاري أيضًا: (وقال بعضهم: فأتقمح بالميم وهذا أصح) من الرواية بالنون وهو موافق لقول أبي عبيد أتقمح أي أروى حتى لا أحب الشرب، قال: وأما النون فلا أعرفه ولا أراه محفوظًا إلا بالميم وهذا يوضح أن الذي وقع في أصل رواية البخاري بالنون.

وهذا الحديث قد شرحه في جزء مفرد إسماعيل بن أبي أويس شيخ المؤلّف، وثابت بن قاسم، والزبير بن بكار، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث. وأبو محمد بن قتيبة، وابن الأنباري، وإسحاق الكاذي، وأبو القاسم عبد الحليم بن حيان المصري ثم الزمخشري في الفائق، ثم القاضي وهو أجمعها وأوسعها. ذكره الحافظ أبو الفضل بن حجر رحمه الله، وسيدي علي الوفوي على طريق القوم وأهل الإشارات، وأخرجه مسلم في الفضائل والنسائي، وأخرجه الترمذي في الشمائل.

5190 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فَسَتَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَنْظُرُ، فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ تَسْمَعُ اللَّهْوَ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني

قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: كان الحبش) الجيل المعروف من السودان (يلعبون بحرابهم) جمع حربة في المسجد للتدريب لأجل الجهاد (فيسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر) إلى لعبهم (فما زلت أنظر) إليه (حتى كنت

ص: 91

أنا أنصرف فاقدروا) بضم الدال وتكسر (قدر الجارية الحديثة السن) أي القريبة العهد بالصغر وقد كانت يومئذ بنت خمس عشرة أو أزيد (تسمع اللهو).

وهذا الحديث قد سبق في كتاب العيدين وغيره وفيه ما ترجم له من حسن المعاشرة مع الأهل وكرم الأخلاق.

‌83 - باب مَوْعِظَةِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوْجِهَا

(باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها) أي لأجله.

5191 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، وَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ، فَتَبَرَّزَ ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قَالَ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُمْ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ. فَصَخِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي قَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهَا: وَقَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ، أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَتَهْلِكِي؟ لَا تَسْتَكْثِرِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلَا تَهْجُرِيهِ، وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عَائِشَةَ قَالَ عُمَرُ: وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ: أَثَمَّ

هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ أَجَاءَ غَسَّانُ؟ قَالَ: لَا بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ. طَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. فَقُلْتُ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ. قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ. فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَشْرُبَةً لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكِ، أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هَذَا، أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: لَا أَدْرِي، هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ الْغُلَامُ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: كَلَّمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَقُلْتُ لِلْغُلَامِ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا قَالَ: إِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي فَقَالَ: قَدْ أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ فَقَالَ:«لَا» . فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قُلْتُ: وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يُرِيدُ عَائِشَةَ. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَبَسُّمَةً أُخْرَى فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسًا وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ. فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: «أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرْ لِي. فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ قَالَ:«مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا» مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ. حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا؛ وَإِنَّمَا أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا، فَقَالَ:«الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» ، فَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّخَيُّرِ فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ فَاخْتَرْتُهُ، ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن أبي ثور) بالمثلثة (عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى) في حقهما: ({إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما})[التحريم: 4] أي فقد وجد منكما ما يوجب التوبة (حتى حج وحججت معه) فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق (وعدل) عن الطريق المسلوكة الجادّة إلى الأراك لحاجته وفي مسلم أنه مرّ الظهران (وعدلت معه بإداوة) فيها ماء (فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت له: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى) فيهما: ({إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}؟ قال: واعجبًا) بالتنوين في الفرع اسم فعل بمعنى أعجب كقوله: واهًا ويجوز عدمه لأن الأصل فيه واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة فصارت الياء ألفًا كقوله: يا أسفا ويا حسرتا وفي رواية معمر واعجبي (لك يا ابن عباس) أي كيف خفي عليك هذا القدر مع حرصك على طلب العلم، وفي الكشاف أنه كره ما سأله، وبذلك جزم الزهري كما في مسلم (هما عائشة وحفصة. ثم استقبل عمر الحديث يسوقه) إلى آخر القصة التي كانت سبب نزول الآية المسؤول عنها (قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار) اسمه أوس بن خوليّ أو عتبان بن مالك والأول هو الراجح لأنه منصوص عليه عند ابن سعد، والثاني استنبطه ابن بشكوال من المؤاخاة بينهما وما ثبت بالنص مقدّم (في بني أمية بن زيد وهم من عوالي المدينة) قرية من قرى المدينة مما يلي الشرق وكانت منازل الأوس (وكنا نتناوب النزول) من العوالي (على النبي صلى الله عليه وسلم) نجعله نوبًا (فينزل) جاري الأنصاري (يومًا وأنزل يومًا فإذا نزلت) على النبي صلى الله عليه وسلم (جئته بما حدّث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره) من الحوادث الكائنة عند النبي صلى الله عليه وسلم (وإذا نزل) جاري (فعل مثل ذلك) وإذا شرطية أو ظرفية (وكنا معشر قريش) ونحن بمكة (نغلب النساء) نحكم عليهن ولا يحكمن علينا (فلما قدمنا) من مكة (على الأنصار) بالمدينة (إذا) هم (قوم تغلبهم نساؤهم) ويحكمن عليهم (فطفق) بفتح الطاء المهملة وكسر الفاء وتفتح جعل أو أخذ (نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار) في طريقتهن وسيرتهن فجعلن يكلمننا ويراجعننا (فصخبت) بالصاد المهملة المفتوحة والخاء المعجمة المكسورة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فسخبت بالسين المهملة بدل الصاد أي صحت (على امرأتي) زينب بنت مظعون لأمر غضبت منه (فراجعتني) راددتني في القول (فأنكرت) عليها (أن تراجعني قالت: ولم)؟ بكسر اللام وفتح الميم (تنكر) ليّ (أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه) بكسر الجيم وسكون العين وفتح النون (وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل) بنصب اليوم على الظرفية وخفض الليل بحتى التي بمعنى إلى ونصبه على أنها للعطف، وفي رواية عبيد بن حنين وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان. قال عمر:(فأفزعني ذلك وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن ثم جمعت عليّ ثيابي) أي لبستها أجمع جميعًا (فنزلت) من العوالي إلى المدينة (فدخلت على حفصة) ابنتي (فقلت لها:

أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل)؟ والهمزة في أتغاضب

ص: 92

للاستفهام الإنكاري (قالت: نعم) قال عمر: (فقلت) لها (قد خبتِ وخسرتِ) بكسر الفوقيتين (أفتأمنين أن يغضب الله) عز وجل (لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلكي) بكسر اللام (لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم) لا تطلبي منه الكثير، وفي رواية يزيد بن رومان لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عنده دنانير ولا دراهم فما كان لك من حاجة حتى دهنة سليني (ولا تراجعيه في شيء) من الكلام (ولا تهجريه) ولو هجرك (وسليني ما بدا) ما ظهر (لك) مما تريدين (ولا يغرنك) بتشديد الراء والنون (إن كانت) بفتح الهمزة وتكسر (جارتك أوضأ) أحسن وأجمل (منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم) فلا يؤاخذها صلى الله عليه وسلم إذا فعلت ما نهيتك عنه فإنها تدل بجمالها ومحبته صلى الله عليه وسلم لها (يريد) عمر رضي الله عنه بذلك (عائشة) ولم يقل ضرّتك بل جارتك أدبًا منه رضي الله عنه أو أنها كانت جارتها حقيقة منزلها جوار منزلها والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيًّا.

(قال عمر: وكنا قد تحدّثنا أن غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة أي قبيلة غسان وملكهم واسمه الحارث بن أبي شمر (تنعل الخيل) بضم الفوقية وكسر العين (لغزونا) ولأبي ذر عن الكشميهني لتغزونا، وفي اللباس وكان من حول رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقام له فلم يبق إلا ملك غسان بالشام كنا نتخوّف أن يأتينا (فنزل صاحبي الأنصاري) من العوالي إلى المدينة (يوم نوبته فرجع) من المدينة (إلينا عشاء فضرب بابي ضربًا شديدًا) أي طرقه طرقًا شديدًا ليخبرني بما حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي وغيره على العادة (وقال) لما أبطأت عن إجابته (أثم هو) بفتح المثلثة أي في البيت وكأنه ظن أنه خرج منه. قال عمر رضي الله عنه:(ففزعت) بكسر الزاي خفت من شدة ضربه الباب إذ هو خلاف عادته (فخرجت إليه) فقلت له: ما الخبر؟ (فقال: قد حدث اليوم أمر عظيم. قلت) له (ما هو أجاء غسان؟ قال: لا بل أعظم من ذلك وأهول طلّق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه) أي وحفصة منهن فهو أهول بالنسبة إلى عمر لأجل ابنته، وزاد أبو ذر هنا وقال عبيد بن حنين بضم العين والحاء المهملتين فيهما مصغرين مولى زيد بن الخطاب العدوي مما وصله المؤلّف في تفسير سورة والنجم سمع ابن عباس عن عمر أي بهذا الحديث فقال: يعني الأنصاري اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه بدل قوله طلق نساءه، ولم يذكر البخاري هنا من رواية عبيد بن حنين إلا هذا القدر، ولعله أراد أن يبين به أن قوله طلق نساءه لم تتفق الروايات عليه فلعل بعضهم رواه بالمعنى لما وقع من اعتزاله صلى الله عليه وسلم لهن إذ لم تجر عادته بذلك فظنوا أنه طلقهن وأما اللاحق فهو من رواية أبي ثور لا من رواية عبيد وهو قوله:(فقلت: خابت حفصة وخسرت) إنما خصها بالذكر لمكانتها منه (قد كنت أظن هذا يوشك) بكسر الشين المعجمة يسرع (أن يكون) لأن مراجعتهن قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة (فجمعت عليّ ثياب) لبستها جميعًا ودخلت المسجد (فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها أي غرفة (له فاعتزل فيها ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ ألم أكن

حذرتك هذا)؟ زاد في رواية سماك لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ولولا أنا لطلّقك فبكت أشد البكاء وعند ابن مردويه والله إن كان طلّقك لا أكلمك أبدًا. (أطلقكنّ النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري ها هو) عليه الصلاة والسلام (ذا معتزل في المشربة فخرجت) من عند حفصة (فجئت إلى المنبر فإذا حوله) أي المنبر (رهط) أي يقف الحافظ ابن حجر على أسمائهم (يبكي بعضهم فجلست معهم قليلًا ثم غلبني ما أجد) من اعتزاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

ص: 93

وَسَلَّمَ- نساءه ومنهن حفصة (فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام له أسود): اسمه رباح بالراء المفتوحة والموحدة المخففة (استأذن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعمر فدخل الغلام فكلّم النبي صلى الله عليه وسلم) في ذلك (ثم رجع فقال: كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فصمت) بفتح الصاد المهملة والميم فسكت كالآتية (فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت) ثانيًا (فقلت للغلام) رباح: (استأذن لعمر فدخل ثم رجع فقال قد ذكرتك له) عليه الصلاة والسلام (فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام) ثالثًا (فقلت استأذن لعمر فدخل ثم رجع إليّ) بتشديد الياء وهذه اللفظة ساقطة في الأوليين (فقال قد ذكرتك له) عليه الصلاة والسلام (فصمت فلما وليت منصرفًا قال: إذا الغلام) رباح (يدعوني فقال: قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير) بكسر الراء وتضم أي على سرير مرمول بما يرمل به الحصير أي ينسج ورمال الحصير ضلوعه المتداخلة فيه كالخيوط في الثوب (ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه) الشريف حال كونه (متكئًا) ولأبي ذر: متكئ بالرفع أي وهو متكئ (على وسادة من أدم) جلد (حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت) له (وأنا قائم يا رسول الله أطلقت نساءك)؟ بهمزة الاستفهام (فرفع) عليه الصلاة والسلام (إليّ بصره فقال):

(لا) لم أطلقهن (فقلت: الله أكبر) تعجبًا مما أخبرني به الأنصاري من التطليق جازمًا به أو حامدًا الله تعالى على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق (ثم قلت: وأنا قائم) حال كوني (أستأنس) وجزم القرطبي بأنه للاستفهام. قال في الفتح: فيكون أصله بهمزتين تسهل إحداهما وقد تحذف تخفيفًا أي أنبسط في الحديث وأستأنس في ذلك (يا رسول الله). منادى مضاف (لو رأيتني) بفتح التاء الفوقية (وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا) الأنصار (قوم تغلبهم نساؤهم) وذكر مراجعته زوجته له إلى آخر ذلك (فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم) ضحك من غير صوت (ثم قلت: يا رسول الله لو رأيتني) بفتح الفوقية (ودخلت على حفصة فقلت لها: لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ) أجمل (منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد) عمر (عائشة فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة) بضم السين ولأبي ذر عن الكشميهني بكسرها من غير مثناة تحتية فيهما كذا من الفرع وأصله، وقال في الفتح: تبسمة بتشديد السين وللكشميهني تبسيمة (أخرى فجلست حين رأيته تبسم فرفعت بصري في بيته) أي نظرت فيه (فوالله ما رأيت في بيته شيئًا يردّ البصر غير أهبة) بفتح الهمزة والهاء منوّنة جلود (ثلاثة) أي تدبغ أو مطلقًا دبغت أو لم تدبغ (فقلت: يا رسول الله ادع الله) عز وجل (فليوسع على أمتك فإن فارسًا) بالصرف ولأبي ذر فارس بعدمه (والروم قد وسع

عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئًا فقال: وفي هذا أنت) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدّر بعدها. قال الكرماني: أي أنت في مقام استعظام التجملات الدنيوية واستعجالها (يا ابن الخطاب) وعند مسلم من رواية معمر أو في شك: أنت يا ابن الخطاب كرواية عقيل السابقة في المظالم أي أنت في شك أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا (وأن أولئك) فارس والروم (قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا. فقلت: يا رسول الله استغفر لي) عن اعتقادي أن التجملات الدنيوية مرغوب فيها (فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعًا وعشرين ليلة) وذلك أنه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية القبطية في بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت: يا رسول الله تفعل هذا معي دون نسائك. فقال: "لا تخبري أحدًا هي عليّ حرام" فأخبرت عائشة أو السبب تحريم العسل السابق ذكره في سورة

ص: 94

التحريم مختصرًا الآتي إن شاء الله تعالى بعون الله عز وجل بأبسط منه في الطلاق.

وعند ابن مردويه من طريق يزيد بن رومان عن عائشة أن حفصة أهديت لها عكّة فيها عسل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه أو تسقيه منها فقالت عائشة لجارية عندها حبشية يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فانظري ما تصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل فأرسلت إلى صواحبها فقالت: إذا دخل عليكن فقلن إنّا نجد منك ريح مغافير فقال: "هو عسل والله لا أطعمه أبدًا" فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته مارية فأدخلها بيت حفصة قالت حفصة: فرجعت فوجدت الباب مغلقًا فخرج ووجهه يقطر فعاتبته فقال: "أشهدك أنها عليّ حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهي عندك أمانة" فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته، ففيه الجمع بين القولين.

وعند ابن سعد من طريق عمرة عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها فزادها مرة أخرى فلم ترض فقالت عائشة: لقد أقمأت وجهك تردّ عليك الهدية فقال: "لأنتن أهون على الله من أن تقمئنني لا أدخل عليكن شهرًا" وفي مسلم من حديث جابر أن أبا بكر وعمر دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله نساؤه يسألن النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة وقام عمر إلى حفصة ثم اعتزلهن شهرًا فيحتمل أن يكون جميع ما ذكر كان سببًا لاعتزالهن.

(وكان) عليه الصلاة والسلام (قال) في أول الشهر: (ما أنا بداخل عليهن شهرًا. من شدة موجدته) أي غضبه (عليهن حين عاتبه الله عز وجل بقوله: {لِمَ تحرم ما أحلّ الله لك} [التحريم: 1] (فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها) لكونه اتفق أنه كان يوم نوبتها (فقالت له عائشة: يا رسول الله إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدّها عدًّا فقال) صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون) زاد أبو ذر عن

الكشميهني ليلة (فكان) بالفاء ولأبي ذر كان (ذلك الشهر تسعًا وعشرين ليلة). قال في الفتح: ومن اللطائف أن الحكمة في الشهر مع أن مشروعية الهجر ثلاثة أيام أن عدتهن كانت تسعة فإذا ضربت في ثلاثة كانت سبعة وعشرين واليومان لمارية لكونها كانت أمة فنقصت عن الحرائر.

(قالت عائشة: ثم أنزل الله تعالى آية التخيير) بفتح الخاء المعجمة وتشديد التحتية مضمومة في الفرع وأصله أي في قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} [الأحزاب: 28] إلى آخرها. (فبدأ بي أول امرأة من نسائه) في التخيير (فاخترته) صلى الله عليه وسلم (ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة) رضي الله عنه اخترن الله ورسوله.

وهذا الحديث سبق في سورة التحريم مختصرًا، وفي كتاب المظالم في باب الغرفة والعلية المشرفة مطوّلًا ومختصرًا في العلم.

‌84 - باب صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا تَطَوُّعًا

(باب صوم المرأة بإذن زوجها) صومًا (تطوعًا) أو النصب على الحال أي متطوعة.

5192 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَاّ بِإِذْنِهِ» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (حدّثنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(لا تصوم المرأة) نفلًا ولأبي ذر عن المستملي: لا تصومن المرأة (وبعلها) أي زوجها (شاهد) حاضر (إلاّ بإذنه) ولا في قوله لا تصوم خبر بمعنى الإنشاء مثل قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن} [البقرة: 233] فيكون نهيًا عن الصوم وإن كان بلفظ الخبر وحينئذ يسقط استشكال السفاقسي عدم الجزم وذلك أنه فهم أن لا ناهية وإنما هي نافية والخبر مؤول بالإنشاء وفي رواية المستملي كما في الفتح لا تصومن بزيادة نون التأكيد، وفي الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعًا في أثنائه: ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعًا إلا بإذنه

ص: 95

فإن فعلت لم يقبل منها وهذا يدل على تحريم الصوم المذكور عليها وهو قول الجمهور. قال النووي في المجموع، وقال أصحابنا: يكره والصحيح الأول فلو صامت بغير إذنه صحّ وأثمت وأمر قبوله إلى الله. قال العمراني، قال النووي: ومقتضى المذهب عدم الثواب، ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكد الأمر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم، وقال النووي في شرح مسلم: وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع ولا بواجب على التراخي والتقييد بقوله وبعلها شاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرًا فلو قدم وهي صائمة فله إفساد صومها من

غير كراهة قاله في الفتح، واحتج بعض المالكية بالحديث لمذهبهم في أن من أفطر في صيام التطوع عامدًا عليه القضاء لأنه لو كان للرجل أن يفسد عليها صومها بالجماع ما احتاجت إلى إذنه ولو كان مباحًا كان إذنه لا معنى له.

‌85 - باب إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا

هذا (باب) بالتنوين (إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها) بغير سبب حرم عليها.

5193 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) هو بالموحدة والمعجمة المشددة المعروف ببندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التحتية محمد (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي حازم) سليمان الأشجعي مولى عزة الأشجعية (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(إذا دعا الرجل امرأته) أو السيد أمته (إلى فراشه) لأن يجامعها (فأبت أن تجيء) أي فامتنعت عن المجيء. زاد في بدء الخلق فبات أي الزوج غضبان عليها (لعنتها الملائكة حتى تصبح) ظاهره اختصاص اللعن بما إذا وقع ذلك منها ليلًا لقوله حتى تصبح كما سبق في بدء الخلق مع زيادة، لكن في مسلم من رواية يزيد بن يسان عن أبي حازم: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها، وهو يتناول الليل والنهار وإذا وقع التعبير عن رحمة الله تعالى أو غضبه وقرب نزولهما على الخلق خص السماء بالذكر وفيه دليل على أن سخط الزوج يوجب سخط الرب ورضاه يوجب رضاه وبالتقييد بما في بدء الخلق من قوله: فبات غضبان عليها. يتجه وقوع اللعن لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها فأما إذا لم يغضب فلا.

5194 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند السامي بالمهملة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن زرارة) بن أبي أوفى (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(إذا باتت المرأة مهاجرة) أي هاجرة كما هو لفظ رواية مسلم (فراش زوجها) فغضب هو لذلك وهي ظالمة (لعنتها الملائكة) الحفظة أو غيرهم من الموكلين بذلك (حتى ترجع) عن هجره،

وروي مما ذكره ابن الجوزي في كتاب النسائن لعن المسوّفة التي إذا أرادها زوجها قالت: سوف سوف والمعكسة التي إذا أرادها تقول: إنها حائض وليست بحائض، وعند الخطابي في غريب الحديث فيما نقله عنه صاحب تحفة العروس لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغاصة بالغين المعجمة والصاد المهملة الحائض التي لا تعلم زوجها أنها حائض والمغوصة بكسر الواو التي لا تكون حائضًا فتكذب على زوجها وتقول إنها حائض.

‌86 - باب لَا تَأْذَنُ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا لأَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِهِ

هذا (باب) بالتنوين (لا تأذن المرأة) بضم النون، ولأبي ذر: لا تأذن بالجزم على النهي كسر لالتقاء الساكنن (في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه).

5195 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَاّ بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَاّ بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ» . وَرَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ أَيْضًا عَنْ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّوْمِ.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة دينار الحمصي قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله) ولأبي ذر عن النبي (صلى الله عليه وسلم قال):

(لا يحل للمرأة أن تصوم) أي نفلًا أو واجبًا على التراخي (وزوجها شاهد إلا بإذنه) لأن حقه في الاستمتاع بها في كل وقت، فلو كان مريضًا بحيث

ص: 96

لا يستطيع الجماع أو مسافرًا جاز لها.

(ولا) يحل لها أن (تأذن) لأحد رجل أو امرأة أن يدخل (في بيته إلا بإذنه) فلو علمت رضاه جاز.

قال في الفتح: وفي الحديث حجة على المالكية في تجويز دخول الأب ونحوه بيت المرأة بغير إذن زوجها وأجابوا عن الحديث بأنه معارض بصلة الرحم وإن بين الحديثين عمومًا وخصوصًا وجهيًّا فيحتاج إلى مرجح ويمكن أن يقال صلة الرحم إنما تندب بما يملكه الواصل والتصرف في بيت الزوج لا تملكه المرأة إلا بإذن الزوج وكما لأهلها أن لا تصلهم بماله إلا بإذنه فإذنها لهم في دخول البيت كذلك انتهى.

(وما أنففت من نفقة) من ماله قدرًا يعلم رضاه به طعام بيها من غير أن تتجاوز العادة (عن غير إمرة) بكسر الهمزة وفتح الراء بعدها تاء تأنيث في الفرع وفي غيره وهو الذي في اليونينية بفتح ثم كسر فهاء أي عن غير إذنه الصريح في ذلك القد المعين، بل عن إذن عام سابق يتناول هذا القدر وغيره إما صريحًا أو جاريًا على المعروف من إطلاق ربّ البيت لزوجته إطعام

الضيف والتصدق على السائل (فإنه يؤدى) بفتح الدال المشددة (إليه) من أجر ذلك القدر المنفق (شطره) أي نصفه. وفي حديث عائشة السابق في الزكاة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب.

وظاهر حديث الباب يقتضي تساويهما في الأجر، ويؤيده ما في حديث عائشة المذكور من طريق جرير من زيادة لا ينقص بعضهم أجر بعض، ويحتمل أن يكون المراد بالتنصيف الحمل على المال الذي يعطيه الرجل في نفقة المرأة فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما للرجل باكتسابه ولأنه يؤجر على ما ينفقه على أهله وللمرأة لكون ذلك من النفقة التي تختص بها، ويؤيد هذا ما أخرجه أبو داود عقب حديث أبي هريرة هذا قال: في المرأة تصدّق من بيت زوجها قال: لا إلا من قوتها والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تصدّق من مال زوجها إلا بإذنه قاله في الفتح.

وقال ابن المنير: ليس المراد تنقيص أجْر الرجل حين تتصدق عنه امرأته كأجره حيث يتصدق هو بنفسه، لكن ينضاف إلى أجره هنا أجر المرأة فيكون له ها هنا شطر المجموع وقوله عن غير إمرة تنبيه بالأدنى على الأعلى فإنه إذا أثيب وإن لم يأمر فلأن يثاب إذا أمر بطريق الأولى، وتعقبه في المصابيح بأن قوله له شطر المجموع فيه نظر إذ مقتضاه مشاركة المرأة له في الثواب المقابل لماله وهو محل نظر، فينبغي أن يكون الثواب المقابل لفوات ماله مختصًّا به والأجر المترتب على تفويته بالصدقة مقسومًا بينه وبين المرأة من حيث تعلق فعلها بالمال الذي يملكه فله في فعلها مدخل فتكون المشاركة بهذا الاعتبار فتأمله وحرره فإني لم أقف فيه إلى الآن على ما يشفي انتهى.

وحمله الخطابي على أنها إذا أنفقت على نفسها من ماله بغير إذنه فوق ما يجب لها من القوت غرمت له شطره أي الزائد على ما يجب لها وفيه بعد، لا سيما وحديث أبي هريرة من طريق همام السابق في البيوع الآتي إن شاء الله تعالى في النفقات إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره.

(ورواه) أي الحديث المذكور (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أيضًا) فيما وصله أحمد والنسائي والدارمي (عن موسى) بن أبي عثمان سعيد التبان بالفوقية المفتوحة والموحدة المشددة (عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه (في الصوم) خاصة.

‌87 - باب

هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من سابقه.

5196 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ

دَخَلَهَا النِّسَاءُ». [الحديث 5196 - أطرافه في: 6547].

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية قال: (أخبرنا التيمي) سليمان بن طرخان البصري (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي (عن أسامة) بن زيد بن حارثة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد) بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة الغنى (محبوسون) على باب الجنة للحساب (غير أن أصحاب النار) الذين قد استحقوا دخولها (قد أمر بهم إلى النار

ص: 97

وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء) إذا هي الفجائية وعامة من دخلها مبتدأ خبره النساء. ومطابقة الحديث للترجمة السابقة من جهة الإشارة إلى أن النساء غالبًا يرتكبن النهي المذكور، ولذا كنّ أكثر من دخل النار وهذا الحديث أخرجه مسلم في آخر كتاب الدعوات والنسائي في عشرة النساء.

‌88 - باب كُفْرَانِ الْعَشِيرِ

وَهْوَ الزَّوْجُ وَهْوَ الْخَلِيطُ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

-

(باب كفران العشير وهو الزوج وهو الخليط) أيضًا (من المعاشرة) وهذا تفسير أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى: {لبئس المولى ولبئس العشير} [الحج: 13] قال المولى ابن العم: والعشير هو الخليط المعاشر (فيه) أي في هذا المعنى (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم).

5197 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَقَالَ:«إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، فَقَالَ:«إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» . قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ» قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ وَلَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ

الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ».

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري (عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس أنه قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي زمنه (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه) يصلون (فقام قيامًا طويلًا نحوًا من) قراءة (سورة البقرة ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من مائة آية (ثم رفع فقام قيامًا طويلًا) نحوًا من قراءة سورة آل عمران (وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من ثمانين آية (وهو دون الركوع الأول ثم رفع ثم سجد) سجدتين (ثم قام فقام قيامًا طويلًا) نحوًا من سورة النساء (وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من سبعين آية (وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قيامًا طويلًا) نحوًا من المائة (وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من خمسين آية (وهو دون الركوع الأول ثم رفع ثم سجد) سجدتين (ثم انصرف) من الصلاة (وقد تجلت الشمس) بين جلوسه والسلام (فقال):

(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان) بفتح الياء وكسر السين (لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله. قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت) بكافين مفتوحتين وعينين مهملتين ساكنتين أي تأخرت أو تقهقرت (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إني رأيت الجنة) رؤيا عين حقيقة (أو) قال (رأيت) بضم الهمزة وكسر الراء مبنيًّا للمفعول والشك من الراوي (الجنة فتناولت) في حال قيامي الثاني من الركعة الثانية كما عند سعيد بن منصور (منها عنقودًا) أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرًا على تحويله (ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا) لأن ثمر الجنة إذا قطف منها شيء خلفه آخر (ورأيت النار فلم أرَ كاليوم منظرًا قط) زاد في الكسوف أفظع أي أقبح (ورأيت أكثر أهلها النساء. قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن) وللكشميهني يكفرن بتحتية وسكون الكاف وضم الفاء وسكون الراء بعدها نون بغير هاء (قيل: يكفرن بالله)؟ بحذف همزة الاستفهام (قال: يكفرن العشير) أي إحسان الزوج (ويكفرن الإحسان) بجحده أو عدم الاعتراف وهذا بيان للأول (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر) جميعه مبالغة أو مدّة عمر الزوح (ثم رأت منك شيئًا) لا يوافق غرضها (قالت: ما رأيت منك خيرًا قط) وفيه إشارة إلى سبب التعذيب لأنها بذلك كالمصرة على كفر النعمة والإصرار على المعصية من أسباب العذاب.

وهذا الحديث سبق في الكسوف.

5198 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» تَابَعَهُ أَيُّوبُ وَسَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ.

وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) مؤذن جامع البصرة قال: (حدّثنا عوف) بالفاء الأعرابي (عن أبي رجاء) بالجيم عمران بن ملحان (عن عمران) بن الحصين رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(اطلعت في الجنة) ليلة الإسراء أو في المنام (فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء) لكفرهن العشير ولميلهن إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن الآخرة (تابعه) أي تابع عوفًا (أيوب) السختياني فيما وصله النسائي. (وسلم بن زرير) بفتح السين المهملة وسكون اللام بعدها ميم

ص: 98

وزرير بفتح الزاي وكسر الراء الأولى فيما وصله المؤلّف في صفة الجنة من بدء الخلق.

‌89 - باب لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ. قَالَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

-

هذا (باب) بالتنوين (لزوجك) امرأتك (عليك حق) مبتدأ وخبر مقدم (قاله أبو جحيفة) بتقديم الجيم المضمومة على المهملة المفتوحة وهب بن عبد الله: (عن النبي صلى الله عليه وسلم) فيما وصله المؤلّف في الصوم في باب من أقسم على أخيه ليفطر.

5199 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ» ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما (قال: قال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(يا عَبد الله ألم أخبر) بضم الهمزة وفتح الموحدة مبنيًّا للمفعول والهمزة للاستفهام (أنك تصوم النهار وتقوم الليل)؟ أي فيه (قلت: بلى يا رسول الله قال: فلا تفعل صم وأفطر) بقطع الهمزة (وقم ونم فإن لجسدك عليك حقًّا وإن لعينك) بالإفراد (عليك حقًّا وإن لزوجك) امرأتك (عليك حقًّا) فلا ينبغي أن تجهد نفسك في العبادة حتى تضعف عن القيام بحقها من وطء واكتساب، فلو كف الرجل عن امرأته فلم يجامعها من غير ضرورة، فعند مالك يلزم بذلك أو يفرق بينهما، والمشهور عن الشافعية أنه لا يجب عليه لكن يستحب أن لا يعطلها لأنه من المعاشرة بالمعروف وأقل ما يحصل به عدم التعطيل ليلة من أربع اعتبارًا بمن له أربع زوجات.

‌90 - باب الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا

هذا (باب) بالتنوين (المرأة راعية في بيت زوجها).

5200 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» .

وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي أنه (قال):

(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) من رعى يرعى وهو حفظ الشيء وحسن التعهد له والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه (والأمير راع) على ما استرعاه الله (والرجل راع على أهل بيته) من زوج وخادم وغيرهما يقيم فيهم ما أمر به من النفقة وحسن العشرة (والمرأة راعية على بيت زوجها وولده) بحسن التدبير والتعهد لخدمته وغير ذلك (فكلكم راعٍ) بالفاء أي مثل الراعي (وكلكم مسؤول عن رعيته).

وهذا الحديث قد سبق في باب الجمعة في القرى والمدن من كتاب الجمعة وفي الاستقراض أيضًا.

‌91 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}

(باب قول الله تعالى: {الرجال قوّامون على النساء}) أي يقومون عليهم آمرين ناهين كما تقوم الولاة على الرعايا ({بما فضل الله بعضهم على بعض}) أي بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء بالعقل والعزم والحزم والقوّة والغزو وكمال الصوم والصلاة والنبوّة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة وتضعيف الميراث والتعصيب فيه، (إلى قوله:{إن الله كان عليًّا كبيرًا} ) [النساء: 34] أي إن علت أيديكم عليهن فاعلموا أن قدرته تعالى عليكم أعظم من قدرتكم عليهن فاجتنبوا ظلمهن وسقط قوله بما فضل الله إلى آخره لأبي ذر.

5201 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَقَعَدَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ آلَيْتَ عَلَى شَهْرًا، قَالَ:«إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» .

وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء وفتح اللام القطواني الكوفي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال: آلى) بمدّ الهمزة وفتح اللام (رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه) أي حلف لا يدخل عليهن (شهرًا) وكان أوّل الشهر وليس المراد هنا الإيلاء الفقهي بل المعنى اللغوي وهو الحلف قال الكرماني: فإن قلت: إذا كان للفظ معنى شرعي ومعنى لغوي يقدم الشرعي على اللغوي وأجاب بأنه إذا لم يكن ثمة قرينة صارفة عن إرادة معناه الشرعي والقرينة كونها شهرًا واحدًا (وقعد) ولأبي ذر فقعد (في مشربة) بضم الراء أي غرفة (له فنزل) منها فدخل على عائشة إذ

ص: 99

وافق ذلك يوم نوبتها (لتسع وعشرين) من يوم إيلائه (فقيل) أي قالت عائشة: (يا رسول الله إنك آليت شهرًا) وللمستملي والكشميهني على شهر (قال) عليه الصلاة والسلام:

(إن الشهر) الذي آليت فيه (تسع وعشرون) ومناسبة الآية في قوله تعالى: {فعظوهن واهجروهن في المضاجع} [النساء: 34] ومن الحديث قوله آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا إذ مقتضاه أنه هجرهن، واختلف في المراد بالهجران فقيل لا يدخل عليهن، وقيل: لا يضاجعهن أو يضاجعهن ويوليهن ظهره أو يمتنع من جماعهن أو يجامعهن ولا يكلمهن.

‌92 - باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ.

وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رَفْعُهُ «غَيْرَ أَنْ لَا تُهْجَرَ إِلَاّ فِي الْبَيْتِ» وَالأَوَّلُ أَصَحُّ

(باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه) شهرًا وسكناه (في غير بيوتهن) فلا مفهوم لقوله تعالى: {واهجروهن في المضاجع} .

(ويذكر عن معاوية بن حيدة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الدال المهملة الصحابي مما أخرجه أحمد وأبو داود والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن منده في غرائب شعبة مطوّلًا كلهم من رواية أبي قزعة سويد عن حكيم بن معاوية عن أبيه (رفعه) إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسكون الفاء وضم العين في اليونينية (غير أن لا تهجر) وللمستملي: ولا تهجر.

(إلا في البيت. و) حديث أنس (الأول) المروي في الباب السابق المذكور فيه هجره صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن (أصح) من حديث معاوية بن حيدة هذا ولفظ رواية أبي داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت". قال أبو داود ولا تقبح أي لا تقول قبحك الله انتهى.

وعبّر المؤلّف بيذكر التي للتمريض إشارة إلى انحطاط رتبته بالنسبة لغيرها مع الصلاحية للاحتجاج بذلك، وللكرماني والعيني هنا كلام أضربت عنه لطوله، والذي تقرر هنا من معنى الحديث المعلق مع الاستشهاد له بلفظ أبي داود هو الظاهر فليتأمل مع ما أبداه العيني في شرحه

متعقبًا لما في الفتح مما ذكرته هنا منتصرًا للكرماني والله الموفق والمعين.

والحاصل أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت وغيرها وأن الحصر المذكور في حديث معاوية المعلق هنا غير معمول به، بل يجوز في غير البيوت كما فعله صلى الله عليه وسلم، وقول المهلب أن الهجران في غير البيوت فيه رفق بالنساء إذ هو معهن في البيوت آلم لقلوبهن ليس على إطلاقه بل يختلف باختلاف الأحوال على أن الغالب أن الهجران في غير البيوت أشق.

وهذا الحديث المعلق سقط للحموي.

5202 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ح. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِنَّ أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، قَالَ:«إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا» .

وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني) بالإفراد (يحيى بن عبد الله بن صيفي) بالصاد المهملة وسكون التحتية الأولى وتشديد الأخيرة (أن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث) بن هشام بن المغيرة وهو أخو أبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، وليس لعكرمة هذا في البخاري إلا هذا الحديث (أخبره أن أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف لا يدخل على بعض أهله) ولأبي ذر نساءه بدل أهله (شهرًا).

قال في الفتح: كذا في هذه الرواية أي بلفظ بعض نسائه وهو يشعر بأن اللاتي أقسم أن لا يدخل عليهن هن من وقع منهن ما وقع من سبب القسم لا جميع النسوة، لكن اتفق أنه في تلك الحالة انفكت رجله كما في حديث أنس السابق في أوائل الصيام فاستمر مقيمًا في المشربة ذلك الشهر كله قال: وهو يؤيد أن سبب القسم قصة مارية فإنها تقتضي اختصاص بعض النسوة دون بعض بخلاف قصة العسل فإنهن اشتركن فيها إلا صاحبة العسل وإن كانت إحداهن بدأت بذلك وكذلك قصة طلب النفقة فإنهن اجتمعن فيها انتهى.

(فلما مضى تسعة وعشرون يومًا) من حلفه صلى الله عليه وسلم (غدا عليهن) أتاهن غدوة (أو راح فقيل له) القائل عائشة (يا نبي الله

ص: 100

حلفت أن لا تدخل عليهن شهرًا قال):

(إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا).

5203 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ قَالَ: تَذَاكَرْنَا

عِنْدَ أَبِي الضُّحَى فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْكِينَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ أَهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَنَادَاهُ، فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا» . فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا مروان بن معاوية) الفزاري بالفاء والزاي قال: (حدّثنا أبو يعفور) بفتح التحتية وسكون العين المهملة وضم الفاء وبعد الواو راء عبد الرحمن بن عبيد الكوفي الثقة (قال: تذاكرنا) أي الشهر فقال بعضنا ثلاثين وقال بعضنا تسعًا وعشرين كما في النسائي (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (فقال) أبو الضحى (حدّثنا ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: أصبحنا يومًا ونساء النبي صلى الله عليه وسلم يبكين عند كل امرأة منهن أهلها فخرجت إلى المسجد فإذا هو ملآن من الناس) بالنون في ملآن وعند القابسي ملأى بلا نون بالتأنيث وكأنه أراد البقعة، وهذا ظاهره حضور ابن عباس لذلك وحديثه السابق مفهومه أنه إنما عرفها من عمر ويحتمل أنه كان يعرفها على سبيل الإجمال ثم عرفها من عمر على سبيل التفصيل لما سأله عن المتظاهرتين (فجاء عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (فصعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غرفة له) زاد الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن سليمان عن أبي يعفور ليس عنده فيها إلا بلال (فسلم فلم يجبه أحد ثم سلم فلم يجبه أحد ثم سلم فلم يجبه أحد) بالتكرار ثلاثًا (فناداه فدخل) بإسقاط الفاعل ولأبي نعيم فناداه بلال فدخل (على النبي صلى الله عليه وسلم). واستشكل بأن في رواية مسلم أن اسم الغلام الذي استأذن له رباح وقال هنا: ليس عنده إلا بلال. وأجيب بأن حصر العندية في داخل الغرفة ورباح كان على أسكفة الباب وعند الإذن ناداه بلال وبلغه رباح (فقال): يا رسول الله (أطلقت نساءك؟ فقال):

(لا ولكن آليت) أي حلفت (منهن) أن لا أدخل عليهن (شهرًا. فمكث) عليه الصلاة والسلام (تسعًا وعشرين) يومًا من يوم حلفه (ثم دخل على نسائه).

وفيه مشروعية هجر الرجل امرأته إذا وقع منها ما يقتضي ذلك كالنشوز كما قال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع} أي إن نشزن {واضربوهن} [النساء: 34] أي إن أصررن على النشوز وأفهم قوله في المضاجع أنه لا يهجرها في الكلام، وهو صحيح فيما إذا زاد على ثلاثة أيام ويجوز في الثلاثة كما قاله في الروضة للحديث الصحيح لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فإن رجي بالهجر صلاح دين للهاجر أو المهجور فلا يحرم وعليه يحمل هجره صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم وكذا ما جاء من هجر السلف بعضهم بعضًا.

‌93 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ، وَقَوْلِهِ:{وَاضْرِبُوهُنَّ} ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ

(باب ما يكره) للتحريم (من ضرب النساء) الضرب المبرح (وقوله) تعالى: ({واضربوهن} ضربًا غير مبرح) بتشديد الراء المكسورة أي غير شديد الأذى بحيث لا يحصل معه النفور التام ولأبي ذر وقول الله واضربوهن أي ضربًا غير مبرح.

5204 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن زمعة) بفتح الزاي والعين المهملة بينهما ميم ساكنة ابن الأسود بن المطلب (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(لا يجلد) بالجزم على النهي أي لا يضرب (أحدكم امرأته) وعند الإسماعيلي عن أحمد بن سفيان النسائي عن محمد بن يوسف الفريابي بصيغة الخبر وعند أحمد من رواية أبي معاوية إلام يجلد، وعنده من رواية وكيع علام يجلد وعنده من رواية ابن عيينة وعظمهم في النساء فقال يضرب أحدكم امرأته (جلد العبد) بالنصب أي مثل جلد العبد (ثم يجامعها في آخر اليوم) وفي الترمذي مصححًا: ثم لعله أن يضاجعها من آخر يومه وفيه تأديب الرقيق بالضرب الشديد والإيماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك، وإليه أشار المصنف بقوله: غير مبرح وإنما يباح ضربها من أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقه عليها بأن تكون ناشزة كأن يدعوها للوطء فتأبى أو تخرج من المنزل بغير إذنه فيعظها بظهور أمارة النشوز كالعبوس

ص: 101

بعد طلاقة الوجه والكلام الخشن بعد لينه فيقول لها نحو: اتقي الله في الحق الواجب لي عليك واحذري العقوبة ويضربها بتحققه لقوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} [النساء: 34] قال في الكشاف أمر بوعظهن أوّلًا ثم بهجرانهن في المضاجع ثم بالضرب إن لم ينجع فيهن الوعظ والهجران انتهى.

لكن قال في الانتصاف: الترتيب الذي أشار إليه الزمخشري غير مأخوذ من الآية لأنها واردة بواو العطف وإنما استفيد من أدلة خارجة. قال الطيبي: ما أظهر دلالة الفاء في قوله {فعظوهن} على الترتيب وكذا قضية الترتيب في الرفق والنظم فإن قوله: {فالصالحات} وقوله: {واللاتي تخافون نشوزهن} تفصيل لما أجمل في قوله: {الرجال قوّامون على النساء} كما سبق أخبر الله تعالى بتفضيل الرجال على النساء وقوامهم عليهن ثم فصل النساء قسمين، إما قانتات صالحات يحفظن أزواجهن في الحضور والغيبة فعلى الرجال الشفقة عليهن، وإما ناشزات غير مطيعات فعلى الرجال الترفق بهن أوّلًا بالوعظ والنصيحة فإن لم ينجع الوعظ فيهن فبالهجران

والتفرق في مضاجعهن ثانيًا ثم التأديب بالضرب لأن المقصود الإصلاح والدخول في الطاعة لقوله تعالى: {فإن أطعنكم} فرتب الوعظ على الخوف من النشوز فلا بدّ من تقديمه على قرينيه انتهى.

والأولى له العفو عن الضرب.

وحديث أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم عن إياس بن عبد الله بن ذباب بضم المعجمة وبموحدتين الأولى خفيفة رفعه: لا تضربوا إماء الله محمول على الضرب بغير سبب يقتضيه أو على العفو لا على النسخ إذ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وعلمنا التاريخ ولو كان الضرب غير مفيد في ذلك في ظنه فلا يضربها كما صرح به الإمام، وينبغي أن يتولى تأديبها بنفسه ولا يرفعها إلى القاضي ليؤدبها لما فيه من المشقّة والعار والتنفير للقلوب، لكن قال الزركشي: ينبغي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلاّ فيتعين الرفع إلى القاضي.

وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها والأولى خلافه.

ولما كان هذا الباب فيه ندب المرأة إلى طاعة زوجها خصص ذلك بما لا يكون فيه معصية فقال:

‌94 - باب لَا تُطِيعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَعْصِيَةٍ

هذا (باب) بالتنوين (لا تطيع المرأة زوجها في معصية).

5205 -

حَدَّثَنَا خَلَاّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الْحَسَنِ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنَتَهَا فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا فَقَالَ: «لَا، إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلَاتُ» . [الحديث 5205 - أطرافه في: 5934].

وبه قال: (حدثنا خلاد بن يحيى) السلمي بضم السين الكوفي سكن مكة قال: (حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي (عن الحسن) بفتح الحاء (هو ابن مسلم) بن يناق (عن صفية) بنت شيبة المكية (عن عائشة) رضي الله عنها (أن امرأة من الأنصار زوّجت ابنتها فتمعط) بتشديد العين وبالطاء الخفيفة المهملتين أي تناثر وانتتف من أصله (شعر رأسها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقالت: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها) شيئًا (فقال) عليه الصلاة والسلام لها:

(لا) تصلي فيه (إنه قد لعن الموصلات) بضم اللام مبنيًّا للمفعول والموصلات بضم الميم وسكون الواو وكسر الصاد. وقال في الفتح: بكسر الصاد المشدّدة ويجوز فتحها مرفوع نائب الفاعل، ولأبي ذر عن الكشميهني الموصولات بفتح الميم وسكون الواو وضم الصاد بعدها واو، وهذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر سواء كان شعرًا أو غيره، وذهب

بعضهم إلى أن الممتنع وصل الشعر بالشعر أما إذا وصلت بنحو خرقة فلا، وفي حديث سعيد بن جبير عند أبي داود بسند صحيح، قال: لا بأس بالقرامل بالقاف والراء والميم واللام نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط الشعر من حرير أو صوف تعمل ضفائر تصل بها المرأة شعرها ومنهم من أجازه مطلقًا إذا كان بعلم الزوج وإذنه لكن حديث الباب حجة عليهم.

ومطابقة الحديث الترجمة تؤخذ من المعنى فلو دعاها الزوج إلى معصية وجب عليها الامتناع، وبقية مباحث الحديث تأتي في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته، وقد أخرجه مسلم في اللباس والنسائي في الزينة.

‌95 - باب {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وإن امرأة خافت

ص: 102

من بعلها نشوزًا أو إعراضًا}) [النساء: 128].

0000 -

حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} .

وبه قال: (حدّثنا ابن سلام) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد محمد بن سلام قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن حازم (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها ({وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قالت: هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها) أي لا يستكثر من مصاحبتها ونحو ذلك لكبر سن أو مرض ويهم بطلاقها (فيريد طلائها ويتزوّج) امرأة (غيرها تقول) ولأبي ذر وتقول (له): حال كونها تسترضيه بترك بعض حقها (أمسكني ولا تطلقني ثم تزوّج غيري فأنت في حِلٍّ من النفقة عليّ والقسمة لي فذلك قوله تعالى: {فلا جناح عليهما أن يصالحًا بينهما}) أصله أن يتصالحا فأبدلت التاء صادًا وأدغمت ({صلحًا})[النساء: 128] على أن تطيب له نفسًا عن القسمة أو عن بعضها أو عن النفقة أو عنهما ({والصلح خير}) من الفرقة أو من النشوز أو من الخصومة في كل شيء أو الصلح خير من الخيور كما أن الخصومة شرّ من الشرور، وعند الحاكم من طريق ابن المسيب عن رافع بن خديج أنه كان تحته امرأة فتزوّج عليها شابة فآثر البكر عليها فنازعته وطلقها، ثم قال: إن شئت راجعتك وصبرت. فقالت: راجعني، فراجعها ثم لم تصبر فطلقها، قال: فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله أنزل فيه هذه الآية. وفي الترمذي أنها من حديث ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل، ونزلت هذه الآية. وله شاهد في الصحيحين

من حديث عائشة أن سودة لما كبرت جعلت نوبتها لعائشة، فكان صلى الله عليه وسلم يقسم لها ليلتها ويوم سودة ولم يذكر فيه نزول الآية.

‌96 - باب الْعَزْلِ

وحديث الباب سبق في سورة النساء (باب) حكم (العزل) بعد الإيلاج لينزل منيه خارج الفرج تحرزًا من الولد وهو مكروه، وإن أذنت فيه المعزول عنها حرّة كانت أو أمة لأنه طريق إلى قطع النسل، ولذا روي العزل الوأد الخفي، رواه مسلم وخرج بالتحرّز عن الولد ما لو عنّ له أن ينزع ذكره قرب الإنزال لا للتحرز عن الولد فلا يكره، وقال النووي: قال أصحابنا لا يحرم في مملوكته ولا زوجته الأمة سواء رضيت أم لا لأن عليه ضررًا في مملوكته بأن تصير أم ولد يجوز بيعها، وفي زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقًا تبعًا لأمه أما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم، واستدلوا بحديث البخاري حيث قال:

5207 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [الحديث 5207 - أطرافه في: 5208، 5209].

(حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) الأنصاري رضي الله عنه أنه (قال: كنا نعزل) أي ننزل بعد الجماع خارج الفرج خوف الولد (على عهد النبي) ولأبي ذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على زمنه فالظاهر اطّلاعه صلى الله عليه وسلم أقرّه فله حكم الرفع لتوفّر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام فإن لم يضف إلى الزمن النبوي فله أيضًا حكم الرفع عند قوم والحديث من أفراده بهذا الوجه.

5208 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة.

5209 -

وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ.

(قال عمرو) هو ابن دينار (أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع جابرًا رضي الله عنه أنه (قال: كنا نعزل) بنون مفتوحة والزاي مكسورة (والقرآن ينزل، وعن عمرو) أي ابن دينار (عن عطاء عن جابر قال: كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) ولأبي ذر عن الكشميهني كان يعزل بتحتية مضمومة بدل النون وفتح الزاي مبنيًّا للمفعول (والقرآن) أي والحال أن القرآن (ينزل) أي بتفاصيل الأحكام زاد في رواية إبراهيم بن موسى في روايته عن سفيان أنه قال حين روى هذا الحديث أي لو كان حرامًا لنزل فيه ولم يقل في هذه الرواية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال في

الفتح: وكان ابن عيينة حدّث به مرتين فمرة ذكر فيها الأخبار والسماع فلم يقل فيها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرة بالعنعنة فذكرها، وقد صرح جابر بوقوع ذلك على عهده صلى الله عليه وسلم، وقد وردت عدّة طرق

ص: 103

مصرّحة باطّلاعه على ذلك، وفي مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا، ومن وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها" فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت قال: "قد أخبرتك".

5210 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا سَبْيًا، فَكُنَّا نَعْزِلُ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«أَوَ إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ» ؟ قَالَهَا ثَلَاثًا «مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَاّ هِيَ كَائِنَةٌ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق البصري قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري وهو عم عبد الله السابق (عن مالك بن أنس) الإمام (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن ابن محيريز) بالحاء المهملة والراء والزاي مصغرًا عبد الله الجمحي (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه أنه (قال: أصبنا سبيًّا) أي جواري أخذناها من الكفار أُسراء في غزوة بني المصطلق، وفي رواية ربيعة في المغازي فسبينا كرائم العرب وطالت علينا الغربة (فكنا نعزل) عنهن كراهة مجيء الولد من الأمة أنفة أو خوف تعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد أو فرارًا من كثرة العيال إذا كان مقلاًّ فيرغب في قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب أو غير ذلك وزاد ربيعة فقلنا نفعل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله (فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) عليه الصلاة والسلام:

(أو أنكم) بفتح الهمزة والواو (لتفعلون) العزل المذكور (قالها ثلاثًا) وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام ما كان اطّلع على فعلهم ذلك. واستشكل مع قولهم أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يكون مرفوعًا لأن الظاهر إطلاعه صلى الله عليه وسلم. وأجيب: بأن دواعيهم رضي الله عنهم كانت متوفرة على سؤاله عن أمور الدين فإذا عملوا الشيء وعلموا أنه لم يطلع عليه بادروا إلى السؤال عن الحكم فيه فيكون الظهور من هذه الحيثية قاله فى الفتح. (ما من نسمة) أي نفس (كائنة) أي قدّر كونها (إلى يوم القيامة إلا هي كائنة) سواء عزلتم أو لا فلا فائدة في عزلكم فإنه إن كان الله قدّر خلقها سبقكم الماء فلا ينفعكم الحرص، وقد خلق الله آدم من غير ذكر ولا أُنثى وخلق حوّاء من ضلع منه وعيسى من غير ذكر، وعند أحمد والبزار وصححه ابن حبان من حديث أنس أن رجلًا سأل عن العزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو أن الماء الذي أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدًا". وقول ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل مردود بما سبق من

الخلاف، وبأن المرأة لا حق لها في الجماع أصلًا. واحتج للمانعين بحديث عمر عند ابن ماجة نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها، وفي إسناده ابن لهيعة، وجزم بعض الشافعية بالمنع إذا امتنعت، واتفقت المذاهب الثلاثة على أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها وأن الأمة يعزل عنها بغير إذنها.

قال في الفتح: وينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح، فمن قال: بالمنع هناك ففي هذا أولى، ومن قال بالجواز يمكن أن يلتحق به هذا، ويمكن أن يفرق بأنه أشد لأن العزل لم يقع فيه تعاطي السبب ومعالجة السقط تقع بعد تعاطي السبب، ويلتحق بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصلبه وقد أفتى بعض متأخري الشافعية بالمنع وهو مشكل على القول بإباحة العزل مطلقًا.

وهذا الحديث سبق في البيوع.

‌97 - باب الْقُرْعَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا

(باب القرعة بين النساء إذا أراد) الرجل (سفرًا) وأراد أخذ إحدى زوجاته معه.

5211 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ، فَقَالَتْ: حَفْصَةُ أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ تَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ، فَقَالَتْ: بَلَى فَرَكِبَتْ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا وَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا.

وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) المخزومي المكي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصدّيق (عن عائشة) رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج) إلى سفر (أقرع بين نسائه) فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه (فطارت القرعة) أي حصلت (لعائشة

ص: 104

وحفصة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة) حال كونه (يتحدّث) معها (فقالت حفصة) أي لعائشة لما حصل لها من الغيرة:(ألا) بتخفيف اللام (تركبين الليلة) هذه (بعيري وأركب بعيرك تنظرين) إلى ما لم تنظري إليه (وأنظر) أنا إلى ما لم أكن نظرته (فقالت) لها عائشة لما شوّقتها إليه من النظر (بلى فركبت) كل واحدة منهما بعير الأخرى (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة) يظنها عليه (وعليه حفصة فسلّم عليها) ولم يذكر في هذه الرواية أنه تحدّث معها (ثم سار حتى نزلوا وافتقدته) عليه الصلاة والسلام (عائشة) رضي الله عنها حالة المسايرة (فلما نزلوا جعلت) عائشة (رجليها بين الإذخر) بالذال

الحشيش الطيب الريح المعروف تكون فيه الهوام في البرية غالبًا (وتقول: يا رب) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني رب بإسقاط حرف النداء (سلط عليّ عقربًا أو حيّة تلدغني) بالدال المهملة والغين المعجمة. قالت ذلك لأنها عرفت أنها الجانية فيما أجابت إليه حفصة (ولا أستطيع) أي قالت عائشة ولا أستطيع (أن أقول له) صلى الله عليه وسلم (شيئًا) أي لأنه ما كان يعذرني في ذلك، ولمسلم بعد قوله تلدغني رسولك لا أستطيع أن أقول له شيئًا أي هو رسولك. وعند الإسماعيلي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ولا أستطيع أن أقول له شيئًا أي لا تستطيع أن تقول في حقه شيئًا ولم تتعرض لحفصة لأنها هي التي أجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم.

وفي الحديث مشروعية القرعة فيما ذكر. وقال أصحابنا: لا يجوز للزوج السفر ببعض أزواجه إلا بالقرعة إذا تنازعن وإذا سافر بإحداهن بها فلا قضاء عليه إذ لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم قضاء بعد عودة فصار سقوط القضاء من رخص السفر ولأن المسافرة معه وإن فازت بصحبته فقد تعبت بالسفر ومشاقه وهذا في السفر مباح ولو كان قصيرًا أما غير المباح فليس له أن يسافر بها فيه بقرعة ولا بغيرها فإن سافر بها حرم ولزمه القضاء للباقيات، وإذا نوى الإقامة بمقصده أو بمحل آخر في طريقه مدة تقطع الترخص للمسافر وهي أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج وجب القضاء، وإن أقام في مقصده أو غيره من غير نيّة قضى الزائد على مدة ترخص السفر فلو أقام لشغل ينتظر تنجزه في كل ساعة فلا يقضي إلى أن تمضي ثمانية عشر يومًا، وإن سافر ببعضهن لنقلة حرم عليه وقضى للباقيات، والمشهور عن المالكية والحنفية عدم اعتبار القرعة.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في عشرة النساء.

‌98 - باب الْمَرْأَةِ تَهَبُ يَوْمَهَا مِنْ زَوْجِهَا لِضَرَّتِهَا، وَكَيْفَ يُقْسِمُ ذَلِكَ

(باب المرأة تهب يومها) المختص بها من القسم الكائن (من زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك) وقوله وكيف إلى آخره ساقط للمستملي والكشميهني.

5212 -

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ.

وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي الكوفي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة أن سودة بنت زمعة) بن قيس القرشية العامرية (وهبت يومها) وليلتها لما أسنّت وخافت أن يفارقها صلى الله عليه وسلم (لعائشة) فقبل ذلك منها صلى الله عليه وسلم (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة) ويقسم لسائرهن يومًا يومًا.

وفي هذا الحديث أنه إذا وهبت إحدى الزوجات حقها من القسم لمعينة ورضي بالهبة بات عند الموهوبة ليلتين ليلة لها وليلة للواهبة، وهذه الهبة ليست على قواعد الهبات ومن ثم لا يشترط رضا الموهوب لها بل يكفي رضًا الزوج لأن الحق مشترك بينه وبين الواهبة ومحل بياته عند الموهوبة

ليلتين ما دامت الواهبة في نكاحه، فلو خرجت عن نكاحه لم يبت عند الموهوبة إلا ليلتها ولو كانت الليلتان متفرقتين لم يوالِ بينهما للموهوبة بل يفرقهما كما كانتا قبل لئلا يتأخر حق التي بينهما، ولأن الواهبة قد ترجع بين الليلتين والموالاة تفوّت حق الرجوع عليها، ولو وهبت حقها لجميع ضرّاتها أو أسقطته مطلقًا جعلها كالمعدومة فيسوّى بين الباقيات، ولو وهبته له فخص به

ص: 105

واحدة منهن ولو في كل دور واحدة جاز لأن الحق له فيضعه حيث شاء ثم ينظر في الليلتين أمتفرقتان أم لا وحكم ذلك كما سبق.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح.

‌99 - باب الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَاسِعًا حَكِيمًا}

(باب) وجوب (العدل بين النساء) في النفقة والكسوة والقسم ({ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء}) أي ولن تطيقوا العدل بين النساء والتسوية حتى لا يقع ميل البتة فتمام العدل أن يسوّى بينهن بالقسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والمفاكهة وقيل أن تعدلوا في المحبة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مع جلالة شأنه يقسم بين نسائه ويعدل ويقول "هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك". رواه أصحاب السُّنن وصححه ابن حبان وقال الترمذي يعني به الحب (إلى قوله) تعالى: ({واسعًا}) بتحليل النكاح ({حكيمًا})[النساء: 129، 130] بالإذن في السراح.

وروى البيهقي عن ابن عباس في قوله: {ولن تستطيعوا} الآية. قال في الحب والجماع وسقط لأبي ذر قوله: إلى قوله: {واسعًا حكيمًا} .

‌100 - باب إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ

هذا (باب) بالتنوين (إذا تزوّج) الرجل (البكر على الثيب) كيف يفعل وسقط التبويب ولاحقه لأبي ذر.

5213 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَلَكِنْ قَالَ: "السُّنَّةُ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا". [الحديث 5213 - أطرافه في: 5214].

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر) بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة ابن المفضل بن لاحق البصر قال: (حدّثنا خالد) الحذاء بن مهران (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس) رضي الله عنه. قال أبو قلابة: أو أنس (ولو شئت أن أقول

قال: النبي صلى الله عليه وسلم) لكنت صادقًا في تصريحي بالرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكن المحافظة على اللفظ أولى (ولكن قال):

(السُّنَّة) أي أنه مرفوع بطريق اجتهاده ولمسلم وأبي داود في آخر الحديث قال خالد: ولو شئت أن أقول رفعه لصدقت ولكنه قال: السُّنّة فبين أنه قول خالد لا شيخه أبي قلابة (إذا تزوج البكر) على الثيب (أقام عندها) وجوبًا (سبعًا) من الليالي وتدخل الأيام (وإذا تزوّج الثيب) على البكر (أقام عندها) وجوبًا (ثلاثًا) من الليالي ذلك والمعنى فيه زوال الحشمة بينهما والائتلاف وزيد للبكر لأن حياءها أكثر.

وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه في النكاح.

‌101 - باب إِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ

هذا (باب) بالتنوين (إذا تزوج) الرجل (الثيب على البكر).

5214 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَخَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ وَخَالِدٍ قَالَ خَالِدٌ: وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وبه قال: (حدّثنا يوسف بن راشد) نسبه لجده واسم أبيه موسى القطان الكوفي سكن بغداد قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (وخالد) الحذاء كلاهما (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي والظاهر كما قال الحافظ ابن حجر أن اللفظ لخالد (عن أنس) رضي الله عنه أنه (قال: من السُّنّة) النبوية (إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام) وجوبًا (عندها سبعًا) من الليالي بأيامها متواليات فلو فرقها لم تحسب وقضاها لها متواليات وقضى بعد ذلك للأخريات ما فرّق (وقسم) بالواو بعد ذلك لهما (وإذا تزوج الثيب على البكر أقام) وجوبًا (عندها ثلاثًا) من الليالي بأيامها متواليات وخصت البكر بالسبع لما فيها من الحياء والخدر فتحتاج إلى فضل إمهال وصبر وتأنٍّ ورفق والثيب قد جربت الرجال إلا أنها من حيث استجدت الصحبة أكرمت بزيادة الموصلة وهي الثلاث (ثم قسم) بعد ذلك ولا يحسب السبع ولا الثلاث عليهما بل يستأنف القسمة. وعند الإسماعيلي وأبي نعيم بلفظ ثم في الموضعين: ولا يتخلف بسبب حق الزفاف عن الخروج للجماعات ولسائر أعمال البر كعيادة مريض مدّة الثلاث أو السبع إلا ليلًا فله التخلف وجوبًا تقديمًا للواجب على المندوب، لكن قال الأذرعي أن نصوص الشافعي أن الليل كالنهار في استحباب الخروج لذلك.

(قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت إن أنسًا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم) أي ولكنه تحرز عن التلفظ به تورعًا.

(وقال عبد الرزاق) مما وصله مسلم (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أيوب) السختياني (وخالد) الحذاء يعني بهذا الإسناد والمتن (قال خالد) الحذاء: (ولو شئت قلت رفعه) أي الحديث (إلى النبي

ص: 106

-صلى الله عليه وسلم)، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أيوب من رواية عبد الوهاب الثقفي عنه عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصرح برفعه.

‌102 - باب مَنْ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ

(باب من طاف على نسائه) جامعهن (في غسل واحد).

5215 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) أي ابن نصر البصري سكن بغداد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) أي ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك) رضي الله عنه (حدّثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه) يجامعهن (في الليلة الواحدة) بغسل واحد (وله يومئذٍ تسع نسوة) وسريتان مارية وريحانة لأنه كان أعطي قوّة ثلاثين كما في آخر هذا الحديث في باب: إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه في غُسل واحد من كتاب الغسل، بل عند الإسماعيلي قوّة أربعين. وزاد أبو نعيم عن مجاهد كل رجل منهم من أهل الجنة وصحح الترمذي حديث أنس مرفوعًا: يعطي المؤمن في الجنة قوّة كذا وكذا قيل: يا رسول الله أو يطيق ذلك؟ قال: "يعطى قوّة مائة". وحينئذٍ فالحاصل من ضربها في مائة أربعة آلاف، وقد كانت العرب تتباهى بقوّة النكاح كما كانوا يمدحون قلة الطعام والاجتزاء بالعلقة، فاختار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الأمرين فكان يطوي الأيام لا يأكل حتى يشدّ الحجر على بطنه ومع ذلك يطوف على نساءه في الساعة الواحدة واحتج به من قال: إن القسم ما كان واجبًا عليه وهو وجه لأصحابنا الشافعية أو أن ذلك باستطابتهن أو غير ذلك من الأجوبة السابقة في الغسل.

فإن قلت: ليس في الحديث مطابقة للترجمة. فالجواب: أنه أشار إلى ما روي في بعض طرقه أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

‌103 - باب دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى نِسَائِهِ فِي الْيَوْمِ

(باب) حكم (دخول الرجل على نسائه في اليوم) ليعلم أن عماد القسم الليل لأنه وقت

السكوت والنهار تابع له إلا نحو الحارس والخفير فإن نهاره ليله فهو عماد قسمه لأنه وقت سكونه فلو دخل من عماد قسمه الليل على إحدى زوجاته في ليلة غيرها ولو لحاجة حرم إلا لضرورة كمرضها المخوف ويقضي إن طال الزمن، وأما النهار فلا يجوز دخوله فيه على الأخرى إلا لحاجة كعيادة ووضع متاع وتسليم نفقة ولو استمتع عند دخوله لحاجة بغير الجماع جاز ولا يخص واحدة بالدخول فلو دخل عليها بلا حاجة قضى لتعدّيه.

5216 -

حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (فروة) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والواو المفتوحة ابن أبي المغراء الكوفي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر) أي فرغ من صلاة العصر (دخل على نسائه فيدنو من إحداهن) زاد ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة بغير وقاع (فدخل على حفصة) بنت عمر رضي الله عنهما (فاحتبس) عندها (أكثر ما) ولأبي ذر أكثر مما (كان يحتبس) الحديث. وتمامه يأتي إن شاء الله تعالى بمباحثه في باب {لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1] من كتاب الطلاق، وعند الإمام أحمد عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي في نوبتها فيبيت عندها وصححه الحاكم.

‌104 - باب إِذَا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ نِسَاءَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ بَعْضِهِنَّ فَأَذِنَّ لَهُ

هذا (باب) بالتنوين (إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرّض في بيت بعضهن فأذن له) وأسقطن حقهن فكأنهن وهبن أيامهن لتلك.

5217 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا» ؟ يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي.

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال حدّثني) بالإفراد (سليمان بن بلال قال هشام بن عروة: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم)

ولأبي ذر أن النبي (صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: أين أنا غدًا أين أنا غدًا) مرتين استفهام استئذان منهن أن يكون عند عائشة على القول بوجوب القسم عليه أو لتطييب قلوبهن ومراعاة لخواطرهن (يريد يوم عائشة فأذن)

ص: 107

بتخفيف النون وفي نسخة فأذن (له أزواجه يكون حيث شاء) من بيوت أزواجه (فكان في بيت عائشة حتى مات عندها قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري) بفتح النون موضع القلادة (وسحري) بفتح السين المهملة الرئة أي أنه مات وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها منه، وقيل السحر ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن وحكى القتيبي عن بعضهم أنه بالشين المعجمة والجيم وأنه سئل عن ذلك فشبك بين أصابعه وقدمها عن صدره كأنه يضم شيئًا إليه أي أنه مات وقد ضمته بيديها إلى نحرها وصدرها والشجر التشبيك وهو الذقن أيضًا قال ابن الأثير والمحفوظ: الأول (وخالط ريقه ريقي) لأنها أخذت سواكًا وسوّته بأسنانها وأعطته له عليه الصلاة والسلام فاستاك به كما في آخر الحديث في باب الوفاة النبوية.

‌105 - باب حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ

(باب) جواز (حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض) فلا يؤاخذ بميل قلبه إلى بعضهن ولا بعدم التسوية في الجماع لأن ذلك يتعلق بالنشاط والشهوة وهو لا يملك ذلك.

5218 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهم دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةِ لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا، يُرِيدُ عَائِشَةَ فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَبَسَّمَ.

وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن عبيد بن حنين) بضم العين والحاء المهملتين فيهما مصغرين مولى زيد بن الخطاب أنه (سمع ابن عباس) يحدّث (عن عمر رضي الله عنهم) أنه (دخل على حفصة) ابنته لما قال له جاره الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه (فقال) لها (يا بنية) بكسر التاء في الفرع كأصله (لا يغرنك) بتشديد الراء والنون (هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها يريد عائشة) ولمسلم من رواية سليمان بن بلال وحب بواو العطف، وللطيالسي: لا تغتري بحسن عائشة وحب رسول الله إياها وحينئذٍ يحب هنا رفع عطف على سابقه وحذف حرف العطف، لكن قال السهيلي: بعد أن حكى ذلك عن بعضهم وليس كما قال بل هو مرفوع على البدل من الفاعل الذي في أول الكلام وهو هذه من قول عمر: لا يغرنك هذه، فهذه فاعل والتي نعت وحب بدل اشتمال كما تقول أعجبني يوم الجمعة صوم فيه وسرني زيد حب الناس له انتهى.

قال الحافظ ابن حجر: وثبوت الواو يردّ على ردّه، وقال عياض: يجوز في حب الرفع على

أنه عطف بيان أو بدل اشتمال أو على حذف حرف العطف قال: وضبطه بعضهم بالنصب على نزع الخافض، وقال السفاقسي: حب فاعل وحسنها نصب مفعول من أجله والتقدير أعجبها حب رسول الله إياها من أجل حسنها قال: والضمير الذي يلي أعجبها منصوب فلا يصح إبدال الحسن منه ولا الحب قال عمر: (فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) القصة (فتبسم) الحديث.

وسبق بتمامه في باب موعظة الرجل ابنته.

‌106 - باب الْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يَنَلْ، وَمَا يُنْهَى مِنِ افْتِخَارِ الضَّرَّةِ

(باب) ذم (المتشبع بما لم ينل) يتكثر بذلك ويتزين بالباطل (وما ينهى) بضم الياء وفتح الهاء (من افتخار الضرة) بادعائها الحظوة عند زوجها أكثر مما لها عنده تريد بذلك غيظها.

5219 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ح.

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم (عن هشام) هو ابن عروة (عن فاطمة) بنت المنذر بن الزبير (عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال المؤلّف:

0000 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» .

(وحدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ وسقط واو وحدّثني لغير أبي ذر قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير قال: (حدّثتني) بالتاء والإفراد (فاطمة) بنت المنذر (عن أسماء) بنت أبي بكر (أن امرأة) في أسماء نفسها (وقالت: يا رسول الله إن لي ضرة) هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط (فهل عليّ جناح) إثم (إن تشبعت من زوجي) الزبير بن العوّام كذا سمى المرأة وضرتها في المقدمة لكنه قال في الفتح: لم أقف على تعيين هذه المرأة ولا على تعيين زوجها (غير الذي يعطيني) ولمسلم من حديث عائشة أن امرأة قالت: يا رسول الله

ص: 108

أقول وإن زوجي أعطاني ما لم يعطني (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وسقط قوله فقال رسول الله: إلى آخره لأبي ذر.

(المتشبع) المتكثر (بما لم يعط) يتجمل بذلك كالذي يرى أنه ثمبعان وليس كذلك (كلابس ثوبي زور). قال السفاقسي: هو أن يلبس ثوبي وديعة أو عارية يظن الناس أنهما له ولباسهما لا يدوم فيفتضح بكذبه وأراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت خوفًا من الفساد بين زوجها وضرتها فتورث بينهما البغضاء، وقال الخطابي: هذا يتأول على وجهين: أحدهما أن الثوب مثل المتشبع بما

لم يعط كصاحب زور وكذب كما يقال: للرجل إذا وصف بالبراءة عن العيوب أنه طاهر الثوب والمراد طهارة نفسه، والثاني: أن يراد به نفس الثوب قالوا: كان في الحي رجل له هيئة حسنة إذا احتاجوا إلى شهادة الزور شهد لهم فيقبل لهيئته وحسن ثوبيه، وقيل: هو أن يلبس قميصًا يصل بكمه كما آخر يرى أنه لابس قميصين أو هو المرائي يلبس ثياب الزهاد ليظن أنه زاهد وليس به، وفي الفائق للزمخشري المتشبع المتشبه بالشبعان وليس به واستعير للمتحلي بفضيلة لم يرزقها وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور، وهو الذي يزوّر على الناس بأن يتزيا بزي أهل الصلاح رياء وأضاف الثوبين إليه لأنهما كانا ملبوسين لأجله وهو المسوغ للإضافة وأراد بالتشبيه أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالآخر، وقال الكرماني: معناه المظهر للشبع وهو جائع كالمزور الكاذب المتلبس بالباطل وشبه الشبع بلبس الثوب بجامع أنهما يغشيان الشخص تشبيهًا حقيقيًّا أو تخييليًّا كذا قرّره السكاكي في قوله تعالى: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} [النحل: 112].

فإن قلت: ما فائدة التثنية؟ قلت: المبالغة إشعارًا بالاتزار والارتداء يعني هو زور من رأسه إلى قدمه أو الإعلام بأن في المتشبع حالتين مكروهتين فقدان ما تشبع به وإظهار الباطل.

‌107 - باب الْغَيْرَةِ. وَقَالَ وَرَّادٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي»

(باب الغيرة) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ذلك ما يكون بين الزوجين.

(وقال وراد) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال مهملة مولى المغيرة وكاتبه فيما وصله المؤلّف مطولًا في الحدود (عن المغيرة) بن شعبة أنه قال: (قال سعد بن عبادة) الخزرجي الساعدي: (لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وكسرها أي غير ضارب بعرضه بل بحده للقتل والإهلاك لا بعرضه للزجر والإرهاب، قال القاضي عياض: فمن فتح جعله وصفًا للسيف وحالًا منه، ومن كسر جعله وصفًا للضارب وحالًا منه وفي حديث ابن عباس عند أحمد واللفظ له وأبي داود والحاكم لما نزلت هذه الآية {والذين يرمون المحصنات} [النور: 4] الآية قال سعد بن عبادة: أهكذا أنزلت فلو وجدت لكاع يفتخذها رجل لم يكن لي أن أحركه ولا أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله لا آتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم"؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور والله ما تزوّج امرأة قط إلا عذراء ولا طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوّجها من شدّة غيرته فقال سعد: والله إني

لأعلم يا رسول الله إنه لحق وإنها من عند الله ولكني عجبت (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(تعجبون من غيرة سعد) بهمزة الاستفهام الاستخباري أو الإنكاري أي لا تعجبوا من غيرة سعد (لأنا أغير منه) بلام التأكيد (والله أغير مني) وغيرته تعالى: تحريمه الفواحش والزجر عنها والمنع منها لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه.

5220 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ» .

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفصر) قال: (حدّثنا أبي) هو حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن شفيق) أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(ما من أحد أغير من الله) ما يجوز أن تكون حجازية فأغير منصوب على الخبر وأن تكون تميمية فأغير مرفوع ومن زائدة على اللغتين

ص: 109

للتأكيد ويجوز إذا فتحت الراء من أغير أن تكون في موضع خفض على الصفة لأحد على اللفظ وإذا رفعت أن تكون صفة له على الموضع وعليهما فالخبر محذوف تقديره موجود وقد أولوا الغيرة من الله بالزجر والتحريم كما مر ولذا قال: (من أجل ذلك) أي من أجل أن الله أغير من كل أحد (حرم الفواحش) كل ما اشتد قبحه من المعاصي، وقال ابن العربي: التغير محُال على الله تعالى بالدلالة القطعية فيجب تأويله كالوعيد وإيقاع العقوبة بالفاعل ونحو ذلك انتهى. (وما أحد أحب إليه المدح من الله) برفع أحد اسم ما وأحب بالنصب خبرها على الحجازية وبرفع أحب خبر لأحد على التميمية ومصلحة المدح عائدة على المادح لما يناله من الثواب والله غني عن ذلك.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في التفسير.

5221 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَزْني. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(يا أمة محمد ما أحد أغير من الله) بنصب أغير خبر ما الحجازية (أن يرى عبده أو أمته يزني) بالتذكير للعبد أو بالتأنيث خبرًا للأمة وهذا مكتوب في الفرع مصلح على كشط وهو موافق لليونينية ولأصول معتمدة وفي غير ذلك من الأصول ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته

تزني وفي آخر أو تزني أمته بالتقديم والتأخير في هذه الأخيرة. وقال في فتح الباري: قوله يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته كذا وقع عنده هنا عن عبد الله بن مسلمة عن مالك ووقع في سائر الروايات عن مالك أو تزني أمته على وزان الذي قبله فيظهر أنه من سبق القلم هنا، أو لعل لفظ تزني سقطت غلطًا من الأصل، ثم ألحقت فأخرها الناسخ عن محلها (يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم) من شؤم الزنا ووبال المعصية أو من أهوال القيامة (لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا) والقلة هنا بمعنى العدم كقوله قليل التشكي أي عديمه.

وهذا الحديث سبق بأتم من هذا في الكسوف.

5222 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ» ، وَعَنْ يَحْيَى أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن عروة بن الزبير) بن العوّام (حدّثه عن أمه أسماء) بنت أبي بكر الصديق (أنها سمعت رسول الله) ولأبي ذر سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم يقول: لا شيء أغير من الله) بنصب أغير نعتًا لشيء المنصوب ورفعها على النعت لشيء على الموضع قبل دخول لا.

5223 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» .

(وعن يحيى) بن أبي كثير عطف على السند السابق أي وحدّثنا موسى حدّثنا همام عن يحيى (أن أبا سلمة) بن عبد الرحمن (حدّثه أن أبا هريرة حدّثه أنه سمع النبي) ولأبي ذر أن أبا سلمة حدّثه أنه سمع أبا هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يسق المؤلّف المتن من رواية همام بل تحول إلى رواية شيبان فساقه على روايته والذي يظهر كما في الفتح أن لفظهما واحد فقال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال):

(إن الله) تعالى (يغار) بفتح التحتية والغين المعجمة (وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله) عليه هذا الذي في الفرع كأصله، وقال الحافظ ابن حجر: وفي رواية أبي ذر وغيرة الله أن لا يأتي بزيادة لا قال وكذا رأيتها ثابتة في رواية النسفيّ، وأفرط الصغاني فقال كذا للجميع والصواب حذف لا كذا قال وما أدري ما أراد بالجميع بل أكثر رواة البخاري على حذفها وفاقًا لمن رواه غير البخاري كمسلم والترمذي وغيرهما، وقد وجّهها الكرماني وغيره بما حاصله أن غيرة الله ليست هي الإتيان ولا عدمه فلا بد من تقدير نحو لئلا يأتي أي غيرة الله عن النهي عن الإتيان. وقال

الطيبي: التقدير غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي. قال الكرماني: وعلى تقدير أن لا يستقيم المعنى بإثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها في الكلام كثيرًا نحو قوله: {ما منعك أن لا تسجد} [الأعراف: 12] {لئلا يعلم أهل

ص: 110

الكتاب} [الحديد: 29] انتهى.

5224 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ، الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي وَهْيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ: فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ:«إِخْ إِخْ» ، لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ، فَمَضَى، فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَنَاخَ لأَرْكَبَ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ يَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي.

وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمود) هو ابن غيلان بالغين المعجمة المروزي قال (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن) أمه (أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما) أنها (قالت: تزوجني الزبير) بن العوّام بمكة (وما له في الأرض من مال) إبل أو أرض للزراعة (ولا مملوك) عبد ولا أمة (ولا شيء) من عطف العام على الخاص (غير ناضح) بعير يستقي عليه (وغير فرسه) أي وغير ما لا بدّ له منه من مسكن ونحوهما (فكنت أعلف فرسه) زاد مسلم وأكفيه مؤونته وأسوسه وأدق النوى لناضحه وأعلفه وعنده أيضًا من طريق أخرى، كنت أخدم خدمة البيت وكان له فرس وكنت أسوسه فلم يكن من خدمته شيء أشد عليّ من سياسة الفرس كنت أحتش له وأقوم عليه، (وأستقي) بالفوقية بعد السين المهملة وللكشميهني وأسقي بإسقاطها أي وأسقي الناضح أو الفرس (الماء) والرواية الأولى أشمل معنى وأكثر فائدة ولم تستثن الأرض التي كان أقطعها له النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يملك أصل الرقبة بل منفعتها فقط (وأخرز غربه) بخاء وزاي معجمتين بينهما راء وغربه بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي وأخيط دلوه (وأعجن) دقيقه (ولم أكن أحسن أخبز) بضم الهمزة في أحسن وفتحها في أخبز مع كسر الموحدة (وكان) أي لما قدمنا المدينة من مكة (يخبز) خبزي (جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق) بإضافتهن إلى الصدق مبالغة في تلبسهن به في حسن العشرة والوفاء بالعهد (وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه) إياها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) مما

أفاء الله عليه صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير (على رأسي وهي مني) أي من مكان سكني (على ثلثي فرسخ) بتثنية ثلث والفرسخ ثلاثة أميال وكل ميل أربعة آلاف خطوة (فجئت يومًا والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال):

(إخ إخ) بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة ينيخ بعيره (ليحملني) عليه (خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس) أي بالنسبة إلى علمها أو إلى أبناء جنسه وعند الإسماعيلي وكان من أغير الناس (فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت) له: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ) بعيره (لأركب) خلفه (فاستحييت منه وعرفت غيرتك فقال) لها الزبير: (والله لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه) صلى الله عليه وسلم إذ لا عار فيه بخلاف حمل النوى فإنه ربما يتوهم منه خمسة نفسه ودناءة همته واللام في لحملك للتأكيد وحملك مصدر مضاف لفاعله والنوى مفعوله ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أشد عليك بزيادة كاف (قالت) ولو أزل أخدم (حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني) بالتحتية والفوقية المصحح عليها بالفرع كأصله (سياسة الفرس فكأنما أعتقني) وفيه أن على المرأة القيام بخدمة ما يحتاج إليه بعلها ويؤيده قصة فاطمة وشكواها ما تلقى من الرحى والجمهور على أنها متطوعة بذلك أو يختلف باختلاف عوائد البلاد.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس مقتصرًا على قصة النوى ومسلم في النكاح والنسائي في عشرة النساء.

5225 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ:«غَارَتْ أُمُّكُمْ» ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا. وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ فِيهِ.

وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله بن جعفر المديني قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أم إسماعيل بن إبراهيم (عن حميد) الطويل (عن أنس) رضي الله عنه أنه (قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه) هي عائشة رضي الله عنها (فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين) هي زينب بنت جحش أو صفية أو غيرهما (بصحفة) بفتح الصاد وسكون الحاء المهملتين إناء كالقصعة المبسوطة (فيها طعام فضربت) المرأة (التي النبي صلى الله عليه وسلم بيتها) وهي عائشة (يد الخادم) الذي

ص: 111

جاء بالصحفة (فسقطت الصحفة) من يده (فانفلقت) فانشقت (فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة) بكسر الفاء وفتح اللام جمع فلقة وهي القطعة ككسرة وكسر (ثم جعل

يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول) للحاضرين عنده:

(غارت أمكم) عائشة وفيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيرى بما يصدر منها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبًا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة، وفي حديث عائشة المروي عند أبي يعلى بسند لا بأس به مرفوعًا: أن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه، وعند البزار عن ابن مسعود رفعه إن الله كتب الغيرة على النساء فمن صبر منهن كان لها أجر شهيد (ثم حبس) صلى الله عليه وسلم (الخادم) عن الذهاب لصاحبة الصحفة (حتى أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (بصحفة من عند التي هو في بيتها) وهي عائشة (فدفع الصحفة الصحيحة) إلى الخادم يدفعها (إلى التي كسرت) بضم الكاف (صحفتها وأمسك) عليه الصلاة والسلام الصحفة (المكسورة في بيت التي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في البيت التي (كسرت فيه) كذا في الفرع فيه وسقطت من اليونينية قيل: وكانت القصعتان له صلى الله عليه وسلم فله التصرف كلما يشاء فيهما، وإلاّ فليست القصعة من المثليات بل من المتقومات وإضافتهما باعتبار كونهما في منزلهما.

5226 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَتَيْتُ الْجَنَّةَ، فَأَبْصَرْتُ قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَلَمْ يَمْنَعْنِي إِلَاّ عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ» ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوَعَلَيْكَ أَغَارُ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن أبي بكر المقدمي) بفتح الدال المشددة قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما) وسقط لأبي ذر ابن عبد الله (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

"أريت في المنام أني"(دخلت الجنة أو أتيت الجنة فأبصرت) فيها (قصرًا فقلت) لجبريل وغيره (لمن هذا) القصر؟ (قالوا) أي جبريل ومن معه من الملائكة (لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فلم يمنعني) من دخوله (إلا علمي بغيرتك) يا عمر (قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله) سقط لفظ ابن الخطاب يا رسول الله لأبي ذر (بأبي) أي أنت مفدى بأبي (أنت وأمي يا نبي الله أوعليك أغار)؟ بهمزة الاستفهام والواو العاطفة على مقدّر كما في أومخرجيَّ هم ونحوه.

وهذا الحديث سبق في مناقب عمر.

5227 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي

فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا». فَبَكَى عُمَرُ وَهْوَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَالَ: أَوَعَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ؟

وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: بينما) بالميم (نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(بينما) بالميم ولأبي ذر بينا (أنا نائم رأيتني) بضم الفوقية والضمير للمتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب أي رأيت نفسي (في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر) وضوءًا شرعيًا وهو مؤوّل بكونها كانت محافظة في الدنيا على العبادة ولا يلزم من كون الجنة ليست دار تكليف أن لا يصدر من أحد فيها شيء من العبادات باختياره (فقلت) أي لجبريل (لمن هذا)؟ القصر (قال) ولأبي ذر عن الكشميهني قالوا: أي جبريل ومن معه (هذا لعمر فذكرت غيرته) بضمير الغائب ولأبي ذر عن الكشميهني غيرتك بكاف الخطاب (فوليت مدبرًا، فبكى عمر) رضي الله عنه سرورًا بما منحه الله تعالى أو تشوقًا إليه (وهو في المجلس ثم قال: أو عليك يا رسول الله أغار) وسقط لأبي ذر الهمزة والواو من قوله أو عليك.

‌108 - باب غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ

(باب) حكم (غيرة النساء) بفتح الغين المعجمة (ووجدهن) بفتح الواو وسكون الجيم أي وغضبهن من أزواجهن فإن كان ذلك بسبب تحققهن ارتكاب محرم كالزنا أو انتقاص حقهن أو جور عليهن وإيثار ضرة فهي سائغة لا يتوهم في غير ريبة ولا إن كان مقسطًا بينهن ويعذرن بما فيهن مما طبعن عليه منها ما لم يتجاوزن إلى ما يحرم عليهن من قول أو فعل فيلمن عليه.

5228 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى» ، قَالَتْ فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» ، قَالَتْ: قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَاّ اسْمَكَ. [الحديث 5228 - في الأطراف: 6078].

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبيد بن إسماعيل)

ص: 112

الهباري الكوفي واسمه في الأصل عبد الله قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(إني لأعلم) شأنك (إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليّ غضبى) قال في المصابيح: هذا مما

ادّعى ابن مالك فيه أن إذا خرجت عن الظرفية وقعت مفعولًا والجمهور على أن إذا لا تخرج عن الظرفية فهي في الحديث ظرف لمحذوف هو مفعول أعلم وتقديره شأنك ونحوه (قالت: فقلت من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت غضبى) ولأبي ذر عن الكشميهني وإذا كنت عليَّ غضبى (قلت لا ورب إبراهيم) فيه الحكم بالقرائن لأنه عليه الصلاة والسلام حكم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه الشريف وسكوتها، واستدل على كمال فطنتها وقوة ذكائها بتخصيصها إبراهيم عليه السلام دون غيره لأنه صلى الله عليه وسلم أولى الناس به كما في التنزيل فلما لم يكن لها بد من هجر اسمه الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعلق في الجملة (قالت: قلت أجل) نعم (والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك) بلفظي فقط، ولا يترك قلبي التعلق بذاتك الشريفة مودة ومحبة كذا قرر معناه ابن المنير. وقال في شرح المشكاة: هذا الحصر في غاية من اللطف في الجواب لأنها أخبرت أنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها وإنما عبرت عن الترك بالهجران لتدل به على أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه كما قال الشاعر:

إني لأمنحك الصدود وإنني

قسما إليك مع الصدود لأميل

اهـ.

واستدلّ به على أن الاسم غير المسمى إذ لو كان الاسم عين المسمى لكانت بهجره تهجر ذاته الشريفة وليس كذلك ولهذه المسألة مبحث يطول استيفاؤه يأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في كتاب التوحيد إنه الجواد الكريم الرؤوف الرحيم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضل عائشة.

5229 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن أبي رجاء) عبد الله الحنفي الهروي قال: (حدّثنا النضر) بنون مفتوحة وضاد معجمة ساكنة ابن شميل (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها قالت: ما غرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما غرت على خديجة لكثرة) أي لأجل كثرة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بكثرة بالموحدة بدل اللام أي بسبب كثرة (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وثنائه عليها) من عطف الخاص على العام وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة وذلك موجب للغيرة إذ أصل غيرة المرأة من تحيل محبة زوجها لضرّتها أكثر وفيه أنها كانت تغار من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن لكن من خديجة أكثر لما ذكر وهي وإن

لم تكن موجودة، وقد أمنت عائشة مشاركتها لها فيه عليه الصلاة والسلام، لكن ذلك يقتضي ترجيحها عنده عليه الصلاة والسلام فهو الذي هيج الغضب المثير للغيرة بحيث قالت: ما سبق في مناقب خديجة قد أبدلك الله خيرًا منها فقال عليه الصلاة والسلام: "ما أبدلني الله خيرًا منها" ومع ذلك فلم يؤاخذها لقيام معذرتها بالغيرة التي جبل عليها النساء (وقد أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبشرها) بصيغة المضارع ولأبي ذر عن الكشميهني أن بشرها بصيغة الأمر (ببيت لها في الجنة من قصب) بفتح القاف والصاد المهملة بعدها موحدة.

وعند الطبراني في الأوسط: يعني قصب اللؤلؤ وفي الكبير بيت من لؤلؤة مجوفة، وفي الأوسط من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت وهذا أيضًا من جملة أسباب الغيرة لأن اختصاصها بهذه البشرى يُشعِر بمزيد محبته عليه الصلاة والسلام لها.

وعند الإسماعيلي قالت: ما حسدت امرأة

ص: 113

قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي صلى الله عليه وسلم ببيت من قصب، وفي الحديث أن الغيرة غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلًا عن دونهن وأفضلية خديجة.

وروينا في كتاب مكة للفاكهاني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أبي طالب فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له وبعث معه جارية له يقال لها نبعة فقال لها: انظري ما تقول له خديجة قالت نبعة فرأيت عجبًا ما هو إلا أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت: بأبي وأمي والله ما أفعل هذا لشيء، ولكني أرجو أن تكون النبي الذي يبعث فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الذي يبعثك أن يبعثك لي قالت فقال لها: "والله لئن كنت أنا هو لقد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدًا وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدًا.

وهذا الحديث سبق في باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة.

‌109 - باب ذَبِّ الرَّجُلِ عَنِ ابْنَتِهِ فِي الْغَيْرَةِ وَالإِنْصَافِ

(باب ذب الرجل) بالذال المعجمة أي دفعه (عن ابنته في الغيرة و) طلب (الإنصاف) لها.

5230 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ إِلَاّ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعد البلخي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الرحمن (عن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري أنه (قال: سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وهو) أي والحال أنه (على المنبر):

(إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا) ولأبي ذر عن الكشميهني: استأذنوني (في أن ينكحوا) بضم أوّله من أنكح (ابنتهم) جويرة أو العوراء أو جميلة بنت أبي جهل (علي بن أبي طالب) وبنو هشام هم أعمام بنت أبي جهل لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة وقد أسلم أخواه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح، وعند الحاكم بسند صحيح إلى سويد بن غفلة أحد المخضرمين ممن أسلم في حياة النبي-صلى الله عليه وسلم ولم يلقه قال: خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعن حسبها تسألني؟ فقال: لا ولكن أتأمرني بها؟ قال: لا الحديث (فلا آذن) لهم في ذلك (ثم لا آذن) لهم في ذلك (ثم لا آذن) لهم بالتكرير ثلاثًا.

قال الكرماني، فإن قلت: لا بد في العطف من المغايرة بين المعطوفين. وأجاب: بأن الثاني فيه مغايرة للأول لأن فيه تأكيدًا ليس في الأول، وفيه إشارة إلى تأبيد مدة منع الإذن كأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها فقال: ثم لا آذن أي ولو مضت المدة المفروضة تقديرًا لا آذن بعدها ثم كذلك أبدًا.

(إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم) بفتح الياء من ينكح (فإنما هي) أي فاطمة (بضعة) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وحكي ضم الموحدة وكسرها أي قطعة لحم (مني يريبني) بضم أوله (ما أرابها) تقول أرابني فلان إذا رأيت منه ما تكرهه (ويؤذيني ما آذاها).

وحينئذٍ فمن آذى فاطمة فقد آذى النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه حرام اتفاقًا. وزاد في رواية الزهري في الُخمس. "وأنا أتخوف أن تفتن في دينها وإني لست أحرم حلالًا ولا أحل حرامًا ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدًا".

قال السفاقسي: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم حرم على علي أن يجمع بين ابنته وابنة أبي جهل لأنه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته حرام بالإجماع ومعنى قوله لا أحرم حلالًا أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة وأما الجمع بينهما المستلزم تأذيه لتأذي فاطمة به فلا اهـ.

ولا يبعد أن يكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته أو هو خاص بفاطمة. وزاد في رواية غير أبي ذر هكذا قال:

وهذا الحديث قد سبق في مناقب فاطمة ويأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق.

‌110 - باب يَقِلُّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرُ النِّسَاءُ، وَقَالَ أَبُو مُوسَى: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «وَتَرَى الرَّجُلَ الْوَاحِدَ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً، يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ»

هذا (باب) بالتنوين (يقل الرجال ويكثر النساء) أي في آخر الزمان (وقال أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه فيما سبق موصولًا في باب الصدقة قبل الرد من كتاب

الزكاة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة) وللحموي والمستملي: نسوة

ص: 114

بدل امرأة وهو خلاف القياس (يلذن) بضم اللام وسكون المعجمة يستغثن (به) ويلتجئن (من قلة الرجال وكثرة النساء).

5231 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ» .

وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر الحوضي) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها ضاد معجمة مكسورة قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال) والله (لأحدّثنكم حديثًا) ولأبي ذر بحديث (سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدّثكم به أحد غيري) لأنه آخر من مات بالبصرة من الصحابة أو كان إذ ذاك في آخر عمره حيث لن يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النادر ممن لم يكن هذا الحديث من مرويه وعند ابن ماجة لا يحدّثكم به أحد بعدي (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):

(إن من أشراط الساعة) أي علاماتها (أن يرفع العلم) لكثرة قتل العلماء بسبب الفتن وفي كتاب العلم أن يقل العلم فيحتمل أن يكون المراد بالقلة أولًا وبالرفع آخرًا أو أطلقت القلة وأريد بها العدم كعكسه (ويكثر الجهل) بسبب رفع العلم (ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء) بسبب القتل في الرجال من كثرة الفتن دون النساء لأنهن لسن من ذوات الحرب وقيل بل هي علامة محضة لا بسبب آخر بل يقدر الله في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث (حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) أي من يقوم بأمرهن واللام للعهد إشارة إلى المعهود من كون الرجال قوّامين على النساء، ويحتمل أن يكنى بذلك عن اتباعهن لطلب النكاح حلالًا أو حرامًا. وقوله: لخمسين لا ينافي قوله في المعلق السابق أربعون لأن الأربعين داخلة في الخمسين، أو المراد المبالغة في كثرة النساء بالنسبة إلى الرجال أو الأربعين عدد من يلذن به، والخمسين عدد من يتبعه وهو أعم من أن يلذن به فلا منافاة. وقد روى علي بن سعيد في كتاب الطاعة والمعصية عن حذيفة قال: إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه حتى يتبع الرجل خمسون امرأة تقول: يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني. قال في الفتح: وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لأشعارها باختلاف الأحوال التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي الدين لأن رفع العلم يخل به والعقل لأن شرب الخمر يخل به والنسب لأن الزنا يخل به والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما.

وفي الحديث الإخبار بما سيقع.

وهذا الحديث قد سبق في كتاب العلم.

‌111 - باب لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَاّ ذُو مَحْرَمٍ، وَالدُّخُولُ عَلَى الْمُغِيبَةِ

هذا (باب) بالتنوين (لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم) له بنسب أو رضاع أو مصاهرة فيحل لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن} [النور: 31] الآية ولأن المحرمية معنى يمنع المناكحة أبدًا فكانا كالرجلين والمرأتين ولا فرق في المحرم بين الكافر وغيره إلا إن كان الكافر من قوم يعتقدون حلّ المحارم كالمجوس امتنع خلوته (و) كذا لا يجوز (الدخول على) المرأة (المغيبة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وبعد التحتية الساكنة موحدة التي غاب عنها زوجها لسفر أو غيره ويجوز في الدخول الخفض عطفًا على بامرأة.

5232 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ:«الْحَمْوُ الْمَوْتُ» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري (عن عقبة بن عامر) الجهني رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(إياكم والدخول) بالنصب على التحذير، وقال البرماوي في شرح العمدة: الدخول منصوب عطفًا على إيا المغرى بها والعامل في إيا محذوف أي باعدوا أنفسكم ثم حذف المضاف فقيل إياكم وعطف عليه الدخول، وفي رواية ابن وهب عند أبي نعيم: لا تدخلوا (على النساء) ومنع الدخول مستلزم لمنع الخلوة وعند الترمذي لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما (فقال رجل من الأنصار): قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (يا رسول الله أفرأيت الحمو) أي أخبرني عن حكم دخول الحمو على المرأة (قال) عليه

ص: 115

الصلاة والسلام مجيبًا له: (الحمو الموت) أي لقاؤه مثل لقاء الموت إذ الخلوة به تؤدي إلى هلاك الدين إن وقعت المعصية أو النفس إن وجب الرجم أو هلاك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة على المرأة على طلاقها. والحمو قال النووي: المراد به هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم للزوجة ويجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد الأخ وابن الأخ ونحوهما ممن يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة، وقد جرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي فالشر به أكثر من الأجنبي، والفتنة به أمكن من الوصول إلى المرأة، والخلوة بها من غير نكير عليه بخلاف الأجنبي انتهى.

والحمو بفتح الحاء المهملة وسكون الميم بعدها واو فيهما ولأبي ذر الحم بضم الميم وإسقاط الواو فيهما بوزن أخ. وقال القرطبي: إن الذي في الحديث الحمؤ بالهمزة. وقال الخطابي: وزنه

وزن دلو بغير همز وهو الذي اقتصر عليه ابن الأثير وأبو عبيد قال الحافظ أبو الفضلَ بن حجر: والذي ثبت لنا في رواية البخاري حمو كدلو.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الاستئذان والترمذي في النكاح والنسائي في عِشرة النساء.

5233 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ:«ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» .

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (عن أبي معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(لا يخلون رجل بامرأة) فإن الشيطان ثالثهما (إلا مع ذي محرم) لها فيجوز لانتفاء المحذور وحينئذٍ (فقام رجل فقال: يا رسول الله امرأتي خرجت حاجّة واكتتبت في غزوة كذا وكذا) أي كتبت نفسي في أسماء من عين لتلك الغزاة ولم أقف على تعيين هذه الغزوة ولا على اسم الرجل ولا زوجته (قال) عليه الصلاة والسلام (ارجع فحج مع امرأتك) وظاهره الوجوب وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية، والمشهور أنه لا يلزمه الخروج وفيه كما قال النووي: تقديم الأهم من الأمور المتعارضة فإنه لما عرض له الغزو والحج رجح الحج لأن امرأته لا يقوم غيره مقامه في السفر معها بخلاف الغزو.

ومطابقة الترجمة لما ساقه من الحديثين صريحة في أحد الأمرين المترجم لهما، وأما الثاني فبطريق الاستنباط. وفي حديث جابر المروي عند الترمذي مرفوعًا:"لا تدخلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم". وفي حديث ابن عمر مرفوعًا "لا يدخل رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان" رواه مسلم. والحديث الثاني من حديثي الباب سبق في حج النساء من كتاب الحج مطوّلًا.

‌112 - باب مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ

(باب ما يجوز أن يخلو الرجل) الأمين (بالمرأة) الأجنبية في ناحية (عند الناس) لتسأله عن بواطن أمرها في دينها وغيره من أحوالها سرًّا حتى لا يسمع الناس ذلك إذ هو من الامور التي تستحيي المرأة من ذكرها بين الناس وليس المراد أنه يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم.

5234 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَلَا بِهَا، فَقَالَ:«وَاللَّهِ إِنَّكُنَّ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ» .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة ابن عثمان العبدي الملقب ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام) هو ابن زيد بن أنس أنه (قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: جاءت امرأة من الأنصار) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرفها، وزاد بهز في فضائل الأنصار ومعها صبي لها (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها) رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يسمع من حضر شكواها لا بحيث غاب عن أبصار من كان معه وفي مسلم أن امرأة كان في عقلها شيء قالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال: "يا أم فلان انظري أيّ السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك"(فقال) لها عليه الصلاة والسلام:

(والله إنكن) بنون النسوة ولأبي ذر إنكم بالميم بدل النون (لأحب الناس إليّ) يريد الأنصار، وفيه فضيلة عظيمة لهم وأن مفاوضة الأجنبية سرًّا لا تقدح في الدين عند أمن الفتنة وسعة حلمه -صَلَّى اللَّهُ

ص: 116

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتواضعه.

‌113 - باب مَا يُنْهَى مِنْ دُخُولِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْمَرْأَةِ

(باب ما ينهى من دخول) الرجال (المتشبهين بالنساء) في أخلاقهن (على المرأة) بغير إذن زوجها وحيث تكون سافرة في خلوة وحدها.

5235 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا، وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ فَقَالَ الْمُخَنَّثُ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُمْ» .

به قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) إبراهيم قال: (حدّثنا عبدة) بن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أم سلمة عن أم سلمة) رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها) في بيتها (وفي البيت) الذي هي فيه (مخنّث) بفتح النون المشددة وكسرها بعدها مثلثة يشبه خلقة النساء في حركاتهن وكلامهن اسمه هيت بكسر الهاء وسكون التحتية بعدها فوقية، وكان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما في تاريخ الجوزجاني، وذكر ابن إسحاق أن اسمه ماتع بفوقية، وقيل: بنون. وعند أبي موسى المديني أن ماتعًا لقب هيت أو بالعكس أو إنهما اثنان خلاف، وقيل: إن اسمه أنه بفتح الهمزة وتشديد النون، ورجح في الفتح أن اسم المذكور في الباب هيت (فقال المخنّث): هيت (لأخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية) بن المغيرة بن عبد الله وأمه عاتكة بنت عبد المطلب أسلم قبل الفتح وشهد حنينًا والفتح والطائف فأصابه سهم في الطائف ومات يومئذ واسم أبي أمية حذيفة (إن فتح الله لكم الطائف غدًا) وزاد في رواية أبي أسامة عن هشام في غزوة الطائف وهو محاصر الطائف يومئذ (أدلك على ابنة غيلان)

بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية ابن سلمة بن معتب بن مالك واسمها بادية بالموحدة ثم تحتية بعد الدال المهملة، وقيل: بنون بدل التحتية أسلمت وكذا أبوها وكان تحته عشر نسوة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعًا وعاش إلى أواخر خلافة عمر رضي الله عنه ولأبي ذر على بنت غيلان (فإنها تقبل بأربع) من العكن لسمنها (وتدبر بثمان) لأن أعكانها تنعطف بعضها على بعض وهي في طيّها أربع طرائق وتبلغ أطرافها إلى خاصرتها في كل جانب أربع، فإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن الأربع عند منقطع جنبيها ثمانية، وقال بثمان وكان الأصل ثمانية لأن واحد الأطراف مذكر لأنه لم يقل ثمانية أطراف أو لأن كلاًّ من الأطراف عكنة تسمية للجزء باسم الكل فأنّث بهذا الاعتبار. وأما رواية من روى إن أقبلت قلت تمشي بست، وإن أدبرت قلت تمشي بأربع فكأنه يعني ثدييها ورجليها وطرفي ذلك منها مقبلة وردفيها مدبرة وإنما نقص إذا أدبرت لأن الثديين يحتجبان حينئذ. وزاد ابن الكلبي بعد قوله: وتدبر بثمان بثغر كالأقحوان، إن قعدت تثنت، وإن تكلمت تغنّت، وبين رجليها مثل الإناء المكفوء. وزاد المدائني من طريق يزيد بن رومان عن عروة مرسلًا أسفلها كثيب وأعلاها عسيب (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(لا يدخلن) بفتح اللام وتشديد النون (هذا عليكم) ولأبي ذر عن الكشميهني: عليكن بالنون. وزاد أبو يعلى في روايته من طريق يونس عن الزهري في آخره، وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة يستطعم.

واستنبط منه حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن، والحديث سبق في باب غزوة الطائف من المعازي.

‌114 - باب نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ

(باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم) من الأجانب (من غير ريبة) أي تهمة.

5236 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ عِيسَى عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَسْأَمُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ.

وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) بن راهويه المروزي سكن نيسابور وتوفي بها (عن عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه) فيه إشعار بأنه كان بعد نزول الحجاب (وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون) أي بحرابهم ودرقهم (في المسجد) النبوي (حتى أكون أنا الذي) ولأبي ذر عن الكشميهني التي (أسام) أي أملّ واستدلّ به على جواز رؤية المرأة إلى الأجنبي دون العكس، ويدل

له استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق

ص: 117

والأسفار متنقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهن النساء فدلّ على اختلاف الحكم بين الفريقين، وبهذا احتج الغزالي للجواز فقال: لسنا نقول إن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط وإن لم تكن فتة فلا إذ لم تزل الرجال على ممرّ الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات فلو استووا لأمر الرجال بالتنقب أو منعن من الخروج انتهى.

وقال النووي: نظر الوجه والكفّين عند أمن الفتنة من المرأة إلى الرجل وعكسه جائز وإن كان مكروهًا لقوله تعالى في الثانية: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] وهو مفسر بالوجه والكفّين وقيس بها الأولى وهذا ما في الروضة عن أكثر الأصحاب، والذي صححه في المنهاج التحريم وعليه الفتوى، وأما نظر عائشة إلى الحبشة وهم يلعبون فليس فيها أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت إلى لعبهم وحرابهم ولا يلزم منه تعمّد النظر إلى البدن وإن وقع بلا قصد صرفته في الحال مع أن ذلك كان مع أمن الفتنة أو أن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ ويدل لها قولها (فاقدروا) بضم الدال المهملة أي فانظروا وتدبروا (قدر الجارية الحديثة السن) الغير البالغة (الحريصة على اللهو) ومصابرة النبي صلى الله عليه وسلم معها على ذلك لكن عورض بأن في بعض طرقه أن ذلك بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة فكانت بالغة. نعم احتج المانعون بحديث أم سلمة المشهور حيث قال عليه الصلاة والسلام:"أفعمياوان أنتما" وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي. قال في الفتح: وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا تردّ روايته.

‌115 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ لِحَوَائِجِهِنَّ

(باب خروج النساء لحوائجهن) قال في القاموس: الحاجة معروفة والجمع حاج وحاجات وحوج وحوائج غير قياسي أو مولدة أو كأنهم جمعوا حائجة. زاد الجوهري فقال: وكأن من الأصمعي ينكره وإنما أنكره لخروجه عن القياس إلا فهو كثير في كلام العرب وينشد:

نهار المرء أمثل حين

يقضي حوائجه من الليل الطويل

وحينئذ فقول الداودي في هذا الجمع نظر لأن جمع الحاجة حاجات وجمع الجمع حاج ولا يقال حوائج لا يخفى ما فيه.

5237 -

حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ لَيْلًا فَرَآهَا عُمَرُ فَعَرَفَهَا فَقَالَ: إِنَّكِ وَاللَّهِ يَا سَوْدَةُ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَرَجَعَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ وَهْوَ فِي حُجْرَتِي يَتَعَشَّي، وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقًا فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ

فَرُفِعَ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: «قَدْ أَذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ» .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (فروة بين أبي المغراء) بالفاء والواو المفتوحتين بينهما راء ساكنة وفتح ميم المغراء ورائها بينهما غير معجمة ساكنة ممدود الكندي الكوفي قال: (حدّثنا علي بن مسهر) بالسين المهملة أبو الحسن الكوفي الحافظ (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: خرجت سودة بنت زمعة) أم المؤمنين رضي الله عنها بعد الحجاب (ليلًا) للبراز. زاد في تفسير سورة الأحزاب: وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها (فرآها عمر) رضي الله عنه (فعرفها فقال: إنك والله يا سودة ما تخفين علينا) حرصًا على أن أمهات المؤمنين لا يبدين أشخاصهن أصلًا ولو كنّ مستترات. وقالت عائشة (فرجعت) سودة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك) الذي قاله لها عمر (له وهو في حجرتي يتعشى وإن في يده لعرقًا) بفتح العين وسكون الراء بعدها قاف عظم عليه لحم واللام للتأكيد (فأنزل) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر: فأنزل الله (عليه) الوحي (فرفع عنه) ما كان فيه من الشدة بسبب نزول الوحي (وهو يقول):

(قد أذن الله لكنّ) أمهات المؤمنين (أن تخرجن لحوائجكن) أي للبراز دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج، وقد تمسك به القاضي عياض فقال: فرض الحجاب مما اختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف

ص: 118

في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة من براز، ثم استدلّ بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها، وتعقبه في الفتح فقال: ليس فيما ذكره دليل على ما ادّعاه من فرض ذلك عليهن وقد كنّ يحججن ويطفن ويخرجن إلى المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص.

وهذا الحديث قد مرّ في سورة الأحزاب من التفسير.

‌116 - باب اسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ

(باب استئدان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره) من الضرورات الشرعية.

5238 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه قال:

(إذا استأذنت امرأة أحدكم) في الخروج (إلى المسجد) فحرف الجر متعلق بمقدّر وهو الخروح وعليه المعنى لأن استأذن يتعدى بفي وخرج يتعدى بإلى أو أن إلى بمعنى في أي: استأذنت في المسجد كقوله:

فلا تتركني بالوعيد كأنني

إلى الناس مطليّ به القار أجرب

وهذا لا يراه سيبويه أو إلى بمعنى اللام التي للعلة أي لأجل المسجد كقوله تعالى: {فاستأذنوك للخروج} [التوبة: 83](فلا يمنعها) بالجزم بلا الناهية والفاء جواب إذا والرفع على أنها نافية والمعنى على المنهي، والخبر بمعنى الأمر أو النهي أبلغ من لفظهما لأنه بمنزلة المحكوم عليه بذلك مبالغة في الامتثال المقصود كأنه لشدة المبادرة وقع وذلك دليل تأكده؛ ووقع عند المؤلّف في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس في الصلاة من طريق حنظلة عن سالم إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المساجد فأذنوا لهن ولم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله بالليل، واختلف فيه عن الزهري فأورده المصنف من رواية معمر عن الزهري في باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد من أواخر الصلاة وأحمد من رواية عقيل والسراج من رواية الأوزاعي كلهم عن الزهري عن سالم بغير تقييد، وفي صحيح أبي عوانة عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن عيينة مثله لكنه قال في آخره: يعني بالليل كأن اختصاص الليل بذلك لكونه أستر، وقد ترجم المؤلّف بالخروج إلى المسجد وغيره واقتصر على حديث المسجد، وأجاب الكرماني بأنه قاسه عليه والجامع بينهما ظاهر ويشترط في الجميع أمن المفسدة منهن وعليهن واستدلّ به كما قال النووي على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه إذا أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف، لكن يتقوى بأن يقال إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر.

‌117 - باب مَا يَحِلُّ مِنَ الدُّخُولِ وَالنَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ فِي الرَّضَاعِ

(باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في) وجود (الرضاع) بين الرجل الداخل والمرأة المدخول عليها.

5239 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:«إِنَّهُ عَمُّكِ، فَأْذَنِي لَهُ» . قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ قَالَتْ عَائِشَةُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنه قالت: جاء عمي من الرضاعة) وهو أفلح أخو أبي القعيس (فاستأذن) أن يدخل (عليّ) حجرتي (فأبيت) أي فامتنعت (أن آذن له حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال):

(إنه عمك) من الرضاعة وعم الرضاع كعم النسب (فأذني له. قالت: فقلت يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل) فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل (قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه عمك) فألحق الرضاع بالنسب لأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معًا فوجب أن يكون الرضاع منهما (فليلج) بالجيم فليدخل (عليك. قالت عائشة) رضي الله عنها: (وذلك بعد أن ضرب) بضم

ص: 119

الضاد المعجمة وكسر الراء ماض مبني للمفعول ولأبي ذر عن الحموي أن يضرب (علينا الحجاب) مضارع مبني للمفعول (قالت عائشة: يحرم من الرضاعة) مثل (ما يحرم من الولادة) أي من النسب.

وهذا الحديث سبق في أوائل النكاح.

‌118 - باب لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا

هذا (باب) بالتنوين (لا تباشر المرأة المرأة) بكسر راء تباشر مجزومًا على النهي كسر للساكنين ويجوز الضم (فتنعتها) أي فتصفها (لزوجها).

5240 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا» . [الحديث 5240 - أطرافه في: 5241].

وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي من أهل خراسان سكن قيسارية من أرض الشام قال: (حدّثنا سفيان) الثوري أو هو ابن عيينة أو محمد بن يوسف هو البيكندي وسفيان هو ابن عيينة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(لا تباشر المرأة المرأة) زاد في النسائي في الثوب الواحد (فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها) خشية أن تعجبه إن وصفتها بحسن فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة والافتتان بالموصوفة أو بقبح فيكون غيبة.

وهذا الحديث أخرجه النسائي في عِشرة النساء.

5241 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ

قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا» .

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (شقيق) بن وائل بن سلمة (قال: سمعت عبد الله) يعني ابن مسعود (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(لا تباشر المرأة المرأة) في ثوب واحد (فتنعتها) فتصفها (لزوجها كأنه ينظر إليها) وزاد النسائي من طريق مسروق عن ابن مسعود: ولا الرجل الرجل، وهذه الزيادة عند مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي سعيد بأبسط من هذا ولفظه: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد، ففيه أنه يحرم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، والرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل بطريق الأولى. نعم يباح للزوجين أن ينظر كلٌّ منهما إلى عورة الآخر ولو إلى الفرج ظاهرًا وباطنًا لأنه محل تمتعه، لكن يكره نظر الفرج حتى من نفسه بلا حاجة والنظر إلى باطنه أشدّ كراهة. قالت عائشة رضي الله عنها ما رأيت منه ولا رأى مني أي الفرج، وحديث النظر إلى الفرج يورث الطمس أي العمى. رواه ابن حبان وغيره في الضعفاء، وخالف ابن الصلاح فقال: إنه جيد الإسناد، محمول على الكراهة كما قال الرافعي، واختلف في قوله يورث العمى فقيل في الناظر، وقيل في الولد وقيل في القلب والأمة كالزوجة. ولو نظر فرج صغيرة لا تشتهى جاز لتسامح الناس بنظر فرج الصغيرة إلى بلوغها سن التمييز ومصيرها بحيث يمكنها ستر عورتها عن الناس، وبه قطع القاضي وجزم في المنهاج بالحرمة لكن استثنى ابن القطان الأم زمن الرضاع والتربية للضرورة، أما فرج الصغير فيحل النظر إليه ما لم يميز كما صححه المتولي وجزم به غيره ونقله السبكي عن الأصحاب، ويحرم اضطجاع رجلين أو امرأتين في ثوب واحد إذا كانا عاريين لما ذكر من الحديث السابق، لكن تستثنى المصافحة بل تستحب لحديث أبي داود: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ويستثنى الأمرد الجميل الوجه فتحرم مصافحته ومن به عاهة كالأبرص والأجذم فتكره مصافحته كما قاله العبادي، وتكره المعانقة والتقبيل في الرأس والوجه ولو كان المقبّل أو المقبل صالحًا لحديث رواه الترمذي وحسنه ولفظه قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: "لا"، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: "لا". قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: "نعم".

نعم يستحبان لقادم لحديث الترمذي وحسنه كتقبيل الطفل ولو ولد غيره شفقة لأنه صلى الله عليه وسلم قبّل ابنه إبراهيم والحسن بن علي، وكتقبيل يد الحيّ لصلاح كما كانت الصحابة تفعله مع النبي صلى الله عليه وسلم. نعم يكره ذلك لغناه ونحوه من الأمور الدنيوية

ص: 120

كشوكته ووجاهته لحديث: من تواضع لغني لغناه ذهب ثلثا دينه. وقد أورد البخاري هذا الحديث من طريقين الأولى بالعنعنة والثانية بالسماع، والظاهر أن قوله: فتنعتها من قوله صلى الله عليه وسلم خلافًا لما ذكر عن الداودي أنه من كلام ابن مسعود.

‌119 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِهِ

(باب قول الرجل لأطوفن) أي لأدورن (الليلة على نسائه) وفي نسخة على نسائي أي فأجامعهن.

5242 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليهما السلام: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِىَ، فَأَطَافَ بِهِنَّ وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَاّ امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ» .

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة) بفتح الهمزة وضم الطاء بعدها واو ساكنة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لأطيفن بضم الهمزة وكسر الطاء بعدها تحتية ساكنة (بمائة امرأة) أي أجامعهن (تلد كل امرأة) منهن (غلامًا يقاتل في سبيل الله) عز وجل، وفي الجهاد: لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين بالشك ولا منافاة بين القليل والكثير إذ التخصيص بالعدد لا يمنع الزائد (فقال له الملك) جبريل أو غيره: (قل) لكونه نسي (إن شاء الله فلم يقل) إن شاء الله (ونسي) أن يقولها أي بلسانه وإلاّ فلم يغفل عن التفويض إلى الله بقلبه كما يقتضيه مقام النبوة (فأطاف بهن) أي جامعهن (ولم) بالواو (تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان. قال النبي-صلى الله عليه وسلم):

(لو قال: إن شاء الله لم يحنث) قال السفاقسي: أي لم يتخلف مراده لأن الحنث لا يكون إلا عن يمين، ويحتمل أن يكون حلف أو نزل التأكيد المستفاد من قوله: لأطوفن منزلة اليمين، وهذا الأخير قاله ابن حجر. (وكان) قول إن شاء الله (أرجى لحاجته).

وهذا الحديث سبق في الجهاد.

‌120 - باب لَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ، مَخَافَةَ أَنْ يُخَوِّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ

هذا (باب) بالتنوين (لا يطرق) أي الرجل الغائب (أهله ليلًا) تأكيد لأن الطروق لا يكون إلا ليلًا. نعم قيل إنه يقال أيضًا في النهار (إذا أطال الغيبة) قيد في الحكم المذكور (مخافة أن يخوّنهم) بفتح الخاء المعجمة وكسر الواو المشدّدة أي لأجل خوف تخوينه إياهم أي بنسبهم إلى الخيانة فنصب مخافة على التعليل وأن مصدرية (أو يلتمس) أي يطلب (عثراتهم) بالمثلثة بعد العين أي زلاّتهم قال السفاقسي: الصواب يتخونهن وزلاتهم بالنون فيهما. قال في الفتح: بل ورد في

الصحيح بالميم فيهما في صحيح مسلم وغيره وتوجيهه ظاهر كذا قال، ولم يبين وجهه إلا من جهة المروي وهو وإن كان قويًّا في الحجة لكن يبقى الوجه في العربية، ويحتمل أن يكون المراد بالأهل أعم من الزوجة فيشمل الأولاد مثلًا فعبّر بالميم تغليبًا.

5243 -

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا.

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محارب بن دثار) بكسر الدال المهملة وتخفيف المثلثة السدوسي قاضي الكوفة (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يأتي الرجل أهله طروقًا) بضم الطاء إتيانًا في الليل من سفر أو غيره على غفلة. وفي حديث أنس عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلًا وكان يأتيهم غدوة أو عشية، والعلة في ذلك أنه ربما يجد أهله على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سببًا للنفرة بينهما أو يجدها على غير حالة مرضية والستر مطلوب بالشرع.

5244 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ، فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عاصم بن سليمان) الأحول البصري (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(إذا أطال أحدكم الغيبة) عن أهله في سفر أو غيره (فلا يطرق أهله ليلًا) سبق أن ليلًا تأكيد والتقييد بطول الغيبة يفيد عدم النهي في قصيرها كمن يخرج لحاجة مثلًا نهارًا ويرجع ليلًا إذ لا يتأتى فيه ما في طويلها إذ هو مظنة وقوع المكروه فيما ذكر غالبًا، وفي رواية وكيع عن سفيان الثوري عن محارب عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن

ص: 121

يطرق الرجل أهله ليلًا يتخوّنهم أو يطلب عثراتهم، رواه مسلم، لكن اختلف في هذه الزيادة هل هي مدرجة؟ ومن ثم اقتصر البخاري على القدر المتفق على رفعه وساق الباقي في الترجمة، وقد أخرجه بهذه الزيادة النسائي من رواية أبي نعيم عن سفيان، ومسلم من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به، لكنه قال في آخره قال سفيان: لا أدري هذا في الحديث أم لا. والمعنى أنه إذا طرقهم ليلًا وهو وقت خلوة وانقطاع مراقبة الناس بعضهم لبعض كان ذلك سببًا لسوء ظن أهله به، وكأنه إنما قصدهم ليلًا ليجدهم على ريبة حتى توخى وقت غرتهم وغفلتهم، وعند أحمد والترمذي من طريق أخرى عن الشعبي عن جابر: لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وعند أبي

عوانة في صحيحه من حديث محارب عن جابر أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلًا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلًا فأشار إليها بالسيف، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلًا. وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق النساء ليلًا فطرق رجلان كلاهما وجد مع امرأته ما يكره، وأخرج من حديث ابن عباس نحوه وقال فيه: فكلاهما وجد مع امرأته رجلًا.

وفي الحديث فوائد لا تخفى على متأمل، وأخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم وأبو داود في الجهاد والنساني في عِشرة النساء.

‌121 - باب طَلَبِ الْوَلَدِ

(باب طلب) الرجل (الولد) بالاستكثار من الجماع لقصد ذلك لا الاقتصار على اللذة.

5245 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ سَيَّارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا يُعْجِلُكَ» ؟ قُلْتُ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ قَالَ: «فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا» ؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا قَالَ: «فَهَلَاّ جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» . قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا. أَيْ عِشَاءً. لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ» . وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ قَالَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَيْسَ الْكَيْسَ يَا جَابِرُ يَعْنِي الْوَلَدَ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير الواسطي البلخي الأصل (عن سيار) بفتح السين المهملة وتشديد التحتية وبعد الألف راء ابن وردان أبي الحكم العنزي الواسطي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر) رضي الله عنه أنه (قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة) هي غزوة تبوك (فلما قفلنا) رجعنا (تعجلت على بعير) لي (قطوف) أي بطيء (فلحقني راكب من خلفي) زاد في الباب اللاحق فنخس بعيري بعنزة كانت معه فسار بعيري كأحسن ما أنت راءٍ من الإبل (فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لي:

(ما يعجلك)؟ أي ما سبب إسراعك (قلت: إني حديث عهد بعرس) أي قريب بناء بامرأة (قال) عليه الصلاة والسلام: (فبكرًا تزوجت) بنصب فبكرًا بتزوجت (أم) تزوجت (ثيبًا؟ قلت: بل) تزوّجت (ثيبًا) وفي بعض الأصول، قلت: لا بل ثيبًا بزيادة لا وعليه شرح في المصابيح ثم قال: فإن قلت: قول جابر لا بل ثيبًا ما وجهه ولم يتقدم له شيء يضرب عنه؟ وأجاب بأن معناه لِمَ لا تزوجت بكرًا وأضرب عنه وزاد لا توكيدًا لتقرير ما قبلها من النفي فقال لا بل ثيبًا انتهى.

(قال) عليه الصلاة والسلام (فهلا) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك. قال) جابر: (فلما قدمنا ذهبنا لندخل) المدينة (فقال) عليه الصلاة والسلام (أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا أي عشاءً)

وهذا محمول على بلوغ خبرهم بالوصول فاستعدوا ليجمع بينه وبين النهي عن الطرق ليلًا. (لكي تمتشط الشعثة) بالمثلثة المنتشرة الشعر المغبرة الرأس (وتستحدّ المغيبة) بضم الميم وكسر المعجمة أي تستعمل الحديدة وهي الموسى في إزالة الشعر المشروع إزالته من غاب عنها زوجها.

(قال) أي هشيم كما قاله الإسماعيلي (وحدّثني) بالإفراد (الثقة) قال الكرماني: لم يصرح باسمه لأنه لعله نسيه وليس الجهل باسمه قادحًا لتصريحه بكونه ثقة (أنه قال في هذا الحديث. الكيس الكيس) بالتكرار مرتين والنصب على الإغراء أي فعليك بالجماع أو التحذير أي إياك والعجز عن الجماع (يا جابر) قال البخاري: (يعني) صلى الله عليه وسلم بقوله الكيس (الولد) فالمراد الحث على ابتغاء الولد يقال: أكيس الرجل إذا ولد له أولاد أكياس. وقال ابن الأعرابي: الكيس العقل كأنه جعل طلب الولد عقلًا، وفي رواية محمد بن إسحاق عند ابن خزيمة في صحيحه: فإذا قدمت فاعمل عملًا كيسًا وفيه

ص: 122

قال جابر: فدخلنا حين أمسينا فقلت للمرأة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أعمل عملًا كيسًا. قالت: سمعًا وطاعة فدونك، قال: فبت معها حتى أصبحت.

5246 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيَّارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا دَخَلْتَ لَيْلًا فَلَا تَدْخُلْ عَلَى أَهْلِكَ حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ» . قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَعَلَيْكَ بِالْكَيْسِ الْكَيْسِ» . تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَيْسِ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن الوليد) بن عبد الحميد الملقب بحمدان قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سيار) أبي الحكم العنزي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) له لما قفل من تبوك:

(إذا دخلت) المدينة (ليلًا فلا تدخل على أهلك حتى تستحدّ المغيبة) التي غاب عنها زوجها (وتمتشط الشعثة).

واستنبط منه كراهة مباشرة المرأة في الحالة التي تكون فيها غير متنظفة لئلا يطلع منها على ما يكون سببًا لنفرته منها.

(قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعليك بالكيس الكيس) أي اطلب الولد. وفي كتاب معاشرة الأهلين لأبي عمرو النوقاني عن محارب رفعه فقال: اطلبوا الولد والتمسوه فإنهم ثمرات القلوب وقرّة الأعين وإياكم والعاقر. قال في الفتح: وهو مرسل قوي الإسناد. (تابعه) أي تابع الشعبي (عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري فيما سبق موصولًا في أوائل البيوع. (عن وهب) هو ابن كيسان (عن جابر) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكيس) قال الحافظ ابن حجر: والمتابع في الحقيقة هو وهب لكنه نسب ذلك إلى عبيد الله لتفرده بذلك عن وهب.

‌122 - باب تَسْتَحِدُّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطُ الشَّعِثَةُ

هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة) أي تحلق التي غاب عنها زوجها بالحديد ما يشرع إزالته من الشعر وتسرح شعر رأسها الذي تغيّر وتفرّق وترجله وتتزين، وسقط الشعثة لغير أبي ذر.

5247 -

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا كُنَّا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ فَسَارَ بَعِيرِي كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«مَا يعجلك» ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ قَالَ:«أَتَزَوَّجْتَ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا» ؟ قَالَ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: «فَهَلَاّ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» . قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ. فَقَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا. أَيْ عِشَاءً. لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ» .

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير أبو معاوية السلمي الواسطي حافظ بغداد قال: (أخبرنا سيار) العنزي (عن الشعبي) عامر (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما أنه (قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة) أي غزوة تبوك (فلما قفلنا) بفتح القاف والفاء المخففة أي رجعنا (كنا قريبًا من المدينة تعجلت على بعير لي قطوف) بفتح القاف وضم الطاء المهملة وبعد الواو فاء أي بطيء السير (فلحقني راكب من خلفي فنخس بعيري بعنزة) بفتح العين والنون والزاي عصًا طويلة أقصر من الرمح (كانت معه فسار بعبري كأحسن ما أنت راءٍ من الإبل فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في النكاح (فقال):

(ما يعجلك؟ فقلت: يا رسول الله إني حديث عهد بعرس) بضم العين والراء وتسكن أي قريب البناء بامرأة (قال) عليه الصلاة والسلام (أتزوجت؟ قلت: نعم. قال: أ) تزوجت (بكرًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بكرًا بإسقاط أداة الاستفهام (أم) تزوجت (ثيبًا؟ قال) جابر: (قلت) يا رسول الله (بل) تزوجت (ثيبًا. قال) عليه الصلاة والسلام (فهلا) تزوجت (بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟ قال) جابر: (فلما قدمنا) المدينة (ذهبنا لندخل) منازلنا (فقال) عليه الصلاة والسلام (أمهلوا حتى تدخلوا) على أهليكم (ليلًا أي عشاءً) جمع بينه وبين النفي في قوله في الروايات السابقة لا يطرق أهله ليلًا بأن الأمر في أول الليل والنهي في أثنائه أو الأمر لمن علم أهله بقدومه والحكمة في الإمهال (لكي تمتشط الشعثة وتستحدّ المغيبة) قال في القاموس: امرأة مغيب ومغيبة ومغيب كمحسن غاب زوجها.

‌123 - باب {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ} -إِلَى قَوْلِهِ-: {لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ولا يبدين}) أي لا يظهرن المؤمنات ({زينتهن}) وهي ما تتزين به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب، والمعنى ولا يظهرن مواضع الزينة إذ إظهار عين الزينة وهي الكحل ونحوه مباح فالمراد بها مواضعها أو إظهارها وهي في مواضعها ومواضعها الرأس والأذن والعنق والصدر والعضدان والذراع فهي الإكليل والقرط والقلادة والوشاح والدملج والسوار والخلخال، أو المراد بهذه الآية مواضع الزينة الباطنة كالصدر والساق ونحوهما ({إلا لبعولتهن}) أي لأزواجهن جمع بعل (إلى قوله) تعالى: ({لم يظهروا

ص: 123

على عورات النساء}) [النور: 31] أي لم يطلعوا لعدم الشهوة من ظهر على الشيء إذا اطلع عليه وعبّر بالجمع في قوله لم يظهروا عن لفظ الطفل لأنه جنس.

5248 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ جُرْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ؟ فَسَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَكَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: وَمَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَعَلِيٌّ يَأْتِي بِالْمَاءِ عَلَى تُرْسِهِ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَحُرِّقَ فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: اختلف الناس بأي شيء دووي جرح رسول الله) ولغير أبي ذر دووي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي جرحه بوجهه الشريف (يوم) وقعة (أُحُد فسألوا سهل بن سعد الساعدي وكان من آخر من بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة) فيه احتراز عمن بقي من الصحابة بالمدينة كمحمود بن الربع ومحمود بن لبيد وبغير المدينة كأنس بن مالك بالبصرة (فقال) سهل (وما بقي من الناس) ولأبي ذر: ما بقي للناس (أحد أعلم به مني) أي بالذي دووي به جرحه عليه الصلاة والسلام وأكثر هذا التركيب يستعمل في نفي المثل أيضًا (كانت فاطمة عليها السلام تغسل الدم عن وجهه) المقدّس فيه المطابقة بين الحديث والآية من جهة كون فاطمة رضي الله عنها باشرت ذلك من أبيها صلوات الله عليه وسلامه فيطابق الآية من حيث إبداء المرأة زينتها لأبويها (و) كان (علي) رضي الله عنه (يأتي بالماء على ترسه فأخذ حصير) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة (فحرق) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء المكسورة وتخفف (فحشي به جرحه).

وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الطهارة.

‌124 - باب {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ}

هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({والذين لم يبلغوا الحلم منكم})[النور: 58]

والأطفال الذين لم يحتملوا من الأحرار والمراد بيان حكمهم بالنسبة إلى الدخول على النساء ورؤيتهم إياهن وسقط منكم لغير أبي ذر.

5249 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما سَأَلَهُ رَجُلٌ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِيدَ، أَضْحًى أَوْ فِطْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ. لَوْلَا مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلَا إِقَامَةً. ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ يَدْفَعْنَ إِلَى بِلَالٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَ هُوَ وَبِلَالٌ إِلَى بَيْتِهِ.

وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) الملقب بمردويه السمسار المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن عابس) بالعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فسين مهملة النخعي الكوفي أنه قال: (سمعت ابن عباس رضي الله عنهما) وقد (سأله رجل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد) استفهام محذوف الأداة (أضحى) بفتح الهمزة وسكون الضاد والتنوين (أو فطرًا؟ قال) ابن عباس: (نعم ولولا مكاني منه) صلى الله عليه وسلم (ما شهدته يعني من صغره) فيه التفات أو ليس هذا من كلام ابن عباس ولأبي ذر عن الحموي من صغري وهو على الأصل. أي لولا منزلتي منه عليه الصلاة والسلام ما حضرت معه لأجل صغري وأراد بشهوده ما وقع من وعظه للنساء لأن الصغير يغتفر له الحضور معهن بخلاف الكبير. (قال) ابن عباس (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى) بالناس العيد (ثم خطب ولم يذكر) أي ابن عباس (أذانًا ولا إقامة ثم أتى النساء) لأنهن كن في ناحية عن الرجال (فوعظهن وذكرهن) بتشديد الكاف من التذكير تفسير لسابقه أو تأكيد له (وأمرهن بالصدقة فرأيتهن يهوين) بفتح الياء من الثلاثي ولأبي ذر بضمها من الرباعي بأيديهن (إلى آذانهن وحلوقهن يدفعن إلى بلال) الخواتيم والفتخ (ثم ارتفع) أي رجع صلى الله عليه وسلم (هو وبلال إلى بيته) والغرض منه مشاهدة ابن عباس ما وقع من النساء حينئذ وكان صغيرًا فلم يحتجبن منه، وأما بلال فيحتمل أن لا يكون إذ ذاك يشاهدهن مسفرات.

‌125 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: هَلْ أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ وَطَعْنِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ فِي الْخَاصِرَةِ عِنْدَ الْعِتَابِ

(باب قول الرجل لصاحبه هل أعرستم الليلة)؟ كذا في الفرع وأصله لكن عليه علامة السقوط وفي رواية أبي ذر وقال في الفتح: إن ذلك زاده ابن بطال في شرحه، ثم قال الحافظ ابن حجر: وقد وجدت هذه الزيادة في نسخة الصغاني مقدمة ولفظه باب قول الرجل إلى آخره وبعده (وطعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب) وهو عطف على قول الرجل مصدر مضاف إلى فاعله وابنته مفعوله.

5250 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: عَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَاّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت:

ص: 124

عاتبني أبو بكر) أي في قصة ضياع العقد وحبس الناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء (وجعل يطعنني) بضم العين (بيده في خاصرتي) فأدبها بالقول والفعل ولذا قالت: أبو بكر ولم تقل أبي لأن منزلة الأبوة تقتضي الحنوّ (فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه على فخذي).

وهذا الحديث مطابق للجزء الثاني من الترجمة على ما لا يخفى ولم يذكر حديثًا يناسب الجزء الأول فقال في الفتح: إن الذي يظهر أنه أخلى بياضًا ليكتب فيه ما يناسبه. قال: وقد وقع في قصة أبي طلحة وأم سليم عند موت ولدهما وكتمها ذلك عنه حتى تعشى وبات معها فأخبرته بذلك فأخبر بذلك أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم، وسيأتي إن شاء الله تعالى في أوائل العقيقة بعون الله وقوته.

بسم الله الرحمن الرحيم

‌68 - كتاب الطلاق

باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1].

هو في اللغة رفع القيد يقال: أطلق الفرس والأسير، وفي التسرع رفع القيد الثابت شرعًا بالنكاح فقوله شرعًا يخرج به القيد الثابت حال وهو حلّ الوثاق وبالنكاح يخرج العتق لأنه رفع قيد ثابت شرعًا لكنه لا يثبت بالنكاح واستعمل في النكاح بلفظ التفعيل وفي غيره بالإفعال ولهذا لو قال لها: أنت مطلقة بتشديد اللام لا يفتقر إلى نية ولو خففها فلا بدّ منها، ويقال طلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها أيضًا. وعن الأخفش نفي الضم، وفي ديوان الأدب أنه لغة ويقال طلقت أيضًا بضم أوله وكسر اللام المشددة فإن خففت فهو خاص بالولادة، وفي مشروعية النكاح مصالح العباد الدينية والدنيوية، وفي الطلاق إكمال لها إذ قد لا يوافقه النكاح فيطلب الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله فمكّن من ذلك رحمة منه سبحانه وفي جعله عددًا حكمة لطيفة لأن النفس كذوبة ربما تظهر عدم الحاجة إلى المرأة أو الحاجة إلى تركها وتسوّله، فإذا وقع حصل الندم وضاق الصدر به وعيل الصبر فشرعه سبحانه وتعالى ثلاثًا ليجرب نفسه في المرة الأولى فإن كان الواقع صدقها استمر حتى تنقضي العدّة وإلا أمكنه التدارك بالرجعة، ثم إذا عادت النفس فمثل الأول وغلبته حتى عاد إلى طلاقها نظر أيضًا فيما يحدث له فما يوقع الثالثة إلا وقد جرب وفقه في حال نفسه، ثم حرمها عليها بعد انتهاء العدد قبل أن تتزوج آخر ليثاب بما فيه غيظه وهو الزوج الثاني على ما عليه من جبلة الفحولية بحكمته ولطفه تعالى بعباده.

‌1 - باب أَحْصَيْنَاهُ: حَفِظْنَاهُ وَعَدَدْنَاهُ.

وَطَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ

(وقول الله تعالى): وسقطت الواو لغير أبي ذر ({يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}) خص

النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء وعمّ بالخطاب لأنه صلى الله عليه وسلم إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم: يا فلان افعلوا كذا إظهارًا لتقدمه فكأنه هو وحده في حكم كلهم وسادّ مسدّ جميعهم أو هو على إضمار قلّ، والتقدير يا أيها النبي قل لأمتك ومعنى إذا طلقتم النساء إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المقبل على الأمر المشارف له منزلة الشارع فيه ({فطلقوهن لعدتهن}) أي فطلقوهن مستقبلات لعدتهن أي عند ابتداء شروعهن في العدة واللام للتوقيت كقولك: أتيته لليلة بقيت من المحرم أي مستقبلًا لها، والمراد أن يطلق المدخول بهن من المعتدات بالحيض في طهر لم يجامعهن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن، وهذا أحسن الطلاق. وفي حديث ابن عمر عند مسلم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: فطلقوهن في قبل عدتهن ({وأحصوا العدة})[الطلاق: 1] واضبطوها بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لا نقصان فيهن يقال: (أحصيناه) أي (حفظناه وعددناه) وهذا التفسير لأبي عبيدة، وأخرج الطبري معناه عن السدي والمراد الأمر أن يحفظ ابتداء وقت العدة لئلا يلتبس الأمر فتطول المدة فتتأذى بذلك المرأة، وخوطب الزوج بذلك لغفلة النساء ثم إن الطلاق يكون بدعيًّا وسنيًّا وواجبًا ومستحبًّا ومكروهًا.

فأما السني فأشار إليه البخاري بقوله: (وطلاق السُّنّة أن يطلقها) بعد الدخول بها

ص: 125

حال كونها (طاهرًا من غير جماع) في ذلك الطهر ولا في حيض قبله وليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة وهي تعتدّ بالأقراء وذلك لاستعقابه الشروع في العدّة (ويشهد شاهدين) لقوله عز وجل: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] وعن ابن عباس فيما أخرجه ابن مردويه قال: كان نفر من المهاجرين يطلقون لغير عدّة ويراجعون بغير شهود فنزلت، وأما تسميته بالسني فقال الشيخ كمال الدين بن الهمام: الطلاق السني المسنون وهو كالمندوب في استعقاب الثواب، والمراد به هنا المباح لأن الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت له ثواب، فمعنى المسنون منه ما يثبت على وجه لا يستوجب عتابًا. نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها عقب جماعها أو حائضًا فمنع نفسه إلى الطهر الآخر فإنه يُثاب لكن لا عن الطلاق في الطهر الخالي عن الحيض بل على كف نفسه عن ذلك الإيقاع على ذلك الوجه امتناعًا عن المعصية.

وأما البدعي؛ فطلاق مدخول بها بلا عوض منها في حيض أو نفاس أو في عدّة طلاق رجعي وهي تعتدّ بالإقراء وذلك لمخالفته قوله تعالى: {فطلقوهن لعدّتهن} وزمن الحيض والنفاس لا يحسب من العدّة والمعنى فيه تضررها بطول مدة التربص أو في طهر جامعها فيه أو استدخلت ماءه فيه ولو كان الجماع أو الاستدخال في حيض قبله؛ أو في الدبر إن لم يتبين حملها وكانت ممن يحبل لأدائه إلى الندم عند ظهور الحمل لأن الإنسان قد يطلق الحائل دون الحامل، وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر هو والولد وألحقوا الجماع في الحيض بالجماع في الطهر لاحتمال العلوق فيه، والجماع في الدبر كالجماع في القُبل لثبوت النسب ووجوب العدّة به، وهذا الطلاق حرام للنهي عنه، وقال النووي: أجمع الأمة على تحريمه بغير رضا المرأة فإن طلقها أثم ووقع طلاقه.

5251 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» .

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلّق امرأته) هي آمنة بمدّ الهمزة وكسر الميم بنت غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء أو بنت عمار بعين مهملة مفتوحة ثم ميم مشدّدة. قال ابن حجر: والأول أولى وفي مسند أحمد أن اسمها النوار ويمكن أن يكون اسمها آمنة ولقبها النوّار (وهي حائض) جملة حالية (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) عن حكم طلاق ابنه على الصفة المذكورة. زاد الزهري كما في التفسير عن سالم أن ابن عمر أخبره فتغيّظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعمر:

(مُره) أصله أأمره بهمزتين الأولى للوصل مضمومة تبعًا للعين مثل: اقتل والثانية فاء الكلمة ساكنة تبدل تخفيفًا من جنس حركة سابقتها فتقول أومر فإذا وصل الفعل بما قبله زالت همزة الوصل وسكنت الهمزة الأصلية كما في قوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة} [طه: 32]. لكن استعملها العرب بلا همزة فقالوا: مر لكثرة الدور ولأنهم حذفوا أولًا الهمزة الثانية تخفيفًا ثم حذفوا همزة الوصل استغناء عنها لتحرك ما بعدها وكذا حكم أخذ وأكل أي: مُر ابنك عبد الله (فليراجعها) والأمر للندب عند الشافعية والحنابلة والحنفية. وقال المالكية: وصححه صاحب الهداية من الحنفية للوجوب ويجبر على مراجعتها ما بقي من العدّة شيء. قال ابن القاسم وأشهب وابن الموّاز: يجبر عندنا بالضرب والسجن والتهديد انتهى.

لنا قوله تعالى: {فأمسكوهن بمعروف} [البقرة: 231] وغيرها من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالرجعة أو الفراق بتركها فجمع بين الآيات والحديث بحمل الأمر على الندب ولأن الرجعة لاستدراك النكاح وهو غير واجب في الابتداء. قال الإمام: ومع استحباب الرجعة لا نقول إن تركها مكروه، لكن قال في الروضة فيه نظر وينبغي كراهته لصحة الخبر فيه ولدفع الإيذاء ويسقط الاستحباب بدخول الطهر الثاني. وقال ابن دقيق العيد: ويتعلق بالحديث مسألة أصولية وهي

ص: 126

الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أم لا؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (مره) فأمره بأمره، وقد أطال في الفتح البحث في هذه المسألة، والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفًا آخر بفعل شيء كان المكلف الأول مبلغًا محضًا والثاني مأمور من قبل الشارع كما هنا وإن توجه من الشارع لمكلف أن يأمر غير مكلف كحديث:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع" لم

يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء لأن الأولاد غير مكلفين فلا يتجه عليهم الوجوب، وإن توجه الخطاب من غير الشارع بأمر من له عليه الأمر أن يأمر من لا أمر للأول عليه لم يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء أيضًا بل هو متعدٍّ بأمره للأول أن يأمر الثاني.

(ثم ليمسكها) بإعادة اللام ويجوز تسكينها كقراءة {ثم ليقضوا تفثهم} [الحج: 29] فالكسر على الأصل في لام الأمر فرقًا بينها وبين لام التأكيد والسكون للتخفيف إجراء للمنفصل مجرى المتصل والمراد الأمر باستمرار الإمساك لها وإلا فالرجعة إمساك، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عند مسلم ثم ليدعها (حتى تطهر ثم تحيض) حيضة أخرى (ثم تطهر ثم إن شاء أمسكـ) ـها (بعد) أي بعد الطهر من الحيض الثاني (وإن شاء طلقـ) ـها (قبل أن يمسـ) ـها أي يجامعها.

واختلف في علة هذه الغاية فقيل لئلا تصير الرجعة لمجرد غرض الطلاق لو طلق في أول الطهر بخلاف الطهر الثاني وكما ينهى عن النكاح لمجرد الطلاق ينهى عن الرجعة له ولا يستحب الوطء في الطهر الأول اكتفاء بإمكان التمتع، وقيل عقوبة وتغليظ، وعورض بأن ابن عمر لم يكن يعلم تحريمه. وأجيب: بأن تغيظه صلى الله عليه وسلم دون أن يعذره يقتضي أن ذلك في الظهور لا يكاد يخفى على أحد، وفي مسلم من رواية محمد بن عبد الرحمن عن سالم مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا. قال الشافعي وابن عبد البر: رواه جماعة غير نافع بلفظ: "حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن شاء أمسكها" رواية يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسالم فلم يقولوا ثم تحيض ثم تطهر، نعم رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع كما نبّه عليه أبو داود والزيادة من الثقة مقبولة خصوصًا إذا كان حافظًا واختلف في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق والرجعة فقطع المتولي بالمنع، وهو الذي يقتضيه ظاهر الزيادة التي في الحديث. وذكر الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة. قال الكرخي: وهو قول أبي حنيفة لرواية سالم رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة لأن أثر الطلاق قد انعدم بالمراجعة فصار كأنه لم يطلقها. وقال أبو يوسف ومحمد: في طهر ثانٍ أي إذا طهرت من تلك الحيضة التي وقع فيها الطلاق ثم حاضت ثم طهرت.

(فتلك العدة) أي فتلك زمن العدة وهي حالة الطهر (التي أمر الله) أي أذن (أن يطلق لها النساء) في قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} . واستدلّ به على أن القرء المذكور في قوله تعالى: {ثلاثة قروء} [البقرة: 228] المراد به الطهر كما ذهب إليه مالك والشافعي.

وأما الطلاق الواجب ففي الإيلاء على المولي لأن المدة إذا انقضت وجب عليه الفيئة أو الطلاق، وفي الشقاق على الحكمين إذا أمر المظلومة ولا بدعة فيه للحاجة إليه مع طلب الزوجة.

وأما المستحب فعند خوف تقصيره في حقها لبغض أو غيره أو بأن لا تكون عفيفة لحديث الرجل الذي قال: يا رسول الله إن امرأتي لا تردّ يدَ لامس. فقال عليه الصلاة والسلام: "طلقها"

والأمر للاستحباب، يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام لما أن قال له: إنيّ أحبها: أمسكها، وألحق به ابن الرفعة طلاق الولد إذا أمره به والده لحديث الأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان أن ابن عمر قال: كان تحتي امرأة أحبها وكان عمر يكرهها فقال: طلقها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أطع أباك".

وأما المكروه فعند سلامة الحال لحديث: "ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق".

وأما المباح فطلاق من ألقي عليه عدم اشتهائها بحيث يعجز ويتضرر بإكراهه نفسه على جماعها فهذا إذا وقع فإن كان قادرًا على طول غيرها مع

ص: 127

استبقائها ورضيت بإقامتها في عصمته بلا وطء أو بلا قسم فيكره طلاقها كما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سودة، وإن لم يكن قادرًا على طولها أو لم ترض هي بترك حقها فهو مباح لأن مقلب القلوب ربّ العالمين.

وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الطلاق.

‌2 - باب إِذَا طُلِّقَتِ الْحَائِضُ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ

هذا (باب) بالتنوين (إذا طلقت) المرأة (الحائض) بضم الطاء مبنيًّا للمفعول (يعتدّ بذلك الطلاق) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وبفوقية مفتوحة أجمع على ذلك أئمة الفتوى خلافًا للظاهرية والخوارج والرافضة حيث قالوا: لا يقع لأنه منهي عنه فلا يكون مشروعًا. لنا قوله عليه الصلاة والسلام لعمر: "مره فليراجعها" وكان طلقها في حالة الحيض كما مرّ، والمراجعة بدون الطلاق محال ولا يقال: المراد بالرجعة الرجعة اللغوية وهي الرد إلى حالها الأول لا أنه يجب عليه طلقة لأن هذا غلط إذ حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية مقدم على حمله على الحقيقة اللغوية كما تقرر في الأصول، ولأن ابن عمر صرّح في الحديث الآتي بأنه حسبها عليه طلقة.

5252 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لِيُرَاجِعْهَا» ، قُلْتُ: أتُحْتَسَبُ؟ قَالَ: «فَمَهْ» . وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» . قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ» .

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين أنه (قال: سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: طلق ابن عمر امرأته) آمنة (وهي) أي والحال أنها (حائض) وسقط قوله قال: طلق ابن عمر لأبي ذر، وفي نسخة بدل الساقط أنه طلق امرأته، وقال الكرماني فإن قلت: أين المطابقة بين المبتدأ والخبر؟ وأجاب بأن التاء للفرق بين المذكر والمؤنث الصفة خاصة بالنساء فلا حاجة إليها (فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم) ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام:

(ليراجعها) إلى عصمته من الطلقة التي أوقعها بالصفة المذكورة قال أنس بن سيرين: (قلت) لابن عمر (أتحتسب) طلقة بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية (قال) ابن عمر: (فمه) هي ما الاستفهامية أدخل عليها هاء السكت في الوقف مع أنها غير مجرورة وهو قليل أي فما يكون إن لم تحتسب أو هي كلمة كف وزجر أي انزجر عنه فإنه لا شك في وقوع الطلاق وكونه محسوبًا في عدد الطلاق.

وهذا نص في موضع النزاع يرد على القائل بعدم الوقوع فيجب المصير إليه، وعند الدارقطني من رواية شعبة عن أنس بن سيرين فقال عمر: يا رسول الله أفنحتسب بتلك الطلقة؟ قال: "نعم". وعنده أيضًا من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رجلًا قال: إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال: عصيت ربك وفارقت امرأتك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر أن يراجع امرأته. قال: إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم يبق لك ما ترتجع به امرأتك وقد وافق ابن حزم من المتأخرين التقي بن تيمية واحتجوا له بما عند مسلم من حديث أبي الزبير عن ابن عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليراجعها" فردّها وقال: "إذا طهرت فليطلق أو ليمسك" وزاد النسائي وأبو داود فيه ولم يرها شيئًا، لكن قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة وأحاديثهم كلها على خلاف ما قال أبو الزبير، وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يقلها غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بمن هو أثبت منه، وقال الخطابي: لم يروِ أبو الزبير حديثًا أنكر من هذا، وقال الشافعي فيما نقله البيهقي في المعرفة: نافع أثبت من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا، وقد وافق نافعًا غيره من أهل الثبت وحمل قوله لم يرها شيئًا على أنه لم يعدّها شيئًا صوابًا فهو كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه: لم تصنع شيئًا أي لم تصنع شيئًا صوابًا. وقال الخطابي: لم يرها شيئًا تحرم معه المراجعة، وقد تابع أبا الزبير غيره، فعند سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس ذلك بشيء" وكل ذلك قابل للتأويل وهو أولى من تغليظ بعض الثقات.

وقال ابن القيم منتصرًا لشيخه ابن تيمية: الطلاق ينقسم إلى حلال

ص: 128

وحرام فالقياس أن حرامه باطل كالنكاح وسائر العقود وأيضًا فكما أن النهي يقتضي التحريم فكذلك يقتضي الفساد وأيضًا فهو طلاق منع منه الشرع فأفاد منعه عدم جواز إيقاعه، فكذلك يفيد عدم نفوذه وإلاّ لم يكن للمنع فائدة لأن الزوج لو وكّل رجلًا أن يطلّق امرأته على وجه فطلّقها على غير الوجه المأذون فيه لم ينفذ، فكذلك لم يأذن الشارع لمكلّف في الطلاق إلاّ إذا كان مباحًا، فإذا طلّق طلاقًا محرمًا لم يصح وأيضًا فكل ما حرمه الله من العقود مطلوب الإعدام فالحكم ببطلان ما حرّمه أقرب إلى تحصيل هذا المطلوب من تصحيحه، ومعلوم أن الحلال المأذون فيه ليس كالحرام الممنوع منه ثم ذكر معارضات أخرى لا تنهض مع التنصيص على صريح الأمر بالرجعة فإنها فرع وقوع الطلاق وعلى

تصريح صاحب القصة بأنها حسبت عليه تطليقة، والقياس في معارضة النص فاسد الاعتبار انتهى ملخصًا من الفتح.

وقد عطف المؤلّف على قوله في السند عن أنس بن سيرين قوله: (وعن قتادة) بن دعامة (عن يونس بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الباهلي البصري (عن ابن عمر) أنه (قال) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (مره) أي مر ابنك (فليراجعها) أي امرأته التي طلقها في الحيض قال يونس بن جبير: (قلت) لابن عمر (تحتسب) مبني للمفعول التطليقة (قال: أرأيت) أي أخبرني، ولأبي ذر عن الكشميهني: أرأيته (إن عجز) عن فرض فلم يقمه (واستحمق) فلم يأتِ به أيكون ذلك عذرًّا له وقال النووي الهمزة في أرأيت للاستفهام الإنكاري أي نعم يحتسب الطلاق ولا يمنع احتسابه لعجزه وحماقته. وقال غيره: استحمق بفتح التاء والميم مبنيًّا للفاعل أي طلب الحمق بما فعله من طلاق امرأته وهي حائض أي أرأيت إن عجز الزوج عن السُّنَّة أو جهل السُّنَّة فطلّق في الحيض أيعذر لحمقه فلا يلزمه طلاق استبعادًا من ابن عمر أن يعذر أحد بالجهل بالشريعة وهو القول الأشهر أن الجاهل غير معذور، وقال ابن الخشاب: أي فعل فعلًا يصير به أحمق عاجزًا فيسقط عنه حكم الطلاق عجزه أو حمقه والسين والتاء فيه إشارة إلى أنه تكلف الحمق بما فعله من تطليق امرأته وهي حائض.

وقال الكرماني: يحتمل أن تكون أن نافية بمعنى لم يعجز ابن عمر ولا استحمق لأنه ليس بطفل ولا مجنون حتى لا يقع طلاقه والعجز لازم الطفل والحمق لازم الجنون فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم انتهى.

قال النووي: والقائل هذا الكلام ابن عمر يريد نفسه وإن عاد الضمير بلفظ الغيبة، وقد جاء في مسلم أن ابن عمر قال: ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت.

5253 -

وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ.

(وقال) ولأبي ذر حدّثنا (أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير عن ابن عمر) أنه (قال حسبت) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول (عليّ) بتشديد التحتية الطلقة التي طلقتها في الحيض (بتطليقة) فيه ردّ على ما تمسك به الظاهرية ومن نحا نحوهم في قوله: إنه لم يعتدّ بها ولم يرها شيئًا لأنه وإن لم يصرّح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن فيه تسليم أن ابن عمر قال: إنها حسبت عليه بتطليقة فكيف يجتمع هذا مع قوله إنه لم يعتد بها ولم يرها شيئًا على المعنى الذي ذهب إليه المخالف لأنه إن جعل الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لزم منه أن ابن عمر خالف ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بخصوصها لأنه قال: حسبت عليه بتطليقة فيكون من حسبها عليه خالف كونه لم يرها شيئًا، أو كيف يظن به ذلك مع

اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليفعل ما يأمره به وإن جعل الضمير في لم يعتدّ بها ولم يرها لابن عمر لزم منه التناقض في القصة الواحدة فيفتقر إلى الترجيح، ولا شك أن الأخذ بما رواه أكثر والأحفظ أولى من مقابله عند تعذر الجمع عند الجمهور، وأما قول ابن القيم في الانتصار لشيخه لم يرد التصريح بأن عمر احتسب بتلك التطليقة إلا في رواية سعيد بن جبير عنه عند

ص: 129

البخاري وليس فيها التصريح بالرفع قال: فانفراد سعيد بن جبير بذلك كانفراد أبي الزبير بقوله لم يرها شيئًا فإما أن يتساقطا وإما أن ترجح رواية ابن الزبير لتصريحها بالرفع، وتحمل رواية سعيد بن جبير على أن أباه هو الذي حسبها عليه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث بعد أن كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتسب عليهم به ثلاثًا إذا كان بلفظ واحد.

وأجيب: بأنه قد ثبت في مسلم من رواية أنس بن سيرين سألت ابن عمر عن امرأته التي طلقها وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مره فليراجعها" فإذا طهرت فليطلقها لطهرها قال: فراجعتها ثم طلقتها لطهرها قلت فاعتددت بتلك التطليقة وهي حائض فقال: ما لي لا أعتدّ بها وإن كنت عجزت واستحمقت. وعند مسلم أيضًا من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن سالم في حديث الباب: وكان ابن عمر طلّقها تطليقة فحسبت من طلاقها فراجعها كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه موافقة أنس بن سيرين سعيد بن جبير وأنه راجعها في زمنه صلى الله عليه وسلم، قاله في فتح الباري. وما في الحديث من الفوائد لا يخفى على متأمل، والله الموفق.

‌3 - باب مَنْ طَلَّقَ وَهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالطَّلَاقِ

؟

(باب من طلّق) امرأته جاز له ذلك لأن الله تعالى شرع الطلاق كما شرع النكاح، وقال تعالى:{الطلاق مرتان} [البقرة: 229] و {يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء} [الطلاق: 1] وأما حديث "ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق" المروي في سنن أبي داود بإسناد صحيح وصححه الحاكم، وفي لفظ "إن أبغض المباحات عند الله الطلاق" فمحمول على ما إذا وقع عن غير سبب مع كونه أعلّ بالإرسال بل قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: إنه نص على إباحته وكونه مبغوضًا وهو لا يستلزم ترتب لازمه المكروه الشرعي إلا لو كان مكروهًا بالمعنى الاصطلاحي ولا يلزم ذلك من وصفه بالبغض إلا لو لم يصفه بالإباحة لكنه وصفه بها لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه وغاية ما فيه أنه مبغوض إليه سبحانه وتعالى، ولم يرتب عليه ما رتب على المكروه ودليل نفي الكراهة قوله تعالى:{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن} [البقرة: 236] وطلاقه صلى الله عليه وسلم حفصة (وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق)؟ الأولى ترك ذلك إلا إن احتيج إليه.

5254 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ أَيُّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ

عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا:«لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:

وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: سألت الزهري) محمد بن مسلم (أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه؟ قال) مجيبًا عن ذلك (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون) بفتح الجيم وبعد الواو الساكنة نون أميمة بنت النعمان بن شراحيل على الصحيح وقيل أسماء (لما أدخلت) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا) أي قرب (منها) بعد أن تزوجها (قالت) لما كتبه الله عليها من الشقاء (أعوذ بالله منك فقال) صلى الله عليه وسلم (لها):

(لقد عذت بعظيم) وهو الله تعالى (الحقي بأهلك) بفتح الحاء وكسر الهمزة وقيل بالعكس كناية عن الطلاق يشترط فيها النية بالإجماع، والمعنى الحقي بأهلك لأني طلّقتك سواء كان لها أهل أم لا؟

وهذا الحديث أخرجه النسائي في النكاح وابن ماجة.

(قال أبو عبد الله) أي المؤلّف وسقط قال أبو عبد الله لأبي ذر: (رواه) أي الحديث المذكور (حجاج بن أبي منيع) بفتح الميم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة عين مهملة ونسبه لجدّه واسم أبيه يوسف الوصافي بفتح الواو والصاد المهملة المشدّدة فيما وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه (عن جده) أبي منيع عبيد الله بن أبي زياد (عن الزهري) محمد بن مسلم (أن عروة) بن الزبير (أخبره أن عائشة) رضي الله عنها (قالت) فذكره ووصله الذهلي في الزهريات، ورواه ابن أبي ذئب أيضًا بنحوه وزاد في آخره قال الزهري: جعلها تطليقة أخرجه البيهقي.

5255 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَسِيلٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ الشَّوْطُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ، فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اجْلِسُوا هَا هُنَا» ، وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ. فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتٍ أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«هَبِي نَفْسَكِ لِي» ، قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟ قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ: «قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ» ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ:«يَا أَبَا أُسَيْدٍ، اكْسُهَا رَازِقِيَّيْنِ، وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا» . [الحديث 5255 - طرفه في: 5257].

وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن غسيل) هو عبد الرحمن بن

ص: 130

سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري وحنظلة هو غسيل الملائكة لما استشهد

بأُحُد وهو جُنُب (عن حمزة بن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة (عن) أبيه (أبي أسيد) مالك بن ربيعة الأنصاري الساعدي (رضي الله عنه) أنه (قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) من المسجد أو من منزله (حتى انطلقنا إلى حائط) بستان عليه جدار (يقال له الشوط) بفتح الشين المعجمة وبعد الواو الساكنة طاء مهملة (حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا) ولأبي ذر جلسنا (بينهما) بإسقاط الفاء (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(اجلسوا ها هنا، ودخل) إلى الحائط (وقد أُتي بالجونية) بضم الهمزة وفتح الجيم فيهما نسبة لقبيلة من الأزد فيما قاله ابن الأثير، وقال الرشاطيّ: الجون في كندة والأزد فالذي في كندة الجون هو معاوية بن حجر آكل المرار ثم قال: ومنهم أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث ابن شراحيل بن كندة تزوّج بها النبي صلى الله عليه وسلم فتعوّذت منه فطلّقها. وقال ابن حبيب: الجونية امرأة من كندة وليست بأسماء والذي في الأزد الجون بن عوف بن مالك. وقال الكرماني: وقيل اسم الجونية أمامة (فأنزلت) بضم الهمزة (في بيت في نخل) بالتنوين فيهما وسقط لفظ في لأبي ذر (في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل) بإضافة بيت لأميمة كذا في الفرع وأصله وغيرهما مما رأيته في الأصول. وقال الحافظ ابن حجر، وتبعه العيني كالكرماني بالتنوين في الكل: وأميمة بالرفع إما بدلًا من الجونية وإما عطف بيان، وزاد في الفتح فقال: وظن بعض الشراح أنه بالإضافة فقال: في الكلام على الرواية التي بعدها تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل لعل التي نزلت في بيتها بنت أخيها وهو مردود فإن مخرج الطريقين واحد، وإنما جاء الوهم من إعادة لفظ في بيت. وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال في بيت في النخل في بيت أميمة إلى آخره انتهى. فليتأمل.

وعند ابن سعد أن النعمان بن الجون الكندي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أزوّجك أجمل أيم في العرب فتزوّجها وبعث معه أبا أسيد الساعدي قال أبو أسيد: فأنزلتها في بني ساعدة فدخل عليها نساء الحي فرحين بها وخرجن فذكرن من جمالها.

(ومعها دايتها حاضنة لها) بالرفع ولأبي ذر بالنصب. قال في الفتح كالكواكب: الداية الظئر المرضع وهي معربة، وقال العيني: ليس كما قالا وإنما الداية المرأة التي تولِّد الأولاد وهي القابلة وهو لفظ معرّب ولم يعرف اسمها الحافظ ابن حجر (فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال) لها: (هبي نفسك لي) أمر للمؤنث وأصله أوهبي حذفت الواو تبعًا لمضارعه واستغني عن الهمزة فصار هبي بوزن علي، قال لها ذلك تطييبًا لقلبها واستمالة لها، وإلا فقد كان له صلى الله عليه وسلم أن يزوّج من نفسه بغير إذن المرأة وبغير إذن وليّها وكان مجرد إرساله إليها وإحضارها ورغبته فيها كافيًا في ذلك (قالت) لسوء حظها وشقائها وعدم معرفتها بجلالة قدره الرفيع (وهل تهب الملكة) بكسر اللام (نفسها للسوقة)؟ بضم السين المهملة لواحد من الرعية. وقال في القاموس: السوقة الرعية للواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ولأبي ذر: لسوقة (قال: فأهوى بيده) الشريفة أي أمالها (يضع يده عليها لتسكن

فقالت: أعوذ بالله منك. فقال) ولأبي ذر قال: (قد عذت بمعاذ) بفتح الميم أي بالذي يستعاذ به قال أبو أسيد (ثم خرج علينا) صلى الله عليه وسلم (فقال: يا أبا أسيد اكسها) بضم السين ثوبين (رازقيين) براء ثم زاي فقاف مكسورتين بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به، والرازقية ثياب من كتاب بيض طوال. قال السفاقسي: أي متعها بذلك إما وجوبًا وإما تفضلًا. وسيأتي إن شاء الله تعالى بعون الله حكم المتعة. (وألحقها بأهلها) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الحاء وسكون القاف أي ردّها إليهم لأنه هو الذي كان أحضرها. وعند ابن سعد قال أبو أسيد: فأمرني فرددتها إلى قومها، وفي أخرى له فلما وصلت بها تصايحوا وقالوا: إنك

ص: 131

لغير مباركة فما دهاك؟ قالت: خدعت. قال: وحدّثني هشام بن محمد بن أبي خيثمة زهير بن معاوية: أنها ماتت كمدًا.

5256 -

5257 - وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي أُسَيْدٍ قَالَا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ. [الحديث 5256 - طرفه في: 5637].

(وقال الحسين) بضم الحاء (ابن الوليد النيسابوري) الفقيه لم يدركه البخاري (عن عبد الرحمن) بن غسيل (عن عباس بن سهل عن أبيه) سهل بن سعد (وأبي أسيد) كلاهما (قالا: تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحبل) نسبها لجدّها واسم أبيها النعمان كما مرّ (فلما أدخلت عليه) صلى الله عليه وسلم (بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك) لما أراد الله تعالى بها من المكروه (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم (أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين).

وهذا التعليق وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي أحمد الفرّاء عن الحسين، ومراد المؤلّف منه أن الحسين بن الوليد شارك أبا نعيم الفضل بن دكين في روايته لهذا الحديث عن عبد الرحمن بن الغسيل، لكن اختلفا في شيخ عبد الرحمن فقال أبو نعيم: حمزة. وقال الحسين: عباس ابن سهل.

0000 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا إبراهيم بن أبي الوزير) عمر بن مطرف الحجازي أدركه المؤلّف ولم يلقه وليس له في البخاري إلا هذا الحديث قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن غسيل (عن حمزة) بالحاء المهملة (عن أبيه) أبي أسيد (وعن) بالواو أي حمزة يروي عن أبيه وعن (عباس بن سهل بن سعد عن أبيه) سهل بن سعد (بهذا) الحديث المذكور.

5258 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي غَلَاّبٍ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ. فَقَالَ: تَعْرِفُ ابْنَ عُمَرَ إِنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا. قُلْتُ: فَهَلْ عَدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا؟ قَالَ: "أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ".

وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم قال: (حدّثنا همام بن يحيى) بن دينار البصري (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي غلاب) بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام آخره موحدة (يونس بن جبير) الباهلي البصري أنه (قال: قلت لابن عمر رجل طلق امرأته وهي حائض فقال) له (تعرف ابن عمر) قال له ذلك لتقريره على اتباع السُّنة والقبول من ناقلها وأنه يلزم العامّة الاقتداء بمشاهير العلماء لا أنه ظن أنه لا يعرفه كذا قاله الحافظ ابن حجر وتبعه العيني (أن ابن عمر طلّق امرأته) آمنة بنت غفار (وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك) الطلاق الصادر في الحيض (له فأمره) أي أمر ابن عمر (أن يراجعها) من التطلقة التي طلقها لها (فإذا طهرت) بضم الهاء (فأراد أن يطلقها فليطلقها) في ذلك الطهر قال يونس بن جبيرة (قلت) لابن عمر (فهل عدّ ذلك) عليه الصلاة والسلام (طلاقًا؟ قال: أرأيت) أي أخبرني (إن عجز واستحمق) قال المهلب: يعني إن عجز من المراجعة التي أمر بها عن إيقاع الطلاق أو فقد عقله فلم تمكن منه الرجعة أتبقى المرأة معلقة؟ لا هي ذات بعل ولا مطلقة، وقد نهى الله عن ذلك فلا بدّ أن يحتسب بتلك التطليقة التي أوقعها على غير وجهها كما أنه لو عجز عن فرض آخر فلم يقمه واستحمق فلم يأت به ما كان يعذر بذلك ويسقط عنه.

‌4 - باب مَنْ أَجَازَ طَلَاقَ الثَّلَاثِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَرِيضٍ طَلَّقَ: لَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَتُهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَرِثُهُ: وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: تَزَوَّجُ إِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَاتَ الزَّوْجُ الآخَرُ فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ؟

(باب من أجاز) ولأبي ذر من جوّز (طلاق الثلاث) وفي نسخة الطلاق الثلاث أي دفعة واحدة أو مفرقًا (لقول الله تعالى: {الطلاق مرّتان}) أي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع ({فإمساك بمعروف}) برجعة ({أو تسريح بإحسان})[البقرة: 229] وهذا عامّ يتناول إيقاع الثلاث دفعة واحدة، وقد دلّت الآية على ذلك من غير نكير خلافًا لمن لم يجز ذلك لحديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". وعند سعيد بن منصور بسند صحيح أن عمر كان إذا أَتي برجل طلق امرأته ثلاثًا أوجع ظهره. وقال الشيعة وبعض أهل الظاهر: لا يقع إذا أوقعه دفعة واحدة. قالوا: لأنه خالف السُّنّة فيردّ إلى السُّنّة. وفي الأشراف عن بعض المبتدعة أنه إنما يلزم بالثلاث إذا كانت مجموعة واحدة وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي وحجاج بن أرطأة، وتمسكوا في ذلك

بحديث ابن إسحاق عن داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس المرويّ عند أحمد وأبي يعلى وصححه بعضهم قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ

ص: 132

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت فارتجعها".

وأجيب: بأن ابن إسحاق وشيخه مختلف فيهما مع معارضته بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث كما سيأتي إن شاء الله تعالى وبأنه مذهب شاذ فلا يعمل به إذ هو منكر، والأصح ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة أن ركانة طلّق زوجته البتة فحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما أراد إلا واحدة فردّها إليه، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان. قال أبو داود: وهذا أصح. وعورض بأنه نقل عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير كما نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق له، ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار، بل في مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، وقال الشيخ خليل من أئمة المالكية في توضيحه: وحكى التلمساني عندنا قولًا بأنه إذا أوقع الثلاث في كلمة إنما يلزمه واحدة وذكر أنه في النوادر قال: ولم أره انتهى.

والجمهور على وقوع الثلاث، فعند أبي داود بسند صحيح من طريق ابن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلّق امرأته ثلاثًا فسكت حتى ظننت أنه رادّها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس إن الله قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا} [الطلاق: 2] وأنت لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك. وقد روي عن ابن عباس من غير طريق أنه أفتى بلزوم الثلاث لمن أوقعها مجتمعة. وفي الموطأ بلاغًا قال رجل لابن عباس: إني طلّقت امرأتي مائة طلقة فماذا ترى؟ فقال ابن عباس: طلّقت منك ثلاثًا، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا، وقد أجيب عن قوله كان طلاق الثلاثة واحدة بأن الناس كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم يطلقون واحدة، فلما كانوا في زمان عمر كانوا يطلقون ثلاثًا. ومحصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في زمن عمر ثلاثًا كان يوقع قبل ذلك واحدة لأنهم كانوا لا يستعجلون الثلاث وكانوا يستعملونها نادرًا وأما في زمن عمر فكثر استعمالهم لها. وأما قوله: فأمضاه عليهم فمعناه أنه صنع فه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله انتهى.

وقال الشيخ كمال الدين بن الهمام: تأويله أن قول الرجل أنت طالق، أنت طالق، كان واحدة في الزمن الأول لقصدهم التأكيد في ذلك الزمان ثم صاروا يقصدون التجديد فالزمهم عمر بذلك لعلمه بقصدهم قال: وما قيل في تأويله أن الثلاث التي يوقعونها الآن إنما كانت في الزمن الأول واحدة تنبيه على تغير الزمان ومخالفة السُّنّة فيشكل، إذ لا يتجه حينئذٍ قوله فأمضاه عمر،

واختلفوا مع الاتفاق على الوقوع ثلاثًا هل يكره أو يحرم أو يباح أو يكون بدعيًّا أو لا؟ فقال الشافعية: يجوز جمعها ولو دفعة، وقال اللخمي من أئمة المالكية: إيقاع الاثنتين مكروه: والثلاث ممنوع لقوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا} [الطلاق: 1] أي من الرغبة في المراجعة والندم على الفرقة. ولنا قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النساء} [البقرة: 236] و {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] وهذا يقتضي الإباحة، وطلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وكان الصحابة يطلقون من غير نكير حتى روي أن مغيرة بن شعبة كان له أربع نسوة فأقامهن بين يديه صفًّا فقال: أنتنّ حسنات الأخلاق، ناعمات الأوراق، طويلات الأعناق، اذهبن فأنتن الطلاق. وكل هذا يدل على الإباحة. نعم الأفضل عندنا أن لا يطلّق أكثر من واحدة ليخرج من الخلاف. وقال الحنفية: يكون بدعيًّا إذا أوقعه بكلمة لحديث ابن عمر عند الدارقطني قلت يا رسول الله: أرأيت لو طلّقتها ثلاثًا؟ قال: "إذًا قد عصيت ربك وبانت منك امرأتك" ولأن الطلاق إنما جعل متعددًا ليمكنه التدارك عند الندم فلا يحلّ له تفويته.

وفي حديث محمود

ص: 133

بن لبيد عند النسائي بسند رجاله ثقات قال: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام مغضبًا فقال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" لكن محمود بن لبيد ولد في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يثبت له منه سماع وهو مع ذلك محتمل لإنكاره عليه إيقاعها مجموعة وغير ذلك.

(وقال ابن الزبير) عبد الله فيما وصله الشافعي وعبد الرزاق (في) رجل (مريض طلق) امرأته (لا أرى) بفتح الهمزة (أن ترث مبتوتة) بالمثناتين الفوقيتين بينهما واو ساكنة، وقبل أولاهما موحدة منصوبة في اليونينية من قيل لها أنت طالق البتّة ويطلق على من أنبتت بالثلاث ولغير أبي ذر مبتوتة أي مبتوتة المريض.

(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (ترثه) ما كانت في العدة وهذا وصله سعيد بن منصور.

(وقال ابن شبرمة): بضم الشين المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد الله قاضي الكوفة التابعي الشعبي (تزوّج) استفهام حذفت منه الأداة أي هل تزوّج (إذا انقضت العدة. قال) الشعبي: (نعم) تزوّج (قال) ابن شبرمة (أرأيت) أي أخبرني (إن مات الزوج الآخر) ترثه أيضًا فيلزم إرثها من الزوجين معًا واحدة (فرجع) الشعبي (عن ذلك) القول الذي قاله من أنها ترثه ما كانت في العدة وهذا وصله سعيد بن منصور، وساقه المؤلّف مختصرًا استطرادًا.

5259 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا،

حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: عَاصِمٌ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا قَالَ: عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا. فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» . قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (أن سهل بن سعد الساعدي) رضي الله عنه (أخبره أن عويمرًا) بضم العين مصغرًا ابن الحارث (العجلاني) بفتح العين المهملة وسكون الجيم (جاء إلى) ابن عمه (عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن رجل (وجد مع امرأته رجلًا) على بطنها (أيقتله فتقتلونه) قصاصًا لآية {النفس بالنفس} [المائدة: 45](أم كيف يفعل سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل) المذكورة لما فيها من البشاعة والشناعة على المسلمين والمسلمات (وعابها حتى كبر) بضم الباء الموحدة عظم وشق (على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر، فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال) له (عاصم: لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها. قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن رجل (وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(قد أنزل الله فيك) ولأبي ذر قد أنزل فيك (وفي صاحبتك) زوجتك خولة بنت قيس على المشهور آية اللعان (فاذهب فأتِ بها) قال سهل: (فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في تفسير سورة النور بما سمى الله في كتابه (فلما فرغا) من تلاعنهما (قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم).

قيل: المطابقة بين الحديث والترجمة في قوله فطلقها ثلاثًا لأنه صلى الله عليه وسلم أمضاه ولم ينكر عليه، وهذا فيه نظر لأن اللعان تعلق به انفساخ النكاح ظاهرًا وباطنًا كالرضاع والحرمة المؤبدة، لكن قد يقال: إن ذكره للطلاق الثلاث مجموعة ولم ينكره عليه الصلاة والسلام عليه يدل له، والظاهر أن عويمرًا لم يظن أن اللعان يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق الثلاث.

وهذا الحديث قد سبق في تفسير النور.

(قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (فكانت تلك) التفرقة (سُنّة المتلاعنين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة.

5260 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيَّ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» .

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء وهو اسم جده واسم أبيه كثير قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي ولأبي ذر

ص: 134

عن عقيل (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة ابن الزبير أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرته أن امرأة رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء (القرظي) بالقاف المضمومة والظاء المعجمة من بني قريظة واسمها تميمة بنت وهب وقيل غير ذلك (جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبتّ طلاقي) بالموحدة المفتوحة والفوقية المشددة أي قطعه قطعًا كليًّا وفي كتاب الأدب من وجه آخر أنها قالت: طلّقني آخر ثلاث تطليقات (وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة ابن باطا (القرظي وإن ما معه) أي وإن الذي معه تعني فرجه (مثل الهدبة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة، وفي رواية مثل هدبة الثوب أي طرفه الذي لم ينسج شبهوه بهدب العين وهو شعر جفنها وشبهته بذلك إما لصغره أو لاسترخائه، والثاني أظهر إذ يبعد أن يكون صغيرًا إلى حدّ لا يغيب معه مقدار الحشفة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لها:

(لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا) ترجعين إليه (حتى يذوق) عبد الرحمن (عسيلتك وتذوقي عسيلته) بضم العين على التصغير كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته، وأنّث في التصغير لأن العسل يذكّر ويؤنّث لأنه تصغير عسلة أي قطعة من العسل أو على إرادة اللذة لتضمنه ذلك.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فبتّ طلاقي إذ هو محتمل للثلاث دفعة واحدة ومتفرقة.

5261 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَ. فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتَحِلُّ لِلأَوَّلِ؟ قَالَ:«لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الأَوَّلُ» .

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان

(عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنها (أن رجلًا طلّق امرأته) ولأبي ذر عن الكشميهني امرأة (ثلاثًا فتزوجت) زوجًا غيره (فطلّق) الزوج الثاني قبل أن يجامعها (فسئل النبي صلى الله عليه وسلم) بضم السين مبنيًّا للمفعول (أتحل للأول) الذي طلّقها ثلاثًا (قال):

(لا) تحل له (حتى يذوق) الثاني (عسيلتها كما ذاقـ) ـها (الأول) قال في الفتح: وهذا الحديث إن كان مختصرًا من قصة رفاعة فقد سبق توجيهه وإن كان في أخرى، فالمراد منه طلقها ثلاثًا فإنه ظاهر في كونها مجموعة ولا يبعد التعدد.

‌5 - باب مَنْ خَيَّرَ نِسَاءَهُ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}

(باب من خير نساءه) وفي نسخة: أزواجه أي بين أن يطلقن أنفسهن أو يستمرنّ في العصمة. (وقول الله تعالى) لرسوله صلى الله عليه وسلم: ({قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها}) أي السعة في الدنيا وزهرتها ({فتعالين}) أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن ({أمتعكن}) أعطكن متعة الطلاق ({وأسرحكن}) وأطلقكن ({سراحًا جميلًا})[الأحزاب: 28] لا ضرر فيه، وهذا أمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يخيّر نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضي الله عنهن رضا الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خيري الدنيا وسعادة الآخرة.

5262 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا. [الحديث 5262 - أطرافه في: 5263].

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال (حدّثنا مسلم) أبو الضحى بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها أنها (قالت: خيّرنا) أي أمهات المؤمنين (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بين الدنيا والآخرة فإن اخترن الدنيا طلّقهن طلاق السُّنَّة (فاخترنا الله ورسوله فلم يعد) بضم أوله وفتح العين والدال المهملة المشددة (ذلك) التخيير (علينا شيئًا) من الطلاق.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطلاق والترمذي في النكاح والنسائي فيه وفي الطلاق وابن ماجة في الطلاق.

5263 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ

عَائِشَةَ عَنِ الْخِيَرَةِ فَقَالَتْ: خَيَّرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَفَكَانَ طَلَاقًا؟ قَالَ مَسْرُوقٌ: لَا أُبَالِي أَخَيَّرْتُهَا وَاحِدَةً أَوْ مِائَةً بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد قال: (حدّثنا عامر) هو ابن شراحيل الشعبي (عن مسروق) أو (قال: سألت عائشة) رضي الله عنها (عن الخيرة) بكسر

ص: 135

الخاء المعجمة وفتح التحتية والراء أي تخيير الرجل زوجته في الطلاق وعدمه (فقالت): ليس طلاقًا واستدلت لذلك بقولها (خيرنا النبي صلى الله عليه وسلم) أي أزواجه فاخترنا (أفكان) تخييره (طلاقًا) استفهام على سبيل الإنكار.

(قال مسروق) بالإسناد السابق: (لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني). واختلف فيما إذا اختارت نفسها هل تقع طلقة واحدة رجعية أم بائنًا أو تقع ثلاثًا؟ فقال المالكية: تقع ثلاثًا لأن معنى الخيار بتّ أحد الأمرين إما الأخذ أو الترك، فلو قلنا إذا اختارت نفسها تكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعده في أسر الزوج. وقال الحنفية: واحدة بائنة. وقال الشافعية: التخيير كناية فإذا خيّر الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمرّ في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت لقول عائشة: فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقًا إذ مقتضاه أنها لو اختارت نفسها كان طلاقًا لكن مفهوم قوله تعالى: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} [الأحزاب: 28] أي بعد الاختيار أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقًا بل لا بدّ من إنشاء الزوج الطلاق فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدّقت، فلو وقع التصريح بالتطليق يقع جزمًا. واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو التوكيل، والصحيح عندنا أنه تمليك فلو قال الرجل لزوجته: طلّقي نفسك إن شئت فتمليك للطلاق لأنه يتعلق بغرضها فنزل منزلة قوله ملّكتك طلاقك، ويشترط أن يكون فورًا لتضمنه القبول وهو على الفور فلو أخّرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب ثم طلّقت لم يقع إلا إن قال: طلّقي نفسك متى شئت فلا يشترط الفور وللزوج الرجوع قبل التطليق ولا يصح تعليقه، فلو قال: إذا جاء الغد أو زيد مثلًا فطلّقي نفسك لغا. وقال المالكية والحنفية: لا يشترط الفور بل متى طلقت نفذ.

‌6 - باب

إِذَا قَالَ: فَارَقْتُكِ، أَوْ سَرَّحْتُكِ، أَوِ الْخَلِيَّةُ أَوِ الْبَرِيَّةُ، أَوْ مَا عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ، فَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل:{وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49] وَقَالَ: {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَقَالَ: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ.

هذا (باب) بالتنوين في كنايات الطلاق وهي ما يحتمل الطلاق وغيره ولا يقع الطلاق بها إلا بالنية لأنها غير موضوعة للطلاق بل موضوعة لما هو أعمّ من حكمه والأعم في المادة الاستعمالية

يحتمل كلاًّ من ما صدقاته ولا يتعين أحدهما إلا بمعين والمعين في نفس الأمر هو النية وما ذكره المصنف في قوله: (إذا قال) أي الرجل لامرأته (فارقتك أو سرحتك أو الخلية) فعيلة بمعنى فاعلة أي خلية من الزوج وهو خالٍ منها (أو البرية) من الزوج مقتضاه أن لا صريح عنده إلا لفظ الطلاق وما تصرف منه وهو قول الشافعي في القديم لكن نص في الجديد على أن الصريح لفظ الطلاق والفراق والسراح لورود ذلك في القرآن بمعنى الطلاق (أو ما عني به الطلاق) بضم العين وغيره كاستبرئي رحمك أي فقد طلّقتك فاعتدّي وحبلك على غاربك أي خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء أو يترك زمامه على غاربه وهو ما تقدم من الظهور وارتفع من العنق وودعيني وبرئت منك (فهو على نيته) إن نوى الطلاق وقع وإلاّ فلا ويدل لذلك (قول الله عز وجل ولأبي ذر: وقول الله: ({وسرّحوهنّ سراحًا جميلًا})[الأحزاب: 49] أي بالمعروف وكأنه يريد أن التسريح هنا بمعنى الإرسال لا بمعنى الطلاق لأنه أمر من طلق قبل الدخول أن يمتع ويسرّح وليس المراد من الآية تطليقها بعد التطليق قطعًا (وقال) تعالى: ({وأسرّحكن سراحًا جميلًا})[الأحزاب: 28] فهو مجمل يحتمل التطليق والإرسال وإذا احتملت الأمرين انتهى أن تكون صريحة في الطلاق كذا قرّره في الفتح وتعقبه العيني بأن معنى أسرّحكن أطلقكنّ لأنه لم يسبق هنا طلاق فمن أين يأتي الاحتمال (وقال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان})[البقرة: 229] أي إن هذه الآية وردت بلفظ الفراق في موضع ورودها بالبقرة بلفظ السراح والحكم فيهما واحد لأنه ورد في الموضعين بعد وقوع الطلاق فالمراد به الإرسال (وقال) تعالى: ({أو فارقوهن بمعروف})[الطلاق: 2] لأن سياقها بعد وقوع الطلاق فلا يراد بها الطلاق بل الإرسال ومباحث هذا مقررة في محاله من دواوين الفقه.

(وقالت عائشة) رضي الله عنها: مما وصله في آخر حديث في باب موعظة الرجل ابنته من كتاب

ص: 136

النكاح (قد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه).

‌7 - باب

مَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: نِيَّتُهُ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْهُ حَرَامًا بِالطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ. وَلَيْسَ هَذَا كَالَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ لأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِطَعَامِ الْحِلِّ حَرَامٌ، وَيُقَالُ لِلْمُطَلَّقَةِ حَرَامٌ، وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثًا:{لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].

(باب من قال لامرأته: أنت عليّ حرام. وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد الرزاق (نيته) أي فإن نوى طلاقًا وإن تعدّد أو ظهارًا، وقع المنوي لأن كلاًّ منهما يقتضي التحريم فجاز أن يكنى عنه بالحرام أو نواهما معًا أو مرتبًا تخير وثبت ما اختاره منهما ولا يثبتان جميعًا لأن الطلاق يزيل النكاح والظهار يستدعي بقاءه هذا مذهب الشافعية. وقال الحنفية: إن نوى واحدة فهي

بائن، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة، وإن لم ينوِ طلاقًا فهي يمين ويصير موليًا. وقال المالكية: يقع ثلاثًا ولا يسأل عن نيته ولهم في ذلك تفاصيل يطول ذكرها.

(وقال أهل العلم: إذا طلق ثلاثًا فقد حرمت عليه) أي حتى تنكح زوجًا غيره (فسموه حرامًا) بالتصريح (بالطلاق والفراق) بأن يتلفظ بأحدهما أو يقصده فلو أطلق أو نوى غير الطلاق فهو على النظر، وقال صاحب المصابيح من المالكية: يعني فإذا كانت الثلاث تحريمًا كان التحريم ثلاثًا قال: وهذا غير ظاهر لجواز أن يكون بينهما عموم وخصوص كالحيوان والإنسان، وحاول ابن المنير الجواب عن البخاري بأن الشرع عبّر عن الغاية القصوى بالتحريم، وأما تسمية الشيء بما هو أوضح منه فدلّ ذلك على أن الذين كانوا لا يعلمون أن الثلاث محرّمة ولا أنها الغاية يعلمون أن التحريم هو الغاية ولهذا بيّن لهم أن الثلاث تحرم فالمستدل به في الحقيقة إنما هو الإطلاق مع السياق وما من شأن العرب أن تعبّر بالعام عن الخاص، ولو قال القائل لإنسان بين يديه يعرف بشأنه وينبه على قدره: هذا حيوان لكان متهكمًا مستخفًّا فإذا عبّر الشرع عن الثلاث بأنها محرمة فلا يحمل على التعبير عن الخاص بالعام لئلا يكون ركيكًا والشرع منزّه عن ذلك فإذن هما سواء لا عموم بينهما، ويدل هذا على أن التحريم كان أشهر عندهم بالغلظ والشدّة من الثلاث، ولهذا فسّره لهم به قال: وهذا من لطيف الكلام، وأما كون التحريم قد يقصر عن الثلاث فذلك تحريم مقيد، وأما المطلق منه فللثلاث وفرق بين ما يفهم لدى الإطلاق وبين ما لا يفهم إلا بقيد انتهى.

وتعقبه البدر فقال: قوله وما من شأن العرب أن تعبر بالعام عن الخاص مشكل اللهم إلا أن يريد في بعض المقامات الخاصة فيمكن وسياق كلامه يفهم ذلك عند التأمل انتهى.

وقول ابن بطال: إن البخاري يرى أن التحريم ينزل منزلة الطلاق الثلاث للإجماع على أن من طلق امرأته ثلاثًا تحرم عليه فلما كانت الثلاث تحرّمها كان التحريم ثلاثًا، ومن ثم أورد حديث رفاعة محتجًّا به لذلك تعقبه في الفتح فقال الذي يظهر من مذهب البخاري أن الحرام ينصرف إلى نية القائل، ولذا صدّر الباب يقول الحسن، وهذه عادته في موضع الاختلاف مهما صدر به من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره، وحاشا البخاري أن يستدل بكون الثلاث تحرم أن كل تحريم له حكم الثلاث مع ظهور منع الحصر لأن الطلقة الواحدة تحرم غير المدخول بها مطلقًا والبائن تحرّم المدخول بها إلا بعقد جديد وكذا الرجعية إذا انقضت عدتها فلم ينحصر التحريم في الثلاث وأيضًا فالتحريم أعمّ من التطليق ثلاثًا فكيف يستدل بالأعم على الأخص؟.

(وليس هذا) التحريم المذكور في المرأة (كالذي يحرم الطعام) على نفسه (لأنه لا يقال لطعام الحل) ولأبي ذر للطعام الحل (حرام) قال الشافعي: إن حرّم طعامًا وشرابًا فلغو (ويقال للمطلّقة حرام) خلافًا لما نقل عن أصبغ وغيره ممن سوّى بين الزوجة والطعام والشراب، وقد ظهر أن الشيئين وإن استويا من جهة فقد يفترقان من جهة أخرى فالزوجة إذا حرمها على نفسه وأراد بذلك تطليقها حرمت عليه والطعام والشراب إذا حرّمه على نفسه لم يحرم عليه ولا يلزمه كفارة

لاختصاص الإبضاع بالاحتياط وشدّة قبولها التحريم، ولذا احتج باتفاقهم على أن المرأة بالطلقة الثالثة تحرم على الزوج فقال:

(وقال) تعالى: (في الطلاق ثلاث) بالرفع في الفرع، وفي اليونينية: ثلاثًا بالنصب ويشبه

ص: 137

أن تكون الألف ملحقة بعد المثلثة ({لا تحل له}) من بعد ({حتى تنكح زوجًا غيره})[البقرة: 230].

5264 -

وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا قَالَ: لَوْ طَلَّقْتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي بِهَذَا فَإِنْ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا حَرُمَتْ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ.

(وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي في جزء له: (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال): ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد نافع قال: (كان ابن عمر) رضي الله عنهما (إذا سئل عمن طلق ثلاثًا قال: لو طلقت مرة أو مرتين) لكان لك المراجعة (فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا) لما طلقت امرأتي وهي حائض فقال لما ذكر له عمر ذلك "مره فليراجعها" فكأنه قال للسائل: إن طلقت طلقة أو تطليقتين فأنت مأمور بالمراجعة لأجل الحيض (فإن طلّقتها ثلاثًا حرمت) عليك (حتى تنكح زوجًا غيرك) ولأبي ذر عن الكشميهني: فإن طلقها بضمير الغيبة كقوله غيره.

5265 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَطَلَّقَهَا وَكَانَتْ مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي، وَإِنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَاّ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ يَقْرَبْنِي إِلَاّ هَنَةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ، فَأَحِلُّ لِزَوْجِي الأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» .

وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن حازم قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: طلق رجل) اسمه رفاعة (امرأته) تسمى تميمة بنت وهب ثلاثًا (فتزوجت زوجًا غيره) اسمه عبد الرحمن بن الزبير (فطلقها وكانت معه) جارحة مسترخية (مثل الهدبة فلم تصل منه إلى شيء تريده) من الوطء التام (فلم يلبث) أي الزوج الثاني (أن طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن زوجي) رفاعة (طلّقني) ثلاثًا (وإني تزوجت زوجًا غيره فدخل بي ولم يكن معه إلا مثل الهدبة) في الارتخاء (فلم يقربني إلا هنة واحدة) بفتح الهاء والنون المخففة وحكي تشديدها. قال السفاقسي: أي لم يطأني إلا مرة واحدة يقال هنى امرأته إذا غشيها. وفي رواية ابن السكن فيما ذكره في المشارق إلا هبة بالموحدة المشددة أي مرة أو وقعة واحدة (لم يصل مني إلى شيء) قال في المصابيح قوله: لم يصل مني إلى شيء

صريح في أنه لم يطأها أصلًا لا مرة ولا فوقها فيحمل قولها إلا هنة واحدة على أن معناه فلم يرد أن يقرب مني بقصد الوطء إلا مرة واحدة انتهى. نعم إذا قلنا المراد فلم تصل منه إلى شيء تريده من الوطء التام أي لارتخائه وعدم قدرته انتظم الكلام (فأحل) بحذف همزة الاستفهام ولأبي ذر أفأحلّ (لزوجي الأول) رفاعة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر) عبد الرحمن بن الزبير (عسيلتك وتذوقي) ولأبي ذر أو تذوقي (عسيلته) شبه عليه الصلاة والسلام لذة الجماع بذوق العسل فاستعار لها ذوقًا، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من الصحابة وغيرهم أنه إذا طلق ثلاثًا لا تحل له حتى تنكح غيره ويصيبها الثاني ولا تحل بإصابة شبهة ولا ملك يمين، وكان ابن المنذر يقول: في الحديث دلالة على أن الثاني إن واقعها وهي نائمة أو مغمى عليها لا تحسّ باللذة أنها لا تحلّ للأول لأن الذوق أن تحس باللذة، وعامة أهل العلم على أنها تحل، قال النووي: اتفقوا على أن تغييب الحشفة في قبلها كافٍ في ذلك من غير إنزال وشرط الحسن الإنزال لقوله: حتى تذوقي عسيلته وهي النطفة انتهى.

‌8 - باب {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: مخاطبًا لنبيه صلى الله عليه وسلم ({لم تحرم ما أحل الله لك})[التحريم: 1].

5266 -

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ لَكُمْ:{فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (الحسن بن صباح) بالصاد المهملة والموحدة المشدّدة المفتوحتين البزار بالزاي وبعد الألف راء الواسطي نزل بغداد وثقه الجمهور وليّنه النسائي قليلًا أنه (سمع الربيع بن نافع) الحلبي نزل طرطوس وهو أبو توبة بالمثناة الفوقية وبعد الواو الساكنة موحدة مشهور بكنيته أكثر من اسمه قال: (حدّثنا معاوية) بن سلام بتشديد اللام (عن يحيى بن أبي كثير) الإمام أبي نصر اليماني أحد الأعلام (عن يعلى بن حكيم) الثقفي (من سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أحد الأعلام (أنه أخبره أنه سمع ابن عباس) رضي الله عنهما (يقول: إذا حرم) الرجل (امرأته) أي عينها (ليس بشيء) أي ليس بطلاق لأن الأعيان لا توصف بذلك ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ليست أي الكلمة وهي قوله: أنت عليّ حرام المنوي بها عينها بطلاق.

(وقال) ابن عباس مستدلًا

ص: 138

على ما ذهب (لكم): ولأبي ذر وابن عساكر: لقد كان لكم ({في رسول الله أسوة}) بضم الهمزة وكسرها قدوة ({حسنة})[الأحزاب: 21] وأشار بذلك

إلى قصة مارية وفي حديث أنس عند النسائي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله تعالى هذه الآية {يا أيها النبي لم تحرم ما أحلّ الله لك} [التحريم: 1] قال في الفتح: وهذا أصح طرق هذا السبب. نعم إذا أراد تحريم عينها كره وعليه كفارة يمين في الحال وإن لم يطأها وليس ذلك يمينًا لأن اليمين إنما تنعقد بأسماء الله وصفاته. وروى النسائي عن سعيد بن جبير أن رجلًا سأل ابن عباس فقال: إني جعلت امرأتي عليّ حرامًا. فقال: كذبت ليست عليك حرامًا ثم تلا: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} .

5267 -

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ:«لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» ، فَنَزَلَتْ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} -إِلَى- {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم: 3] لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا» .

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (الحسن بن محمد بن الصباح) ولأبي ذر صباح الزعفراني الفقيه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن محمد الأعور (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال (قال: زعم عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه سمع عبيد بن عمير) بضم العين فيهما مصغرين الليثي المكي والزعم المراد به القول (يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها) تقول (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش) رضي الله عنها (ويشرب عندها عسلًا فتواصيت) بالصاد المهملة (أنا وحفصة) بنت عمر (أنّ أيّتنا) ولأبي ذر وابن عساكر أن أيّتنا بفتح الهمزة وتخفيف النون والرفع (دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل) له: (إني لأجد منك ريح مغافير أكلت مغافير) بالغين المعجمة والفاء بعدها تحتية ساكنة جمع مغفور بضم أوله.

قال في القاموس: والمغافر والمغافير المغاثير يعني بالمثلثة بدل الفاء الواحد مغفر كمنبر ومغفر ومغفور بضمهما ومغفار ومغفير بكسرهما. وقال في مادة غ ث ر والمغثر كمنبر شيء ينضحه الثمام والعشر والرمث كالعسل الجمع مغاثير وأغثر الرمث سأل منه وتمغثر اجتناه انتهى.

وقال ابن قتيبة: هو صمغ حلو له رائحة كريهة وذكر البخاري أنه شبيه بالصمغ يكون في الرمث بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة من الشجر التي ترعاها الإبل. وأكلت استفهام محذوف الأداة.

(فدخل) صلى الله عليه وسلم (على إحداهما) قال ابن حجر: لم أقف على تعيينها وأظنها حفصة (فقالت له ذلك) القول الذي تواصيا عليه أكلت مغافير (فقال: لا) لم آكل مغافير (بل شربت عسلًا) ولأبي

ذر لا بأس شربت عسلًا (عند زينب بنت جحش ولن أعود له) للشرب وزاد في رواية هشام بن يوسف في تفسير سورة التحريم، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا (فنزلت:{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} -إلى-) قوله تعالى: ({إن تتوبا إلى الله}) أي (لعائشة وحفصة) وعند ابن عساكر هنا باب إن تتوبا إلى الله يعني لعائشة وحفصة ({وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} لقوله: بل شربت عسلًا).

قال في الفتح: هذا القدر أي وإذ أسرّ النبي إلى آخره بقية الحديث وكنت أظنه من ترجمة البخاري حتى وجدته مذكورًا في آخر الحديث عند مسلم قال: وكان المعنى، وأما المراد بقوله تعالى:{وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} [التحريم: 3] فهو لأجل قوله: بل شربت عسلًا.

5268 -

حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي، أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ، فَقُولِي: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ لَا فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ ذَلِكَ. وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَاكِ. قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ. فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ قَالَ:«لَا» . قَالَتْ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ» . فَقَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ. فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ. فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ:«لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» . قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (فروة بن أبي المغراء) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والمغراء بفتح الميم والراء بينهما غين ساكنة ممدود البيكندي الكوفي قال: (حدّثنا علي بن مسهر) الكوفي الحافظ (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها أنها (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلواء) بالهمز والمد ولأبي ذر والحلوى بالقصر. قال في القاموس: والحلواء وتقصر، وعند الثعالبي في فقه اللغة: أن حلوى النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم قال:

ص: 139

في القاموس: تمر يعجن بلبن وليس هذا من عطف العامّ على الخاصّ وإنما العامّ الذي يدخل فيه بضم أوّله (وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا انصرف من

العصر) أي من صلاة والعصر (دخل على نسائه فيدنو) أي يقرب (من إحداهن) بأن يقبّلها ويباشرها من غير جماع كما في رواية أخرى، وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عبد بن حميد أن ذلك إذا انصرف من صلاة الفجر، لكنها كما في الفتح رواية شاذّة وعلى تسليمها، فيحتمل أن الذي كان يفعله أوّل النهار سلام ودعاء محض والذي في آخره معه جلوس ومحادثة (فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس) فأقام عندها (أكثر ما كان يحتبس فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي) في حديث ابن عباس أن عائشة قالت لجويرية حبشية عندها يقال لها: خضراء: إذا دخل على حفصة فادخلي عليها فانظري ماذا يصنع فقالت: (أهدت لها) أي لحفصة (امرأة من قومها) لم أعرف اسمها (عكة من عسل) سقط الجار لأبي ذر، وزاد ابن عباس من الطائف (فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة) وفي الرواية السابقة من هذا الباب أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش، وفي هذه عند حفصة. وقد قدّمنا أن رواية ابن عباس عند ابن مردويه أنه كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا كما في رواية عبيد بن عمير المروية أوّل هذا الباب وإن اختلفتا في صاحبة العسل وحمله على التعدّد إذ لا يمتنع تعدّد السبب للشيء الواحد، أو رواية عبيد أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة على ما تقدّم في التفسير، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في المظاهرة بعائشة لكن يمكن تعدّد القصة التي في شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها الشرب عند حفصة كانت سابقة، والراجح أيضًا أن صاحبة العسل زينب لا سودة لأن طريق عبيد أثبت من طريق ابن أبي مليكة، ويؤيده أن في الهبة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كنّ حزبين: عائشة وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأُم سلمة والباقيات في حزب، ولذا غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها، وممن ذهب إلى الترجيح عياض فقال: رواية عبيد بن عمير أولى لموافقتها ظاهر القرآن لأن فيه {وإن تظاهرا عليه} [التحريم: 4] فهما ثنتان لا أكثر قال: فكأن الأسماء انقلبت على راوي الرواية الأخرى، لكن اعترضه الكرماني فقال: متى جوّزنا هذا ارتفع الوثوق بأكثر الروايات وفي تفسير السدّي أن شرب العسل كان عند أُم سلمة أخرجه الطبري وغيره وهو مرجوح لإرساله وشذوذه انتهى ملخصًا من الفتح.

قالت عائشة: (فقلت أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (والله لنحتالن له) أي لأجله (فقلت لسودة بنت زمعة أنه) صلى الله عليه وسلم (سيدنو) أي يقرب (منك فإذا دنا منك فقولي) له: (أكلت مغافير فإنه سيقول لك لا فقولي له ما هذه الريح التي أجد منك) وسقط لفظ منك لأبي ذر (فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل فقولي له جرست) بفتح الجيم والراء والسين المهملة أي رعت (نحله) أي نحل هذا العسل الذي شربته (العرفط) بضم العين المهملة والفاء بينهما راء ساكنة آخره مهملة الشجر الذي صمغه المغافير (وسأقول) أنا له (ذلك وقولي) له (أنت يا صفية) بنت حيي (ذاك) بكسر الكاف بلا لام ولأبي ذر ذلك أي قولي الكلام الذي علمته لسودة زاد يزيد بن رومان عن ابن عباس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليه أن توجد منه ريح كريهة لأنه يأتيه المَلَك (قالت) عائشة

(تقول سودة) لي (فوالله ما هو إلا أن قام) صلى الله عليه وسلم (على الباب فأردت أن أُبادئه) بالموحدة من المبادأة بالهمز ولابن عساكر أناديه بالنون بدل الموحدة (بما أمرتني به) من أن أقول له أكلت مغافير (فرقا) بفتح الفاء والراء خوفًا (منك، فلما دنا) عليه الصلاة

ص: 140

والسلام (منها قالت له سودة: يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال):

(لا) ما أكلتها (قالت) له: (فما هذه الريح التي أجد) ها (منك؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (سقتني حفصة شربة عسل) وسقط لابن عساكر عسل (فقالت) سودة (جرست) رعت (نحله العرفط) شجر المغافير وقالت عائشة: (فلما دار إليّ) بتشديد الياء (قلت له) عليه الصلاة والسلام وسقط لأبي ذر له (نحو ذلك) القول الذي قلت لسودة أن تقوله له (فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك) عبّر بقوله نحو ذلك في إسناد القول لعائشة وبقوله مثل ذلك في إسناده لصفية لأن عائشة لما كانت المبتكرة لذلك عبّرت عنه بأي لفظ أرادت، وأما صفية فإنها مأمورة يقول ذلك فليس لها أن تتصرف فيه، ولكن وقع التعبير بلفظ مثل في الموضعين في رواية أبي أسامة فيحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة (فلما دار إلى حفصة) في اليوم الآخر (قالت) له:(يا رسول الله: ألا) بالتخفيف (أسقيك منه)؟ من العسل (قال: لا حاجة لي فيه) لما وقع من توارد النسوة الثلاث على أنه نشأت له من شربه ريح كريهة فتركه حسمًا للمادّة (قالت) عائشة: (تقول سودة والله لقد حرمناه) بتخفيف الراء معناه صلى الله عليه وسلم من العسل. قالت عائشة: (قلت لها) أي لسودة (اسكتي) لئلا يفشو ذلك فيظهر ما دبّرته لحفصة وهذا منها على مقتضى طبيعة النساء في الغيرة وليس بكبيرة بل صغيرة معفوّ عنها مكفّرة.

‌9 - باب

لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ. وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ.

هذا (باب) بالتنوين (لا طلاق قبل النكاح) فلو قال لأجنبية: إن تزوّجتك فأنت طالق فلغو للحديث المروي عند أبي داود. وقال الترمذي: حسن صحيح لا طلاق إلا بعد نكاح، وللحاكم من رواية جابر: لا طلاق لمن لا يملك، وقال: صحيح على شرطهما أي لا طلاق واقع (وقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات}) أي تزوّجتم والنكاح هو الوطء في الأصل

وتسمية العقد نكاحًا لملابسته له من حيث إنه طريق له كتسمية الخمر إثمًا لأنها سببه ولم يرد لفظ النكاح في القرآن إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه ({ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدّة تعتدّونها فمتعوهن وسرحوهن سراحًا جميلًا})[الأحزاب: 49] ولا تمسكوهن ضرارًا وسقط لأبي ذر قوله باب إلى آخر قوله وقول الله تعالى وثبت عنده: {يا أيها الذين آمنوا} لكن قال الحافظ ابن حجر: إن لفظ الباب أيضًا ثابت عنده وذكر الآية إلى قوله: {من عدّة} وحذف الباقي وقال: الآية. قلت وكذا هو ثابت في اليونينية.

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما فيما أخرجه أحمد: (جعل الله الطلاق بعد النكاح) وروى ابن خزيمة والبيهقي من طريقه عن سعيد بن جبير سئل ابن عباس عن الرجل يقول: إن تزوّجت فلانة فهي طالق فقال: ليس بشيء إنما الطلاق لما ملك، قالوا: فابن مسعود كان يقول: إذا وقت وقتًا فهو كما قال، قال: يرحم الله أبا عبد الرحمن لو كان كما قال لقال الله: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن.

(ويروى) ولابن عساكر وروي (في ذلك) أي في أن لا طلاق قبل النكاح (عن علي) رضي الله عنه فيما رواه عبد الرزاق برجال ثقات من طريق الحسن البصري قال: سأل رجل عليًّا قال: قلت إن تزوّجت فلانة فهي طالق فقال عليّ: ليس بشيء لكن الحسن لم يسمع من علي، وقد روي مرفوعًا فيما أخرجه البيهقي وأبو داود عن علي قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا يتم بعد احتلام (و) عن (سعيد بن المسيب) فيما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن جريج بلفظ أخبرني عبد الكريم الجزري أنه سأل سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح عن طلاق الرجل ما لم ينكح فكلهم قال لا طلاق قبل أن ينكح إن سماها وإن لم يسمها (و) عن (عروة بن الزبير) بن العوّام مما رواه سعيد بن منصور بسند صحيح حدّثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول كل طلاق أو عتق قبل الملك فهو باطل (و) عن (أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام (وعبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة)

ص: 141

بن مسعود فيما رواه يعقوب بن سفيان والبيهقي من طريقه من رواية ابن الهاد عن المنذر بن علي بن الحكم أن ابن أخيه خطب ابنة عمه فتشاجروا في بعض الأمر فقال الفتى: هي طالق إن نكحتها حتى أكل الغضيض قال: والغضيض طلع النخل الذكر ثم ندموا على ما كان من الأمر، فقال المنذر: أنا آتيكم بالبيان من ذلك فانطلق إلى سعيد بن المسيب فذكر له، فقال ابن المسيب: ليس عليه شيء طلق ما لا يملك قال: ثم إني سألت عروة بن الزبير فقال مثل ذلك، ثم سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال مثل ذلك، ثم سألت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: مثل ذلك، ثم سألت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فقال مثل ذلك، ثم سألت عمر بن عبد العزيز فقال: هل سألت أحدًا؟ قلت: نعم فسماهم قال: ثم رجعت إلى القوم فأخبرتهم.

(و) عن (أبان بن عثمان) لكن قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على إسناد إليه بذلك (و) عن (عليّ بن حسين) المشهور بزين العابدين مما أخرجه في الغيلانيات بلفظ لا طلاق إلا بعد نكاح.

(و) عن (شريح) القاضي فيما رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق سعيد بن جبير عنه قال: لا طلاق قبل نكاح وسنده صحيح.

(و) عن (سعيد بن جبير) مما رواه ابن أبي شيبة أنه قال في الرجل يقول يوم أتزوج فلانة فهي طالق قال: ليس بشيء إنما الطلاق بعد النكاح، ورواه الدارقطني مرفوعًا من طريق أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رجل قال: يوم أتزوّج فلانة فهي طالق فقال: طلّق ما لا يملك. وفي سنده أبو خالد الواسطي وهو واهٍ.

(و) عن (القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصدّيق (وسالم) وهو ابن عبد الله بن عمر مما رواه أبو عبيد في كتاب النكاح له عن هشيم ويزيد بن هارون كلاهما عن يحيى بن سعيد قال: كان القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز لا يرون الطلاق قبل النكاح وهذا إسناد صحيح وقد سقط لأبي ذر قوله والقاسم وسالم.

(و) عن (طاوس) مما أخرجه عبد الرزاق عن معمر قال: كتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح، وكان قد ابتلي بذلك فكتب إلى عامله باليمن فدعا ابن طاوس وإسماعيل بن شروس وسماك بن الفضل فأخبرهم ابن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عطاء وسماك بن الفضل عن وهب بن منبّه أنهم قالوا: لا طلاق قبل النكاح. قال سماك من عنده: إنما النكاح عقدة تعقد والطلاق يحلّها فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد؟.

(و) عن (الحسن) فيما رواه عبد الرزاق بلفظ: لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك.

(و) عن (عكرمة) فيما رواه الأثرم عن الفضل بن دكين عن سويد بن نجيح قال: سألت عكرمة مولى ابن عباس قلت رجل قالوا له تزوّج فلانة قال هي يوم أتزوّجها طالق كذا وكذا. قال: إنما الطلاق بعد النكاح.

(و) عن (عطاء) مما رواه الطبراني في الأوسط عنه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك".

(و) عن (عامر بن سعد) هو البجلي الكوفي التابعي كما قاله في الفتح وجزم الكرماني أنه ابن سعد بن أبي وقاص قال ابن حجر: وفيه نظر، وتعقبه العيني بأن صاحب رجال الصحيحين لم يذكر عامر بن سعد البجلي فالظاهر أنه ابن أبي وقاص ولم يقف على إسناد هذا الأثر.

(و) عن (جابر بن زيد) أبي الشعثاء البصري مما رواه سعيد بن منصور وفي رواية أبي ذر هنا وسالم أي ابن عبد الله بن عمر وقد سبق.

(و) عن (نافع بن جبير) أي ابن مطعم (ومحمد بن كعب) القرظي مما وصله ابن أبي شيبة عنهما أنهما قالا: لا طلاق إلا بعد نكاح.

(و) عن (سليمان بن يسار) مما وصله سعيد بن منصور (و) عن (مجاهد) مما وصله ابن أبي شيبة عن الحسن بن الرماح سألت سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق فكلهم قال ليس بشيء، وزاد سعيد أيكون سيل قبل مطر.

(و) عن (القاسم بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن مسعود مما رواه ابن أبي شيبة بلفظ

ص: 142

لا طلاق إلا بعد نكاح.

(و) عن (عمرو بن هرم) بفتح العين في الأوّل والهاء وكسر الراء والصرف في الثاني الأزدي من أتباع التابعين مما قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على مقالته موصولة إلا في كلام بعض الشرّاح أن أبا عبيد أخرجه من طريقه.

(و) عن (الشعبي) عامر بن شراحيل (إنها لا تطلق) لكن رواه وكيع في مصنفه عن الشعبي قال: إن قال كل امرأة أتزوّجها فهي طالق فليس بشيء فإذا وقت لزمه، وقال الكرماني: ومقصود البخاري من تعداد هذه الجماعة الثلاثة والعشرين من الفقهاء الأفاضل الأشعار بأنه يكاد أن يكون إجماعًا على أنه لا تطلق المرأة قبل النكاح. وقال في الفتح: وقد تجوّز البخاري في نسبه جميع من ذكر عنهم إلى القول بعدم الوقوع مطلقًا مع أن بعضهم يفصل وبعضهم يختلف عليه ولعل ذلك هو النكتة بتصديره النقل عنهم بصيغة التمريض، والمسألة من الخلافيات الشهيرة وللعلماء فيها مذاهب الوقوع مطلقًا وعدم الوقوع مطلقًا، والتفصيل بين ما إذا عمّم أو عين والجمهور وهو قول الشافعي على عدم الوقوع. نعم حكى ابن الرفعة في كفايته عن أمالي أبي الفرج وكتاب الحناطي أن منهم من أثبت وقوع الطلاق، قال: واعلم أن بعض الشارحين للمسألة استدلّ بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق قبل النكاح" مقتصرًا على ذلك وهو غير كافٍ لأن من قال بوقوع الطلاق يقول بموجبه فإنه يقول الطلاق إنما يقع بعد النكاح انتهى.

وأبو حنيفة وأصحابه بالوقوع مطلقًا لأن التعليق بالشرط يمين فلا تتوقف صحته على وجود ملك المحل كاليمين بالله تعالى وهذا لأن اليمين تصرف من الحالف في ذمة نفسه لأنه يوجب البرّ على نفسه والمحلوف به ليس بطلاق لأنه لا يكون طلاقًا إلا بعد الوصول إلى المحل وعند ذلك الملك واجب، وقال بالتفصيل جمهور المالكية فإن سمى امرأة أو طائفة أو قبيلة أو مكانًا أو زمانًا يمكن أن يعيش إليه لزمه واحترزوا بذلك عما لو قال: إلى مائتي سنة لا يلزمه شيء. وقال الشيخ خليل في توضيحه: ولو قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق، فلا شيء عليه لعدم عصمتها، ولو قال إن تزوّجتك فأنت طالق فالمشهور اعتباره. وروى ابن وهب عن مالك أنه لا يلزمه قال في الاستذكار وروي على نحو هذا القول أحاديث إلا أنها عند أهل الحديث معلولة ومنهم من

يصحّح بعضها وأحسنها ما خرّج قاسم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق إلا بعد نكاح" ولأبي داود: لا طلاق إلا فيما يملك.

قال البخاري: وهو أصح شيء في الطلاق قبل النكاح. وأجيب عنها: بأنّا نقول بموجبها لأن الذي دلّ عليه الحديث إنما هو انتفاء وقوع الطلاق قبل النكاح ونحن نقول به ومحل النزاع إنما هو التزام الطلاق.

‌10 - باب إِذَا قَالَ: لاِمْرَأَتِهِ وَهْوَ مُكْرَهٌ: هَذِهِ أُخْتِي، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِسَارَةَ هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عز وجل»

هذا (باب) بالتنوين (إذا قال لامرأته وهو) أي والحال أنه (مكره هذه أختي فلا شيء عليه) من طلاق ولا ظهار (قال النبي صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم) الخليل صلى الله عليه وسلم (لسارة) زوجته أم إسحاق لما طلبها ذلك الجبار وخاف أن يقتله (هذه أختي وذلك في ذات الله عز وجل وكان من شأنهم أن لا يقربوا الخلية إلا بخطبة ورضا بخلاف المتزوّجة فكانوا يغتصبونها من زوجها إذا أحبوا ذلك.

‌11 - باب الطَّلَاقِ فِي الإِغْلَاقِ وَالْكُرْهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا وَالْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلَاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»

وَتَلَا الشَّعْبِيُّ {لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وَمَا لَا يَجُوزُ مَنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ: «أَبِكَ جُنُونٌ» ؟ وَقَالَ عَلِيٌّ: بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلُومُ حَمْزَةَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَاّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. وَقَالَ عُثْمَانُ لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا بَدَا بِالطَّلَاقِ فَلَهُ شَرْطُهُ. وَقَالَ نَافِعٌ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ: يُسْأَلُ عَمَّا قَالَ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ، فَإِنْ سَمَّى أَجَلًا وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ جُعِلَ ذَلِكَ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنْ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ نِيَّتُهُ. وَطَلَاقُ كُلِّ قَوْمٍ بِلِسَانِهِمْ وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا قَالَ: إِذَا حَمَلْتِ

فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَغْشَاهَا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً، فَإِنِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فَقَدْ بَانَتْ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا قَالَ الْحَقِي بِأَهْلِكِ نِيَّتُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الطَّلَاقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالْعَتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنْ قَالَ مَا أَنْتِ بِامْرَأَتِي نِيَّتُهُ، وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا فَهْوَ مَا نَوَى وَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ. وَقَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إِلَاّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ.

(باب) بيان حكم (الطلاق في الإغلاق) بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة آخره قاف وهو الإكراه وسمي به لأن المكره كأنه يغلق عليه الباب ويضيق عليه حتى يطلق، وقيل العمل في الغضب وتمسك بهذا التفسير بعض متأخري الحنابلة القائلين، بأن الطلاق في الغضب لا يقع ولم يوجد عن أحد من متقدّميهم لكن ردّ هذا التفسير المطرزي والفارسي بأن طلاق الناس غالبًا إنما هو في حال الغضب ولو جاز عدم وقوع طلاق الغضبان لكان لكل أحد أن يقول كنت غضبان فلا يقع عليّ طلاق (و) حكم (المكره) بضم الميم وفتح الراء وفي اليونينية والكره بغير ميم وضم الكاف وسكون الراء (و) حكم (السكران و) حكم (المجنون وأمرهما) هل هو واحد أو مختلف (و) حكم

ص: 143

(الغلط والنسيان) الواقعين (في الطلاق و) حكم (الشرك) إذا وقع من المكلّف ما يقتضيه غلطًا أو نسيانًا هل يحكم به أم لا وإذا كان لا يحكم عليه به فالطلاق كذلك (وغيره) أي غير الشرك مما هو دونه أو غير ما ذكر نحو الخطأ وسبق اللسان والهزل. وحكى ابن الملقن أن في بعض النسخ والشك بدل والشرك. قال الزركشي: وهو أليق. وقال ابن بطال: وهو الصواب لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يرها في شيء من النسخ التي وقف عليها، (لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الأعمال بالنية) بالإفراد (ولكل امرئ ما نوى) فإنما يعتبر ما ذكر من الإكراه وغيره مما سبق بالنية وإنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر.

(وتلا الشعبي) عامر بن شراحيل قرأ قوله تعالى مستدلاًّ لعدم وقوع طلاق المخطئ والناسيّ: ({لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا})[البقرة: 286] وهذا وصله هنا ابن السري الصغير في فوائده (و) بيان (ما لا يجوز من إقرار الموسوس) بسينين مهملتين وفتح الواو الأولى وكسر الثانية.

(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: للذي أقرّ على نفسه) بالزنا (أبك جنون) فقال: لا، الحديث الآتي إن شاء الله تعالى في الحدود بمباحثه بعون الله وفضله.

(وقال عليّ) رضي الله عنه: (بقر) بالموحدة والقاف المخففة شق (حمزة) بن عبد المطلب (خواصر شارفيَّ) بفتح الفاء وتشديد التحتية تثنية شارف الناقة المسنة (فطفق) شرع أو جعل

(النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة) على فعله ذلك (فإذا حمزة قد ثمل) بفتح المثلثة وكسر الميم سكر مبتدأ وخبر (محمرة عيناه) خبر بعد خبر (ثم قال حمزة) رضي الله عنه: (هل) ولأبي ذر وابن عساكر وهل (أنتم إلا عبيد لأبي فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد ثمل، فخرج) صلى الله عليه وسلم من عند حمزة (وخرجنا معه) أي ولم يؤاخذه فتمسك به من قال بعدم مؤاخذة السكران بما يقع منه حال سكره من طلاق وغيره.

وقد سبق هذا الحديث موصولًا في غزوة بدر من المغازي.

(وقال عثمان) بن عفان رضي الله عنه: (ليس لمجنون ولا لسكران طلاق) وصله ابن أبي شيبة.

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بمعناه: (طلاق السكران والمستكره ليس بجائز) أي ليس بواقع إذ لا عقل للسكران المغلوب على عقله ولا اختيار للمستكره.

(وقال عقبة بن عامر) الجهني (لا يجوز) أي لا يقع (طلاق الموسوس) لأن الوسوسة حديث النفس ولا مؤاخذة بما يقع في حديث النفس.

(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما سبق في الشروط في الطلاق (إذا) أراد أن يطلق و (بدأ بالطلاق) قبل الشروط بأن قال أنت طالق إن دخلت الدار (فله شرطه) كما في العكس بأن يقول إن دخلت الدار فأنت طالق فلا يلزم تقديم الشرط على الإطلاق بل يصح سابقًا ولاحقًا وإن قال ابتداء من غير ذكر شرط مقتصرًا عليه فأنت طالق وقال: أردت الشرط فسبق لساني إلى الجزاء لم يقبل منه ظاهرًا لأنه متّهم وقد خاطبها بصريح الطلاق والفاء تُزاد في غير الشرط وإن قال: إن دخلت الدار أنت طالق بحذف الفاء فهو تعليق.

(وقال نافع) مولى ابن عمر لابن عمر: إذا (طلق رجل امرأته البتة) نصب على المصدر أي طلاقًا بائنًا (إن خرجت) أي من الدار ما حكمه (فقال ابن عمر) رضي الله عنهما: (إن خرجت) أي من الدار (فقد بتّت منه) بضم الموحدة وتشديد الفوقية الأولى أي انقطعت منه فلا رجعة له فيها ولأبي ذر إن خرجت فقد بنت بموحدة مكسورة فنون ساكنة ففوقية مكسورة (وإن لم تخرج) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وإن لم تخرجي منها (فليس بشيء) لعدم وجود الشرط.

(وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فيمن قال: إن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثًا يسأل عما قال وعقد عليه قلبه حين حلف بتلك اليمين فإن سمي أجلًا أراد وعقد عليه قلبه حين حلف جعل) بضم الجيم وكسر العين (ذلك في دينه وأمانته) أي يدين فيما بينه وبين الله تعالى، قال في الفتح: أخرجه

ص: 144

عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مختصرًا ولفظه في الرجلين يحلفان بالطلاق والعتاق على أمر يختلفان فيه ولم تقم على واحد منهما بيّنة على قوله قال: يدينان ويحملان من ذلك ما تحملا.

(وقال إبراهيم) النخعي (إن قال) لامرأته (لا حاجة لي فيك) تعتبر (نيته) فإن نوى الطلاق طلقت وإلاّ فلا رواه ابن أبي شيبة (وطلاق كل قوم بلسانهم) عجميًّا أو غيره وهذا وصله ابن أبي شيبة أيضًا. وقال في الروضة: ترجمة لفظ الطلاق بالعجمية وسائر اللغات صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغات كشهرة العربية عند أهلها وقيل وجهان ثانيهما أنها كناية.

(وقال قتادة) بن دعامة مما وصله ابن أبي شيبة (إذا قال) الرجل لامرأته (إذا حملت فأنت طالق ثلاثًا، يغشاها) أي يجامعها (عند كل طهر مرة) واحدة (فإن استبان) ظهر (حملها فقد بانت) طلقت (منه) ثلاثًا وهو قول الجمهور، وقال المالكية: يحنث بالوطء من بعد التعليق استبان بها حمل أم لا. رواه ابن القاسم لأن الحمل موقوف على سبب والسبب بيد الحالف إن شاء أوقعه وإن شاء لم يوقعه وهو الوطء، واختلف بعد الوطء فقال في المدونة: يعجل عليه الطلاق بأثر الوطء. وقال ابن الماجشون: لا يعجل عليه وينتظر ثم يطؤها في كل طهر مرة، وقال أشهب: لا شيء عليه حتى يكون ما شرط، وقال ابن يونس: فوجه قول ابن القاسم أنه إذا وطئها صار حملها مشكوكًا فيه فيعجل الطلاق لأن كل من شك هل حنث أم لا فهو حانث، ووجه قول أشهب أن من أصله أنه لا يطلق إلا على من علق على آت لا بدّ منه، ووجه قول ابن الماجشون أنه لا يحصل الحمل من كل وطء فوجب أن لا تطلق عليه حتى يختبر أمر هذا الوطء ويمسك عن وطئها إذ لا يدري هل حملت منه أم لا، وسقط لأبي ذر لفظ منه وهذا وصله ابن أبي شيبة.

(وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد الرزاق (إذا قال) لامرأته: (الحقي) بكسر أوّله وفتح ثالثه وقيل عكسه (بأهلك نيته) إن نوى الطلاق وقع وإلاّ فلا.

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما (الطلاق عن وطر) بفتحتين حاجة فلا يطلق الرجل إلا عند الحاجة كالنشوز (والعتاق ما أريد به وجه الله) فهو مطلوب دائمًا.

(وقال الزهري) محمد بن مسلم (إن قال) لامرأته: (ما أنت بامرأتي) تعتبر (نيته وإن نوى طلاقًا فهو ما نوى) وهذا وصله ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري وكذا من طريق قتادة لكنه قال: إذا وجهها به وأراد الطلاق فواحدة وقال الحنفية: إذا قال لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج ونوى الطلاق يقع عند أبي حنيفة. وقال صاحباه: لا لأن نفي النكاح ليس بطلاق بل كذب فهو كقوله: والله لم أتزوجك والله ما أنت لي بامرأة. وقال المالكية: إن قال لامرأته لست لي بامرأة أو ما أنت لي بامرأة أو لم أتزوجك فلا شيء عليه في ذلك إلا أن ينوي به الطلاق.

(وقال علي) رضي الله عنه فيما وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أن عمر أُتي بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها فقال له علي: (ألم تعلم) ولأبي ذر عن الكشميهني ألم تر (أن القلم رفع) وفي الجعديات أما

بلغك أن القلم قد وضع (عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق) من جنونه (وعن الصبي حتى يدرك) الحلم (وعن النائم حتى يستيقظ) من نومه. ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرّح فيه بالرفع أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه، وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان عن علي مرفوعًا وموقوفًا ورجح الموقوف على المرفوع، وقد أخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور فشرطوا في المطلق ولو بالتعليق أن يكون مكلفًا فلا يصح من غيره.

(وقال علي) رضي الله عنه فيما وصله البغوي في الجعديات أيضًا (وكل الطلاق) ولأبي ذر وكل طلاق (جائز إلا طلاق المعتوه) بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الفوقية وبعد الواو هاء، وفيه حديث مرفوع عند الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعًا "كل طلاق جائز إلا طلاق

ص: 145

المعتوه المغلوب على عقله" لكنه من رواية عطاء بن عجلان وهو ضعيف جدًّا. والمعتوه كالمجنون في نقص العقل فمنه الطفل والمجنون والسكران، وقيل: المعتوه القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير فهو كالمجنون لكنه لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون، والعاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرًا، والمجنون ضدّه والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء، وهذا يؤدّي إلى أن لا يحكم على أحد بالعته، والقول بأنه القليل الفهم إلى آخره أولى، وقيل من يفعل فعل المجانين عن قصد مع ظهور الفساد والمجنون بلا قصد والعاقل خلافهما وقد يفعل فعل المجانين على ظن الصلاح أحيانًا، وقد علم أن التصرفات لا تنفذ إلا ممن له أهلية التصرف ومدارها العقل والبلوغ خصوصًا ما هو دائر بين الضرر والنفع خصوصًا ما لا يحل إلا لانتفاء مصلحة ضده القائم كالطلاق فإنه يستدعي تمام العقل ليحكم به التمييز في ذلك الأمر ولم يكفّ عقل الصبي العاقل لأنه لم يبلغ الاعتدال بخلاف ما هو حسن لذاته بحيث لا يقبل حسنه السقوط وهو الإيمان حتى صحّ من الصبي العاقل، ولو فرض لبعض الصبيان المراهقين عقل جيد لا يعتبر في التصرفات لأن المدار البلوغ لانضباطه فتعلق به الحكم، وبهذا يبعد ما نقل عن ابن المسيب أنه إذا عقل الصبي الطلاق جاز طلاقه، وعن ابن عمر جواز طلاق الصبي ومراده العاقل، ومثله عن الإمام أحمد والله أعلم بصحة هذه النقول قاله الشيخ كمال الدين بن الهمام -رحمه الله تعالى-.

وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة لا يجوز طلاق الصبي، وسبق في هذا الباب قول عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق وزيادة ابن عباس المستكره، وفي مسألة السكران خلاف عالٍ بين التابعين ومن بعدهم فقال بوقوعه من التابعين سعيد بن المسيب وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن سيرين ومجاهد، بل قال به من الصحابة عثمان وابن عباس كما مرّ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، في رواية مشهورة عنه والحنفية فيصح منه مع أنه غير مكلف تغليظًا عليه ولأن صحته من قبيل ربط الأحكام بالأسباب كما قاله الغزالي في المستصفى، وأجاب عن قوله تعالى:{لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] الذي استند إليه الجويني وغيره في تكليف السكران، لأن المراد به هو في أوائل السكر وهو المنتشي لبقاء عقله وانتفاء تكليف السكران لانتفاء الفهم الذي هو شرط التكليف، والمراد بالسكران الذي يصح طلاقه ونكاحه ونحوهما مَن زال

عقله بما أثم به من شرب مُسكِر متعد بشربه. وقال ابن الهمام: وكونه زوال عقله بسبب هو معصية لا أثر له وإلا صحّت ردّته ولا تصح قلنا لما خاطبه الشرع في سكره بالأمر والنهي بحكم فرعي عرفنا أنه اعتبره كقائم العقل تشديدًا عليه في الأحكام الفرعية، وعقلنا أن ذلك يناسب كونه تسبب في زوال عقله بسبب محظور وهو مختار فيه، وعلى هذا اتفق فتاوى مشايخ المذهبين من الشافعية والحنفية بوقوع طلاق من غاب عقله بأكل الحشيشة وهي المسماة بورق القنب لفتواهم بحرمتها بعد أن اختلفوا فيها فأفتى المزني بحرمتها وأفتى أسد بن عمرو بحلّها لأن المتقدمين لم يتكلموا فيها بشيء لعدم ظهور شأنها فيهم فلما ظهر من أمرها من الفساد كثير وفشا، عاد مشايخ المذهبين إلى حرمتها وأفتوا بوقوع الطلاق ممن زال عقله بها إذا استعملها مختارًا أما إذا أكره على شرب مسكر ولم يعلم أنه مسكر فلا يقع طلاقه لعدم تعدّيه والرجوع في معرفة السكر إلى العرف، ولو قال: إنما شربت الخمر مكرهًا وثم قرينة أو لم أعلم أن ما شربته مسكر صدّق بيمينه قاله الأذرعي، وأما المكره فعند الشافعية لا يصح طلاقه لحديث: وما استكرهوا عليه، وحديث لا طلاق في إغلاق أي إكراه رواه أبو داود والحاكم، وصحح إسناده وحدّ الإكراه أن يهدّد المكره قادر على الإكراه بولاية أو تغلب عاجلًا ظلمًا وعجز المكره عن دفعه بهرب وغيره كاستغاثة بغيره وظنه أنه إن امتنع من فعل ما أكره عليه حقق ما هدده به ويحصل بتخويف بمحذور كضرب شديد أو إتلاف مال، ويختلف باختلاف طبقات

ص: 146

الناس وأحوالهم فلا يحصل الإكراه بالتخويف بالعقوبة الآجلة كقوله: لأضربنك غدًا ولا بالتخويف المستحق كقوله لمن له عليه قصاص طلقها وإلاّ اقتصصت منك، فإن ظهر من المكره قرينة اختيار منه للطلاق كأن أكره على ثلاث من الطلقات أو على صريح أو تعليق أو طلاق مبهمة فخالف بأن وحّد أو ثنى أو كنى أو نجز أو طلق معينة وقع الطلاق وقال الحنفية: يقع طلاق المكره لأن المكره مختار في التكلم اختيارًا كاملًا في السبب إلا أنه غير راضٍ بالحكم لأنه عرف الشرّين فاختار أهونهما عليه.

5269 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» . وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن زرارة بن أوفى) العامري قاضي البصرة (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(إن الله تجاوز عن أمتي ما حدّثت به أنفسها) بالنصب على المفعولية يقال: حدّثت نفسي بكذا أو بالرفع على الفاعلية يقال: حدّثتني نفسي بكذا (ما لم تعمل) في العمليات (أو تتكلم) في القوليات (وقال قتادة) فيما وصله عبد الرزاق (إذا طلق) امرأته سرًّا (في نفسه فليس) طلاق ذلك (بشيء).

5270 -

حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى لِشِقِّهِ الَّذِي أَعْرَضَ فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَدَعَاهُ فَقَالَ:«هَلْ بِكَ جُنُونٌ؟ هَلْ أُحْصِنْتَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أُدْرِكَ بِالْحَرَّةِ فَقُتِلَ. [الحديث 5270 - أطرافه في: 5272، 6814، 6816، 6820، 6826، 7168].

وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج بالجيم المصري قال: (أخبرنا) بالجمع ولأبي ذر أخبرني (ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) ثبت ابن عبد الرحمن في رواية أبي ذر (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (أن رجلًا من أسلم) اسمه ماعز بكسر العين المهملة بعدها زاي ابن مالك الأسلمي (أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال: إنه قد زنى فأعرض) صلى الله عليه وسلم (فتنحى) بالحاء المهملة المشددة قصد (لشقه) بكسر الشين المعجمة (الذي أعرض) عنه بوجهه الكريم إلى جهته (فشهد على نفسه أربع شهادات) أي أقرّ على نفسه أربع مرات بأنه زنى، وسقط لفظ شهادات لابن عساكر (فدعاه) النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) له:

(هل بك جنون)؟ وهذا هو الغرض من هذا الحديث إذ مقتضاه أنه لو كان مجنونًا ما كان يعمل بإقراره والمراد هل كان بك جنون أو هل تجنّ تارة وتفيق أخرى لأنه لما خاطبه كان مفيقًا أو الخطاب له والاستفهام للحاضرين (هل أحصنت)؟ بفتح الهمزة والصاد المهملة أو بضم الهمزة وكسر الصاد هل تزوجت قط (قال: نعم) تزوجت (فأمر به) صلى الله عليه وسلم (أن يرجم بالمصلى) بفتح اللام المشددة التي كان يصلّي فيها العيد (فلما أذلقته) بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وفتح اللام والقاف وسكون الفوقية أصابته (الحجارة) بحدّها وآلمته (جمز) بالجيم والميم والزاي المفتوحات أسرع هاربًا من القتل (حتى أدرك) بضم الهمزة وكسر الراء (بالحرة) بالحاء المهملة والراء المشددة المفتوحتين أرض ذات حجارة سود خارج المدينة (فقتل) بصيغة المجهول.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المحاربين ومسلم في الحدود وكذا أبو داود والترمذي وأخرجه النسائي في الجنائز.

5271 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الآَخِرَ قَدْ زَنَى، يَعْنِي نَفْسَهُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الآَخِرَ قَدْ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ. فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لَهُ الرَّابِعَةَ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ

دَعَاهُ فَقَالَ «هَلْ بِكَ جُنُونٌ» ؟ قَالَ: لَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ. [الحديث 5271 - أطرافه في: 6815، 6825، 7167].

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال: أتى رجل من أسلم) اسمه ماعز وأسلم قبيلة (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد) الواو للحال (فناداه فقال: يا رسول الله إن الآخر) بفتح الهمزة المقصورة وكسر الخاء المعجمة قال عياض: ومدّ الهمزة خطأ وكذا فتح الخاء أي المتأخر عن السعادة المدبر أو الأرذل أو اللئيم (قد زنى يعني نفسه فأعرض) صلى الله عليه وسلم (عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة جهته قال الخطابي: تنحّى تفعّل من نحا إذا قصد أي قصد الجهة التي إليها وجهه ونحا نحوها (فقال: يا رسول الله إن الآخر قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي) ولابن عساكر لشقه الذي

ص: 147

(أعرض قبله فقال له ذلك): إن الآخر قد زنى (فأعرض عنه فتنحى) الرجل (له الرابعة فلما شهد على نفسه) بالزنا (أربع شهادات دعاه فقال) له:

(هل بك جنون)؟ قال النووي: إنما قال هل بك جنون ليحقق حاله فإن الغالب أن الإنسان لا يصرّ على إقرار ما يقتضي هلاكه، وفيه إشارة إلى أن إقرار المجنون باطل (قال: لا) ما بي جنون (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به) الباء للتعدية أو للحال أي اذهبوا مصاحبين له (فارجموه. وكان قد أحصن) بضم الهمزة وكسر الصاد.

5272 -

وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ، جَمَزَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ حَتَّى مَاتَ.

(وعن الزهري) عطف على قوله في السند السابق شعيب عن الزهري إلى آخره أنه (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر: فأخبرني بالفاء والإفراد (من سمع جابر بن عبد الله الأنصاري) أبهم الراوي عنه فيحتمل أنه أبو سلمة الذي روى عنه أولًا وأن يكون غيره روى عنه (قال: كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى بالمدينة) فيه تقديم وتأخير أي فرجمناه بالمصلى فكنت فيمن رجمه أو يقدر فكنت فيمن أراد حضور رجمه فرجمناه (فلما أذلقته الحجارة) أي أقلقته وأوجعته وجواب لما قوله (جمز) أسرع هاربًا من القتل (حتى أدركناه بالحرة فرجمناه حتى مات) وزاد أبو داود والحاكم في حديث نعيم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "هلاّ تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه"، وهو حجة للشافعي ومن وافقه أن الهارب من الرجم إذا كان بالإقرار يكف عنه في الحال فإن رجع سقط عنه الحد وإلا حُدَّ.

وحديث الباب هذا أخرجه مسلم في الحدود والنسائي في الرجم.

‌12 - باب الْخُلْعِ، وَكَيْفَ الطَّلَاقُ فِيهِ

؟

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَاّ أَن يَخَافَا أَن لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} وَأَجَازَ عُمَرُ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ. وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا. وَقَالَ طَاوُسٌ: {إِلَاّ أَنْ يَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ السُّفَهَاءِ لَا يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ: لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ.

(باب الخلع) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام مأخوذ من الخلع بفتح الخاء وهو النزع سمي به لأن كلاًّ من الزوجين لباس الآخر في المعنى. قال تعالى: {هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187] فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه وضم مصدره تفرقة بين الحسي والمعنويّ. (وكيف الطلاق فيه) أي حكمه هل يقع بمجرده أو بذكر الطلاق باللفظ أو بالنية خلاف وتعريف الخلع فراق زوج يصح طلاقه لزوجته بعوض يحصل لجهة الزوج بلفظ طلاق وخلع والمراد ما يشملهما وغيرهما من ألفاظ الطلاق والخلع صريحًا وكناية كالفراق والإبانة والمفاداة وخرج بجهة الزوج تعليق طلاقها بالبراءة عما لها على غيره فيقع الطلاق في ذلك رجعيًّا فإن وقع بلفظ الخلع ولم ينوِ به طلاقًا فالأظهر أنه طلاق ينقص العدد، وكذا إن وقع بلفظ الطلاق مقرونًا بالنية، وقد نص في الإملاء أنه من صرائح الطلاق، وفي قول إنه فسخ وليس بطلاق لأنه فراق حصل بمعاوضة فأشبه ما لو اشترى زوجته، ونص عليه في القديم وصح عن ابن عباس فيما أخرجه عبد الرزاق وهو مشهور مذهب الإمام أحمد لحديث الدارقطني عن طاوس عن ابن عباس الخلع فرقة وليس بطلاق أما إذا نوى به الطلاق فهو طلاق قطعًا عملًا بنيته فإن لم ينوِ به طلاقًا لا تقع به فرقة أصلًا كما نص عليه في الأم وقوّاه السبكي، فإن وقع الخلع بمسمى صحيح لزم أو بمسمى فاسد كخمر وجب مهر المثل.

(وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على الخلع المضاف إليه الباب ولأبي ذر: وقوله عز وجل: ({ولا يحل لكم}) أيها الأزواج أو الحكام لأنهم الآمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم فكأنهم الآخذون والمؤتون ({أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا}) مما أعطيتموهن من المهور ({إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله})[البقرة: 229] أي إلا أن يعلم الزوجان ترك إقامة حدود الله فيما يلزمهما من مواجب الزوجية لما يحدث من نشوز المرأة وسوء خلقها وسياق الآية إلى حدود الله لأبي ذر ولغيره إلى قوله شيئًا ثم قال: إلى قوله: {الظالمون} [البقرة: 229] وتمام المراد من الآية في قوله: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] أي لا جناح على الرجل فيما أخذ ولا عليها فيما افتدت به نفسها واختلعت من بذل ما أوتيت من المهر وفيه مشروعية الخلع وقد أجمع عليه العلماء خلافًا لبكر بن عبد الله المزني التابعي، فإنه قال بعدم حل أخذ شيء من الزوجة

عوضًا عن فراقها محتجًّا بقوله تعالى: {فلا تأخذوا منه شيئًا} [النساء: 20] فأورد عليه {فلا جناح عليهما فيما افتدت} [البقرة: 229] فأجاب بأنها منسوخة بآية النساء وأجيب

ص: 148

بقوله تعالى في سورة النساء أيضًا {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه} [النساء: 4] وبقوله تعالى فيها: {فلا جناح عليهما أن يصلحا} [النساء: 128] الآية، وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الأُخريين، وقد تمسك بالشرط من قوله تعالى:{فإن خفتم} من منع الخلع إلا إن حصل الشقاق بين الزوجين معًا والجمهور على الجواز على الصداق وغيره، ولو كان أكثر منه لكن تكره الزيادة عليه كما في الإحياء، وعند الدارقطني عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يأخذ الرجل من المختلعة أكثر مما أعطاها ويصح في حالتي الشقاق والوفاق فذكر الخوف في قوله: {إلا أن يخافا} جري على الغالب ولا يكره عند الشقاق أو عند كراهتها له لسوء خلقه أو دينه أو عند خوف تقصير منها في حقه أو عند حلفه بالطلاق الثلاث من مدخول بها على فعل ما لا بدّ له من فعله وإن أكرهها بالضرب ونحوه على الخلع فاختلعت لم يصح للإكراه ووقع الطلاق، رجعيًّا إن لم يسمّ المال فإن سماه أو قال طلقتك بكذا وضربها لتقبل فقبلت، لم يقع الطلاق لأنها لم تقبل مختارة والله أعلم.

(وأجاز عمر) رضي الله عنه (الخلع دون) حضور (السلطان) الإمام الأعظم أو نائبه أو بغير إذنه وصله ابن أبي شيبة في مصنفه، ولفظه كما قرأته فيه: أُتي بشر بن مروان في خلع كان بين رجل وامرأته فلم يجزه فقال له عبد الله بن شهاب الخولاني شهدت عمر بن الخطاب أُتي بخلع كان بين رجل وامرأته فأجازه، قال في الفتح: وأراد البخاري بإيراد ذلك الإشارة إلى ما أخرجه سعيد بن منصور عن الحسن البصري قال: لا يجوز الخلع دون السلطان ولفظ ابن أبي شيبة قال هو عند السلطان واستدلّ له أبو عبيد بقوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله} [البقرة: 229] وبقوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما} [النساء: 35] قال: فجعل الخوف لغير الزوجين ولم يقل فإن خافا قال: فالمراد الولاية وردّه النحّاس بأنه قول لا يساعده الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى، وإذا كان الطلاق جائزًا دون الحاكم فكذلك الخلع وأما الآية فجرت على الغالب كما مرّ.

(وأجاز عثمان) رضي الله عنه (الخلع) ببذل كل ما تملك (دون عقاص رأسها) بكسر العين وفتح القاف آخره صاد مهملة الخيط الذي تعقص به أطراف رأسها.

وهذا وصله أبو القاسم بن بشران في أماليه عن الربيع بنت معوذ قالت: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان، وأخرجه البيهقي وقال في آخره: فدفعت إليه كل شيء حتى غلقت الباب بيني وبينه وعند ابن سعد فقال عثمان: يعني لزوج الربيع خذ كل شيء حتى عقاص رأسها.

(وقال طاوس) فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس وقلت له:

ما كان أبوك يقول في الفداء؟ قال: كان يقول ما قال الله تعالى: ({إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله}) أي (فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة) قال ابن طاوس: (ولم يقل) أي طاوس (قول السفهاء): القائلين أنه (لا يحلّ) الخلع (حتى تقول) الزوجة (لا أغتسل لك من جنابة) تريد منعه من وطئها فتكون حينئذٍ ناشزًا، بل أجازه إذا لم تقم بما افترض عليها لزوجها في العشرة والصحبة ولعله أشار إلى نحو ما روي عن الحسن في الآية، قال ذلك في الخلع إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة رواه ابن أبي شيبة. وعن الشعبي فيما أخرجه سعيد بن منصور أن امرأة قالت لزوجها: لا أطيع لك أمرًا ولا أبرّ لك قسمًا ولا أغتسل لك من جنابة، قال: إذا كرهته فليأخذ منها وليخلّ عنها.

5273 -

حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:«أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» . قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ لَا يُتَابَعُ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. [الحديث 5273 - أطرافه في: 5274، 5275، 5276، 5277].

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني (أزهر بن جميل) بفتح الجيم أبو محمد البصري لم يخرج عنه المؤلّف سوى هذا قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد الحميد (الثقفيّ) بالمثلثة قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن امرأة ثابت بن قيس) الأنصاري جميلة بنت أُبيّ ابن سلول الآتي ذكرها في هذا الباب مع اختلاف يذكر إن شاء الله تعالى، (أتت النبي صلى الله عليه وسلم-

ص: 149

فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب) بضم الفوقية وكسرها من العتاب وهو كما في القاموس وغيره الخطاب بالإدلال قال في الفتح: وفي رواية ما أعيب (عليه) بكسر العين وتحتية ساكنة بعدها (في خلق) بضم الخاء واللام (ولا دين) أي لا أريد فراقه لسوء خلقه ولا لنقصان دينه (ولكني أكره الكفر في الإسلام) أي إن أقمت عنده ربما أقع فيما يقتضي الكفر لا أنه يحملها عليه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لها:

(أتردِّين عليه حديقته) أي بستانه وكان أصدقها إياها (قالت: نعم) أردها عليه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): لثابت زوجها (أقبل الحديقة وطلقها تطليقة) أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب (قال أبو عبد الله) المؤلّف: (لا يتابع) أزهر بن جميل (فيه) أي في الحديث (عن ابن عباس) لأن غيره أرسله ولم يذكر ابن عباس ومراده كما في الفتح خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة وقوله: قال أبو عبد الله إلى آخره ثابت في رواية المستملي والكشميهني فقط.

5274 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بِهَذَا وَقَالَ: «تَرُدِّينَ حَدِيقَتَهُ» قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ يُطَلِّقْهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ

طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلِّقْهَا.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) بن شاهين (الواسطي) قال: (حدّثنا خالد) الطحان (عن خالد الحذاء) بالذال المعجمة المشددة والمد (عن عكرمة) مرسلًا لم يذكر ابن عباس (أن) جميلة (أخت عبد الله بن أبي) رأس المنافقين وظاهره أنها بنت أبي (بهذا) الحديث (وقال) لها صلى الله عليه وسلم مستفهمًا:

(تردِّين) عليه (حديقته؟ قالت: نعم) أردّها عليه (وأمره) عليه الصلاة والسلام (يطلقها) بالجزم، وأورد المؤلّف هذا المرسل تقوية لقوله لا يتابع فيه عن ابن عباس مع التعريف بأن امرأة ثابت أخت عبد الله بن أبي على ما لا يخفى.

(وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الهروي فيما وصله الإسماعيلي (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة) مرسلًا أيضًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم و) قال فيه (طلقها) بالجزم الحديث كما مرّ.

5275 -

وَعَنِ ابْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَعْتُبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ، وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» . قَالَتْ: نَعَمْ.

(وعن ابن أبي تميمة) أي وقال ابن طهمان، عن أيوب، ولأبي ذر وابن عساكر: وعن أيوب بن أبي تميمة أي السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أنه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس) الخزرجي (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أني لا أعتب على ثابت) زوجي (في دين ولا خلق) ظاهره أنه لم يصنع بها شيئًا يقتضي الشكوى منه بسببه، لكن في رواية النسائي من حديث الربيع بنت معوذ أنه كسر يدها فلعلها أرادت وإن كان سيئ الخلق لكنها ما تعيبه بذلك بل بشيء غيره. وعند ابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن جده أنه كان رجلًا دميمًا وفي رواية معمر بن سليمان عن فضيل عن أبي جرير عن عكرمة عن ابن عباس أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدًا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادًا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا فقال: "أتردين عليه حديقته"؟ قالت: نعم وإن شاء زدته ففرق بينهما، والحاصل أنها لم تشك سوء خلقه ولا دينه بل مما ذكرت من سوء خلقته الموجب لبغضها له بحيث لا تطيق عشرته كما قالت (ولكني) ولأبي ذر عن المستملي ولكن (لا أطيقه) لكراهتي له بسبب ما ذكر وعند ابن ماجة لا أطيقه بغضًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لها:(فتردين) بالفاء العاطفة على مقدر (عليه حديقته قالت: نعم) زاد في حديث عمر: فقال ثابت: أيطيب ذلك يا رسول الله؟ قال: (نعم) ورواية ابن طهمان هذه وصلها الإسماعيلي.

5276 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ حَدَّثَنَا قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ، إِلَاّ أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الله بن المبارك المخرّمي) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة الحافظ قاضي حلوان قال: (حدّثنا قراد) بضم القاف وفتح الراء المخففة لقب عبد الرحمن بن غزوان وكنيته (أبو نوح) من كبار الحفاظ له ما ينكر لكنهم وثقوه وليس له في البخاري سوى هذا الموضع قال:

ص: 150

(حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس) بفتح الشين المعجمة والميم المشدّدة وبعد الألف سين مهملة وسقط ابن شماس لابن عساكر (إلى النبي) ولأبي ذر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر) إن أقمت عنده لعلها تعني أنها لشدّة كراهتها له تكفر العشرة في تقصيرها لحقه وغير ذلك مما يتوقع من الشابة الجميلة المبغضة لزوجها أو خشيت أن تحملها شدّة كراهتها له على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(فتردين عليه حديقته) ولأبي ذر وابن عساكر تردّين استفهام محذوف الأداة وفي حديث عمر: وكان تزوّجها على حديقة نخل (قالت: نعم فردّتـ) ـها (عليه وأمره) صلى الله عليه وسلم بفراقها (ففارقها) ولم يكن أمره صلى الله عليه وسلم بفراقها أمر إيجاب وإلزام بالطلاق بل أمر إرشاد إلى ما هو الأصوب.

5277 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ جَمِيلَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وبه قال: (حدّثنا سليمان) بن حرب الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مرسلًا (أن جميلة، فذكر الحديث) كما مرّ واختلف فيه على أيوب فاتفق ابن طهمان وجرير على الوصل وخالفهما حماد فقال عن أيوب عن عكرمة مرسلًا ولم تسمّ امرأة ثابت إلا في هذه الرواية. نعم قال في الثانية: "إن أخت عبد الله بن أبي، ويؤيده ما عند ابن ماجة والبيهقي من رواية قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول جاءت الحديث، واختلف في سلول هل هي أم أبي أو امرأته! وعند النسائي والطبراني من حديث الربيع بنت معوّذ أن ثابت بن قيس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن سعد أيضًا: جميلة بنت عبد الله بن أبي، وعند الدارقطني والبيهقي بسند قوي عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي ابن سلول الحديث، فيحتمل أن يكون اسمها زينب ولقبها جميلة وإن لم يعمل

بهذا الاحتمال فالموصول المعتضد يقول أهل النسب أن اسمها جميلة أصح، وبه جزم الدمياطي، وقال: إنها كانت أخت عبد الله بن عبد الله بن أبي شقيقته، أمهما خولة بنت المنذر بن حرام قال: وما وقع في البخاري من أنها بنت أبي وهم.

وأجيب: بأن الذي وقع في البخاري أنها أخت عبد الله بن أبي وهي أخت عبد الله بلا شك من نسب أخوها في هذه الرواية إلى جدّه كما نسبت هي في رواية قتادة إلى جدّتها سلول، وروي في اسم امرأة ثابت أنها مريم المغالية، رواه النسائي وابن ماجة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة نسبة إلى مغالة امرأة من الخزرج ولدت لعمرو بن مالك بن النجار ولده عديًّا فبنو عدي بن النجار يعرفون كلهم ببني مغالة، وقيل اسمها حبيبة بنت سهل أخرجه مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه ابنا خزيمة وحبان فيحمل على التعدّد وأنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين، وعند البزار من حديث عمر أن أول مختلعة في الإسلام حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس ومقتضاه أن ثابتًا تزوّج حبيبة قبل جميلة.

وذكر أبو بكر بن دريد في أماليه أن أوّل خلع كان في الدنيا أن عامر بن الظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء ثم موحدة زوّج ابنته من ابن أخيه عامر بن الحارث بن الظرب، فلما دخلت عليه نفرت منه فشكا إلى أبيها فقال: لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك، وقد خلعتها منك بما أعطيتها، قال: فزعم العلماء أن هذا كان أوّل خلع في العرب انتهى ملخصًا من الفتح.

‌13 - باب الشِّقَاقِ، وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؟ وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} الآيَةَ

(باب الشقاق) بكسر المعجمة (وهل يشير) الحكم أو الولي أو الحاكم إذا ترافعا إليه (بالخلع عند الضرورة) في ذلك ولابن عساكر عند الضرر أي الحاصل لأحد الزوجين أو لهما معًا. (وقوله تعالى) ولأبي ذر وقول الله ولابن عساكر

ص: 151

وفي قوله: ({وإن خفتم شقاق بينهما}) أصله شقاقًا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع كقوله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} [سبأ: 33] أصله بل مكر في الليل والنهار والشقاق العداوة والخلاف لأن كلاًّ منهما يفعل ما يشق على صاحبه أو يميل إلى شق أي ناحية غير شق صاحبه والضمير للزوجين ولم يجر لهما ذكر لذكر ما يدل عليهما وهو الرجال والنساء ({فابعثوا حكمًا من أهله}) رجلًا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما ({وحكمًا من أهلها})[النساء: 35](الآية) وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للإصلاح ونفوس الزوجين أسكن إليهما فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة ويخلو كل حكم منهما بصاحبه أي موكله ويفهم مراده ولا يخفى حكم عن حكم شيئًا إذا اجتمعا وهما وكيلان لهما لا حاكمان لأن الحال قد يؤدّي إلى الفراق والبضع حق الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان فلا يولى عليهما في حقهما فيوكل هو حكمه في الطلاق أو الخلع وتوكل هي حكمها في بذل العوض

وقبول الطلاق به ويفرقان بينهما إن رأياه صوابًا، وقال المالكية: إذا اتفق الحكمان على الفرقة ينفذ من غير توكيل ولا إذن من الزوجين واقتصر في رواية أبي ذر على قوله: {وإن خفتم شقاق بينهما} وقال: بعدها الآية وزاد في غير رواية ابن عساكر فقال: إلى قوله: {خبيرًا} .

5278 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يَنْكِحَ عَلِيٌّ ابْنَتَهُمْ، فَلَا آذَنُ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة واسمه زهير المكي (عن المسور بن مخرمة الزهري) وسقط لغير أبي ذر الزهري أنه (قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول):

(إن بني المغيرة) في باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة من كتاب النكاح إن بني هشام بن المغيرة (استأذنوا) وفي رواية استأذنوني (في أن ينكح) بفتح أوله من نكح (علي) أي ابن أبي طالب (ابنتهم) جميلة أو جويرية أو العوراء بنت أبي جهل (فلا آذن) زاد في الباب المذكور: "إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها". وفي رواية الزهري في الخمس: وأنا أتخوف أن تفتن في دينها.

واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة. وأجاب في الكواكب فأجاد بأن كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك فكان الشقاق بينها وبين علي متوقعًا، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم دفع وقوعه بمنع عليّ من ذلك بطريق الإيماء والإشارة وقيل غير ذلك مما فيه من تكلف وتعسف.

وهذا الحديث قد مرّ.

‌14 - باب لَا يَكُونُ بَيْعُ الأَمَةِ طَلَاقًا

هذا (باب) بالتنوين (لا يكون بيع الأمة) المزوجة (طلاقًا) عند الجمهور ولأبي ذر عن المستملي طلاقها.

5279 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: إِحْدَى السُّنَنِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ:«أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ فِيهَا لَحْمٌ» ؟ قَالُوا: بَلَى. وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ.

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام

(عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فقيه المدينة صاحب الرأي (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم) أنها (قالت: كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فراء أخرى بوزن فعيلة من البرير وهو ثمر الأراك قيل اسم أبيها صفوان وإن له صحبة، وقيل إنها كانت نبطية، وقيل: قبطية (ثلاث سنن) بضم السين وفتح النون الأولى، قال في الكواكب: أي علم بسببها ثلاثة أحكام من الشريعة.

(إحدى السُّنن) الثلاث (أنها أعتقت) بضم الهمزة وكسر التاء الفوقية وسقط لابن عساكر الهمزة من أعتقت (فخيرت) بضم الخاء (في) فسخ نكاح (زوجها) مغيث أو تدوم عنده في عصمته وفي رواية الدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: "اذهبي فقد عتق معك بضعك" وزاد ابن سعد من طريق الشعبي مرسلًا: فاختاري.

وهذا موضع الترجمة لأنها لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة وهذا قول الجمهور، وقال ابن مسعود وابن عباس وأُبي بن كعب فيما أخرجه ابن أبي شيبة بأسانيد

ص: 152

فيها انقطاع يكون بيعها طلاقًا، وكذا قال سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد فيما روي بأسانيد صحيحة، وأخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عباس واحتجوا لذلك بظاهر قوله تعالى:{والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] واحتج بحديث الباب ومن حيث النظر أنه عقد على منفعة فلا يبطله بيع الرقبة كما في العين المؤجرة والآية نزلت في المسبيات فهي المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها.

(و) الثانية من السنن (قال) فيها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لما أرادت عائشة أن تثشريها، فقال أهلها: ويكون ولاؤها لنا: (الولاء لمن أعتق) وفي رواية إنما الولاء لمن أعتق بصيغة الحصر.

(و) الثالثة من السنن (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) حجرة عائشة رضي الله عنها (والبرمة تفور) بالفاء (بلحم فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت) بضم القاف مبنيًّا للمفعول وخبز مفعول ناب عن الفاعل وأدم بضم الهمزة وسكون المهملة عطف عليه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم أرَ البرمة) ولابن عساكر برمة (فيها لحم؟ قالوا: بلى ولكن ذاك لحم تصدّق به على بريرة) بضم التاء الفوقية والصاد (وأنت لا تأكل الصدقة قال) صلى الله عليه وسلم: (هو عليها صدقة ولنا هدية) أي حيث أهدته بريرة لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير التصرف فيها بالبيع وغيره كتصرف سائر الملاك في أملاكهم ومفهومه أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين.

‌15 - باب خِيَارِ الأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ

(باب خيار الأمة) إذا عتقت وهي (تحت العبد) أو المبعض قبل الدخول أو بعده ومفهومه أن الأمة إذا كانت تحت حر فعتقت لم يكن لها خيار.

وهذا مذهب الشافعية، والمالكية، والجمهور لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتعيّر به لأن العبد غير مكافئ للحرة في أكثر الأحكام فإذا عتقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته أو المفارقة لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار وأجيب بأن الكفاءة إنما تعتبر في الابتداء لا في البقاء. وقال الحنفية: يثبت لها الخيار إذا عتقت سواء كانت تحت حر أم عبد لأنها عند التزويج لم يكن لها رأي لاتفاقهم على أن لمولاها أن يزوّجها بغير رضاها، فإذا عتقت تجدّد لها حال لم يكن قبل ذلك. وأجيب: بأن ذلك لو كان مؤثرًا لثبت الخيار للبكر إذا زوّجها أبوها ثم بلغت رشيدة وليس كذلك، فكذلك الأمة تحت الحر فإنه لم يحدث لها بالعتق حال ترتفع به عن الحرّ ومنشأ الخلاف الاختلاف في ترجيح إحدى الروايتين المتعارضتين في زوج بريرة هل كان حين أعتقت حرًّا أو عبدًا، وفي ترجيح المعنى المعلل به، ففي حديث الباب وغيره من الصحيحين من حديث ابن عباس أنه كان عبدًا ولم تختلف الروايات عنه وتمسك الحنفية بحديث عائشة المروي في الصحيحين والسُّنن الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح.

قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: والترجيح يقتضي في حديث عائشة ترجيج أنه كان حرًّا وذلك أن رواة هذا الحديث عن عائشة ثلاثة الأسود وعروة والقاسم، فأما الأسود فلم يختلف فيه عن عائشة أنه كان حرًّا وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان إحداهما أنه كان حرًّا والأخرى بالشك ووجه آخر من الترجيح مطلق لا يختص بالمروي فيه عن عائشة وهو أن رواية خيرها صلى الله عليه وسلم، وكان زوجها عبدًا، يحتمل كون الواو فيه للعطف لا للحال، وحاصله أنه إخبار بالأمرين وكونه اتّصف بالرق لا يستلزم كون ذلك كان حال عتقها، هذا بعد احتمال أن يراد العبد العتيق مجازًا باعتبار ما كان وهو شائع في العرف، والذي لا مردّ له من الترجيح أن رواية كان حرًّا أنص من كان عبدًا وثبت زيادة فهي أولى وأيضًا فهي مثبتة وتلك كانت نافية للعلم بأنه كان حالته الأصلية الرقّ والنافي هو المبقيها والمثبت هو المخرج عنها انتهى.

وحديث الأسود كما في الفتح اختلف فيه على راويه هل هو من قول الأسود أو رواه عن عائشة أو هو قول غيره قال إبراهيم بن أبي طالب أحد حفّاظ الحديث وهو من أقران مسلم فيما

ص: 153

أخرجه البيهقي عنه: خالف الأسود الناس في زوج بريرة، وقال الإمام أحمد: إنما يصح أنه كان حرًّا عن الأسود وحده وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدًا، ورواه علماء المدينة، وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصحّ شيء وإذا عتقت الأمة تحت الحرّ فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه.

5280 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا، يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ. [الحديث 5280 - أطرافه في: 5281، 5282، 5283].

وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (وهمام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى البصري كلاهما (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة عن

ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال: رأيته عبدًا يعني) مغيثًا (زوج بريرة) تمسك به بعض الحنفية فقال: إنه لا يدل على أنه كان عبدًا حين أعتقت بريرة فلا يتم الاستدلال به والاختلاف وقع في صفتين لا يجتمعان في حالة واحدة فنجعلهما في حالتين فنقول: كان عبدًا في حالة حرًّا في أخرى، فبالضرورة تكون إحدى الحالتين متأخرة عن الأخرى، وقد علم أن الرقّ تعقبه الحرية لا العكس، وحينئذٍ فثبت أنه كان حرًّا في الوقت الذي خيرت فيه وعبدًا قبل ذلك، وتعقب بأن محل طريق الجمع المذكور إذا تساوت الروايتان في القوة أما في التفرد في مقابلة الاجتماع فتكون الرواية المنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين الروايتين مع قولهم: إنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع والذي يتحصل من كلام محقّقيهم، وقد أكثر منه الشافعي وأتباعه أن محل الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى الروايتين، ومنهم من شرط التساوي في القوة. وعند الترمذي أنه كان عبدًا أسود يوم أعتقت وهذا يردّ قول من قال: كان عبدًا قبل العتق حرًّا بعده.

وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث مختصرًا من هذا الوجه بلفظ شعبة، وزاد الإسماعيلي من طريق عبد الصمد عن شعبة رأيته يبكي وأما لفظ همام، فأخرجه أبو داود من طريق عفان عنه بلفظ أن زوج بريرة كان عبدًا أسود يسمى مغيثًا فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد، وقال أحمد: عدّة الحرة.

5281 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذَاكَ مُغِيثٌ عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ -يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ يَبْكِي عَلَيْهَا.

وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) النرسي الباهلي مولاهم البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني ولابن عساكر عن أيوب (عن عكرمة عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال: ذاك مغيث) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها مثلثة (عبد بني فلان) وعند الترمذي كان عبدًا أسود لبني المغيرة (يعني زوج بريرة كأني أنظر إليه يتبعها) بسكون الفوقية وفتح الموحدة (في سكك المدينة) بكسر السين المهملة أزقتها حال كونه (يبكي عليها) لما اختارت فراقه.

5282 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، عَبْدًا لِبَنِي فُلَانٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ وَرَاءَهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: كان زوج بريرة عبدًا أسود يقال

له مغيث) بضم الميم وكسر المعجمة وبعد التحتية مثلثة كما مر وعند العسكري بفتح العين المهملة وتشديد التحتية آخره موحدة قال في الفتح: والأوّل أثبت وبه جزم ابن ماكولا وغيره وكان (عبدًا لبني فلان) وعند سعيد بن منصور وكان عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم (كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة) وليس في هذه الرواية قوله في الأولى يبكي عليها وليس فيما ساقه في هذا الباب تصريح بالتخيير الذي ترجم له، لكنه جرى على عادته من الإشارة إلى ما في بعض طرق الحديث الذي يسوقه في الباب، وظاهر صنيعه يقتضي ترجيح رواية مَن روى أنه كان عبدًا كما جزم به في أوائل النكاح حيث قال: باب الحرة تحت العبد وساق الحديث.

وأما ما ساقه في الفرائض عن حفص بن عمر عن شعبة وزاد في آخره قال الحكم وكان زوجها حرًّا ثم أورد بعده طريق منصور عن إبراهيم عن الأسود أن عائشة الحديث، وزاد فيه وخيرت فاختارت نفسها وقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما كنت معه قال الأسود: وكان زوجها حرًّا، فقال البخاري: قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس رأيته عبدًا أصح، وقال في

ص: 154

الذي قبله في قول الحكم نحو ذلك، وقد قال الدارقطني في العلل: لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدًا، وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة وأبو الأسود وأسامة بن زيد عن القاسم.

وأما ما أخرجه القاسم بن أصبغ في تصنيفه وابن حزم من طريقه. قال: أخبرنا أحمد بن يزيد المعلم، وحدّثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة كان زوج بريرة حرًّا فهو وهم من موسى أو من أحمد فإن الحفاظ من أصحاب هشام ثم أصحاب جرير قالوا: كان عبدًا منهم إسحاق بن راهويه رواه النسائي، وعثمان بن أبي شيبة رواه أبو داود، وعلي بن حجر رواه الترمذي، وأصله عند مسلم وأحال به على رواية أبي أسامة عن هشام وفيها أنه كان عبدًا ولم يختلف على ابن عباس في أنه كان عبدًا وجزم به الترمذي عن ابن عمر، وحديثه عند الشافعي والدارقطني وغيرهما.

وأخرج النسائي بسند صحيح من حديث صفية بنت عبيد قالت: كان زوج بريرة عبدًا، وقال النووي: ويؤيد ذلك قول عائشة كان عبدًا ولو كان حرًّا لم يخيرها فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدًا ثم علّلت بقولها ولو كان حرًّا لم يخيرها ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا انتهى ملخصًا من الفتح.

‌16 - باب شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ

(باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة) لترجع إلى عصمته.

5283 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ،

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا» . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ رَاجَعْتِيهِ» . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي قَالَ:«إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ» . قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد) هو ابن سلام البيكندي قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته) يترضاها لتختاره (فقال النبي-صلى الله عليه وسلم لعباس) عمه:

(يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا) لأن الغالب أن المحب لا يكون إلا حبيبًا. وعند سعيد بن منصور أن العباس كان كلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها في ذلك، وفي مسند الإمام أحمد أن مغيثًا توسل بالعباس في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وظاهره أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف وذلك أواخر سنة ثمان، ويدل له أيضًا قول ابن عباس أنه شاهد ذلك وهو إنما قدم المدينة مع أبويه وهذا يردّ قول من قال إنها كانت قبل الإفك، وجوّز الشيخ تقي الدين السبكي أن بريرة كانت تخدم عائشة قبل شرائها أو اشترتها وأخّرت عتقها إلى ما بعد الفتح أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة أو حصل لها الفسخ وطلب أن تردّه بعقد جديد (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لها (لو راجعتيه) بمثناة تحتية بعد الفوقية في الفرع مصححًا عليها وقال الحافظ ابن حجر، وتبعه العيني بمثناة واحدة قال: ووقع في رواية ابن ماجة لو راجعتيه بإثبات تحتية ساكنة بعد المثناة وهي لغة ضعيفة، وتعقبه العيني فقال: إن صحّ هذا في الرواية فهي لغة فصيحة لأنها صادرة من أفصح الخلق انتهى. والذي في اليونينية بحذف التحتية مصححًا عليه.

(قالت): ولابن عساكر فقالت: (يا رسول الله، تأمرني) بذلك؟ (قال): لا (إنما أنا أشفع) فيه لا على سبيل الحتم فلا يجب عليك وسقط لابن عساكر لفظ أنا (قالت): ولأبي ذر فقالت (لا) ولأبي ذر وابن عساكر: فلا (حاجة لي فيه).

وفي هذا الحديث جواز الشفاعة من الحاكم عند الخصم في خصمه إذا ظهر حقه وإشارته عليه بالصلح أو الترك وحب المسلم للمسلمة وإن أفرط فيه ما لم يأت محرمًا وغير ذلك من فرائد الفوائد حتى قيل إنها تزيد على الأربعمائة.

‌17 - باب

هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة.

5284 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ أن

عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأَبَى مَوَالِيهَا إِلَاّ أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلَاءَ، فَذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَأُتِىَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ، فَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مَا تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ:«هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني البصري قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين المهملة وفتح الفوقية وسكون التحتية بعدها موحدة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (أن عائشة) رضي الله عنها (أرادت أن تشتري بريرة فأبى مواليها) ملاكها

ص: 155

الذين باعوها (إلا أن يشترطوا الولاء) عليها لهم (فذكرت) عائشة (للنبي) ولأبي ذر وابن عساكر فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم فقال) لها: (اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء) على العتيق (لمن أعتق) لا لمن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله (وأتي النبي صلى الله عليه وسلم) بضم همزة أُتي (بلحم فقيل) له عليه الصلاة والسلام: (إن هذا ما تصدق على) بضم الفوقية والصاد ولأبي ذر تصدق به على (بريرة فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو لها) لبريرة (صدقة ولنا هدية) حيث أهدته لنا.

وهذا الحديث صورته صورة الإرسال حيث قال الأسود: إن عائشة، لكن المؤلّف في كفارة الإيمان ذكره عن سليمان بن حرب عن شعبة فقال: فيه عن الأسود عن عائشة.

0000 -

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَزَادَ فَخُيِّرَتْ مِنْ زَوْجِهَا.

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن إياس قال: (حدّثنا شعبة) بسنده السابق (وزاد) فقال: (فخيرت) بضم الخاء وكسر التحتية المشددة (من زوجها) كذا أورده مختصرًا لم يذكر لفظه وذكره في الزكاة عن آدم بهذا الإسناد فلم يذكر هذه أي قوله فخيرت من زوجها، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن آدم شيخ البخاري فيه فجعل ذلك من قول إبراهيم ولفظه في آخره قال الحكم، وقال إبراهيم: وكان زوجها حرًّا فخيرت من زوجها. قال في الفتح، بعد سياقه لما مرّ: فظهر أن هذه الزيادة مدرجة وحذفها في الزكاة لذلك، وإنما أوردها هنا مشيرًا إلى أن أصل التخيير في قصة بريرة ثابت من طريق أخرى.

‌18 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}

(باب قول الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات}) أي لا تتزوّجوهن ({حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم})[البقرة: 221] ولو كان الحال أن المشركة تعجبكم وتحبونها لجمالها ومالها. روى البغوي في تفسيره أن سبب نزولها أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليخرج منها ناسًا من المسلمين سرًّا فلما قدمها سمعت امرأة مشركة يقال لها عناق، وكانت جليلة في الجاهلية فأتته وقالت: يا أبا مرثد ألا تخلو؟ فقال لها: ويحك يا

عناق إن الإسلام قد حال بيننا وبين ذلك، قالت: فهل لك أن تتزوج بي؟ قال: نعم ولكن ارجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره فقالت: أبي تتبرم ثم استغاثت عليه فضربوه ضربًا شديدًا ثم خلوا سبيله فلما قضى حاجته بمكة وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وقال: يا رسول الله أيحل لي أن أتزوّجها؟ فأنزل الله تعالى الآية.

5285 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أَعْلَمُ مِنَ الإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ رَبُّهَا عِيسَى، وَهْوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) ولأبي ذر الليث هو ابن سعد الإمام (عن نافع أن ابن عمر) رضي الله عنهما (كان إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرّم المشركات على المؤمنين ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر) بالموحدة، ولأبي ذر وابن عساكر: أكثر بالمثلثة بدل الموحدة (من أن تقول المرأة ربها عيسى) إشارة إلى قول النصارى المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله (وهو) أي عيسى (عبد من عباد الله) وهذا مصير من ابن عمر إلى استمرار حكم عموم آية البقرة السابقة ولعله كان يرى أن آية المائدة منسوخة، وبه جزم إبراهيم الحربي والجمهور على أن عموم آية البقرة خص بآية المائدة وهي قوله تعالى:{والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] أي التوراة والإنجيل وعن بعض السلف أن المراد بالمشركات عبدة الأوثان والمجوس، وقد قيل إن القائل من اليهود والنصارى العزير ابن الله والمسيح ابن الله طائفتان انقرضوا لا كلهم ويهود ديار مصر مصرحون بالتنزيه عن ذلك وبالتوحيد، وروى ابن المنذر أن ابن عمر شذ بذلك فقال: لا يحفظ عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، لكن روى ابن أبي شيبة بسند حسن عن عطاء كراهية نكاح اليهودية والنصرانية وروي عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن لخلطة الكافرة وخوف الفتنة على الولد لأنه في صغره ألزم لأمه، ومثله قول مالك رحمه الله تصير تشرب الخمر وهو يقبل ويضاجع لا لعدم الحل، ويدل على الحل تزوج بعض الصحابة منهم وخطبة بعضهم فمن المتزوّجين: حذيفة وطلحة وكعب بن مالك، وقد خطب المغيرة بن

ص: 156

شعبة هند ابنة النعمان بن المنذر وكانت تنصرت وديرها باقٍ إلى اليوم بظاهر الكوفة وكانت قد عميت فأبت وقالت: أي رغبة لشيخ أعور في عجوز عمياء ولكن أردت أن تفخر بنكاحي فتقول: تزوّجت بنت النعمان بن المنذر. فقال: صدقت وأنشد:

أدركت ما منيت نفسي خاليًا

لله درك يا ابنة النعمان

فلقد رددت على المغيرة ذهنه

إن الملوك ذكية الأذهان

في أبيات.

والأئمة الأربعة على حل الكتابية الحرة وعلى المنع من غير أهل الكتابين من المجوس وإن

كان لهم شبهة كتاب إذ لا كتاب بأيديهم، وكذا المتمسكون بصحف شيث وإدريس وإبراهيم وزبور داود لأنها لم تنزل بنظم يدرس ويتلى، وإنما أوحى إليهم معانيها وسائر الكفار كعبدة الشمس والقمر والصور والنجوم والمعطلة والزنادقة والباطنية، وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن غيرها اجتمع فيه نقصان الكفر في الحال وفساد الدين في الأصل، والكتابية فيها نقص واحد وهو كفرها في الحال، وشرط أصحابنا الشافعية في حل نكاح الكتابية في إسرائيلية أن لا يعلم دخول أوّل آبائها في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه وهي بعثة عيسى أو نبينا وذلك بأن علم دخوله فيه قبلها أو شك وإن علم دخوله فيه بعد تحريفه أو بعد بعثة لا تنسخه كبعثة من بين موسى وعيسى لشرف نسبهم بخلاف ما إذا علم دخوله فيه بعدها لسقوط فضيلته بها فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية فالأظهر حلّها إن علم دخول أول آبائها في ذلك الدين قبل نسخه وتحريفه أو بعد تحريفه إن تجنبوا المحرّف.

‌19 - باب نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ وَعِدَّتِهِنَّ

(باب) حكم (نكاح من أسلم من المشركات و) حكم (عدّتهن).

5286 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ، كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ لَا يُقَاتِلُهُمْ وَلَا يُقَاتِلُونَهُ. وَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ، وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ. مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ. وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا وَرُدَّتْ أَثْمَانُهُمْ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) أبو عبد الرحمن بن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (وقال عطاء): قال الحافظ ابن حجر: معطوف على محذوف كأنه كان في جملة أحاديث حدّث بها ابن جريج عن عطاء ثم قال: وقال عطاء أي الخراساني: (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم و) من (المؤمنين) الأولى (كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم) النبي صلى الله عليه وسلم (ويقاتلونه و) الثانية كانوا (مشركي أهل عهد) ولابن عساكر: عقد بالقاف بدل عهد بالهاء (لا يقاتلهم) صلوات الله عليه وسلامه (ولا يقاتلونه، وكان) بالواو ولأبي ذر فكان (إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب) إلى المدينة مسلمة (لم تخطب) بضم أوله وفتح الطاء مبنيًّا للمفعول (حتى تحيض) ثلاث حيض (وتطهر) لأنها صارت بإسلامها وهجرتها من الحرائر، وقال الحنفية: إذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة وقعت الفرقة اتفاقًا وهل عليها عدّة فيها خلاف. عند أبي حنيفة:

لا. فتتزوج في الحال إلا أن تكون حاملًا لا على وجه العدّة بل ليرتفع المانع بالوضع، وعند أبي يوسف ومحمد عليها العدّة، ووجه قول أبي حنيفة إن العدّة إنما وجبت إظهارًا لحظر النكاح المتقدم ولا حظر لملك الحربيّ بل أسقطه الشرع بالآية في المهاجرات {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] جمع كافرة فلو شرطنا العدّة لزم التمسك بعقدة نكاحهن في حال كفرهن (فإذا طهرت) بضم الهاء (حلّ له النكاح فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح) تتزوج غيره (ردّت إليه) بالنكاح الأول (وإن هاجر عبد منهم) من أهل الحرب (أو أمة فهما حرّان ولهما ما للمهاجرين) من مكة إلى المدينة من تمام الإسلام والحرية. (ثم ذكر) عطاء (من) قصة (أهل العهد مثل حديث مجاهد) وهو قوله (وإن هاجر عبدًا وأمة للمشركين أهل العهد لم يردّوا) إليهم (وردت أثمانهم) إليهم وهذا من باب فداء أسرى المسلمين ولم يجز تملّكهم لارتفاع علة الاسترقاق التي هي الكفر فيهم.

5287 -

وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتْ قَرِيبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَطَلَّقَهَا. فَتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ أُمُّ الْحَكَمِ ابْنَةُ أَبِي سُفْيَانَ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ الْفِهْرِيِّ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ الثَّقَفِيُّ.

(وقال عطاء) بالإسناد السابق: (عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (كانت قريبة) بضم القاف مصغرًا لأبي ذر

ص: 157

وابن عساكر ولغيرهما تريبة بفتح القاف وكسر الراء وكذا ضبطه الدمياطي، وفي القاموس الوجهان وعبارته بالتصغير وقد تفتح (بنت) ولأبي ذر ابنة (أبي أمية) بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أخت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (عند عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (فطلقها فتزوّجها معاوية بن أبي سفيان) وظاهر هذا كما في الفتح أنها لم تكن أسلمت في هذا الوقت وهو ما بين عمرة الحديبية وفتح مكة وفيه نظر، فقد ثبت بسند صحيح عند النسائي ما يقتضي أنها هاجرت قديمًا لكن يحتمل أنها جاءت إلى المدينة زائرة لأختها قبل أن تسلم أو كانت مقيمة عند زوجها عمر على دينها قبل أن تنزل الآية، لكن هذا يردّه ما روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لما نزلت {ولا تمسمكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] فذكر القصة وفيها فطلّق عمر امرأتين كانتا له بمكة، فهذا يردّ أنها كانت مقيمة ولا يردّ أنها جاءت زائرة ويحتمل أن يكون لأم سلمة أختان كلٌّ منهما تسمى قريبة تقدم إسلام إحداهما وتأخر إسلام الأخرى وهي المذكورة هنا، ويؤيده أن عند ابن سعد في طبقاته قريبة الصغرى بنت أبي أمية أخت أم سلمة تزوّجها عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق. (وكانت أم الحكم ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سفيان) أخت معاوية وأم حبيبة لأبيها (تحت عياض بن غنم) بفتح الغين المعجمة وسكون النون (الفهر) بكسر الفاء وسكون الهاء (فطلقها) حينئذٍ (فتزوّجها عبد الله بن عثمان الثقفي) بالمثلثة. واستشكل ترك ردّ النساء إلى أهل مكة مع وقوع الصلح بينهم وبين المسلمين في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المسلمين ردوه ومن جاء من المسلمين إليهم لم يردوه. وأجيب: بأن حكم النساء منسوخ بآية {يا

أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} إذ فيها {فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حِلٌّ لهم} ثم قال: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم} [الممتحنة: 10] أي في الصلح واستثناء النساء منه والأمر بهذا كله هو حكم الله بين خلقه والله عليم بما يصلح عباده، أو أن النساء لم يدخلن في أصل الصلح، ويؤيده ما في بعض طرق الحديث على أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته إذ مفهومه عدم دخول النساء.

‌20 - باب إِذَا أَسْلَمَتِ الْمُشْرِكَةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ أَوِ الْحَرْبِيِّ

وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا أَسْلَمَتِ النَّصْرَانِيَّةُ قَبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ دَاوُدُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ سُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَهِيَ امْرَأَتُهُ؟ قَالَ: لَا، إِلَاّ أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ يَتَزَوَّجُهَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِي مَجُوسِيَّيْنِ أَسْلَمَاهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَبَى الآخَرُ بَانَتْ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: امْرَأَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَاءَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} قَالَ: لَا إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ قُرَيْشٍ.

وهذا (باب) بالتنوين (إذا أسلمت المشركة) كوثنية (أو النصرانية) أو اليهودية (تحت الذمي أو الحربي) قبل أن يسلم هل تحصل الفرقة بينهما بمجرّد إسلامها أو يثبت لها الخيار أو يوقف في العدّة، فإن أسلم استمرّ النكاح وإلا وقعت الفرقة بينهما. قال الشافعية: إذا أسلم مشرك ولو غير كتابي كوثني ومجوسي وتحته حرة كتابية تحل له ابتداء استمر نكاحه لجواز نكاح المسلم لها أو كان تحته حرّة غير كتابية كوثنية وكتابية لا تحل له ابتداء وتخلفت عنه بأن لم تسلم معه أو أسلمت هي وتخلّف هو فإن كان قبل الدخول تنجزت الفرقة أو بعده وأسلم الآخر في العدّة استمر نكاحه، وإلا فالفرقة من الإسلام، والفرقة فيما ذكر فسخ لا طلاق ولو أسلما معًا قبل الدخول أو بعده استمرّ نكاحهما لتساويهما في الإسلام والمعية في الإسلام بآخر لفظ لأن به يحصل الإسلام لا بأوّله ولا بأثنائه، وقد جنح البخاري إلى أن الفرقة بمجرّد الإسلام وشرع يستدل لذلك فقال:

(وقال عبد الوارث) بن سعيد (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) رضي الله عنهما (إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه). سواء دخل عليها أم لا وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن عباد بن العوّام عن خالد الحذاء بنحوه.

(وقال داود) بن أبي الفرات بالفاء المضمومة والراء المخففة (عن إبراهيم) بن ميمون (الصائغ) المروزي أنه قال: (سئل عطاء) هو ابن أبي رباح (عن امرأة من أهل العهد) أي الذمة (أسلمت ثم

أسلم زوجها) بعدها وهي (في العدة أهي امرأته؟ قال: لا. إلا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق) جديد أيضًا لأن الإسلام فرّق بينهما، وهذا وصله ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء بمعناه.

(وقال مجاهد): هو ابن جبر فيما وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه (إذا) أسلمت الزوجة ثم (أسلم) الزوج وهي

ص: 158

(في العدة يتزوجها) ثم استدلّ المؤلّف لتقوية قول عطاء المذكور هنا بقوله (وقال الله تعالّى: {لا هنّ حل لهم ولا هم يحلون لهن})[الممتحنة: 10] أي: لا حل بين المؤمنة والمشرك لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة.

(وقال الحسن) البصري ولابن عساكر باب بالتنوين وقال الحسن (وقتادة) بن دعامة فيما أخرجه ابن أبي شيبة (في مجوسيين) امرأة وزوجها (أسلماهما على نكاحهما، وإذا) بالواو ولأبي ذر فإذا (سبق أحدهما صاحبه) بالإسلام (وأبى الآخر) أن يسلم (بانت) منه وحينئذٍ (لا سبيل له عليها) إلا بخطبة.

(وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله عبد الرزاق: (قلت لعطاء امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين أيعاوض) بفتح الواو مبنيًّا للمفعول من المعاوضة ولأبي ذر وابن عساكر أيعاض بإسقاط الواو من العوض أي أيعطى (زوجها) المشرك (منها) عوض صداقها (لقوله تعالى: {وآتوهم ما أنفقوا})[الممتحنة: 10] المفسر بأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور (قال) عطاء (لا) يعاوض (إنما كان ذلك) المذكور في الآية من الإعطاء (بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل العهد) من المشركين حين انعقد العهد بينهم عليه وأما اليوم فلا.

(وقال) بالواو ولابن عساكر بإسقاطها (مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} [الممتحنة: 10] من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صداقهن وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكذلك (هذا كله في صلح) كان (بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش) ثم انقطع ذلك يوم الفتح.

5288 -

حَدَّثَنَا يحيى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتنحة: 10] إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ لَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلَامِ، وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النِّسَاءِ إِلَاّ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: «قَدْ بَايَعْتُكُنَّ» [كَلَامًا].

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري وسقط لغير أبي ذر لفظ يحيى قال: (حدثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ولفظ رواية عقيل هذه سبق أول الشروط (وقال إبراهيم بن المنذر): فيما وصله الذهلي في الزهريات (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا ولابن عساكر حدّثنا (يونس) بن يزيد الأيلي واللفظ لرواية يونس (قال ابن شهاب) الزهري: (أخبرني) بالتوحيد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كانت) ولابن عساكر كان (المؤمنات إذا هاجرن) من مكة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) قبل عام الفتح (يمتحنهن) يختبرهن فيما يتعلق بالإيمان فيما يرجع إلى الظاهر (بقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات}) نصب على الحال ({فامتحنوهن} إلى آخر الآية). وقوله إلى آخر الآية ساقط لابن عساكر.

(قالت عائشة): بالإسناد السابق (فمن أقرّ بهذا الشرط) المذكور في آية الممتحنة وهو أن لا يشركن بالله إلى آخره (من المؤمنات) وعند الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (فقد أقرّ بالمحنة) أي الامتحان الذي هو الإقرار بما ذكر (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(انطلقن فقد) أقررتن و (بايعتكن لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة) في المبايعة (قط غير أنه بايعهن بالكلام والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء إلا بما أمره الله يقول لهن إذا أخذ عليهن) عهد المبايعة (قد بايعتكن) على أن لا تشركن بالله شيئًا إلى آخره (كلامًا) من غير أن يضرب يده على يدهن كما كان يبايع الرجال.

‌21 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} رَجَعُوا {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 و227]

(باب قول الله تعالى: {للذين يؤلون}) يقسمون وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما ومن في ({من نسائهم}) متعلق بالجار والمجرور أي للذين كما تقول: لك مني نصرة ولك مني معونة أي للمولين من نسائهم

ص: 159

({تربص أربعة أشهر}) أي استقر للمولين ترقب أربعة أشهر لا بيؤلون لأن آلى يعدّى بعلى يقال: آلى فلان على امرأته، ويجوز أن يقال عدّي بمن لما في هذا القاسم من معنى البعد فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مولين، وتربص مبتدأ خبره للذين، وآلى أصله أألى فأبدلت الثانية ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها نحو آمن وإضافة التربص اللاحقة من إضافة المصدر لمفعوله على الاتساع في الظرف حتى صار مفعولًا به، وكان الإيلاء في الجاهلية طلاقًا فغيّر الشرع حكمه وخصّه بالحلف على الامتناع من وطء الزوجة مطلقًا أو أكثر من أربعة أشهر وهو

حرام لما فيه من منع حق الزوجة في الوطء وأركانه حالف ومحلوف به ومحلوف عليه ومدة وصيغة وزوجة.

فالحالف شرطه زوج مكلف مختار يتصور منه الجماع فلا يصح من أجنبي كسيد ولا من غير مكلف إلا السكران ولا من مكره ولا ممن لم يتصور منه الجماع كمجبوب.

وشرطه في المحلوف به كونه اسمًا أو صفة الله تعالى كقوله: والله أو والرحمن لا أطؤك أو كونه التزام ما يلزم بنذر أو تعليق طلاق أو عتق كقوله: إن وطئتك فلله عليّ صلاة أو حج أو صوم أو عتق، أو إن وطئتك فضُرّتك طالق أو فعبدي حر.

وشرطه في المحلوف عليه ترك وطء شرعي فلا إيلاء بحلفه على امتناعه من تمتعه بها بغير وطء. وفي المدة زيادة على أربعة أشهر بأن يطلق كأن يقول والله لا أطؤك أو يؤبد كقوله: والله لا أطؤك أبدًا أو يقيد بزيادة على أربعة أشهر كقوله: والله لا أطؤك خمسة أشهر أو يقيد بمستبعد الحصول فيها كقوله: والله لا أطؤك حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، أو حتى أموت، فلو قيد بالأربعة أو نقص عنها لا يكون إيلاء بل مجرد حلف لأن المرأة تصبر عن الزوج أربعة أشهر وبعدها يفنى صبرها أو يقل.

وفي الصيغة لفظ يشعر بالإيلاء إما صريح كتغييب حشفة الرجل بفرج وجماع كقوله: والله لا أغيب حشفتي بفرجك أو لا أطؤك أو كناية كملامسة ومباضعة كقوله، والله لا ألامسك أو لا أباضعك.

وفي الزوجة تصوّر وطء فلا يصح من رتقاء وقرناء ({فإن فاؤوا}) أي (رجعوا) إلى الوطء عن الإصرار بتركه ({فإن الله غفور رحيم}) حيث شرع الكفارة ({وإن عزموا الطلاق}) بترك الفيء ({فإن الله سميع}) لإيلائه ({عليم})[البقرة: 226 و227] بنيته وهو وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة، والمعنى عند إمامنا الشافعي رحمة الله عليه فإن فاؤوا وإن عزموا بعد مضيّ المدة لأن الفاء للتعقيب فيكون الفيء قبل مضيّ المدة وبعدها وعند مضيها يوقف إلى أن يفيء أو يطلق، وعبارته كما في المعرفة للبيهقي ظاهر كتاب الله يدل على أنه له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلًا له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي الأربعة الأشهر كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة الأشهر، ودل على أن عليه إذا مضت الأربعة الأشهر واحدًا من حكمين إما أن يفيء أو يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق بمضيّ أربعة أشهر حتى يحدث فيئة أو طلاقًا. قال: والفيئة الجماع إلا من عذر انتهى.

وعند الحنفية الفيء في المدة لا غير، وأجاب الشيخ كمال الدين: بأن الفاء لتعقيب المعنى في الزمان في عطف المفرد كجاء زيد فعمرو وتدخل الجمل لتفصيل مجمل قبلها وغيره، فإن كانت

للأوّل نحو: {فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة} [النساء: 153]{ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي} [هود: 45] ونحو: توضأ فغسل وجهه ويديه ورجليه ومسح رأسه فلا تفيد ذلك التعقيب بل التعقيب الذكري بأن ذكر التفصيل بعد الإجمال وإن كانت لغيره، فكالأول كجاء زيد فقام عمرو، فكلٌّ من التعقيبين جائز الإرادة في الآية المعنوي بالنسبة إلى الايلاء، فإن فاؤوا بعد الإيلاء والذكري فإنه لما ذكر تعالى أن لهم من نسائهم أن يتربصوا أربعة أشهر من غير بينونة مع عدم الوطء كان موضع تفصيل الحال في الأمرين فقوله تعالى:{فإن فاؤوا} إلى قوله: {سميع عليم} واقع لهذا الغرض فيصح كون المراد فإن فاؤوا أي رجعوا عما استمروا عليه بالوطء في المدة المعدة تعقيبًا على الإيلاء التعقيب الذكري أو

ص: 160

بعدها تعقيبًا على التربص فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم وعقد القلب انتهى. وسياق الآية كله لابن عساكر، وقال في الفتح، لكريمة ولغيرهما بعد قوله:{تربص أربعة أشهر} إلى قوله: {سميع عليم} لكنه في الفرع رقم عليه علامة السقوط لأبي ذر.

5289 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ:«الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» .

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) ابن أخت إمام دار الهجرة مالك بن أنس (عن أخيه) عبد الحميد بن أبي أويس (عن سليمان) بن بلال (عن حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه وسقط لابن عساكر ابن مالك (يقول: آلى) بمد الهمز حلف (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي شهرًا (من نسائه). وفي حديث ابن عباس أقسم أن لا يدخل عليهن شهرًا، وعند الترمذي برجال موثقين عن مسروق عن عائشة قالت: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرّم فجعل الحرام حلالًا، لكن رجح الترمذي إرساله على وصله، وقد يتمسك بقوله فيه حرم من ادّعى أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من جماعهن وبه جزم ابن بطال وجماعة لكنه مردود بأن المراد بالتحريم تحريم شرب العسل أو تحريم وطء مارية. قال في الفتح: ولم أقف على نقل صريح أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من جماع نسائه وليس هذا من الإيلاء المقرر كما مرّ، ولذا استشكل إيراد المصنف لهذا الحديث هنا إذ إنه ليس من هذا الباب وقوّى ذلك ما أبداه البلقيني في تدريبه بأن الإيلاء المعقود له الباب حرام يأثم به من علم حاله فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وأجيب: بأنه مبني على اشتراط ترك الجماع فيه، وقد روي عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة عدم اشتراط ترك الجماع. (وكانت انفكت رجله) صلى الله عليه وسلم (فأقام في مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء بعدها موحدة في غرفة (له تسعًا وعشرين) ليلة (ثم نزل) من الغرفة ودخل على أزواجه (فقالوا: يا رسول الله آليت) حلفت (شهرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني ألبثت بهمزة الاستفهام وبعد اللام موحدة مكسورة فمثلثة ففوقية من الليث (فقال) صلى الله عليه وسلم:

(الشهر) المعهود (تسع وعشرون).

5290 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ فِي الإِيلَاءِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدَ الأَجَلِ إِلَاّ أَنْ يُمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَعْزِمَ بِالطَّلَاقِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل. وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ. وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله تعالى) في الآية السابقة (لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف) بأن يطأ (أو يعزم بالطلاق) ولأبي ذر وابن عساكر: الطلاق بإسقاط الجار (كما أمر الله عز وجل بقوله: {وإن عزموا الطلاق} [البقرة: 227] فإن امتنع من الفيئة والطلاق طلق عليه القاضي نيابة عنه على الأظهر والثاني لا يطلق عليه لأن الطلاق في الآية مضاف إليه بل يكرهه ليفيء أو يطلق، وقال الحنفية: إن فاء بالجماع قبل انقضاء المدة استمرت عصمته وإن مضت المدة وقع الطلاق بنفس مضي المدة قال المؤلّف:

(وقال لي إسماعيل) بن أبي أويس المذكور (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه قال: (إذا مضت أربعة أشهر) من حين الإيلاء (يوقف) الحكم والكشميهني يوقفه (حتى) يفيء أو (يطلق) بنفسه (ولا يقع عليه الطلاق) بانقضاء المدة (حتى يطلق) هو (ويذكر) بضم أوّله وفتح الكاف (ذلك) المذكور من الوقف حتى يطلق (عن عثمان) فيما وصله الشافعي وابن أبي شيبة من طريق طاوس عنه لكن في سماع طاوس من عثمان نظر نعم ورد ما يعضده إلا أنه جاء عن عثمان خلافه عند عبد الرزاق والدارقطني (وعلي) فيما وصله الشافعي وابن أبي شيبة بسند صحيح (وأبي الدرداء) فيما وصله ابن أبي شيبة وإسماعيل القاضي بسند صحيح إن ثبت سماع سعيد بن المسيب من أبي الدرداء (وعائشة) فيما أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح (واثني عشر رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) فيما أخرجه المؤلّف في تاريخه وهو قول مالك

ص: 161

والشافعي وأحمد وسائر أصحاب الحديث.

وأجاب الشيخ كمال الدين عن حديثي الباب بما أخرجه ابن أبي شيبة قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر قالا: إذا آلى فلم يفيء حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة قال: ورجال هذا السند كلهم أخرج لهم الشيخان فهم رجال الصحيح فينتهض معارضًا ولم يبق إلا قول من قال بأن أصح الحديث ما في الصحيحين ثم ما كان على شرطهما إلى آخر ما عرف. قال: وهذا تحكم محض لأنه إذا كان الفرض أن المروي

على نفس الشرط المعتبر عندهما فلم يفته إلا كونه لم يكتب في خصوص أوراق معينة ولا أثر لذلك وقول البخاري أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر لم يوافق عليه فقد قال غيره غيره، وقال المحققون: إن ذلك يتعذر الحكم به وإنما يمكن بالنسبة إلى صحاب وبلد فيقال أصحها عن ابن عمر: مالك عن نافع عنه، وعن أبي هريرة: الزهري عن سعيد بن المسيب عنه، وأصح أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحابة ونحو ذلك وأحسن من هذا الوقوف عن اقتحام هذه فإن في خصوص الموارد ما قد يلزم الوقوف عن ذلك. نعم قد يكون الراوي المعين أكثر ملازمة لمعين من غيره فيصير أدرى بحديثه وأحفظ له منه على معنى أنه أكثر إحاطة بأفراد متونه وأعلم بعادته في تحديثه وعند تدليسه إن كان وبقصده عند إبهامه وإرساله ممن لم يلازمه تلك الملازمة أما في فرد معين فرض أن غيره ممن هو مثله في ملكة النفس والضبط أو أرفع سمعه منه فأتقنه وحافظ عليه كما حافظ على سائر محفوظاته، ويكون ذلك مقدمًا عليه في روايته بمعارضة فما هو إلا محض تحكم فإن بعد هذا الفرض لم تبق زيادة الآخر إلا بالملازمة وأثرها الذي يزيد به على الآخر إنما هو بالنسبة إلى مجموع متونه لا بالنسبة إلى خصوص متن انتهى.

وقد سبق ما احتجّ به الإمام الشافعي من ظاهر الآية مع قول أكثر الصحابة والترجيح يقع بالأكثر مع موافقة ظاهر القرآن وقد نقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال: لم نجد في شيء من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقًا ولو جاز لكان العزم على الفيء يكون فيئًا ولا قائل به، وليس في شيء من اللغة أن اليمين التي لا ينوى بها الطلاق تقتضي طلاقًا والعطف بالفاء على الأربعة الأشهر يدل على أن التخيير بعد مضي المدة وحينئذٍ فلا يتجه وقوع الطلاق بمجرد مضي المدة والجواب السابق عن ذلك وإن كان بديعًا لكنه لا يخلو عن شيء من التعسف، ولئن سلمنا انتهاض حديث ابن أبي شيبة السابق لحديثي الباب فيبقى النظر في هل يستدل بذلك والآية أظهر في الدلالة لنا على ما لا يخفى.

‌22 - باب حُكْمِ الْمَفْقُودِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ

وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ إِذَا فُقِدَ فِي الصَّفِّ عِنْدَ الْقِتَالِ تَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ سَنَةً. وَاشْتَرَى ابْنُ مَسْعُودٍ جَارِيَةً وَالْتَمَسَ صَاحِبَهَا سَنَةً فَلَمْ يَجِدْهُ وَفُقِدَ، فَأَخَذَ يُعْطِي الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَنْ فُلَانٍ فإن أبى فلان فَلي وَعَلَيَّ، وَقَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا بِاللُّقَطَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأَسِيرِ يُعْلَمُ مَكَانُهُ: لَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ، فَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَسُنَّتُهُ سُنَّةُ الْمَفْقُودِ.

(باب حكم المفقود في أهله وماله. وقال ابن المسيب): سعيد مما وصله عبد الرزاق (إذا فقد) الرجل (في الصف عند القتال) في سبيل الله (تربص) بفتح الفوقية وضم الصاد المهملة أصله

تتربص فحذفت إحدى التاءين يعني تنتظر (امرأته سنة) إلى هذا ذهب مالك لكنه فرق بين ما إذا وقع القتال بدار الحرب أو دار الإسلام.

(واشترى ابن مسعود) عبد الله فيما وصله سفيان بن عيينة في جامعه وسعيد بن منصور (جارية) بسبعمائة درهم (والتمس) بالواو أي طلب ولأبي ذر وابن عساكر فالتمس (صاحبها سنة) ليدفع له ثمنها إذ غاب عنه (فلم يجده) وللكشميهني فلم يوجد (وفقد) بضم الفاء وكسر القاف فخرج بها إلى المساكن (فأخذ يعطي) هم من ثمنها (الدرهم والدرهمين وقال: اللهم) تقبله (عن فلان) صاحبها (فإن أبى) بالموحدة امتنع كذا للكشميهني ولغيره فإن أتى بالفوقية بدل الموحدة أي فإن جاء (فلان فلي) الثواب (وعلي) أن أقضيه ثمنها (وقال) أي ابن مسعود: (هكذا فافعلوا) ولأبي ذر افعلوا إسقاط الفاء (باللقطة) بعد تعريفها.

(وقال ابن عباس) فيما وصله سعيد بن منصور (نحوه) أي نحو قول ابن مسعود وهذا المذكور من قوله واشترى إلى آخره ثابت في رواية المستملي والكشميهني.

(وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله ابن أبي شيبة (في

ص: 162

الأسير) في أرض العدو (يعلم مكانه لا تتزوج) بتاءين ولابن عساكر تزوج (امرأته ولا يقسم ماله فإذا انقطع خبره فسنّته سنة الفقود) فحكمه حكم المفقود، ومذهب الزهري في امرأة المفقود التربص أربع سنين، ومذهب الشافعية إن قامت بيّنة بموته أو حكم قاض به بمضي مدة من ولادته لا يعيش فوقها ظنًّا قسمت تركته حينئذٍ ثم تعتدّ زوجته.

5292 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ: «خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» . وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ، فَغَضِبَ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ وَقَالَ:«مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا الْحِذَاءُ وَالسِّقَاءُ، تَشْرَبُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» . وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ. فَقَالَ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا وَعَرِّفْهَا سَنَةً. فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا، وَإِلَاّ فَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ» . قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ فِي أَمْرِ الضَّالَّةِ هُوَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ يَحْيَى: وَيَقُولُ رَبِيعَةُ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ فَقُلْتُ لَهُ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن يزيد) من الزيادة (مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر العين المهملة بعدها مثلثة التابعي (أن النبي-صلى الله عليه وسلم سئل) بضم السين وكسر الهمزة (عن ضالة الغنم فقال) ولابن عساكر قال:

(خذها فإنما هي لك) إن أخذتها وعرفتها سنة ولم تجد صاحبها (أو لأخيك) في الدين ملتقط آخر (أو للذئب) إن تركتها ولم يأخذها غيرك لأنها لا تحمي نفسها (وسئل) صلى الله عليه وسلم (عن ضالة الإبل) ما حكمها (فغضب واحمرّت وجنتاه) من الغضب (وقال: ما لك ولها) استفهام إنكاري (معها الحذاء) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة ممدودًا خف تقوى به على السير (والسقاء) بكسر السين المهملة الجوف (تشرب الماء) قدر ما يكفيها حتى ترد ماء آخر (وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها) مالكها (وسئل) صلى الله عليه وسلم (عن اللقطة) بفتح القاف على المشهور والفرق بينها وبين الضالة أن الضالة مختصة بالحيوان (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اعرف وكاءها) بكسر الواو والمد الخيط المشدودة به (وعفاصها) بكسر العين المهملة بعدها فاء فألف فصاد مهملة وعاءها الذي هي فيه (وعرفها) إذا كانت كثيرة (سنة) لا قليلة والتخصيص بذلك من باب استنباط معنى من النص العام يخصصه (فإن جاء مَن يعرفها) بسكون العين عددًا وصفة ووعاء ووكاء فادفعها إليه (وإلا فاخلطها) بهمزة وصل (بمالك) وتصرف فيها على جهة الضمان.

(قال سفيان) بن عيينة (فلقيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المشهور بالرأي (ولم أحفظ عنه شيئًا غير هذا فقلت) له: (أرأيت حديث يزيد) أي أخبرني عن حديث يزيد (مولى المنبعث في أمر الضالة هو عن زيد بن خالد)؟ استفهام محذوف الأداة (قال: نعم) عنه. قال سفيان: (قال يحيى) يعني ابن سعيد الذي حدَّثني به مرسلًا (ويقول ربيعة) الرأي أنه حدّث به (عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد. قال سفيان: فلقيت ربيعة) الرأي (فقلت له) القول السابق أرأيت حديث يزيد إلى آخره. والحاصل كما في الفتح أن يحيى بن سعيد حدّث به عن يزيد مولى المنبعث مرسلًا ثم ذكر لسفيان أن ربيعة يحدّث به عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد فيوصله فحمل ذلك سفيان على أن لقي ربيعة فسأله عن ذلك فأقر به. قيل: ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الضالة كالمفقود فكما لم يزل ملك المالك فيها فكذلك يجب أن يكون النكاح باقيًا بينهما.

وقد سبق الحديث مرات في اللقطة.

‌23 - باب الظِّهَارِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 1] وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ، فَقَالَ: نَحْوَ ظِهَارِ الْحُرِّ، قَالَ مَالِكٌ: وَصِيَامُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ: ظِهَارُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ سَوَاءٌ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ إِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنَ النِّسَاءِ، وَفِي الْعَرَبِيَّةِ لِمَا قَالُوا: أَيْ فِيمَا قَالُوا، وَفِي بَعْضِ مَا قَالُوا، وَهَذَا أَوْلَى، لأَنَّ اللَّهَ تعالى لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُنْكَرِ وَقَوْلِ الزُّورِ.

(باب الظهار) بكسر المعجمة.

قال الشيخ كمال الدين: هو لغة مصدر ظاهر وهو مفاعلة من الظهر فيصح أن يراد به معانٍ مختلفة ترجع إلى الظهر معنى ولفظًا بحسب اختلاف الأغراض فيقال: ظاهرت أي قابلت ظهرك بظهره حقيقة وإذا غايظته أيضًا وإن لم تدابره حقيقة باعتبار أن المغايظة تقتضي هذه المقابلة وظاهرته إذا نصرته باعتبار أنه يقال قوي ظهره إذا نصره وظاهر من امرأته وأظهر وتظاهر واظّاهر وظهر وتظهر إذا قال لها أنت عليّ كظهر أمي، وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر على اعتبار جعل ما يلي به كل منهما الآخر ظهرًا للثوب وغاية ما يلزم كون لفظ الظهر في بعض هذه التراكيب مجازًا وكونه مجازًا لا يمنع الاشتقاق منه ويكون المشتق مجازًا أيضًا، وقد قيل الظهر هنا مجاز عن البطن لأنه إنما يركب البطن فكظهر أمي أي كبطنها بعلاقة المجاورة ولأنه عموده لكن لا يظهر ما هو الصارف عن

ص: 163

الحقيقة من النكات وقيل خص الظهر لأن إتيان المرأة من ظهرها كان حرامًا فإتيان أمه من ظهرها أحرم فكثر التغليظ في الشرع هو تشبيه الزوجة في الحرمة بمحرمه.

(وقول الله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك}) أي تحاورك ({في زوجها}) في شأنه (-إلى قوله-) تعالى: ({فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا})[الجادلة: 1] كذا لأبي ذر وعند ابن عساكر بعد قوله زوجها الآية وحذف ما بعدها.

وعن عائشة فيما رواه الإمام أحمد أنها قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه سمع الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في جانب البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى آخر الآية. وكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد معلقًا.

وعند النسائي وابن ماجة عن عائشة أيضًا تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء إني أسمع كلام خويلة بنت ثعلب ويخفى عليّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهمّ إني أشكو إليك. قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية {قد سمع الله قول التي تجادلك} إلى آخر الآية، وزوجها هو أوس بن الصامت. قال في النهاية: وفي أسماء الله تعالى السميع وهو الذي لا يغيب عن إدراكه مسموع وإن خفي فهو يسمع بغير جارحة. وقال الراغب: السمع قوّة في الأُذن بها تدرك الأصوات فإذا وصف الله تعالى بالسمع فالمراد علمه بالمسموعات، وروي أنها قالت: إن لي صبية صغارًا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، فقال لها صلى الله عليه وسلم:"ما عندي في أمرك شيء" وروي أنه قال لها: "حرمت عليه" فقالت أشكو إلى الله فاقتي ووجدي كلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حرمت عليه" هتفت وشكت فهذا هو جدالها. وفي الطبراني من حديث ابن عباس قال: كان الظهار في الجاهلية يحرم النساء فكان أوّل من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت وكانت امرأته خويلة الحديث.

وأركان الظهار: زوجان ومشبه به وصيغة.

فشرط الزوج صحة طلاقه ولو عبدًا أو كافرًا أو خصيًا أو سكران.

والمشبه به كل أنثى محرم أو جزء أنثى محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة لم تكن حلاًّ للزوج.

والصيغة لفظ يُشعِر بالظهار صريح كانت أو رأسك عليّ كظهر أمي أو كجسمها أو كناية كانت أمي وتلزمه الكفّارة بالعود للآية وهو أن يمسكها بعد الظهار مع إمكان فراقها.

قال البخاري: (وقال لي إسماعيل) بن أبي أويس (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (أنه سأل ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن) حكم (ظهار العبد فقال: نحو ظهار الحر) كالطلاق (قال مالك: وصيام العبد) في كفارة الظهار (شهران) كالحر واختلف في الإطعام والعتق فذهب الحنفية والشافعية إلى أن لا يجزئه إلا الصيام فقط وقال ابن القاسم عن مالك إن أطعم بإذن سيده أجزأه (وقال الحسن بن الحر): بضم الحاء المهملة وتشديد الراء ابن الحكم النخعي الكوفي نزيل دمشق وليس له في البخاري إلا هذا ولأبي ذر عن المستملي كما في الفتح ابن حي بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية نسبة لجد أبيه وهو الحسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري الفقيه أحد الأعلام، ولأبي ذر عن المستملي مما في الفرع: الحسن فقط من غير نسب فيحتملهما (ظهار الحر والعبد من الحرة والأمة سواء) إذا كانت الأمة زوجة فلو قال السيد لأمته: أنت عليّ كظهر أمي لم يصح عند الشافعية لاشتراطهم الزوجية خلافًا للمالكية، واحتجوا بأنه فرج حلال فيحرم بالتحريم ومنشأ الخلاف هل تدخل الأمة في قوله تعالى:{منكم من نسائهم} [المجادلة: 2] قال في التوضيح: ولا شك أنها من النساء لغة لكن العرف تخصيص هذا اللفظ بالزوجات وقد أخرج ابن الأعرابي في معجمه من طريق همام سئل قتادة عن رجل ظاهر من سريته فقال: قال الحسن وابن المسيب وعطاء

ص: 164

وسليمان بن يسار: مثل ظهار الحرة. (وقال عكرمة) فيما وصله إسماعيل القاضي بسند لا بأس به: (إن ظاهر) الرجل (من أمته فليس بشيء وإنما الظهار من النساء) الحرائر.

وهذا مذهب الحنفية: والشافعية لقوله: {من نسائهم} وليست الأمة من النساء، ولقول ابن عباس إن الظهار كان طلاقًا ثم أحلّ بالكفارة فكما لا حظّ للأمة في الطلاق لا حظّ لها في الظهار، واعلم أنه يحرم بالظهار قبل التكفير الوطء والاستمتاع بما بين السرّة والركبة فقط كالحيض لأن الظهار معنى لا يخلّ بالملك، ولأنه تعالى أوجب التكفير في الآية قبل التماس حيث قال في الإعتاق والصوم:{من قبل أن يتماسا} [المجادلة: 3] ويقدر مثله في الإطعام حملًا للمطلق على المقيد وروى أبو داود وغيره من حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل ظاهر من امرأته وواقعها "لا تقربها حتى تكفر" وتجب الكفارة بالعود وهو أن يمسكها زمانًا يمكنه مفارقتها فيه فلم يفعل لقوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3] لأن دخول الفاء في خبر المبتدأ الموصول دليل على الشرطية كقوله: الذي يأتيني فله درهم، ومقصود الظهار وصف المرأة بالتحريم وإمساكها يخالفه وهل وجبت الكفارة بالظهار والعود أو بالظهار والعود شرط أو بالعود لأنه الجزء الأخير. أوجه ذكرها في الروضة من غير ترجيح، والأول هو ظاهر الآية الوافق

لترجيحهم أن كفارة اليمين تجب باليمين والحنث جميعًا، ولأن الظهار كما قاله الشيخ كمال الدين كبيرة فلا يصلح سببًا للكفارة لأنها عبادة أو المغلب فيها معنى العبادة ولا يكون المحظور سببًا للعبادة فتعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك بمعروف فيكون دائرًا بين الحظر والإباحة فيصلح سببًا للكفارة الدائرة بين العبادة والعقوبة ثم إن اللام في قوله تعالى:{لما قالوا} متعلقة بيعودون قاله مكي، وزاد وما والفعل مصدر أي لقولهم والمصدر في موضع المفعول به نحو هذا درهم ضرب الأمير أي مضروبه على أن ذلك يجوز، وإن كانت غير مصدرية بل لكونها بمعنى الذي أو نكرة موصوفة بل جعلها غير مصدرية أولى لأن المصدر المؤول فرع المصدر الصريح ووضع المصدر موضع اسم المفعول خلاف الأصل فيلزم الخروج عن الأصل بشيئين بالمصدر المؤوّل ثم وقوعه موقع اسم المفعول، والمحفوظ إنما هو وضع المصدر الصريح موضع المفعول لا المصدر المؤوّل، وقيل اللام تتعلق بـ {فتحرير} [المجادلة: 3] وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير والذين يظاهرون من نسائهم فعليهم تحرير رقبة لما نطقوا به من الظهار ثم يعودون للوطء بعد ذلك والعود الصيرورة ابتداء أو بناء فمن الأوّل قوله تعالى:{حتى عاد كالعرجون القديم} [يس: 39] ومن الثاني و {إن عدتم عدنا} [الإسراء: 8] ويعدى بنفسه كقوله: عدته إذا أتيته وصرت إليه أو بحرف الجر بإلى وعلى وفي واللام كقوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28] ومنه {ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3] أي لنقض ما قالوا أو لتداركه على حذف المضاف وعن ثعلبة يعودون لتحليل ما حرموا على حذف المضاف أيضًا غير أنه أراد بما قالوا ما حرّموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلًا للقول منزلة المقول فيه كقوله: ونرثه ما يقول أراد المفعول فيه وهو المال والولد، وقال بعضهم: العود للقول عود بالتدارك لا بالتكرار وتداركه نقضه بنقيضه الذي هو العزم على الوطء ومن حمله على الوطء قال: لأنه المقصود بالمنع، ويحمل قوله:{من قبل أن يتماسا} أي مرة ثانية. ورأى أكثر العلماء قوله: {من قبل أن يتماسا} منعًا من الوطء قبل التكفير حتى كأنه قال: لا تماس حتى تكفر.

والحاصل أن يعودون إما أن يجرى على حقيقته أو محمول على التدارك مجازًا إطلاقًا لاسم المسبب على السبب لأن المتدارك للأمر عائد إليه، وإن ما قالوا إما عبارة عن القول السابق أو عن مسماه وهو تحريم الاستمتاع وقال ابن عباس: يعودون يندمون فيرجعون إلى الألفة لأن النادم والتائب متدارك لما صدر عنه بالتوبة والكفارة وأقرب الأقوال إلى هذا ما ذهب إليه الشافعي، وذلك أن القصد بالظهار التحريم فإذا

ص: 165

أمسكها على النكاح فقد خالف قوله ورجع عما قاله فكأنه قيل والذين يعزمون على المفارقة والتحريم ويتكلمون بذلك القول الشنيع ثمّ يمسكون عنه زمانًا أمارة على العود إلى ما كانوا عليه قبل الظهار فكفارة ذلك كذا. وقال داود وأتباعه: المراد يعودون إلى اللفظ الذي سبق منهم وهو قول الرجل ثانيًا: أنت عليّ كظهر أمي فلا تلزم الكفارة بالقول الأول وإنما تلزم بالثاني، وقال بهذا أبو العالية وبكير بن الأشج من التابعين وكذا الفراء وقد رده البخاري فقال:

(وفي العربية) تستعمل اللام في نحو قوله تعالى: ({لما قالوا}) بمعنى في (أي فيما قالوا، وفي بعض) بالموحدة المفتوحة وسكون العين المهملة ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي وفي نقض بالنون والقاف والضاد المعجمة فيهما (ما قالوا) والثانية أوجه وأصح أي أنه يأتي بفعل ينقض قوله الأول وهو العزم على الإمساك المناقض للظهار قال المؤلّف: (وهذا أولى) من قول داود الأصبهاني الظاهري إن المراد من الآية ظاهرها وهو أن يقع العود بالقول بأن يعيد لفظ الظهار فلا تجب الكفارة إلا به (لأن الله تعالى لم يدل على المنكر) المحرم (وقول الزور) ولابن عساكر: وعلى قول الزور المشار إليه في الآية بقوله: {وإنهم ليقولون منكرًا من القول} [المجادلة: 2] أي تنكره للحقيقة والأحكام الشرعية وزورًا كذبًا باطلًا منحرفًا عن الحق فكيف يقال إنه إذا أعاد هذا اللفظ الموصوف بما ذكر يجب عليه أن يكفر ثم تحلّ له المرأة وإنما المراد وقوع ضد ما وقع منه من المظاهرة.

وفي الظهار أحاديث في أبي داود والترمذي والنسائي لم يذكرها المؤلّف لأنها ليست على شرطه والله الموفق والمعين.

‌24 - باب الإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالأُمُورِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا» ، فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ أَيْ خُذِ النِّصْفَ، وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْكُسُوفِ، فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلْتُ آيَةٌ؟ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا وَهِيَ تُصَلِّي، أَنْ نَعَمْ. وَقَالَ أَنَسٌ أَوْمَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ لَا حَرَجَ. وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ: «آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا: لَا قَالَ: «فَكُلُوا» .

(باب) حكم (الإشارة) المفهمة للأصل والعدد من الأخرس وغيره (في الطلاق و) غيره من (الأمور) الشرعية وقد ذهب الجمهور إلى أن الإشارة إذا كانت مفهمة تقوم مقام النطق فلو قال لزوجته: أنت طالق وأشار بإصبعين أو ثلاث لم يقع عدد إلا مع نيته عند قوله طالق ولا اعتبار بالإشارة هنا ولا بقوله أنت هكذا وأشار بما ذكر أو مع قوله هكذا وإن لم ينوِ عددًا فتطلق في إصبعين طلقتين وفي ثلاثًا ثلاثًا لأن ذلك صريح فيه ولا بد أن تكون الإشارة مفهمة لذلك كما نقله في الروضة عن الإمام وأقره فلو قالت له: طلقني فأشار بيده أن اذهبي وكان غير أخرس فالإشارة لغو لأن عدوله إليها عن العبارة يفهم أنه غير قاصد للطلاق وإن قصده بها فهي لا تقصد للإفهام إلا نادرًا ولا هي موضوعة له بخلاف الكتابة فإنها حروف موضوعة للإفهام كالعبارة ويعتد بإشارة الأخرس، وإن على القدر كتابة في طلاق وغيره كبيع ونكاح وإقرار ودعوى وعتق لأن إشارته قامت مقام عبارته لا في الصلاة فلا تبطل بها ولا في الشهادة فلا تصح بها ولا في حنث

بها فلا يحصل في الحلف على عدم الكلام فإن فهمها كل أحد فصريحة وإن اختص بها فطنون فكناية تحتاج إلى النية.

ثم أخذ المؤلّف يذكر آثارًا وأحاديث تتضمن ذكر إشارات لأحكام مختلفة تنبيهًا منه على أن الإشارة بالطلاق وغيره قائمة مقام النطق وأنه إذا اكتفى بها عن النطق مع القدرة عليه فمع عدم القدرة عليه أولى فقال رحمه الله:

(وقال ابن عمر) رضي الله عنهما فيما وصله في الجنائز مطولًا (قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعذب الله بدمع العين ولكن يعذب بهذا، فأشار) بالفاء ولأبي ذر وابن عساكر: وأشار (إلى لسانه) فيه أن الإشارة المفهمة كنطق اللسان.

(وقال كعب بن مالك) فيما وصله في الملازمة (أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليّ) في دين كان لي على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي بيده (أي) وللكشميهني أن (خذ النصف) أي واترك ما عداه (وقالت أسماء) بنت أبي بكر رضي الله عنهما فيما وصله في الكسوف (صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف) فأطال القيام (فقلت لعائشة) وهي قائمة تصلي مع الناس (ما شأن الناس؟ فأومأت) وللكشميهني فأشارت (برأسها إلى الشمس فقلت) لها

ص: 166

(آية. فأومأت) وللكشميهني فأشارت (برأسها وهي تصلي أن) ولأبي ذر أي (نعم) آية (وقال أنس) مما سبق موصولًا في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة من كتاب الصلاة: (أومأ) أي أشار (النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم) إلى الصف في الصلاة الحديث الخ، (وقال ابن عباس) فيما وصله في كتاب العلم في باب الفتيا بإشارة اليد والرأس (أومأ النبي صلى الله عليه وسلم) لما سئل في حجته عن الذبح قبل الرمي (بيده لا حرج) في التقديم ولا في التأخير. (وقال أبو قتادة) فيما سبق موصولًا في الحج في باب لا يشير المحرم إلى الصيد (قال النبي صلى الله عليه وسلم) لأصحابه (في الصيد للمحرم) لما رأوا حمر وحش في مسيرهم لحجة الوداع وحمل عليها أبو قتادة فعقرها هل (أحد منكم أمره أن يحمل عليها. وأشار إليها) وفي اليونينية آحد بمد فوق الهمزة للاستفهام (قالوا: لا، قال: فكلوا) ما بقي من لحمها.

5293 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو وحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرِهِ، وَكَانَ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ وَكَبَّرَ وَقَالَتْ زَيْنَبُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فُتِحَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، مِثْلُ هَذِهِ» . وَعَقَدَ تِسْعِينَ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) بفتح العين العقدي قال: (حدّثنا إبراهيم) هو ابن طهمان فيما جزم به المزي وقيل أبو إسحاق الفزاري (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال كونه راكبًا (على بعيره وكان كلما أتى على الركن) الذي فيه الحجر الأسود (أشار

إليه) للاستلام بشيء في يده (وكبّر) الحديث إلى آخره (وقالت زينب) بنت جحش فيما سبق موصولًا في باب علامات النبوة (قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(فتح) بضم الفاء وكسر الفوقية اليوم (من ردم يأجوج ومأجوج) وسقط لأبي ذر من ردم (مثل هذه وهذه. وعقد تسعين) بتقديم الفوقية على السين وعقد الأصابع نوع من الإشارة المفهمة.

5294 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَاّ أَعْطَاهُ» وَقَالَ: بِيَدِهِ وَوَضَعَ أَنْمَلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ. قُلْنَا يُزَهِّدُهَا. وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بضم الميم وفتح الضاد المعجمة البصري قال: (حدّثنا سلمة بن علقمة) التميمي بغير ميم في أول سلمة (عن محمد بن سيرين) وسقط لابن عساكر لفظ محمد (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم):

(وفي الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم) ولأبي ذر عبد مسلم (قائم يصلّي يسأل الله) تعالى (خيرًا إلا أعطاه) ما لم يسأل حرامًا، وفي رواية لغير أبي ذر: فسأل الله بالفاء بلفظ الماضي، وقوله قائم وتالييه صفات لمسلم أو يصلي حال من مسلم لاتصافه بقائم ويسأل إما حال مترادفة أو متداخلة (وقال) أي أشار صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة (ووضع أنملته على بطن) أصبعه (الوسطى و) بطن (الخنصر) بكسر الصاد في اليونينية (قلنا يزهدها) بضم التحتية وفتح الزاي وتشديد الهاء الأولى مكسورة أي يقللها. قال ابن المنير: الإشارة لتقليلها للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها، وقد قيل إن المراد بوضع الأنملة في وسط الكف الإشارة إلى أن ساعة الجمعة في وسط يومها وبوضعها على الخنصر الإشارة إلى أنها في آخر الأصابع، وفيه إشارة إلى أنها تتنقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره واختلف في تعيينها على نيف وأربعين قولًا ليجتهد المرء في العبادة بخلاف ما لو عينت وقد بين أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة ففي سياق البخاري إدراج (قال: وقال الأويسي) عبد العزيز بن عبد الله شيخ المؤلّف.

5295 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عَدَا يَهُودِيٌّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا، وَرَضَخَ رَأْسَهَا، فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْيَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَقَدْ أُصْمِتَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَتَلَكِ؟ فُلَانٌ» ؟ لِغَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا. قَالَ: فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي

قَتَلَهَا فَأَشَارَتْ أَنْ لَا. فَقَالَ: «فَفُلَانٌ» لِقَاتِلِهَا فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ.

(حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي (عن شعبة بن الحجاج) الحافظ أبي بسطام العتكي (عن هشام بن زيد) أي ابن أنس بن مالك (عن) جده (أنس بن مالك) رضي الله عنه أنه (قال: عدا) بالمهملتين تعدى (يهودي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) في زمنه وأيامه (على جارية) لم تسم (فأخذ أوضاحًا) بفتح الهمزة والضاد المعجمة والحاء المهملة حليًا من الدراهم الصحاح سميت بذلك لوضوحها وبياضها وصفائها أو هي حليّ من فضة (كانت عليها ورضخ)

ص: 167

بالراء والضاد والخاء المعجمتين المفتوحات كسر (رأسها فأتى بها) بالجارية (أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي) أي والحال أنها (في آخر رمق) أي نفس وزنًا ومعنًى (وقد أصمتت) بضم الهمزة وسكون الصاد المهملة وكسر الميم بعدها فوقيتان اعتقل لسانها فلم تستطع النطق لكن مع حضور عقلها (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(من قتلك)؟ أ (فلان)؟ استفهام محذوف الأداة (لغير الذي قتلها، فأشارت برأسها أن لا) أي ليس فلان قتلني (قال) صلى الله عليه وسلم (فقال) ولأبي ذر ففلان بدل قال: فقال: (لرجل عن رجل آخر غير الذي قتلها فأشارت) برأسها (أن لا فقال) صلى الله عليه وسلم لها: (ففلان) قتلك (لقاتلها فأشارت) برأسها (أن نعم) قتلني وكلمة أن في المواضع الثلاثة تفسيرية (فأمر به) باليهودي (رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين) بضم راء فرضخ، واستدلّ به الشافعية والمالكية والحنابلة على أن القاتل يقتل فيما قتل به، وقال الحنفية: لا يقتل إلا بالسيف لحديث "لا قود إلا بالسيف" وسيكون لنا عودة إلى هذا المبحث إن شاء الله تعالى في موضعه بعون الله وقوّته.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدّيات ومسلم في الحدود وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الديات.

5296 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْفِتْنَةُ مِنْ هُنَا. وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ» .

وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر المديني (عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه (قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول):

(الفتنة من هنا) بهاء واحدة مضمومة، ولأبي ذر: من ها هنا (وأشار إلى المشرق) ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الفتن.

5297 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ:

«انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ ثُمَّ قَالَ:«انْزِلْ فَاجْدَحْ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. ثُمَّ قَالَ:«انْزِلْ فَاجْدَحْ» فَنَزَلَ، فَجَدَحَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» .

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا جرير عن عبد الحميد) الضبي القاضي (عن أبي إسحاق) سليمان بن فيروز (الشيباني) بالشين المعجمة والموحدة بينهما تحتية ساكنة وبعد الألف نون مكسورة فتحتية (عن عبد الله بن أبي أوفى) رضي الله عنه أنه (قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في شهر رمضان في غزوة الفتح (فلما غربت الشمس قال) صلى الله عليه وسلم (لرجل) هو بلال:

(انزل فاجدح لي) بهمزة وصل وجيم ساكنة ودال مفتوحة فحاء مهملتين أي حرك السويق بالماء أو اللبن (قال: يا رسول الله لو أمسيت) بحذف جواب لو أي كنت متمًّا للصوم (ثم قال) صلى الله عليه وسلم: (أنزل فاجدح) أي لي (قال: يا رسول الله لو أمسيت) لابن عساكر (إن عليك نهارًا) كأنه رأى كثرة الضوء من زيادة الصحو فظن عدم غروب الشمس وأراد الاستكشاف عن حكم ذلك (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (أنزل فاجدح) أي يقل لي إلا في الأولى (فنزل فجدح له في الثالثة، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أومأ) أشار (بيده) الشريفة (إلى) جهة (المشرق فقال: إذا رأيتم الليل) أي ظلامه (قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم) أي دخل وقت فطره فصار مفطرًا حكمًا وإن لم يفطر حسًّا.

وهذا الحديث قد سبق في الصيام.

5298 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ» ، أَوْ قَالَ:«أَذَانُهُ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّمَا يُنَادِي» ، أَوْ قَالَ:«يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ كَأَنَّهُ يَعْنِي الصُّبْحَ أَوِ الْفَجْرَ» وَأَظْهَرَ يَزِيدُ يَدَيْهِ ثُمَّ مَدَّ إِحْدَاهُمَا مِنَ الأُخْرَى.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام بينهما سين مهملة ساكنة ابن قعنب الحارثي أحد الأعلام قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري (عن سليمان) بن طرخان التيمي (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) سقط لابن عساكر لفظ عبد الله أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(لا يمنعن أحدًا منكم نداء بلال) -أو قال- (أذانه من سحوره) بفتح السين في الفرع اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر وهو الفعل نفسه وأكثر ما يروى بالفتح (فإنما

ينادي) -أو قال- (يؤذن) - بليل (ليرجع) بفتح الياء وكسر الجيم (قائمكم) بالرفع في الفرع كأصله على الفاعلية أو بالنصب على المفعولية قال الكرماني: باعتبار أن يرجع مشتق من الرجوع أو الرجع، ولم يذكر في الفتح غير النصب أي يعود متهجدكم إلى الاستراحة بأن ينام ساعة

ص: 168

قبل الصبح (وليس أن يقول): هو من إطلاق القول على الفعل (كأنه يعني الصبح أو الفجر) بالشك كالسابق من الراوي والصبح خبر ليس أي ليس الصبح المعتبر أن يكون مستطيلًا من العلو إلى السفل بل المعتبر أن يكون معترضًا من اليمين إلى الشمال (وأظهر يزيد) بن زريع راويه (يديه) بالتثنية من الظهور بمعنى العلو أي أعلى يديه ورفعهما طويلًا إشارة إلى صورة الفجر الكاذب (ثم مد أحدهما من الأخرى) إشارة إلى الفجر الصادق.

وسبق هذا الحديث في الصلاة.

5299 -

وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ شَيْئًا إِلَاّ مَادَّتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ، يُنْفِقُ إِلَاّ لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا، فَهْوَ يُوسِعُهَا فَلَا تَتَّسِعُ، وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى حَلْقِهِ» .

(وقال الليث) بن سعد أبو الحارث الإمام صاحب المناقب الجمة قيل كان مغله في العام ثمانين ألف دينار فما وجبت عليه زكاة فيما وصله المؤلّف في باب مثل المتصدق من الزكاة (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج أنه قال: (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان) بضم الجيم وتشديد الموحدة (من حديد من لدن) من عند (ثدييهم) بفتح المثلثة وسكون الدال بعدها تحتيتان أولاهما مفتوحة والأخرى ساكنة تثنية ثدي ولغير أبي ذر مما في الفتح ثديهما بصيغة الجمع. وصوّب إذ لكل رجل ثديان فيكون لهما أربعة. وأجيب: بأن التثنية بالنظر لكل رجل "إلى تراقيهما" بفتح المثناة الفوقية وكسر القاف جمع ترقوة العظمان المشرفان في أعلى المصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر (فأما المنفق فلا ينفق شيئًا إلا مادّت) بتشديد الدال من المد وأصلها ماددت بدالين فأدغمت الأولى في الثانية (على جلده حتى تجن) بضم الفوقية وكسر الجيم وتشديد النون من الرباعي في أكثر الروايات أي تستر (بنانه) أي أطراف أصابعه (و) حتى (تعفو أثره) الحادث في الأرض من مشيه لسبوغها كما يمحو الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه (وأما البخيل فلا يريد ينفق إلا لزمت) بفتح اللام وكسر الزاي وللكشميهني لزقت بالقاف بدل الميم (كل حلقة) بسكون اللام (موضعها فهو يوسعها ولا تتسع) ولغير ابن عساكر فلا بالفاء بدل الواو (ويشير بإصبعه) وبالإفراد (إلى حلقه) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى.

وهذا الحديث سبق في الزكاة.

‌25 - باب اللِّعَانِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَاّ أَنْفُسُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَإِذَا قَذَفَ الأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ فَهْوَ كَالْمُتَكَلِّمِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَجَازَ الإِشَارَةَ فِي الْفَرَائِضِ، وَهْوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} وَقَالَ الضَّحَّاكُ {إِلَاّ رَمْزًا} إِشَارَةً. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ. ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الطَّلَاقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جَائِزٌ. وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْقَذْفِ فَرْقٌ. فَإِنْ قَالَ: الْقَذْفُ لَا يَكُونُ إِلَاّ بِكَلَامٍ، قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ الطَّلَاقُ لَا يَجُوزُ إِلَاّ بِكَلَامٍ، وَإِلَاّ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَالْقَذْفُ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ. وَكَذَلِكَ الأَصَمُّ يُلَاعِنُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ. وَقَالَ حَمَّادٌ: الأَخْرَسُ وَالأَصَمُّ إِنْ قَالَ بِرَأْسِهِ جَازَ.

(باب اللعان) والقذف واللعان مصدر لاعن سماعي لا قياسي، والقياس الملاعنة وهو من اللعن وهو الطرد والإبعاد يقال منه التعن أبي لعن نفسه ولاعن إذ فاعل غيره منه ورجل لعنة بفتح العين وضم اللام كهمزة إذا كان كثير اللعن لغيره وبسكون العين إذا لعنه الناس كثيرًا الجمع لعن كصرد ولاعن امرأته ملاعنة ولعانًا وتلاعنًا. والتعنا لعن بعض بعضًا، ولاعن الحاكم بينهما لعانًا حكم، وفي الشرع كلمات معلومات جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد سميت لعانًا لاشتمالها على كلمة اللعن تسمية للكل باسم البعض ولأن كلاًّ من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها إذ يحرم النكاح بها أبدًا، واختير لفظ اللعان على لفظي الشهادة والغضب وإن اشتملت عليهما الكلمات أيضًا لأن اللعن كلمة غريبة في قيام الحجج من الشهادات والإيمان والشيء يشهر بما يقع فيه من الغريب، وعليه جرت أسماء السور ولأن الغضب يقع في جانب المرأة وجانب الرجل أقوى ولأن لعانه متقدم على لعانها والتقدم من أسباب الترجيح.

(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة: ({والذين يرمون أزواجهم}) يقذفون زوجاتهم بالزنا ({ولم يكن لهم شهداء}) يشهدون على تصديق قولهم ({إلا أنفسهم}) رفع بدل من شهداء أو نعت له على أن إلا بمعنى غير (إلى قوله) عز وجل: ({إن كان من الصادقين})[النور: 6] وسقط لأبي ذر ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، وساق في رواية كريمة الآيات كلها ولما كان قوله يرمون أعم من أن يكون باللفظ أو بالإشارة المفهمة قال:(فإذا قذف الأخرس امرأته) رماها بالزنا في معرض التعيير (بكتابة) ولأبي ذر عن الكشميهني بكتاب (أو إشارة) مفهمة باليد

ص: 169

(أو بإيماء) بالرأس أو الجفن (معروف فهو كالمتكلم) بالقذف فيترتب عليه

اللعان (لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز الإشارة في الفرائض) أي في الأمور المفروضة فإن العاجز عن غير الإشارة يصلّي بالإشارة كالمصلوب (وهو) أي العمل بالإشارة (قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم) أي من غيرهم كأبي ثور (وقال الله تعالى: {فأشارت إليه}) أي أشارت مريم إلى عيسى أن يجيبهم ولما أشارت إليه غضبوا وتعجبوا ({قالوا: كيف نكلم من كان}) حدث ووجد ({في المهد}) العهود ({صبيًّا})[مريم: 29] حال {قال: إني عبد الله} لم أسكتت بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله لها اللسان الساكت حتى اعترف بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم، روي أنه أشار بسبابتيه وقال: بصوت رفيع: إني عبد الله. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ميمون بن مهران قال لما قالوا لمريم: {لقد جئت شيئًا فَريًّا} [مريم: 27] إلى آخره: إشارة إلى عيسى أن كلموه فقالوا تأمرنا أن نكلم مَن هو في المهد زيادة على ما جاءت به من الداهية، ووجه الاستدلال به أن مريم كانت نذرت أن لا تتكلم فكانت في حكم الأخرس فأشارت إشارة مفهمة اكتفاء بها عن معاودة سؤالها وإن كانوا أنكروا عليها ما أشارت به.

(وقال الضحاك) بن مزاحم الهلالي الخراساني، وقال في الكواكب هو الضحاك بن شراحيل، وتعقبه في الفتح بأن المشهور بالتفسير إنما هو ابن مزاحم مع وجود الأثر مصرحًا فيه بأنه ابن مزاحم فيما وصله عبد بن حميد عنه في قوله تعالى:{آيتك ألاّ تكلم الناس ثلاثة أيام} ({إلا رمزًا})[آل عمران: 41] أي (إلاّ إشارة) وسقط لغير أبي ذر لفظ "إلا" واستثنى الرمز وهو ليس من جنس الكلام لأنه لما أدّى مؤدّى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمي كلامًا وهو استثناء منقطع.

(وقال بعض الناس) أي الكوفيون مناسبة لقوله وهو قول بعض أهل الحجاز: (لا حدّ ولا لعان) بالإشارة من الأخرس وغيره إذا قذف زوجته وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-، وهذا نقضه البخاري بقوله:(ثم زعم) الكوفيون أو الحنفية (أن الطلاق) إن وقع (بكتاب) من المطلق (أو إشارة) منه بيده (أو إيماء) بنحو رأسه من غير كلام (جائز) فأقام ذلك مقام العبارة (وليس بين الطلاق والقذف فرق فإن قال) أي بعض الناس: (القذف لا يكون إلا بكلام قيل له في: كذلك الطلاق لا يجوز) لا يقع ولأبي ذر: لا يكون (إلا بكلام) وأنت وافقت على وقوعه بغير كلام فيلزمك مثله في اللعان والحدّ (وإلاّ) بأن لم تعتبر الإشارة فيها كلها (بطل الطلاق والقذف وكذلك العتق) بالإشارة وحينئذ فالتفرقة بين القذف والطلاق بلا دليل تحكّم، وأجاب الحنفية بأن القذف بالإشارة ليس كالصريح بل فيه شبهة والحدود تدرأ بها ولأنه لا بد في اللعان من أن يأتي بلفظ الشهادة حتى لو قال أحلف مكان أشهد لا يجوز، وإشارته لا تكون شهادة وكذلك إذا كانت هي خرساء لأن قذفها لا يوجب الحدّ لاحتمال أنها تصدقه لو كانت تنطق ولا تقدر على إظهار هذا التصديق بإشارتها فإقامة الحدّ مع الشبهة لا تجوز انتهى. وأجاب السفاقسي: بأن المسألة مفروضة فيما إذا كانت الإشارة مفهمة إفهامًا واضحًا لا يبقى معه ريبة (وكذلك الأصم يلاعن) إذا أشير إليه وفهم.

(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (وقتادة) بن دعامة السدوسي فيما وصله ابن أبي شيبة (إذا قال) الأخرس لامرأته: (أنت طالق فأشار بأصابعه تبين) تطلق (منه) طلاقًا بائنًا (بإشارته) بأصابعه الثلاث البينونة الكبرى وأراد بقوله إذا قال القول باليد فأطلق القول على الإشارة أو المراد قول الناطق أنت طالق وإشارته للعدد بالطلاق كما مرّ تقريره في أول الباب الذي قبل هذا.

(وقال إبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة: (الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه) وقال الشافعي إذا كتب الطلاق سواء كان ناطقًا أو أخرس ونواه لزمه فلو كتب ولم ينو أو نوى فقط فلا، (وقال حماد): هو ابن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة (الأخرس والأصم إن قال): أي إن أشار كلٌّ منهما (برأسه) فيما يسأل عنه (جاز)

ص: 170

أي نفذ ما أشار إليه وأقيمت الإشارة مقام العبارة.

5300 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ» ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو سَاعِدَةَ. ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ بَسَطَهُنَّ كَالرَّامِي بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البغلاني قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام ولأبي ذر: الليث (عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(ألا) بالتخفيف (أخبركم بخير دور الأنصار) أي خير قبائلهم من إطلاق المحل وإرادة الحال (قالوا: بلى) أخبرنا (يا رسول الله، قال) خيرهم (بنو النجار) تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج (ثم الذين يلونهم) وهم (بنو عبد الأشهل ثم الذين يلونهم) وهم (بنو الحرث بن الخزرج) بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة (ثم الذين يلونهم) وهم (بنو ساعدة) بن كعب بن الخزرج الأكبر وهو أخو الأوس وهما ابنا حارثة بن ثعلبة (ثم قال): أشار صلى الله عليه وسلم (بيده فقبض أصابعه) كالذي يكون بيده شيء فيضم أصابعه عليه (ثم بسطهن كالرامي بيده) لم كان قبض عليه (ثم قال: وفي كل دور الأنصار خير) وإن تفاوتت مراتبه فخير الأولى أفعل تفضيل وهذه اسم.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله ثم قال بيده على ما لا يخفى.

وهذ الحديث سبق في مناقب الأنصار لكنه لم يقل فيه ثم قال لبيد، فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده، وأورده هنا عن أنس بغير واسطة وهناك عنه عن أبي أسيد الساعدي وكلاهما صحيح.

5301 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَبُو حَازِمٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ» . أَوْ قَالَ «كَهَاتَيْنِ» ، وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج وعند الإسماعيلي عن أبي حازم وصرح الحميدي فيما أخرجه أبو نعيم بالتحديث عن سفيان فقال: حديث أبو حازم قال: (سمعت من سهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه تنبيه على تعظيمه بالصحبة (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(بعثت) بضم الموحدة وكسر العين (أنا والساعة) بالرفع وفي الفرع وبه وبالنصب معًا في اليونينية لكن قال أبو البقاء العكبري: في إعراب المسند لا يجوز إلا بالنصب على أنه مفعول معه قال: ولو قرئ بالرفع لفسد المعنى إذ لا يقال بعثت والساعة ولا هو في موضع المرفوع لأنها لم توجد بعد، وأجاز غيره الوجهين، بل جزم القاضي عياض بأن الرفع أحسن وهو عطف على ضمير المجهول في بعثت قال: ويجوز النصب، وذكر توجيه أبي البقاء، وزاد أو على إضمار فعل يدل عليه الحال نحو: فانتظروا كما قدر في نحو: جاء البرد والطيالسة فاستعدوا؛ وأجيب عن الذي اعتلّ به أبو البقاء أولًا أن يضمن بعثت معنى يجمع إرسال الرسول ومجيء الساعة نحو جئت، وعن الثاني بأنها نزلت منزلة الموجود مبالغة في تحقق مجيئها ويرجح النصب ما سبق في تفسير والنازعات بلفظ بعثت والساعة فإنه ظاهر في المعية، والمراد بعثت أنا والقيامة (كهذه من هذه) أي كقرب السبابة من الوسطى (أو) قال (كهاتين) بالشك من الراوي (وقرن بين) أصبعه (السبابة) وأصبعه (الوسطى) وزاد في رواية أبي ضمرة عند ابن جرير وقال:"ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان" وعند أحمد والطبراني وسنده جيد في حديث بريدة: "بعثت أنا والساعة إن كادت لتسبقني" وفي حديث المستورد بن شداد عند الترمذي "بعثت في نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه لهذه" لأصبعه السبابة والوسطى، وقوله: نفس بفتح الفاء وهو كناية عن القرب أي بعثت عند تنفسها. وعند الطبري من حديث جابر بن سمرة أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول: "بعثت أنا والساعة كهذه من هذه" قال القرطبي في المفهم: ومعنى الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها فعلى النصب يكون وجه التشبيه انضمام السبابة والوسطى وعلى الرفع يحتمل هذا، ويحتمل أن يكون وجه التشبيه هو التفاوت الذي بين الأصبعين المذكورتين في الطول ولبعض السلف في تعيين ذلك كلام افتضح فيه بمرور زمان طويل بعده ولم يقع ما قاله فالصواب الإعراض عن ذلك.

وستكون لنا بقوة الله تعالى وفضله عودة إلى البحث في ذلك في كتاب الرقاق مع فرائد الفوائد إن شاء الله تعالى.

ص: 171

وقد مرّ هذا الحديث في تفسير سورة النازعات.

5302 -

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» ، يَعْنِي ثَلَاثِينَ ثُمَّ قَالَ:«وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَقُولُ مَرَّةً ثَلَاثِينَ وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ.

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا جبلة بن سحيم) بفتح الجيم والموحدة واللام وسحيم بضم السين وفتح الحاء المهملتين وسكون التحتية الكوفي قال: (سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما (يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(الشهر هكذا وهكذا وهكذا) بالتكرار ثلاثًا قال الراوي: (يعني) صلى الله عليه وسلم (ثلاثين) يومًا (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (وهكذا وهكذا وهكذا) ثلاثًا وسقطت الثالثة لأبي ذر، وقال بعد الثانية ثلاثًا قال الراوي:(يعني) صلى الله عليه وسلم (تسعًا وعشرين) وعند مسلم الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين أي أشار أوّلًا بأصابع يديه العشر جميعًا مرتين وقبض الإبهام في الثالثة وهذا هو المعبر عنه بتسع وعشرين، وأشار بهما مرة أخرى بثلاث مرات وهو المعبر عنه بثلاثين (يقول مرة ثلاثين ومرة تسعًا وعشرين).

وهذا الحديث سبق في الصوم.

5303 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: وَأَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ: «الإِيمَانُ هَا هُنَا -مَرَّتَيْنِ- أَلَا وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري ولأبي ذر عن ابن مسعود قال عياض: وهو وهم. قال الحافظ ابن حجر: وهو كما قال فقد تقدم كذلك في بدء الخلق والمناقب والمغازي من طرق عن إسماعيل بلفظ حدّثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود أنه (قال: وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن).

(الإيمان) في باب خير مال المسلم غنم نحو اليمن فقال: الإيمان (ها هنا مرتين) لإذعان أهله إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف غيرهم ومن اتّصف بشيء وقوي إيمانه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارًا بكمال حاله فيه أو المراد مكة إذ هي من تهامة وتهامة من أرض اليمن (ألا) بالتخفيف (وإن القسوة وغلظ القلوب) بكسر الغين المعجمة وفتح اللام وبالظاء المعجمة (في الفدّادين) بفتح الفاء والدال المهملة المشددة وبعد الألف دال أخرى مخففة جمع فداد الشديد الصوت لاشتغالهم عن أمر الدين المفضي لقساوة القلب (حيث يطلع قرنا الشيطان) جانبا رأسه لأنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس فإذا طلعت كانت بين قرنيه فتقع سجدة عبدة الشمس له (ربيعة ومضر) بدل من الفدادين.

وفي باب خير مال المسلم في ربيعة ومضر وهو متعلق بالفدادين أي القسوة في ربيعة ومضر وهما قبيلتان مشهورتان.

5304 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا» ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. [الحديث 5304 - طرفه في: 6005].

وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين في الأول وضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف النيسابوري قال: (أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل) هو ابن سعد الساعدي أنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(وأنا) بإثبات الواو في وأنا في اليونينية (وكافل اليتيم) القائم بمصالحه (في الجنة هكذا)(وأشار بالسبابة) بتشديد الموحدة الأولى وسميت سبابة لأنهم كانوا إذا تسابوا أشاروا بها وهي الأصبع التي تلي الإبهام ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني بالسباحة بالحاء المهملة بدل الموحدة الثانية لأنه يشار بها عند التسبيح وتحرّك في التشهد عند التهليل إشارة إلى التوحيد (والوسطى وفرج بينهما شيئًا) قليلًا إشارة إلى أن بين درجته صلى الله عليه وسلم ودرجة كافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى.

وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى بعونه.

‌26 - باب إِذَا عَرَّضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ

(باب) بالتنوين (إذا عرض) الرجل (بنفي الولد) الذي تأتي به زوجته والتعريض ذكر شيء يفهم منه شيء آخر لم يذكر ويفارق الكناية بأنها ذكر شيء بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه.

5305 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ، فَقَالَ:«هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:«مَا أَلْوَانُهَا» ؟ قَالَ حُمْرٌ. قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَنَّى ذَلِكَ» ؟ قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ:«فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ» . [الحديث 5305 - أطرافه في: 6847، 7314].

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رجلًا) وعند أبي داود من رواية ابن وهب أن أعرابيًّا من فزارة، وكذا عند مسلم وأصحاب السنن من رواية سفيان

ص: 172

بن عيينة عن ابن شهاب واسم هذا الأعرابي

ضمضم بن قتادة كما عند عبد الغني بن سعيد في المبهمات له (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ولد لي غلام أسود) لم أعرف اسم المرأة ولا الغلام، وزاد في كتاب الاعتصام من طريق ابن وهب عن يونس وإني أنكرته أي استنكرته بقلبي ولم يرد أنه أنكره بلسانه وإلاّ لكان صريحًا لا تعريضًا لأنه قال غلام أسود أي وأنا أبيض أي فكيف يكون مني (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم له:

(هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال) عليه الصلاة والسلام: (ما ألوانها؟ قال): ألوانها (حمر) بضم الحاء المهملة وسكون الميم (قال) صلى الله عليه وسلم (هل فيها من أورق) غير منصرف للوصف ووزن الفعل كأحمر قال في القاموس: ما في لونه بياض إلى سواد وهو من أطيب الإبل لحمًا لا سيرًا وعملًا، وقال غيره: الذي فيه سواد ليس بحالك بأن يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء ومن في قوله من أورق زائدة (قال: نعم، قال) عليه الصلاة والسلام له (فأنى ذلك) بفتح النون المشددة أي من أين أتاه اللون الذي ليس في أبويه (قال) الرجل (لعله نزعة عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف ونزعه بالنون والزاي والعين المهملة أي قلبه وأخرجه من ألوان فحله ولقاحه، وفي المثل العرق نزاع والعرق الأصل مأخوذ من عرق الشجرة ومنه قولهم فلان عريق في الأصالة يعني أن لونه إنما جاء لأن في أصوله البعيدة ما كان فيه هذا اللون، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: لعل بغير هاء عرق بالرفع، وقد جزم بعضهم بأن الصواب النصب أي لعل عرقًا نزعه، وقال الصغاني: يحتمل أن يكون بالهاء فسقطت، ووجهه ابن مالك باحتمال أنه حذف منه ضمير الشأن، وقال في المصابيح: اسم لعل ضمير نصب محذوف ومثله عندهم قليل بل صرح بعضهم بضعفه. (قال) صلى الله عليه وسلم (فلعل ابنك هذا نزعه) أي العرق.

وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة، بل لا بد من تحقق كأن رآها تزني أو ظهور دليل قويّ كأن لم يكن وطئها أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها أو لأكثر من أربع سنين، بل يلزمه نفي الولد لأن ترك نفيه يتضمن استلحاقه واستلحاق من ليس منه حرام كما يحرم نفي من هو منه.

وفي حديث أبي داود وصححه الحاكم على شرط مسلم: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولم يدخلها جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فنص في الأول على المرأة وفي الثاني على الرجل، ومعلوم أن كلاًّ منهما في معنى الآخر ولا يكفي مجرّد الشيوع لأنه قد يذكره غير ثقة فيستفيض فإن لم يكن ولد فالأولى أن يستر عليها ويطلقها إن كرهها.

وفي الحديث أن التعريض بالقذف ليس قذفًا، وبه قال الجمهور، واستدلّ به إمامنا الشافعي لذلك وعن المالكية يجب به الحدّ إذا كان مفهومًا.

وهذ الحديث أخرجه أيضًا في المحاربين.

‌27 - باب إِحْلَافِ الْمُلَاعِنِ

(باب إحلاف الملاعن) بكسر العين.

5306 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَأَحْلَفَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.

وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم مصغرًا ابن أسماء (عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنه وعن أبيه (أن رجلًا من الأنصار) هو عويمر العجلاني (قذف امرأته) بالزنا (فأحلفهما النبي صلى الله عليه وسلم) الإحلاف المخصوص وهو اللعان وهو دليل على أن اللعان يمين وهو قول الشافعي ومالك. وقال أبو حنيفة: اللعان شهادة. فعلى الأول كل من صح لعانه فلا لعان بقذف صبي ومجنون مكره ولا عقوبة عليهم، نعم يعزز المميز من الصبي والمجنون ويسقط عنه ببلوغه وإفاقته لأنه كان للزجر عن سوء الأدب وقد حدث له زاجر أقوى من ذلك وهو التكليف ويلاعن الذمي والرقيق، وعلى الثاني لا يصح إلا من حرّين مسلمين واحتج بعض الحنفية بأنها لو كانت يمينًا لما تكررت. وأجيب: بأنها خرجت عن القياس تغليطًا لحرمة الفروج كما خرجت القسامة لحرمة الأنفس

ص: 173

وفي محاسن الشريعة للقفال كررت أيمان اللعان لأنها أقيمت مقام أربع شهود في غيره ليقام عليها الحدّ ومن ثم سميت شهادة. (ثم فرّق) عليه الصلاة والسلام (بينهما) أي بين المتحالفين المذكورين.

‌28 - باب يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلَاعُنِ

هذا (باب) بالتنوين (يبدأ الرجل بالتلاعن) قبل المرأة.

5307 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» ؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة ابن عثمان أبو بكر العبديّ مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد أبو عمرو البصري (عن هشام بن حسان) الأزديّ مولاهم الحافظ قال: (حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية) أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك (قذف امرأته) خولة بن عاصم بشريك ابن سحماء (فجاء) إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فشهد) أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به (والنبي صلى الله عليه وسلم يقول):

(إن الله يعلم أن أحدكما كاذب) ظاهره أن قوله أن أحدكما كاذب صدر منه صلى الله عليه وسلم في حال

الملاعنة لتحقق الكذب حينئذ، وفي أحدكما تغليب المذكر على المؤنث (فهل منكما تائب)؟ وزاد الطبري والحاكم من رواية جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة فقال: هلال والله إني لصادق (ثم قامت) زوجته خولة (فشهدت) أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به الحديث. وسبق بتمامه في تفسير سورة النور وهو ظاهر في تقدم الرجل على المرأة في اللعان وهو مذهب الشافعي وأشهب من المالكية ورجحه ابن العربي وقال ابن القاسم: لو ابتدأت به المرأة صح واعتدّ به وهو قول أبي حنيفة، واحتج لذلك بأن الله عطفه بالواو وهي لا تقتضي الترتيب. لنا: أن اللعان شرع لدفع الحدّ عن الرجل فلو بدأ بالمرأة لكان دفعًا لأمر لم يثبت وبأن الرجل يمكنه أن يرجع بعد أن يلتعن فيندفع عن المرأة بخلاف ما لو بدأت به فلو حكم حاكم بتقديم لعانها نقض حكمه.

‌29 - باب اللِّعَانِ، وَمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ اللِّعَانِ

(باب اللعان ومن طلّق بعد اللعان) سقط لأبي ذر بعد اللعان.

5308 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» ، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ.

(حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرًا) بضم العين مصغر عامر (العجلاني) بفتح العين وسكون الجيم (جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم رجل (وجد مع امرأته رجلًا) أجنبيًّا منها (أيقتله فتقتلونه) قصاصًا (أم كيف) مفعول لقوله (يفعل)؟ أي أيّ شيء يفعل (سل لي يا عاصم عن ذلك) زاد أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم (فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل) المذكورة لما

فيها من البشاعة وغيرها (وعابها حتى كبّر) بضم الموحدة عظم (على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر: والله لا أنتهي) ولأبي ذر عن الكشميهني ما أنتهي بالميم بدل اللام (حتى أسأله) صلى الله عليه وسلم (عنها فأقبل عويمر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس) بفتح السين (فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله)؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري (فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(قد أنزل) بضم الهمزة وكسر الزاي (فيك وفي صاحبتك) زوجتك خولة (فاذهب فأت بها، قال سهل): فأتى بها فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما في القرآن (فتلاعنا) وكان ذلك منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك (وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها

ص: 174

فطلقها ثلاثًا) ظنًّا منه أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال: هي طالق ثلاثًا (قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم) بطلاقها.

(قال ابن شهاب) بالسند المذكور (فكانت) أي الفرقة بينهما (سنة المتلاعين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدًا فيحرم عليه بمجرد اللعان نكاحها تحريمًا مؤبدًا ظاهرًا وباطنًا سواء صدقت أم صدق ووطؤها بملك اليمين لو كانت أمة فملكها لحديث البيهقي: المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا لكن ظاهره يقتضي توقف ذلك على تلاعنهما معًا وليس مرادًا هنا بل يقع بلعان الرجل، وقال مالك: بعد فراغ المرأة، وتظهر فائدة هذا الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا علق طلاق امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى، وقال الحنفية: لا تقع الفرقة حتى يوقعها الحاكم.

‌30 - باب التَّلَاعُنِ فِي الْمَسْجِدِ

5309 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنِ الْمُلَاعَنَةِ وَعَنِ السُّنَّةِ فِيهَا عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ» ، قَالَ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَرَغَا مِنَ التَّلَاعُنِ، فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«ذَاكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتِ السُّنَّةُ بَعْدَهُمَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لأُمِّهِ قَالَ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ

سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أُرَاهَا إِلَاّ قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أُرَاهُ إِلَاّ قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ» .

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن جعفر) البخاري البيكندي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن الملاعنة) بفتح العين (وعن السنة فيها عن حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة أن رجلًا من الأنصار) اسمه عويمر العجلاني حليف بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس (جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم رجل (وجد مع امرأته رجلًا) يزني بها (أيقتله) أي فتقتلونه قصاصًا لتقدم عمله بحكم القصاص من عموم قوله تعالى: {النفس بالنفس} [المائدة: 45] وقد اختلف فيمن وجد مع امرأته رجلًا فتحقق الأمر فقتله هل نقتله؟ فالجمهور على المنع والقصاص منه إلا إن أتى ببينة على الزنا أو على المقتول بالاعتراف أو اعتراف ورثته فلا يقتل قاتله إذا كان الزاني محصنًا (أم كيف يفعل)؟ أي أيّ شيء يفعل فكيف مفعول يفعل كقوله تعالى: {كيف فعل ربك} [الفيل: 1] إذ معناه أيّ فعل فعل ربك؟ ولا يتجه فيه أن يكون حالًا من الفاعل وعن سيبويه أن كيف ظرف وعن السيرافي والأخفش أنها اسم غير ظرف ورتبوا على هذا الخلاف أمورًا.

أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائمًا وعندهما رفع مع المبتدأ نصب مع غيره.

الثاني: أن تقديرها عند سيبويه في أي حال أو على أي حال وعندهما تقديرهما في نحو كيف زيد أصحيح زيد ونحوه وفي نحو كيف جاء زيد أراكبًا جاء زيد ونحوه.

الثالث: أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال على خير ونحوه، وقال ابن مالك ما معناه لم يقل أحد إن كيف ظرف إذ ليست زمانًا ولا مكانًا ولكنها لما كانت تفسر بقولك على أي حال لكونها سؤالًا عن الأحوال العامة سميت ظرفًا لأنها في تأويل الجارّ والمجرور واسم الظرف يطلق عليها مجازًا انتهى من المغني.

(فأنزل الله في شأنه) في شأن عويمر (ما ذكر في) ولأبي ذر عن الكشميهني من (القرآن من

أمر المتلاعنين) في قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} إلى آخر

الآيات (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) له: (قد قضى الله فيك وفي امرأتك) خولة بنت قيس بما أنزله في قوله:

{والذين يرمون أزواجهم} [النور: 6](قال) سهل (فتلاعنا في المسجد، وأنا شاهد) وفيه مشروعية تلاعن المسلم في المسجد الجامع وأما زوجته الذمية ففيما تعظمه من بيعة وكنيسة وغيرهما فإن رضي زوجها بلعانها في المسجد وقد طلبته جاز والحائض تلاعن بباب المسجد الجامع لتحريم مكثها فيه ومثلها النفساء والجنب والمتحيرة (فلما فرغا) من تلاعنهما (قال) عويمر: (كذبت عليها

يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغا من التلاعن ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم) تمسك به من قال: إن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق الزوج، وأجاب القائلون بأن الفرقة تقع بالتلاعن بقوله في حديث ابن عمر: فرّق النبي

ص: 175

-صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين، وبقوله في حديث مسلم: لا سبيل لك عليها (فقال) سهل أو ابن شهاب (ذاك تفريق) ولأبي ذر عن المستملي فكان ذلك تفريقًا وللكشميهني فصار بدل فكان وتفريقًا نصب كالمستملي (بين كل متلاعنين. قال ابن جربج) بالسند السابق (قال ابن شهاب فكانت السُّنَّة بعدهما أن يفرق بين) كل (المتلاعنين وكانت) خولة الملاعنة (حاملًا) حين الملاعنة (وكان ابنها يدعى لأمه) لا لزوجها الملاعن إذ اللعان ينتفي به النسب عنه إن نفاه في لعانه وإذا انتفى منه ألحق بها لأنه متحقق منها (قال ثم جرت السُّنّة في ميراثها) في ميراث الملاعنة (أنها ترثه) أي ترث الولد الذي لحقها ونفاه الرجل (ويرث) الولد (منها ما فرض الله له) ولأبي ذر لها.

(قال ابن جريج) بالسند السابق (عن ابن شهاب) الزهري (عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم) في اليونينية بكسر همزة إن (قال) ثبت قال لأبي ذر (إن جاءت به) بالولد المتلاعن بسببه (أحمر) اللون (قصيرًا) أي قصير القامة (كأنه وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده وقال في القاموس: وزغة كسام أبرص أو ضرب من العظاء لا تطأ شيئًا إلاّ سمته (فلا أراها) بضم الهمزة أي فلا أظنها (إلا وقد صدقت) والولد منه (وكذب عليها وإن جاءت به أسود أعين) بفتح الهمزة وسكون المهملة أي واسع العين (ذا) أي صاحب (إليتين) عظيمتين (فلا أراه) فلا أظنه (إلا قد صدق عليها) فهو لابن سحماء (فجاءت به) بالولد (على) الوصف (المكروه من ذلك) وهو شبهه بمن رميت به.

‌31 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ»

(باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجمًا) أحدًا أنكر (بغير بيّنة) لرجمته.

5310 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ التَّلَاعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَاّ لِقَوْلِي. فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ بَيِّنْ» ، فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ، فَلَاعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ» فَقَالَ: لَا. تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الإِسْلَامِ السُّوءَ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ

وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ خَدِلًا. [الحديث 5310 - أطرافه في: 5316، 6855، 6856، 7238].

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بالعين المهملة والفاء مصغرًا ونسبه لجده واسم أبيه كثير بالمثلثة مولى الأنصار المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق فعبد الرحمن يروي عن أبيه القاسم (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أنه) قال: (ذكر التلاعن) بضم الذال المعجمة مبنيًّا للمجهول أي ذكر حكم الرجل الذي يرمي امرأته بالزنا فعبّر عنه بالتلاعن باعتبار ما آل إليه الأمر بعد نزول الآية. (عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي) الأنصاري (في ذلك قولًا) لا يليق به نحو ما يدل على عجب النفس والنخوة والغيرة وعدم الحوالة إلى إرادة الله وحوله وقوّته قاله الكرماني ونقل عن ابن بطال أنه قال لو وجد مع امرأته رجلًا يضربه بالسيف حتى يقتله (ثم انصرف) عاصم بن عدي من عند النبي صلى الله عليه وسلم (فأتاه رجل من قومه) هو عويمر لا هلال بن أمية (يشكو إليه أنه قد وجد مع امرأته) خولة (رجلًا فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا) ولأبي ذر بهذا الأمر إلا (لقولي) أي لسؤالي عما لم يقع فعوقبت بوقوع ذلك في رجل من قومي، وفي مرسل مقاتل بن حيان عند ابن أبي حاتم فقال عاصم: إنّا لله وإنا إليه راجعون هذا والله سؤالي عن هذا الأمر بين الناس فابتليت به (فذهب به) فذهب عاصم وعويمر (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته) خولة من خلوتها بالرجل الأجنبي (وكان) بالواو، ولأبي الوقت فكان (ذلك الرجل مصفرًّا) بتشديد الراء كثير الصفرة (قليل اللحم) نحيفًا (سبط الشعر) بسكون الموحدة وفتح العين مسترسلة غير جعدة (وكان الذي ادّعى عليه أنه وجده عند أهله خدلًا) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وتخفيف اللام في اليونينية وللأصيلي مما ذكره في التوضيح بكسر الدال، وحكى السفاقسي تخفيف اللام وتشديدها. قال في القاموس: الخدل الممتلئ والضخم وساق خدلة بيّنة الخدل محركة والخدلة المرأة الغليظة الساق المستديرتها الجمع خدال أو ممتلئة الأعضاء كالخدلاء. (آدم) بمد الهمزة من الأدمة وهي السمرة (كثير اللحم فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(اللهم بيّن) لنا حكم هذه المسألة (فجاءت)

ص: 176

ولدت ولدًا (شبيهًا بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده) معها (فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما) ظاهره صدور الملاعنة بعد وضع الولد لكنه محمول على أن قوله فلاعن معقب بقوله فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، واعترض قوله: وكان ذلك الرجل إلى آخره بين الجملتين، والحامل على ذلك أن رواية القاسم هذه موافقة حديث سهل بن سعد، وفيه أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع (قال رجل) اسمه عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس (لابن عباس في المجلس) هذه المرأة (هي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدًا بغير بيّنة رجمت هذه) أي امرأة عويمر (فقال) ابن عباس رضي الله عنهما (لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء) تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف ولم يسمها (قال أبو صالح) عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد فيما أخرجه المؤلّف في

المحاربين (وعبد الله بن يوسف) التنيسي مما وصله في الحدود (خدلًا) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال للأصيلي وبسكونها للأكثر وهي الرواية السابقة.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المحاربين ومسلم في اللعان والنسائي في الطلاق.

‌32 - باب صَدَاقِ الْمُلَاعَنَةِ

(باب) حكم (صداق) المرأة (الملاعنة) بفتح العين.

5311 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ. فَقَالَ: فَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلَانِ، وَقَالَ:«اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» ؟ فَأَبَيَا فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبُ» ؟ فَأَبَيَا فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» ؟ فَأَبَيَا. فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ إِنَّ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا لَا أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ مَالِي قَالَ: قِيلَ لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهْوَ أَبْعَدُ مِنْكَ. [الحديث 5311 - أطرافه في: 5312، 5349، 5350].

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن زرارة) بفتح العين في الأول وضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف قال: (أخبرنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قلت لابن عمر) رضي الله عنهما: (رجل قذف امرأته) ما الحكم فيه؟ وزاد مسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: لم يفرق الصعب يعني ابن الزبير بين المتلاعنين أي حيث كان أميرًا على العراق. قال سعيد: فذكرت ذلك لابن عمر (فقال: فرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين أخوي) بفتح الواو وسكون التحتية (بني العجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم من باب التغليب حيث جعل الأخت كالأخ وأما إطلاق الإخوة فبالنظر إلى أن المؤمنين إخوة أو إلى القرابة التي بينهما بسبب أن الزوجين كليهما من قبيلة عجلان (وقال) صلى الله عليه وسلم:

(الله يعلم أن أحدكما كاذب) وللمستملي لكاذب وجملة يعلم في محل الخبر وإن فتحت لأنها سدت مسدّ مفعولي علم (فهل منكما تائب)؟ منكما خبر المبتدأ وهو تائب وسوّغ الابتداء بالنكرة تقدم الخبر والاستفهام وهو في المعنى صفة لموصوف محذوف أي فهل منكما أحد تائب أو شخص تائب ومن للبيان وتتعلق بالاستقرار المقدر وعرض التوبة لهما بلفظ الاستفهام لإبهام الكاذب منهما (فأبيا) فامتنعا (فقال) عليه الصلاة والسلام ثانيًا (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل) أحد (منكما تائب فأبيا. فقال) صلى الله عليه وسلم ثانيًا: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل) أحد (منكما تائب؟ فأبيا. ففرق) بتشديد الراء (بينهما) صلى الله عليه وسلم فظاهره أن الفرقة لا تقع إلا بقضاء القاضي وهو قول أبي حنيفة.

(قال أيوب) السختياني بالسند السابق: (فقال لي عمرو بن دينار: إن في الحديث) المذكور (شيئًا) سمعته من سعيد بن جبير وحفظته منه (لا أراك تحدثه. قال: قال الرجل): الملاعن أين (مالي) الذي دفعته إليها صداقًا أو مالي آخذه؟ فالخبر محذوف أو المعنى أطلب مالي منها فمنصوب بمحذوف وإنما قال مالي مع أن المرأة ملكته لظن أنه قد رجع إليه فصار ماله بمجرد اللعان فردّ عليه (قال: قيل: لا مال لك) لأنك (إن كنت صادقًا) فيما ادّعيت عليها (فقد دخلت بها) واستحقت جميع الصداق (وإن كنت كاذبًا) فيما ادّعيت عليها (فهو أبعد منك) لئلا يجتمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته قبضًا صحيحًا تستحقه. نعم اختلف في غير المدخول بها، والجمهور على أن لها نصف الصداق كغيرها من المطلقات قبل الدخول وقيل بل لها الجميع، وقيل لا شيء لها أصلًا.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللعان وأبو داود والنسائي في الطلاق.

‌33 - باب قَوْلِ الإِمَامِ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ

(باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب فهل منكما تائب) ولأبي ذر: من تائب.

ص: 177

5312 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» ، قَالَ: مَالِي. قَالَ: «لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهْوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ» ، قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو وَقَالَ أَيُّوبُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ، وَفَرَّقَ سُفْيَانُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى: فَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ، وَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ كَمَا أَخْبَرْتُكَ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو): بفتح العين ابن دينار (سمعت سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر) رضي الله عنهما (عن المتلاعنين) عن حكمهما أيفرّق بينهما؟ ولأبي ذر عن حديث المتلاعنين، ولمسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير سئلت عن المتلاعنين في امرأة مصعب بن الزبير فما دريت ما أقول فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة. الحديث. وفيه: فقلت يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرّق بينهما (فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين):

(حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل) لا طريق (لك) على الاستيلاء (عليها) فلا تملك عصمتها بوجه من الوجوه فيستفاد منه تأبيد الحرمة (قال) يا رسول الله (مالي) الذي أصدقتها إياه آخذه منها؟ (قال) صلى الله عليه وسلم: (لا مال لك) لأنك استوفيته بدخولك عليها وتمكينها لك من نفسها ثم أوضح له ذلك بتقسيم مستوعب فقال (إن كنت صدقت عليها) فيما نسبتها إليه (فهو بما استحللت من فرجها) ما موصولة وجملة استحللت في موضع الصلة والعائد محذوف والصلة والموصول في موضع جر بالياء وهي باء البدل والمقابلة (وإن كنت كذبت عليها فذاك) أي الطلب لما أمهرتها (أبعد لك) اللام للبيان. قال علي بن عبد الله المديني (قال سفيان) بن عيينة (حفظته) أي سمعت الحديث المذكور (من عمرو) أي ابن دينار. قال سفيان.

(وقال أيوب) السختياني بالسند السابق: (سمعت سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر) رضي الله عنهما (رجل لاعن امرأته) أيفرّق بينهما؟ (فقال) فأشار ابن عمر (بإصبعيه) بالتثنية (وفرّق سفيان بين إصبعيه السبابة والوسطى) جملة معترضة أراد بها بيان الكيفية، وجواب السؤال قوله:(فرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب" ثلاث مرات) ظاهره كما قال القاضي عياض: أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك بعد الفراغ من اللعان ففيه عرض التوبة على المذنب ولو بطريق الإجمال، وقال الداودي: قاله قبل اللعان تحذيرًا لهما قال ابن المديني: (قال) لي (سفيان: حفظته) أي الحديث (من عمرو) أي ابن دينار (وأيوب) السختياني (كما أخبرتك). والحاصل أن الحديث رواه سفيان عن عمرو بن دينار وأيوب السختياني كلاهما عن ابن عمر.

‌34 - باب التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ

(باب التفريق بين المتلاعنين). وهذه الترجمة ثابتة في رواية المستملي ساقطة لغيره، نعم ثبت لفظ التبويب فقط للنسفي.

5313 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَذَفَهَا، وَأَحْلَفَهُمَا.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي أحد الأعلام قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرّق بين رجل وامرأة) حال كون الرجل (قذفها) بالزنا (وأحلفهما) بالحاء المهملة أي لاعن بينهما وقوله: فرّق أي حكم بأن يفترقا حسًّا لحصول الافتراق شرعًا بنفس اللعان، واحتجوا لوقوع الفرقة بنفس اللعان بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى:"لا سبيل لك عليها". وتعقب بأن ذلك وقع جوابًا لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذ منه. وأجيب: بأن العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فتشتمل المال والبدن وتقتضي

نفي تسليطه عليها بوجه من الوجوه؛ وفي حديث ابن عباس عند أبي داود: وقضى أن ليس عليه نفقة ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها وظاهره أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان.

5314 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَاعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه (قال: لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بين رجل وامرأة من الأنصار وفرّق بينما) تنفيذًا لما أوجب الله بينهما من المباعدة بنفس الملاعنة وتمسك بظاهره الحنفية فقالوا: إنما يكون التفريق من الحاكم، وقد سبق ما في ذلك والله

ص: 178

الموفق والمعين.

‌35 - باب يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْمُلَاعِنَةِ

هذا (باب) بالتنوين (يلحق الولد بالملاعنة) إذا نفاه الزوج والملاعنة بفتح العين والذي في اليونينية كسرها.

5315 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ، فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ.

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا مالك) الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل) هو عويمر (وامرأته) هي زوجته خولة (فانتفى) الرجل (من ولدها) قال في شرح المشكاة: الفاء سببية أي الملاعنة كانت سببًا لانتفاء الرجل من ولد المرأة وإلحاقه بها، وتعقبه في الفتح بأنه أراد أن الملاعنة سبب ثبوت الانتفاء فجيد وإن أراد أن الملاعنة سبب وجود الانتفاء فليس كذلك فإنه إن لم يتعرض لنفي الولد في الملاعنة لم ينتفِ. قال إمامنا الشافعي: إن نفي الولد في الملاعنة انتفى وإن لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة وإن أمكنه الرفع إلى حاكم فأخر بغير عذر حتى ولدت لم يكن له أن ينفيه (ففرق) صلى الله عليه وسلم (بينهما وألحق الولد بالمرأة) فترث منه ما فرض الله لها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما. وقال الدارقطني: تفرد مالك بهذه الزيادة، وأجيب: بأنها قد جاءت من أوجه أخرى في حديث سهل بن سعد وغيره.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في الفرائض ومسلم في اللعان وأبو داود في الطلاق والترمذي في النكاح والنسائي وابن ماجة في الطلاق.

‌36 - باب قَوْلِ الإِمَامِ اللَّهُمَّ بَيِّنْ

(باب قول الإمام) في اللعان (اللهم بيّن) أي أظهر.

5316 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ الْمُتَلَاعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلَاّ لِقَوْلِي. فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدْلًا كَثِيرَ اللَّحْمِ جَعْدًا قَطَطًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ بَيِّنْ» . فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ» . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا. تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الإِسْلَامِ.

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن القاسم عن القاس بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق فعبد الرحمن يروي عن أبيه القاسم (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أنه قال: ذكر) بضم الذال المعجمة (المتلاعنان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عاصم بن عدي) الأنصاري (في ذلك قولًا) وهو لو وجد الرجل مع امرأته رجلًا يضربه بالسيف حتى يقتله (ثم انصرف) عاصم من عند النبي صلى الله عليه وسلم (فأتاه رجل من قومه) هو عويمر (فذكر له أنه وجد مع امرأته) خولة (رجلًا فقال عاصم: ما ابتليت بهذا الأمر) في رجل من قومي (إلا لقولي) أي لسؤالي عما لم يقع (فذهب به) فذهب عاصم بعويمر (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته) من الخلوة بالأجنبي (وكان ذلك الرجل مصفرًّا قليل اللحم) نحيفًا (سبط الشعر) غير جعدة ولأبي ذر: الشعرة بسكون العين وبعد الراء هاء تأنيث (وكان) الرجل (الذي وجده عند أهله آدم) بالمد أسمر اللون (خدلًا) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وكسرها وتخفيف اللام وتشدد ممتلئ الساق (كثير اللحم جعدًا) بفتح الجيم وسكون العين المهملة شعره (قططًا) بفتحات وبكسر الطاء الأولى وفي الفرع كأصله شديد الجعودة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(اللهم بيّن) قال ابن العرب: ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد ليظهر التشبه ولا تمتنع ولادتها بموت الولد مثلًا فلا يظهر البيان والحكمة فيه ردع من شاهد ذلك عن التلبّس بمثل ما وقع لما يترتب على ذلك من القبح ولو اندرأ الحدّ (فوضعت) ولدًا (شبيهًا بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجد) أي وجده (عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما) عقب

إخباره بالذي وجد عليه امرأته وحينئذ قوله وكان ذلك الرجل إلى آخره اعتراض (فقال الرجل) اسمه عبد الله بن شداد بن الهاد (لابن عباس في) ذلك (المجلس) هذه المرأة (هي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدًا بغير بيّنة لرجمت هذه) امرأة عويمر (فقال ابن عباس: لا تلك امرأة كاتت تظهر السوء) تعلن الفاحشة (في الإسلام) لكن لم تعترف ولا أقيمت عليها بيّنة بذلك.

‌37 - باب إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَمْ يَمَسَّهَا

هذا (باب) بالتنوين (إذا طلقها) أي إذا طلق الرجل زوجته (ثلاثًا ثم تزوّجت بعد العدّة زوجًا غيره فلم يمسها) أي هل تحل للأول إن طلّقها الثاني، وليس المراد طلاق

ص: 179

الملاعن لأن الملاعنة لا تعود للذي لاعن منها ولو تزوّجت عشرة سواء وطئها أم لم يطأها.

5317 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ح.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عمرو بن علي) الفلاس بالفاء وتشديد اللام آخره سين مهملة قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا هشام قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم ح).

0000 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا، وَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَاّ مِثْلُ هُدْبَةٍ فَقَالَ:«لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» .

وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة لقب عبد الرحمن بن سليمان الكوفي (عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء (القرظي) بالقاف المضمومة والظاء المعجمة من بني قريظة (تزوّج امرأة) اسمها تميمة بنت وهب (ثم طلّقها فتزوّجت) زوجًا (آخر) اسمه عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة فلم يصل منها إلى شيء (فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنها لا يأتيها) أي لا يجامعها (وأنه ليس معه) ذكر (إلا مثل هدبة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الموحدة أي هدبة الثوب في الارتخاء وعدم الانتشار وطلبت أن تعود لزوجها الأول رفاعة (فقال) لها صلى الله عليه وسلم:

(لا) ترجعين إليه (حتى تذوقي عسيلته) أي عبد الرحمن بن الزبير (ويذوق عسيلتك) والعسيلة كناية عن الجماع وفي حديث عائشة عند أحمد العسيلة هي الجماع وأنّث العسيلة على

إرادة القطعة من العسل أو على إرادة اللذة لتضمنه ذلك، ولذا فسّر أبو عبيدة فيما نقله عنه الماوردي العسيلة باللذة.

وهذا الحديث قد سبق في باب من أجاز الطلاق الثلاث.

‌38 - باب {وَاللَاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ}

قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أَوْ لَا يَحِضْنَ، {وَاللَاّئِي قَعَدْنَ عَنِ الْحَيْضِ وَاللَاّئِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} .

هذا (باب) بالتنوين. قال الحافظ ابن حجر: سقط لفظ باب لأبي ذر وكريمة وثبت للباقين، ووقع عند ابن بطال كتاب العدد باب قول الله تعالى: والعدد جمع عدة مأخوذة من العدد لاشتمالها عليه غالبًا وهي مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها أو للتعبد وشرعت صيانة وتحصينًا لها من الاختلاط والأصل فيها قبل الإجماع الآيات الآتية.

منها قوله تعالى: ({واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم}. قال مجاهد): فيما وصله الفريابي مفسرًا لإن ارتبتم أي (إن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن {واللائي قعدن عن الحيض}) أي كبرن وصرن عجائز ولأبي ذر عن المحيض فحكمهن حكم اللائي يئسن ({واللائي لم يحضن}) أصلًا وهن الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض ({فعدّتهن ثلاثة أشهر})[الطلاق: 4] وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس وهو اثنتان وستون سنة أهو دم حيض أو استحاضة فعدّتهن ثلاثة أشهر وإذا كانت عدّة المرتابات بها فغير المرتابات أولى والأكثرون على أن المعنى إن ارتبتم في الحكم لا في اليأس، وفي الآية حذف تقديره واللائي لم يحضن فعدتهن كذلك فإن حاضت الصغيرة أو غيرها ممن لم يحضن أثناء العدة بالأشهر انتقلت إلى الحيض لقدرتها على الأصل قبل فراغها من البدل كالماء في أثناء التيمم ولم يحسب الماضي قرأ لأنه لم يحتوش بدمين، أما من حاضت بعد العدّة فلا يؤثر لأن حيضها حينئذ لا يمنع صدق القول بأنها عند اعتدادها بالأشهر من اللائي لم يحضن.

‌39 - باب {وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}

هذا (باب) بالتنوين، وهو ساقط لأبي ذر ({وأولات الأحمال}) الحبالى ({أجلهن}) عدتهن ({أن يضعن حملهن}) [الطلاق: 4] يتناول المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن.

5318 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا سُبَيْعَةُ كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهْيَ

حُبْلَى، فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ:"وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأَجَلَيْنِ"، فَمَكُثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ ثُمَّ جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«انْكِحِي» .

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة من أسلم) بن أفصى بن حارثة (يقال لها سبيعة) بضم السين المهملة بنت الحارث (كانت تحت زوجها) سعد بن خولة المتوفى بمكة بعد أن هاجر منها (توفي عنها) ولأبي ذر عن الكشميهني منها (وهي) أي والحال أنها (حبلى) منه في حجة الوداع، وعند ابن سعيد قبل الفتح، وعند الطبري سنة سبع؛ وزاد

ص: 180

في تفسير سورة الطلاق فوضعت بعد موته بأربعين ليلة (فخطبها أبو السنابل) بفتح السين والنون وبعد الألف موحدة مكسورة فلام عمرو أو عامر أو حبة بمهملة وموحدة وقيل بنون وقيل أصرم وقيل غير ذلك. (ابن بعكك) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة وفتح الكاف الأولى القرشي وزاد في التفسير فيمن خطبها (فأبت أن تنكحه) أن مصدرية وكان كهلًا وخطبها أبو البشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن الحارث وكان شابًّا (فقال) أبو السنابل لما رآها تجملت لغيره من الخطّاب (والله ما يصلح أن تنكحيه) أي تتزوجيه (حتى تعتدي آخر الأجلين) أي أربعة أشهر وعشرًا ولو وضعت قبل ذلك فإن مضت ولم تضع تتربص إلى أن تضع (فمكثت) بضم الكاف (قريبًا من عشر ليال) بعد الوضع (ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال):

(انكحي) لأن عدّتك انقضت بوضع الحمل وهو مخصص كآية الطلاق لعموم قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234].

وهذا الحديث أخرجه النسائي في الطلاق.

5319 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الأَرْقَمِ أَنْ يَسْأَلَ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ كَيْفَ أَفْتَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: أَفْتَانِي إِذَا وَضَعْتُ أَنْ أَنْكِحَ.

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير عن الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد) بن أبي حبيب أبي رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد (أن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (كتب إليه أن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله أخبره عن أبيه) عبد الله بن عتبة بن مسعود (أنه كتب إلى ابن الأرقم) عمر بن عبد الله وليس لعمر هذا في الصحيحين إلا هذا الحديث الواحد (أن يسأل سبيعة الأسلمية) وهي من المهاجرات كما عند ابن سعد (كيف أفتاها النبي صلى الله عليه وسلم) في العدة لما توفي عنها زوجها وهي حامل فأتاها فسألها (فقالت: أفتاني إذا وضعت أن أنكح) فكتب إليه الجواب.

وهذا قد أجمع عليه جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار وإلا ما روي عن علي أنها تعتدّ آخر الأجلين يعني إن وضعت قبل الأربعة الأشهر والعشر تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع وبه قال ابن عباس لكن روي أنه رجع عنه.

5320 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية نفست) بضم النون وكسر الفاء أي ولدت (بعد وفاة زوجها) سعد بن خولة (بليال). وفي رواية الزهري فلم تنشب أن وضعت، وعند أحمد فلم تمكث إلا شهرين حتى وضعت، وفي تفسير الطلاق بعد زوجها بأربعين ليلة، وعند النسائي بعشرين ليلة وروي غير ذلك مما يتعذر فيه الجمع لاتحاد القصة ولعل ذلك السر في إبهام من أبهم المدة (فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت). واحتجوا للقائل بآخر الأجلين بأنهما عدتان مجتمعتان بصفتين، وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها فلا تخرج من عدتها إلا بيقين واليقين آخر الأجلين. وأجيب: بأنه لما كان المقصود الأصلي من العدة براءة الرحم ولا سيما فيمن تحيض حصل المطلوب بالوضع.

‌40 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَ حِيَضٍ: بَانَتْ مِنَ الأَوَّلِ، وَلَا تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَحْتَسِبُ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَى سُفْيَانَ يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: يُقَالُ أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا دَنَا حَيْضُهَا، وَأَقْرَأَتْ إِذَا دَنَا طُهْرُهَا. وَيُقَالُ مَا قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَدًا فِي بَطْنِهَا

(باب قول الله تعالى: {والمطلقات}) المدخول بهن من ذوات الحيض ({يتربصن}) ينتظرن ({بأنفسهن ثلاثة قروء})[البقرة: 228]. بعد الطلاق وهو خبر بمعنى الأمر والأصل الكلام ولتتربصن المطلقات وذكر الأمر بصيغة الخبر تأكيدًا للأمر وإشعارًا بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله ونحوه قوله في الدعاء: رحمك الله أخرجه في صورة الخبر ثقة بالاستجابة كإنما وجدت الرحمة وهو مخبر عنها، وفي ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص، وقوله:

{يتربصن} يتعدى بنفسه لأنه بمعنى انتظر، ويحتمل أن يكون مفعول التربص محذوفًا تقديره يتربصن الأزواج وثلاثة قروء على هذا نصب على الظرف لأنه اسم عدد مضاف للظرف، والقروء جمع كثرة ومن ثلاثة إلى عشرة

ص: 181

يميز بمجموع القلة ولا يعدل عن القلة في ذلك إلا عند عدم استعمال جمع القلة غالبًا وجمع القلة هنا موجود وهو إقراء فالحكمة في الإتيان بجمع الكثرة مع وجود القلة أنه لما جمع المطلقات جمع القرء لأن لكل مطلقة تربص ثلاثة أقراء فصارت كثرة بهذا الاعتبار، وسقط لفظ باب لأبي ذر.

(وقال إبراهيم) النخعي فيما وصله ابن أبي شيبة (فيمن تزوّج) امرأة (في العدّة) تزويجًا فاسدًا (فحاضت عنده) أي عند الثاني (ثلاث حيض بانت) بانقضاء هذه العدّة (من) الزوج (الأول ولا تحتسب) بفتح الفوقيتين وكسر السين (به) بالحيض (لمن بعده) لمن بعد الأول بل تعتد أخرى للثاني فلا تداخل لتعدد المستحق فتعتد لكل واحد منهما عدة كاملة، وروى المدنيون عن مالك إن كانت حاضت حيضة أو حيضتين من الأول أنها تتم بقية عدتها منه ثم تستأنف عدة أخرى وهو قول الشافعي وأحمد.

(وقال الزهري): محمد بن مسلم (تحتسب) بالحيض للثاني كالأوّل فيكفي لهما عدة واحدة وهو قول الحنفية ورواية مالك (وهذا أحب إلى سفيان) الثوري (يعني: قول الزهري) لأن الأول لا ينكحها في بقية العدة من الثاني فدلّ على أنها في عدة الثاني ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه.

(وقال معمر) هو أبو عبيد بن المثنى (يقال أقرأت المرأة إذا دنا) قرب (حيضها وأقرأت إذا دنا) قرب (طهرها) فيستعمل في الضدين لكن المراد بالقرء عند الشافعية الطهر لقوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] أي في زمنها وهو زمن الطهر إذ الطلاق في الحيض محرم كما سبق، ولأن القرء مأخوذ من قولهم قرأت الماء في الحوض أي جمعته فيه فالطهر أحق باسم القرء لأنه زمن اجتماع الدم في الرحم والحيض زمن خروجه منه فينصرف إذن إلى زمن الطهر الذي هو زمن العدة وزمنها يعقب زمن الطلاق والطهر ما احتوشه دمان أي دما حيضتين أو حيض ونفاس لا مجرد الانتقال إلى الحيض فإن طلقها في الطهر ولو بقي منه لحظة أو جامعها فيه انقضت عدتها بالطعن في الحيضة الثالثة ولا يبعد تسمية قرأين وبعض الثالث ثلاثة أقراء كما يقال خرجت من البلد لثلاث مضين مع وقوع خروجه في الثالثة، وكما في قوله تعالى:{الحج أشهر معلومات} [البقرة: 197] مع أن المراد شوّال وذو القعدة وبعض ذي الحجة ولأنا لو لم نعتد بالباقي قرأ لكان أبلغ في تطويل العدّة عليها من الطلاق في الحيض أو طلقها في الحيض فبالطعن في الحيضة الرابعة انقضت عدتها (ويقال: ما قرأت بسلا قط إذا لم تجمع ولدًا في بطنها) بكسر الباء الموحدة وفتح السين والتنوين من غير همز في قوله: بسلا غشاء الولد.

وسبق في أوائل سورة النور.

‌41 - باب قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَقَوْلِهِ عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} . {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} -إِلَى قَوْلِهِ- {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}

.

(باب قصة فاطمة بنت قيس) أي ابن خالد الأكبر الفهرية أخت الضحاك من المهاجرات الأول (وقوله عز وجل ولأبي ذر وقول الله عز وجل: ({واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن}) أي لا تخرجوا المطلقات طلاقًا بائنًا بخلع أو ثلاث حاملًا كانت أو حائلًا غضبًا عليهن وكراهية لمساكنتهن أو لحاجة لكم إلى المساكن ولا تأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك إيذانًا بأن إذنهم لا أثر له في رفع الحظر ({من بيوتهن}) مساكنهن التي يسكنها قبل العدّة وهي بيوت الأزواج وأضيفت إليهن لاختصاصها بهن من حيث السكنى ({ولا يخرجن}) بأنفسهن إن أردن ذلك، ولو وافق الزوج وعلى الحاكم المنع منه لأن في العدة حقًّا لله تعالى، وقد وجبت في ذلك المسكن. وفي الحاوي والمهذّب وغيرهما، من كتب العراقيين أن للزوج أن يسكنها حيث شاء لأنها في حكم الزوجة، وبه جزم النووي في نكته، قال السبكي: والأول أولى لإطلاق الآية، والأذرعي أنه المذهب المشهور والزركشي أنه الصواب ({إلاّ أن يأتين بفاحشة مبينة}) قيل: هي الزنا أي إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحدّ عليهن قاله ابن مسعود، وبه أخذ أبو يوسف وقيل خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه قاله النخعي، وبه أخذ أبو حنيفة، وقال ابن عباس: الفاحشة نشوزها وأن تكون بذيّة اللسان على أحمائها. قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: وقول ابن مسعود أظهر من جهة وضع اللفظ له لأن

ص: 182

إلا أن غاية والشيء لا يكون غاية لنفسه وما قاله النخعي أبدع وأعذب في الكلام كما يقال في الخطابيات لا تزن إلا أن تكون فاسقًا ولا تشتم أمك إلا أن تكون قاطع رحم ونحوه وهو بديع بليغ جدًّا ({وتلك حدود الله}) أي الأحكام المذكورة ({ومن يتعد حدود الله فقد ظل نفسه لا تدري}) أيها المخاطب ({لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا})[الطلاق: 1] بأن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها أو من الرغبة عنها إلى الرغبة فيها أو من عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها، والمعنى فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدّة ولا تخرجوهن من بيوتهن لعلكم تندمون فتراجعون. ثم ابتدأ المصنف بآية أخرى من سورة الطلاق فقال:

({أسكنوهن من حيث سكنتم}) من للتبعيض حذف مبعضها أي أسكنوهن مكانًا من حين سكنتم أي بعض مكان سكناكم ({من وجدكم}) عطف بيان لقوله: {من حيث سكنتم} وتفسير له كأنه قيل أسكنوهن مكانًا من مسكنكم مما تطيقونه والوجد الوسع والطاقة ({ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن}) من المسكن ببعض الأسباب حتى تضطروهن إلى الخروج ({وإن كن}) أي المطلقات

({أولات حمل}) ذوات الأحمال ({فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} -إلى قوله-) تعالى: ({بعد عسر يسرًا})[الطلاق: 6، 7] أي بعد ضيق في المعيشة سعة وهو وعد لذي العسر باليسر والنفقة للحامل شاملة للأدم والكسوة إذ إنها مشغولة بمائه فهو مستمتع برحمها فصار كالاستمتاع بها في حال الزوجية، إذ الغسل مقصود بالنكاح كما أن الوطء مقصود به والنفقة للحامل بسبب الحمل لا للحمل لأنها لو كانت له لتقدرت بقدر كفايته ومفهوم الآية أن غير الحمل لا نفقة لها، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى. والسياق يفهم أنها في غير الرجعية لأن نفقة الرجعية واجبة ولو لم تكن حاملًا. وذهب الإمام إلى أنه لا نفقة لها ولا سكنى على ظاهر حديث فاطمة وإنما وجبت السكنى لمعتدة وفاة وطلاق بائن وهي حائل دون النفقة لأنها لصيانة ماء الزوج وهي تحتاج إليها بعد الفرقة كما تحتاج إليها قبلها والنفقة لسلطنته عليها، وقد انقطعت. وسياق هذه الآيات كلها ثابت في رواية كريمة، وقال أبو ذر في روايته بعد قوله تعالى:{لا تخرجوهن من بيوتهن} الآية، وهو نصب بفعل مقدر.

5321 -

5322 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُما يَذْكُران أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ، فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَرْوَانَ، وَهْوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ: اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْهَا إِلَى بَيْتِهَا. قَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ غَلَبَنِي. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَوَ مَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ قَالَتْ: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ. فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: إِنْ كَانَ بِكِ شَرٌّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنَ الشَّرِّ. [الحديث 5321 - أطرافه في: 5323، 5325، 5327]. [الحديث 5322 - أطرافه في: 5324، 5326، 5328]

وبه قال: (حدّثنا) بالجمع (إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (وسليمان بن يسار) بالتحتية والسين المهملة المخففة مولى ميمونة (أنه) أي أن يحيى بن سعيد الأنصاري (سمعهما) أبي القاسم بن محمد وسليمان بن يسار (يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص) أخا عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق (طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم) بفتحتين عمرة الطلاق البتة (فانتقلها) أي نقلها (عبد الرحمن) أبوها من مسكنها الذي طلقت فيه، فسمعت عائشة بنقل عبد الرحمن ابنته من مسكنها الذي طلقت فيه (فأرسلت عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها (إلى) عم عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم (مروان) ولأبي ذر زيادة ابن الحكم (وهو أمير المدينة) يومئذٍ من قبل معاوية وولي الخلافة بعد تقول له (اتق الله) يا مروان (وارددها إلى بيتها) الذي طلقت فيه (قال مروان) مجيبًا لعائشة كما (في حديث سليمان) بن يسار (أن

عبد الرحمن بن الحكم) يعني أخاه والد عمرة (غلبني) فلم أقدر على منعه من نقلتها (وقال القاسم بن محمد) في حديثه قال مروان مجيبًا لعائشة أيضًا: (أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس)؟ حيث لم تعتد في بيت زوجها وانتقلت إلى غيره (قالت) عائشة رضي الله عنها لمروان (لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة) لأنه لا حجة فيه لجواز انتقال المطلقة من منزلها بسبب قاله في الفتح، وقال في الكواكب: كان لعلة وهو أن مكانها كان وحشًا مخوفًا عليه أو لأنها كانت لسنة استطالت على أحمائها (فقال

ص: 183

مروان بن الحكم) لعائشة (إن كان بك شر) أي إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة بنت قيس ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر (فحسبك) فيكفيك في جواز انتقال عمرة (ما بين هذين) عمرة زوجها يحيى بن سعيد (من الشر). ومفهومه جواز النقلة من المسكن الذي طلقت فيه بشرط وجود عارض يقتضي جواز خروجها منه، كأن يكون المنزل مستعارًا ورجع المعير ولم يرض بإجارته بأجرة المثل، أو امتنع المكري من تجديد الإجارة بذلك، أو كان ملكًا لها ولم تختر الاستمرار فيه بإجارة بل اختارت الانتقال منه إذ لا يلزمها بذله بإعارة ولا إجارة كما لو كان المسكن خسيًسا وطلبت النقلة منه إلى اللائق بها، فإن كان نفيسًا فللزوج نقلها إلى غيره لائق بها ويتحرى المنزل الأقرب إلى المنقول عنه بحسب الإمكان. وقال المرداوي من الحنابلة: تعتد بائن حيث شاءت من البلد في مكان مأمون ولا تسافر ولا تبيت إلا في منزلها، وإن أراد إسكانها في منزله أو غيره مما يحصل لها تحصينًا لفراشه ولا محذور فيه لزمها ذلك ولو لم تلزمه نفقة.

5323 -

5324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ، أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها قالت: ما لفاطمة) بنت قيس أي ما شأنها (ألا) بالتخفيف (تتقي الله يعني في قوله) ولأبي ذر في قولها (لا سكنى ولا نفقة) للمطلقة البائن على زوجها والحال أنها تعرف قصتها يقينًا من أنها إنما أمرت بالانتقال لعذر وعلة كانت بها فأخبرت بما أباح لها الشارع من الانتقال ولم تخبر بالعلة.

وهذا الحديث أخرجه مسلم.

5325 -

5326 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْنَ إِلَى فُلَانَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ فَخَرَجَتْ؟ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ. قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي فِي قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَزَادَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ: عَابَتْ

عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بفتح العين وعباس بالموحدة آخره سين مهملة البصري قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أنه (قال: قال عروة بن الزبير لعائشة) رضي الله عنها: (ألم ترين) بالنون ولأبي ذر ألم تري (إلى فلانة) عمرة (بنت الحكم) نسبها لجدها وإلاّ فاسم أبيها عبد الرحمن كما مرّ (طلّقها زوجها) يحيى بن سعيد بن العاص الطلاق (البتة فخرجت) من المنزل الذي طلقها فيه إلى غيره (فقالت) عائشة: (بئسما صنعت) ولأبي ذر عن الكشميهني بئسما صنع أي زوجها من تمكينه لها من ذلك أو بئسما صنع أبوها في موافقتها لذلك (قال) عروة لعائشة: (ألم تسمعي في قول فاطمة) بنت قيس حيث أذن لها بالانتقال من المنزل الذي طلقت فيه (قالت) عائشة (أما) بالتخفيف (أنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث) إذ هو موهم للتعميم وقد كان خاصًّا بها لعذر كان بها ولما فيه من الغضاضة (وزاد ابن أبي الزناد) بالنون بعد الزاي عبد الرحمن واسم أبي الزناد عبد الله فيما وصله أبو داود (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه قال: (عابت عائشة) على فاطمة بنت قيس (أشد العيب وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة بعدها شين معجمة أي خال ليس به أنيس (فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم) في الانتقال وعند النسائي من طريق ميمون بن مهران قال: قدمت المدينة فقلت لسعيد بن المسيب إن فاطمة بنت قيس خرجت عن بيتها فقال: إنها كانت لَسِنة، ولأبي ذر من طريق سليمان بن يسار: إنما كان ذلك من سوء الخلق.

‌42 - باب الْمُطَلَّقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْهَا، أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا بِفَاحِشَةٍ

(باب) حكم المرأة (المطلقة إذا خشي عليها) بضم الخاء وكسر الشين المعجمتين (في مسكن زوجها) في مدة عدتها منه (أن يقتحم) بضم التحتية وسكون القاف وفتح الفوقية والحاء المهملة أي يهجم (عليها) بغير إذن إما مطلقها أو غيره من سارق ونحوه (أو تبذو) بالذال المعجمة من البذاء وهو القول الفاحش (على أهلها) ولأبي ذر عن الكشميهني على أهله أي أهل

ص: 184

المطلق (بفاحشة) وجواب إذا محذوف والتقدير تنتقل إلى مسكن غير مسكن الطلاق.

5327 -

5328 - وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ.

وبه قال: (وحدّثني) بالإفراد وبالواو ولأبي ذر: حدّثنا (حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد

الموحدة ابن موسى المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة) رضي الله عنها (أنكرت ذلك) القول وهو أنه لا نفقة ولا سكنى للمطلقة البائن (على فاطمة) بنت قيس وفي رواية أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت قيس قالت: قلت يا رسول الله إن زوجي طلقني ثلاثًا فأخاف أن يقتحم عليّ فأمرها فتحولت.

قال في الفتح: وقد أخذ البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في قصة فاطمة فرتب الجواز على أحد الأمرين: إما خشية الاقتحام عليها وإما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش في القول ولم ير أن بين الأمرين في قصة فاطمة معارضة لاحتمال وقوعهما معًا في شأنها.

وقال الكرماني: فإن قلت؛ لم يذكر البخاري ما شرط في الترجمة من البذاء. قلت: علم من القياس على الاقتحام والجامع بينهما رعاية المصلحة وشدة الحاجة إلى الاحتراز عنه، وقال شارح التراجم ذكر في الترجمة الخوف عليها والخوف منها، والحديث يقتضي الأول وقاس الثاني عليه، ويؤيده قول عائشة لها في بعض الطرق أخرجك هذا اللسان فكان الزيادة لم تكن على شرطه فضمنها للترجمة قياسًا.

‌43 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ

(باب قول الله تعالى: {ولا يحل لهن}) أي للنساء ({أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن})[البقرة: 228] قال مجاهد وأكثر المفسرين (من الحيض والحبل) بالموحدة المفتوحة، ولأبي ذر: والحمل بالميم الساكنة بدل الموحدة وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها أن تضع ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها أو كتمت حيضها، وقالت وهي حائض قد طهرت استعجالًا للطلاق.

5329 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْفِرَ إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً، فَقَالَ لَهَا:«عَقْرَى أَوْ حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «فَانْفِرِي إِذًا» .

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفر) في حجة الوداع النفر الثاني (إذا صفية) بنت حيي (على باب خبائها) حال كونها (كئيبة) حزينة (فقال) عليه الصلاة والسلام (لها):

(عقرى) بفتح العين وسكون القاف وفتح الراء أي عقرك الله في جسدك فهو بمعنى الدعاء لكنه يجري على لسان العرب من غير قصد إليه (أو حلقى) بالشك من الراوي وسقط (أو) لأبي ذر أي أصابك بوجع في حلقك (إنك لحابستنا) عن النفر وأسند الحبس إليها لأنها سببه (أكنت) بهمزة الاستفهام (أفضت) أي طفت طواف الزيارة (يوم النحر؟ قالت: نعم. قال) عليه الصلاة والسلام (فانفري) بكسر الفاء الثانية (إذًا) بالتنوين لأن طواف الوداع لازم للحائض، قال ابن المنير: لما رتب صلى الله عليه وسلم على مجرد قول صفية أنها حائض تأخيره عن السفر أخذ منه تعدي الحكم إلى الزوج فتصدق المرأة في الحيض والحمل باعتبار رجعة الزوج وسقوطها وإلحاق الحمل به.

وهذا الحديث قد سبق في كتاب الحج في باب التمتع.

‌44 - باب {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فِي الْعِدَّةِ وَكَيْفَ يُرَاجِعُ الْمَرْأَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وبعولتهن}) جمع بعل والتاء لاحقة لتأنيث الجمع ({أحق بردهن})[البقرة: 228] أي أزواجهن أولى برجعتهن ما كن (في العدة) فإذا انقضت العدة احتيج لعقد جديد (وكيف يراجع) الرجل (المرأة) ولأبي ذر تراجع بالفوقية وفتح الجيم مبنيًّا للمفعول المرأة (إذا طلقها واحدة أو ثنتين).

5330 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: زَوَّجَ مَعْقِلٌ أُخْتَهُ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا يونس) بن عبيد البصري (عن الحسن) البصري أنه (قال: زوّج معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف بن يسار ضد اليمين (أخته) جميلة بضم الجيم مصغرًا أو ليلى بأبي البداح بن عاصم أو بعاصم نفسه أو بالبداح بن عاصم أخي أبي البداح أو بعبد الله بن رواحة خلاف سبق في تفسير سورة

ص: 185

البقرة (فطلقها تطليقة). قال المؤلّف:

5331 -

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ خَطَبَهَا فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنَ ذَلِكَ آنَفًا فَقَالَ: خَلَّى عَنْهَا وَهْوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَخْطُبُهَا، فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ، فَتَرَكَ الْحَمِيَّةَ، وَاسْتَقَادَ لأَمْرِ اللَّهِ.

(وحدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى

البصري السامي بالمهملة قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين بن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة السدوسي قال: (حدّثنا الحسن) البصري (أن معقل بن يسار) المزني (كانت أخته تحت رجل فطلقها) أي واحدة أو اثنتين (ثم خلى عنها) بفتح الخاء المعجمة واللام المشددة (حتى انقضت عدتها ثم خطبها) من أخيها معقل (فحمي) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم أي أنف (معقل من ذلك أنفًَا) بفتح الهمزة والنون والفاء المنوّنة أي استنكافًا. وقال في فتح الباري أي ترك الفعل غيظًا وترفعًا (فقال) أي معقل (خلّى عنها) بتشديد اللام (وهو يقدر عليها) أي على مراجعتها قبل انقضاء عدتها (ثم يخطبها فحال بينه وبينها فأنزل الله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن}) أي انقضت عدتهن ({فلا تعضلوهن})[البقرة: 232] فلا تمنعوهن (إلى آخر الآية) وفيه أن المرأة إنما يزوجها الولي إذ لو تمكنت من ذلك لم يكن لعضل الولي معنى (فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ) ها (عليه فترك الحمي) بالتشديد (واستقاد) بالقاف أطاع (لأمر الله) وامتثله ولأبي ذر عن الكشميهني واستراد براء بعد الفوقية بدل القاف وتشديد الدال من الرد وهو الطلب أي طلب رجعتها لمطلقها ورضي به.

وقد سبق هذا الحديث في التفسير والنكاح.

5332 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهْيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لأَحَدِهِمْ: إِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَزَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنِ اللَّيْثِ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ طَلَّقْتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي بِهَذَا.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما طلّق امرأة له) اسمها آمنة بنت غفار (وهي حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم) أمر ندب وقال المالكية: وصححه صاحب الهداية من الحنفية للوجوب (أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك) أي حالة الطهر (العدة) زمنها المعتبر فيها (التي أمر الله) أي أذن الله في قوله: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1](أن يطلق لها النساء) بفتح لام يطلق (وكان عبد الله) بن عمر (إذا سئل عن ذلك) أي عمن طلق ثلاثًا (قال لأحدهم: إن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لو (كنت طلقتها ثلاثًا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيره) بضمير الغيبة ولأبي ذر وابن عساكر غيرك بضمير الخطاب.

(وزاد فيه) في الحديث (غيره) أي غير قتيبة وهو أبو الجهم (عن الليث) بن سعد أنه قال:

(حدّثني) بالإفراد (نافع قال ابن عمر) رضي الله عنهما يخاطب من سأله عن كونه طلّق امرأته ثلاثًا: (لو طلقت) امرأتك (مرة أو مرتين) لكان لك أن تراجعها (فإن النبي صلى الله عليه وسلم) لما طلقت امرأتي وهي حائض طلاقًا غير بائن (أمرني بهذا) أي بالمراجعة وزاد في باب من قال لامرأته: أنت عليّ حرام فإن طلقتها ثلاثًا حرمت حتى تنكح زوجًا غيرك.

وهذا وصله أبو الجهم في جزئه.

‌45 - باب مُرَاجَعَةِ الْحَائِضِ

(باب مراجعة الحائض) إذا طلقت طلاقًا غير بائن.

5333 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مُرْهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَ مِنْ قُبُلِ عِدَّتِهَا، قُلْتُ: فَتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ.

وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال قال: (حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري قال: (حدّثنا محمد بن سيرين) قال: (حدّثني) بالإفراد (يونس بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة آخره راء مصغرًا ابن مطعم أنه قال: (سألت ابن عمر) عمن يطلق امرأته وهي حائض (فقال) مجيبًا لي معبرًا بلفظ الغيبة عن نفسه: (طلق ابن عمر امرأته) آمنة بنت غفار (وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم) عن ذلك لما سأله عنه ابنه (قال) صلى الله عليه وسلم لعمر:

(مره) أي مر ابنك عبد الله (أن يراجعها) إلى عصمته (ثم يطلقـ) ـها (من قبل) بضم القاف والموحدة أي من وقت استقبال (عدتها) والثروع فيها وذلك في الطهر. قال يونس بن جبير: (قلت) لابن عمر: (أفتعتدّ بتلك التطليقة)؟ وتحتسبها ويحكم بوقوع طلقة (قال) ابن عمر مجيبًا له: (أرأيت) أي أخبرني ({من عجز}) ابن عمر (واستحمق) فما يمنعه أن يكون طلاقًا.

وهذا الحديث قد مر في أوائل الطلاق.

ص: 186

‌46 - باب تُحِدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا أَرَى أَنْ تَقْرَبَ الصَّبِيَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الطِّيبَ لأَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ

هذا (باب) بالتنوين (تحد) المرأة (المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا) تحد بضم الفوقية وكسر الحاء المهملة من الثلاثي المزيد فيه من أحد على وزن أفعل تحد إحدادًا وهو لغة المنع واصطلاحًا ترك المتوفى عنها زوجها في عدة الوفاة لبس مصبوغ بما يقصد لزينة ولو صبغ قبل نسجه وترك تحل بحب يتحلى به كلؤلؤ ومصوغ من ذهب أو فضة أو غيرهما نحو نحاس موّه بهما

نهارًا كخلخال وسوار وخاتم، وترك تطيب في بدن وثوب وطعام وكحل ولو غير محرم، وترك دهن شعر واكتحال بكحل زينة كإثمد إلا لحاجة كرمد فتكتحل به ليلًا ونهارًا وترك اسفيذاج يطلى به الوجه ودمام وهي حمرة يورد بها الخد وخضاب بنحو حناء كزعفران وورس وسقط لفظ زوجها لأبي ذر.

(وقال الزهري) محمد بن مسلم: (لا أرى) بفتح الهمزة والراء (أن تقرب الصبية المتوفى عنها) زوجها (الطيب) بالنصب على المفعولية (لأن عليها) كالمبالغة (العدة) خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، وهذا الأثر وصله ابن وهب في موطئه بدون قوله لأن عليها العدة. قال في الفتح: وأظنه من تصرف المصنف.

0000 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح العين والحاء المهملة وسكون الزاي (عن حميد بن نافع) أبي أفلح الأنصاري (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) بن عبد الأسد وهي بنت أم المؤمنين أم سلمة ربيبته صلى الله عليه وسلم (أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة) فالأول عن أم حبيبة، والثاني عن زينب بنت جحش، وسبقا في باب إحداد المرأة على غير زوجها من كتاب الجنائز.

5334 -

قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» .

(قالت زينب) بنت أبي سلمة (دخلت على أم حبيبة) رملة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر (بن حرب) بالشام وجاءها نعيه (فدعت أم حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا (فيه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيها (صفرة خلوق) بوزن صبور ضرب من الطيب (أو غيره) ولأبي ذر صفرة خلوق بإضافة صفرة لتاليه أو غيره بالجر عطفًا على المضاف إليه ولغير أبي ذر بالرفع (فدهنت منه) من الخلوق (جارية) لم أقف على اسمها (ثم مست بعارضيها) أي مسحت أم حبيبة بجانبي وجه نفسها وجعل العارضين ماسحين والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة ومسح يتعدى بنفسه وبالباء تقول مسحت رأسي وبرأسي وزاد في الجنائز وذراعيها (ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):

(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي (أن تحد على ميت فوق ثلاث

ليال) المصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان لأنه أضيف إلى زمان (إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار والمجرور يتعلق بتحد فيكون استثناء مفرغًا (أربعة أشهر وعشرًا) من تمام الاستثناء لأن التقدير أن تحد على ميت فوق ثلاث فقوله إلا على زوج مستثنى من ميت المقدر، وقوله أربعة أشهر مستثنى من الفوقية لأن المراد بالفوقية زمن طويل استثنى منه أربعة أشهر وعشرًا، ويحتمل أن يكون التقدير إلا أن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا فيكون الاستثناء بهذا التقدير متصلًا ويكون على زوج متعلقًا بالمحذوف أو يكون التقدير إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا فيكون أربعة أشهر معمولًا لتحد وعشرًا معطوف عليه.

5335 -

قَالَتْ زَيْنَبُ: فَدَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ:«لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» .

(قالت زينب) بنت أبي سلمة (فدخلت على زينب ابنة جحش) ولأبي ذر بنت جحش (حين توفي أخوها) سمي في بعض الموطآت عبد الله وكذا هو في صحيح ابن حبان من طريق أبي مصعب لكن المعروف أن عبد الله بن جحش قتل بأحد شهيدًا وزينب بنت أبي سلمة يومئذٍ طفلة فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش في تلك الحالة ويجوز أن يكون عبيد الله المصغر فإن دخول زينب بنت أبي سلمة عند بلوغ الخبر بوفاته كان وهي مميزة قاله في فتح الباري (فدعت

ص: 187

بطيب فمست منه ثم قالت: أما) بالتخفيف (والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر) اختلف في محل يقول على ما مر أول هذا الكتاب فقيل: مفعول ثانٍ أو حال وسمع من الأفعال الصوتية إن تعلق بالأصوات تعدى إلى مفعول واحد وإن تعلق بالذوات تعدى إلى اثنين الثاني جملة مصدرة بفعل مضارع من الأفعال الصوتية وهذا اختيار الفارسي، واختار ابن مالك ومن تبعه أن تكون الجملة الفعلية في محل حال إن كان المتقدم معرفة أو صفة إن كان المتقدم نكرة.

(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) جملة في موضع جر صفة لامرأة واليوم الآخر عطف على اسم الله (أن تحدّ على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه (أربعة أشهر وعشرًا) أي مع أيامها كما قاله الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة، وقيل: الحكمة في هذا العدد أن الولد يتكامل تخليقه وينفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يومًا وهي زيادة على أربعة أشهر بنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط واستدلّ بقوله لا يحل على تحريم الإحداد على غير الزوج وهو واضح وعلى وجوب الإحداد المدة المذكورة على الزوج وعورض بأن الاستثناء وقع بعد النفي فيدل علي الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب قال الشيخ كمال الدين: وما قيل من أن نفي حل الإحداد نفي الإحداد فاستثناؤه استثناء من نفيه

وهو إثباته فيصير حاصله لا إحداد إلا من زوج فإنها تحد وذلك يقتضي الوجوب لأن الإخبار يفيده على ما عرف ومن أن نفي حل الإحداد إيجاب الزينة فاستثناؤه استثناء من الإيجاب فيكون إيجابًا لأن الأصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه غير لازم، إذ نمنع كون نفي حل الشيء الحسي نفيًا له عن الوجود لغة أو شرعًا لتضمن الاستثناء الإخبار بوجوده بل نفي له عن الحل، ولو سلم فوجود الشيء أيضًا في الشرع لا يستلزم الوجوب لتحققه بالإباحة والندب بلا وجوب، وأيضًا استثناء الإحداد من إيجاب الزينة حاصله نفي وجوب الزينة وهو معنى حل الإحداد واتحاد الجنس حاصل مع هذا فإن المستثنى والمستثنى منه الإحداد ولا يتوقف اتحاد الجنس على صفة الوجوب فيهما فهو كالأول انتهى.

وأجيب: بأن في حديث التي شكت عينها وهو ثالث أحاديث هذا الباب دلالة على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح وبأن السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاًّ على الوجوب كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف ونحو ذلك.

وفي حديث أم سلمة المروي في الموطأ وأبي داود والنسائي قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل".

والظاهر أن الفعل مجزوم على النهي، وحديث أبي داود:"لا تحدّ المرأة فوق ثلاث إلا على زوج فإنه تحدّ أربعة أشهرًا وعشرًا" وهو أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} [البقرة: 228] والمراد به الأمر اتفاقًا والتقييد بالمرأة خرج مخرج الغالب فيجب الإحداد على الصغيرة كالعدة والمخاطب الولي فيمنعها مما تمنع منه المعتدة وهذا مذهب الجمهور خلافًا للحنفية وشمل قوله المرأة المدخول بها وغيرها والحرة والأمة والتقييد بالإيمان بالله ورسوله لا مفهوم له كما يقال هذا طريق المسلمين وقد يسلكه غيرهم.

5336 -

قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» . كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» . [الحديث 5336 - أطرافه في: 5338، 5706].

(قالت زينب) بنت أبي سلمة بالسند السابق وهذا هو الحديث الثالث (وسمعت) أمي (أم سلمة تقول جاءت امرأة) اسمها عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي،

وروى الإسماعيلي في مسند يحيى بن سعيد الأنصاري تأليفه من طريق يحيى المذكور عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت امرأة من قريش قال

ص: 188

يحيى: لا أدري أبنت النحام أم أمها بنت سعد ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت هي عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ابن حجر (وقد اشتكت عينها) بالرفع على الفاعلية وعليه اقتصر النووي في شرح مسلم ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، ويؤيده رواية مسلم اشتكت عيناها بلفظ التثنية ويجوز النصب وهو الذي في اليونينية على أن الفاعل ضمير مستتر في اشتكت وهي المرأة، ورجحه المنذري وقال الحريري: إنه الصواب وإن الرفع لحن. قال في درة الغواص: لا يقال اشتكت عين فلان والصواب أن يقال اشتكى فلان عينه لأنه هو المشتكي لا هي انتهى.

وردّ عليه برواية التثنية المذكورة إلا أن يجيب بأنه على لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة (أفتكحلها) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(لا) تكحلها قال ذلك: (مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول: لا) تأكيدًا للمنع لكن في الموطأ وغيره اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار والمراد أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل والأولى تركه فإن فعلت مسحته بالنهار (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هي") أي العدة الشرعية (أربعة أشهر وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن العظيم ولبعضهم وهو الذي في اليونينية الرفع على الأصل والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا قال: (وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول) والبعرة بفتح الموحدة والعين وتسكن قال في القاموس. رجيع ذي الخف والظلف واحدته بهاء الجمع أبعار وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الحكم في الإسلام صار بخرفه وهو كذلك بالنسبة لما وصف من الصنيع، لكن التقدير بالحول استمر في الإسلام بنص قوله تعالى:{وصية لأزواجهم متاعًا إلى الحول} [البقرة: 240] ثم نسخت بالآية التي قبل وهي {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234] والناسخ مقدم عليه تلاوة ومتأخر نزولًا كقوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس} [البقرة: 142] مع قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة: 144].

5337 -

قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَاّ مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. سُئِلَ مَالِكٌ رحمه الله: مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا.

(قال حميد): هو ابن نافع بالإسناد السابق (فقلت لزينب) بنت أبي سلمة: (وما) المراد بقوله

عليه الصلاة والسلام (ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب) بنت أبي سلمة: (كانت المرأة) في الجاهلية (إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وتسكين الفاء بعدها شين معجمة بيتًا صغيرًا جدًّا أو من شعر، وبالأول فسره أبو داود في روايته من طريق مالك، وعند النسائي من طريق أبي القاسم عن مالك أنه الخص بخاء معجمة مضمومة بعدها مهملة وقال الشافعي: الذليل الشعث البناء، وعند النسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه (ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبًا) بفتح التاء الفوقية والميم (حتى تمر بها) ولأبي ذر عن الكشميهني لها باللام بدل الموحدة (سنة) من وفاة زوجها (ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه (بدابة) بالتنوين. قال في القاموس: ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر (حمار) بالتنوين والجر بدلًا من سابقه (أو شاة أو طائر) أو للتنويع وإطلاق الدابة عليهما بطريق الحقيقة اللغوية كما مر (فتفتض به) بفاء فمثناة فوقية ففاء ثانية ففوقية أخرى فضاد معجمة مشددة. قال ابن قتيبة سألت الحجازين عن الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به. وقال الخطابي: هو من فضضت الشيء إذا كسرته وفرقته أي أنها كانت تكسر ما كانت فيه من الحداد بتلك الدابة. وقال الأخفش: معناه تتنظف به وهو مأخوذ من الفضة تشبيهًا له بنقائها وبياضها، وقيل تمسح به ثم تفتض أي

ص: 189

تغتسل بالماء العذب حتى تصير بيضاء نقية كالفضة. وقال الخليل: الفضفض الماء العذب يقال: افتضضت به أي اغتسلت به (فقلما تفتض بشيء) مما ذكر (إلا مات) ما مصدرية أي فقل افتضاضها بشيء، وقيل تكون "ما" في ثلاثة أفعال زائدة كافة لها عن العمل وهي قل وكثر وطال، وعلة ذلك شبه هذه الأفعال برب ولا تدخل هذه الأفعال إلا على جملة فعلية صرح بفعليتها كقوله:

قلما يبرح اللبيب إلى ما

يورث المجد داعيًا أو مجيبا

وعلى هذا تكتب قلما متصلة وعلى الأول تكتب منفصلة، وقوله بشيء يتعلق بتفتض وإلا إيجاب لهما في الجملة من معنى النفي لأن قولك قل يقتضي نفي الكثير بالإيجاب لنفيه، والمعنى قلما تفتض بشيء فيعيش (ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء (بعرة) من بعر الإبل أو الغنم وباب أعطى يتعدى إلى مفعولين: الأول هنا الضمير المستتر العائد عليها والثاني بعرة (فترمي) بها أمامها فيكون ذلك إحلالًا لها كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك، وفي رواية ابن وهب من وراء ظهرها، واختلف في المراد بذلك فقيل الإشارة إلى أنها رمت العدة رمي البعرة، وقيل إشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه لما انقضى كان عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارًا له وتعظيمًا في حق الزوج (ثم تراجع) بضم الفوقية بعد الراء ألف فجيم مكسورة (بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي (ما شاءث من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة. (سئل مالك) الإمام (ما) معنى قوله (تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها) ليس في هذا مخالفة لما نقله ابن قتيبة عن الحجازيين من أنها تمسح قبلها، لكنه أخص

منه لأن مالكًا -رحمه الله تعالى- أطلق الجلد، والذي نقله ابن قتيبة مبين أن المراد جلد القبل، وفي رواية النسائي تقبص بقاف ثم موحدة ثم مهملة مخففة وهي رواية الشافعي، والقبص بأطراف الأنامل. قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة إلى منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به.

‌47 - باب الْكُحْلِ لِلْحَادَّةِ

(باب) حكم استعمال (الكحل للحادة) أي التي تحد بفتح أوله وضم الحاء المهملة من الثلاثي وأما المحدة فمن أحد الرباعي، وقول السفاقسي صوابه للحاد بلا هاء مثل طالق وحائض لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر تعقبه في الفتح فقال: إنه جائز ليس بخطأ وإن كان الآخر أرجح، وقال العيني: إن كان يقال في طالق طالقة وفي حائض حائضة فيقال: أيضًا حادة وإن كان لا يقال: طالقة ولا حائضة فلا يقال: حادة. والصواب مع السفاقسي والذي ادّعى صاحب الفتح جوازه فيه نظر لا يخفى، وأجاب في المصابيح أن الزمخشري وغيره نصوا على أنه إن قصد في هذه الصفات معنى الحدوث فالتاء لازمة كحاضت فهي حائضة وطلقت فهي طالقة وقد تلحقها التاء إن لم يقصد الحدوث كمرضعة وحاملة فيمكن أن يمشي كلام البخاري على ذلك انتهى.

5338 -

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، فَخَشُوا عَيْنَيْهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ:«لَا تَكَحَّلْ، قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا. أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا. فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ فَلَا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ» . وَسَمِعْتُ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا حميد بن نافع) الأنصاري (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة عن أمها أن امرأة) تسمى عاتكة كما مر في الباب السابق (توفي زوجها) المغيرة (فخشوا) بالخاء المفتوحة والشين المضمومة المعجمتين وأصله خشيوا بكسر الشين وضم التحتية فاستثقلت ضمة الياء فنقلت لسابقها بعد سلب حركته فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الأولى وأبقيت الثانية إذ هي علامة الجمع فصار بوزن فعوا أي خافوا (عينيها) وللكشميهني على عينيها بالتثنية فيهما (فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال):

(لا تكحل) بفتح التاء والكاف والحاء المشددة أصله تتكحل فحذفت إحدى التاءين ولأبي ذر عن الكشميهني لا تكتحل بسكون الكاف

ص: 190

وكسر الحاء من باب الافتعال وعند ابن منده رمدت رمدًا وقد خشيت على بصرها وعند ابن حزم بسند صحيح من رواية القاسم بن أصبغ أني أخشى أن تنفقئ عينها قال: لا وإن انفقأت، ولذا قال مالك -رحمه الله تعالى- في رواية عنه تمنعه مطلقًا،

وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه، وبه قال الشافعي، لكن مع التقييد بالليل.

وأجابوا عن قصة هذه المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ونحوه وعند الطبراني أنها تشتكي عينها فوق ما يظن فقال صلى الله عليه وسلم: لا (قد كانت إحداكن) في الجاهلية (تمكث) إذا توفي زوجها (في شر أحلاسها) بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة (أو شر بيتها) بالشك من الراوي هل وقع الوصف لثيابها أو مكانها (فإذا كان حول) من وفاة زوجها (فمر) عليها (كلب رمت ببعرة) لتري من حضرها أن مقامها حولًا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبًا، وظاهره أن رميها البعرة متوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وهذا التفسير وقع هنا مرفوعًا كله بخلاف ما وقع في الباب السابق فلم تسنده زينب وهو غير مقنض للأدراج في رواية شعبة لأن شعبة من أحفظ الناس فلا يقضي على روايته برواية غيره بالاحتمال قاله الحافظ ابن حجر (فلا) نكتحل (حتى تمضي أربعة أشهر وعشر) قال حميد بالسند السابق.

(وسمعت زينب ابنة أم سلمة) ولأبي ذر بنت أبي سلمة (تحدّث عن أم حبيبة) بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال):

5339 -

«لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إِلَاّ عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» .

(لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد) بضم أوله وكسر الحاء المهملة على ميت (فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا) والتقييد بالإسلام ولاحقه للمبالغة في الزجر إذ الإحداد من حق الزوج وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب فتدخل الذمية في النهي كما يدخل الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه.

5340 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ إِلَاّ بِزَوْجٍ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر) بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة ابن المفضل بن لاحق الإمام أبو إسماعيل قال: (حدّثنا سلمة بن علقمة) البصري (عن محمد بن سيرين) أحد الأعلام (قالت أم عطية) نسيبة الأنصارية: (نهينا) بضم النون وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول (أن نحد) بضم النون وكسر الحاء المهملة أي على ميت (أكثر من ثلاث إلا بزوج) بسبب زوج ولأبي ذر عن الكشميهني إلا زوج كذا أورده مختصرًا وفي الباب اللاحق مطوّلًا.

‌48 - باب الْقُسْطِ لِلْحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْرِ

(باب) بيان استعمال (القسط) بضم القاف وسكون السين بعدها طاء مهملتين العود الذي

يتبخر به (للحادة عند الطهر) من المحيض إذا كانت من ذوات الحيض.

وسبق ما في لفظ الحادة في الباب السابق.

5341 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَلَا نَكْتَحِلَ، وَلَا نَطَّيَّبَ، وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إِلَاّ ثَوْبَ عَصْبٍ. وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ القُسْطُ وَالكُسْتُ مِثْلَ الكَافُورِ وَالقافُورِ. نُبْذَةٌ قِطْعَةٌ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي البصري قال:

(حدّثنا حماد بن زيد) بتشديد الميم ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي (عن أيوب) السختياني الإمام (عن حفصة) بنت سيرين أم الهذيل البصرية الفقيهة (عن أم عطية) نسيبة أنها (قالت: كنا ننهى) بضم أوله وفتح الحاء والناهي الشارع فله حكم الرفع كالذي قبله ووقع التصريح به في الذي يليه (أن نحد) بضم النون وكسر الحاء (على ميت) أب أو غيره (فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا) خرج مخرج الغالب وإلا فذوات الحمل بوضعهن كما لا يخفى (ولا نكتحل) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق كقوله (ولا نطيب) بتشديد الطاء (ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين آخره موحدة من برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج مصبوغًا فيخرج موشّى لبقاء ما عصب منه أبيض ولم ينصبغ وإنما يعصب السدي دون اللحمة.

فإن قلت: ما الحكمة في وجوب الإحداد في عدة الوفاة دون الطلاق؟ أجيب: بأن الزينة والطيب يستدعيان النكاح فنهيت عنه زجرًا لأن الميت لا يتمكن من منع معتدته من النكاح بخلاف المطلق الحي فإنه

ص: 191

يستغنى بوجوده عن زاجر آخر.

(وقد رخص لنا) بضم الراء وكسر الخاء المعجمة المشددة (عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها) ولأبي ذر عن الكشميهني من حيضتها لإزالة الرائحة لا للتطيب (في نبذة) بنون مضمومة فموحدة ساكنة فذال معجمة مفتوحة شيء قليل (من كست أظفار) تتبع به أثر الدم وكست بضم الكاف وسكون المهملة مضاف للاحقه قال الصغاني: في أظفار صوابه ظفار بفتح المعجمة مخففًا موضع بساحل عدن (وكنا ننهى) بضم النون وفتح الهاء (عن اتباع الجنائز. قال أبو عبد الله) البخاري: (القسط) بالقاف (والكست) بالكاف (مثل الكافور) بالكاف (والقافور) بالقاف يبدل كل واحد منهما من الآخر (نبذة) أي (قطعة) وليس هذا في الفرع كأصله بل ولا في كثير من النسخ، نعم هو ثابت في الفرع كأصله في آخر الباب اللاحق لأبي ذر.

‌49 - باب تَلْبَسُ الْحَادَّةُ ثِيَابَ الْعَصْبِ

هذا (باب) بالتنوين (تلبس) المرأة (الحادة ثياب العصب) برودًا يمنية كما مرّ، وقيل فيها بياض وسواد، وعصب بمعنى معصوب وإضافة ثياب إلى عصب من إضافة الموصوف إلى صفته، وفيه الخلاف المشهور في تأويله بين البصريين والكوفيين.

5342 -

حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَاّ ثَوْبَ عَصْبٍ» .

وبه قال: (حدّثنا الفضل بن دكين) بالدال المهملة المضمومة وفتح الكاف وتسكين التحتية بعدها نون قال: (حدّثنا عبد السلام بن حرب) أبو بكر النهدي الكوفي (عن هشام) هو ابن حسان القردوسي بضم القاف والدال المهملة بينهما راء ساكنة وبعد الواو سين مهملة كما قاله المزي فيما ذكره العيني، وقال الحافظ ابن حجر: هو الدستوائي (عن حفصة) بنت سيرين (عن أم عطية) نسبية أنها (قالت: قال النبي) ولأبي ذر قال لي النبي (صلى الله عليه وسلم):

(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) خرج مخرج المبالغة فلا يستدل به لإخراج الذمية كما قاله الإمام أبو حنيفة مع إنكاره المفاهيم ففيه مخالفة لقاعدته (أن تحد) على ميت (فوق ثلاث). سبق في حديث أم حبيبة في الطريق الأولى ثلاث ليال، وفي الطريق الثانية ثلاثة أيام وجمع بإرادة الليالي بأيامها ويحمل المطلق هنا على المقيد الأول ولذلك أنث وهو محمول أيضًا على أن المراد ثلاث ليال بأيامها (إلا على زوج فإنها) تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا و (لا تكتحل) إلا لضرورة ليلًا وتمسحه نهارًا (ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا) نعت لثوب (إلا ثوب عصب) نصب على الاستثناء المتصل لأن ثياب العصب مصبوغة أيضًا، ويحتمل أن يكون العصب ليس من الجنس فيكون الاستثناء منقطعًا وهو منصوب أيضًا، وخرج بالمصبوغ غير المصبوغ كالكتان والإبريسم لم يكن فيه زينة كنقش وما إذا كان المصبوغ لا لزينة بل لمصيبة أو احتمال وسخ كالأسود.

5343 -

وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ

0000 -

حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَتْنَا حَفْصَةُ حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَطِيَّةَ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَمَسَّ طِيبًا إِلَاّ أَدْنَى طُهْرِهَا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: القُسْطُ وَالكُسْتُ مِثْلَ الكَافُورِ وَالقافُورِ.

(وقال الأنصاري) محمد بن عبد الله بن المثنى شيخ المؤلّف فيما وصله البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي عنه (حدّثنا هشام) الدستوائي أو ابن حسان كما مرّ قال: (حدّثتنا) بتاء التأنيث (حفصة) بنت سيرين قالت: (حدّثتني) بتاء التأنيث والإفراد (أم عطية) الأنصارية رضي الله عنها

(نهى النبي صلى الله عليه وسلم) لم يذكر المنهي عنه اختصارًا للدلالة المروي السابق عليه ولفظ البيهقي: أن تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا ولا تلبس مصبوغًا إلا ثوب عصب ولا تكتحل (ولا تمس طيبًا إلا أدنى) أي عند قرب (طهرها) أو أقل طهرها (إذا طهرت) من حيض أو نفاس (نبذة) قليلًا (من قسط وأظفار) نوعان من البخور وقوله إذا طهرت ظرف فاصل بين المستثنى والمستثنى منه التقدير ولا تمس طيبًا إلا نبذة من قسط وأظفار إذا طهرت (قال أبو عبد الله) المؤلّف: (القسط والكست) بالكاف والتاء الفوقية بدل القاف والطاء (مثل) ما يقال في (الكافور) بالكاف (والقافور) بالقاف، وسقط قوله قال أبو عبد الله إلى آخره لغير أبي ذر.

‌50 - باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({والذين يتوفون منكم ويذرون}) ويتركون ({أزواجًا} -إلى قوله-) تعالى: ({بما تعملون خبير})[البقرة: 234] عالم بالبواطن وساق في رواية كريمة الآية كلها.

5344 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، لِقَوْلِ اللَّهِ:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ} [البقرة: 240] قَالَ: عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَا سُكْنَى لَهَا.

وبه قال:

ص: 192

(حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو بعدها حاء مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة القيسي البصري قال: (حدّثنا شبل) بكسر المعجمة وسكون الموحدة ابن عبادة مقرئ مكة قرأ على ابن كثير المكي (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة مهملة عبد الله واسم أبي نجيح يسار ضد اليمين (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر أنه قال في تفسير قوله تعالى: ({والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} قال: كانت هذه العدة) أي التربص أربعة أشهر وعشرًا

المذكور في الآية (تعتد عند أهل زوجها) أمرًا (واجبًا) ولكريمة واجب بالرفع خبر مبتدأ محذوف (فأنزل الله) تعالى بعدها ({والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم متاعًا}) نصب بالوصية لأنها مصدر أو تقديره متعوهن متاعًا ({إلى الحول}) صفة لمتاعًا ({غير إخراج}) مصدر مؤكد كقولك هذا القول غير ما تقول ({فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن}) من التزين والتعرض للخطاب ({من معروف})[البقرة: 240] مما ليس بمنكر في الشرع (قال) مجاهد (جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة) في هذه الآية الثانية (وصية) من زوجها (إن شاءت سكنت في وصيتها) التى أوصاها لها الزوج (وإن شاءت خرجت) بعد الأربعة الأشهر والعشر (وهو قول الله تعالى: {غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم} فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك) قاله ابن أبي نجيح (عن مجاهد) وكأن الحامل له على ذلك كما قاله الخطابي استشكال أن يكون الناسخ قبل المنسوخ، فرأى أن استعمالها ممكن بحكم غير متدافع لجواز أن يوجب الله على المعتدّة أربعة أشهر وعشرًا، ويوجب على أهلها أن تبقى عندهم بقية الحول إن أقامت عندهم وهو قول لم يقله أحد من الفسرين ولا تابعه أحد من الفقهاء عليه.

(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (نسخت هذه الآية) الأولى (عدّتها عند أهلها) المذكورة في الآية الثانية (فتعتد حيث شاءت) لأن السكنى تبع للعدّة فلما نسخ الحول بالأربعة الأشهر والعشر نسخت السكنى أيضًا (و) كذا (قول الله تعالى {غير إخراج}) نسخ أيضًا كما عليه الجمهور (وقال عطاء) أيضًا: (إن شاءت) المتوفى عنها زوجها (اعتدت عند أهلها) ولأبي ذر عن الكشميهني: عند أهله (وسكنت في وصيتها إن شاءت خرجت لقول الله) تعالى: ({فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن}) وسقط لفظ أنفسهن لغير أبي ذر (قال عطاء) المذكور (ثم جاء الميراث فنسخ السكنى) كما نسخت آية الخروج وهي فإن خرجن فلا جناح عليكم وجوب الاعتداد عند أهل الزوج (فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها) وهو قول أبي حنيفة كما مر.

5345 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ ابْنَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا جَاءَهَا نَعِيُّ أَبِيهَا، دَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَحَتْ ذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة (عن سفيان) الثوري (عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم) أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (حميد بن نافع) الأنصاري (عن زينب ابنة أم سلمة) ولأبي ذر بنت أبي سلمة (عن أم حبيبة ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سفيان) صخر بن حرب (لما جاءها نعيّ) بفتح النون وكسر العين المهملة وتشديد التحتية وبسكون العين وتخفيف التحتية خبر موت

(أبيها) أبي سفيان (دعت بطيب فمسحت) منه (ذراعيها وقالت: ما ليس بالطيب من حاجة لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول):

(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا). واستدلّ به على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية، ومن ثم تناولت أم حبيبة الطيب لتخرج عن عهدة الإحداد وصرحت بأنها لم تتطيب لحاجة إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر.

‌51 - باب مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً وَهْوَ لَا يَشْعُرُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا أَخَذَتْ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لَهَا صَدَاقُهَا

(باب) حكم (مهر البغي) بفتح

ص: 193

الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية من البغاء وهو الزنا (و) حكم (النكاح الفاسد) كنكاح الشغار فيبطل ولكل واحدة منهما مهر مثلها ونكاح المتعة والمستبرأة من غيره.

(وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي شيبة (إذا تزوّج) امرأة (محرمة) عليه بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المفتوحة آخرها هاء تأنيث، ولأبي ذر عن المستملي: محرمة بفتح الميم وسكون الحاء وهاء مضمومة ضمير غيبة أي ذات محرم كأم وأخت بنسب أو رضاع (وهو) أي والحال أن الرجل (لا يشعر) أنها محرمة (فرق بينهما) بضم الفاء وكسر الراء المشددة (ولها ما أخذت) منه من الصداق المسمى (وليس لها غيره، ثم قال) الحسن (بعد) بالبناء على الضم (لها صداقها) أي صداق مثلها وقول الحسن هذا ساقط للحموي.

5346 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري (رضي الله عنه) أنه (قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم) نهي تحريم (عن ثمن الكلب) المعلم وغيره لنجاسته وقال الحنفية: وسحنون من المالكية يجوز بيع المنتفع به من الكلاب (و) نهى أيضًا عن (حلوان الكاهن) ما يأخذه الذي يدّعي علم الغيب بواسطة جني ونحو ذلك قال الماوردي: ويمنع من يكتسب بالكهانة واللهو ويؤدب الآخذ

والمعطي (و) عن (مهر البغي) ما تأخذه الزانية على الزنا وسماه مهرًا لكونه على صورته فهو من مجاز التشبيه أو أطلق عليه ذلك بالمعنى اللغوي.

وهذا الحديث سبق في البيع.

5347 -

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ.

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه) أبي جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه أنه (قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة) التي تغرز الجلد بالإبر ثم تحشى بالكحل (والمستوشمة) المفعول بها ذلك لما فيه من تغيير خلق الله تعالى (و) لعن أيضًا (آكل الربا) آخذه (وموكله) مطعمه لأنهما اشتركا في الفعل وإن كان أحدهما مغتبطًا والآخر مهتضمًا (ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغيّ) إذا كان من وجه غير حلال كالزنا كالخياطة والغزل (ولعن المصوّرين) للحيوان.

5348 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الجوهري الحافظ قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن جحادة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة المخففة الأيامي بتخفيف التحتية وبعد الألف ميم (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الإماء) من وجه حرام كالزنا فبذل العوض عليه وأخذه حرام.

وهذا الحديث أورده مختصرًا بالاقتصار على المراد من الترجمة، وزاد في بعض الروايات وكسب الحجام ولا ريب أن الحجامة مباحة وكراهة كسبه إذ هو في مقابلة مخامرة النجاسة وقد يكون الكلام في الفصل الواحد بعضه على الوجوب وبعضه على الحقيقة وبعضه على المجاز ويفرق بينهما بدلائل الأصول واعتبار معانيها، وقد يتوقف الحكم في الذي يجمع بالعطف على المجموع لا على إفراده كقولك: إن دخل الدار زيد وعمرو وبكر فلهم درهم فلا يستحق من دخل منهم الدار على انفراده الدرهم ولا شيئًا منه حتى يدخل قرينه.

‌52 - باب الْمَهْرِ لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهَا وَكَيْفَ الدُّخُولُ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَسِيسِ

(باب) حكم (المهر للمدخول) ولأبي ذر للمدخولة (عليها وكيف الدخول) أي بم يثبت (أو)

كيف الحكم إذا (طلقها قبل الدخول و) كيف (المسيس) أو هو معطوف على الدخول أي إذا طلقها قبل الدخول وقبل المسيس وثبت المسيس في رواية أبي ذر عن الحموي.

5349 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ: فَرَّقَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلَانِ وَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» ؟ فَأَبَيَا. فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» ؟ فَأَبَيَا. فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ: «لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ لَا أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ مَالِي: قَالَ: «لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهْوَ أَبْعَدُ مِنْكَ» .

وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وزرارة بضم الزاي وراءين بينهما ألف قال: (أخبرنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قلت لابن عمر) رضي الله عنهما (رجل قذف امرأته)

ص: 194

ما الحكم فيه؟ (فقال: فرق نبي الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان) بتثنية أخوي والعجلان بفتح العين المهملة وسكون الجيم وهو من باب التغليب (وقال):

(الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل) أحد (منكما تائب فأبيا) فامتنعا (فقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فأبيا) ثبت ذلك مرتين (ففرق بينهما) صلى الله عليه وسلم تنفيذًا لما أوجب الله بينهما من المباعدة بنفس الملاعنة.

(قال أيوب) السختياني بالسند السابق (فقال لي عمرو بن دينار في الحديث شيء لا أراك تحدثه قال: قال الرجل مالي)؟ الذي أصدقتها (قال: لا مال لك) لأنك (إن كنت صادقًا) فيما ادّعيت عليها (فقد دخلت بها) واستوفيت حقك منها وفيه أن من أغلق بابًا وأرخى سترًا على المرأة فقد وجب لها الصداق وعليها العدة وبذلك قال أهل الكوفة وأحمد لأن الغالب عند إغلاف الباب وإرخاء الستر على المرأة وقوع الجماع فأقيمت المظنة مقام المئنة لما جبلت عليه النفوس في تلك الحالة من عدم الصبر عن الوقاع غالبًا لغلبة الشهوة وتوفير الداعية وذهب الشافعي وطائفة إلى أن المهر لا يجب كاملًا إلا بالجماع لقوله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] وأجابوا عن حديث الباب أنه ثبت في الرواية الأخرى في حديث الباب فهو بما استحللت من فرجها فلم يكن في قوله دخلت عليها حجة لمن قال: إن مجرد الدخول يكفي، وقال مالك: إذا دخل بالمرأة في بيته صدقت عليه وإن دخل بها في بيتها صدق عليها (وإن كنت كاذبًا) فيما قلته (فهو) أي المال (أبعد منك) لئلا يجمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته منك قبضًا صحيحًا تستحقه.

وهذا الحديث سبق في اللعان.

‌53 - باب الْمُتْعَةِ لِلَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وَقَوْلِهِ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُلَاعَنَةِ مُتْعَةً حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا

(باب) وجوب (المتعة) وهي مال يدفعه الزوج (للتي) للمطلقة التي (لم) يجب لها نصف مهر فقط بأن وجب لها جميع المهر أو كانت مفوضة لم توطأ ولم (يفرض لها) صداق صحيح (لقوله تعالى: {لا جناح عليكم}) لا تبعة عليكم ({إن طلقتم النساء}) شرط ويدل على جوابه لا جناح عليكم والتقدير إن طلقتم النساء فلا جناح عليكم ({ما لم تمسوهن}) ما لم تجامعوهن وما شرطية أي إن لم تمسوهن ({أو تفرضوا لهن فريضة}) إلا أن تفرضوا لهن فريضة أو حتى تفرضوا وفرض الفريضة تسمية المهر ومتعوهن (-إلى قوله- {إن الله بما تعملون بصير})[البقرة: 236] فيجازيكم على تفضلكم ولأن المفوضة لم يحصل لها شيء فيجب لها متعة للإيحاش (و) للأولى التي وجب لها جميع المهر في (قوله) تعالى: ({وللمطلقات متاع بالمعروف حقًّا على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون})[البقرة: 241] وخصوص قوله تعالى: {فتعالين أمتعكن} [الأحزاب: 28] ولأن المهر في مقابلة منفعة بضعها وقد استوفاها الزوج فتجب للإيحاش متعة وأما من وجب لها النصف فقط فلا متعة لها لأنه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي نصف مهرها للإيحاش ولأنه تعالى لم يجعل لها سواه بقوله عز وجل: {فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] ويسن أن لا تنقص المتعة عن ثلاثين درهمًا وأن لا تبلغ نصف المهر وعبر جماعة بأن لا تزاد على خادم فلا حد للواجب، وقيل هو أقل ما يتمول ومتع الحسن بن علي زوجته بعشرة آلاف.

وقال: متاع قليل من حبيب مفارق. وقال المالكية: لا تجب المتعة أصلًا واحتج له بعضهم بأنها لم تقدر. وأجيب: بأن عدم التقدير لا يمنع الوجوب كنفقة القريب وعن أبي حنيفة تختص بالمطلقة قبل الدخول ولم يسم لها صداق (ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الملاعنة متعة حين طلقها زوجها).

5350 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي. قَالَ: «لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهْوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن سعيد بن جبير عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين):

(حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل) لا طريق (لك) على الاستيلاء (عليها) ففيه تأبيد الحرمة فلا يملك عصمتها بوجه من الوجوه (قال: يا رسول الله):

أيذهب (مالي) الذي دفعته لها مهرًا (قال) صلى الله عليه وسلم له: (لا مال لك) لأنك (إن كنت صدقت عليها) فيما قلته عليها (فهو) أي المال

ص: 195

(بما استحللت من فرجها) بحذف العائد (وإن كنت كذبت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كاذبًا (عليها فذاك) الطلب لما صدقتها (أبعد وأبعد لك منها).

وتفدّم الحديث في اللعان والله المعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

‌69 - كتاب النفقات

‌1 - باب (فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ)

{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} وَقَالَ الْحَسَنُ: الْعَفْوُ الْفَضْلُ

(بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب النفقات) جمع نفقة مشتقة من النفوق وهو الهلاك يقال: نفقت الدابة تنفق نفوقًا هلكت ونفقت الدراهم تنفق نفقًا أي نفدت وأنفق الرجل افتقر وذهب ماله أو من النفاق وهو الرواج يقال: نفقت السلعة نفاقًا راجت، وذكر الزمخشري أن كل ما فاؤه نون وعينه فاء يدل على معنى الخروج والذهاب مثل نفق ونفر ونفخ ونفس ونفذ، وفي الشرع عبارة عما وجب لزوجة أو قريب أو مملوك وجمعها لاختلاف أنواعها من نفقة زوج وقريب ومملوك (وفضل النفقة) بجر فضل عطفًا على المجرور السابق ولأبي ذر والنسفي تأخير البسملة عن قوله كتاب النفقات، ثم قال: باب فضل النفقة (على الأهل) لكن لفظ باب ساقط ولأبي ذر.

({ويسألونك}) ولأبي ذر وقول الله تعالى: ويسألونك ({ماذا ينفقون قل العفو}) قرأه بالرفع أبو عمرو على أن ما استفهامية وذا موصولة فوقع جوابها مرفوعًا خبر المبتدأ محذوف مناسبة بين الجواب والسؤال والتقدير إنفاقكم العفو والباقون بالنصب على أن ماذا اسم واحد فيكون مفعولًا مقدمًا تقديره أي شيء ينفقون فوقع جوابها منصوبًا بفعل مقدر للمناسبة أيضًا والتقدير أنفقوا العفو ({كذلك}) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي تبيينًا مثل هذا التبيين ({يبيّن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا}) في أمر الدنيا ({والآخرة})[البقرة: 219، 220] وفي تتعلق بتتفكرون أي تتفكرون فيما يتعلق بالدارين فتأخذون بما هو أصلح لكم.

(وقال الحسن) البصري رحمه الله فيما وصله عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زيادات

بسند صحيح عنه (العفو فضل). وعند ابن أبي حاتم من مرسل يحيى بن أبي كثير بسند صحيح أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: إن لنا أرقاء وأهلين فيما ننفق من أموالنا؟ فنزلت. وعن ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم أيضًا أن المراد بالعفو ما فضل عن الأهل.

5351 -

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، فَقُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ فَقَالَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» .

وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة (الأنصاري عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو (الأنصاري) البدري قال شعبة بن الحجاج: كما بينه عند الإسماعيلي في رواية له فيما نبه عليه في الفتح أو عبد الله بن يزيد كما قاله العيني: (فقلت) لأبي مسعود أترويه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أو تقوله اجتهادًا؟ (فقال) إنما أرويه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(إذا أنفق المسلم نفقة) دراهم أو غيرها (على أهله) زوجته أو ولده وأقاربه، ويحتمل أن يختص بالزوجة ويلتحق بها غيرها بطريق الأولى لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولى (وهو) أي والحال أنه (يحتسبها) أي يريد بها وجه الله تعالى بأن يتذكر أنه يجب عليه الإنفاق فينفق بنية أداء ما أمر به (كانت) أي النفقة (له صدقة) أي كالصدقة في الثواب وإلا لحرمت على الهاشمي والمطلبي والصارف له عن الحقيقة الإجماع وإطلاق الصدقة على النفقة مجاز والمراد بها الثواب كما سبق هنا فالتشبيه واقع على أصل الثواب لا في الكمية ولا في الكيفية.

وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم المؤونة ترغيبًا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوّع، وقال ابن المنير: تسمية الفقة صدقة من جنس تسمية الصداق نحلة فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتأنيس والتحصن

ص: 196

وطلب الولد كان الأصل أن لا يجب لها عليه شيء إلا أن الله تعالى خص الرجل بالفضل على المرأة وبالقيام عليها ورفعه عليها بذلك درجة فمن ثم جاز إطلاق النحلة على الصداق والصدقة على النفقة.

وهذا الحديث قد مرّ في باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة من كتاب الإيمان.

5352 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ، أُنْفِقْ عَلَيْكَ» .

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي

الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(قال الله) تعالى (أنفق) بفتح الهمزة وكسر الفاء وسكون القاف أمر من الإنفاق (يا ابن آدم أُنفق عليك) بضم الهمزة والجزم جواب الأمر.

وهذا الحديث ذكره المؤلّف رحمه الله في تفسير سورة هود من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بأتمّ من هذا ولفظه: قال الله تعالى: أنفق أُنفق عليك، وقال: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق الله السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع. قال في شرح المشكاة قوله: أُنفق عليك من باب المشاكلة لأن إنفاق الله تعالى لا ينقص من خزائنه شيئًا كما قال: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة وإليه يلمح قوله تعالى: {ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ} [النحل: 96]. وفي رواية مسلم من طريق همام عن أبي هريرة أن الله تعالى قال لي: أنفق أُنفق عليك بزيادة لفظ (لي) على رواية البخاري، فالمراد بابن آدم النبي صلى الله عليه وسلم أو جنس بني آدم ويكون تخصيصه صلوات الله وسلامه عليه بإضافته إلى نفسه لكونه رأس الناس فتوجه الخطاب إليه ليعمل به ويبلغ أمته قال في الفتح.

5353 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ» . [الحديث 5353 - أطرافه في: 6006 - 6007].

وبه قال: (حدّثني يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام الأعظم (عن ثور بن زيد) بالثاء المثلثة الديلي (عن أبي الغيث) بالغين المعجمة وبعد التحتية الساكنة مثلثة سالم مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(الساعي) الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفقه (على) المرأة (الأرملة) بفتح الهمزة والميم بينهما راء ساكنة التي لا زوج لها (والمسكين) في الثواب (كالمجاهد في سبيل الله) عز وجل (أو القائم الليل) بالحركات الثلاث كما في الحسن الوجه في الوجوه الأعرابية وإن اختلفا في بعضها بكونه حقيقة أو مجازًا وثبت بالشك في جميع الروايات عن مالك (الصائم النهار) وفي رواية القعنبي عن مالك عند المؤلّف في الأدب وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر، ومطابقة الحديث للترجمة من جهة إمكان اتصاف الأهل أي الأقارب بالصفتين المذكورتين وإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين فالمنفق على المتصف بهما أولى.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأدب وكذا مسلم وأخرجه الترمذي في البرّ والنسائي في الزكاة وابن ماجة في التجارات.

5354 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: لِي مَالٌ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: «لَا» قُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ: «لَا» قُلْتُ: فَالثُّلُثُ. قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَنْ تَدَعَ. وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ، يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عامر بن سعد عن) أبيه (سعد) أي ابن أبي وقاص رضي الله عنه أنه (قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض بمكة) عام حجة الوداع (فقلت) له يا رسول الله (لي مال) ولا يرثني إلا ابنة فهل (أوصي بمالي كله) صدقة بعد فرض ابنتي (وقال) صلى الله عليه وسلم:

(لا. قلت: فالشطر)؟ بالفاء والجرّ ولأبي ذر بالرفع (قال) عليه الصلاة والسلام (لا. قلت: فالثلث)؟ بالجرّ والرفع (قال) عليه الصلاة والسلام: يكفيك (الثلث والثلث كثير) بالمثلثة (أن تدع) بفتح الهمزة أي تترك (ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة) بالعين المهملة وتخفيف اللام فقراء (يتكففون الناس في أيديهم) أي يمدّون إلى الناس أكفهم للسؤال (ومهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة) حال كونك (ترفعها في فِي

ص: 197

امرأتك) فيه أن المباح إذا قصد به وجه الله صار قربة يثاب عليه (ولعل الله يرفعك ينتفع بك ناس ويضرّ بك آخرون) ببناء الفعلين للمفعول وقد وقع ذلك فإنه عاش حتى فتح العراق وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار.

وهذا الحديث سبق في كتاب الجنائز.

‌2 - باب وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ وَالْعِيَالِ

(باب وجوب النفقة على الأهل) الزوجة (والعيال) من عطف العام على الخاص وعيال الرجل من يقوم بهم وينفق عليهم وبدأ بالزوجة لأنها أقوى لوجوبها بالمعاوضة وغيرها بالمواساة، ولأنها لا تسقط بمضيّ الزمان والعجز بخلاف غيرها ولوجوبها سببان: نسب وملك فيجب بالنسب خمس نفقات.

نفقة الأب الحرّ وآبائه وأمهاته. ونفقة الأم الحرّة وآبائها وأمهاتها لقوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا} [لقمان: 15]. ومنه القيام بمؤونتها، ونفقة الأولاد الأحرار وأولادهم بشرط يسار المنفق بفاضل عن قوته وقوت زوجته وخادمها وخادمه وولده يومه وليلته ويعتبر مع القوت الكسوة والسكنى.

ويجب بالملك خمس أيضًا: نفقة الزوجة ومملوكها والمعتدّة إن كانت رجعية أو حاملًا ومملوكها ومملوك من رقيق وحيوان فللزوجة على الغنيّ مدّان ولخادمها مدّ وثلث وعلى المتوسط لها مدّ ونصف ولخادمها مدّ وعلى المعسر لها مدّ وكذا لخادمها، ومن أوجبنا له النفقة أوجبنا له المدّ والكسوة والسكنى وتسقط النفقة بمضي الزمان بلا إنفاق إلا نفقة الزوجة فلا تسقط بل تصير دينًا في ذمته لأنها بالنسبة إليها معاوضة في مقابلة التمكين للتمتع وبالنسبة إلى غيرها مواساة، وظاهر أن خادمة الزوجة مثلها.

وقال الحنفية: ولا تجب نفقة مضت لأنها صلة فلا تملك إلا بالقبض كالهبة إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة أو صالحت الزوج على مقدار منها فيقضي لها بنفقة ما مضى لأن فيه حقين حق الزوج وحق الشرع فمن حيث الاستمتاع وقضاء الشهوة وإصلاح المعيشة حق الزوج ومن حيث تحصيل الولد وصيانة كل واحد منهما عن الزنا حق الشرع فباعتبار حقه عوض، وباعتبار حق الشرع صلة فإذا تردّد بينهما فلا يستحكم إلا بحكم القاضي عليهما.

قال الزيلعي: وفي الغاية أن نفقة ما دون شهر لا تسقط وعزاه إلى الذخيرة قال: فكأنه جعل القليل مما لا يمكن التحرز عنه إذ لو سقطت بمضيّ يسير من المدة لما تمكنت من الأخذ أصلًا.

5355 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي. وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي. وَيَقُولُ الاِبْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟ فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان السمان (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):

(أفضل الصدقة ما ترك غنى) بحيث لم يجحف بالمتصدق (واليد العليا) وهي المعطية (خير من اليد السفلى) وهي السائلة (وابدأ) في الإنفاق (بمن تعول) بمن تجب عليك نفقته وفي حديث النسائي عن أبي هريرة قال رجل: يا رسول الله عندي دينار قال: "تصدّق به على نفسك" قال: عندي آخر قال: "تصدّق به على زوجتك" قال: عندي آخر قال: "تصدّق به على خادمك" قال: عندي آخر قال: "أنت أبصر به"(تقول المرأة) لزوجها: (إما أن تطعمني) وللنسائي إما أن تنفق عليّ (وإما أن تطلقني، ويقول العبد أطعمني) بهمزة قطع (واستعملني) وزاد الإسماعيلي وإلاّ فبعني (ويقول الابن: أطعمني إلى مَن تدعني) وللإسماعيلي إلى من تكلني (فقالوا: يا أبا هريرة سمعت

هذا) يعني قوله تقول المرأة إلى آخره (من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا هذا من كيس أبي هريرة) بكسر الكاف أي من كلامي أدرجته في آخر الحديث لا مما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فهو موقوف استنبطه مما فهمه من الحديث المرفوع الواقع.

وقال في الكواكب الدراري: والكيس بكسر الكاف الوعاء وهذا إنكار على السائلين عنه يعني ليس هذا إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه نفي يريد به الإثبات وإثبات يريد به النفي على سبيل التعكيس قال وفي بعضها بفتح

ص: 198

الكاف أي من عقل أبي هريرة وكياسته وفيه أن النفق على الولد ما دام صغيرًا أو لا مال له ولا حِرفة لأن قوله إلى من تدعني؟ إنما هو قول من لا يرجع إلى شيء سوى نفقة الأب ومن له حِرفة أو مال غير محتاج إلى قول ذلك، واستدلّ بقوله: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني من قال يفرّق بين الرجل وزوجته إذا أعسر بالنفقة واختارت فراقه كما يفسخ بالجب والعنة بل هذا أولى لأن الصبر عن التمتع أسهل منه عن النفقة ونحوها لأن البدن يبقى بلا وطء ولا يبقى بلا قوت وأيضًا منفعة الجماع مشتركة بينهما فإذا ثبت في المشترك جواز الفسخ لعدمه ففي عدم المختص بها أولى وقياسًا على المرقوق فإنه يبيعه إذا أعسر بنفقته ولا فسخ للزوجة بنفقة عن مدة ماضية إذا عجز عنها لتنزلها منزلة دين آخر يثبت في ذمته.

وقال الحنفية: إذا أعسر بالنفقة تؤمر بالاستدانة عليه ويلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] وغاية النفقة أن تكون دينًا في الذمة وقد أعسر بها الزوج فكانت المرأة مأمورة بالإنظار بالنص، ثم إن في إلزام الفسخ إبطال حقه بالكلية وفي إلزام الإنظار عليها والاستدانة عليه تأخير حقها دينًا عليه وإذا دار الأمر بينهما كان التأخير أولى به وفارق الجب والعنة والمملوك لأن حق الجماع لا يصير دينًا على الزوج ولا نفقة المملوك تصير دينًا على المالك ويخص المملوك أن في إلزام بيعه إبطال حق السيد إلى خلف هو الثمن فإذا عجز عن نفقته كان النظر من الجانبين في إلزامه ببيعه إذ فيه تخليص المملوك من عذاب الجوع وحصول بذل القائم مقامه للسيد بخلاف إلزام الفرقة فإنه إبطال حقه بلا بذل وهو لا يجوز بدلالة الإجماع على أنها لو كانت أم ولد عجز عن نفقتها لم يعتقها القاضي عليه قاله الشيخ كمال الدين.

وهذا الحديث أخرجه النسائي في عشرة النساء.

5356 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ، مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» .

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بالعين المهملة المضمومة والفاء المفتوحة مصغرًا (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن خالد بن

مسافر) أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول) قال في شرح السُّنّة: أي غنى يعتمده ويستظهر به على النوائب التي تنوبه، وقال التوربشتي هو مثل قولهم هو على ظهر سير وراكب متن السلامة وممتط غارب الغير ونحو ذلك من الألفاظ التي يعبر بها عن التمكن من الشيء والاستواء عليه والتنكير فيه للتعظيم، وقال الطيبي: استعير الصدقة للإنفاق حثا عليه ومسارعة فيما يرجى منه جزيل الثواب ومن ثم أتبعه بما ينبغي أن تحمل فيه الصدقة على الإنفاق مطلقًا، وقوله:"وابدأ بمن تعول عليه" قرينة للاستعارة فيشمل النفقة على العيال وصدقتي التطوّع والواجب. وأن يكون ذلك الإنفاق من الربح لا من صلب المال فعلى هذا كان من الظاهر أن يؤتى بالفاء فعدل إلى الواو ومن الجملة الإخبارية إلى الإنشائية تفويضًا للترتيب إلى الذهن واهتمامًا بشأن الإنفاق.

‌3 - باب حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَاتُ الْعِيَالِ

؟

(باب) جواز (حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال) وسقط لفظ نفقة لأبي ذر.

5357 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أَوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرْنِي. ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَيَحْبِسُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي قال: (أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح (عن ابن عيينة) سفيان (قال: قال لي معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (قال لي الثوري) سفيان (هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو) قوت (بعض السنة)؟ شيئًا (قال معمر: فلم يحضرني) شيء في ذلك (ثم ذكرت حديثًا حدّثناه ابن شهاب) محمد بن مسلم (الزهري عن مالك بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها سين مهملة ابن الحدثان (عن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يبيع نخل بني النضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة يهود خيبر مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم

ص: 199

يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة (ويحبس لأهله) زوجته وعياله من ذلك (قوت سنتهم) تطييبًا لقلوبهم وتشريعًا لأمته ولا يعارضه حديث أنه كان لا يدّخر شيئًا لغد لأنه كان قبل السعة أو لا يدّخر

لنفسه بخصوصها وفيه جواز ادّخار القوت للأهل والعيال، وأنه ليس بحكرة ولا مناف للتوكل كيف ومصدره عن سيد المتوكلين، وإذا كان حال التوكل اعتماد القلب عليه تعالى فقط فلا يقدح فيه تسبب ككي في مرض إذا تحقق بما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وترك الأسباب وفعل مخوف توكلًا منهي عنه فتعتبر الأسباب الشرعية ومن غلبه توحيد خاص أغناه عن بعضها لا يقتدى به فيه.

5358 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ. فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ إِذْ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمْ. قَالَ: فَدَخَلُوا وَسَلَّمُوا فَجَلَسُوا. ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأ قَلِيلًا فَقَالَ لِعُمَرَ هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا. فَلَمَّا دَخَلَا سَلَّمَا وَجَلَسَا. فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فَقَالَ عُمَرُ اتَّئِدُوا. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ. قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَالِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، قَالَ اللَّهُ:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِىَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيَاتَهُ. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ يَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَذَا وَكَذَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَأَتَى هَذَا يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَا عَمِلَ بِهِ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ بِهِ فِيهَا مُنْذُ وُلِّيتُهَا، وَإِلَاّ فَلَا تُكَلِّمَانِي فِيهَا. فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ. فَدَفَعْتُهَا

إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا.

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء مصغرًا الأنصاري مولاهم البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة قال الزهري: (وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرًا) أي بعضًا (من حديثه فانطلقت حتى دخلت على مالك بن أوس فسألته) عن ذلك (فقال) لي (مالك) المذكور (انطلقت) فيه حذف ذكره في فرض الخمس ولفظه: فقال مالك: بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار أي اشتد حرّه إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني فقال: أجب أمير المؤمنين فانطلقت معه (حتى أدخل صلى الله عليه وسلم عمر) فبينا أنا جالس عنده (إذ أتاه حاجبه يرفأ) بفتح التحتية وسكون الراء وفتح الفاء مهموزًا وغير مهموز (فقال) له (هل لك) رغبة (في عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن) بن عوف (والزبير) بن العوام (وسعد) أي ابن أبي وقاص حال كونهم (يستأذنون) في الدخول عليك (قال) عمر رضي الله عنه (نعم فأذن لهم قال: فدخلوا وسلموا فجلسوا ثم لبث) مكث (يرفأ قليلًا فقال لعمر: هل لك) رغبة (في عليّ وعباس) رضي الله عنهما (قال) عمر: (نعم فأذن لهما فلما دخلا سلّما وجلسا. فقال عباس) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين هذا) يريد عليًّا. زاد في الخمس وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من بني النضير (فقال الرهط عثمان وأصحابه) الذين معه: (يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال عمر: اتئدوا) بتشديد الفوقية وكسر الهمزة أي تأنّوا ولا تعجلوا (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين أسألكم (بالله الذي به) ولأبي ذر عن الكشميهني بإذنه (تقوم السماء) فوق رؤوسكم بلا عمد (والأرض) على الماء تحت أقدامكم (هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(لا نورث) معاشر الأنبياء (ما تركنا صدقة) ما موصول مبتدأ وتركنا صلته والعائد محذوف صدقة رفع خبره (يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه) وغيره من الأنبياء فليس خاصًّا به كما قال في الرواية الأخرى: "نحن معاشر الأنبياء"(قال الرهط): عثمان وأصحابه (قد قال) صلى الله عليه وسلم (ذلك. فأقبل عمر على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك. قال عمر: فإني أحدّثكم عن هذا الأمر: إن الله) عز وجل (كان خصّ) ولأبي ذر قد خص (رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المال بشيء) وفي الخمس في هذا الفيء بدل المال (لم يعطه أحدًا غيره) لأن الفيء كله أو جفه على اختلاف فيه كان له عليه الصلاة والسلام (قال الله) تعالى: ({ما أفاء الله

على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} -إلى- قوله: {قدير} ) [الحشر: 6].

وسقط لغير أبي ذر: فما أوجفتم عليه من خيل (فكانت هذه) الأخماس الأربعة من بني النضير وخيبر وفدك (خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، لا حق لأحد فيها غيره (والله ما احتازها) بحاء مهملة ساكنة وزاي مفتوحة ما جمعها، ولأبي ذر عن الكشميهني: ما اختارها بالخاء المعجمة والراء المهملة

ص: 200

لنفسه (دونكم ولا استأثر) ما استقل (بها عليكم لقد أعطاكموها) أي أموال الفيء (وبثها) بالموحدة والمثلثة المشددة وفرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال) فدك وخيبر وبنو النضير (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال) وهذا موضع الترجمة (ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) أي موضع (مال الله) لمصالح المسلمين (فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم-حياته. أنشدكم بالله) ولأبي ذر: أنشدكم الله بحذف حرف الجر والنصب (هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. قال): وفي الخمس ثم قال: العين وعباس أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم، ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر يعمل) ولأبي ذر فعمل (فيها بما عمل به فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما حينئذ وأقبل على عليّ وعباس) جملة معترضة (تزعمان) خبر لقوله أنتما (أن أبا بكر كذا وكذا) أي منعكما ميراثكما منه صلى الله عليه وسلم (والله يعلم أنه فيها لصادق) في القول (بارّ) في العمل (راشد) في الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم (تابع للحق ثم توفّى الله أبا بكر فقلت أنا وليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر) رضي الله عنه (فقبضتها سنتين) من إمارتي (أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) رضي الله عنه (ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع) أي مجتمع لم يكن بينكما منازعة (جئتني) يا عباس (تسألني نصيبك من ابن أخيك) صلى الله عليه وسلم (وأتى هذا) أي عليّ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وإن هذا (يسألني نصيب امرأته) فاطمة رضي الله عنها (من أبيها) صلى الله عليه وسلم (فقلت) لكما (إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به) فيها (رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها أبو بكر) رضي الله عنه (وبما عملت به فيها منذ وليتها) فلا تتصرفان فيها على جهة التمليك إذ هي صدقة محرّمة التمليك بل افعلا فيها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه بعده (وإلاّ) بأن لم تفعلًا فيها ما ذكر (فلا تكلماني فيها فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك) ثم قال للرهط: (أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ فقال الرهط: نعم قال؛ فأقبل عمر)(على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم قال) عمر: (أفتلتمسان) أفتطلبان (مني قضاء) حكمًا (غير ذلك) الحكم الذي حكمت فيها (فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها) إليّ (فأنا أكفيكماها).

وهذا الحديث سبق في فرض الخمس والله الموفق والمعين.

‌4 - باب

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}

إِلَى قَوْلِهِ: {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وَقَالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وَقَالَ: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وَقَالَ يُونُسُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا، وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْوَالِدَةُ، لَسْتُ مُرْضِعَتَهُ، وَهْيَ أَمْثَلُ لَهُ غِذَاءً وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْبَى بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يُضَارَّ بِوَلَدِهِ وَالِدَتَهُ فَيَمْنَعَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ ضِرَارًا لَهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَسْتَرْضِعَا عَنْ طِيبِ نَفْسِ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ. فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ. فِصَالُهُ فِطَامُهُ.

هذا (باب) بالتنوين (وقال الله تعالى): وسقط لفظ وقال الله تعالى لأبي ذر ({والوالدات يرضعن أولادهن}) خبر في معنى الأمر المؤكد كيتربصن وهذا الأمر على وجه الندب أو على وجه الوجوب إذا لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه أو لم يوجد له ظئر أو كان الأب عاجزًا عن الاستئجار أو أراد الوالدات المطلقات وإيجاب النفقة والكسوة لأجل الرضاع وعبّر بلفظ الخبر دون لفظ الإلزام كأن يقول وعلى الوالدات إرضاع أولادهن كما جاء بعد وعلى الوارث مثل ذلك إشارة إلى عدم الوجوب ({حولين}) ظرف ({كاملين}) تامين وهو تأكيد لأنه مما يتسامح فيه فإنك تقول أقمت عند فلان حولين ولم تستكملهما ({لمن أراد أن يتم الرضاعة}) بيان لمن توجه إليه الحكم أي هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع (إلى قوله: {بما تعملون بصير})[البقرة: 233] لا تخفى عليه أعمالكم فهو يجازيكم عليها (وقال) تعالى: {وحمله وفصاله} ) ومدة حمله وفطامه ({ثلاثون شهرًا})[الأحقاف: 15] استدل عليّ رضي الله عنه بهذه الآية مع التي في لقمان (وفصاله في عامين} [لقمان: 14] قوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين} على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو كما قاله ابن كثير استنباطًا قوي صحيح ووافقه عليه عثمان وغيره من الصحابة رضي الله عنهم فروى محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله الجهني قال:

ص: 201

تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت لتمام ستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان فذكر ذلك له فبعث إليها فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت: ما يبكيك؟ فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله غيره قطّ فيقضي الله فيّ ما شاء فلما أتي بها عثمان أمر برجمها فبلغ ذلك عليًّا فأتاه فقال له: ما تصنع؟ قال: ولدت تمامًا لستة أشهر وهل يكون ذلك؟ فقال له عليّ: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قال: أما سمعت الله تعالى يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} وقال: {حولين كاملين} فلم تجد قد بقي إلا ستة أشهر فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا عليّ بالمرأة قال: فوجدوها قد فرغ منها رواه ابن أبي حاتم.

(وقال): تعالى ({وإن تعاسرتم}) أي تضايقتم فلم ترض الأم بما ترضع به الأجنبية ولم يزد الأب على ذلك ({فسترضع له أخرى}) فستوجد ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه وفيه طرف

من معاتبة الأم على المعاشرة، وقوله له أي للأب أي سيجد الأب غير معاشرة ترضع له ولده إن عاشرته أمه، وفيه أنه لا يجب على الأم إرضاع ولدها، نعم عليها إرضاعه اللبأ بالهمزة والقصر بأجرة وبدونها لأنه لا يعيش غالبًا إلا به وهو اللبن أول الولادة ثم بعده إن انفردت هي أو أجنبية وجب إرضاعه على الموجودة منهما وله إجبار أمته على إرضاع ولدها منه أو من غيره لأن لبنها ومنافعها له بخلاف الحرّة ({لينفق ذو سعة من سعته}) أي لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه يريد ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات ({ومن قُدر عليه رزقه}) أي ضيق عليه أي رزقه الله على قدر قوته (إلى قوله:{بعد عسر يسرًا} ) [الطلاق: 6، 7]. أي بعد ضيق في المعيشة سعة وهذا وعد لذي العسر باليسر ووعده تعالى حق وهو لا يخلفه. قال في فتوح الغيب: يقال إنه موعد لفقراء ذلك الوقت ويدخل فيه فقراء الأزواج دخولًا أولويًّا.

(وقال يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله عبد الله بن وهب في جامعه (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (نهى الله تعالى أن تضار والدة بولدها) في قوله جل وعلا: {لا تكلف نفس إلا وسعها} [الأنعام: 152](لا تضار والدة بولدها وذلك أن تقول الوالدة) للوالد (لست مرضعته) أو تطلب منه ما ليس بعدل من الرزق والكسوة وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد وأن تقول بعد ما ألفها الولد اطلب له ظئرًا وما أشبه ذلك (وهي أمثل له غذاء) بمعجمتين أولاهما مكسورة (وأشفق عليه وأرفق به من غيرها فليس لها أن تأبى) إرضاعه (بعد أن يعطيها) الوالد (من نفسه ما جعل الله عليه) من الرزق والكسوة (وليس للمولود له أن يضار بولده) أي بسبب ولده (والدته فيمنعها أن ترضعه) وهي تريد إرضاعه (ضررًا لها) منتهيًا (إلى) رضاع (غيرها) فإلى متعلق بيمنعها (فلا جناح عليهما) أي الأبوين (أن يسترضعا) ظئرًا (عن طيب نفس الوالد والوالدة فإن) بالفاء ولأبي ذر: إن (أرادا فصالًا عن تراض منهما وتشاور) بينهما (فلا جناح عليهما) في ذلك (بعد أن يكون ذلك عن تراض منهما وتشاور) سواء زادا على الحولين أو نقصا وهو توسعة بعد التحديد والتشاور واستخراج الرأي وذكره ليكون التراضي عن تفكر فلا يضر الرضيع فسبحان من أدّب الكبير ولم يهمل الصغير واعتبر اتفاق الأبوين لما للأب من النسب والولاية وللأم من الشفقة والعناية.

(فصاله) قال ابن عباس: فيما أخرجه الطبري يعني (فطامه) بنصب الميم في اليونينية أي منعه من شرب اللبن.

‌5 - باب نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ

(باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد) بخفض ونفقة عطفًا على المضاف إليه إذا غاب الزوج الموسر عن زوجته فليس لها فسخ النكاح لتمكنها من تحصيل حقها بالحاكم فيبعث قاضي بلدها إلى قاضي بلده فيلزمه بدفع نفقتها إن علم موضعه، واختار القاضي الطبري وابن الصبّاغ جواز الفسخ لها إذا تعذّر تحصيلها في غيبته للضرورة، وقال الروياني وصاحب العدّة: إن

الفتوى عليه، ولو انقطع خبره ثبت لها الفسخ لأن تعذّر النفقة بانقطاع خبره كتعذرها بالإفلاس نقله الزركشي عن

ص: 202

صاحبي المهذّب والكافي وغيرهما وأقرّه لا بغيبة من جهل حاله يسارًا وإعسارًا لعدم تحقق المقتضى. نعم لو أقامت بيّنة عند حاكم بلدها بإعساره ثبت لها لفسخ ولا يفسخ بغيبة ماله دون مسافة القصر لأنه في حكم الحاضر ويؤمر بتعجيل الإحضار أما إذا كان بمسافة القصر فأكثر فلها الفسخ لتضررها بالانتظار الطويل وأما نفقة الولد فتجب بشرط الحاجة، والأصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة.

5359 -

حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ:«لَا. إِلَاّ بِالْمَعْرُوفِ» .

وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن عائشة (رضي الله عنها) أنها (قالت: جاءت هند) بغير صرف ولأبي ذر هند بالصرف (بنت عتبة) بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أم معاوية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (رجل مسّيك) قال في القاموس: كأمير وسكيت وهمزة وعنق بخيل (فهل علي حرج) إثم (أن أطعم) بضم الهمزة وكسر العين (من) الشيء (الذي له عيالنا؟ قال) صلى الله عليه وسلم:

(لا) تطعميهم من ماله (إلا بالمعروف) بين الناس أنه قدر الكفاية عادة من غير إسراف.

وفي المظالم لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف، وقال القرطبي: قوله خذي أمر إباحة بدليل قوله لا حرج قال: وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظًا لكنها مقيدة معنى كأنه قال: إن صح ما ذكرت، وقد اختلف أصحابنا هل للمرأة استقلال بالأخذ من مال زوجها عند الحاجة بغير إذن القاضي؟ فيه وجهان مبنيان على وجهين بناء على أن إذن النبي صلى الله عليه وسلم لهند كان إفتاء أو قضاء، والأول أصح فيجري في كل امرأة أشبهتها، وعلى الثاني وهو أن يكون قضاء لا يجري على غيرها إلا بإذن القاضي، وأيد القول الأول ابن دقيق العيد بأن الحكم يحتاج إلى إثبات السبب المسلط على الأخذ من مال الغير ولا يحتاج إلى ذلك في الفتوى، وربما قيل إن أبا سفيان كان حاضرًا في البلد ولا يقضى على الغائب الحاضر في البلد مع إمكان إحضاره وسماع الدعوى على المشهور من مذاهب الفقهاء، ثم قال: وهذا يبعد ثبوته إلا أن يؤخذ بطريق الاستصحاب بحال حضوره انتهى. وفيه كلام يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى بعونه في القضاء على الغائب في كتاب الأحكام.

5360 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي

الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ» .

وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى الختي أو يحيى بن جعفر بن أعين البيكندي وهو الظاهر كما صرّح به في البيوع قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه أنه (قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها) على عياله وأضيافه (عن) ولأبي ذر عن الكشميهني من (غير أمره) الصريح في ذلك القدر المنفَق بل فهمت ذلك من قرائن حالية أو أنفقت مما خصه الزوج بها (فله نصف أجره) قال محيي السُّنّة وهذا خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل في الإنفاق والتصدّق بما يكون في البيت إذا حضرهم السائل أو نزل بهم الضيف.

وهذا الحديث قد سبق في البيع، وهذا الباب مقدّم على سابقه عند النسفيّ وأبي ذر.

‌6 - باب عَمَلِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا

(باب عمل المرأة في بيت زوجها) من الطحن والعجن والكنس وغير ذلك.

5361 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ عليهما السلام أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ. فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ:«عَلَى مَكَانِكُمَا» فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي. فَقَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» .

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (الحكم) بن عتيبة بضم العين المهملة وفتح الموحدة مصغرًا (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن واسم أبي ليلى يسار أنه قال: (حدّثنا عليّ) هو ابن أبي طالب (أن فاطمة) الزهراء عليها السلام أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى) زاد في الخمس مما تطحن، وفي المناقب

ص: 203

من أثر الرحى، وعند أبي داود من طريق أبي الورد عن علي أنها جرّت بالرحى حتى أثرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وقمت البيت حتى اغبرّت ثيابها وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها وأصابها من ذلك ضرر (وبلغها أنه جاء رقيق) من السبي (فلم تصادفه) بالفاء لم تجده (فذكرت ذلك) الذي تشكوه (لعائشة، فلما جاء) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبرته عائشة) به (قال) عليّ رضي الله عنه (فجاءنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (و) الحال أنا (قد أخذنا مضاجعنا) مراقدنا (فذهبنا نقوم فقال: على مكانكما) أي الزماه (فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه) بالتثنية ولأبي ذر: قدمه (على بطني) وفي الخمس والمناقب على صدري (فقال):

(ألا) بالتخفيف (أدلكما على خير مما سألتماه) وفي الخمس سألتماني وعند أحمد قالا: بلى قال: كلمات علمنيهن جبريل (إذا أخذتما مضاجعكما أو) قال: (أويتما إلى فراشكما فسبّحا) بكسر الموحدة (ثلاثًا وثلاثين واحمدا) بفتح الميم (ثلاثًا وثلاثين وكبّرا) بكسر الموحدة (أربعًا وثلاثين فهو خير لكما من خادم). فيه أن الذي يلازم ذكر الله يعطى قوّة أعظم من القوّة التي يعملها له الخادم، أو أن المراد أن نفع التسبيح مختص بالدار الآخرة ونفع الخادم نحتص بالدار الدنيا والآخرة خير وأبقى، وفيه أن الزوج لا يلزمه إخدام زوجته إذا كانت لا تخدم في بيت أبيها وكانت تقدر على الخدمة من طبخ وخبز وملء ماء وكنس بيت، ولما سألت فاطمة رضي الله عنها الخادم لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا أن يخدمها، وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ وابن الماجشون عن مالك أن الزوجة يلزمها خدمة البيت وإن كانت ذات شرف إذا كان زوجها معسرًا تمسكًا بهذا الحديث.

وهذا الحديث سبق في الخمس والمناقب ويأتي إن شاء الله تعالى في الدعوات.

‌7 - باب خَادِمِ الْمَرْأَةِ

(باب) حكم (خادم المرأة) هل يشرع ويلزم الزوج إخدامها؟.

5362 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ سَمِعَ مُجَاهِدًا سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَقَالَ:«أَلَا أُخْبِرُكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ، تُسَبِّحِينَ اللَّهَ عِنْدَ مَنَامِكِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ» . ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: إِحْدَاهُنَّ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ، فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ. قِيلَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ.

وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن أبي يزيد) من الزيادة المكي أنه (سمع مجاهدًا) قال: (سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدّث عن علي بن أبي طالب أن فاطمة عليها السلام أتت النبي) ولأبي ذر أتت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم تسأله خادمًا) يقيها مشقة الخدمة (فقال) عليه الصلاة والسلام لما بلغه ذلك وأتى إليها:

(ألا أخبرك) بكسر الكاف كاللتين بعد خطابًا لفاطمة (ما هو خير لك منه تسبحين الله عند منامك ثلاثًا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثًا وثلاثين وتكبرين الله أربعًا وثلاثين ثم قال سفيان) بن عيينة (إحداهن) من غير تعيين (أربع وثلاثون) قال عليّ رضي الله عنه (فما تركتها) أي جملة التسبيح والتحميد والتكبير بالعدد المذكور (بعد) أي بعد أن سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم (قيل: ولا) تركتها (ليلة صفين. قال: ولا ليلة صفين) بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة الموضع الكائن به الوقعة بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما بين العراق والشام والقائل ذلك لعلي عبد الرحمن بن

أبي ليلى الراوي كما عند مسلم، أو عبد الله بن الكواء كما عند ابن أبي شيبة من وجه آخر.

ومفهوم الحديث أنه لا يجب على الزوج إخدام الزوجة لكن الظاهر حمله على ما سبق في الباب السابق على ما تعارف من حسن العشرة وجميل الأخلاق وإلاّ فيجب على الزوج وإن كان معسرًا أو عبدًا إخدام الحرّة ولو ذمية إن كانت ممن تخدم في بيت أبيها لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها لا إخدام الأمة وإن اعتادت لجمالها بالخدمة لنقصها بالرق وحقها أن تخدم لا أن تخدم والإجماع على أن عليه نفقة الخادم لها، فلو قالت: أنا أخدم نفسي وآخذ ما للخادم من أجرة أو نفقة لم يجبر هو لأنها أسقطت حقها وله أن لا يرضى به لابتذالها بذلك، أو قال الزوج أنا أخدمك لتسقط عنه مؤونة الخادم لم تجبر هي.

‌8 - باب خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ

(باب) جواز (خدمة الرجل) بنفسه (في أهله).

5363 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ خَرَجَ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند قال: (حدّثنا

ص: 204

شعبة) بن الحجاج (عن الحكم بن عتيبة) بضم العين المهملة وفتح الفوقية الموحدة بينهما تحتية ساكنة الكندي مولاهم فقيه الكوفة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود بن يزيد) النخعي أنه قال: (سألت عائشة رضي الله عنها) فقلت لها: (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في البيت؟ قلت: كان) ولأبي ذر عن الكشميهني قالت: (كان) يكون (في مهنة أهله) بكسر الميم وسكون الهاء في الفرع كأصله وضبطه الهروي بفتح الميم وعن شمر فيما حكاه الأزهري أن الكسر خطأ. وقال في النهاية الرواية بالفتح وقد تكسر وقال الزمخشري: هو عند الأثبات خطأ وكان القياس أن يكون مثل جلسة إلا أنه جاء على فعلة واحدة.

وقال في القاموس: المهنة بالكسر والفتح والتحريك الحذق بالخدمة والعمل مهنة كمنعه ونصره مهنًا ومهنة وتكسر خدمة (فإذا سمع الأذان خرج) إلى الصلاة.

والحديث سبق في الصلاة.

‌9 - باب إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ

هذا (باب) بالتنوين (إذا لم ينفق الرجل) على أهله (فللمرأة أن تأخذ) من ماله (بغير علمه ما يكفيها و) يكفي (ولدها بالمعروف) في العادة بين الناس.

5364 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَاّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ. فَقَالَ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) أن (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها (أن هند بنت عتبة) كذا بغير صرف في هند في الفرع، وقال الحافظ ابن حجر في هذه الرواية: هندًا بالصرف، وفي اليونينية بالوجهين، وفي رواية الزهري عن عروة في المظالم بغير صرف قال: وكانت هند لما قتل أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد يوم بدر شق عليها، فلما كان يوم أُحُد وقتل حمزة فرحت بذلك وعمدت إلى بطنه فشقتها وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها، فلما كان يوم الفتح ودخل أبو سفيان مكة مسلمًا غضبت هند لأجل إسلامه وأخذت بلحيته ثم إنها بعد استقراره صلى الله عليه وسلم بمكة أسلمت وبايعت ثم (قالت) إذ ذاك (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح) بخيل مع الحرص فالشح أعمّ من البخل لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء وقيل الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم (وليس يعطيني) من النفقة (ما يكفيني) ما موصولة صلته يكفيني والعائد الفاعل المستتر في يكفيني والصلة والموصول في موضع نصب مفعول ثانٍ ليعطيني (وولدي إلا ما أخذت منه وهو) أي والحال أنه (لا يعلم، فقال) النبي صلى الله عليه وسلم:

(خذي) من ماله (ما يكفيك وولدك بالمعروف) يجوز أن تتعلق الباء بحال أي خذي من ماله أكلة بالمعروف أو متلبسة بالمعروف فتكون الباء باء الحال وفي طبقات ابن سعد بسند رجاله رجال الصحيح من مرسل الشعبي أن النساء حين بايعن قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا" فقالت هند: إنّا لقائلوها ولا تسرقن. قالت هند: كنت أصيب من مال أبي سفيان. قال أبو سفيان: فما أصبت من مالي فهو حلال لك. قال: ولا تزنين، فقالت هند: أوَ تزني الحرة؟ ولا تقتلن أولادكن. قالت هند: أنت قتلتهم وهذا يردّ على القائل بأنه يؤخذ من الحديث القضاء على الغائب إذ هو صريح في أنه كان معها في المجلس ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في موضعه من كتاب الأحكام بعون الله.

وفي الحديث أن القول في قبض النفقة قول الزوجة لأنه لو كان القول قوله لكلفت هند البيّنة على إثبات عدم الكفاية وأجاب المازري: بأنه من باب الفتيا لا القضاء وبقية فوائده المستنبطة منه تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته.

‌10 - باب حِفْظِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَةِ

(باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده) في ماله (و) في (النفقة) من عطف الخاص على العام.

5365 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ» وَقَالَ الآخَرُ: «صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» . وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان الإمام أبي عبد الرحمن قال سفيان (و) حدّثنا أيضًا (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان كلاهما أي طاوس وأبو الزناد (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن

ص: 205

أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(خير نساء ركبن الإبل نساء قريش) يريد نساء العرب لأنهن يركبن الإبل (وقال الآخر): وهو ابن طاوس كما عند مسلم (صالح نساء قريش) بدل خير وللكشميهني صلح نساء قريش بضم الصاد وفتح اللام المشددة بصيغة الجمع (أحناه) بالحاء المهملة أشفقه (على ولد في صغره) فلا يتزوجن ما دام صغيرًا (وأرعاه) أحفظه (على زوج في ذات يده) ماله ونكر لفظ الولد إشارة إلى أنها تحنو على أي ولد كان وإن كان ولد زوجها من غيرها أكثر مما يحنو عليه غيرها وقال: أحناه فذكر وكان القياس أن يقول أحناهن لأن الضمير عائد على النساء. وأجيب: بأن التذكير يدل على الجنسية كأنه قيل خير هذا الجنس الذين فاقوا الناس في الشرف هذا الجيل، ولذلك عدل من ذكر العرب إلى الصفة المميزة من قوله ركبن الإبل لزيادة الاختصاص ولو قيل أحناهن كانت الذات المقصودة، والمعنى تابعًا لها فلم يكن بذلك وفي اختصاص العرب من بين سائر الناس واختصاص قريش منها دلالة على أن العرب أشرف الناس وأشرفها قريش.

(ويذكر عن معاوية) بن أبي سفيان فيما أخرجه الإمام أحمد والطبراني من طريق زيد بن أبي عتاب (و) عن (ابن عباس) رضي الله عنهم فيما أخرجه أحمد أيضًا من طريق شهر بن حوشب (عن النبي صلى الله عليه وسلم) نحو رواية ابن طاوس.

‌11 - باب كِسْوَةِ الْمَرْأَةِ بِالْمَعْرُوفِ

(باب) وجوب (كسوة المرأة) بكسر الكاف وضمها على زوجها (بالمعروف) أسوة أمثالها فيجب لها عليه قميص وسراويل أو إزار اعتيد وخمار وهو المقنعة ومكعب وهو المداس أو نعل، ويزيد لها في الشتاء جبة محشوّة أو فروة بحسب الحاجة لدفع البرد فإن اشتد فجبتان على الموسر والمعسر لكن الموسر يكسوها بكسوة من جيد القطن وكذا الكتان والحرير والخزّ إن اعتادوه لنسائهم والمعسر يكسوها من خشنه، ويتوسط بينهما المتوسط وعلى الموسر طنفسة وهي بساط صغير في الشتاء ونطع في الصيف تحتهما زلية أو حصير وعلى المعسر حصير في الصيف، ولبد في الشتاء وعلى المتوسط زلية في الصيف والشتاء، ويجب لنومها على كلٍّ منهم مع التفاوت في الكيفية بينهم

فراش ترقد عليه كمضربة لينة ومخدة مع لحاف أو كساء في الشتاء ورداء في الصيف وآلة أكل وشرب وطبخ كقصعة وكوز وجرّة وقدر، وآلة تنظيف كمشط ودهن وسدر وأجر حمام اعتيد وثمن ماء غسل بسببه كوطئه وولادتها منه بخلاف الحيض والاحتلام.

5366 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: آتَى إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي.

وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني هاجر ففاته رؤية النبي صلى الله عليه وسلم (عن علي رضي الله عنه أنه (قال: آتى) بمد الهمزة أعطى وضمّن أعطى معنى أهدى أو أرسل فلذا عدّاه بإلى في قوله (إليّ) بتشديد الياء وفي رواية النسفيّ بعث وفي رواية عبدوس أهدى إليّ (النبي صلى الله عليه وسلم حلّة سيراء) بإضافة حلة لتاليه ولأبي ذر حلة بالتنوين وسيراء بكسر السين المهملة وفتح التحتية والراء ممدود برد فيه خطوط صفر أو مضلعة بالحرير والحلة لا تكون إلا من ثوبين (فلبستها فرأيت الغضب في وجهه) صلى الله عليه وسلم (فشققتها بين نسائي) فاطمة الزهراء رضي الله عنها وقراباته، إذ لم يكن لعلي زوجة إذ ذاك غير فاطمة رضي الله عنها.

والمطابقة بين الترجمة والحديث كما قاله ابن المنير من جهة أن الذي حصل لفاطمة رضي الله عنها من الحلة قطعة فرضيت بها اقتصادًا بحسب الحال لا إسرافًا.

وهذا الحديث بسنده ومتنه قد سبق في كتاب الهبة.

‌12 - باب عَوْنِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي وَلَدِهِ

(باب) استحباب (عون المرأة زوجها في) أمر (ولده).

5367 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ» ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا» ؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: «فَهَلَاّ جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ. وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ» ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ، فَقَالَ:«بَارَكَ اللَّهُ لَكَ. أَوْ قَالَ: خَيْرًا» .

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ أبو الحسن قال: (حدّثنا حماد بن يزيد) الإمام أبو إسماعيل الأزدي أحد الأعلام (عن عمرو) بفتح العين ابن

دينار أبي محمد المكي الإمام (عن جابر بن عبد الله)

ص: 206

الأنصاري رضي الله عنه وعن أبيه أنه (قال: هلك أبي وترك سبع بنات أو) قال: (تسع بنات) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف أسماءهن (فتزوجت امرأة ثيبًا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(تزوجت)؟ استفهام محذوف الأداة وللمستملي أتزوجت (يا جابر؟ فقلت: نعم. فقال) صلى الله عليه وسلم: (بكرًا) بحذف أداة الاستفهام ولأبي ذر أبكرًا (أم ثيبًا؟ قلت): يا رسول الله (بل) تزوجت (ثييًا) قال) عليه الصلاة والسلام: (فهلاّ) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك؟ قال) جابر: (فقلت له): يا رسول الله (إن عبد الله) أبي (هلك وترك بنات وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن) صغيرة لا تجربة لها في الأمور (فتزوجت امرأة) قد جربت الأمور وعرفتها (تقوم عليهن وتصلحهن فقال صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك -أو) قال: (خيرًا-) شك من الراوي ولأبي ذر لك أو قال خيرًا.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات ومسلم والترمذي والنسائي في النكاح.

‌13 - باب نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ عَلَى أَهْلِهِ

(باب نفقة المعسر على أهله).

5368 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: هَلَكْتُ. قَالَ: «وَلِمَ» ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ: «فَأَعْتِقْ رَقَبَةً» . قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي. قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . قَالَ: لَا أَجِدُ فَأُتِىَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ» ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا» . قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ:«فَأَنْتُمْ إِذًا» .

وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) الزهري العوفي المدني قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) سبق في الصوم أنه قيل إنه سلمة بن صخر وقيل سلمان بن صخر وقيل أعرابي (فقال: هلكت) أي فعلت ما هو سبب لهلاكي (قال) صلى الله عليه وسلم:

(ولِم) هلكت؟ (قال: وقعت على أهلي) جامعت زوجتي (في) نهار (رمضان. قال) عليه الصلاة والسلام له: (فأعتق رقبة) بهمزة قطع (قال: ليس عندي) ما أعتق به رقبة (قال) عليه الصلاة والسلام: (فصم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع) الصوم (قال) صلوات الله وسلامه

عليه (فأطعم ستين مسكينًا) بقطع همزة فأطعم (قال لا أجد) ما أطعم به (فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق) بفتح العين والراء وعاء من خوص (فيه تمر) خمسة عشر صاعًا وعند ابن خزيمة من حديث عائشة عشرون كما سبق في الصوم (فقال) صلى الله عليه وسلم (أين السائل) عما يخلصه من الهلاك (قال: ها أنا ذا) يا رسول الله (قال) صلى الله عليه وسلم: (تصدق بهذا) التمر (قال) الرجل أتصدق به (على) أحد (أحوج منا يا رسول الله فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها) تثنية لابة بغير همز يريد حرتي المدينة أرض ذات حجارة سود (أهل بيت أحوج منا) زاد ابن خزيمة من حديث عائشة ما لنا عشاء ليلة (فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه) تعجبًا من حاله في طعمه بعد خوفه من هلاكه ورغبته في الفداء أن يأكل ما أعطيه في الكفارة (قال) عليه الصلاة والسلام (فأنتم إذًا) أحق به.

ومطابقة الحديث للترجمة كما قال ابن بطال من حيث إنه صلى الله عليه وسلم أباح له إطعام أهله التمر، ولم يقل له إن ذلك يجزيك عن الكفارة لأنه قد تعين عليه فرض النفقة على أهله بوجود التمر وهو ألزم له من الكفارة، وتعقبه في الفتح بأنه يشبه الدعوى فيحتاج إلى دليل قال: والذي يظهر لي أن الأخذ من جهة اهتمام الرجل بنفقة أهله حيث قال: لما قيل له تصدق به فقال: أعلى أحوج منّا فلولا اهتمامه بنفقة أهله لبادر وتصدق.

وهذا الحديث قد سبق في الصوم.

‌14 - باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وعلى الوارث}) عطف على قوله: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233] وما بينهما مفسر للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه أي وعلى وارث الصبي عند عدم الأب ({مثل ذلك})[البقرة: 233] أي مثل الذي كان على أبيه في حياته من الرزق والكسوة وأجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له، واختلف في الوارث فعند ابن أبي ليلى كل من ورثه وهو قول أحمد وعند الحنفية من كان ذا رحم محرم منه وقال الجمهور: لا غرم على أحد من الورثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث، وقال زيد بن ثابت: إذا خلف أمًّا وعمًّا فعلى كل واحد منهما إرضاع الولد بقدر ما يرث وإليه أشار المؤلّف بقوله: (وهل على المرأة) أي الأم

ص: 207

(منه) أي من إرضاع الصبي (شيء) وهل هنا للنفي، وأشار به إلى الرد على قول زيد ثم أشار بقوله:({وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكم}) إلى قوله: ({صراط مستفيم})[النحل: 76] فنزل المرأة من الوراث منزلة الأبكم من المتكلم وجعلها كلاًّ على مَن يعولها.

5369 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ،

وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ. قَالَ:«نَعَمْ، لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ» .

وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (أخبرنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي في صلى الله عليه وسلم (عن أم سلمة) هند أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: (قلت يا رسول الله هل لي من أجر في بني أبي سلمة) بفتح اللام زوجي (أن أنفق) بضم الهمزة أي بأن وأن مصدرية أي بالإنفاق (عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا) أي محتاجين (إنما هم بني) بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد التحتية أي أولادي منه قال الحافظ ابن حجر في المقدمة: هم عمر وسلمة وزينب ودرة وقيل فيهم محمد (وقال) صلى الله عليه وسلم:

(نعم لك أجر ما أنفقت).

وهذا الحديث مضى في الزكاة قالوا: ومطابقة الترجمة للحديث من أخباره صلى الله عليه وسلم أن لها أجرًا فدل على أن نفقتهم لا تجب عليها إذ لو وجبت عليها لبيّن لها صلى الله عليه وسلم ذلك.

وهذا الحديث سبق في الزكاة.

5370 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ هِنْدُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِينِي وَبَنِيَّ؟ قَالَ:«خُذِي بِالْمَعْرُوفِ» .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها) أنها قالت: (قالت هند) بنت عتبة (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح فهل عليه جناح أن آخذ من ماله) بغير علمه (ما يكفيني وبنيَّ) في النفقة (قال) صلى الله عليه وسلم:

(خذي) من ماله ما يكفيك وولدك (بالمعروف) بلا إسراف ولا تقتير.

ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم أذن لها في أخذ نفقة بنيها من مال الأب فدل على أنها تجب عليه دونها، وغرض المؤلّف أنه لما لم يلزم الأمهات نفقة الأولاد في حياة الآباء فالحكم مستمرّ بعد الآباء ويقوّيه قوله تعالى:{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233] أي رزق الأمهات وكسوتهن من أجل الإرضاع للأبناء فكيف يجب لهن في أوّل الآية ويجب عليهن نفقة الأبناء في آخرها قاله في الفتح.

‌15 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ كَلاًّ أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ»

(باب قول النبي) ولأبي ذر: باب قول النبي (صلى الله عليه وسلم: من ترك كلاًّ) بفتح الكاف وتشديد اللام

منوّنة ثقلًا من دين ونحوه (أو ضياعًا) بفتح الضاد المعجمة أي من لا يستقل بنفسه ولو خلي وطبعه لكان في معرض الهلاك (فإليّ) أي فينتهي إليّ وأنا أتداركه أو هو بمعنى عليّ أي فعليّ قضاؤه والقيام بمصالحه.

5371 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ:«هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا» ؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلَاّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ:«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» .

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجدّه واسم أبيه عبد الله الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) هو ابن أبي خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى) بفتح الفاء المشدّدة أي الميت حال كونه (عليه الدين فيسأل) صلى الله عليه وسلم:

(هل ترك لدينه فضلًا) قدرًا زائدًا على مؤن تجهيزه يفي بدينه ولأبي ذر عن الكشميهني قضاء (فإن حدث) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول (أنه ترك وفاء) أي ما يوفى به دينه (صلى) عليه (وإلا) بأن لم يترك وفاء (قال للمسلمين: صلوا على صاجكم) قال الكرماني: لعله صلى الله عليه وسلم امتنع تحذيرًا من الدين وزجرًا عن المماطلة وكراهة أن يوقف دعاؤه عن الإجابة بسبب ما على المديون من مظلمة الحق (فلما فتح الله عليه الفتوح) من الغنائم وغيرها (قال) عليه الصلاة والسلام: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا فعليّ قضاؤه) مما أفاء الله في (ومن ترك مالًا فلورثته) قال في الفتح: وأراد المصنف بإدخال هذا الحديث في أبواب النفقات الإشارة إلى أن من مات وله أولاد ولم يترك لهم شيئًا فإن نفقتهم تجب في بيت المال.

وهذا الحديث سبق في باب الدين من الكفالة.

‌16 - باب الْمَرَاضِعِ مِنَ الْمَوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ

(باب المراضع

ص: 208

من المواليات وغيرهن) بفتح الميم في الفرع كأصله والذي في معظم الروايات من الموالي.

5372 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ:«وَتُحِبِّينَ ذَلِكَ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي

الْخَيْرِ أُخْتِي. فَقَالَ: «إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ:«ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ» ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:«فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» . وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ ثُوَيْبَةُ أَعْتَقَهَا أَبُو لَهَبٍ.

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب (زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت يا رسول الله انكح) بهمزة وصل (أختي) بهمزة قطع عزة (ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سفيان، قال) صلى الله عليه وسلم:

(وتحبين ذلك)؟ بكسر الكاف والاستفهام للتعجب (قلت): ولأبي ذر قالت: (نعم) أحب ذلك لأني (لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام وفتح التحتية والباء زائدة في النفي أي لست خالية من ضرة (وأحب) بفتح الهمزة والحاء المهملة (من شاركني في الخير) من محبتك والانتفاع بك في الدارين (أختي فقال) صلى الله عليه وسلم: (إن) ولأبي ذر: وإن (ذلك) بكسر الكاف (لا يحل لي) لأن فيه الجمع بين الأختين (فقلت يا رسول الله فوالله إنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة) بضم الدال المهملة وتشديد الراء (ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة. فقال) صلى الله عليه وسلم (ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة)؟ بنصب بنت مفعول فعل مقدر أي أأنكح بنت أم سلمة أو تعنين (فقلت: نعم) يا رسول الله (قال: فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري) تفتح وتكسر (ما حلت لي) والتقييد بالحجر جرى على الغالب (إنها ابنة) ولأبي ذر إنها بنت (أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة) فهي حرام بسببين لو فقد أحدهما لم يحتج إليه لوجود الآخر (فلا تعرضن) بكسر الراء وسكون الضاد المعجمة (عليّ) بتشديد الياء (بناتكن ولا أخواتكن. وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة مما وصله المؤلّف في أوائل النكاح (عن الزهري قال: عروة) بن الزبير (ثويبة) بضم المثلثة وفتح الواو المذكورة (أعتقها أبو لهب) لما بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم.

وسبق الحديث في النكاح كما مر وغرضه بذكره هنا الإشارة إلى أن ثويبة كانت مولاة ليطابق الترجمة، وأورده في أبواب النفقات ليشير إلى أن إرضاع الأم ليس واجبًا بل لها أن تمتنع وللأب أو الولي إرضاعه بأجنبية حرة كانت أو أمة متبرعة أو بأجرة والأجرة تدخل في النفقة.

بسم الله الرحمن الرحيم

‌70 - كتاب الأطعمة

(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا بإثبات البسملة هنا في الفرع.

(كتاب الأطعمة) جمع طعام كرحى وأرحية. قال في القاموس: الطعام البر وما يؤكل وجمع الجمع أطعمات. وقال ابن فارس: في المجمل يقع على كل ما يطعم حتى الماء. قال تعالى: {فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة: 249] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: في زمزم "إنها طعام طعم وشفاء سقم" والطعم بالفتح ما يؤدّيه الذوق يقال طعمه مر أو حلو والطعام أيضًا بالضم الطعام وطعم بالكسر أي أكل وذاق يطعم بالفتح طعمًا فهو طاعم كغنم يغنم فهو غانم.

‌1 - باب وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وَقَوْلِهِ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}

(قول الله تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم})[طه: 81] من مستلذاته أو من حلالاته والحلال المأذون فيه ضد الحرام الممنوع منه، والطيب في اللغة بمعنى الطاهر. والحلال يوصف بأنه طيب، والطيب في الأصل ما يستلذ ويستطاب ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه لأن النجس تكرهه النفس ولا يستلذ والحرام غير مستلذ لأن الشرع زجر عنه، فالمراد بالطيب أن لا يكون متعلق حق الغير فإن أكل الحرام وإن استطابه أكل فمن حيث يؤدي إلى العقاب يصير مضرًّا ولا يكون مستطابًا.

(وقوله) تعالى: ({أنفقوا من طيبات ما كسبتم})[البقرة: 267] من جياد مكسوباتكم ولغير أبي ذر كلوا بدل أنفقوا ورواية أبي ذر موافقة للتلاوة (وقوله) تعالى: ({كلوا من الطيبات}) وأوّل الآية {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} وليس النداء والخطاب على ظاهرهما لأنهم أرسلوا

متفرّقين في أزمنة مختلفة، وإنما المعنى الإعلام بأن كل رسول

ص: 209

في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع أن أمرًا نودي له جميع الرسل، وصوابه حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه أو خطاب لنبيّنا صلى الله عليه وسلم لفضله وقيامه مقام الكل في زمانه وكان يأكل من الغنائم أو لعيسى لاتصال الآية بذكره، وكان يأكل من غزل أمه كما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل وهو أطيب الطيبات، وفي الصحيح أن داود كان يأكل من عمل يده ({واعملوا صالحًا}) موافقًا للشريعة ({إني بما تعملون عليم}) [المؤمنون: 51] فأجازيكم على أعمالكم.

5373 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ» . قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعَانِي الأَسِيرُ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(أطعموا الجائع) قال في فتح الباري: يؤخذ من الأمر بإطعام الجائع جواز الشبع لأنه ما دام قبل الشبع فصفة الجوع قائمة به والأمر بإطعامه مستمر (وعودوا المريض) زوروه (وفكوا العاني)(قال سفيان) بالسند المذكور: (والعاني الأسير) أي وخلصوا الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يقال عنا يعنو فهو عانٍ والمرأة عانية وجمعها عوان والمتضررون الذين وجب حقهم على غيرهم من المسلمين منحصرون في هذه الأقسام صريحًا وكناية عند إمعان النظر.

5374 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَعَامٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ.

وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) المروزي قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بالضاد المعجمة مصغرًا (عن أبيه) فضيل بن غزوان بن جرير الكوفي (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام) وفي حديث عائشة الآتي إن شاء الله تعالى من خبز البرّ (ثلاثة أيام) متوالية بلياليها (حتى قبض). وعند مسلم والترمذي عن عائشة ما شبع من خبز شعير يومين متتابعين أي لقلة الشيء عندهم أو كانوا يؤثرون به المحتاج على أنفسهم أو لأن الشبع مذموم، وقد روى حذيفة مرفوعًا "من قل طعمه صح بطنه وصفا قلبه ومن كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه".

وحديث الباب من أفراد المؤلّف.

5375 -

وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَابَنِي جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،

فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَدَخَلَ دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَلَيَّ، فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ:«يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» ، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَقَامَنِي وَعَرَفَ الَّذِي بِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَحْلِهِ فَأَمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ:«عُدْ فَاشْرَبْ يَا أَبَا هِرَيْرَةَ» ، فَعُدْتُ، فَشَرِبْتُ ثُمَّ قَالَ:«عُدْ» ، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِي فَصَارَ كَالْقِدْحِ قَالَ: فَلَقِيتُ عُمَرَ وَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِي وَقُلْتُ لَهُ: تَوَلَّى اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ، وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ وَلأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لأَنْ أَكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ.

(وعن أبي حازم) سلمان الأشجعي بالسند السابق (عن أبي هريرة) رضي الله عنه قال: (أصابني جهد شديد) من الجوع والجهد كما في القاموس الطاقة ويضم والمشقة (فلقيت عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (فاستقرأته) سألته أن يقرأ عليّ (آية) معينة على طريق الاستفادة (من كتاب الله) عز وجل (فدخل داره وفتحها) أي قرأ الآية (عليّ) وفهمني إياها وفي الحلية لأبي نعيم من وجه آخر عن أبي هريرة أن الآية المذكورة في سورة آل عمران وفيه فقلت له: أقرأتني وأنا لا أريد القراءة وإنما أريد الإطعام. قال في الفتح: وكأنه سهل الهمزة فلم يفطن عمر لمراده كذا قال لكن قوله آية يعين التنزيل لا سيما مع رواية أن الآية من سورة آل عمران (فمشيت غير بعيد فخررت) سقطت (لوجهي من الجهد والجوع) وكما كان في الحلية يومئذٍ صائمًا ولم يجد ما يفطر عليه (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسي فقال):

(يا أبا هريرة) ولأبي ذر يا أبا هرّ (فقلت لبيك رسول الله وسعديك) منادى مضاف محذوف الأداة (فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي) من شدة الجوع (فانطلق بي إلى رحله) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة مسكنه (فأمر لي بعس) بضم العين وتشديد السين المهملتين قدح ضخم (من لبن فشربت منه ثم قال) صلى الله عليه وسلم: (عد فاشرب يا أبا هريرة فعدت فشربت ثم قال: عد) فاشرب يا أبا هريرة (فعدت فشربت حتى استوى بطني) أي استقام لامتلائه من اللبن (فصار كالقدح) بكسر القاف وسكون الدال بعدها هاء مهملتين السهم الذي لا ريش له في الاستواء والاعتدال.

(قال) أبو هريرة (فلقيت عمر) بن الخطاب (وذكرت له الذي كان من أمري) بعد مفارقتي له (وقلت له: تولى الله) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فولى الله بالفاء بدل الفوقية (ذلك) من

ص: 210

إشباعي ودفع الجوع عني (من كان أحق به منك يا عمر) وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجملة في موضع نصب مفعول تولى الله (والله لقد استقرأتك الآية ولأنا) مبتدأ مؤكد باللام وخبره قوله (أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك) داري وأضفتك (أحب الي من أن يكون لي مثل حمر النعم) عبّر بذلك لأن الإبل كانت أشرف أموالهم.

‌2 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ، وَالأَكْلِ بِالْيَمِينِ

(باب) استحباب (التسمية على الطعام) عند ابتداء الأكل ولو من جنب وحائض (و) استحباب (الأكل باليمين) وهذه الجملة مشطوب عليها بالحمرة في الفرع كأصله.

5376 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (أخبرنا سفيان) بن عيينة (قال الوليد بن كثير) بالمثلثة المخزومي القرشي المدني (أخبرني) بالإفراد وهو من تأخير الصيغة عن الراوي وعند أبي نعيم في مستخرجه والحميدي في مسنده عن سفيان قال: حدّثنا الوليد بن كثير (أنه سمع وهب بن كيسان) بفتح الكاف (أنه سمع عمر بن أبي سلمة) بضم العين ابن عبد الأسد واسم أبي سلمة عبد الله (يقول: كنت غلامًا) دون البلوغ (في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الحاء وسكون الجيم في تربيته وتحت نظره. وقال في القاموس: الحجر مثلثة المنع وحضن الإنسان ونشأ في حجره وحجره أي في حفظه وستره، وقد كان عمر هذا ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (وكانت يدي تطيش) بالطاء المهملة والشين المعجمة أي تتحرك وتمتد (في) نواحي (الصحفة) ولا تقتصر على موضع واحد وكان الظاهر كما قال في شرح المشكاة أن يقال: وكنت أطيش بيدي في الصحفة فأسند الطيش إلى اليد مبالغة وأنه لم يكن يراعي أدب أكل (فقال لي: رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(يا غلام سم الله) ندبًا طردًا للشيطان ومنعًا له من الأكل وهو سنة كفاية إذا أتى به البعض سقط عن الباقين كردّ السلام وتشميت العاطس لأن المقصود من منع الشيطان من الأكل يحصل بواحد. نعم مع ذلك يستحب لكل واحد بناء ما عليه الجمهور من أن سنة الكفاية كفرضها مطلوبة من الكل لا من البعض فقط ويقاس بالأكل الشرب وأقله كما قال النووي: بسم الله وأفضله بسم الله الرحمن الرحيم، لكن قال في الفتح: أنه لم ير لما ادّعاه من الأفضلية دليلًا خاصًّا انتهى.

فإن تركه ولو عمدًا في أوّله قال في أثنائه: بسم الله أوّله وآخره كما في الوضوء ولو سمى مع كل لقمة فهو أحسن حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله فتسمية الله تعالى في أوّله وآخره ترياق وبركة لطعامه، وقال في الإحياء: أنه يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله، ومع الثانية بسم الله الرحمن: ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم، وتعقبه في الفتح بأنه لم ير لاستحباب ذلك دليلًا انتهى.

(وكل) ندبًا (بيمينك) لأن الشيطان يأكل بالشمال ولشرف اليمين ولأنه أقوى في الغالب

وأمكن وهي مشتقة من اليمين فهي وما نسب إليها وما اشتق منها محمود لغة وشرعًا ودينًا ويقاس عليه الشرب، ونص الشافعي في الرسالة والأم على الوجوب لورود الوعيد في الأكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يأكل بشماله فقال:"كل بيمينك" قال لا أستطيع فقال "لا استطعت" فما رفعها إلى فيه بعد (وكل مما يليك) لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مودّة لتقذر النفس لا سيما في الإمراق ولما فيه من إظهار الحرص والنهم وسوء الأدب وأشباهها فإن كان تمرًا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق، والذي ينبغي التعميم حملًا على عموم حتى يثبت دليل مخصص قال عمر بن أبي سلمة:(فما زالت تلك طعمتي) بكسر الطاء أي صفة أكلى (بعد) بالبناء على الضم أي استمر ذلك صنيعي في الأكل.

‌3 - باب الأَكْلِ مِمَّا يَلِيهِ وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ»

(باب) استحباب (الأكل مما يليه. وقال أنس) رضي الله عنه وسقط التبويب لغير أبي ذر (قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه). وهذا التعليق طرف من حديث الجعد عن أنس في قصة الوليمة على زينب بنت جحش السابق في باب الهدية للعروس في

ص: 211

أوائل النكاح معلقًا وقد وصله مسلم وأبو نعيم في المستخرج.

5377 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهْوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَكَلْتُ يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«كُلْ مِمَّا يَلِيكَ» .

وبه قال: (حدّثنا): ولأبي ذر حدّثني (عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي المدني الأعرج (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني (عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح عين عمرو وحاءي حلحلة المهملتين بينهما لام ساكنة ثم أخرى مفتوحتين بعد الحاء الثانية (الديليِّ) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية (عن وهب بن كيسان أبي نعيم) المؤدب (عن عمر بن أبي سلمة) بضم العين (وهو ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال: أكلت يومًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا) وأنا دون البلوغ (فجعلت آكل من نواحي الصحفة) مما يلي غيري (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(كل مما يليك) وقد نص أئمتنا على كراهة أكل مما يلي غيره ومن الوسط والأعلى لا نحو الفاكهة مما يتنقل به، وأما ما سبق من نص الشافعي على التحريم فمحمول على المشتمل على الإيذاء.

5378 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ: قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِطَعَامٍ، وَمَعَهُ رَبِيبُهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ:«سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن وهب بن كيسان أبي نعيم) المؤدب أنه (قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام) بضم همزة أتي مبنيًّا للمفعول (ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال) صلى الله عليه وسلم له:

(سمّ الله وكل مما يليك). وهذا الحديث صورته صورة الإرسال كما رواه أصحاب مالك في الموطأ وقد ساقه المؤلّف موصولًا هنا. وفي الباب الذي قبله من غير طريق مالك وقد وصله خالد بن مخلد ويحيى بن صالح الوحاظي فقالا عن مالك عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة وقد تبين بذلك صحة سماع وهب بن كيسان من عمر بن أبي سلمة ومقتضاه أن مالكًا لم يصرح بوصله وهو الأصل موصول، ولعله وصله مرة فحفظ ذلك عنه خالد ويحيى وهما ثقتان كما أخرجه الدارقطني في الغرائب عنهما.

‌4 - باب مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ مَعَ صَاحِبِهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ كَرَاهِيَةً

(ياب من تتبع حوالى القصعة) بفتح اللام والقاف في أكل منها (مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية) لذلك.

5379 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ. قَالَ: أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُلْ بِيَمِينِكَ".

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري، وسقط لفظ ابن عبد الله لغير أبي ذر (أنه سمع) عمه (أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول إن خياطًا) لم يسم (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه. قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في البيع إلى ذلك الطعام فقرّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزًا ومرقًا فيه دباء وقديد (فرأيته) صلى الله عليه وسلم (يتتبع الدباء) القرع أو المستدير منه (من حوالى القصعة) لأنها كانت تعجبه ويترك القديد إذ كان لا يشتهيه حينئذٍ ففيه أن المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك وإلاّ فلا يتجاوز ما يليه وقد علم أن أحدًا لا يكره منه صلى الله عليه وسلم بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسّه بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها (قال) أنس (فلم أزل أحب الدباء) أي أكلها (من يومئذٍ) اقتداء به صلى الله عليه وسلم (قال عمر بن أبي سلمة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: كل بيمينك). وقد نص أصحابنا على كراهة الأكل بالشمال وقوله قال عمر بن أبي سلمة إلى

آخره ثابت في رواية أبي ذر عن الحموي والكشميهني، وقد سبق موصولًا قريبًا وسقط عند الباقين هنا وهو الأشبه والله الموفق.

‌5 - باب التَّيَمُّنِ فِي الأَكْلِ وَغَيْرِهِ

(باب) استحباب (التيمن في الأكل وغيره) مما يذكر.

5380 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ. وَكَانَ قَالَ بِوَاسِطٍ قَبْلَ هَذَا، فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.

وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح المهملة بعدها مثلثة (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم المحاربي (عن مسروق) أبي عائشة بن الأجدع الهمداني أحد الأعلام (عن عائشة رضي الله عنها أنها (قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن) في موضع خبر كان والتيمن إما باليد اليمنى أو بالبداءة بالشق الأيمن (ما استطاع في طهوره) بضم الطاء أي في تطهيره. وقال سيبويه: الطهور بالفتح يقع

ص: 212

على الماء والمصدر معًا فعلى هذا يجوز الطاء أيضًا (وتنعله) لبس النعل (وترجله) تسريح شعره ولم يقل وتطهره كما قال: تنعله وترجله لأنه أراد الطهور الخاص المتعلق بالعبادة ولو قال: وتطهره لدخل فيه إزالة النجاسة وسائر النظافات بخلاف الآخرين فإنهما خاصّان بما وضعًا له من لبس النعل وترجيل الشعر فناسب الطهور الخاص بالعبادة. قال شعبة بن الحجاج: (وكان) أشعث بن أبي الشعثاء (قال بواسط) بالصرف (قبل هذا في شأنه كله) تأكيد لشأنه أي فيما له يمين ويسار، وليس كل ما كان من شأن الإنسان له يمين ويسار فهو عموم يراد به الخصوص، ويلزم من حمله على العموم مخالفة ما أمر فيه صلى الله عليه وسلم بالتياسر كبيت الخلاء والخروج من المسجد وغير ذلك، فالمراد سائر ما شرع فيه التيمن مما هو من باب التكريم كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والخروج من الخلاء.

وهذا الحديث سبق في كتاب الوضوء.

‌6 - باب مَنْ أَكَلَ حَتَّى شَبِعَ

(باب من كل حتى شبع).

5381 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: "لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ"؟ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ

الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ» ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «بِطَعَامٍ» ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِمَنْ مَعَهُ «قُومُوا» . فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ» ؟ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ. ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» . فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» . فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا. ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا.

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك رضي الله عنه يقول، قال أبو طلحة) زيد الأنصاري النجاري (لأم سليم): سهلة زوج أبي طلحة وأم أنس بن مالك (لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع) فيه العمل بالقرائن (فهل عندك من شيء؟ فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخرجت خمارًا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته) أي أدخلته بقوّة (تحت ثوبي وردّتني) بتشديد الدال (ببعضه) أي جعلته رداء لي (ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذهبت به) بالذي أرسلتني به (فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(آرسلك أبو طلحة) بمد الهمزة للاستفهام (فقلت: نعم. قال: بطعام) ولأبي ذر عن الكشميهني لطعام بلام بدل الموحدة (قال) أنس (فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة) وفي رواية يعقوب عند أبي نعيم: حتى إذا دنوا دخلت وأنا حزين لكثرة من جاء معه (فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم) بالنون أي قدر ما يكفيهم (فقالت) أم سليم: (الله ورسوله أعلم) وفيه دليل على فطنتها ورجحان عقلها وكأنها عرفت أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ليظهر الكرامة في تكثير الطعام وفي رواية يعقوب فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما أرسلت أنسًا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى فقال: (ادخل فإن الله سيبارك فيما عندك) وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس عند أحمد أن أبا طلحة قال فضحتنا يا أنس وللطبراني في الأوسط فجعل يرميني بالحجارة.

(قال) أنس (فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلا) المنزل وقعد من معه على الباب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به) صلى الله عليه وسلم (ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها) بضم العين وتشديد الكاف إناء من جلد يكون فيه السمن غالبًا والعسل (فأدمته ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول) وفي رواية مبارك بن فضالة عند أحمد فقال: هل من سمن؟ فقال أبو طلحة: قد كان في العكة شيء فجاءا بها فجعلا يعصرانها حتى خرج، ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال "بسم الله" فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يمتع وفي رواية النضر بن أنس عند أحمد فجئت بها ففتح رباطها ثم قال:"بسم الله اللهم أعظم فيها البركة"(ثم قال) صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة (ائذن) بالدخول (لعشرة فأذن لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال) عليه الصلاة والسلام له: (ائذن لعشرة، فأذن

ص: 213

لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا) ثم قال: (ائذن لعشرة، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم أذن لعشرة. فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم ثمانون رجلًا) زاد في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى: ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرًا أي فضلًا، ولمسلم ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان.

والمطابقة ظاهرة، وقد سبق الحديث في علامات النبوة.

5382 -

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَ أَبُو عُثْمَانَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ» ؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ. فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَبَيْعٌ أَمْ عَطِيَّةٌ» ؟ أَوْ قَالَ: «هِبَةٌ» قَالَ: لَا بَلْ بَيْعٌ قَالَ: فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. فَصُنِعَتْ فَأَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوَادِ الْبَطْنِ يُشْوَى. وَايْمُ اللَّهِ مَا مِنَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ إِلَاّ قَدْ حَزَّ لَهُ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَأَهَا لَهُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا قَصْعَتَيْنِ، فَأَكَلْنَا أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا، وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَالَ.

وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا معتمر) بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية بعدها ميم مكسورة فراء (عن أبيه) سليمان بن طرخان أنه (قال: وحدّث أبو سفيان) عبد الرحمن النهدي والعطف على محذوف قال: في الكواكب ظاهره أن أباه حدّث عن غير أبي عثمان ثم قال وحدّثني أبو عثمان (أيضًا) وتعقبه في الفتح فقال: ليس ذلك المراد وإنما أراد أن أبا عثمان حدّثه بحديث سابق على هذا ثم حدّثه بهذا فلذلك قال أيضًا: أي حدّث بحديث بعد حديث (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (رضي الله عنهما) أنه (قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه) بالرفع والضمير للصاع (فعجن) بضم العين ذلك الصاع (ثم جاء رجل مشرك مشعان) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبعد الألف نون مشددة أي (طويل) ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه ولا اسم صاحب الصاع المذكور (بغنم يسوقها فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم: أبيع) هذا (أم عطية) أو قال (هبة) المشرك (لا) عطية أو لا هبة (بل بيع قال: فاشترى منه) النبي صلى الله عليه وسلم (شاة فصنعت) أي ذبحت (فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بسواد البطن) الكبد أو كل ما في البطن من كبد وغيره (يشوى) بتحتية مضمومة وسكون المعجمة وفتح الواو (وأيم الله) بهمزة وصل (ما من الثلاثين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما في الثلاثين (ومائة إلا قد حز) قطع عليه الصلاة والسلام (له حزة) بضم الحاء في هذه القطعة (من سواد بطنها وإن كان شاهدًا أعطاها إياه) أي أعطاه إياها فهو من القلب (وإن كان غائبًا خبأها له ثم جعل فيها) بالفاء والتحتية وفي الهبة منها بالميم والنون من الشاة (قصعتين فأكلنا أجمعون) من القصعتين (وشبعنا وفضل) بفتح الفاء والضاد (في القصعتين فحملته) أي ما فضل من الطعام (على البعير أو كما قال) بالشك من الراوي.

وسبق هذا الحديث في البيع والهبة.

5383 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ.

وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم القصاب قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري قال: (حدّثنا منصور) هو ابن عبد الرحمن التيمي (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان الحجبي (عن عائشة رضي الله عنها) أنها قالت: (توفي النبي صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء) وهو من باب التغليب كالقمرين للشمس والقمر.

قال في الكواكب حين شبعنا ظرف كالحال معناه ما شبعنا قبل زمان وفاته يعني كنا متقللين من الدنيا زاهدين فيها انتهى.

قال في الفتح: لكن ظاهره غير مراد وقد تقدم في غزوة خيبر من طريق عكرمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما فتحنا خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر، ومن حديث ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر فالمراد أنه صلى الله عليه وسلم توفي حين شبعوا واستمر شبعهم وابتداؤه من فتح خيبر وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، ومراد عائشة بما أشارت إليه من الشبع هو من التمر خاصة دون الماء لكن فيه إشارة إلى أن تمام الشبع حصر بجمعهما فكان الواو فيه بمعنى مع لا أن الماء وحده يوجد منه الشبع.

وفي أحاديث الباب جواز الشبع وما جاء من النهي عنه محمول على الشبع الذي يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن القيام بالعبادة ويفضي إلى البطر والأشر والنوم والغسل، وقد تنتهي كراهته إلى

التحريم بحسب ما يترتب عليه

ص: 214

المفسدة. وفي شرح التنقيح للقرافي يحرم على الآكل على مائدة الغير أن يزيد على الشبع بخلاف الآكل على سماط نفسه إلا أن يعلم رضا الداعي بأكل الزائد فله ذلك.

‌7 - باب {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ} الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى في سورة النور: ({ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} الآية). قال سعيد بن المسيب: كان المسلمون إذا خرجوا إلى الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والمريض والأعرج وعند أقاربهم ويأذنونهم أن يأكلوا من بيوتهم فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فنزلت الآية رخصة لهم (إلى قوله: {لعلكم تعقلون})[النور: 61] لكي تعقلوا وتفهموا، وسقط لغير أبي ذر قوله:{ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} إلى آخر قوله الآية.

5384 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ بُشَيْرَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ يَحْيَى وَهْيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلَاّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَوْدًا وَبَدْءًا.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال يحيى بن سعيد) الأنصاري (سمعت بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغرًا ويسار بالتحتية والسين المهملة المخففة (يقول: حدّثنا سويد بن النعمان) الأنصاري رضي الله عنه (قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر) سنة سبع (فلما كنا بالصهباء. قال يحيى) بن سعد الأنصاري (وهي) أي الصهباء (من خيبر على روحة) بفتح الراء والحاء المهملة ضد الغدوة (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام فما أُتي إلا بسويق) فثري (فلكناه) بضم اللام من اللوك يقال لكنه في فمي إذا علكته (فأكلنا منه ثم دعا) صلى الله عليه وسلم (بماء فمضمض) فمه الشريف من أثر السويق (ومضمضنا) كذلك (فصلى بنا المغرب ولم يتوضأ) بسبب أكل السويق (قال سفيان) بن عيينة (سمعته) أي الحديث (منه) أي من يحيى بن سعيد (عودًا وبدءًا) أي عائدًا وبادئًا أي أولًا وآخرًا.

ومناسبة الحديث للترجمة من جهة اجتماعهم على لوك السويق من غير تمييز بين أعمى وغيره وبين صحيح ومريض. وقال عطاء بن يزيد: كان الأعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعها والأعرج كذلك لاتساعه في موضع إلى والمريض لرائحته فنزلت هذه الآية

فأباح الله لهم الأكل مع غيرهم، وفي حديث سويد هذا معنى الآية لأنهم جعلوا أيديهم فيما حضر من الزاد سواء مع أنه لا يمكن أن يكون أكلهم بالسواء لاختلاف أحوال الناس في ذلك، وقد سوّغ لهم الشارع ذلك مع ما فيه من الزيادة والنقصان فكان مباحًا نقله في الفتح.

وهذا الحديث سبق في الوضوء وفي أول غزوة خيبر.

‌8 - باب الْخُبْزِ الْمُرَقَّقِ، وَالأَكْلِ عَلَى الْخِوَانِ وَالسُّفْرَةِ

(باب الخبز المرقق) بتشديد القاف الأولى الملين المحسن كالحوّاري أو الموسع (والأكل على الخوان) بكسر الخاء المعجمة في اليونينية وغيرها. وقال في القاموس: الخوان كغراب وكتاب ما يؤكل عليه الطعام كالأخوان. وقال في الكواكب: بالكسر الذي يؤكل عليه معرب والأكل عليه من دأب المترفين وصنع الجبابرة لئلا يفتقروا إلى التواطؤ عند أكل (و) إلى على (السفرة) بضم السين اسم لما يوضع عليه الطعام وأصلها الطعام نفسه يتخذ للمسافر.

5385 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ، فَقَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خُبْزًا مُرَقَّقًا، وَلَا شَاةً مَسْمُوطَةً، حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ. [الحديث 5385 - أطرافه في: 5421، 6457].

وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون العوقي الباهلي قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: كنا عند أنس) رضي الله عنه (وعنده خباز له) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمه وفي الطبراني من طريق راشد بن أبي راشد قال: كان لأنس غلام يخبز له الحوّاري ويعجنه بالسمن (فقال) أنس (ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزًا مرققًا) زهدًا في الدنيا وتركًا للتنعم (ولا شاة مسموطة) وهي التي أزيل شعرها بعد الذبح بالماء المسخن وإنما يصنع ذلك في الصغيرة الطرية غالبًا وهو فعل المترفين (حتى لقي الله) وهذا يعارضه ما ثبت في أنه صلى الله عليه وسلم أكل الكراع وهو لا يؤكل إلا مسموطًا.

5386 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ: عَلِيٌّ هُوَ الإِسْكَافُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عَلَى سُكُرُّجَةٍ قَطُّ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ وَلَا أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ قِيلَ لِقَتَادَةَ: فَعَلَى مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. [الحديث 5386 - أطرافه في: 5415، 6450].

وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا معاذ بن هشام) بذال معجمة (قال: حدّثني) بالإفراد

ص: 215

(أبي) هشام الدستوائي (عن يونس) بن أبي الفرات (قال علي) أي ابن المديني يونس: (هو الإسكاف) بكسر الهمزة وسكون السين المهملة بعدها كاف فألف ففاء وفي

طبقته يونس بن عبيد البصري أحد الثقات وليس هو المراد هنا ولذا بينه ابن المديني خوفًا من الالتباس (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال: ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سكرجة قطُّ) بضم السين المهملة والكاف وفي اليونينية بسكون الكاف والراء المشددة بعدها جيم مفتوحة أو بفتح الراء، وبه جزم التوربشتي. قيل: هي قصاع كبيرها يسع ست أواق كانت العجم تستعملها في الكوامخ وما أشبهها من الجوار شنات على الموائد حول الأطعمة للهضم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على هذه الصفة قط (ولا خبز) بضم الخاء المعجمة (له) خبز (مرقق قط، ولا أكل على خوان قط) وقط هذه الأخيرة ثابتة لأبي ذر ساقطة لغيره وقول أنس: ما علمت فيه كما في شرح المشكاة نفي العلم وإرادة نفي المعلوم فهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه وإنما صح هذا من أنس لطول لزومه النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مفارقته له إلى أن مات وعند ابن ماجة من حديث أبي هريرة أنه زار قومه فأتوه برقاق فبكى وقال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه (قيل لقتادة) بن دعامة (فعلاما) بألف بعد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني فعلام (كانوا يأكلون) بلفظ الجمع وكان الأصل أن يقال علاما كان يأكل فعدل عن الإفراد للجمع إشارة إلى أن ذلك لم يكن مختصًّا به صلى الله عليه وسلم بل كان أصحابه مقتدين به في ذلك كغيره (قال) قتادة كانوا يأكلون (على السفر) بضم السين وفتح الفاء جمع سفرة وأصلها كما مر الطعام الذي يتخذ للمسافر فهو من باب تسمية المحل باسم الحال.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الأطعمة والنسائي في الرقائق والوليمة وابن ماجة في الأطعمة.

5387 -

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْنِي بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمْنُ، وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ أَنَسٍ: بَنَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ.

وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (أخبرني) بالإفراد (حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا) رضي الله عنه (يقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم) بين خيبر والمدينة ثلاث ليال (يبني بصفية) بنت حيي وفيه رد على الجوهري في تخطئته لمن قال: بنى الرجل بأهله ومثله بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم (فدعوت المسلمين إلى وليمة) عليه الصلاة والسلام (أمر) بفتح الهمزة والميم (بالأنطاع) وهي السفر (فبسطت فألقي عليها التمر والأقط) اللبن الجامد (والسمن. وقال عمرو) بفتح العين ابن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب (عن أنس) رضي الله عنه (بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسًا) بفتح كالحاء والسين المهملتين بينهما تحتية ساكنة وهو ما اتخذ من التمر والأقط والسمن (في نطع) بكسر النون وفتح الطاء المهملة وهذا التعليق وصله المؤلّف بأتم من هذا في المغازي.

5388 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُونَ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: يَا بُنَيَّ إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَانِ؟ إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ فَأَوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَحَدِهِمَا، وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ آخَرَ. قَالَ فَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ إِذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ: إِيهًا وَالإِلَهْ تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.

وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين الضرير قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (وعن وهب بن كيسان) أي أن هشامًا حمل الحديث عن أبيه وعن وهب (قال: كان أهل الشام) جيش الحجاج بن يوسف حيث كانوا يقاتلونه من قبل عبد الملك بن مروان أو عسكر الحصين بن نمير الذين قاتلوه قبل ذلك من قبل يزيد بن معاوية (يعيرون ابن الزبير يقولون) له: (يا ابن ذات النطاقين) بكسر النون (فقالت له) أمه (أسماء) بنت أبي بكر الصدّيق وهي ذات النطاقين: (يا بني إنهم يعيرونك بالنطاقين) قال الزركشي وغيره: الأفصح تعدية عير بنفسه تقول عيرته كذا وتعقبه في المصابيح بأن الذي في الصحاح وغيره كذا من التعيير والعامة تقول عيرته بكذا وقال في الفتح وقد سمع عيرته بكذا كما هنا (هل تدري ما كان النطاقان)؟ بالرفع قيل وفي بعض النسخ النطاقين بالياء بدل الألف منصوبًا. قال الزركشي: والصواب النطاقان وهو ما يشدّ به الوسط، وقد وجه النصب في المصابيح بأن تجعل ما موصولة لا استفهامية

ص: 216

والنطاقين بدلًا من الموصول على حذف مضاف أي شأن النطاقين فأبدل الثاني من الأول بدل الكل لصدق الموصول على البدل والمراد منهما شيء واحد، والمعنى هل تدري الذي كان أي هل تدري شأن النطاقين أو النطاقين مفعول تدري وما كان جملة ذات استفهام مستفاد من ما والضمير المستتر في كان عائد على الشأن المفهوم من سياق الكلام أي هل تدري النطاقين أي شيء كان الشأن فيهما وقدمت جملة الاستفهام على المفعول اعتناء بشأنها أو نقول الأصل هل تدري ما كان في النطاقين فحذف الجار (إنما كان نطاقي شققته نصفين فأوكيت قربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحدهما) أي ربطت فمها به (وجعلت في سفرته) الكريمة (آخر. قال) وهب:(فكان أهل الشام إذا عيروه بالنطاقين يقول: إِيهًا) بكسر الهمزة وسكون التحتية والتنوين كلمة تستعمل في استدعاء الشيء وقيل هي للتصديق كأنه قال: صدقتم (والإله) جل وعلا وفي رواية أحمد بن يونس إيهًا ورب الكعبة (تلك شكاة) بفتح الشين المعجمة أي رفع الصوت بالقول القبيح (ظاهر) بالظاء المعجمة أي مرتفع (عنك عارها) فلم تعلق بك وهذا عجز بيت لأبي ذؤيب تمثل به ابن الزبير وصدره:

وعيرني الواشون أني أحبها

وثبت هذا الصدر لأبي ذر كما في اليونينية وتمامه:

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وأولها:

هل الدهر إلا ليلة ونهارها

وإلا طلوع الشمس ثم غيارها

أبى القلب إلا أم عمرو فأصبحت

تحرق ناري بالشكاء ونارها

وبعده: وعيرني الواشون البيت إلخ ..... وهي قصيدة تزيد على ثلاثين بيتًا.

5389 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُنَّ، وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ.

وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن النعمان الملقب بعارم قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن إياس اليشكري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن أم حفيد) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة دال مهملة هزيلة بالزاي والتصغير (بنت الحارث بن حزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها نون (خالة ابن عباس) أخت أمه لبابة الكبرى (أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمنًا وأقطًا) لبنًا جامدًا (وأضبًّا) بفتح الهمزة وضم الضاد المعجمة وتشديد الموحدة جمع ضب مثل فلس وأفلس دويبة تشبه الورل وهو من الحيوان تأكلهن العرب (فدعا بهن) بالأضب (فأكلن على مائدته وتركهن النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يأكل منهن شيئًا (كالمتقذر) بالذال المعجمة والقاف (لهن ولو كن حرامًا ما أكلن على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر بأكلهن) وفي مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا آكله ولا أحرمه وله في لفظ آخر: كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي، وأجمع على حل أكله من غير كراهية خلافًا لبعض أصحاب أبي حنيفة إذ كرهه، ولما حكاه القاضي عياض عن قوم من التحريم. قال النووي: وما أظنه يصح عن أحد وهو طويل العمر وللذكر منه ذكران وللأنثى فرجان ويرجع في قيئه كالكلب ويأكل رجيعه وهو طويل الدم بعد الذبح، وهشم الرأس يمكث بعد الذبح ليلة ويلقى في النار فيتحرك.

وهذا الحديث سبق في كتاب الهبة في باب قبول الهدية.

‌9 - باب السَّوِيقِ

(باب السويق).

5390 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّهْبَاءِ، وَهْيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ،

فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَلَمْ يَجِدْهُ إِلَاّ سَوِيقًا، فَلَاكَ مِنْهُ، فَلُكْنَا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن يحيى) ابن سعيد الأنصاري (عن بشير بن يسار) ضد اليمين وبشير بالموحدة والمعجمة مصغرًا (عن سويد بن النعمان) الأنصاري (أنه أخبره) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أخبرهم بضمير الجمع (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالصهباء وهي) أي الصهباء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وهو أي الموضع (على روحة من خيبر) بفتح الراء ضد

ص: 217

الغدوة (فحضرت الصلاة) أي المغرب (فدعا بطعام فلم يجده إلا سويقًا فلاك منه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فلاكه (فلكنا معه ثم دعا بماء فمضمض ثم صلى وصلينا ولم يتوضأ) فلم يجعل الأكل منه ناقضًا للوضوء.

وهذا الحديث قد مرّ قريبًا.

‌10 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ فَيَعْلَمُ مَا هُوَ

(باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل) شيئًا مما يحضر بين يديه (حتى يسمى له) بفتح الميم المشددة مبنيًّا للمفعول. قال في التنقيح: قد يستشكل دخول النافي أي ما على النافي أي وهو لا وجوابه أن النفي الثاني مؤكد للأول، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم أن هنا نافيًا دخل على نافٍ بل لا زائدة لا نافية لفهم المعنى أو نقول ما مصدرية لا نافية وباب مضاف إلى هذا المصدر فالتقدير باب كون النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له ذلك الشيء (فيعلم) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق بأن المقدرة (ما هو) لأنه ربما يكون ذلك مما يعافه صلى الله عليه وسلم أو لا يجوز أكله إذ ربما يكون المأتي به مطبوخًا فلا يتميز إلا بالسؤال عنه.

5391 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَيْمُونَةَ وَهْيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ، فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» . قَالَ: خَالِدٌ: فَاجْتَزَزْتُهُ فَأَكَلْتُهُ

وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَيَّ. [الحديث 5391 - أطرافه في: 5400، 5537].

وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف الأنصاري أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي (الذي يقال له سيف الله أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة) أم المؤمنين (وهي خالته) أخت أمه لبابة الصغرى بنت الحارث (وخالة ابن عباس) أخت أمه لبابة الكبرى (فوجد عندها ضبًّا محنوذًا) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وضم النون آخره معجمة مشويًّا (قدمت) ولأبي ذر: قد قدمت (به) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بها (أختها حفيدة بنت الحارث) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء مصغرًا (من نجد فقدمت الضب) وهو حيوان بري يشبه الحرذون لكنه كبير القدر وقد ذكر أنه لا يشرب الماء وأنه يعيش سبعمائة فصاعدًا (لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قلما يقدم يده) المقدسة (لطعام حتى يحدّث به ويسمى له) بفتح الدال والميم المشددتين فيهما (فأهوى) مدّ (رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قدّمتن له هو الضب يا رسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني أخبري بالإفراد بدل قوله أخبرن والنسوة اسم جمع قاله أبو بكر بن السراج وقيل جمع تكسير من أوزان جموع القلة لا واحد له من لفظه ووزنه فعلة وهو أحد الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد وقد نظمها بعضهم في قوله:

بأفعل وبأفعال وأفعلة

وفعلة يعرف الأدنى من العدد

وقال الزمخشري: نسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي قال: ولذلك لا يلحق فعله إذا أسند إليه تاء التأنيث فتقول: قال نسوة وقيل إنه جمع كثرة فيجوز إلحاق العلامة وتركها كما تقول: قام الهنود وقامت الهنود وقد تضم نون النسوة فيكون إذ ذاك اسم جمع بلا خلاف، وذكر أبو البقاء أنه قرئ بضمها في قوله تعالى:{وقال نسوة} [يوسف: 30]. قال القرطبي: وهي قراءة الأعمش والمفضل والسلمي وقال غيره: ويكسر للكثرة على نسوان والنساء جمع كثرة لا واحد له من لفظه كذا قال أبو حيان، ومقتضى ذلك أن لا يكون النساء جميعًا لنسوة لقوله لا واحد له من لفظه.

فإن قلت: المطابقة بين الصفة والموصوف في التذكير والتأنيث مطلوبة فكيف عبّر بجمع المذكر في قوله الحضور؟ أجيب: بأنه وقع باعتبار الأشخاص أو هو مصدر بمعنى الحاضرات.

قال في الكواكب: ولا يلزم من الإسناد إلى المضمر التأنيث. قال الجوهري في قوله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56] لم يقل قريبة لأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيًّا يجوز تذكيره، وقال السفاقسي: جاء به على معنى جمع النسوة فنعت عليه كقوله تعالى: {من الشجر الأخضر نارًا} [يس: 80] والمرأة القائلة هي ميمونة كما عند الطبراني في الأوسط ومسلم

ص: 218

ولفظه

فقالت ميمونة: يا رسول الله إنه لحم ضب (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضب فقال خالد بن الوليد أحرام الضب يا رسول الله؟ قال):

(لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه) بالعين المهملة والفاء مضارع عفت الشيء أي أجد نفسي تكرهه ولكن للاستدراك ومعناها هنا تأكيد الخبر كأنه قال: ليس هو حرامًا قيل لِم وأنت لم تأكله؟ قال: "لأنه لم يكن بأرض قومي" والفاء في فأجدني فاء السببية (قال خالد: فاجتززته) بالجيم والزاي المكررة (فأكلته ورسول الله) الواو للحال ولأبي الوقت: والنبي (صلى الله عليه وسلم ينظر إليّ) استدلّ به للإباحة الأئمة الأربعة ورجحه الطحاوي في شرح معاني الآثار إلا أن صاحب الهداية قال: يكره لنهيه صلى الله عليه وسلم عائشة لما سألته عن أكله لكنه ضعيف لا يحتج به.

‌11 - باب طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ

هذا (باب) بالتنوين (طعام الواحد يكفي الاثنين).

5392 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام. قال المؤلّف: (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(طعام الاثنين) المشبع لهم (كافي الثلاثة) لقوتهم (وطعام الثلاثة) المشبع لهم (كافي الأربعة) لشبعهم لما ينشأ عن بركة الاجتماع فكلما أكثر الجمع ازدادت البركة.

فإن قلت: لا مطابقة بين الترجمة والحديث إذ مقتضى الترجمة أن الواحد يكتفي بنصف ما يشبعه ولفظ الحديث بالثلث ثم الربع. وأجيب: بأنه أشار بالترجمة إلى لفظ حديث آخر ليس على شرطه رواه مسلم، وبأن الجامع بين الحديثين أن مطلق طعام القليل يكفي الكثير وكون طعام الواحد يكفي الاثنين يؤخذ منه أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة بطريق الأولى بخلاف عكسه، وعند ابن ماجة من حديث عمر رضي الله عنه طعام الواحد يكفي الاثنين وأن طعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة وأن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة، وقيل: المراد بهذه الأحاديث الحض على المكارم والتقنع بالكفاية، وليس المراد الحصر في المقدار، وإنما المراد المواساة وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضًا بحسب من يحضر ففيه أنه لا يستحقر ما عنده فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء.

وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي في الأطعمة والنسائي في الوليمة.

‌12 - باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ

فِيهِ أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (المؤمن يأكل في معًى واحد) بكسر الميم وتنوين العين مقصورًا جمعه إمعاء بالمد وهي المصارين وإنما عدى الأكل بفي على معنى أوقع إلى فيها وجعلها مكانًا للمأكول كقوله تعالى: {إنما يأكلون في بطونهم نارًا} [النساء: 10] أي ملء بطونهم (فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم).

5393 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا. فَقَالَ: يَا نَافِعُ لَا تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» . [الحديث 5393 - أطرافه في: 5394، 5395].

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) العبدي الملقب ببندار قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد التنوري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واقد بن محمد) بالقاف والدال المهملة ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى) بضم التحتية وفتح الفوقية (بمسكين يأكل معه فأدخلت رجلًا) هو أبو نهيك كما أخرجه المصنف من وجه آخر في هذا الباب (يأكل معه فأكل كثيرًا فقال) ابن عمر (يا نافع لا تدخل هذا عليّ) أي لما فيه من الاتّصاف بصفة الكافر وهي كثرة الأكل ونفس المؤمن تنفر ممن هو متصف بصفة الكافر ثم استدلّ لذلك بقوله: {سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول):

(المؤمن يأكل في معًى واحد) بكسر الميم والقصر (والكافر يأكل في سبعة أمعاء) ومما يؤيد أن كثرة الأكل صفة الكافر قوله تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} [محمد صلى الله عليه وسلم: 12] وتخصيص السبعة قيل للمبالغة والتكثير كما في قوله تعالى: {والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر} [لقمان: 27] فيكون المراد أن المؤمن يقل حرصه وشرهه على الطعام ويبارك له في مأكله ومشربه فيشبع بالقليل والكافر يكون كثير

ص: 219

الحرص شديد الشره لا يطمح بصره إلا إلى المطاعم والمشارب كالأنعام فمثل ما بينهما من التفاوت في الشره بما بين من يأكل في معًى واحد ومن يأكل في سبعة أمعاء وهذا باعتبار الأعم الأغلب، وفي معنى سبعة أمعاء أقوال أُخر تأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.

‌0000 - باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ

فِيهِ أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

هذا (باب) بالتنوين (المؤمن يأكل في معًى واحد فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا ثبت، لأبي ذر وسقط ذلك للباقين وهو أولى إذ لا فائدة في إعادته.

5394 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَإِنَّ الْكَافِرَ أَوِ الْمُنَافِقَ» فَلَا أَدْرِى أَيَّهُمَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ «يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» . وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) البيكندي قال: (أخبرنا عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(إن المؤمن يأكل في معًى واحد وإن الكافر أو المنافق) قال عبدة: (فلا أدري أيهما قال عبيد الله) العمري، وأخرجه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بلفظ الكافر من غير شك، وعند الطبراني من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر (يأكل في سبعة أمعاء) بالمد كما مرّ جمع معًى وهو على الأكل من الإنسان.

(وقال ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير فيما وصله أبو نعيم في المستخرج (حدّثنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل الحديث السابق لكن بلفظ الكافر من غير شك كما في الموطأ فالمراد أصل الحديث لا خصوص الشك.

5395 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ كَانَ أَبُو نَهِيكٍ رَجُلًا أَكُولًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» ، فَقَالَ: فَأَنَا أُؤمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه (قال كان أبو نهيك) بفتح النون وكسر الهاء (رجلًا) من أهل مكة (أكولًا) يأكل كثيرًا (فقال له) أي لأبي نهيك (ابن عمر) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):

(إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء) قال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع (فقال) أبو نهيك لما قال له ابن عمر ذلك (فأنا أؤمن بالله ورسوله) فلا يلزم اطّراد الحكم في حق كل مؤمن وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرًا إما بحسب العادة وإما لعارض يعرض له في مرض باطن أو لغير ذلك، وقد يكون في الكفار من يأكل قليلًا إما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء، وإما للرياضة على رأي

الرهبان، وإما لعارض كضعف، قال في شرح المشكاة: ومحصل القول إن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث.

5396 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» . [الحديث 5396 - أطرافه في: 5397].

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(يأكل المسلم في معًى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء) ونقل القاضي عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة: المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب والصائم والرقيق وهي كلها رقاق ثم ثلاثة غلاظ الأعور والقولون والمستقيم وطرفه الدبر، ونظمها شيخ مشايخنا الحافظ الزين العراقي كما أنبأني شيخنا أبو العباس الجمالي قال: أتاح لي شيخنا الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم العراقي قال:

سبعة أمعاء لكل آدمي

معدة بوابها مع صائم

ثم الرقيق أعور قولون مع

المستقيم مسلك المطاعم

وحينئذ فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشرهه لا يشبعه إلاّ ملء أمعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معًى واحد، والحاصل أن المؤمن من شأنه الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر.

5397 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا، فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» .

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج

ص: 220

(عن عدي بن ثابت) الكوفي الأنصاري (عن أبي حازم) سليمان الأشجعي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رجلًا كان يأكل أكلًا كثيرًا) قال ابن بشكوال فيما حكاه الحافظ ابن حجر في المقدمة الأكثر على أن هذا الرجل هو جهجاه الغفاري رواه ابن أبي شيبة والبزار في مسنده وغيرهما، وقيل هو نضلة بن عمرو رواه أحمد في مسنده وأبو مسلم الكجي في سننه وثابت بن قاسم في الدلائل، وقيل هو أبو نصرة الغفاري ذكره أبو عبيد في الغريب وعبد الغني بن سعيد في

المبهمات، وقيل ثمامة بن أثال ذكره ابن إسحاق وحكاه ابن بطال (فأسلم) فبورك له (فكان يأكل أكلًا قليلًا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم) بضم ذال ذكر مبنيًّا للمفعول وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى ثم أخرى حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فشرب حلابها ثم بأخرى فلم يستتمها. (فقال):

(إن المؤمن) لعدم شرهه وعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويعين على العبادة مع ما يحذره من الحساب على ذلك (يأكل في معًى واحد والكافر) بالنصب عطفًا على المنصوب بأن لكثرة شرهه وعدم وقوفه على مقصود الشرع وحذره من تبعات الحساب والحرام (يأكل في سبعة أمعاء) فصار نسبة أكل المسلم إلى أكل الكافر بقدر السبع منه ومن أعمل فكره فيما يصير إليه منعه من استيفاء شهوته. وفي حديث أبي أمامة رفعه: "من كثر تفكّره قلّ مطعمه ومن قل تفكّره كثر مطعمه وقسا قلبه" وقالوا: لا تدخل الحكمة معدة ملئت من الطعام ومن قلّ طعامه قلّ شربه وخفّ منامه ومن خفّ منامه ظهرت بركة عمره ومن امتلأ بطنه كثر شربه ومن كثر شربه ثقل نومه ومن ثقل نومه محقت بركة عمره، وعند الطبراني من حديث ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدًا في الآخرة" وعند البيهقي في الشعب من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يشتري غلامًا فألقي بين يديه تمرًا فأكل الغلام فأكثر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كثرة الأكل شؤم" وأمر بردّه.

‌13 - باب الأَكْلِ مُتَّكِئًا

(باب) حكم (الأكل) حال كون الآكل (متكئًا) على أحد جنبيه كالمتجبر أو على الأيسر منهما أو هو التمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كانت أو الاعتماد على الوطاء الذي تحته فعل من يستكثر من الطعام وبهذا الأخير جزم الخطابي.

5398 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا» .

وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة بعدها راء ابن كدام العامري الكوفي (عن علي بن الأقمر) بن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني الوادعي أنه قال: (سمعت أبا جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(إني) إذا أكلت (لا آكل متكئًا) أي متمكنًا من الأكل فعل من يريد الاستكثار منه ولكن آكل العلقة من الطعام فأقعد له مستوفزًا وثبت لفظة "إني" للكشميهني، وليس لابن الأقمر في البخاري سوى هذا الحديث، وعند ابن شاهين من مرسل عطاء بن يسار أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل

متكئًا فنهاه، ومن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئًا لم يأكل متكئًا بعد ذلك، وعند ابن أبي شيبة عن مجاهد ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئًا إلا مرة واحدة فقال:"اللهم إني عبدك ورسولك".

وهذا مرسل.

5399 -

حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: «لَا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ» . [الحديث 5398 - أطرافه في: 5399].

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة) أنه (قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده):

(لا آكل وأنا متكئ) قال في الفتح: وسبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن بسر عند ابن ماجة، والطبراني

ص: 221

بإسناد حسن قال: أهديت للنبي-صلى الله عليه وسلم شاة فجثا على ركبتيه يأكل فقال له أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال: "إن الله جعلني كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا" واستنبط من هذه الأحاديث كراهة الأكل متكئًا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقًا، وإذا ثبت أنه مكروه أو خلاف الأولى فليكن الأكل جاثيًا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى، واختلف في علة الكراهة فروى ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون أن يأكلوا المتكأة مخافة أن تعظم بطونهم، وحكى ابن الأثير أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوّله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلًا ولا يسيغه هنيئًا وربما تأذى به.

‌14 - باب الشِّوَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أَيْ مَشْوِيٍّ

(باب) جواز أكل (الشواء. وقول الله تعالى) في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ({فجاء بعجل}) ولد البقرة وكان مال إبراهيم عليه الصلاة والسلام ({حنيذ})[هود: 69](أي مشوي) بالحجارة المحماة.

5400 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ فَأَمْسَكَ يَدَهُ. فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: «لَا. وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» . فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ قَالَ: مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) قاضي صنعاء قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي أمامة بن سهل) أي ابن حنيف (عن ابن عباس عن خالد بن الوليد) أنه (قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بضب مشوي فأهوى) بيده (إليه ليأكل) منه (فقيل له) صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله (إنه ضب فأمسك يده) الشريفة عنه (فقال خالد) أي ابن الوليد (أحرام هو؟ قال):

(لا) حرمة فيه (ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه) قال في القاموس: عاف الطعام والشراب، وقد يقال: في غيرهما يعافه ويعيفه عيفًا وعيفانًا محرّكة وعيافة وعيافًا بكسرهما كرهه فلم يأكله (فأكل خالد ورسول الله صلى الله عليه وسلم) إليه.

(وقال مالك) الإمام فيما وصله مسلم (عن ابن شهاب) الزهري (بضب محنوذ) بدل مشوي. قال في القاموس: حنذ الشاة يحنذها حنذًا وتحناذًا شواها وجعل فوقها حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ أو هو الحار الذي يقطر ماؤه بعد الشيء.

ومطابقة الحديث للترجمة من جهة كونه صلى الله عليه وسلم أهوى ليأكله ثم لم يمتنع إلا لكونه ضبًّا فلو كان غير ضب لأكل قاله ابن بطال.

وهذا الحديث سبق قريبًا.

‌15 - باب الْخَزِيرَةِ. وَقَالَ النَّضْرُ: الْخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ وَالْحَرِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ

(باب الخزيرة) بالخاء المعجمة والزاي وبعد التحتية الساكنة راء.

(قال النضر): بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بعدها راء ابن شميل بضم المعجمة مصغرًا النحوي اللغوي المحدث (الخزيرة) يعني بالمعجمة تتخذ (من النخالة) أي من بلالتها وقال في القاموس: الخزير والخزيرة شبه عصيدة بلحم وبلا لحم عصيدة أو مرقة من بلالة النخالة (والحريرة) يعني بالمهملات تتخذ (من اللبن) قال في الفتح: وهذا الذي قاله النضر وافقه عليه أبو الهيثم لكن قال من الدقيق بدل اللبن وهذا هو المعروف ويحتمل أن يكون معنى اللبن أنها تشبه اللبن في البياض لشدّة تصفيتها اهـ. لكن قال في القاموس: الحريرة دقيق يطبخ بلبن أو دسم.

5401 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ، فَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى. فَقَالَ:«سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . قَالَ: عِتْبَانُ:

فَغَدَا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ لِي:«أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ» ؟ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَكَبَّرَ، فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ، فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ، فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ! فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ، لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَقُلْ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ» ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: قُلْنَا فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ» ؟ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودٍ، فَصَدَّقَهُ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن بكير) بالموحدة المضمومة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة (الأنصاري أن عتبان بن مالك) بكسر العين (وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرًا من الأنصار أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أنكرت بصري) أي ضعف أو عمي (وأنا أصلي لقومي) وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر جعل بصري يكل، ولمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت أصابني في بصري بعض الشيء وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك، لكن عند

ص: 222

المصنف في الصلاة في باب الرخصة في المطر من طريق مالك عن الزهري أنه كان يؤمّ قومه وهو أعمى وأنه قال: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا ضرير البصر.

نعم يحتمل أن يكون قوله ضرير البصر أي أصابني فيه ضرّ فهو كقوله: أنكرت بصري فتتفق الروايات، ويكون أطلق عليه العمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة. وقال ابن عبد البر: كان ضرير البصر ثم عمي ويؤيده قوله في رواية أخرى وفي بصري بعض الشيء، ويقال للناقص ضرير البصر فإذا عمي أطلق عليه ضرير من غير تقييد بالبصر (فإذا كانت الأمطار سال) الماء في (الوادي) فهو من إطلاق المحل على الحال وللطبراني وأن الأمطار حين تكون يمنعني سيل الوادي (الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم فوددت) بكسر الدال الأولى أي تمنيت (يا رسول الله أنك تأتي فتصلي) بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني (في) مكان من (بيتي فأتخذه مصلى) موضعًا للصلاة برفع فأتخذه ونصبه كقوله: فتصلي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(سأفعل) ذلك (إن شاء الله) تعالى (قال عتبان: فغدا عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) الصديق رضي الله عنه وسقط قوله عليّ من اليونينية (حين ارتفع النهار) يوم السبت (فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم) في

الدخول إلى منزلي (فأذنت له) وفي رواية الأوزاعي فأذنت لهما وفي رواية أبي أويس ومعه أبو بكر وعمر (فلم يجلس حتى دخل البيت) أي فلم يجلس في الدار ولا في غيرها حتى دخل البيت مبادرًا إلى ما جاء بسببه لأنه لم يجلس إلا بعد أن صلى (ثم قال لي: أين تحب أن أصلي من بيتك)؟ قال عتبان: (فأشرت) له صلى الله عليه وسلم (إلي ناحية من البيت فقام النبي صلى الله عليه وسلم فكبّر فصففنا) وراءه (فصلى ركعتين ثم سلّم وحبسناه على خزير) بالخاء المعجمة والزاي (صنعناه) أي منعناه من الرجوع ليأكل من الخزير الذي صنعناه له (فثاب) بالمثلثة أي جاء (في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد) بعضهم في إثر بعض لما سمعوا به صلى الله عليه وسلم (فاجتمعوا) الفاء للعطف ومن ثم لا يحسن تفسير ثاب باجتمعوا لأنه يلزم منه عطف الشيء على مرادفه وهو خلاف الأصل فالأوجه تفسيره بجاء بعضهم إثر بعض كما مرّ (فقال قائل منهم): لم يسمّ (أين مالك بن الدخشن)؟ بضم الدال المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمتين بعدها نون (فقال بعضهم) قيل هو عتبان المذكور (ذلك) باللام أي مالك بن الدخشن (منافق لا يحب الله ورسوله قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل) ذلك (ألا تراه) بفتح التاء (قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال: الله ورسوله أعلم. قال: قلنا) يا رسول الله (فإنا نرى وجهه) أي توجهه (ونصيحته إلى المنافقين) استشكل من حيث إنه يقال نصحت له لا إليه، وأجاب في الفتح بأن قوله إلى المنافقين متعلق بقوله وجهه فهو الذي يتعدى بإلى وأما متعلق نصيحته فمحذوف للعلم به (فقال) صلى الله عليه وسلم (فإن الله) تعالى (حرّم على النار من قال لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله).

(قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالإسناد السابق (ثم سألت الحصين بن محمد) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (الأنصاري أحد بني سالم وكان من سراتهم) بفتح السين والراء المخففة المهملتين أي خيارهم (عن حديث محمود فصدقه) زاد في رواية بذلك أي بالحديث المذكور. قال في الفتح: يحتمل أن يكون حمله عن صحابي آخر وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث، وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطوّلًا ومختصرًا.

‌16 - باب الأَقِطِ

وَقَالَ حُمَيْدٌ: سَمِعْتُ أَنَسًا: بَنَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِصَفِيَّةَ، فَأَلْقَى التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ: صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيْسًا.

(باب الأقط) قال في القاموس: مثلثة وتحرك وككتف ورجل وإبل شيء يتخذ من المخيض الغنمي.

(وقال حميد) الطويل مما وصله المؤلّف في باب الخبز المرقق (سمعت أنسًا) رضي الله عنه يقول: (بنى النبي صلى الله عليه وسلم بصفية) بنت حيي رضي الله عنها مقفله من خيبر (فألقى التمر والأقط والسمن) على الأنطاع لوليمته

ص: 223

(وقال عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما مولى المطلب بن

عبد الله المخزومي مما وصله المؤلّف في المغازي. (عن أنس صنع النبي-صلى الله عليه وسلم حيسًا) من تمر وأقط وسمن في نطع.

5402 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَهْدَتْ خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضِبَابًا وَأَقِطًا وَلَبَنًا، فَوُضِعَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَتِهِ، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُوضَعْ، وَشَرِبَ اللَّبَنَ وَأَكَلَ الأَقِطَ.

وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي القصاب قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد) هو ابن جبير (عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: أهدت خالتي) ميمونة أم المؤمنين (إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضبابًا) بكسر الضاد المعجمة جمع ضب (وأقطًا ولبنًا فوضع الضب على مائدته) الكريمة بضم واو فوضع مبنيًّا للمفعول والضب نائب الفاعل (فلو كان حرامًا لم يوضع) على مائدته ولم يأكل منه صلى الله عليه وسلم لكونه لم يكن بأرض قومه (وشرب) صلى الله عليه وسلم (اللبن وأكل الأقط).

وهذا الحديث سبق في قبول الهدية.

‌17 - باب السِّلْقِ وَالشَّعِيرِ

(باب السلق) بكسر السين بقلة معروفة تجلو وتحلل وتلين وتفتح السدد وتسر النفس نافع للنقرس والمفاصل وعصير أصله سعوطًا ترياق وجع السن والأُذن والشقيقة (والشعير) بالجرّ عطفًا على السلق.

5403 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا، فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، إِذَا صَلَّيْنَا زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلَا نَقِيلُ إِلَاّ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلَا وَدَكٌ.

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) الفارسي المدني نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي أنه (قال: إن كنّا لنفرح بيوم الجمعة كانت لنا عجوز) أي أقف على اسمها (تأخذ أصول السلق فتجعله في قدر لها فتجعل فيه حبات من شعير) فكنا (إذا صلينا) الجمعة (زرناها فقربته) أي ذلك المطبوخ (إلينا وكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك) الطعام (وما كنا نتغذى) بالعين المعجمة والدال المهملة (ولا نقيل) بفتح النون وكسر القاف أي نستريح نصف النهار (إلا بعد) صلاة (الجمعة والله ما فيه) أي الطعام المذكور (شحم ولا ودك) بفتح الواو والدال المهملة الدسم من عطف الأعم على الأخص.

‌18 - باب النَّهْسِ، وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ

(باب النهس) بفتح النون وسكون الهاء بعدها سين مهملة في الفرع وأصله وبالمعجمة في غيرهما (وانتشار اللحم) بالنون الساكنة والفوقية المكسورة والشين المعجمة وبعد الألف لام استخراج اللحم من المرق قبل نضجه واسم ذلك اللحم النشيل والنهس القبض عليه بالفم وإزالته من العظم أو غيره بعد الانتشال وقيل النهس بالمهملة الأخذ بمقدم الفم وبالمعجمة بالأضراس.

5404 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: تَعَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي البصري قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن ابن عباس رضي الله عنهما) قال ابن معين: وتبعه ابن بطال لا يصح لابن سيرين سماع من ابن عباس، وقال ابن المديني، قال شعبة: أحاديث محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس إنما سمعها من عكرمة لقيه أيام المختار أنه (قال: تعرق) بتشديد الراء بعدها قاف (رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفًا) أي أكل ما كان عليه من اللحم (ثم قام فصلى ولم يتوضأ).

5405 -

وَعَنْ أَيُّوبَ وَعَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْتَشَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرْقًا مِنْ قِدْرٍ فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

(وعن أيوب) السختياني بالسند السابق (و) عن (عاصم) هو ابن سليمان الأحول كلاهما (عن عكرمة عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال: انتشل النبي صلى الله عليه وسلم عرقًا) بفتح العين وسكون الراء بعدها قاف أي أخذ قبل نضجه (من قدر فأكل) منه (ثم صلى ولم يتوضأ) قال الحافظ ابن حجر: وحاصله أن الحديث عند حماد بن زيد عن أيوب بسندين على لفظين أحدهما عن ابن سيرين باللفظ الأول، والثاني عنه عن عكرمة وعاصم الأحول باللفظ الثاني، ومفاد الحديثين واحد وهو ترك إيجاب الوضوء مما مسّت النار ولم يقع في شيء من الطريقين اللذين ساقهما البخاري بلفظ النهش، وإنما ذكره بالمعنى حيث قال: تعرّق كتفًا.

‌19 - باب تَعَرُّقِ الْعَضُدِ

(باب تعرّق العضد) وهو العظم الذي بين الكتف والمرفق.

5406 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الْمَدَنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ مَكَّةَ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي (قال: حدّثني) بالإفراد

ص: 224

أيضًا ولأبي ذر:

أخبرني بالإفراد أيضًا (عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء آخره حاء مهملة مصغرًا ابن سليمان قال: (حدّثنا أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (المدني) قال: (حدّثنا عبد الله بن قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي السلمي الأنصاري أنه (قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) عام الحديبية (نحو مكة).

5407 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَازِلٌ أَمَامَنَا، وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ. فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي فَلَمْ يُؤْذِنُونِي لَهُ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، فَقُمْتُ إِلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ الْعَضُدَ مَعِي. فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:«مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ» ؟ فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا وَهْوَ مُحْرِمٌ قَالَ محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ: وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مِثْلَهُ.

وبه قال: (وحدّثني) بالإفراد وواو العطف ولغير أبي ذر بالجمع وحذف الواو (عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي المدني قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن عبد الله بن أبي قتادة السلمي) بفتح السين في اليونينية (عن أبيه) أبي قتادة (أنه قال: كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرمون) بالعمرة (وأنا غير محرم) يحتمل أنه لم يقصد نسكًا أو أنه صلى الله عليه وسلم كان أرسله إلى جهة أخرى ليكشف أمر العدو في جماعة (فأبصروا) أي القوم (حمارًا وحشيًّا وأنا مشغول أخصف نعلي) بكسر الصاد أخرزه (فلم يؤذنوني له) وللكشميهني به أي فلم يعلموني به (وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح. فقالوا: لا والله لا نعينك عليه) أي على صيد الحمار (بشيء فغضبت) بكسر الضاد المعجمة (فنزلت) عن الفرس (فأخذتهما ثم ركبت فشددت) بشين معجمة فدالين مهملتين الأولى مفتوحة مخففة والثانية ساكنة (على الحمار فعقرته ثم جئت به) إلى القوم (وقد مات: فوقعوا فيه) بعد أن طبخوه (يأكلون ثم إنهم) بحد ذلك (شكوا) بضم الكاف مشددة (في أكلهم إياه وهم حُرُم) هل يحل لهم (فرحنا) بضم الراء (وخبات العضد معي) من الحمار (فأدركنا) بسكون الكاف (رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن ذلك) العقر والأكل مع الإحرام (فقال) صلى الله عليه وسلم:

هل (معكم منه شيء)(فناولته العضد كلها فأكلها حتى تعرّقها) بفتح العين المهملة والراء المشددة والقاف أكل ما عليها من اللحم (وهو) عليه الصلاة والسلام (محرم) بالعمرة والواو للحال.

(وقال محمد بن جعفر) الراوي عن أبي حازم المذكور بالسند السابق وثبت لفظ محمد لأبي ذر عن الحموي والمستملي كذا في اليونينية وفرعها (وحدّثني) بالإفراد (زيد بن أسلم) ولأبي ذر عن الكشميهني قال أبو جعفر قال زيد بن أسلم (عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة مثله).

والحاصل أن لمحمد بن جعفر فيه إسنادين والمطابقة منه ظاهرة.

وهذا الحديث سبق في الحج.

‌20 - باب قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ

(باب) جواز (قطع اللحم بالسكين).

5408 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عمرو بن أمية) بفتح العين (أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز) بالحاء المهملة الساكنة والفوقية المفتوحة والزاي المشددة أي يقطع (من كتف شاة في يده) الكريمة (فدعي) بضم الدال وكسر العين (إلى الصلاة فألقاها و) ألقى (السكين التي يحتز بها ثم قام فصلى ولم يتوضأ).

فإن قلت: هذا يعارضه حديث أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رفعته: لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم وانهشوه فإنه أهنا وأمرأ. أجيب: بأن أبا داود قال: هو حديث ليس بالقوي، وحينئذ فلا يحتج به من أجل أبي معشر نجيح المسندي الهاشمي صاحب المغازي. قال البخاري وغيره: منكر الحديث ومن مناكيره حديث: لا تقطعوا اللحم بالسكين هذا لكن قال الحافظ ابن حجر: إن له شاهدًا من حديث صفوان بن أمية أخرجه الترمذي بلفظ: انهشوا اللحم نهشًا فإنه أهنأ وأمرأ، وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم اهـ.

وعبد الكريم هو أبو أمية بن أبي المخارق ضعيف، لكن أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن صفوان بن أمية فهو حسن لكن ليس فيه ما رواه

ص: 225

أبو معشر من التصريح بالنهي عن قطع اللحم بالسكين، وأكثر ما في حديث صفوان بن أمية أن النهش أولى.

وهذا الحديث قد سبق في الوضوء.

‌21 - باب مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا

هذا (باب) بالتنوين (ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا) من الأطعمة المباحة.

5409 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري وقال العيني ابن عيينة (عن الأعمش) سليمان (عن أبي حازم) سليمان الأشجعي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أنه قال: ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا قط) سواء كان من صنعة الآدمي أو لا، فلا يقول مالح غير ناضج ونحو ذلك (إن اشتهاه أكله وإن كرهه) كالضب (تركه) واعتذر بكونه لم يكن بأرض قومه، وهذا كما قال ابن بطال: من حسن الأدب لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره وكل مأذون فيه من جهة الشرع لا عيب فيه.

‌22 - باب النَّفْخِ فِي الشَّعِيرِ

(باب النفخ في الشعير).

5410 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَهْلًا: هَلْ رَأَيْتُمْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ؟ قَالَ: لَا. فَقُلْتُ: كُنْتُمْ تَنْخُلُونَ الشَّعِيرَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ كُنَّا نَنْفُخُهُ. [الحديث 5410 - أطرافه في: 5413].

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف الليثي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار وهو غير الذي قبله في الباب السابق وهو أصغر منه وكل منهما تابعي (أنه سأل سهلًا) بفتح السين المهملة وسكون الهاء ابن سعد الساعدي (هل رأيتم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم النقيّ) بفتح النون وكسر القاف وتشديد التحتية الخبز الحواري وهو ما نقي دقيقه من الشعير وغيره فصار أبيض (قال) سهل (لا) ما رأينا في زمانه صلى الله عليه وسلم النقي. قال أبو حازم سلمة (فقلت) له (كنتم) ولأبي ذر عن الكشميهني فهل كنتم (تنخلون الشعير)؟ بعد طحنه استفهام حذفت أداته (قال) سهل (لا ولكن كنا ننفخه) بعد طحنه لتطير منه قشوره.

وهذا الحديث من أفراده ويأتي في الباب اللاحق من غير هذا الوجه بأتمّ منه هنا إن شاء الله تعالى.

‌23 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ

(باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون).

5411 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ تَمْرًا فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَانِي سَبْعَ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ تَمْرَةٌ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهَا شَدَّتْ فِي مَضَاغِي. [الحديث 5411 - أطرافه في: 5441].

وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن عارم أبو الفضل السدوسي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم (عن عباس) بالموحدة آخره سين مهملة ابن فروخ بالفاء والراء المشددة المضمومة آخره جيم (الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى مصغرًا (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (النهدي عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم يومًا بين أصحابه تمرًا فأعطى كل إنسان) منهم (سبع تمرات فأعطاني سبع تمرات إحداهن حشفة) بحاء مهملة ثم معجمة ثم فاء مفتوحات من أردأ التمر (فلم يكن فيهن تمرة أعجب إليّ منها) من الحشفة (شدّت) بالشين المعجمة والدال المشددة المهملة المفتوحتين (في مضاعي) بفتح الميم الطعام يمضغ ولأبي ذر بكسرها بعدها ضاد معجمة وبعد الألف غين معجمة يحتمل أن يكون المراد ما يمضع به وهو الأسنان وأن يكون المراد به المضع نفسه.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الزهد والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الزهد.

5412 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَاّ وَرَقُ الْحُبْلَةِ، أَوِ الْحَبَلَةِ حَتَّى يَضَعَ أَحَدُنَا مَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلَامِ، خَسِرْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِي.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا وهب بن جرير) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن سعد) هو ابن أبي وقاص أنه (قال: رأيتني) أي رأيت نفسي (سابع سبعة) سبق إسلامهم (مع النبي صلى الله عليه وسلم) وهم كما عند ابن أبي خيثمة: أبو بكر، وعثمان، وعلي، وزيد بن حارثة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص (ما لنا طعام) نأكله (إلا ورق الحبلة) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة (أو الحبلة) بفتح الحاء والموحدة ثمر العضاه وثمر السمر وهو يشبه اللوبيا أو المراد عروق الشجر وقال في المطالع: الحبلة الكرم قاله ثعلب، وفي الحديث: لا تسموا العنب الكرم ولكن قولوا الحبلة (حتى يضع أحدنا ما تضع الشاة) يريد أن أحدهم كان

إذا قضى حاجته ألقى شيئًا كالبعر الذي تلقيه الشاة (ثم أصبحت بنو أسد تعزرني) بزاي مشددة بعدها راء أي تؤدبني (على الإسلام) وتعلمني أحكامه

ص: 226

وذلك أنهم وشوا به إلى عمر رضي الله عنه حتى قالوا لا يحسن أن يصلّي، ولأبي ذر عن الكشميهني: يعزرونني بزيادة واو وجمع ونون (خسرت) بسكون الراء (إذًا) بالتنوين جواب وجزاء أي إن كنت كما قالوا محتاجًا إلى تأديبهم وتعليمهم خسرت حينئذ (وضلّ سعيي) فيما سبق وفيه جواز مدحة الإنسان نفسه إذا اضطر لذلك.

وهذا الحديث سبق في المناقب.

5413 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ: هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْخُلًا مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، قَالَ قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ، فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا يعقوب) ابن عبد الرحمن القاري بغير همز (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: سألت سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه (فقلت) له: (هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم) الخبز (النقي) الأبيض (فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي) من الخبز (من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قال) أبو حازم (فقلت) له: (هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلًا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله) ثبت لفظة الله الأخيرة لأبي ذر والتقييد بما بعد البعثة يحتمل أن يكون احترازًا عما قبلها إذ كان صلى الله عليه وسلم سافر إلى الشام والخبز النقي والمناخل وآلات الترفه بها كثيرة (قال) أبو حازم (قلت) له: (كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه) بفتح الحاء (وننفخه) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم ننفخه (فيطير) منه (ما طار وما بقي) منه (ثريناه) بالمثلثة المفتوحة والراء المشددة المفتوحة أيضًا أي ندّيناه وليّناه بالماء (فأكلناه).

وهذا الحديث سبق قريبًا.

5414 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الْخُبْزِ الشَّعِيرِ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وضم عين عبادة وتخفيف الموحدة القيسي الحافظ قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) هو

محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب (عن سعيد) هو ابن أبي سعيد كيسان (المقبري) بضم الموحدة كان يسكن بالقرب من المقبرة (عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية) بفتح الميم وسكون الصاد المهملة مشوية (فدعوه) بفتح العين كالدال فطلبوه أن يأكل منها (فأبى) فامتنع (أن يأكل) منها زهدًا لما تذكره من شدة العيش السابقة له، ولذا (قال) ولأبي ذر قال:(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدنيا ولم يشبع من الخبز) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر من خبز (الشعير).

5415 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خِوَانٍ، وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ. قُلْتُ لِقَتَادَةَ: عَلَى مَا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود حميد قال (حدّثنا معاذ) بضم الميم آخره معجمة ابن هشام الدستوائي قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام (عن يونس) بن أبي الفرات القرشي مولاهم البصري الإسكاف (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه أنه (قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان) بكسر الخاء المعجمة وضمها وإخوان بهمزة مكسورة طبق كبير تحته كرسي ملزق به يوضع بين يدي المترفين (ولا في سكرجة) بضم السين المهملة والكاف والراء المشدّدة وتخفف لأن العجم كانت تستعملها في الكوامخ وما أشبهها من الجوارشنات على الموائد حول الأطعمة للتشهي والهضم (ولا خبز له مرقق). قال يونس (قلت لقتادة على ما) بألف بعد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني علام (يأكلون؟ قال: على السفر) بضم السين المهملة وفتح الفاء جمع سفرة وهي في الأصل طعام المسافر وبه سميت الآلة التي يعمل فيها السفرة إذا كانت من جلد.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الأطعمة وقال غريب، والنسائي في الرقاق، وابن ماجة في الأطعمة.

5416 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ الْبُرِّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر) من الإضافة البيانية (ثلاث ليال) بأيامهن (تباعًا) بكسر الفوقية (حتى قبض) بضم القاف وكسر الموحدة إيثارًا للجوع وقلة الشبع مع الجدة.

وهذا

ص: 227

الحديث أخرجه أيضًا في الرقاق، ومسلم في أواخر كتابه والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأطعمة.

‌24 - باب التَّلْبِينَةِ

(باب التلبينة) بفتح الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة نون مفتوحة قال البيضاوي حسو رقيق يتخذ من الدقيق واللبن أو من الدقيق أو من النخالة، وقد يجعل فيه العسل سميت بذلك تشبيهًا لها باللبن لبياضها ورقتها.

5417 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ، إِلَاّ أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ» . [الحديث 5417 - أطرافه في: 5689، 5690].

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك) الميت (النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة) بضم الموحدة الثانية قدر من حجارة (من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد) بضم الطاء ثم الصاد مبنيين للمفعول (فصبت التلبينة) بضم الصاد أيضًا (عليها ثم قالت) لهن: (كلن منها) سقط لفظ منها لأبي ذر (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):

(التلبينة مجمة) بفتح الميم الأولى والجيم والميم الثانية مشدّدة في الفرع كأصله أي مريحة وتكسر الجيم وبضم الميم وكسر الجيم اسم فاعل أي مريحة (لفؤاد المريض تذهب) بفتح الفوقية والهاء (ببعض الحزن) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي ولأبي ذر بفتحهما، والفؤاد رأس المدة وفؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه ومعدته لتقليل الغذاء، وهذ الطعام يرطبها ويقوّيها ويفعل ذلك أيضًا بفؤاد المريض.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الطب، وكذا أخرجه فيه مسلم والترمذي، وأخرجه النسائي في الوليمة والطب.

‌25 - باب الثَّرِيدِ

(باب الثريد) بفتح المثلثة وكسر الراء أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه لحم.

5418 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِيِّ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ

مِنَ النِّسَاءِ إِلَاّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».

وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء في الثاني (الجملي) بفتح الجيم والميم نسبة إلى جمل بطن من مراد (عن مرة) بضم الميم وتشديد الراء (الهمداني)، بفتح الهاء وسكون الميم الكوفيّ (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(كمل) بفتح الكاف والميم وتضم (من الرجال كثير ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا بنت مريم عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) لما فيه من تيسير المؤونة وسهولة الإساغة وكان أجلّ أطعمتهم يومئذٍ، وهذا لا يستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة فقد يكون مفضولًا بالنسبة لغيره من جهات أخرى.

وهذا الحديث قد سبق بمباحثه في أحاديث الأنبياء وما ذكر من فضل عائشة وغيرها، والذي يظهر تفضيل فاطمة لأنها بضعة منه صلى الله عليه وسلم ولا يعدل بضعته أحد، وقال ابن بطال: عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومريم مع عيسى عليهما السلام ودرجة محمد فوق درجة عيسى فدرجة عائشة أعلى وهو معنى الأفضل.

5419 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» .

وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما الواسطي قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان الواسطي (عن أبي طوالة) بضم الطاء المهملة وفتح الواو مخففة عبد الله بن عبد الرحمن بن حزم الأنصاري (عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).

وهذا الحديث سبق في فضل عائشة.

5420 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا حَاتِمٍ الأَشْهَلَ بْنَ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى غُلَامٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ بَعْدُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ.

وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عبد الله بن منير) المروزي أنه (سمع أبا حاتم)

بالحاء المهملة والفوقية (الأشهل) بالشين المعجمة والهاء المفتوحة (ابن حاتم) بالحاء أيضًا البصري قال: (حدّثنا ابن عون) بفتح العين وسكون الواو بعدها نون عبد الله البصري (عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله (بن أنس عن) جده (أنس رضي الله عنه) أنه (قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم على غلام له خياط) لم أقف على اسمه (فقدم)

ص: 228

الخياط (إليه) صلى الله عليه وسلم (قصعة فيها ثريد قال) أنس (وأقبل) الخياط (على عمله قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء) القرع من حوالى القصعة (قال) أنس (فجعلت أتتبعه) أي القرع (فأضعه بين يديه) صلوات الله وسلامه عليه (قال) أن (فما زلت بعد أحب الدباء) أي أكلها اقتداء به صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث سبق في باب من تتبع حوالى القصعة.

‌26 - باب شَاةٍ مَسْمُوطَةٍ وَالْكَتِفِ وَالْجَنْبِ

(باب) ذكر (شاة مسموطة والكتف والجنب).

5421 -

حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، قَالَ: كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَلَا أرى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ.

وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وبعد الدال الساكنة موحدة القيسي البصري الحافظ قال: (حدّثنا همام بن يحيى) العوذي الحافظ (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: كنا نأتي أنس بن مالك رضي الله عنه وخبازه) لم يعرف اسمه (قائم) عنده (قال) أنس (كلوا فما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم رأى رغيقًا مرققًا حتى لحق بالله ولا أرى شاة سميطًا) ولأبي ذر عن الكشميهني مسموطة (بعينه قط) بالإفراد والمسموطة التي ينتف شعر جلدها ثم تشوى وهو مأكل المترفين، وإنما كانت عادتهم أن يأخذوا جلد الشاة ينتفعوا به.

وهذا الحديث قد سبق قريبًا في باب الخبز المرقق.

5422 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن جعفر بن عمرو بن أمية) بفتح العين (الضمري) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم بعدها راء (عن أبيه) عمرو بن أمية أنه (قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز) يقطع (من كتف شاة فأكل) بفاء مفتوحة بلفظ الماضي، ولأبي ذر عن الكشميهني: يأكل بالتحتية

بدل الفاء بلفظ المضارع (منها) أي من الشاة (فدعي إلى الصلاة فقام فطرح السكين فصلى ولم يتوضأ) من أكل ما مسته النار.

فإن قلت: جاء في مسلم من حديث أبي هريرة الأمر بالوضوء مما مست النار. أجيب: بأنه جاء على أصله اللغوي من النظافة فالمراد منه هنا غسل اليدين لإزالة الزهومة توفيقًا بينه وبين حديث الباب وغيره، وأما حمله على المعنى الشرعي وادّعاء نسخه فيحتاج لمعرفة التاريخ نعم صرح ابن الصلاح بالنسخ حيث قال: مما يعرف به النسخ قول الصحابي كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار.

ومباحث ذلك سبقت في كتاب الوضوء ولم يقع في حديثي الباب ما ترجم له من الجنب، وأجاب في الفتح بأنه أشار إلى حديث أم سلمة المروي في الترمذي وصححه أنها قرّبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جنبًا مشويًّا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة واعترضه العيني فقال: من أين يعلم أنه أشار به إلى حديث أم سلمة مع أن الإشارة لا تكون إلا لحاضر، وأجاب بأنه ذكر الجنب استطرادًا أو إلحاقًا له بالكتف.

‌27 - باب مَا كَانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: صَنَعْنَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ سُفْرَةً

(باب ما كان السلف) من الصحابة والتابعين (يدّخرون في بيوتهم) في الحضر (و) يدّخرون في (أسفارهم من الطعام واللحم وغيره) ومن بيانية (وقالت عائشة و) أختها لأبيها (أسماء) بنتا أبي بكر الصديق رضي الله عنهم مما سبق في الهجرة (صنعنا للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سفرة) عند إرادتهما للهجرة إلى المدينة.

5423 -

حَدَّثَنَا خَلَاّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ؟ قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلَاّ فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ فِيهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ. وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ فَنَأْكُلُهُ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ. قِيلَ: مَا اضْطَرَّكُمْ إِلَيْهِ؟ فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ بِهَذَا. [الحديث 5423 - أطرافه في: 5438، 5570، 6687].

وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) أبو محمد السلمي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن عابس) بألف بعد العين وبعدها موحدة مكسورة فسين مهملة (عن أبيه) عابس بن ربيعة النخعي الكوفي التابعي الكبير وليس هو عابس بن ربيعة الغطيفي أنه (قال: قلت

لعائشة) رضي الله عنها (أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤكل لحوم الأضاحي) بالمثناة الفوقية وفتح الكاف لحوم رفع ولأبي ذر أن يؤكل بالمثناة التحتية من لحوم الأضاحي (فوق ثلاث) من الأيام (قالت: ما فعله) صلى الله عليه وسلم (إلا في عام جاع الناس فيه فأراد) عليه الصلاة والسلام (أن يطعم الغني الفقير) فالنهي كان خاصًّا بذلك العام للعلة المذكورة ثم نسخ وقوله الغني رفع فاعل الإطعام والفقير نصب مفعوله، ولغير أبي ذر: أن يطعم بفتح العين الغني

ص: 229

والفقير بواو العطف والرفع على الفاعلية أي يأكل الغني والفقير (وإن كنا لنرفع الكراع) بضم الكاف وبالراء آخره عين مهملة مستدق الساق من الغنم (فنأكله بعد خمس عشرة) ليلة فيه بيان جواز ادّخار اللحم وأكل القديد (قيل) لها (ما اضطركم إليه) أي ما ألجأكم إلى تأخيره هذه المدة (فضحكت) تعجبًا من سؤال عابس عن ذلك مع علمه بما كانوا فيه من ضيق العيش ثم (قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز برّ مأدوم) أي مأكول بالأدم (ثلاثة أيام) متوالية (حتى لحق بالله) عز وجل.

(وقال ابن كثير) محمد شيخ المؤلّف (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عابس بهذا) الحديث المذكور لكن في هذه الطريق تصريح سفيان بإخبار عبد الرحمن بن عابس له به، وقد وصله الطبراني في الكبير عن معاذ بن المثنى عن محمد بن كثير به.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأيمان والنذور ومسلم في أواخر صحيحه والترمذي والنسائي في الأضاحي وابن ماجة فيه وفي الأطعمة، والمطابقة بين الحديث والترجمة في قوله: وإن كنا لنرفع الكواع إلى آخره، ويحتمل أن يكون المراد بالطعام ما يطعم فيدخل فيه كل أدام.

5424 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الْهَدْيِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ.

تَابَعَهُ مُحَمَّدٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: لَا.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) الأنصاري رضي الله عنه أنه (قال: كنا نتزوّد لحوم الهدي) الذي يهدى إلى المحرم من النعم (على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) أي في زمانه في سفرنا من مكة (إلى المدينة).

(تابعه) أي تابع عبد الله بن محمد المسندي (محمد) هو ابن سلام (عن ابن عيينة) سفيان وهذه المتابعة أخرجها ابن أبي عمر في مسنده. (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قلت لعطاء) هو ابن أبي رباح (أقال) جابر كنا نتزوّد لحوم الهدي (حتى جئنا المدينة؟ قال) عطاء: (لا).

لم يقل جابر حتى جئنا المدينة. وقال الحافظ ابن حجر: ليس المراد بقول عطاء لا نفي الحكم بل مراده أن جابرًا لم يصرح باستمرار ذلك منهم حتى قدموا، فيكون على هذا معنى قوله في رواية عمرو بن دينار عن عطاء كنا نتزوّد لحوم الهدي إلى المدينة أي لتوجهنا إلى المدينة ولا يلزم من ذلك

بقاؤها معهم حتى يصلوا إلى المدينة لكن روى مسلم من حديث ثوبان ذبح النبي صلى الله عليه وسلم أضحيته ثم قال لي: "يا ثوبان أصلح لحم هذه" فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة.

وهذا التعليق وصله المؤلّف في باب ما يؤكل من البدن من كتاب الحج ولفظه كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوا وتزوّدوا" ولم يذكر هذه الزيادة. نعم ذكرها مسلم في روايته عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد بالسند الذي أخرجه به البخاري فقال: بعد قوله: كلوا وتزوّدوا. قلت لعطاء أو قال جابر حتى جئنا المدينة قال: نعم كذا وقع عنده بخلاف ما وقع عند البخاري قال: لا والذي وقع عند البخاري هو المعتمد فإن الإمام أحمد أخرجه في مسنده عن يحيى بن سعيد كذلك، وكذا أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد قاله في الفتح.

‌28 - باب الْحَيْسِ

(باب الحيس) بالحاء المفتوحة والسين المهملتين بينهما تحتية ساكنة وهو تمر يخلط وأقحط فيعجن شديدًا ثم يندر نواه وربما جعل فيه سويق وقد حاسه يحيسه.

5425 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي طَلْحَةَ: «الْتَمِسْ غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي» ، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» . فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي لها وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ بِكِسَاءٍ ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ:«هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» . فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما (مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب) بحاء وطاء مفتوحتين مهملتين بينهما نون ساكنة وآخره موحدة (أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس:

(التمس) لي (غلامًا من غلمانكم يخدمني) بضم الدال (فخرج بي أبو طلحة) حال كونه (يردفني) على الدابة (وراءه فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل كلما نزل فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من الهم) من الحزن (والحزن) بفتح الحاء المهملة والزاي الهم كذا في القاموس

ص: 230

وغيره لكن فرق البيضاوي بينهما بأن الهم إنما يكون هي الأمر المتوقع والحزن فيما قد وقع أو الهم هو الحزن الذي يذيب الإنسان يقال: همني المرض بمعنى أذابني وسمى به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه يذيبه أبلغ وأشدّ من الحزن (والعجز) وهو ذهاب القدرة وأصله التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابله (والكسل) التثاقل عن الأمر والفتور فيه مع وجود القدرة والداعية إليه (والبخل) ضدّ الكرم (والجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة أي الخور من تعاطي الحرب ونحوها خوفًا على المهجة (وضلع الدين) بفتح الضاد المعجمة واللام يعني ثقله حتى يميل بصاحبه عن الاستواء والاعتدال (وغلبة الرجال) بفتح الغين المعجمة واللام والموحدة، وفي الرواية الأخرى: وقهر الرجال، قال التوربشتي: ويراد به الغلبة. وقال الطيبي: قهر الرجال إما أن تكون إضافته إلى الفاعل أي قهر المدائن إياه وغلبته عليه بالتقاضي، وليس له ما يفضي دينه أو إلى المفعول بأن لا يكون له أحد يعاونه على قضاء ديونه من رجاله وأصحابه.

قال أنس: (فلم أزل أخدمه) صلى الله عليه وسلم (حتى أقبلنا من خيبر) قافلين (وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها) بالحاء المهملة والزاي اختارها من غنيمة خيبر (فكنت أراه) صلى الله عليه وسلم (يحوّي) بضم التحتية وفتح المهملة وكسر الواو مشددة أي يجعل (لها) حوية كساء محشوًّا يدار حول سنام الراحلة يحفظ راكبها من السقوط ويستريح بالاستناد إليه (وراءه بعباءة أو بكساء) والشك من الراوي وثبت قوله لها لأبي ذر وسقط لغيره (ثم يرفها وراءه) على الراحلة (حتى إذا كنا بالصهباء) موضع بين خيبر والمدينة (صنع حيسًا في نطع) بكسر النون وفتح الطاء كعنب وبفتح النون والمراد السفرة (ثم أرسلني فدعوت رجالًا فأكلوا) من الحيس (وكان ذلك بناءه بها) أي دخوله بصفيه (ثم أقبل) قافلًا إلى المدينة (حتى إذا بدا) ظهر (له أحد) الجبل المكرّم المعروف (قال) صلى الله عليه وسلم:

(هذا) أُحُد (جبل يحبنا) حقيقة بخلق الله تعالى فيه الإدراك كحنين الجذع أو مجازًا أو بتقدير أهل كاسأل القرية (ونحبه) لأنه في أرض من نحب وهم الأنصار (فلما أشرف) صلى الله عليه وسلم (على المدينة قال: اللهمّ إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم) الخليل صلى الله عليه وسلم (مكة) وجبلا المدينة هما عير وأحد، وأما رواية ثور فاستشكلت من حيث إنه بمكة وفيه الغار الذي بات فيه النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر والقول بأن المدينة أيضًا جبلًا اسمه ثور أولى لما فيه من عدم توهيم الثقات والمراد تحريم التعظيم دون ما عداه من الأحكام المتعلقة بحرم مكة نعم مشهور مذهب المالكية والشافعية حرمة صيد المدينة وقطع شجرها لكن من غير ضمان.

ومباحث ذلك سبقت أواخر الحج.

(اللهم بارك لهم) لأهل المدينة (في مدّهم) بضم الميم وتشديد الدال المهملة وهو ما يسع رطلًا وثلث رطل أو رطلين (وصاعهم) وهو ما يسع أربعة أمداد وفي حديث آخر وبارك لنا في مدينتنا ولقد استجاب الله دعاء حبيبه وجلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين من مشارق الأرض

ومغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى، وبارك الله تعالى في مكيالها بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها، ولقد رأيت من ذلك الأمر الكبير فاسأل الله تعالى بوجهه الكريم، ونبيّه العظيم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أن يمنّ عليّ وأحبابي والمسلمين بالمقام بها على أحسن حال مع الإقبال والقبول، وبلوغ المأمول، والوفاة بها على الإسلام، والقرب منه عليه الصلاة والسلام، في دار السلام بمنّه وكرمه.

‌29 - باب الأَكْلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ

(باب) حكم (الأكل في إناء مفضض) أي جعل فيه الفضه بالتضبيب أو بالخلط أو بالطلاء.

5426 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سيف بن أبي سليمان) المخزومي (قال: سمعت مجاهدًا)

ص: 231

أبا الحجاج بن جبر مولى السائب بن أبي السائب المخزومي (يقول: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري عالم الكوفة (أنهم كانوا عند حذيفة) بن اليمان (فاستسقى فسقاه مجوسي) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمه ولمسلم من حديث عبد الله بن حكيم قال: كنا مع حذيفة بالمدائن فاستسقى حذيفة فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة (فلما وضع القدح) الذي فيه الماء (في يده رماه) أي رمى المجوسي (به) بالقدح أو رمى القدح بالشراب ولأبي ذر رمي به وزاد في رواية عند الإسماعيلي وأصله في مسلم رماه به فكسره (وقال لولا أني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لولا أنه (نهيته) بلساني (غير مرة ولا مرتين) عن استعمال آنية الذهب والفضة ما رميته لكنه لما لم ينته بالنهي اللساني مع تكراره رميته به تغليطًا عليه (كأنه) أي حذيفة (يقول لم أفعل هذا ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول):

(لا تلبسوا الحرير والديباج) الثياب المتخذة من الإبريسم فارسيّ معرّب (ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها) هذا على حدّ قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها} [التوبة: 34] فالضمير عائد على الفضة ويلزم حكم الذهب بطريق الأولى (فإنها لهم) للكفار (في الدنيا) قال الإسماعيلي: ليس المراد بقوله لهم في الدنيا إباحة استعمالهم إياها وإنما المعنى أي هم الذين يستعملونها مخالفة لزي المسلمين (ولنا) ولأبي ذر وهي لكم (في الآخرة) مكافأة على تركها في الدنيا ويمنعها أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعمالها.

وعند أحمد من طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى: نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة وأن يؤكل فيها، وهذا في الذي كله ذهب أو فضة أما المخلوط أو المضبب أو المموّه فروى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رفعه: من شرب في آنية الذهب والفضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم، لكن قال البيهقي: المشهور أنه عن ابن عمر موقوف عليه، وهو عند ابن أبي شيبة من طريق أخرى عنه أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة، وفي الأوسط للطبراني من حديث أم عطية: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفضيض الأقداح ثم رخص فيه للنساء فيحرم استعمال كل إناء جميعه أو بعضه ذهب أو فضة لما ذكر واتخاذه لأنه يجرّ إلى استعماله وسواء في ذلك الرجال والنساء وكذا المضبب بأحدهما وضبة الفضة الكبيرة لغير حاجة بأن كانت لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة فيحرم استعمال ذلك واتخاذه وإن كانت صغيرة لغير حاجة بأن كانت لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة كبيرة لحاجة كره ذلك لما روى البخاري -رحمه الله تعالى- أن قدحه صلى الله عليه وسلم الذي كان يشرب فيه كان مسلسلًا بفضة لانصداعه أي مشبعًا بخيط فضة لانشقاقه وخرج بغير حاجة الصغيرة لحاجة فلا تكره ومرجع الكبيرة والصغيرة للعرف، وإنما حرمت ضبة الذهب مطلقًا لأن الخيلاء فيه أشد من الفضة ويحل نحو نحاس مموّه بذهب أو فضة إن لم يحصل من ذلك شيء بالنار لقلة المموّه به فكأنه معدوم بخلاف ما إذا حصل منه شيء بها لكثرته.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأشربة واللباس ومسلم في الأطعمة وأبو داود في الأشربة والنسائي في الزينة والوليمة وابن ماجة في الأشربة واللباس.

‌30 - باب ذِكْرِ الطَّعَامِ

(باب ذكر الطعام).

5427 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ: لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) هو ابن مالك الصحابيّ (عن أبي موسى الأشعري) رضي الله عنه أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن) ويعمل به ويداوم عليه (كمثل الأترجة) قال في القاموس:

الأترج والأترجة والترنجة والترنج معروف (ريحها طيب وطعمها طيب) ومنظرها حسن فاقع لونها تسر الناظرين (ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن) ويعمل به (كمثل التمرة)

ص: 232

بالمثناة الفوقية (لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مرّ) وسقطت الكاف من كمثل الريحانة من اليونينية (ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ربح وطعمها مرّ).

وقد سبق هذا الحديث في فضائل القرآن، والمراد منه كما في الفتح وغيره تكرار ذكر الطعم فيه والطعام يطلق بمعنى الطعم. وقال في التوضيح: فيه إباحة أبي الطعام الطيب وكراهة أكل المرّ انتهى. وليس في ذلك ما يشفي الغليل من المراد من الترجمة والحديث والله أعلم.

قال ابن بطال: معنى الترجمة إباحة أكل الطعام الطيب وأن الزهد ليس فيه خلاف ذلك فإن في تشبيه المؤمن بما طعمه طيب وتشبيه الكافر بما طعمه مرّ ترغيبًا في أكل الطعام الطيب والحلو.

5428 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» .

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان الواسطي قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن) أبو طوالة (عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(فضل عائشة) رضي الله عنها (على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) شبّه به لأنه كان حينئذ أفضل أطعمتهم.

وقد سبق هذا الحديث قريبًا والغرض منه غير خاف.

5429 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ: يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مالك) الإمام الجليل (عن سمي) بضم المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(السفر قطة من العذاب) لما فيه من المشقّة والتعب والحر والبرد والخوف وخشونة العيش وقال بعضهم: إنما كان قطعة من العذاب لأن فيه مفارقة الأحباب (يمنع أحدكم نومه وطعامه فإذا قضى) المسافر (نهمته) بفتح النون وسكون الهاء. قال السفاقسي: وضبطناه أيضًا بكسر النون أي حاجته (من وجهه) الجار والمجرور متعلق بقضى أي حصل مقصوده من وجهه الذي توجه إليه

(فليعجل إلى أهله) بضم التحتية وكسر الجيم مشددة قال الخطابي: فيه الترغيب في الإقامة لما في السفر من فوات الجمعة والجماعات والحقوق الواجبة للأهل والقرابات.

وهذا الحديث مرّ في الحج والجهاد.

‌31 - باب الأُدْمِ

(باب الأدم) بضم الهمزة وسكون الدال وضمها وهو ما يؤكل به الخبز مما يطيبه.

5430 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: وَلَنَا الْوَلَاءُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَوْ شِئْتِ شَرَطْتِيهِ لَهُمْ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . قَالَ: وَأُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي أَنْ تَقِرَّ تَحْتَ زَوْجِهَا أَوْ تُفَارِقَهُ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَيْتَ عَائِشَةَ وَعَلَى النَّارِ بُرْمَةٌ تَفُورُ، فَدَعَا بِالْغَدَاءِ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ:«أَلَمْ أَرَ لَحْمًا» ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَأَهْدَتْهُ لَنَا فَقَالَ:«هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا وَهَدِيَّةٌ لَنَا» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدنيّ (عن ربيعة) الرأي (أنه سمع القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (يقول: كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى بنت صفوان مولاة عائشة (ثلاث سنن) بضم السين المهملة (أرادت عائشة أن تشتريها فتعتقها) بضم الفوقية الأولى وكسر الثانية (فقال أهلها) نبيعها (ولنا الولاء، فذكرت) عائشة (ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لها:

(لو شئت شرطتيه لهم) بالمثناة التحتية من إشباع الكسرة وهو جواب لو، واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم لها: لو شئت شرطتيه، إذا هو شرط مفسد للبيع مع ما فيه من المخادعة، وأجيب: بأن هذا من خصائص عائشة أو المراد التوبيخ لأنه كان بيّن لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل لهم فلما ألحوا في اشتراطه قال لها: لا تبالي سواء شرطتيه أم لا، فإنه شرط باطل، وقد سبق بيان ذلك لهم أو اللام في لهم بمعنى على كقوله تعالى:{وإن أسأتم فلها} [الإسراء: 7] أو المراد فاشترطي لأجلهم الولاء أي لأجل معاندتهم ومخالفتهم للحق حتى يعلم غيرهم أن هذا الشرط لا ينفع (فإنما الولاء لمن أعتق) وإنما هنا لحصر بعض الصفات في الموصوف لا للحصر التام لأن الولاء لمن أعتق ولمن جرّه إليه من أعتق.

(قال: و) السنة الثانية (أعتقت فخيرت) بضم الهمزة والخاء مبنيين للمجهول (في أن تقر) بفتح الفوقية وكسر القاف وتفتح وتشديد الراء (تحت زوجها) مغيث (أو تفارقه، و) السنة الثالثة

ص: 233

(دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بيت عائشة وعلى النار برمة تفور فدعا بالغداء) بفتح الغين المعجمة

والدال المهملة (فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال: (لم أرَ لحمًا؟ قالوا: بلى يا رسول الله ولكنه لحم تصدق به على بريرة) بضم الفوقية والصاد المهملة (فأهدته لنا، فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو صدقة عليها وهدية لنا) والغرض من الحديث ظاهر وفيه تقديم اللحم على غيره لما فيه من سؤاله صلى الله عليه وسلم مع وجود أدم غيره، وفي حديث بريرة مرفوعًا: سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم رواه ابن ماجة.

وحديث الباب ذكره المؤلّف أكثر من عشرين مرة، لكنه ساقه هنا مرسلًا، لكنه كما قال في الفتح اعتمد على إيراده موصولًا من طريق مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة في كتاب النكاح والطلاع وجرى هنا على عادته من تجنب إيراد الحديث على هيئته كلها في باب آخر فالله تعالى يرحمه ما أدق نظره وأوسع فكره.

‌32 - باب الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ

(باب) ذكر (الحلواء) بالمدّ في الفرع كأصله وقال في الفتح: بالقصر لأبي ذر ولغيره بالمد لغتان، وحكى ابن قرقول وغيره أن الأصمعي يقصرها، وعن أبي علي الوجهين فعلى القصر يكتب بالياء وعلى المدّ بالألف، وقال الليث: الحلواء ممدود وهو كل حلو يؤكل وخصه الخطابي بما دخلته الصنعة، وقال ابن سيده: ما عولج من الطعام بحلاوة وقد تطلق على الفاكهة (و) ذكر (العسل).

5431 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ) بالحاء المهملة والظاء المعجمة نسبة إلى حنظلة بن مالك المشهور بابن راهويه (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء) بالمدّ والقصر (و) يجب (العسل) وفي فقه اللغة للثعالبي أن حلوى النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم وهو تمر يعجن بلبن فإن صح هذا، وإلا فلفظ الحلوى يعم كل ما فيه حلو وما يشابه الحلوى والعسل من المآكل اللذيذة وقد دخل العسل في قولها الحلوى ثم ثنت بذكره على انفراده لشرفه كقوله تعالى:{وملاكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] فما خلق الله لها في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبًا منه إذ هو غذاء من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلو من الحلوى وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات وله خواص ومنافع تأتي إن شاء الله تعالى مع غيرها من المباحث في كتاب الطب بعون الله، وليس المراد كما قاله الخطابي وغيره أن حبه عليه الصلاة والسلام لذلك بمعنى كثرة التشهي وشدّة نزاع النفس بل كان يتناول منها إذا حضرت نيلًا صالحًا أكثر مما يتناوله من غيرها.

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأشربة والطب وترك الحيل، ومسلم في الطلاق، وأبو داود في الأشربة، والنسائي في الطب، وابن ماجة في الأطعمة.

5432 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِشِبَعِ بَطْنِي، حِينَ لَا آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَلَا يَخْدُمُنِي فُلَانٌ وَلَا فُلَانَةُ، وَأُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ، وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ وَهْيَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي. وَخَيْرُ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشْتَقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا.

وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن شيبة) هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة القرشي الحزامي بالحاء المهملة والزاي وقول بعضهم ابن أبي شيبة غلط فليس فيه لفظ أبي (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي الفديك) بإثبات لفظ أبي في هذا والفديك بضم الفاء وفتح الدال المهملة وبعد التحتية الساكنة كاف محمد بن إسماعيل بن فديك (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن المقبري) بضم الموحدة سعد بن أبي سعيد (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: كنت ألزم) بفتح الهمزة والزاي (النبي صلى الله عليه وسلم لشبه بطني) بكسر الشين المعجمة وفتح الموحدة أي لأجل شبع بطني، ولأبي ذر عن الكشميهني: بشبع بالموحدة بدل اللام أي بسبب شبع بطني (حين لا آكل) الخبز (الخمير ولا ألبس الحرير) قال في المطالع: كذا لجميعهم براءين في كتاب الأطعمة من غير خلاف وللأصيلي والقابسي والحموي والنسفيّ وعبدوس في كتاب المناقب الحبير بالياء الموحدة بدلًا من الحرير ولغيرهم فيه الحرير كما في الأطعمة والحبير هو الثوب المحبر المزيّن الملوّن

ص: 234

مأخوذ من التحبير وهو التحسين (ولا يخدمني فلان ولا فلانة) كناية عن الخادم والخادمة (وألصق بطني بالحصباء) من الجوع لتسكن حرارته ببرد الحصباء (وأستقرئ الرجل الآية وهي معي) أحفظها (كي ينقلب بي) إلى منزله (فيطعمني) بضم التحية وكسر العين ونصب الميم (وخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب ينقلب بنا) إلى بيته (فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان) بكسر الهمزة (ليخرج) بضم الياء وكسر الراء (إلينا العكة ليس فيها شيء فنشتقها) بنون مفتوحة فمعجمة ساكنة ففوقية فقاف مشددة مفتوحة، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي: فنستفها بسين مهملة بدل المعجمة وفاء بدل القاف، وضبطه القاضي عياض بالشين المعجمة والفاء، قال ابن قرقول: قال في المطالع: كذا لهم أي بالمعجمة والفاء أي تنقضي ما فيها من بقية قال: ورواه المروزي والبلخي بالشين والقاف وهو أوجه مع قولهم (فنلعق ما فيها) ولذا رجحها السفاقسي، ولأن المراد أنهم لعقوا ما فيها بعد أن قطعوها ليتمكنوا من ذلك.

وهذا الحديث قد سبق في مناقب جعفر.

‌33 - باب الدُّبَّاءِ

(باب الدباء) بضم المهملة وتشديد الموحدة ممدودًا وهو اليقطين والقرع وله خواص منها: جودة تغذيته وهو من طعام الحرورين يطفئ ويبرد ويسكن اللهيب والعطش جيد للصفراء ولم يتداو المحرورون بمثله، ولا أعجل نفعًا منه يلين البطن، ويزيد في الدماغ، وينفع البصر كيف استعمل إلى غير ذلك مما يطول استقصاؤه.

5433 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى مَوْلًى لَهُ خَيَّاطًا، فَأُتِيَ بِدُبَّاءٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُهُ.

وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا أزهر بن سعد) السمان البصري (عن ابن عون) عبد الله (عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميمين ابن عبد الله (بن أنس عن) جدّه (أنس) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مولى) عتيقًا (له خياطًا) لم أقف على اسمه (فأتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بدباء) بالهمزة والتنوين (فجعل يأكله) وفي رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس في الأطعمة فرأيته يتتبع الدباء من حوالى القصعة (فلم أزل أحبه) أي القرع (منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله) وروى الترمذي من حديث طالويه الشامي قال: دخلت على أن وهو يأكل قرعًا وهو يقول: يا لك شجرة ما أحبك إليّ بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك. وعند الإمام أحمد من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تعجبه الفاغية وكان أحب الطعام إليه الدباء. وفي الغيلانيات من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: إذا طبخت قدرًا فأكثري فيها من الدباء فإنها تشدّ قلب الحزين، ورواه ابن الجوزي في لفظ المنافع، وفي حديث مرفوع ذكره القرطبيّ في التذكرة أن الدباء والبطيخ من الجنة. وفي حديث واثلة مرفوعًا عند الطبراني في الكبير:"عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ وعليكم بالعدس فإنه قدّس على لسان سبعين نبيًّا". وعند البيهقي في الشعب عن عطاء مرسلًا: عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر في الدماغ وزاد بعضهم فإنه يجلو البصر ويلين القلب.

‌34 - باب الرَّجُلِ يَتَكَلَّفُ الطَّعَامَ لإِخْوَانِهِ

(باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه) المؤمنين.

5434 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ وَكَانَ لَهُ غُلَامٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا أَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ

تَرَكْتَهُ». قَالَ: بَلْ أَذِنْتُ لَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: إِذَا كَانَ القَوْمُ عَلَى المَائِدَةِ، لَيْسَ لَهَا أَنْ يُنَاوِلُوا مِنْ مَائِدَةٍ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى، وَلَكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي تِلْكَ المَائِدَةِ أَوْ يَدَعُوا.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي مسعود) عقبة بن عامر (الأنصاري) البدري رضي الله عنه أنه (قال: كان من الأنصار رجل يقال له أبو شعيب) لم أقف على اسمه (وكان له غلام) أي أعرف اسمه أيضًا (لحّام) يبيع اللحم (فقال) أبو شعيب لغلامه: (اصنع لي طعامًا أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة) وفي رواية حفص بن غياث في البيوع اجعل لي طعامًا يكفي خمسة فإني أريد أن أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرفت في وجهه الجوع (فدعا) فيه حذف تقديره فصنع له الطعام فدعا (رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة) يقال خامس أربعة وخامس خمسة بمعنى قال الله تعالى: {ثاني

ص: 235

اثنين} [التوبة: 40] وثالث ثلاثة ومعنى خامس أربعة أي زائد عليهم وخامس خمسة أي أحدهم والأجود نصب خامس على الحال ويجوز رفعه بتقدير وهو خامس (فتبعهم رجل) أي يسم (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لأبي شعيب:

(إنك لدعوتنا خامس خمسة وهذا رجل قد تبعنا فإن شئت أذنت له) بفتح تاءي الفعلين كقوله (وإن شئت تركته لقال) أبو شعيب: (بل أذنت له) فيه أن من تطفّل في الدعوة كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه فإن دخل بغير إذن كان له إخراجه وأنه يحرم التطفل إلا إذا علم رضا المالك به لما بينهما من الإنس والانبساط، وقيد ذلك الإمام بالدعوة الخاصة أما العامة كان فتح الباب ليدخل من شاء فلا تطفّل، وفي سنن أبي داود بسند ضعيف عن ابن عمر رفعه:"من دخل بغير دعوة دخل سارقًا وخرج مغيرًا".

والطفيلي مأخوذ من التطفل وهو منسوب إلى طفيل رجل من أهل الكوفة كان يأتي الولائم بلا دعوة فكان يقال له طفيل الأعراس فسمي من اتصف بصفته طفيليًّا، وكانت العرب تسميه الوراش بشين معجمة وتقول لمن يتبع الدعوة بغير دعوة: ضيفن بنون زائدة، وللحافظ أبي بكر الخطيب جزء في الطفيليين جمع فيه ملح أخبارهم.

(قال محمد بن يوسف) الفريابي (سمعت محمد بن إسماعيل) البخاري (يقول: إذا كان القوم على المائدة) التي دعوا إليها (ليس لهم أن يناولوا) غيرهم (من مائدة إلى مائدة أخرى ولكن يناول بعضهم بعضًا في تلك المائدة) لأنه صار لهم بالدعوة عموم إذن بالتصرف في الطعام المدعوّ إليه بخلاف من لم يدع (أو يدعوا) أي يتركوا ذلك والذي في اليونينية أو يدع بغير واو، والحاصل أنه ينزل من وضع بين يديه الشيء منزلة من دعي له وينزل الشيء الذي وضع بين يدي غيره منزلة من لم يدع إليه، وكأن المؤلّف استنبط هذا من استئذانه صلى الله عليه وسلم الداعي في الرجل الذي تبعهم قاله في الفتح، ومقتضاه أنه لا يطعم هرة ولا سائلًا إلا إن علم رضاه به للعرف في ذلك وله تلقيم

صاحبه وتقريب المضيف الطاعم للضيف أذن له في الأكل اكتفاء بالقرينة العرفية إلا إن انتظر المضيف غيره فلا يأكل إلا بالإذن لفظًا أو بحضور الغير لاقتضاء القرينة عدم الأكل بدون ذلك ويملك ما التقمه بوضعه في فمه، وهذا ما اقتضى كلام الرافعي في الشرح الصغير ترجيحه.

وصرح بترجيحه القاضي والأسنوي، وقضية كلام المتولي ترجيح أنه يتبين الازدراد أنه ملكه وقيل يملكه بوضعه بين يديه وقيل بتناوله بيده، وقيل لا يملكه أصلًا بل شبه الذي يأكله كشبه العارية وتظهر فائدة الخلاف فيما لو أكل الضيف تمرًا وطرح نواه فنبت فلمن يكن شجره؟ وفيما لو رجع فيه صاحب الطعام قبل أن يبلعه وسقط لغير المستملي قوله قال محمد بن يوسف إلى آخره.

وأما المطابقة بين الحديث والترجمة فمن حيث إنه تكلف حصر العدد بقوله خامس خمسة ولولا تكلفه لما حصر.

‌35 - باب مَنْ أَضَافَ رَجُلًا إِلَى طَعَامٍ وَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ

(باب من أضاف رجلًا إلى طعام وأقبل هو) أي الذي أضاف (على عمله) ولم يأكل مع من أضافه وسقط لأبي ذر إلى طعام.

5435 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ النَّضْرَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى غُلَامٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَأَتَاهُ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ وَعَلَيْهِ دُبَّاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أَجْمَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَقْبَلَ الْغُلَامُ عَلَى عَمَلِهِ. قَالَ أَنَسٌ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مَا صَنَعَ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة راء أبو عبد الرحمن الحافظ أنه (سمع النضر) بالضاد المعجمة ابن شميل يقول: (أخبرنا ابن عون) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (ثمامة بن عبد الله بن أنس عن) جدّه (أنس رضي الله عنه) أنه (قال: كنت غلامًا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلام له خياط) لم أقف على اسمه (فأتاه بقصعة فيها طعام) في باب الثريد فقدّم إليه قصعة فيها ثريد (وعليه دباء) أي قرع (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء) لحبه لأكلها وقوله يتتبع بفوقيتين وتشديد الموحدة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يتبع الدباء بفوقية ساكنة وتخفيف الموحدة (قال) أن (فلما رأيت ذلك) الذي فعله صلى الله عليه وسلم من تتبعه الدباء (جعلت أجمعه) من حوالى القصعة (بين يديه) صلى الله عليه وسلم ليأكله (قال) أنس: (فأقبل الغلام على عمله) ولم

ص: 236

يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم ففيه أنه لا يشترط للمضيف أن يأكل مع مَن أضافه. نعم ينبغي أن يأكل معه إذ هو أبسط لوجهه وأذهب لاحتشامه كذا قالوه، والذي يظهر لي أنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص على ما لا يخفى (قال أنس: لا أزال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع ما صنع) من تتبعه لها ورواه النسائي.

‌36 - باب الْمَرَقِ

(باب المرق).

5436 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَّبَ خُبْزَ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي القعنبي أحد الأعلام (عن مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك) رضي الله عنه (أن خياطًا) لم أعرف اسمه (دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه) له (فذهبت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقرّب) إليه الخياط (خبز شعير ومرقًا فيه دباء و) لحم (قديد رأيت النبي) ولأبي ذر فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالى القصعة) بفتح اللام والقاف قال أنس: (فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذٍ) وروى النسائي وصححه الترمذي وابن حبان عن أبي ذر رفعه، وإذا طبخت قدرًا فأكثر مرقته واغرف لجارك منه والغرض من ذلك التوسعة على الجيران والفقراء.

‌37 - باب الْقَدِيدِ

(باب) ذكر اللحم (القديد).

5437 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ يَأْكُلُهَا.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا بالواو (أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مالك بن أنس) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة (عن) عمه (أنس) بن مالك (رضي الله عنه) أنه (قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أُتِي بمرقة) بضم الهمزة (فيها دباء) ولأبي ذر: بمرق (وقديد) لحم مشرر مقدّد أو ما قطع منه طوالًا (فرأيته يتتبع الدباء) من حوالى القصعة (يأكلها).

5438 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلَاّ فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ، أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلَاثًا.

وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف والصاد المهملة ابن عقبة أبو عامر السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن عابس) بالموحدة المخففة والمهملة (عن أبيه) عابس بن

ربيعة النخعي (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: ما فعله) أي النهي المذكور في حديث باب ما كان السلف يدّخرون من طريق خلاد بن يحيى عن سفيان حيث قال عابس: قلت لعائشة أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث قالت ما فعله (إلا في عام جاع الناس) فيه (أراد أن يطعم الغني الفقير) برفع الغني فاعلًا وتاليه مفعوله (وإن كنا لنرفع الكراع) هو من الأنعام فوق الظلف وتحت الساق زاد في الباب المذكور فنأكله (بعد خمس عشرة) ليلة (وما شبع آل محمد) صلى الله عليه وسلم (من خبز برّ مأدوم) أي مأكول بالأدم (ثلاثًا) حتى لحق بالله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤثر على نفسه.

‌38 - باب مَنْ نَاوَلَ أَوْ قَدَّمَ إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْمَائِدَةِ شَيْئًا قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُنَاوِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يُنَاوِلُ مِنْ هَذِهِ الْمَائِدَةِ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى

(باب) حكم (من ناول أو قدم إلى صاحبه) حال كونه جالسًا معه (على المائدة شيئًا) من الطعام.

(قال) المؤلّف (وقال ابن المبارك) عبد الله المروزي فيما وصله عنه في كتاب البر والصلة له (لا بأس أن يناول بعضهم بعضًا) من الطعام المحضر بين أيديهم إذ هم فيه كالشركاء (ولا يناول) أحد (من هذه المائدة إلى) من على (مائدة أخرى) لأنه وإن كان للمناول حق فيما بين يديه لكنه لا حق للآخر في تناوله منه إذ لا شركة له فيه نعم إن علم رضا المضيف جاز.

5439 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ القَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَقَالَ ثُمَامَةُ عَنْ أَنَسٍ فَجَعَلْتُ أَجْمَعُ الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ.

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول: إن خياطًا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزًا من شعير ومرقًا فيه دباء) بالمد ويقصر وهل همزته أصلية أو زائدة أو منقلبة خلاف قاله في المصابيح (و) لحم (قديد. قال أنس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة) بسكون الواو (فلم أزل أحب الدباء من يومئذٍ. وقال ثمامة) بن عبد الله بن أنس قاضي البصرة (عن) جده (أنس) رضي الله عنه أنه قال: (فجعلت أجمع الدباء بين يديه) صلى الله عليه وسلم.

وهذا وصله في باب من أضاف

ص: 237

رجلًا، والمطابقة ظاهرة لكن قال الإسماعيلي: إن الطعام اتخذ للنبي صلى الله عليه وسلم وقصد به، والذي جمع له الدباء بين يديه خادمه فلا دلالة فيه لجواز مناولة الضيفان بعضهم بعضًا مطلقًا.

‌39 - باب الرُّطَبِ بِالْقِثَّاءِ

(باب) أكل (الرطب) بوزن صرد وهو نضيج البسر وواحدته رطبة بهاء (بالقثاء) قال في القاموس: بالكسر والضم معروف أو هو الخيار، والمراد أكلهما معًا، وزاد في المصابيح والهمزة أصلية.

5440 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ.

وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب) أول من ولد من المهاجرين بالحبشة وله صحبة (رضي الله عنهما) أنه (قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء) ولمسلم يأكل القثاء بالرطب كلفظ الترجمة، وإنما جمع صلى الله عليه وسلم بينهما ليعتدلا فإن كل واحد منهما مصلح للآخر مزيل لأكثر ضرره فالقثاء مسكن للعطش منعش للقوى بشمه لما فيه من العطرية مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة غير سريع الفساد والرطب حار في الأولى رطب في الثانية يقوّي المعدة الباردة لكنه معطش سريع التعفن معكر للدم مصدع فقابل الشيء البارد بالمضاد له فإن القثاء إذا أكل معه ما يصلحه كالرطب أو الزبيب أو العسل عدّله، ولذا كان مسمنًا مخصبًا للبدن.

وفي حديث أبي داود وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أقبل عليها بشيئي حتى أطعمتني القثاء بالرطب فسمنت عليه كأحسن السمن وروى الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن جعفر قال: رأيت في يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم قثاء وفي شماله رطبات وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة لكن في إسناده أصرم بن حوشب ضعيف جدًّا، ولعله إن ثبت كان يأخذ بيده اليمنى من الشمال رطبة رطبة فيأكلها مع القثاء التي في يمينه.

وحديث الباب أخرجه مسلم في الأطعمة وكذا أبو داود والترمذي وابن ماجة.

‌40 - باب

هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة.

5441 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ أَثْلَاثًا، يُصَلِّى هَذَا، ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنِ أَصْحَابِهِ تَمْرًا، فَأَصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن عباس) بالموحدة والمهملة ابن فرّوخ (الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي أنه (قال: تضيفت أبا هريرة) رضي الله عنه بضاد معجمة وفاء أي نزلت به ضيفًا (سبعًا) من الليالي (فكان هو وامرأته) بسرة بضم الموحدة وسكون السين المهملة بنت غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي (وخادمه). قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمه (يعتقبون) يتناوبون (الليل أثلاثًا يصلّي هذا) ثلثًا (ثم يوقظ هذا) إذا فرغ من ثلثه الآخر ليصلي قال أبو عثمان النهدي: (وسمعته) أي أبا هريرة (يقول: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تمرًا فأصابني سبع تمرات) منه (إحداهن حشفة) من أردأ التمر أو ضعيفه؟ لا نوى لها أو يابسة فاسدة.

5441 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَنَا تَمْرًا، فَأَصَابَنِي مِنْهُ خَمْسٌ: أَرْبَعُ تَمَرَاتٍ وَحَشَفَةٌ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَشَفَةَ هِيَ أَشَدُّهُنَّ لِضِرْسِي.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن الصباح) بالصاد المهملة وتشديد الموحدة آخره حاء مهملة البغدادي قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) بن مرة الخلقاني بضم الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف الكوفي لقبه شقوصًا بفتح الشين المعجمة وضم القاف المخففة بعدها صاد مهملة (عن عاصم) الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه قال: (قسم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا تمرًا فأصابني منه خمس أربع تمرات و) واحدة (حشفة، ثم رأيت الحشفة هي أشدّهن لضرسي) في المضغ، وفي الرواية الأولى من هذا الباب فأصابني سبع تمرات فقيل إحدى الروايتين وهم وقيل وقع مرتين واستبعده الحافظ ابن حجر باتحاد المخرج، وأخرج الترمذي من طريق شعبة عن عباس الجريري قسم سبع تمرات بين سبعة أنا فيهم، وعند ابن ماجة والإمام أحمد من هذا الوجه بلفظ أصابهم الجوع فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم-

ص: 238

تمرة تمرة وهو يدل للتعدّد فالله أعلم.

‌41 - باب الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقَطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25]

(باب الرطب والتمر، وقول الله تعالى): خطابًا لمريم عليها السلام حين جاءها المخاض بعيسى ({وهزي إليك}) وحركي إلى نفسك ({بجذع النخلة}) وهو ساقها والباء زائدة كما قاله

أبو علي أي هزي جذع النخلة ({تساقط عليك رطبًا جنيًّا})[مريم: 25] بلغ الغاية وجاء وقت اجتنائه، ولهذا استحب بعضهم للنساء أكل الرطب وروى أبو بكر بن السني من حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا: أطعموا نساءكم الولد الرطب.

5442 -

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالْمَاءِ.

(وقال محمد بن يوسف) الفريابي: (عن سفيان) الثوري (عن منصور ابن صفية) بنت شيبة بن عثمان الشيبي الحجبي أنه قال: (حدّثتني أمي) صفية (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء) وذلك حين فتحت خيبر قبل الوفاة النبوية بثلاث سنين، وإطلاق الأسود على الماء من باب التغليب كإطلاق الشبع موضع الري واستشكل التسوية بين الماء والتمر لأن الماء كان عندهم متيسرًا. وأجيب: بأن الري منه لا يحصل بدون الشبع من الطعام لمضرّة شرب الماء صرفًا من غير أكل.

وهذا الحديث سبق في باب من أكل حتى شبع.

5443 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ، وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الْجِذادِ، وَكَانَتْ لِجَابِرٍ الأَرْضُ الَّتِي بِطَرِيقِ رُومَةَ فَجَلَسَتْ فَخَلَا عَامًا، فَجَاءَنِي الْيَهُودِيُّ عِنْدَ الْجَذادِ وَلَمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئًا، فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ إِلَى قَابِلٍ، فَيَأْبَى فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لأَصْحَابِهِ:«امْشُوا نَسْتَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنَ الْيَهُودِيِّ» . فَجَاءُونِي فِي نَخْلِي، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُ الْيَهُودِيَّ، فَيَقُولُ: أَبَا الْقَاسِمِ لَا أُنْظِرُهُ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ. فَأَبَى. فَقُمْتُ فَجِئْتُ بِقَلِيلِ رُطَبٍ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ:«أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ» ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:«افْرُشْ لِي فِيهِ» . فَفَرَشْتُهُ فَدَخَلَ فَرَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَجِئْتُهُ بِقَبْضَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ فَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ، فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ:«يَا جَابِرُ، جُذَّ وَاقْضِ» . فَوَقَفَ فِي الْجَدَادِ فَجَدَدْتُ مِنْهَا مَا قَضَيْتُهُ وَفَضَلَ مِنْهُ. فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَشَّرْتُهُ فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» . عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ: "بِنَاءٌ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْرُوشَاتٍ مَا يُعَرَّشُ مِنَ الكُرُومِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، يُقَالُ عُرُوشُهَا أَبْنِيَتُهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَخَلَا لَيْسَ عِنْدِي مُقَيَّدًا، ثُمَّ قَالَ فَجَلَّى لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ.

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بالغين المعجمة والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف

أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة) المخزومي واسم أبي ربيعة عمرو أو حذيفة لقبه ذو الرمحين من مسلمة الفتح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما) أنه (قال: كان بالمدينة يهودي) قال في المقدمة: لم أعرف اسمه، ويحتمل أن يكون هو أبو الشحم (وكان يسلفني) بضم الياء من الإسلاف (في تمري إلى الجذاذ) بكسر الجيم وفتحها وبالذال المعجمة ويجوز إهمالها، والذي في اليونينية بالدال المهملة لا غير أي زمن قطع تمر النخل وهو الصرام (وكانت لجابر) فيه التفات من الحضور إلى الغيبة (الأرض التي بطريق رومة) بضم الراء وسكون الواو بعدها ميم وهي البئر التي اشتراها عثمان رضي الله عنه وسبلها وهي في نفس المدينة، ورواية دومة بالدال بدل الراء التي ذكرها الكرماني. قال ابن حجر: باطلة لأن دومة الجندل لم تكن إذ ذاك فتحت حتى يكون لجابر فيها أرض، وأيضًا ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مشى إلى أرض جابر وأطعمه من رطبها ونام فيها فلو كانت بطريق دومة الجندل لاحتاج إلى السفر لأن بين دومة الجندل والمدينة عشر مراحل.

وأجاب العيني: بأن المراد كانت لجابر أرض كائنة بالطريق التي يسار منها إلى دومة الجندل وليس المعنى التي بدومة الجندل (فجلست) بالجيم واللام والسين المفتوحات والفوقية الساكنة أي فجلست الأرض أي تأخرت عن الإثمار (فخلا) بالفاء والخاء المعجمة واللام المخففة من الخلوّ أي تأخر السلف (عامًا) ولأبي ذر عن الكشميهني: فخاست بخاء معجمة بعد الفاء وبعد الألف سين مهملة ففوقية ساكنة بدل قوله فجلست أي خالفت معهودها وحملها يقال: خاس عهده إذا خانه أو تغير عن عادته وخاس الشيء إذا تغير، وهذا الذي في الفرع من جلست وفخاست وفخلا. وقال ابن قرقول: في المطالع تبعًا للقاضي عياض في المشارق فجلست نخلًا بالنون كذا للقابسي وأبي ذر وأكثر الرواة وعند أبي الهيثم فجاست نخلة عامًا وللأصيلي فحبست فخلا بالفاء عامًا وصواب ذلك ما رواه أبو الهيثم فجاست نخلها عامًا بالنون قال: وكان أبو مروان بن سراج يصوّب رواية القابسي إلا أنه يصلح ضبطها فجلست بسكون السين وضم التاء على أنها مخاطبة جابر أي تأخرت عن القضاء فخلى بفاء وخاء معجمة ولام مشدّدة من باب التخلية، لكن قال: ذكر الأرض أول الحديث يدل على الخبر عن الأرض لا عن نفسه (فجاءني اليهودي عند الجذاذ) وفي اليونينية بالدال المهملة فقط (ولم أجدّ منها شيئًا فجعلت أستنظره إلى قابل) أي أطلب منه

ص: 239

أن يهملني إلى عام ثانٍ (فيأبى) يمتنع من الإمهال (فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم) بضم همزة فأخبر وكسر الموحدة وجوّز في الفتح احتمال أن يكون بضم الراء على صيغة المضارعة والفاعل جابر وذكره كذلك مبالغة في استحضار صورة الحال قال: ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج فأخبرت (فقال لأصحابه: امشوا نستنظر) بالجزم أي نطلب الإنظار (لجابر من اليهودي فجاؤوني في نخلي فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلم اليهودي) في أن ينظرني في دينه (فيقول) اليهودي للنبي صلى الله عليه وسلم يا (أبا القاسم) بحذف أداة النداء (لا أنظره فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم) ذلك من أمر اليهودي (قام فطاف في النخل ثم جاءه) أي جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودي (فكلمه) أن ينظرني

(فأبى) قال جابر: (فقمت فجئت بقليل رطب فوضعته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأكل) منه (ثم قال):

(أين عريشك يا جابر)؟ أي المكان الذي اتخذته في بستانك لتستظل به وتقيل فيه ولأبي ذر أين عرشك بسكون الراء وإسقاط التحتية (فأخبرته) به (فقال: افرش لي فيه) بضم الراء (ففرشته فدخل) فيه (فرقد ثم استيقظ فجئته بقبضة أخرى) من الرطب (فأكل منها ثم قام فكلم اليهودي فأبى عليه فقام) عليه الصلاة والسلام (في الرطاب) بكسر الراء (في النخل) المرة (الثانية ثم قال: يا جابر جذ) بضم الجيم وكسرها والإعجام والإهمال أي اقطع (واقض) دين اليهودي (فوقف في الجداد) بالدال المهملة في اليونينية (فجددت منها ما قضيته) دينه كله (وفضل منه) ولأبي ذر: مثله (فخرجت حتى جئت النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته) بذلك (فقال: أشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم) إنما قال ذلك-صلى الله عليه وسلم لما فيه من خرق العادة الظاهرة من إيفاء الكثير من القليل الذي لم يكن يظن به أن يوفي منه البعض فضلًا عن الكل فضلًا عن أنس يفضل فضله فضلًا عن أن يفضل قدر الذي كان عليه من الدين.

وثبت في رواية المستملي وحده قوله في تفسير أين عريشك (عروش) بضم العين والراء (وعريش) بفتح العين وكسر الراء أي (بناء) كذا فسره أبو عبيدة (وقال ابن عباس): مما سبق أول تفسير سورة الأنعام (معروشات ما يعرش) بضم الياء وتشديد الراء مفتوحة (من الكروم وغير ذلك يقال عروشها) أي (أبنيتها) يريد تفسير قوله تعالى: {وهي خاوية على عروشها} [البقرة: 259](قال محمد بن يوسف) الفربري: (قال أبو جعفر) محمد بن أبي حاتم ورّاق المؤلّف (قال محمد بن إسماعيل) البخاري: (فخلا) بالخاء المعجمة المذكورة في الحديث السابق (ليس عندي مقيدًا) أي مضبوطًا (ثم قال فجلى) أي بتشديد اللام والجيم (ليس فيه شك) والله أعلم.

‌42 - باب أكلِ الجُمَّارِ

(باب أكل الجمار) بضم الجيم وفتح الميم مشددة ويسمى الجذب بالتحريك وشحم النخل وهو قلبها بالضم ورطبه الحلو بارد يابس في الأولى وقيل في الثانية يعقل البطن وينفع من المرة الصفراء والحرارة والدم الحادّ وينفع من الشرى أكلًا وضَمادًا وكذا من الطاعون ويختم القروح وينفع من خشونة الحلق نافع للسع الزنبور ضمادًا قاله صاحب نزهة الأفكار في خواص الحيوان والنبات والأحجار.

5444 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ، إِذْ أُتِىَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ» ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي النَّخْلَةَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ، فَسَكَتُّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هِيَ النَّخْلَةُ» .

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال: حدّثني) بالإفراد (مجاهد) هو ابن جبر الإمام في التفسير (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) أنه (قال: بينا) بغير ميم (نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوس إذ أُتي) بضم الهمزة (بجمار نخلة) بالإضافة (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(إن من الشجر لما) بفتح اللام (بركته كبركة المسلم) بلام التأكيد في لما والميم زائدة فقال ابن عمرة (فظننت أنه) صلى الله عليه وسلم (يعني النخلة) لقرينة الجمار (فأردت أن أقول هي النخلة يا رسول الله ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم) أصغرهم سنًّا (فسكت) رعاية لحق الأكابر (فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

ص: 240

هي النخلة).

وهذا الحديث قد سبق في مواضع من كتاب العلم، ورواه البزار وزاد ما أتاك منها نفعك والحكمة في تمثيل المؤمن بها لكثرة خيرها ونفعها على الدوام وثمرها يؤكل رطبًا ويابسًا وهو غذاء ودواء وقوت وحلوا وشراب وفاكهة ووجه شبهها بالإنسان من وجوه استواء القدّ وطوله وامتياز الذكر عن الأنثى، وأنها لا تحمل حتى تلقح وإذا قوبل بين ذكورها وإناثها كثر حملها لاستئناسها بالمجاورة ورائحة طلعها كرائحة مني الإنسان وإذا قطعت رأسها هلكت بخلاف الأشجار، ويكفي في شرفها وكثرة خيرها أن الله تعالى شبه بها شهادة أن لا إله إلا الله بقوله تعالى:{ومثل كلمة طيبة} [إبراهيم: 24] الآية. فكما أنها شديدة الثبوت في الأرض فذلك الإيمان في قلب المؤمن وارتفاعها كارتفاع عمل المؤمن وكما أنها تؤتي أكلها كل حين كذلك ما يكسبه المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل حين على اختلاف صنوفه ومن خواصها أنها لا توجد إلا في بلاد الإسلام فإن بلاد الحبشة والنوبة والهند بلاد حارّة خليقة بوجود النخل ولا ينبت فيها شيء منه البتّة.

‌43 - باب الْعَجْوَةِ

(باب) فضل (العجوة) على غيرها ويقال لها أم التمر.

5445 -

حَدَّثَنَا جُمْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ» .

وبه قال: (حدّثنا جمعة بن عبد الله) بضم الجيم وسكون الميم ابن زياد بن شداد السلمي أبو بكر البلخي يقال: إن اسمه يحيى وجمعة لقبه ويقال له أيضًا: أبو خاقان، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث بل ولا في الكتب الستة قال:(حدّثنا مروان) بن معاوية الفزاري قال: (أخبرنا هاشم بن هاشم) بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المدني قال: (أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(من تصبح) بتشديد الموحدة أي أكل صباحًا قبل أن يأكل شيئًا (كل يوم سبع تمرات عجوة) بتنوينهما مجرورين فالثاني عطف بيان وينصب على التمييز ولأبي ذر تمرات عجوة بإضافة تمرات لتاليه من إضافة العام للخاص (لم يضره) بضم الضاد المعجمة وتشديد الراء من الضرر ولأبي ذر عن الكشميهني لم يضره بكسر الضاد وسكون الراء من ضاره يضيره ضيرًا إذا أضرّه (في ذلك اليوم سم ولا سحر) وليس هذا من طبعها إنما هو من بركة دعوة سبقت كما قاله الخطابي، وقال النووي: تخصيص عجوة المدينة وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع ولا نعلم نحن حكمها فيجب الإيمان بها، وقال المظهري: يحتمل أن يكون في ذلك النوع هذه الخاصية وفي سنن أبي داود من حديث جابر وأبي سعيد الخدري مرفوعًا "العجوة من الجنة وهي شفاء من السم" وفي حديث عائشة عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في عجوة العالية شفاء، وأنها ترياق أول البكرة". ورواه أحمد ولفظه: في عجوة العالية أول البكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سقم.

وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب ومسلم في الأطعمة وأبو داود في الطب والنسائي في الوليمة.

‌44 - باب الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ

(باب) حكم (القران في التمر) بكسر القاف وتخفيف الراء أي ضم تمرة إلى أخرى إذا أكل مع غيره ولأبي ذر الإقران من أقرن والمشهور استعماله ثلاثيًّا وسقط له في التمر.

5446 -

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ قَالَ: أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، رَزَقَنَا تَمْرًا، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَأْكُلُ وَيَقُولُ: لَا تُقَارِنُوا فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْقِرَانِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلَاّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ. قَالَ شُعْبَةُ: الإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ.

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا جبلة بن سحيم) بفتح الجيم والموحدة واللام وسحيم بضم السين المهملة وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية التابعي الكوفي (قال: أصابنا عام سنة) بإضافة عام المرفوع للاحقه أي عام قحط وجدب (مع ابن الزبير) عبد الله لما كان خليفة بالحجاز (رزقنا) بفتحات كذا في اليونينية أي أعطانا في أرزاقنا ولأبي ذر فرزقنا بالفاء أي مع ضم الراء (تمرًا) وهو القدر الذي كان يصرف لهم في كل سنة من مال الخراج وغيره بدل النقد لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة التي حصلت (فكان عبد الله بن عمر يمر بنا ونحن نأكل) من التمر والواو للحال (ويقول: لا تقارنوا) في أكل التمر بل كلوا تمرة تمرة (فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القران) ولأبي ذر عن الإقران (ثم يقول إلا أن يستأذن الرجل أخاه) في الإيمان الذي اشترك معه في أكل ويأذن له فإنه يجوز له

ص: 241

القران فإن لم يأذن له وكان ملكًا لهما أو لغيرهما حرم وفي معنى التمر الرطب والعنب والزبيب للعلة الجامعة.

(قال شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (الإذن) المشار إليه بقوله إلا أن يستأذن الرجل أخاه (من قول ابن عمر) مدرجًا في الحديث وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده مدرجًا، وفيه روايات أخرى حاصلها اختلاف أصحاب شعبة وأكثرهم رواه عنه مدرجًا وآخرون ترددوا في الرفع والوقف وشبابة عنه فصل حيث قال: إلا أن يستأذن الرجل أخاه وآدم جزم بأن الزيادة من قول ابن عمر كما نبه عليه مع غيره الحافظ أبو الفضل بن حجر -رحمه الله تعالى-، واستدلّ بقول أبي هريرة المروي عند ابن حبان وغيره كنت في أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر عجوة فكبّ بيننا فكنا نأكل الثنيتين من الجوع وجعل أصحابنا إذا قرن أحدهم قال لصاحبه: إني قرنت فاقرنوا على الرفع وعدم الإدراج لأن هذا الفعل منهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دال على أنه كان مشروعًا بينهم، وقول الصحابي كنا نفعل في زمنه صلى الله عليه وسلم كذا له حكم الرفع عند الجمهور، وقد اعتمد البخاري هذه الزيادة وترجم لها في كتاب المظالم وفي الشركة، ولا يلزم من كون ابن عمر ذكر الإذن مرة غير مرفوع أن لا يكون مستنده فيه الرفع.

وهذا الحديث سبق في المظالم والشركة، ورواه أصحاب السنن.

‌45 - باب الْقِثَّاءِ

(باب القثاء) ويقال لها شعارير بالشين المعجمة الواحدة شعرورة وقيل صغاره والضغابيس بمعجمتين أوله آخره مهملة صغاره، والجرو والجروة الصغير من القثاء، وفي الحديث أتي النبي صلى الله عليه وسلم بأجر زغب انتهى. وهيئته حسنة وشكله جميل أنابيب طوال مضلعة كما قيل:

انظر إليها أنابيبًا مضلعة

من الزبر جد جاءت ما لها ورق

إذا قلبت اسمه بانت ملاحته

وصار مقلوبه إني بكم أثق

5447 -

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء).

وهذا الحديث قد سبق في باب أكل الرطب بالقثاء لكنه صرّح بسماع سعد بن عبد الله بن جعفر هنا، ورواه بالعنعنة هناك. وقد روى أبو منصور الديلمي من حديث وابصة مرفوعًا:"إذا أكلتم القثاء كلوا من أسفله ومن خواصه" فيما زعموا أنه إذا سعط الراعف بماء القثاء المر قطع الدم، وإذا جفف بزره ودقّ واستحلب بالماء وشرب سكن العطش وأدرّ البول ونفع من وجع المثانة، لكنه رديء الكيموس وإدامة أكله تهيج الحميات وتحدث وجع الخاصرة والخل المتولد منه

رديء، وذلك لغلظ جرمه فهو بطيء الانحدار عن المعدة مؤذٍ لها ببرده يضر بعصبها، فلذا ينبغي أن يستعمل معه ما يصلحه ويكسر برده بعسل أو برطب كما فعل صلى الله عليه وسلم.

‌46 - باب بَرَكَةِ النَّخْلِ

(باب بركة النخل) بفتح أوله وإسكان المعجمة ولأبي ذر النخلة بتاء التأنيث واحدة النخل، ويسمى الجمد بفتح الجيم والميم والإشاء بالشين المعجمة صغارها والشطء فراخه والجمع شطؤ والعذق بفتح المهملة النخلة بحملها والجمع أعذق وعذاق وبالكسر القنو منها، وقد ذكرها الله في القرآن في غير ما موضع وشبه بها كلمة التوحيد، وشبهت في الحديث بالمؤمن لكثرة بركتها وعموم نفعها كما لا يخفى، وقد سبق قريبًا ذكر شيء من ذلك.

5448 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ وَهْيَ النَّخْلَةُ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكن قال: (حدّثنا محمد بن طلحة) بن مصرف اليامي (عن زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة ابن الحارث اليامي حجة قانت لله (عن مجاهد) الإمام المفسر أنه (قال: سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال):

(من الشجر شجرة) ولأبي ذر: إن من الشجر شجرة (تكون) في بركتها كثرة نفعها (مثل المسلم) بكسر الميم

ص: 242

وسكون المثلثة والنصب (وهي النخلة).

وهذا قد سبق قريبًا.

‌47 - باب جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ أَوِ الطَّعَامَيْنِ بِمَرَّةٍ

(باب) حكم (جمع اللونين) من الفاكهة وغيرها (أو الطعامين) في الأكل (بمرّة) أي في حالة واحدة.

5449 -

حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ.

وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن جعفر) هو ابن أبي طالب (رضي الله عنهما) أنه (قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء) القثاء في يمينه والرطب في شماله يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة. أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن جعفر، وفيه جواز أكل لونين وطعامين معًا والتوسع في المطاعم ولا خلاف في ذلك، وما روي عن السلف من خلافه محمول على كراهة اعتياد التوسع والترفه لغير مصلحة دينية.

‌48 - باب مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَالْجُلُوسِ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَةً

(باب) ذكر (من أدخل الضيفان) بكسر الضاد المعجمة (عشرة عشرة و) ذكر (الجلوس على الطعام عشرة عشرة) لضيق الطعام أو مكان الجلوس عليه، والضيفان جمع ضيف يستوي فيه الواحد والجمع ويجمع على أضياف وضيوف وضيفان، وأصله الميل يقال: ضفت إلى كذا وأضفت كذا إلى كذا، والضيف من مال إليك نازلًا بك.

5450 -

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّهُ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ، قَالَ:«وَمَنْ مَعِي» . فَجِئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ: وَمَنْ مَعِي فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَدَخَلَ فَجِيءَ بِهِ وَقَالَ:«أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً» . فَدَخَلُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ قَالَ:«أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً» . فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ:«أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً» . حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ.

وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وبعد اللام الساكنة مثناة فوقية الخاركي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم أحد الأعلام (عن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (أبي عثمان) بن دينار اليشكري (عن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه (و) رواه حماد بسنده أيضًا (عن هشام) هو ابن حسان الأزدي (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس) أيضًا (و) الطريق الثالثة لحماد (عن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون وبعد الألف نون أخرى (أبي ربيعة) واسم أبي ربيعة ككنيته (عن أنس أن أم سليم أمه) زوج أبي طلحة (عمدت) بفتحات قصدت (إلى مدّ) مكيال مملوء (من شعير) قدره رطلان أو رطل وثلث (جشته) بالجيم والشين المعجمة أي طحنته طحنًا جريشًا غير ناعم (وجعلت منه خطيفة) بخاء معجمة مفتوحة فطاء مهملة مكسورة فتحتية ساكنة ففاء لبنًا يطبخ بدقيق ويختطف بالأصابع والملاعق بسرعة فهي فعيلة بمعنى مفعولة (وعصرت عكة) وهي إناء من جلد للسمن (عندها) على الذي طبخته (ثم بعثتني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو في أصحابه فدعوته قال) صلى الله عليه وسلم:

أأحضر (ومن معي) قال أنس: (فجئت) إلى أمي (فقلت: إنه يقول) أي أحضر (ومن معي فخرج إليه) صلى الله عليه وسلم (أبو طلحة قال: يا رسول الله إنما هو شيء) قليل (صنعته أم سليم) بمفردها أي والذي يتولى صنعه امرأة واحدة يكون قليلًا عادة (فدخل) صلى الله عليه وسلم (فجيء به) بالذي صنعته أم سليم

(وقال) صلى الله عليه وسلم (أدخل) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة (عليّ عشرة) أي من أصحابه الذين حضروا معه رضي الله عنهم (فدخلوا) ولأبي ذر: فأدخلوا بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة (فأكلوا حتى شبعوا. ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (أدخل عليّ عشرة. فدخلوا فأكلوا حتى شبعوا ثم قال: أدخل عليّ عشرة) وسقط من قوله فدخلوا الثانية إلى هنا لأبي ذر (حتى عدّ أريعين) رجلًا وإنما أدخلهم عشرة عشرة لأنها كانت قصعة واحدة ولا يمكن الجمع الكثير التناول منها مع قلة الطعام فجعلهم عشرة عشرة ليتمكنوا من الأكل ولا يزدحموا (ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام) قال أنس (فجعلت أنظر) إلى القصعة (هل نقص منها شيء) من الطعام.

ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة لا خفاء فيها.

‌49 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الثُّومِ وَالْبُقُولِ. فِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

-

(باب ما يكره من الثوم) بضم المثلثة أي من أكل الثوم (و) أكل (البقول) التي لها رائحة كريهة (فيه عن ابن عمر) وسقط لأبي ذر لفظ عن الجارة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) مما سبق موصولًا في أواخر

ص: 243

صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربنّ مسجدنا.

5451 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قِيلَ لأَنَسٍ: مَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» .

وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن عبد العزيز) بن صهيب أنه (قال: قيل لأنس) رضي الله عنه (ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في) حكم أكل (الثوم) ثبت يقول لأبي ذر عن الكشميهني (فقال) أنس، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(من أكل) أي من هذه الشجرة كما في كتاب الصلاة كما في رواية أبي معمر عن عبد الوارث والمراد بها الثوم (فلا يقربنّ مسجدنا) بنون التوكيد الثقيلة والمساجد كلها مساجده صلى الله عليه وسلم فلا يختص النهي بمسجده والتعليل بتأذي الملائكة أو الناس يقتضي العموم خلافًا لمن خصّه به محتجًّا بأنه مهبط الوحي بل لو قيل بالتعميم في كل مجمع لكان محتجًّا، وقوله: من أكل في موضع نصب ومن شرطية مبتدأ وجوابها فلا يقربن.

5452 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما زَعَمَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا» .

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أبو صفوان عبد الله بن سعيد) بكسر العين ابن عبد الملك بن مروان الأموي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال حدّثني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما زعم عن النبي) ولأبي ذر: أن النبي أي قال: إن النبي (صلى الله عليه وسلم قال):

(من أكل ثومًا أو بصلًا) أي أو غيرهما مما له ريح كريهة كالكراث (فليعتزلنا) فلا يحضر عندنا ولا يصل معنا (أو ليعتزل مساجدنا) بالشك من الزهري. وفي مسلم من حديث جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منه. الحديث، وفي الصغير للطبراني النهي عن الفجل أيضًا وظاهر هذه الأحاديث شامل للنيء والمطبوخ، لكن عند أبي داود من حديث عليّ: نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخًا لأنه حينئذ تزول رائحته الكريهة لا سيما البصل.

‌50 - باب الْكَبَاثِ، وَهْوَ تَمَرُ الأَرَاكِ

(باب الكباث) بفتح الكاف والموحدة الخفيفة وبعد الألف مثلثة (وهو تمر الأراك) بالمثناة الفوقية المفتوحة والميم الساكنة في الفرع والأراك بفتح الهمزة وتخفيف الراء. قال في المطالع: الكباث تمر الأراك قبل نضجه وقيل بل هو حصرمه؛ وقيل غضه وقيل متزببه وهو البرير أيضًا يعني بالموحدة بوزن حرير، وفي القاموس النضيج من تمر الأراك ووقع في رواية أبي ذر عن مشايخه وهو ورق الأراك.

5453 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَيْطَبُ» فَقَالَ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ. قَالَ: «نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَاّ رَعَاهَا» ؟.

وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء مصغرًا هو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم وقيل: ابن عفير بن سلمة بن يزيد بن الأسود الأنصاري مولاهم البصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: أخبرني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء والظهران بفتح الظاء المعجمة وتسكين الهاء بعدها راء تثنية الظهر مكان على مرحلة من مكة (نجني الكباث) أي نقطعه لنأكله (فقال) صلى الله عليه وسلم:

(عليكم بالأسود منه فإنه أيطب) بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فطاء مهملة مفتوحة فموحدة

مقلوب أطيب (فقال) جابر ولأبي ذر: فقيل (أكنت ترعى الغنم)؟ حتى عرفت أطيب الكباث لأن راعي الغنم يكثر تردّده تحت الأشجار لطلب المرعى منها (قال) صلى الله عليه وسلم (نعم) كنت أرعاها (وهل من نبي إلاّ رعاها) لأن يأخذوا أنفسهم بالتواضع وتصفوا قلوبهم بالخلوة ويترقوا من سياستها إلى سياسة أممهم بالشفقة عليهم وهدايتهم إلى الصلاح.

وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

‌51 - باب الْمَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ

(باب المضمضة بعد) أكل (الطعام) سقط الباب لغير أبي ذر.

5454 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ دَعَا بِطَعَامٍ فَمَا أُتِيَ إِلَاّ بِسَوِيقٍ، فَأَكَلْنَا، فَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، شطب في اليونينية علي بن عبد الله قال:(حدّثنا سفيان)

ص: 244

بن عيينة قال: (سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرًا ويسارًا بالتحتية والمهملة المخففة (عن سويد بن النعمان) الأنصاري رضي الله عنه أنه (قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى) غزوة (خيبر فلما كنا بالصهباء دعا بطعام فما أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (إلاّ بسويق فأكلنا) منه (فقام إلى الصلاة فتمضمض) بفوقية بعد الفاء (ومضمضنا).

5455 -

قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بُشَيْرًا يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ يَحْيَى: وَهْيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ دَعَا بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلَاّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَاهُ فَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا مَعَهُ. ثُمَّ صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَقَالَ سُفْيَانُ: كَأَنَّكَ تَسْمَعُهُ مِنْ يَحْيَى.

(قال يحيى) بن سعيد بالسند السابق (سمعت بشيرًا) بضم الموحدة ابن يسار (يقول: أخبرنا سويد) أي ابن النعمان (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فلما كنا بالصهباء. قال يحيى) بن سعيد (وهي) أي الصهباء (من خيبر على روحة دعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بطعام فما أتي إلاّ بسويق فلكناه) علكناه في أفواهنا (فأكلنا معه) صلى الله عليه وسلم ولأبي ذر منه بدل قوله معه أي من السويق (ثم دعا) صلى الله عليه وسلم (بماء فمضمض) فاه الشريف من أثر السويق (ومضمضنا معه ثم صلى بنا المغرب ولم يتوضأ. وقال سفيان) بن عيينة لعلي بن المديني: نقلت الحديث من يحيى بن سعيد بلفظ مرارًا فتكون (كأنك تسمعه من يحيى) بغير واسطة.

‌52 - باب لَعْقِ الأَصَابِعِ وَمَصِّهَا قَبْلَ أَنْ تُمْسَحَ بِالْمِنْدِيلِ

(باب) استحباب (لعق الأصابع ومصّها قبل أن تمسح بالمنديل) بضم الفوقية والمنديل بكسر الميم.

5456 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا» .

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس) رضي الله عنهما (إن النبي صلى الله عليه وسلم قال):

(إذا أكل أحدكم) طعامًا (فلا يمسح يده) لا ناهية والفعل معها مجزوم (حتى يلعقها) بفتح الياء والعين بينهما لام ساكنة حتى يلحسها هو (أو يلعقها) بضم أوله وكسر ثالثه أي يلحسها غيره ممن لا يتقذر ذلك كزوجة وولد وخادم وكتلميذ يعتقد بركته فإنه لا يدري في أيّ طعامه البركة كما رواه مسلم من حديث جابر وأبي هريرة ولما فيه من تلويث ما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق، وقيل إنما أمر بذلك لئلا يتهاون بقليل الطعام وقوله فإنه لا يدري في أي طعامه البركة لا ينافي إعطاء يده لغيره يلعقها فهو من باب التشريك فيما فيه البركة.

وفي حديث كعب بن مالك عند مسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها. قال في فتح الباري: فيحتمل أن يكون أطلق على الأصابع اليد، ويحتمل وهو الأولى أن يكون أراد باليد الكف كلها فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها أو بأصابعه فقط أو ببعضها ويؤخذ منه أن السُّنَّة الأكل بثلاث أصابع وإن كان أكل بأكثر منها جائزًا.

وفي حديث كعب بن عجرة عند الطبراني في الأوسط قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام والسر في ذلك كما قاله الحافظ الزين عبد الرحيم العراقي أن الوسطى يكثر تلويثها لأنها أطول فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها ولأنها لطولها أول ما ينزل الطعام، ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه وكذا الإبهام والحديث ردّ على من كره لعق الأصابع استقذارًا.

فإن قلت: من أين تؤخذ المطابقة لما ترجم له؟ أجيب: بأن في حديث جابر عند مسلم فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق بأصابعه، وفي حديث جابر أيضًا عند ابن أبي شيبة: إذا طعم أحدكم فلا يمسح يده حتى يمصها، فلعل المصنف أشار بالترجمة لذلك والله أعلم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأطعمة والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأطعمة.

‌53 - باب الْمِنْدِيلِ

(باب المنديل) بكسر الميم.

5457 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: لَا قَدْ كُنَّا زَمَانَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الطَّعَامِ إِلَاّ قَلِيلًا، فَإِذَا نَحْنُ وَجَدْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنَادِيلُ إِلَاّ أَكُفَّنَا وَسَوَاعِدَنَا وَأَقْدَامَنَا. ثُمَّ نُصَلِّي وَلَا نَتَوَضَّأُ.

وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزمي المدني أحد الأعلام (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره مهملة مصغرًا (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبي) فليح بن سليمان المدني (عن سعيد بن الحارث) بن أبي المعلى الأنصاري قاضي المدينة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري

ص: 245

(رضي الله عنهما أنه سأله) أي أن سعيد بن الحارث سأل جابر بن عبد الله (عن الوضوء مما مست النار) بالطبخ ونحوه أيجب على الآكل منه الوضوء؟ (فقال: لا) يجب (قد كنا زمان النبي صلى الله عليه وسلم لا نجد مثل ذلك) أي ما مست النار (من الطعام إلا قليلًا فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ) مما مست النار.

وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الأطعمة.

‌54 - باب مَا يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ

؟

(باب ما يقول) الآكل (إذا فرغ من) أكل (طعامه).

5458 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا» . [الحديث 5458 - أطرافه في: 5459].

وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ثور) بفتح المثلثة باسم الحيوان ابن يزيد من الزيادة الشامي (عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون العين المهملة (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته) وعند الإسماعيلي من طريق وكيع عن ثور إذا فرغ من طعامه ورفعت مائدته ومن وجه آخر عن ثور إذا رفع طعامه من بين يديه والمائدة تطلق ويراد بها نفس الطعام أو بقيته أو إناؤه، وعن البخاري المؤلّف إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع قيل رفعت المادة. (قال):

(الحمد لله) حمدًا (كثيرًا طيبًا مباركًا فيه) بفتح الراء (غير مكفي) بنصب غير ورفعه ومكفي بفتح الميم وسكون الكاف وتشديد التحتية من كفأت أي غير مردود ولا مقلوب والضمير راجع

إلى الطعام الدال عليه السياق أو هو من الكفاية فيكون من المعتل يعني أنه تعالى هو المطعم لعباده والكافي لهم فالضمير راجع إلى الله تعالى. وقال العيني: هو من الكفاية وهو اسم مفعول أصله مكفوي على وزن مفعول، فلما اجتمعت الواو والياء قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء ثم أبدلت ضمة الفاء كسرة لأجل الياء، والمعنى هذا الذي أكلناه ليس فيه كفاية كما بعده بحيث ينقطع بل نعمك مستمرة لنا طول أعمارنا غير منقطعة وقيل الضمير راجع إلى الحمد أي أن الحمد غير مكفيّ إلى آخره (ولا مودع) بضم الميم وفتح الواو والدال المهملة المشددة غير متروك ويجوز كسر الدال أي غير تارك فيكون حالًا من القائل (ولا مستغنى عنه) بفتح النون والتنوين (ربنا) بالنصب على المدح أو الاختصاص أو النداء ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو والجر على البدل من اسم الله في قوله الحمد لله. قال الكرماني وباعتبار مرجع الضمير ورفع غير ونصبه تكثر التوجيهات بعددها.

وهذا الحديث أخرجه في الأطعمة والترمذي في الدعوات والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأطعمة.

5459 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ، وَقَالَ مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ» وَقَالَ مَرَّةً: «لَكَ الْحَمْدُ رَبِّنَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا» .

وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ثور بن يزيد) من الزيادة الشاميّ (عن خالد بن معدان عن أبي أمامة) رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من) أكل (طعامه، قال مرة: إذا رفع مائدته قال):

(الحمد لله الذي كفانا) من الكفاية الشاملة للشبع والري وغيرهما وحينئذ فيكون قوله (وأروانا) من عطف الخاص على العام. قال في الفتح: ووقع في رواية ابن السكن عن الفربريّ وآوانا بمدّ الهمزة بعدها من الإيواء (غير مكفي ولا مكفور) أي: ولا مجحود فضله ونعمته وهذا كله مما يتأيد به القول بأن الضمير في الرواية الأولى راجع إلى الله تعالى واختلاف طرق الحديث يبين بعضها بعضًا (وقال مرة: لك الحمد) ولغير أبي ذر وقال مرة: الحمد لله (ربنا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى) عنه (ربنا). وعند أبي داود من حديث أبي سعيد: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين. وفي حديث أبي أيوب عند الترمذي وأبي داود الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوّغه وجعل له مخرجًا.

‌55 - باب الأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ

(باب الأكل مع الخادم) للتواضع ونفي الكبر سواء كان الخادم حرًّا أو رقيقًا ذكرًا أو أنثى إذا جاز له النظر إليه.

5460 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ» .

وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي النمري الأزدي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد هو ابن زياد) القرشي الجمحي مولاهم أنه (قال: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(إذا أتى أحدكم خادمه)

ص: 246

بنصب أحدكم ورفع خادمه مفعولًا وفاعلًا (بطعامه) جار ومجرور في موضع نصب. زاد أحمد والترمذي فليجلسه معه (فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين) بضم الهمزة فيهما أي لقمة أو لقمتين وأما بالفتح فمعناه المرة الواحدة مع الاستيفاء وليس مرادًا هنا وأو للتقسيم (أو) قال: (لقمة أو لقمتين) بالشك من الراوي وعند الترمذي بلفظ لقمة فقط، ولمسلم تقييد ذلك بما إذا كان الطعام قليلًا ومقتضاه أنه إذا كان كثيرًا فإما أن يقعده معه وإما أن يجعل حظه منه كثيرًا (فإنه ولي حرّه) عند الطبخ (وعلاجه) عند تحصيل الآنية وتركيبه وإصلاحه.

وفي رواية لأحمد فإنه ولي حرّه ودخانه، والأمر هنا للندب وينبغي أن يلحق بهذا الذي طبخ من حمله أو عاينه ولو هرًّا أو كلبًا لتعلق نفسه به فربما وقع الضرر للآكل منه، فينبغي إطعامه من ذلك لتسكن نفسه ويتقي شر عينه وقد قيل: إنه ينفصل من البصر سموم تركب الطعام لا دواء لها إلا بشيء يطعمه من ذلك الطعام للناظر إليه.

‌56 - باب الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ، مِثْلُ الصَّائِمِ الصَّابِرِ. فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

-

هذا (باب) بالتنوين (الطاعم) وهو كما في القاموس وغيره الحسن الحال في المطعم (الشكر) لربه تعالى على ما أنعم به عليه في الثواب (مثل الصائم الصابر) على الجوع والطاعم مبتدأ أو مثل الصائم خبره.

فإن قلت: قد تقرر في علم البيان أن التشبيه يستدعي الجهة الجامعة والشكر نتيجة النعماء كما أن الصبر نتيجة البلاء فكيف شبه الشاكر بالصابر. أجيب: بأن هذا تشبيه في أصل ما لكل واحد منهما من الأجر لا في المقدار وهذا كما يقال زيد كعمرو فإن معناه زيد يشبه عمرًا في بعض الخصال ولا يلزم منه المماثلة في جميعها فلا تلزم المماثلة في الأجر أيضًا، وقال شارح المشكاة: قد ورد الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر وربما يتوهم متوهم أن ثواب شكر الطاعم يقصر عن ثواب صبر الصائم فأزيل توهمه به يعني هما سيان في الثواب. قال: وفيه وجه آخر وهو أن الشاكر لما رأى النعمة من الله وحبس نفسه على محبة المنعم بالقلب وأظهرها باللسان نال درجة الصابر قال:

وقيدت نفسي في ذراك محبة

ومن وجد الإحسان قيدًا تقيدا

فيكون التشبيه واقعًا في حبس النفس بالمحبة، والجهة الجامعة حبس النفس مطلقًا فأينما وجد الشكر وجد الصبر ولا ينعكس انتهى.

فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على محبته وإذا تقرر أن الأصل أن المشبه به أعلى درجة من المشبه اقتضى السياق المذكور هنا تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر وللناس في هذه المسألة كلام طويل تأتي نبذة منه إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته وكرمه في الرقاق.

وما أحسن قول أحمد بن نصر الداودي: الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملًا} [الكهف: 7] فالفقير والغني متقابلان بما يعرض لكلٍّ منهما في فقره وغناه من العوارض فيمدح أو يذم، وقد جمع الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الحالات الثلاث: الفقر والغنى والكفاف، فكان الأول أوّل حالاته فقام بواجب ذلك من مجاهدة النفس ثم فتحت عليه الفتوح فصار بذلك في حدّ الأغنياء فقام بواجب ذلك من بذله لمستحقه والمراساة به والإيثار مع اقتصاره منه على ما يسدّ ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها وهي حالة سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم، وفي مسلم من حديث ابن عمر رفعه قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع والكفاف الكفاية بلا زيادة فمن حصل له ما يكفيه واقتنع به أمن من آفات الغنى والفقر، وقد رجح قوم الغنى على الفقر لما يتضمنه من القرب المالية، وهذا الذي ذكر إنما هو في فضل الوصفين الغنى والفقر لا في أحد ممن اتصف بأحدهما والاختلاف إنما هو في الأخير نعم النظر في أيّ الحالين أفضل عند الله للعبد حتى يتكسبه ويتخلق به، وهل التقلل من المال أفضل

ص: 247

ليتفرغ قلبه من الشواغل وينال لذة المناجاة ولا ينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر به من التقرب بالبر والصلة والصدقة لما فيه من النفع المتعدي، وإذا كان الأمر كذلك، فالأفضل ما اختاره صلى الله عليه وسلم وجمهور أصحابه من التقلل من الدنيا ولكلٍّ من القولين أدلة تأتي إن شاء الله تعالى بفضل الله وإحسانه. والتحقيق أن لا يجاب في هذه المسألة بجواب كلي بل يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص لكن عند الاستواء من كل جهة وفرض رفع العوارض بأسرها فالفقر أسلم عاقبة في الدار الأخرى.

وقد أشار المؤلّف لما ترجم له بقوله: (فيه) أي في الباب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا وصله ابن ماجة في الصوم عن يعقوب بن حميد بن كاسب عن محمد بن معن بن محمد الغفاري عن أبيه وعن يعقوب بن حميد عن عبد الله بن عبد الله عن محمد بن محمد عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة به، والترمذي في الزهد عن إسحاق بن موسى الأنصاري عن محمد بن معن عن أبيه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ الترجمة به، وقال: حسن غريب.

وأخرجه البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك من رواية سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي حرة عن عمه حكيم بن أبي حرة عن سليمان الأعرج عن أبي هريرة بلفظ أن للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر.

وأخرجه ابن حبان وقال: معناه أن يطعم ثم لا يعصي بارئه بقوّته ويتم شكره بإتيان طاعته بجوارحه لأن الصائم قرن به الصبر وهو صبره عن المحظورات وقرن بالطاعم الشكر، فيجب أن يكون هذا الشكر الذي يقوم بأداء ذلك الصبر يقاربه ويشاركه وهو ترك المحظورات، وقوله فيه عن أبي هريرة إلخ ثابت في رواية أبي ذر فقط كما في الفرع وأصله.

‌57 - باب الرَّجُلِ يُدْعَى إِلَى طَعَامٍ فَيَقُولُ: وَهَذَا مَعِي.

وَقَالَ أَنَسٌ: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ

(باب الرجل يدعى إلى طعام) فيتبعه آخر (فيقول) المدعو: (وهذا) رجل (معي) تبعني (وقال أنس) رضي الله عنه مما وصله ابن أبي شيبة من طريق عمير الأنصاري (إذا دخلت على مسلم لا يتهم) في دينه ولا ماله ولفظ ابن أبي شيبة على رجل لا تتهمه (فكل من طعامه واشرب من شرابه) وزاد أحمد والحاكم والطبراني ولا تسأله عنه.

ومطابقة هذا الأثر لحديث الباب الآتي إن شاء الله تعالى من جهة كون اللحام لم يكن متهمًا وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من طعامه ولم يسأله.

5461 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلَامٌ لَحَّامٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَعَرَفَ الْجُوعَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبَ إِلَى غُلَامِهِ اللَّحَّامِ فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ. فَصَنَعَ لَهُ طُعَيِّمًا، ثُمَّ أَتَاهُ فَدَعَاهُ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَا أَبَا شُعَيْبٍ، إِنَّ رَجُلًا تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ» . قَالَ لَا بَلْ أَذِنْتُ لَهُ.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) حميد بن الأسود البصري الحافظ قال: (حدّثنا أبو سلمة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان الكوفي قال: (حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة قال: (حدّثنا أبو مسعود) عقبة بن عامر (الأنصاري) رضي الله عنه (قال: كان رجل من الأنصار يكنى) بسكون الكاف (أبا شعيب وكان له غلام لحام) لم أقف على اسمه (فأتى) أبو شعيب (النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه فعرف الجوع) وللكشميهني يعرف الجوع (في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فذهب إلى غلامه اللحام فقال) له: (اصنع لي طعامًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي طعيمًا بضم الطاء وفتح العين وتشديد التحتية مصغرًا (يكفي خمسة لعلى أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة فصنع لي

طعيمًا) بالتصغير (ثم أتاه) عليه الصلاة والسلام أبو شعيب (فدعاه فتبعهم رجل) لم أقف على اسمه (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(يا أبا شعيب إن رجلًا تبعنا فإن شئت أذنت له وإن شئت تركته) بتاء الخطاب فيهما (قال) أبو شعيب: (لا) أتركه (بل أذنت له) يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل صلى الله عليه وسلم من ذلك الطعام ولم يسأله لأنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم متهمًّا.

وهذا الحديث سبق في باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه من كتاب الأطعمة.

‌58 - باب إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ فَلَا يَعْجَلْ عَنْ عَشَائِهِ

هذا (باب) بالتنوين (إذا حضر العشاء) بفتح العين مصححًا عليها في الفرع كأصله، وقال الحافظ ابن حجر: إنها الرواية عنده وهو ضدّ الغداء أي إذا حضر أكل وصلاة المغرب (فلا يعجل) أحدكم (عن) أكل (عشائه) بالفتح أيضًا فإذا فرغ

ص: 248

فليصل ليكون قلبه فارغًا لمناجاة ربه تعالى.

5462 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي كَانَ يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في الزهريات قال: (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عمرو بن أمية) بفتح العين وسكون الميم (أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز) يقطع (من كتف شاة في يده) ويأكل (فدعي) بضم الدال وكسر العين (إلى الصلاة فألقاها) أي قطعة اللحم (والسكين التي كان يحتز بها) من الكتف (ثم قام فصلى ولم يتوضأ).

5463 -

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» .

وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بفتح العين المهملة واللام المشددة العمي أبو الهيثم الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف والباء الموحدة عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(إذا وضع العشاء) بفتح العين والمد الطعام المأكول عشية (وأقيمت الصلاة فابدَؤُوا بالعشاء) ثم صلوا واللام في الصلاة للعهد الذهني المدلول عليه بالسياق فالمراد صلاة المغرب. وفي حسان المصابيح من حديث جابر مرفوعًا "لا تؤخروا الصلاة لطعام ولا لغيره ولا معارضة بينهما" إذ هو محمول على من لم يشتغل قلبه بالطعام جمعًا بين الأحاديث.

5464 -

وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَعَشَّى مَرَّةً وَهْوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ.

(وعن أيوب) السختياني بالسند السابق (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وعن أيوب) السختياني بالسند السابق أيضًا (عن نافع بن عمر أنه تعشى) أكل الطعام الذي يؤكل عشية (مرة وهو يسمع قراءة الإمام).

5465 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» . قَالَ وُهَيْبٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(إذا أقيمت الصلاة) أي المغرب (وحضر العشاء) بالفتح والمد (فابدؤوا بالعشاء) بالفتح والمد أيضًا لما في البداءة بالصلاة من اشتغال القلب وذهاب كمال الخشوع أو كله (وقال وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد مما وصله الإسماعيلي (ويحيي بن سعيد) القطان مما وصله أحمد (عن هشام) هو ابن عروة (إذا وضع العشاء) بضم الواو بدل إذا حضر العشاء.

‌59 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}

(باب قول الله تعالى: {فإذا طعمتم فانتشروا})[الأحزاب: 52] أي فتفرقوا عن موضع الطعام تخفيفًا عن صاحب المنزل.

5466 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَنَسًا قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْحِجَابِ، كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرُوسًا بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسَ مَعَهُ رِجَالٌ بَعْدَ مَا قَامَ الْقَوْمُ، حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَشَى وَمَشَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ

مَكَانَهُمْ، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قد قَامُوا، فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (أن أنسًا قال: أنا أعلم الناس بالحجاب) بسبب نزول آية الحجاب (كان أُبي بن كعب يسألني عنه أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسًا بزينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش) والعروس وصف يستوي فيه الرجل والمرأة والعرس مدة بناء الرجل بالمرأة (وكان تزوّجها بالمدينة فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس معه رجال بعد ما قام القوم) وأكلوا من الطعام (حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى ومشيت معه حتى بلغ باب حجرة عائشة ثم ظن) عليه الصلاة والسلام (أنهم) أي الرجال الذين تخلفوا في منزله المقدّس (خرجوا) منه (فرجعت) ولأبي ذر عن الكشميهني فرجع فرجعت (معه) إلى منزله (فإذا هم جلوس مكانهم فرجع ورجعت معه الثانية حتى بلغ باب حجرة عائشة فرجع ورجعت معه فإذا هم قد قاموا فضرب) عليه الصلاة والسلام (بيني وبينه سترًا وأنزل الحجاب) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول والحجاب رفع نائب الفاعل وللكشميهني ونزل عليه الحجاب أي آية الحجاب وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} [الأحزاب: 53] الآية وهذه آداب تتعلق بالأكل لا بأس بإيرادها، فاعلم أنه يستحب غسل اليد

ص: 249

قبل الطعام ففي الحديث أنه ينفي الفقر وبعد الطعام ينفي اللمم وهو الجنون ولا ينشفها قبل الأكل، فإنه ربما يكون بالمنديل وسخ فيعلق باليد ويقدم الصبيان في الغسل الأول لأنهم أقرب إلى الأوساخ، وربما نفذ الماء لو قدمنا الشيوخ وفي الثاني يقدّم الشيوخ كرامة لهم، ويقدم المالك في الأول ويتأخر في الثاني، وينبغي للآكل أن يضم شفتيه عند الأكل ليأمن مما يتطاير من البصاق حال المضغ ولا يتنخم ولا يبصق بحضرة آكل غيره فإن عرض له سعال حوّل وجهه عن الطعام ولا ينفض يديه من الطعام لئلا يقع منه شيء على ثوب جليسه أو في الطعام.

وفي تاريخ أصبهان لأبي نعيم عن ابن مسعود مرفوعًا: تخللوا فإنه نظافة والنظافة تدعو إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة ولا يتخلل بعود الريحان والرمان لأنهما يثيران عرق الجذام ولا بعود القصب لأنه يفسد لحم الأسنان وهذا آخر كتاب الأطعمة ولله الحمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

‌71 - كتاب العقيقة

(بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب العقيقة) بفتح العين المهملة وهي لغة الشعر الذي على رأس الولد حين ولادته وشرعًا ما يذبح عند حلق شعره لأن مذبحه يعق أي يشق ويقطع ولأن الشعر يحلق إذ ذاك وقال ابن أبي الدم قال: أصحابنا يستحب تسميتها نسيكة أو ذبيحة وتكره تسميتها عقيقة كما تكره تسمية العشاء عتمة والمعنى فيها إظهار البشر والنعمة ونشر النسب وهي سُنّة مؤكدة وإنما لم تجب كالأضحية بجامع أن كلاًّ منهما إراقة دم بغير جناية، وقال الليث بن سعد: إنها واجبة وكذا قال داود وأبو الزناد وقال أبو حنيفة: فيما نقله العيني ليست بسُنّة، وقال محمد بن الحسن: هي تطوّع كان الناس يفعلونها ثم نسخت بالأضحى وقال بعضهم هي بدعة وفي الموطأ عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: "لا أحب العقوق" كأنه كره الاسم وقال: "من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل" وهذا لا حجة فيه لنفي مشروعيتها بل آخر الحديث يثبتها، وإنما غايته أن الأولى أن تسمى نسيكة أو ذبيحة وأن لا تسمى عقيقة كما مرّ عن ابن أبي الدم، وقد تقرر في علم الفصاحة الاحتراز عن لفظ يشترك فيه معنيان: أحدهما مكروه فيجاء به مطلقًا، والأصل فيها أحاديث كحديث الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وعند البزار عن ابن عباس مرفوعًا: للغلام عقيقتان وللجارية عقيقة وقال: لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد انتهى.

والعقيقة كالضحية في جميع أحكامها من جنسها وسنها وسلامتها والأفضل منها ونيتها والأكل والتصدق وسن طبخها كسائر الولائم إلا رجلها فتعطى نيئة للقابلة لحديث الحاكم وبحلو تفاؤلًا بحلاوة أخلاق الولد، وأن لا يكسر عظمها تفاؤلًا بسلامة أعضاء الولد فإن كسر فخلاف الأولى وأن تذبح سابع ولادته.

‌1 - باب تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ، وَتَحْنِيكِهِ

(باب تسمية المولود غداة يولد) أي وقت يولد (لمن لم يعق عنه) بفتح التحتية وضم العين، ومفهومه أن من لم يرد أن يعق عنه لا تؤخر تسميته إلى السابع ومن أريد أن يعق عنه تؤخر تسميته إلى السابع. وقال النووي في الأذكار: تسن تسميته يوم السابع أو يوم الولادة، ولكلٍّ من القولين أحاديث صحيحة، فحمل البخاري أحاديث يوم الولادة على من لم يرد العق، وأحاديث يوم السابع على من أراده كما ترى. قال ابن حجر: وهو جمع لطيف لم أره لغيره، وثبت لفظة عنه لأبي ذر عن الكشميهني (وتحنيكه) يوم ولادته بتمر حلو بأن يمضغ التمر ويدلك به حنكه داخل فمه حتى ينزل إلى جوفه منه شيء وقيس بالتمر الحلو، وفي معنى التمر الرطب والحكمة فيه التفاؤل بالإيمان لأن التمر من الشجرة التي شبهها صلى الله عليه وسلم بالإيمان، لا سيما إذا كان المحنك من العلماء والصالحين لأنه يصل إلى جوف المولود من ريقه.

5467 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنِي بُرَيْدٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى. [الحديث 5467 - أطرافه في: 6198].

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولابن عساكر: بالجمع (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثني) بالإفراد ولابن عساكر

ص: 250

بالجمع (بريد) بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها دال مهملة ابن عبد الله (عن) جدّه (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه أنه (قال: ولد) بضم الواو (لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم) فهو من الصحابة لما ثبت له من الرواية، لكن لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا فهو لذلك من كبار التابعين ولذا ذكره ابن حبان فيهما (فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليّ) وفي قوله: فأتيت به فسماه فحنكه إشعار بأنه أسرع بإحضاره إليه صلى الله عليه وسلم وأن تحنيكه كان بعد تسميته ففيه أنه لا ينتظر بتسميته يوم السابع (وكان) إبراهيم هذا (أكبر ولد أبي موسى).

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب ومسلم في الاستئذان.

5468 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُتِىَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي) روى

الدارقطني أنها أتت بعبد الله بن الزبير (يحنكه فبال) الصبي (عليه) صلى الله عليه وسلم (فأتبعه الماء) أي أتبع البول الماء يصبه على موضعه حتى غمره من غير سيلان لأن النجاسة مخففة.

وهذا الحديث سبق في بول الصبيان من كتاب الطهارة.

5469 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، بِمَكَّةَ قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ قُبَاءً فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلَامِ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، لأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلَا يُولَدُ لَكُمْ.

وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) البخاري واسم أبيه إبراهيم ونسبه لجدّه قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق (رضي الله عنهما أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة قالت: فخرجت) من مكة (وأنا مُتِم) بضم الميم الأولى وكسر الفوقية وتشديد الميم الثانية اسم فاعل أي شارفت تمام حملي (فأتيت المدينة فنزلت قباء) بالمد والصرف ويقصر ويمنع (فولدت بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم) في المدينة (فوضعته) وللحموي والمستملي: فوضعت بغير ضمير النصب (في حجره) عليه الصلاة والسلام (ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل) أي بزق عليه الصلاة والسلام (في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بالتمرة ثم دعا له فبرّك) بالفاء وفتح الموحدة وتشديد الراء أي دعا له بالبركة ولابن عساكر وبرّك (عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام) بالمدينة بعد الهجرة من أولاد المهاجرين (ففرحوا به فرحًا شديدًا لأنهم قيل لهم أن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم).

وفي طبقات ابن سعد أنه لما قدم المهاجرون المدينة أقاموا لا يولد لهم فقالوا سحرتنا يهود حتى كثرت في ذلك المقالة، فكان أول مولود بعد الهجرة عبد الله بن الزبير فكبّر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيرًا.

وهذا الحديث قد سبق في الهجرة.

5470 -

حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارِ الصَّبِيَّ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فِي

لَيلَتِهِما". فَوَلَدَتْ غُلَامًا. قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«أَمَعَهُ شَيْءٌ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ. تَمَرَاتٌ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (مطر بن الفضل) المروزي قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) من الزيادة السلمي الواسطي أحد الأعلام قال: (أخبرنا عبد الله بن عون عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين (عن أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: كان ابن لأبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس (يشتكي) أي مريض وكان اسمه عميرًا صاحب النغير (فخرج أبو طلحة) لحاجته (فقبض الصبي) بضم القاف أي توفي (فلما رجع أبو طلحة قال) لأمه: (ما فعل ابني؟ قالت أم سليم) أم الصبي (هو أسكن ما كان) أفعل تفضيل من السكون قصدت به سكون الموت وظن أبو طلحة أنها تريد سكون العافية له (فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها) جامعها (فلما فرغ) من ذلك (قالت) له: (وارِ الصبي) أمر من المواراة أي ادفنه، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: واروا الصبي بصيغة الجمع (فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره) بما كان من خبره مع زوجته (فقال) عليه الصلاة والسلام له:

(أعرستم الليلة) بسكون العين استفهام محذوف الأداة، وهو من قولهم أعرس الرجل إذا دخل بامرأته، والمراد هنا الوطء

ص: 251

فسماه إعراسًا لأنه من توابع الإعراس، وقال في المصابيح: في بعض النسخ فأخبره فقال: أعرستم الليلة يعني أن أبا طلحة أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بخبره فيكون أعرستم خبرًا لا استفهامًا. قال: وفي بعضها سقوط فأخبره فحمله بعض الشارحين على أنه استفهام محذوف الأداة، وفي رواية الأصيلي أعرستم بفتح العين وتشديد الراء. قال في المطالع: كالمشارق والنهاية وهو غلط إنما ذلك في النزول، لكن قال ابن التيمي في كتابة التحرير في شرح مسلم: إنها لغة يقال أعرس الرجل وعرّس والأفصح أعرس.

(قال) أبو طلحة رضي الله عنه (نعم) أعرسنا الليلة يا رسول الله (قال) صلى الله عليه وسلم (اللهم بارك لهما) في ليلتهما (فولدت غلامًا) قال أنس (قال لي أبو طلحة احفظه) وللكشميهني احفظيه. قال الحافظ أبو الفضل بن حجر: والأولى أولى (حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأرسك) أم سليم (معه بتمرات) بفتح الميم (فأخذه) أي الصبي (النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أمعه شيء)؟ بهمزة الاستفهام (قالوا: نعم تمرات) بفتح الميم أيضًا (فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في في الصبي) أي فمه (وحنّكه وسماه عبد الله).

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الاستئذان.

0000 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: بالإفراد (محمد بن المثنى) قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد (عن ابن عون) عبد الله (عن محمد عن أنس وساق الحديث) الذي رواه ابن المثنى الآتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته في باب الخميصة السوداء من كتاب اللباس بلفظ: أن أم سليم قالت لي: يا أنس هذا الغلام فلا تصيبن شيئًا حتى تغدو به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحنّكه فغدوت به فإذا هو في حائط وعليه خميصة حريثية وهو يسم الظهر الذي قدم عليه في الفتح، وسياق المؤلّف له هنا يوهم أن المراد الحديث الأول وليس كذلك لأن لفظهما مختلف كما ترى فهما حديثان عند ابن عون.

أحدهما عنده عن أنس بن سيرين وهو المذكور هنا، والثاني عنده عن محمد بن سيرين عن أنس، وسقط لابن عساكر قوله: حدّثنا محمد بن المثنى إلى آخره.

‌2 - باب إِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الصَّبِيِّ فِي الْعَقِيقَةِ

(باب إماطة الأذى) أي إزالته (عن الصبي في العقيقة).

5471 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ. وَقَالَ حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ وَقَتَادَةُ وَهِشَامٌ وَحَبِيبٌ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بن عامر الضبي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ قَوْلَهُ. [الحديث 5471 - أطرافه في: 5472].

وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي الأزرق أحد الأئمة الأعلام (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن سلمان بن عامر) الضبي بالضاد المعجمة والموحدة المشددة الصحابي رضي الله عنه ليس له في البخاري غير هذا الحديث أنه (قال: مع الغلام عقيقة) أي عقيقة مصاحبة له بعد ولادته فيعق عنه.

(وقال حجاج) هو ابن منهال فيما وصله الطحاوي وابن عبد البر والبيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن حجاج بن منهال (حدّثنا حماد) هو ابن سلمة قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (وقتادة) بن دعامة السدوسي الحافظ المفسر (وهشام) هو ابن حسان الأزدي (وحبيب) هو ابن الشهيد أربعتهم (عن ابن سيرين) محمد (عن سلمان) بن عامر رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا وقفه حماد بن زيد ورفعه الآخران كما ترى. وحماد بن سلمة وإن كان ليس على شرط المؤلّف لكنه يصلح للاستشهاد وقد وثقه غير واحد.

(وقال غير واحد) منهم سفيان بن عيينة كما نبه عليه في الفتح (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (وهشام) هو ابن حسان (عن حفصة بنت سيرين) أخت محمد بن سيرين (عن الرباب)

بفتح الراء وبموحدتين مخففتين بينهما ألف صليع بالصاد والعين المهملتين ابن عامر الضبي (عن) عمها (سلمان بن عامر الضبي) وسقط ابن عامر الضبي لغير أبي ذر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا وصله النسائي وأحمد من رواية ابن عيينة عن عاصم، وأبو داود والترمذي من رواية عبد الرزاق عن هشام، وابن ماجة من رواية عبد الله بن نمير عن هشام، وجماعة عن هشام عن حفصة بإسقاط

ص: 252

الرباب كذا أخرجه الدارمي والحارث بن أبي أسامة وغيرهما (ورواه يزيد بن إبراهيم) التستري (عن ابن سيرين) محمد (عن سلمان) بن عامر الضبي (قوله) موقوفًا غير مرفوع ووصله الطحاوي في المشكل فقال: حدّثنا محمد بن خزيمة، حدّثنا حجاج بن منهال، حدّثنا يزيد بن إبراهيم.

5472 -

وَقَالَ أَصْبَغُ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى» .

(وقال أصبغ) بن الفرج (أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (عن جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (عن أيوب) بن أبي تميمة (السختياني عن محمد بن سيربن) أنه قال: (حدّثنا سلمان بن عامر الضيي) رضي الله عنه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):

(مع الغلام عقيقة) مصاحبة له (فأهريقوا عنه) بهمزة قطع فصبوا عنه (دمًا) شاتين بصفة الأضحية عن الغلام وشاة عن الجارية رواه الترمذي وأبو داود والنسائي لأن الغرض استبقاء النفس فأشبهت الدّية لأن كلاًّ منهما فداء للنفس وتعين بذكر الشاة الغنم للعقيقة وبه جزم أبو الشيخ الأصبهاني، وقال البندنيجي من الشافعية: لا نص للشافعي في ذلك، وعندي لا يجزئ غيرها والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضًا لحديث عند الطبراني عن أنس مرفوعًا: يعق عنه من الإبل والبقر والغنم: (وأميطوا عنه الأذى) أزيلوًا عنه بحلق رأسه كما جزم به الأصمعي، وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن، لكن وقع عند الطبراني من حديث ابن عباس ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس، ويؤيد ذلك أن في بعض الطرق مما رواه أبو الشيخ من حديث عمرو بن شعيب وتماط عنه أقذاره كالدم والختان.

وقال الطيبي: قوله (فأهريقوا) حكم مرتب عليه الوصف المناسب المشعر بالعلية أي مقرون مع الغلام ما هو سبب لإهراق الدم، فالعقيقة هي ما يصحب المولود من الشعر والمراد بإهراق الدم العقيقة من الشاة فيكون ذبح الشاة وإزالة الشعر مرتبين على ما يصحب المولود والتعريف في الأذى للعهد والمعهود الشعر، وإليه أشار محيي السُّنَّة بقوله: العقيقة اسم للشعر الذي يحلق من رأس الصبي عند ولادته فسميت الشاة عقيقة على المجاز إذ كانت تذبح عند حلاق الشعر، وتعليق أصبغ هذا وصله الطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا. والحديث مرفوع لا تضره رواية الوقف والله الموفق.

0000 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ: أَمَرَنِي ابْنُ سِيرِينَ أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ: مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسم أبي الأسود حميد قال: (حدّثنا قريش بن أنس) بضم القاف وفتح الراء بعدها تحتية ساكنة فشين معجمة البصري ليس له في البخاري غير هذا (عن حبيب بن الشهيد) بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة والشهيد بالشين المعجمة وكسر الهاء أنه (قال: أمرني ابن سيرين) محمد (أن أسأل الحسن) البصري (ممن سمع حديث العقيقة) أي المروي في السنن عنه مرفوعًا بلفظ: الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى، ومعنى مرتهن قيل لا ينمو نموّ مثله حتى يعق عنه. وقال الخطابي: وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل أنه إذا لم يعق عنه لم يشفع في والديه يوم القيامة. وتعقب بأن لفظ الحديث لا يساعد المعنى الذي أتى به بل بينهما من المباينة ما لا يخفى على عموم الناس فضلًا عن خصومهم، والمعنى إنما يؤخذ عن اللفظ وعند اشتراك اللفظ عن القرينة التي يستدل بها عليه، والحديث إذا استبهم معناه فأقرب السبب إلى إيضاحه استيفاء طرقه فإنها قلما تخلو عن زيادة أو نقصان أو إشارة بالألفاظ المختلف فيها فيستكشف بها ما أبهم منه.

وفي بعض طرق هذا الحديث كل غلام رهينة بعقيقته أي مرهون، والمعنى أنه كالشيء المرهون لا يتم الانتفاع والاستمتاع به دون فكه، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر ووظيفة الشكر في هذه النعمة ما سنّه نبيه صلى الله عليه وسلم وهو أن يعق عن المولود شكرًا لله تعالى

ص: 253

وطلبًا لسلامة المولود، ويحتمل أنه أراد بذلك أن سلامة المولود ونشأه على النعت المحبوب رهينة بالعقيقة هذا هو المعنى اللهم إلا أن يكون التفسير الذي سبق ذكره متلقى من قبل الصحابي ويكون الصحابي قد اطّلع على ذلك من مفهوم الخطاب أو قضية الحال، ويكون التقدير شفاعة الغلام لأبويه مرتهنة بعقيقته. وتعقبه الطيبي فقال: لا ريب أن الإمام أحمد ما ذهب إلى هذا القول إلا بعد ما تلقى عن قول الصحابة والتابعين وهو إمام جليل يجب أن يتلقى كلمه بالقبول ويحسن الظن به فقوله لا يتم الانتفاع والاستمتاع به دون فكه يقتضي عمومه في الأمور الأخروية والدنيوية ونظر الألباء مقصور على الأول وأولى الانتفاع بالأولاد في الآخرة الشفاعة في الوالدين انتهى.

وقيل: المعنى أن العقيقة لازمة لا بدّ منها فشبه المولود في لزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن وهذا يقوي القول بالوجوب وقوله تذبح عنه يوم السابع تمسك به من قال: إنها مؤقتة بالسابع فإن ذبح قبله لم تقع الموقع وأنها تفوت بعده، وبه قال مالك، وقال أيضًا: إن مات قبل السابع سقطت، ونقل الترمذي أنه يوم السابع فإن لم يتهيأ فالرابع عشر فإن لم يتهيأ فأحد وعشرون وورد فيه حديث ضعيف، وذكر الرافعي أنه يدخل وقتها بالولادة ثم قال: والاختيار أنها

لا تؤخر عن البلوغ فإن أخّرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه لكن إن أراد هو أن يعق عن نفسه فعل واختاره القفال، ونقل عن نص الشافعي في البويطي أنه لا يعق عن كبير.

قال ابن الشهيد: (فسألته فقال) أي الحسن سمعته (من سمرة بن جندب) الصحابي الكوفي الفزاري وقريش صدوق مشهور وثقه ابن معين والنسائي لكنه تغير قبل موته. قال النسائي: بست سنين، وكذا قال البخاري في الضعفاء. زاد ابن حبان فقال: حتى كان لا يدري ما يحدث به فظهر في روايته أشياء مناكير لا تشبه حديثه القديم، فلما ظهر ذلك من غير أن يتميز مستقيم حديثه من غيره لم مجز الاحتجاج به فيما انفرد به وأما ما وافق فيه الثقات فهو المعتبر وليس له في البخاري سوى هذا.

وأخرجه الترمذي عن البخاري عن ابن المديني وقد توقف البندنيجي في صحة هذا الحديث كما نقله في الفتح لما ذكر من اختلاط قريش وزعم أنه تفرّد به وأنه وهم. قال ابن حجر: قد وجدنا له متابعًا أخرجه أبو الشيخ والبزار عن أبي هريرة وأيضًا فسماع ابن المديني وأقرانه من قريش كان قبل اختلاطه والله أعلم.

‌3 - باب الْفَرَعِ

(باب الفرع) بفتح الفاء والراء وبالعين المهملة. قال في القاموس: هو أوّل ولد تنتجه الناقة أو الغنم كانوا يذبحونه لآلهتهم أو كانوا إذا تمت إبل واحد مائة قدّم بكره فنحره لصنمه، وكان المسلمون يفعلونه في صدر الإسلام ثم نسخ انتهى. ويأتي إن شاء الله تعالى في حديث الباب تفسيره.

5473 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لَطِوَاغِيتِهِمْ. وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ. [الحديث 5473 - أطرافه في: 5474].

وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (حدّثنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد قال: (أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(لا فرع ولا عتيرة) بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وبعد التحتية الساكنة راء فهاء تأنيث فعيلة بمعنى مفعولة والتعبير بلفظ النفي، والمراد النهي كما في رواية النسائي والإسماعيلي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأحمد: "لا فرع ولا عتيرة في الإسلام"(والفرع أوّل النتاج كانوا) في الجاهلية (يذبحونه لطواغيتهم) لأصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله (والعتيرة) النسيكة التي تعتر أي تذبح وكانوا يذبحونها (في) العشر الأول من (رجب) ويسمونها الرجبية، وقد صرّح

عبد المجيد بن أبي داود عن معمر فيما أخرجه أبو قرّة موسى بن طارق في السنن له بأن تفسير الفرع والعتيرة من قول الزهري، وزاد أبو داود بعد قوله: يذبحونه لطواغيتهم عن بعضهم ثم يأكلونه ويلقى جلده على الشجر وفيه إشارة إلى علة النهي، واستنبط منه الجواز إذا كان الذبح لله جمعًا بينه وبين

ص: 254

حديث أبي داود والنسائي والحاكم من رواية داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو كذا في رواية الحاكم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع؟ قال: "الفرع حق وإن تتركه حتى يكون بنت مخاض أو ابن لبون فتحمل عليه في سبيل الله أو تعطيه أرملة خير من أن تذبحه يلصق لحمه بويره" وقوله: حق أي ليس بباطل، وهو كلام خرج على جواب السائل فلا مخالفة بينه وبين حديث إلا فرع ولا عتيرة" فإن معناه لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة، وقال النووي: نص الشافعي في حرملة على أن الفرع والعتيرة مستحبان.

‌4 - باب الْعَتِيرَةِ

(باب العتيرة).

5474 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ. قَالَ وَالْفَرَعَ أَوَّلُ نِتَاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ. وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) حال كونه (حدّثنا عن سعيد بن المسيب) وسقط لأبي ذر وابن عساكر لفظ حدّثنا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(لا فرع ولا عتيرة: قال: والفرع أول نتاج) وللكشميهني: نتاج كذا في اليونينية (كان ينتج لهم) بضم أوله وفتح ثالثه يقال: نتجت الناقة بضم النون وكسر التاء الفوقية إذا ولدت ولا يستعمل هذا الفعل إلا هكذا وإن كان مبنيًّا للفاعل (كانوا يذبحونه لطواغيتهم) جمع طاغية ما كانوا يعبدونه من الأصنام وغيرها. (والعتيرة) ما كانوا يذبحونه (في رجب) وفي حديث نبيشة بنون ومعجمة عن أبي داود والنسائي قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ قال: "اذبحوا لله أي شهر كان" قال: كنا نفرع في الجاهلية. قال: "في كل سائمة فرع" بعدد ماشيتك إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه فإن ذلك خير ففيه أنه صلى الله عليه وسلم يبطل الفرع والعتيرة من أصلهما وإنما أبطل صفة كلٍّ منهما فمن الفرع كونه يذبح أوّل ما يولد ومن العتيرة خصوص الذبح في رجب.

(بسم الله الرحمن الرحيم) رقم في الفرع وأصله على البسملة علامة سقوطها لأبي ذر، وفي الفتح ثبوتها لأبي الوقت سابقة على اللاحق وبعده للنسفي.

بسم الله الرحمن الرحيم

‌72 - كتاب الذبائح والصيد

‌1 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيْدِ

وَقَوْلِ اللهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحِكُمْ} الآيَةُ. وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْعُقُودُ: الْعُهُودُ، مَا أُحِلَّ وَحُرِّمَ. إِلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ: الْخِنْزِيرُ، يَجْرِمَنَّكُمْ: يَحْمِلَنَّكُمْ. شَنَآنُ: عَدَاوَةُ. الْمُنْخَنِقَةُ تُخْنَقُ فَتَمُوتُ. الْمَوْقُوذَةُ: تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ، يُوقِذُهَا فَتَمُوتُ. وَالْمُتَرَدِّيَةُ: تَتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ. وَالنَّطِيحَةُ تُنْطَحُ الشَّاةُ، فَمَا أَدْرَكْتَهُ يَتَحَرَّكُ بِذَنَبِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَاذْبَحْ وَكُلْ. جمع ذبيحة بمعنى مذبوحة.

(باب التسمية على الصيد) وأصل الصيد مصدر ثم أطلق على المصيد كقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر} [المائدة: 96] و {لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم} [المائدة: 95] أو المراد في هذه الترجمة أحكام المصيد أو أحكام الصيد الذي هو المصدر ولأبي ذر باب الذبائح والصيد والتسمية على الصيد برفع التسمية على الابتداء ولابن عساكر باب التسمية على الصيد كذا في الفرع كأصله وقال في الفتح: سقط باب لكريمة والأصيلي وثبت للباقين.

(وقول الله) عز وجل: ({حرّمت عليكم الميتة}) أي البهيمة التي تموت حتف أنفها (إلى قوله) تعالى: ({فلا تخشوهم}) أي بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار وانقلابهم مغلوبين بعد ما كانوا غالبين ({واخشون})[المائدة: 3] بغير ياء وصلًا ووقفًا أي أخلصوا إليّ الخشية، وثبت لأبي ذر وابن عساكر: وقول الله: {حرمت} إلى آخره.

(وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم})

[المائدة: 94](الآية). ومعنى يبلو يختبر وهو من الله تعالى لإظهاره ما علم من العبد على ما علم منه لا ليعلم ما لم يعلم ومن للتبعيض إذ لا يحرم كل صيد أو لبيان الجنس، وقلل في قوله:{بشيء من الصيد} ليعلم أنه ليس من الفتن العظام وتناله صفة لشيء وقوله: {تناله} إلى آخره ثابت لابن عساكر ولغير أبي ذر بعد قوله: {من الصيد} إلى قوله: {عذاب أليم} .

(وقوله جلّ ذكره: {أُحلّت لكم بهيمة الأنعام}) والبهيمة كل ذات أربع قوائم في البر والبحر وإضافتها إلى الأنعام للبيان وهي بمعنى من كخاتم فضة ومعناه البهيمة من الأنعام وهي الأزواج الثمانية، وقيل بهيمة الأنعام الظباء وبقر الوحش ونحوها ({إلا ما يتلى عليكم}) [المائدة: 10] آية تحريمه، وهو قوله تعالى: {حرمت

ص: 255

عليكم الميتة} الآية (-إلى قوله-: {فلا تخشوهم واخشون}) وسقط هذا لابن عساكر.

(وقال ابن عباس): مما وصله ابن أبي حاتم (العقود) أي (العهود ما أحل وحرّم) بضم أولهما للمفعول {إلا ما يتلى عليكم} أي (الخنزير) ولفظ ابن أبي حاتم يعني الميتة والدم ولحم الخنزير، وقوله تعالى:({يجرمنكم}) أي: لا (يحملنكم {شنآن}) أي (عداوة){قوم} [المائدة: 8].

(المنخنقة) هي التي (تخنق) بضم أوّله وفتح ثالثه (فتموت. الموقوذة) التي (تضرب بالخشب يوقذها) وللأصيلي توقذ بالفوقية وفتح القاف أي تضرب بعصا أو حجر (فتموت. والمتردية) التي (تتردّى من الجبل، والنطيحة تنطح الشاة) بضم الفوقية وفتح الطاء والشاة بالرفع أي هي التي تموت بسبب نطح غيرها لها (فما أدركته) بفتح التاء على الخطاب وسكون الكاف حال كونه (يتحرك بذنبه) بفتح النون (أو بعينه فاذبح وكل) وما لا فلا. وسقط الواو من والمتردية والنطيحة لأبي ذر.

5475 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ قَالَ: «مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ، فَكُلْهُ. وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهْوَ وَقِيذٌ» . وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ فَقَالَ: «مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ، أَوْ كِلَابِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ، فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي (عن عدي بن حاتم) بالحاء المهملة ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وفتح الراء بعدها جيم أبي طريف بالطاء المهملة المفتوحة آخره فاء الطائي الصحابي، وكان ممن ثبت في الردّة وحضر فتوح العراق وحروب عليّ، وأسلم سنة الفتح وأبوه حاتم هو المشهور بالجود وكان هو أيضًا جوادًا، وعاش إلى سنة ثمان وستين فتوفي بها عن مائة

وعشرين سنة وقيل وثمانين (رضي الله عنه) أنه (قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن) حكم (صيد المعراض) بكسر الميم وسكون المهملة وبعد الراء ألف فضاد معجمة. قال النووي: خشبة ثقيلة أو عصا في طرفها حديدة وقد تكون بغير حديدة هذا هو الصحيح في تفسيره، وقال في القاموس: سهم بل ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه، وقال ابن دقيق العيد: عصا رأسها محدّد فإن أصاب بحدّه أكل وإن أصاب بعرضه فلا. وقال ابن سيده: كابن دريد سهم طويل له أربع قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض (قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر فقال:

(ما أصاب) الصيد (بحدّه) أي بحدّ المعراض (فكله) لأنه ذكي (وما أصاب) الصيد (بعرضه) بعرض المعراض (فهو وقيذ) بفتح الواو وكسر القاف وبعد الياء الساكنة التحتية ذال معجمة فعيل بمعنى مفعول ميت بسبب ضربه بالمثقل كالمقتول بعصا أو حجر فلا تأكله فإنه حرام. قال عديّ: (وسألته) صلى الله عليه وسلم (عن صيد الكلب؟ فقال: ما أمسك عليك) بأن لا يأكل منه (فكل) منه (فإن أخذ الكلب) الصيد بسكون الخاء المعجمة مصدر مضاف إلى فاعله ومفعوله محذوف وهو الصيد كما ذكر وخبر إن قوله (ذكاة) له فيحل أكله كما يحل أكل المذكاة (وإن) ولأبي ذر وابن عساكر فإن (وجدت مع كلبك) الذي أرسلته ليصطاد (أو) مع (كلابك كلبًا غيره) استرسل أو أرسله مجوسي أو وثني أو مرتدّ (فخشيت أن يكون) الكلب الذي لم ترسله (أخذه) أي أخذ الصيد (معه) مع الذي أرسلته (وقد قتله فلا تأكل) منه (فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره) ولأبي ذر: ولم تذكر بحذف الضمير، وفي بعض طرق الحديث كما في الباب اللاحق وغيره: إذا أرسلت كلبك وسميت فكُل، وفي أخرى إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكُل، ففيه مشروعية التسمية وهي محل وفاق، لكنهم اختلفوا هل هي شرط في حل الأكل فذهب الشافعي في جماعة وهي رواية عن مالك وأحمد إلى السنية فلا يقدح ترك التسمية، وذهب أحمد في الراجح عنده إلى الوجوب لجعلها شرطًا في حديث عدي، وذهب أبو حنيفة ومالك والجمهور إلى الجواز عند السهو، وفيه أنه لا يحل أكل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة فإن تحقق أنه أرسله

ص: 256

من هو أهل للذكاة حل ثم ينظر فإن أرسلا معًا فهو لهما وإلَاّ فللأول، ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله فإنما سميت على كلبك ولم تسمي على غيره، فإن مفهومه أن المرسل إذا سمى على الكلب حلّ.

وهذا الحديث سبق في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان من غير ذكر المعراض من الطهارة، وفي باب تفسير المشبهات من البيوع، ورواه مسلم في الصيد وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة.

‌2 - باب صَيْدِ الْمِعْرَاضِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ: تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ. وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ

وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَكَرِهَ الْحَسَنُ رَمْيَ الْبُنْدُقَةِ فِي الْقُرَى وَالأَمْصَارِ، وَلَا يَرَى بَأْسًا فِيمَا سِوَاهُ.

(باب) حكم (صيد المعراض) بفتح الصاد، وفي اليونينية بكسرها.

(وقال ابن عمر) رضي الله عنهما فيما وصله البيهقي من طريق أبي عامر العقدي عن زهير هو ابن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه كان يقول (في المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة) لأنها مقتولة بمثقل لا بمحدّد (وكرهه) أي المقتول بالبندقة (سالم) أي ابن عبد الله بن عمر (والقاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم مما وصله عنهما ابن أبي شيبة من طريق الثقفي عن ابن عمر عنهما (ومجاهد) أي ابن جبر المفسر مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا عن ابن المبارك عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، (وإبراهيم) النخعي مما أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا عن حفص عن الأعمش عنه، (وعطاء) أي ابن أبي رباح مما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، (والحسن) البصري مما أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن هشام عنه وألفاظهم متقاربة (وكره الحسن) البصري أيضًا (رمي البندقة في القرى والأمصار) خوف إصابة الناس (ولا يرى به) بالرمي بالبندقة (بأسًا فيما سواه) من الصحراء والأمكنة الخالية من الناس لانتفاء المحذور فيها.

5476 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: «إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، فَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ» . فَقُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي؟ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ» . قُلْتُ: فَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: «فَلَا تَأْكُلْ. فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» . قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ: «لَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى آخَرَ» .

وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي الأزديّ البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الله بن أبي السفر) بفتح المهملة والفاء سعيد الهمدانيّ الكوفيّ (عن الشعبيّ) عامر بن شراحيل أنه (قال: سمعت عديّ بن حاتم رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض) أي عن حكم الصيد به وهو خشبة في رأسها كالزج يلقيها الفارس على الصيد فربما أصابته الحديدة فقتلته وأراقت دمه فيجوز أكله كالسيف والرمح وربما أصابته الخشبة فترضه (فقال) صلى الله عليه وسلم:

(إذا أصبت) الصيد (بحدّه) بحد المعراض (فكُل) فإنه ذكاته (فإذا أصاب) المعراض الصيد (بعرضه) أي بغير طرفه المحدد ولأبي ذر لماذا أصبت بعرضه (فقتل فإنه وقيذ) لأنه في معنى الخشبة الثقيلة أو الحجر. قال في القاموس: الوقذ شدّة الضرب وشاة وقيذ وموقوذة قتلت بالخشبة (فلا تأكل) لأنه ميتة قال عدي: (فقلت) يا رسول الله (أرسل كلبي قال) عليه الصلاة والسلام:

(إذا أرسلت كلبك) أي المعلم كما في رواية أخرى (وسميت) الله عز وجل (فكُل) فيه تعليق حل الأكل على الإرسال والتسمية.

ومبحث ذلك قد مرّ قريبًا في الباب السابق، واحتجوا له بأن المعلق بالوصف منفيّ عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم والشرط أقوى من الوصف ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة وما أذن فيه منها يراعى صفته فالمسمى عليه وافق الوصف وغير المسمى عليه باقٍ على أصل التحريم، وفي قوله: إذا أرسلت اشتراط الإرسال للحل. قال عدي: (قلت) يا رسول الله (فإن أكل) الكلب من الصيد، (قال) عليه الصلاة والسلام:(فلا تأكل فإنه) أي الكلب (لم يمسك عليك) أي لم يحبسه لك، قال في الأساس: أمسك عليك زوجك وأمسكت عليه ماله حبسته (إنما أمسك) الصيد (على نفسه) بأكله منه (قلت أرسل) بضم الهمزة وفي اليونينية بفتحها (كلبي فأجد معه كلبًا آخر) استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على) كلب (آخر) ولأبي ذر وابن عساكر: على الآخر.

وهذا مذهب الجمهور وهو الراجح من قولي الشافعي.

وفي القديم وهو قول مالك يحلّ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند أبي داود أن أعرابيًّا يقال له: أبو ثعلبة قال: يا رسول الله إن لي كلابًا

ص: 257

مكلبة فأفتني في صيدها. قال: "كل مما أمسكن عليك" قال: وإن أكل منه؟ قال: "وإن أكل منه" لكن في رجاله من تكلم فيه فالمصير إلى حديث عدي المروي في الصحيحين أولى لا سيما مع اقترانه بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه المتأيد بأن الأصل في الميتة التحريم، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل، وظاهر القران أيضًا. ولئن سلمنا صحته فهو محمول على ما إذا أطعمه صاحبه منه أو أكل منه بعد ما قتله وانصرف، وسيكون لنا عودة لذكر شيء من هذه المسألة في باب: إذا أكل الكلب إن شاء الله تعالى.

‌3 - باب مَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ

(باب) حكم (ما أصاب المعراض) من الصيد (بعرضه).

5477 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ. قَالَ:«كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ» . قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ. قَالَ: وَإِنْ قَتَلْنَ». قُلْتُ: وَإِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ قَالَ: «كُلْ مَا خَزَقَ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ» .

وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة ولأبي ذر قتيبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن همام بن الحارث) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى

النخعي الكوفي والألف واللام في الحارث للمح الصفة (عن عدي بن حاتم رضي الله عنه) أنه (قال: قلت: يا رسول الله إنا نرسل الكلاب المعلمة) للصيد والمعلمة بفتح اللام المشددة هي التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته إذا زجرها انزجرت إذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها فلا تأكل من لحمه أو نحوه كجلده وحشوته قبل قتله أو عقبه مع تكرر لذلك يظن به تأديبها ومرجعه أهل الخبرة بالجوارح (قال) صلى الله عليه وسلم:

(كل ما أمسكن عليك. قلت وإن قتلن. قال: وإن قتلن). جواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي وإن قتلن تأمرني بأكله؟ قال صلى الله عليه وسلم: "وإن قتلن فكل إذ هو ذكاته ما لم يشركها كلب ليس منها" وعند أبي داود "ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك". قلت: وإن قتل؟ قال: "إذا قتل ولم يأكل منه". قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بصيد البزاة والصقور بأسًا اهـ.

وفيه التسوية في الشروط المذكورة بين جارحة السباع وجارحة الطير وهو ما نص عليه الشافعي كما نقله البلقيني كغيره ولم يخالفه أحد من الأصحاب وكلام الروضة وأصلها يخالف ذلك حيث خصّها بجارحة السباع وشرط في جارحة الطير ترك أكل فقط. قال عدي:

(قلت) يا رسول الله (وإنا نرمي) الصيد (بالمعراض) بكسر الميم والباء باء الآلة وهو قول الخليل وأتباعه سهم لا ريش له ولا نصل وقال النووي: كالقاضي عياض وقال القرطبي: إنه المشهور خشبة ثقيلة آخرها عصًا محدد رأسها وقد لا يحدد وسبق ذلك مع غيره قريبًا (قال) عليه الصلاة والسلام: (كُل) بسكون اللام مخففة (ما خزق) بالخاء والزاي المعجمتين المفتوحتين المخففتين آخره قاف جرح ونفذ وطعن فيه قاله في الكواكب، وقال في القاموس: خزقه يخزقه طعنه فانخزق والخازق السنان، وقال في المطالع: خزق المعراض شق اللحم وقطعه (وما أصاب بعرضه) بغير طرفه المحدد (فلا تأكل) فإنه ميتة.

‌4 - باب صَيْدِ الْقَوْسِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبَ صَيْدًا فَبَانَ مِنْهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ لَا تَأْكُلُ الَّذِي بَانَ، وَتَأْكُلُ سَائِرَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ أَوْ وَسَطَهُ فَكُلْهُ، وَقَالَ الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدٍ: اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ حِمَارٌ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ حَيْثُ تَيَسَّرَ، دَعُوا مَا سَقَطَ مِنْهُ وَكُلُوهُ

(باب) حكم (صيد القوس) قال في القاموس: القوس معروفة وقد يذكر تصغيرها قويسة وقويس والجمع قسى وقسي وأقواس وقياس.

(وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح (وإبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا بلفظ حدّثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (إذا ضرب)

الرجل (صيدًا فبان) فقطع (منه يد أو رجل لا يأكل الذي بان) أي الذي قطع لأنه أبين من حي سواء ذبحه بعد الإبانة أم جرحه ثانيًا أم ترك ذبحه بلا تقصير ومات بالجرح (ويأكل سائره) إذا مات، ولأبي ذر عن المستملي والحموي وكل بالجزم على الأمر. (وقال إبراهيم) النخعي أيضًا (إذا ضربت عنقه) أي عنق الصيد (أو وسطه) بفتح السين (فكله. وقال الأعمش) سليمان بن مهران مما وصله ابن أبي شيبة (عن زيد) أي ابن وهب أنه قال:(استعصى على رجل من آل عبد الله) بن مسعود، ولأبي ذر: على آل عبد الله أي ابن مسعود (حمار)

ص: 258

وحشي (فأمرهم) عبد الله (أن يضربوه حيث تيسر) وقال: (دعوا ما سقط منه وكلوه).

5478 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابِ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ:«أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا. وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ. فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ» . [الحديث 5478 - أطرافه في: 5488، 5496].

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة المقرئ أبو عبد الرحمن مولى عمر بن الخطاب القرشي العدوي قال: (حدّثنا حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو بعدها تاء تأنيث ابن شريح بالشين المعجمة المضمومة والراء المفتوحة آخره حاء مهملة المصري (قال: أخبرني) الإفراد (ربيعة بن يزيد) من الزيادة (الدمشقي عن أبي إدريس) عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني (عن أبي ثعلبة) بالمثلثة أوّله واسمه جرثوم عند الأكثر (الخشني) بالخاء المضمومة والشين المعجمتين رضي الله عنه أنه (قال: قلت يا نبي الله إنّا) يريد نفسه وقبيلته وهي خشين بطن من قضاعة كما قاله البيهقي والحازمي وغيرهما (بأرض قوم أهل كتاب) ولأبي ذر: من أهل الكتاب بالشام والجملة معمولة للقول (أفنأكل في آنيتهم) التي يطبخون فيها الخنزير ويشربون فيها الخمر، وعند أبي داود إنّا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم ويشربون في آنيتهم الخمر، والهمزة في أفنأكل للاستفهام والفاء عاطفة أي أتأذن لنا فنأكل في آنيتهم أو زائدة لأن الكلام سيق للاستخبار وآنية جمع إناء كسقاء وأسقية وجمع الآنية أوان (وبأرض صيد) من باب إضافة الموصوف إلى صفته لأن التقدير بأرض ذات صيد فحذف الصفة وأقام المضاف إليه مقامها وأحل المعطوف محل المعطوف عليه (أصيد بقوسي) جملة مستأنفة لا على لها من الإعراب أي أصيد فيها بسهم قوسي (و) أصيد فيها (بكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي) أكله من ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام:

(أما) بالتشديد حرف تفصيل (ما) موصول في موضع رفع مبتدأ صلته (ذكرت) أي ذكرته فالعائد محذوف (من) آنية (أهل الكتاب) وخبر المبتدأ (فإن وجدتم) أصبتم (غيرها) غير آنية أهل الكتاب (فلا تأكلوا فيها) إذ هي مستقذرة ولو غسلت كما يكره الشرب في المحجمة ولو غسلت استقذارًا (وإن لم تجدوا) غيرها (فاغسلوها وكلوا فيها) رخصة بعد الحظر من غير كراهة للنهي عن الأكل فيها مطلقًا وتعليق الإذن على عدم غيرها مع غسلها وفيه دليل لمن قال: إن الظن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل، وأجاب من قال: بأن الحكم للأصل حتى تتحقق النجاسة بأن الأمر بالغسل محمول على الاستحباب احتياطًا جمعًا بينه وبين ما دل على التمسك بالأصل، وأما الفقهاء فإنهم يقولون إنه لا كراهة في استعمال أواني الكفار التي ليست مستعملة في النجاسة ولو لم تغسل عندهم وإن كان الأولى الغسل للاحتياط لا لثبوت الكراهة في ذلك (وما صدت بقوسك فذكرت) بالفاء ولأبي ذر بالواو؟ (اسم الله) عليه ندبًا وما شرطية وفاء فذكرت عاطفة على صدت وفي (فكُل) جواب الشرط وتمسك بظاهره من أوجب التسمية على الصيد والذبيحة وسبق ما فيه (وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم) بنصب غير وخفضها (فأدركت ذكاته فكل).

‌5 - باب الْخَذْفِ وَالْبُنْدُقَةِ

(باب) حكم (الخذف) بالخاء والذال المعجمتين والفاء وهو كما في المطالع وغيرها الرمي بحصى أو نوى بين سبابتيه وبين الإبهام والسبابة (و) حكم (البندقة) المتخذة من الطين وتيبس فيرمى بها.

5479 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَاللَّفْظُ لِيَزِيدَ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: لَا تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَذْفِ أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ. وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلَا يُنْكَأ بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ. ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ وَأَنْتَ تَخْذِفُ؟ لَا أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (يوسف بن راشد) القطان الرازي نزيل بغداد نسبه إلى جده لشهرته به واسم أبيه موسى قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح الكوفي (ويزيد بن هارون) من الزيادة الواسطي (واللفظ ليزيد) لا لوكيع (عن كهمس) بفتح الكاف والميم بينهما هاء ساكنة وآخره مهملة (ابن الحسن) التميمي نزيل البصرة (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة مصغرًا ابن الحصيب الأسلمي (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة المزني نزيل البصرة رضي الله عنه (أنه رأى رجلًا) لم أعرف اسمه، وزاد

مسلم من

ص: 259

أصحابه وله أيضًا أنه قريب لعبد الله بن مغفل (يخذف) يرمي بحصاة أو نواة بين سبابتيه والمخذفة خشبة يحذف بها والمقلاع قاله في القاموس (فقال له) ابن مغفل وسقط لفظ له لابن عساكر (لا تحذف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف أو) قال: (كان يكره الخذف) بالشك. وفي رواية أحمد عن وكيع نهى عن الخذف بغير شك وأخرجه عن محمد بن جعفر عن كهمس بالشك وبين أن الشك من كهمس (وقال: إنه لا يصاد به صيد) لأنه يقتل بقوّة الرامي لا بحد البندقة فكل ما قتل بها حرام باتفاق إلا من شذ (ولا ينكأ به عدوّ) بضم أوله وسكون النون وفتح الكاف مهموزًا ولغير أبي ذر ولا ينكى بضم الياء وفتح الكاف بلا همز كذا في الفرع كأصله، لكن قال القاضي عياض: الرواية بفتح الكاف وهمزة في آخره وهي لغة والأشهر بكسر الكاف بغير همزة ومعناه المبالغة في الأذى، (ولكنها) أي البندقة أو الرمية (قد تكسر السن وتفقأ العين ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف لا أكلمك كذا وكذا).

وعند مسلم من رواية سعيد بن جبير: لا أكلمك أبدًا وإنما فعل ذلك لأنه خالف السنة ولا يدخل في النهي عن الهجران فوق ثلاث لأنه لمن هجر لحظ نفسه، والمعنى في النهي عن الخذف لما فيه من التعريض للحيوان بالتلف لغير مأكلة وهو منهي عنه، فلو أدرك ذكاة ما رمى بالبندق ونحوه فيحل أكله، ومن ثم اختلف في جوازه فصرح في الذخائر بمنعه وبه أفتى ابن عبد السلام وجزم النووي بحله لأنه طريق إلى الاصطياد والتحقيق التفصيل، فإن كان الأغلب من حال الرامي ما ذكر في الحديث امتنع وإلاّ جاز.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح، والنسائي في الدّيات.

‌6 - باب مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ

(باب من اقتنى) أي اتخذ (كلبًا) والقنية للشيء اتخاذه وادّخاره عنده (ليس بكلب صيد أو ماشية).

5480 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ» . [الحديث 5480 - أطرافه في: 5481، 5482].

وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي بالقاف والسين المهملة الساكنة قال: (حدثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(من اقتنى) أي ادّخر عنده (كلبًا ليس بكلب ماشية) يحرسها (أو) كلب جماعة (ضارية) فهو

استعارة صفة للجماعة الضارين أصحاب الكلاب الضارية على الصيد يقال: ضرس على الصيد ضراوة أي تعوّد ذلك واستمر عليه، وضري الكلب وأضراه صاحبه أي عوّده وأغراه بالصيد والجمع ضوار أو هو من باب التناسب إذ كان الأصل هنا أن يقول أو ضار لكنه أنث للتناسب للفظ ماشية نحو: لا دريت ولا تليت وكان حقه أن يقول تلوت (نقص) بلفظ الماضي (كل يوم) في كل يوم (من عمله قيراطان) لامتناع دخول الملائكة منزله أو لما يلحق المارة من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم، وللأصيلي وابن عساكر: قيراطين بالياء بعد الطاء بدل الألف لأن نقص يستعمل لازمًا ومتعديًا باعتبار اشتقاقه من النقصان والنقص، فنصب قيراطين على أنه معتد وفاعله ضمير يعود على الاقتناء المفهوم من قوله: اقتنى كلبًا والرفع على أنه لازم أو على أنه معتد مبني للمفعول والأخير ثابت في غير الفرع والقيراط في الأصل نصف دانق، والمراد به هنا مقدار معلوم عند الله أي نقص جزأين من أجزاء عمله.

وسبق في المزارعة من حديث أبي هريرة قيراط بلفظ الإفراد وجمع بينهما باحتمال أن يكون ذلك في نوعين من الكلاب: أحدهما أشد أذى من الآخر أو باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدائن والقرى والقيراط في البوادي أو كان في زمانين فذكر القيراط أولًا ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين.

5481 -

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَاّ كَلْبٌ ضَارٍ لِصَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» .

وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) البلخي قال: (أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان) الأسود بن عبد الرحمن (قال: سمعت سالمًا يقول: سمعت عبد الله بن عمر) وسقط لأبي ذر لفظ عبد الله رضي الله عنه (يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم-

ص: 260

يقول) في محل الحال من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الفارسي: مفعول ثانٍ لسمع.

(من اقتنى كلبًا إلا كلب) أي غير كلب (ضار لصيد) بتنوين كلب مع الرفع وضار بلا ياء كذا في الفرع كأصله يعني صفة لكلب، وفي غير الفرع وأصله: إلا كلب ضار بفتح كلب بلا تنوين مضاف لضار من إضافة الموصوف إلى صفته للبيان نحو شجر الأراك أو ضار صفة للرجل الصائد أي إلا كلب الرجل المعتاد للصيد، وفي بعض النسخ ضاري بإثبات الياء على اللغة القليلة في إثباتها مع حذف الألف واللام، ولأبي ذر في الفرع وأصله: إلا كلبًا ضارَيًا بإثبات الياء مع النصب فيهما وهو واضح، وإلا بمعنى غير صفة لكلب لتعذر الاستثناء ويجوز أن تنزل النكرة منزلة المعرفة فيكون استثناء أي غير كلب صيد، وقيد ابن الحاجب مجيئها صفة بأن تكون تابعة لجمع منكور غير محصور كقوله تعالى:{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] وكذلك هي هنا لأن قوله كلب أراد به جنس الكلاب.

فإن قلت: كيف يصح أن تكون إلا صفة وهي حرف وإن كانت بمعنى غير والحرف لا يوصف ولا يوصف به والواقع بعد إلا قوله الله وهو اسم علم والعلم يوصف ولا يوصف به؟ أجيب: بأن شرط الصفة أن تكون اسمًا لأنها من خواص الأسماء وأن يكون في ذلك الاسم عموم ومعنى فعل وكل واحدة من هاتين الكلمتين على انفرادهما عارٍ من هذا الشرط فإذا اجتمعا أدّى زيد مثلًا معنى الاسمية وأدّت إلا معنى المغايرة فقاما مقام الصفة بمجموعهما بخلاف انفرادهما ألا ترى أنك تقول: دخلت إلى رجل في الدار فيكون الحرف مع الاسم في موضع الصفة لرجل وكل واحد منهما على انفراده لا يجوز أن يكون صفة.

(أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان) بالرفع فاعل ينقص ولابن عساكر: بالنصب على استعمال نقص متعديًّا وظاهر قوله من أجره أن النقص ليس في العمل بل في الأجر، ويحتمل أن النقص في الأجر بالتبعية لنقص العمل على معنى أنه لم يوفق لتمامه بل وقع مختلاًّ بمقدار القيراطن من العمل.

5482 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَاّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» .

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن نافع عن عبد الله بن عمر) سقط لابن عساكر لفظ عبد الله أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):

(من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو ضار) بحذف الياء مع التخفيف كقاض أي أو كلب ضار لصيد ولأبي ذر والأصيلي ضاريًا بإثبات الياء والنصب أي إلا كلبًا ضاريًا (نقص من عمله كل يوم قيراطان). زاد مسلم في حديث الباب من طريق سالم عن أبيه عبد الله بن عمر، وكان أبو هريرة يقول: أو كلب حرث، وكان صاحب حرث. وفي حديث أبي هريرة في باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم إلا كلب حرث أو ماشية. واستشكل الجمع بين حصري الحديثين إذ مقتضاهما التضاد من حيث إن في حديث الباب الحصر في الماشية والصيد، ويلزم منه إخراج كلب الزرع، وفي حديث أبي هريرة الحصر في الحرث والماشية ويلزم منه إخراج كلب الصيد. وأجاب في الكواكب: بأن مدار أمر الحصر على المقامات واعتقاد السامعين لا على ما في الواقع فالمقام الأول اقتضى استثناء كلب الصيد والثاني اقتضى استثناء كلب الحرث فصارًا مستثنيين ولا منافاة في ذلك، ولمسلم من طريق الزهري عن أبي سلمة: إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية، ولمسلم أيضًا والنسائي من وجه آخر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ:"من اقتنى كلبًا ليس كلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان".

قال في الفتح: زيادة الزرع أنكرها ابن عمر ففي مسلم من طريق عمرو بن دينار عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم، فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول: أو

كلب زرع. فقال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعًا، ويقال إن ابن عمر أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت رواية أبي هريرة وإن سبب حفظه لهذه الزيادة دونه أنه كان صاحب زرع دونه ومن كان مشتغلًا

ص: 261

بشيء احتاج إلى تعرف أحواله.

‌7 - باب إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الصَّوَائِدُ وَالْكَوَاسِبُ اجْتَرَحُوا اكْتَسَبُوا {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {سَرِيعُ الْحِسَابِ} . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} فَتُضْرَبُ وَتُعَلَّمُ حَتَّى يَتْرُكَ. وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ

هذا (باب) بالتنوين (إذا أكل الكلب) أي من الصيد حرم أكله ولو كان الكلب معلمًا واستؤنف تعليمه كما في المجموع لفساد التعليم الأول من حينه لا من أصله.

(وقوله تعالى: {يسألونك}) في السؤال معنى القول فلذا وقع بعده ({ماذا أُحل لهم}) كأنه قيل يقولون لك ماذا أحل لهم وإنما لم يقل ماذا أحل لنا حكاية لما قالوا لأن يسألونك بلفظ الغيبة كقولك: أقسم زيد ليفعلن ولو قيل لأفعلن وأحل لنا لكان صوابًا، وماذا مبتدأ وأحل لهم خبره كقولك: أيّ شيء أحل لهم ومعناه ماذا أحل لهم من المطاعم كأنهم حين تلي عليهم ما حرم عليه من خبيثات المآكل سألوا عما أحل لهم منها فقال: ({قل أحل لكم الطيبات}) أي ما ليس بخبيث منها وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ({وما علمتم}) عطف على الطيبات أي أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم فحذف المضاف ({من الجوارح}) أي من الكواسب من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والباز والشاهين وسقط لأبي ذر قوله قل أحل لهم الخ وقال: بعد قوله: {أحل لهم} الآية ({مكلبين}) حال من علمتم، وفائدة هذه الحال مع أنه استغنى عنها بعلمتم أن يكون من يعلم الجوارح موصوفًا بالتكليب والمكلب مؤدب الجوارح ومعلمها مشتق من الكلب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه، أو لأن السبع يسمى كلبًا أو من الكلب الذي بمعنى الضراوة يقال: هو كلب كذا إذا كان ضاربًا به.

(الصوائد) جمع صائدة (والكواسب) جمع كاسبة صفة قال العيني: للجوارح، وقال ابن حجر: للكلاب، وسقطت الواو الأولى لأبي ذر عن الحموي والمستملي أي الكلاب الصوائد.

(اجترحوا) أي (اكتسبوا) كذا فسرها أبو عبيد ذكرها المؤلّف استطرادًا إشارة إلى أن الاجتراح يطلق على الاكتساب، وليس من الآية المسوقة هنا بل معترض بين: مكلبين وتعلمونهن.

({تعلمونهن مما علمكم الله}) من علم التكليب ({فكلوا مما أمسكن عليكم}) الإمساك أن لا يأكل منه فإن أكل منه لم يؤكل إذا كان صيد كلب ونحوه فأما صيد البازي ونحوه فأكله لا يحرمه (-إلى قوله- {سريع الحساب})[المائدة: 4] يحاسبكم على أفعالكم ولا يلحقه فيه لبث وسقط لأبي ذر {تعلمونهن} إلى آخره.

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما فيما وصله سعيد بن منصور: (إن أكل الكلب) مما صاده (فقد أفسده) على صاحبه بإخراجه عن صلاحيته للأكل لأنه (إنما أمسك على نفسه) بأكله منه (والله) تعالى (يقول: {تعلمونهن مما علمكم الله} فتضرب) على الأكل مما اصطادته (وتعلم حتى تترك) الأكل. (وكرهه) أي الصيد الذي أكل منه الكلب (ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا وصله ابن أبي شيبة. (وقال عطاء): هو ابن أبي رباح فيما وصله ابن أبي شيبة (إن شرب) الكلب (الدم) مما صاده (ولم يأكل) من لحمه أو نحوه كجلده وحشوته (فكل).

5483 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ، فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَإِنْ قَتَلْنَ إِلَاّ أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ» .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان الضبي مولاهم الحافظ أبو عبد الرحمن (عن بيان) بفتح الموحدة والتحتية مخففًا ابن بشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة الأحمسي بمهملتين بينهما ميم (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عدي بن حاتم) أنه (قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت): يا رسول الله (إنا قوم نصيد) بنون بعدها صاد وفي باب ما جاء في التصيد بزيادة فوقية بعد النون (بهذه الكلاب) أفيحل لنا أكل ما نصيد بها؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر قال:

(إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكُل مما أمسكن عليكم وإن قتلن) فيه إشعار بأنها إذا استرسلت بنفسها أو كانت غير معلمة لا يحل، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر: مما أمسكن عليك بإسقاط ميم الجمع (إلا أن يأكل الكلب) منه (فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه) لأن الله تعالى قال: {فكلوا مما أمسكن

ص: 262

عليكم} [المائدة: 4] فإنما أباحه بشرط أن يعلم أنه أمسكه عليه وإذا أكل منه كان دليلًا على أنه أمسكه على نفسه، وقيل يحل وإن أكل منه لظاهر قوله تعالى:{فكلوا مما أمسكن عليكم} والباقي بعد أكله قد أمسكه علينا فحل لظاهر الآية، ولحديث أبي داود السابق ذكره في باب صيد المعراض. قال الشافعي في المبسوط: والقياس يدل عليه لأن الكلب إذا عقر الصيد وقتله فقد حصلت الذكاة فأكله منه بعد حصول ذكاته لا يمنع من أكله كما إذا ذكّى المسلم صيدًا ثم أكل منه الكلب، وهذا ما نص عليه في التقديم،

وأومأ إليه في الجديد بالقياس وأجيب عن الآية بأن الحديث دل على أنه إذا أكل فقد أمسك لنفسه، وعن الحديث أبي داود المذكور بأنه تكلم فيه كما سبق مع غيره في الباب المذكور (وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل) أي لأنه إنما سمى على كلابه، ولم يسمّ على غيرها كما صرح به فيما سبق.

‌8 - باب الصَّيْدِ إِذَا غَابَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً

(باب) حكم (الصيد إذا غاب عنه) أي عن الصائد (يومين أو ثلاثة).

5484 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِذَا خَالَطَ كِلَابًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِى أَيُّهَا قَتَلَ. وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَاّ أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ. وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» .

وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا ثابت بن يزيد) من الزيادة وثابت بالمثلثة الأحول البصري قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عدي بن حاتم) الطائي الجواد ابن الجواد (رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):

(إذا أرسلت كلبك) أي المعلم الذي إذا أشلي استشلى وإذا زجر انزجر وإذا أخذ لم يأكل مرارًا (وسميت) الله تعالى حالة إرسالك كلبك (فأمسك) الصيد (وقتلـ) ـه (فكلـ) ـه فإن أخذه ذكاة له (وإن أكل) الكلب منه (فلا تأكل فإنما أمسك على نفسك وإذا خالط) كلبك (كلابًا لم يذكر اسم الله عليها) بأن أرسلها من ليس من أهل الذكاة (فأمسكن وقتلن) الكلاب الصيد ولأبي ذر فقتلن بالفاء بدل الواو (فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتل) فلو تحقق أنه أرسله من هو أهل للذكاة حل أو وجده حيًّا فذكّاه حل أيضًا لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على الإمساك من الكلب (وإن رميت الصيد) بسهمك وغاب عنك (فوجدته بعد يوم أو يومين ليس له إلا أثر سهمك فكل) فإن وجد به أثر سهم رامٍ آخر أو مقتولًا بغير ذلك فلا يحل أكله مع التردّد، وعند الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد به أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل منه. قال الرافعي: يؤخذ منه أنه لو جرحه ثم غاب ثم جاء فوجده ميتًا أنه لا يحل وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر، قال النووي في الروضة: الحل أصح دليلًا وصححه أيضًا الغزالي في الإحياء وثبتت فيه الأحاديث الصحيحة ولم يثبت في التحريم شيء وعلق الشافعي الحل على صحة الحديث والله أعلم اهـ.

وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه قال، في قول ابن عباس: كل ما أصميت ودع

ما أنميت يعني ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما غاب عنك مقتله قال: وهذا عندي لا يجوز غيره إلا أن يكون جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء فيسقط كل شيء خالف أمره صلى الله عليه وسلم ولا يقوم معه رأي ولا قياس. قال البيهقي: وقد ثبت الخبر بمعنى حديث الباب فينبغي أن يكون هو قول الشافعي.

(وإن وقع) الصيد (في الماء فلا تأكل) لاحتمال هلاكه بغرقه في الماء فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم، حل أكله، وفي مسلم فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك فدلّ على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله يحل.

5485 -

وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِرُ أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ قَالَ: «يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ» .

(وقال عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة فيما وصله أبو داود (عن داود) بن أبي هند (عن عامر) الشعبي (عن عدي) هو ابن حاتم الطائي رضي الله عنه (أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم) إنه (يرمي الصيد) بسهمه (فيقتفر أثره اليومين والثلاثة) بقاف ساكنة ففوقية مفتوحة ففاء مكسورة فراء، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: فيقتفي بتحتية بدل الراء، وعزاها في المطالع للقابسي وهما بمعنى أي يتبع أثره، وفي الفتح بتقديم الفاء على القاف أي يتبع فقاره حتى

ص: 263

يتمكن منه (ثم يجده ميتًا وفيه سهمه. قال) صلى الله عليه وسلم: (يأكل) منه (إن شاء) ولأبي داود من حديث أبي ثعلبة بسند فيه معاوية بن صالح: إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن، فجعل الغاية أن ينتن الصيد فلو وجده مثلًا بعد ثلاثة ولم ينتن حل وإن وجده بدونها وقد أنتن فلا. هذا ظاهر الحديث، وأجاب النووي بأن النهي عن أكله إذا أنتن للتنزيه. نعم إن تحقق ضرره حرم كما لا يخفى.

‌9 - باب إِذَا وَجَدَ مَعَ الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ

هذا (باب) بالتنوين (إذا وجد) الصائد (مع الصيد كلبًا آخر) غير الكلب الذي أرسله لا يحل أكله وذلك كان أرسل مجوسي كلبًا لأن المرسل كالذابح والجارح كالسكين وذكاة المجوسي التي انفرد بها أو شارك فيها لا تحل نظرًا لتغليب التحريم على التحليل، وكذا الحكم فيما لو شاركه من تحل ذكاته بجارحة غير معلمة أو بجارحة لا يعلم حالها إذ لا فرق بين أن تكون الجارحة المشاركة لجارحة المرسل من نوعها أو من غيره كما إذا أرسل أحدهما كلبًا والآخر فهدًا أو بازًا، وكذا لو أرسل أحدهما جارحة والآخر سهمًا ولو رميًا سهمين أو أرسلا كلبين، وسبق ما للمسلم وقتل الصيد أو أنهاه إلى حركة المذبوح كان حلالًا.

5486 -

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ

فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَأَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ». قُلْتُ: إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي أَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ، فَقَالَ:«لَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» . وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: «إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ» .

وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الله بن أبي السفر) الهمداني (عن الشعبي) عامر (عن عدي بن حاتم) الطائي رضي الله عنه أنه (قال: قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي) أي المعلم (وأسمي) الله تعالى مع إرساله أفيحل في أكل ما صاده؟ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(إذا أرسلت كلبك) المعلم (وسميت) عند الإرسال (فأخذ) اليد (فقتلـ) ـه (فأكل) منه (فلا تأكل) لا ناهية والفاء جواب الشرط (فإنما أمسك على نفسه قلت): يا رسول الله (إني أرسل كلبي) ثم (أجد) ولأبي الوقت فأجد (معه كلبًا آخر لا أدري أيهما أخذه فقال) عليه الصلاة والسلام (لا تأكل فإنما سميت على كلبك) الفاء في فإنما فيها معنى السببية أي لا تأكل بسبب عدم تسميتك على غير كلبك وأكد ذلك بقوله (ولم تسم على غيره) وهذا لا مفهوم له لأنه لو سمى على كلب غيره لم ينتفع بذلك. قال عدي: (وسألته)(عن صيد المعراض) بكسر الميم وسكون المهملة آخره ضاد معجمة وهو كما مر خشبة في رأسها كالزج يلقيها على الصيد (فقال) صلى الله عليه وسلم: (إذا أصبت) الصيد (بحده فكل) فإنه له ذكاة (وإذا أصبت) الصيد (بعرضه فقتل فإنه وقيذ) بالذال المعجمة ميتة (فلا تأكل).

‌10 - باب مَا جَاءَ فِي التَّصَيُّدِ

(باب ما جاء في التصيد) أي التكلف بالصيد والاشتغال به للتكسب أكلًا وبيعًا مما بدل لمشروعيته أو إباحته.

5487 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ. فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إِلَاّ أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ» .

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) غير منسوب وهو ابن سلام قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة وهو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي (عن بيان) بالموحدة وتخفيف التحتية ابن بشر الكوفي (عن عامر) الشعبي (عن عدي بن حاتم) الطائي رضي الله عنه أنه (قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنّا قوم نتصيد) بفوقية بعد النون وهي موافقة للفظ الترجمة أي نتكلف الصيد (بهذه الكلاب) أحلال ذلك أم لا (فقال صلى الله عليه وسلم):

(إذا أرسلت كلابك المعلمة) أي إذا أردت أن ترسل أو إذا شرعت في الإرسال (وذكرت اسم الله) بأن قلت بسم الله (فكل مما أمسكن عليك) زاد في باب إذا أكل الكلب وإن قتلن (إلا أن يأكل الكلب) منه (فلا تأكل فإني أخاف أن يكون) الكلب (إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها) أي الكلاب التي أرسلتها (كلب من غيرها فلا تأكل) وفيه إباحة الاصطياد للبيع والأكل وكذا للهو، ولكن بشرط قصد التذكية والانتفاع وكرهه مالك رحمة الله تعالى عليه، وخالفه الجمهور فلو لم يقصد الانتفاع به حرم لما فيه من إتلاف نفس عبثًا نعم إن لازمه وأكثر منه كره لأنه قد يشغل عن بعض الواجبات وكثير من المندوبات. وفي حديث ابن عباس عند الترمذي مرفوعًا:

ص: 264

"من سكن البادية جفا ومن اتّبع الصيد غفل" قيل وفي قوله كلابك أو كلبك جواز بيع كلب الصيد للإضافة. وأجيب: بأنها إضافة اختصاص.

وهذا الحديث سبق في الباب المذكور.

5488 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ رضي الله عنه يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ، نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ وَالَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا، فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ:«أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ تَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ تَوَكَّلْ. وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ» .

وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو (ابن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة، وسقط لغير أبي ذر ابن شريح قال المؤلّف:(وحدّثني) بالإفراد (أحمد بن أبي رجاء) ضد الخوف قال: (حدّثنا سلمة بن سليمان) المروزي (عن ابن المبارك) عبد الله المروزي (عن حيوة بن شريح) سقط ابن شريح لأبي ذر في هذه (قال: سمعت ربيعة بن يزيد) من الزيادة (الدمشقي قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس عائذ الله) بالذال المعجمة (قال: سمعت أبا ثعلبة) بالمثلثة (الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين الصحابي المشهور بكنيته اختلف في اسمه كأبيه (رضي الله عنه يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) له: (يا رسول الله إنّا) يعني نفسه وقومه (بأرض قوم أهل الكناب) يعني بالشام وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشأم وتنصروا منهم آل غسان وتنوخ وبهراء وبطون من قضاعة منهم بنو خشين آل بني ثعلبة (نأكل في آنيتهم وأرض صيد) أي أرض ذات صيد (أصيد)

فيها (بقوسي) بسهم قوسي (وأصيد بكلبي المعلم و) بكلبي (الذي ليس معلمًا فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك؟ فقال) صلى الله عليه وسلم:

(أما) بالتشديد (ما ذكرت أنك) ولأبي ذر عن الكشميهني: من أنك (بأرض قوم أهل الكتاب تأكل في آنيتهم فإن وجدتم) بميم الجمع لم أنت وقومك (غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها) ولأبي ذر عن المستملي فإن وجدت (وإن لم تجدوا) أي غيرها (فاغسلوها ثم كلوا فيها) أخذ بظاهره ابن حزم فقال: لا يجوز استعمال آنية أهل الكتاب إلا بشرطين أن لا يجد غيرها وأن يغسلها.

وأجيب: بأن الأمر بغسلها عند فقد غيرها دال على طهارتها بالغسل والأمر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في التنفير عنها (وأما ما ذكرت أنك) ولأبي ذر عن الكشميهني من أنك (بأرض صيد فما صدت بقوسك) بسهم قوسك (فاذكر اسم الله) الفاء عاطفة (ثم كل) ما صدت وما من فما في موضع نصب مفعول مقدم (وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ثم كُل وما صدت بكلبك الذي ليس معلمًا) ولابن عساكر ليس بمعلم بزيادة الباء (فأدركت ذكاته) أي أدركته حيًّا فذبحته (فكل).

5489 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَوْا عَلَيْهَا حَتَّى لَغِبُوا، فَسَعَيْتُ عَلَيْهَا حَتَّى أَخَذْتُهَا، فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، فَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا، فَقَبِلَهُ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (هشام بن زيد) أي ابن أنس بن مالك (عن) جده (أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: أنفجنا) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة ففاء مفتوحة فجيم ساكنة بعدها نون فألف أثرنا (أرنبًا) هو حيوان قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة (بمر الظهران) موضع بقرب مكة (فسعوا عليها حتى لغبوا) بكسر الغين المعجمة بعد اللام أو الصواب فتحها، ولأبي ذر عن الكشميهني تعبوا بفوقية وعين مهملة مكسورة بدل اللام والمعجمة ومعناهما واحد (فسعيت عليها حتى أخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس (فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها) ولأبي ذر عن الكشميهني بوركيها بالتثنية (وفخذيها) بالتثنية ولأبي ذر أو فخذيها (فقبله) صلى الله عليه وسلم.

ومطابقة الحديث لما ترجم له في قوله: فسعوا عليها حتى لغبوا يعني تعبوا إذ فيه معنى التصيد وهو التكلف للاصطياد. وفي حديث ابن عمر عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم جيء له بأرنب فلم يأكلها ولم ينه عنها، وزعم أنها تحيض وهي تأكل اللحم وغيره وتبعثر وتجتر وفي باطن أشداقها شعر وكذلك تحت رجليها.

5490 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ

نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ، وَهْوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ ثُمَّ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطًا فَأَبَوْا، فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَى بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:«إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ» .

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة خال إسماعيل

ص: 265

(عن أبي النضر) بالضاد المعجمة الساكنة بعد النون المفتوحة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن أبي ربيعة) التيمي المدني (عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي رضي الله عنه (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) عام الحديبية في القاحة على ثلاث مراحل من المدينة (حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين) بالعمرة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: محرمون (وهو غير محرم) لأنه صلى الله عليه وسلم كان أرسله إلى جهة أخرى ليكشف أمر عدوّ في طائفة من الصحابة (فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطًا فأبوا) امتنعوا (فسألهم) أن يناولوه (رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى) أي امتنع (بعضهم) من الأكل منه (فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك. فقال) النبي صلى الله عليه وسلم:

(إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين (أطعمكموها الله) عز وجل أي مأكلة.

وهذا الحديث سبق في الحج والجهاد.

5491 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مِثْلَهُ إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ: «هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ» ؟

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالتوحيد (مالك) الإمام الأعظم (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر (عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة) رضي الله عنه (مثله) أي مثل الحديث السابق (إلا أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: هل معكم من لحمه شيء).

‌11 - باب التَّصَيُّدِ عَلَى الْجِبَالِ

(باب التصيد على الجبال) بالجيم والمرحدة جمع جبل.

5492 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الجُعْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَأَنَا رَجُلٌ حِلٌّ عَلَى فَرَسٍ، وَكُنْتُ رَقَّاءً عَلَى

الْجِبَالِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ النَّاسَ مُتَشَوِّفِينَ لِشَيْءٍ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ حِمَارُ وَحْشٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: لَا نَدْرِي، قُلْتُ: هُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ، فَقَالُوا: هُوَ مَا رَأَيْتَ، وَكُنْتُ نَسِيتُ سَوْطِي فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي سَوْطِي فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ ضَرَبْتُ فِي أَثَرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَاّ ذَاكَ حَتَّى عَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ: قُومُوا فَاحْتَمِلُوا قَالُوا: لَا نَمَسُّهُ، فَحَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُهُمْ بِهِ فَأَبَى بَعْضُهُمْ، وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ، فَقُلْتُ: أَنَا أَسْتَوْقِفُ لَكُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَدْرَكْتُهُ، فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ لِي:«أَبَقِيَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «كُلُوا فَهْوَ طُعْمٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ» .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (يحيى بن سليمان الجعفي) الكوفي نزيل مصر وسقط لغير أبي ذر لفظ الجعفي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن الحارث المصري (أن أبا النضر) سالمًا (حدّثه عن نافع مولى أبي قتادة و) عن (أبي صالح) نبهان بفتح النون وسكون الموحدة بعدها هاء فألف فنون (مولى التوأمة) بفتح الفوقية، وفي بعض النسخ بضمها وحكاها عياض عن المحدّثين وقال: إن الصواب الفتح قال: ومنهم من ينقل حركة الهمزة فيفتح بها الواو، وحكى السفاقسي التوءمة بوزن الحطمة وهي بنت أمية بن خلف ولدت مع أخيها في بطن واحد فسميت بذلك (سمعت) أي قال: كلٌّ منهما ولأبي ذر سمعنا (أبا قتادة) الأنصاري (قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم) بالقاحة وهي موضع (فيما بين مكة والمدينة وهم محرمون) بالعمرة زمن الحديبية (وأنا رجل حل) غير محرم وسقط لفظ رجل لأبي ذر وابن عساكر (على فرس) ولأبي ذر على فرسي والواو فيهما للحال (وكنت رقاء) بتشديد القاف والمد (على الجبال) أي كثير الرقيّ أي الصعود على الجبال يعني أنه كان حينئذٍ على الجبال (فبينا) بغير ميم (أنا على ذلك) وجواب بينا قوله: (إذ رأيت الناس متشوّفين) بالشين المعجمة والفاء أي ناظرين (لشيء فذهبت أنظر) لذلك الشيء (فإذا هو حمار وحش فقلت لهم: ما هذا)؟ وللكشميهني ماذا بإسقاط الهاء (قالوا: لا ندري. قلت: هو حمار وحشي) بالتحتية والتنوين فيهما ولأبي ذر حمار وحش بإسقاط التحتية مع الإضافة (فقالوا: هو ما رأيت وكنت نسيت سوطي فقلت لهم: ناولوني سوطي) بسكون الواو (فقالوا: لا نعينك عليه فنزلت) من الجبل أو من الفرس (فأخذته ثم ضربت في أثره) بفتح الهمزة والمثلثة وراءه (فلم يكن إلا ذاك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا ذلك باللام (حتى عقرته) جرحته (فأتيت إليهم فقلت لهم: قوموا فاحتملوا) بكسر الميم أي الحمار (قالوا: لا نمسه فحملته حتى جئتهم به فأبى) امتنع (بعضهم) أن يأكل منه (وأكل بعضهم) منه (فقلت: أنا) ولابن عساكر وقلت لهم: أنا (أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم) أسأله أن يقف لكم (فأدركته) عليه الصلاة والسلام (فحدّثته الحديث) الذي وقع (فقال لي):

(أبقي معكم شيء منه)؟ بهمزة الاستفهام (قلت: نعم) يا رسول الله (فقال) صلى الله عليه وسلم: (كلوا فهو طعم) بضم الطاء وسكون العين المهملتين (أطعمكموها الله) ولأبي ذر عن المستملي: أطعمكموه الله بتذكير الضمير.

‌12 - باب

قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} وَقَالَ عُمَرُ: صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ، وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الطَّافِي حَلَالٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ مَيْتَتُهُ، إِلَاّ مَا قَذِرْتَ مِنْهَا وَالْجِرِّيُّ لَا تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ، وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ وَقَالَ شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَمَّا الطَّيْرُ فَأَرَى أَنْ يَذْبَحَهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ صَيْدُ الأَنْهَارِ وَقِلَاتِ السَّيْلِ أَصَيْدُ بَحْرٍ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ تَلَا {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} وَرَكِبَ الْحَسَنُ عليه السلام عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلَابِ الْمَاءِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لأَطْعَمْتُهُمْ. وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمُرِي: ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ.

(باب قول

ص: 266

الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر} ) [المائدة: 96] المراد بالبحر جميع المياه.

(وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه مما وصله المؤلّف في تاريخه وعبد بن حميد (صيده ما اصطيد) بكسر الطاء وتضم كما في اليونينية (وطعامه ما رمى به) ولفظ الموصول فصيده ما صيد وطعامه ما قذف به اهـ.

(وقال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه مما وصله ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما (الطافي) بغير همز في اليونينية من طفا يطفوا إذا علا الماء ميتًا (حلال. وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله الطبري في قوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} قال: (طعامه ميتته إلا ما قذرت منها) بكسر الذال المعجمة، ولأبي ذر عن الكشميهني: منه بالتذكير وليس في الموصول إلا ما قذرت منها، وجميع ما يصاد من البحر ثلاثة أجناس الحيتان وجميع أنواعها حلال والضفادع وجميع أنواعها حرام، واختلف فيما سوى هذين فقال أبو حنيفة حرام وقال الأكثرون: حلال لعموم هذه الآية {وطعامه} في الآية بمعنى الإطعام أي اسم مصدر وتقدير المفعول حينئذٍ محذوفًا أي طعامكم إياه أنفسكم، ويجوز أن يكون الصيد بمعنى المصيد والهاء في طعامه تعود على البحر على هذا أي أحل لكم مصيد البحر وطعام البحر فالطعام على هذا غير الصيد، وعلى هذا ففيه وجوه: أحسنها ما سبق عن عمر وأبي بكر أن الصيد ما صيد بالحيلة حال حياته والطعام ما رمى به البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة، ويجوز أن تعود الهاء على الصيد لمعنى المصيد وهو أن يكون طعام بمعنى مطعوم ويدل له قراءة ابن عباس وطعمه بضم الطاء وسكون العين.

وقال ابن عباس فيما وصله ابن أبي شيبة: (والجرّي) بكسر الجيم والراء والتحتية المشدّدتين

وبفتح الجيم والجريت بمثناة فوقية بعد التحتية ضرب من السمك يشبه الحيات وقيل سمك لا قشر له، وقيل نوع عريض الوسط دقيق الطرفين (لا تأكله اليهود ونحن نأكله) لأنه حلال اتفاقًا وهو قول أبي بكر وعمر وابن عباس.

(وقال شريح صاحب النبي صلى الله عليه وسلم): بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة مصغرًا، وللأصيلي أبو شريح والصواب إسقاط أبو كما للكافة والمؤلّف في تاريخه وأبي عمر بن عبد البرّ والقاضي عياض في مشارقه، وقال الفربري: وكذا في أصل البخاري وكذا هو عند أبي عليّ الغساني شريح قال: وهو الصواب، والحديث محفوظ لشريح لا لأبي شريح، وفي الصحابة أيضًا أبو شريح الخزاعي أخرج له مسلم، وقال العلاّمة اليونيني مما رأيته في حاشية الفرع في أصل السماع أبو شريح على الوهم كما عند الحافظ أبي محمد الأصيلي ونبهنا شيخنا الحافظ أبو محمد المنذري في حواشيه على كتاب ابن طاهر أنه شريح اسم لا كنية اهـ.

وقال في الإصابة: شريح بن أبي شريح الحجازي. قال البخاري وأبو حاتم: له صحبة، وروى البخاري في تاريخه الكبير من طريق عمرو بن دينار وأبي الزبير سمعًا شريحًا رجلًا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل شيء في البحر مذبوح وعلقه في الصحيح، ورواه الدارقطني وأبو نعيم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن شريح وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه مرفوعًا، والمحفوظ عن ابن جريج موقوف أيضًا أشار إلى ذلك أبو نعيم اهـ.

وقول القاضي عياض في مشارقه: وهو شريح بن هانئ أبو هانئ، تعقبه الحافظ ابن حجر كما رأيته بخط شيخنا الحافظ أبي الخير السخاوي بأن الصواب أنه غيره وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع وشريح بن هانئ لأبيه صحبة وأما هو فله إدراك ولم يثبت له سماع ولا لقي، وأما شريح المعلق عنه فقد صرح البخاري بصحبته هـ.

ورأيت في الإصابة شريح بن هانئ أبو المقدام أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إلا بعده وفد أبوه على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أكبر ولده فقال شريح: فقال: أنت أبو شريح وكان قبل ذلك يكنى أبا الحكم.

وهذا التعليق وصله المؤلّف في تاريخه وابن منده في المعرفة من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي

ص: 267

الزبير سمعا شريحًا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل شيء في البحر) من دوابه (مذبوح) أي حلال كالمذكى، وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار سمعت شيخًا كبيرًا يحلف بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم، وأخرج الدارقطني من حديث عبد الله بن سرجس بسند فيه ضعف رفعه: إن الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم.

(وقال عطاء): هو ابن أبي رباح مما وصله ابن منده في كتاب الصحابة (أما الطير فأرى أن يذبحه. وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز مما وصله عبد الرزاق في تفسيره (قلت لعطاء)

أي ابن أبي رباح المذكور (صيد الأنهار و) صيد (قلات السيل) بكسر القاف وتخفيف اللام آخره مثناة فوقية جمع قلت نقرة في صخرة يستنقع فيها الماء ومراده ما ساق السيل من الماء وبقي في الغدير وفيه حيتان (أصيد بحر هو)؟ فيجوز أكله (قال: نعم) يجوز أكله، وسقط لأبي ذر لفظ هو (ثم تلا) عطاء قوله تعالى:({هذا عذب فرات}) شديد العذوبة ({سائغ شرابه}) مريء سهل الانحدار لعذوبته وبه يرتفع شرابه وثبت {سائغ شرابه} لأبي ذر ({وهذا ملح أجاج}) شديد الملوحة وقيل هو الذي يحرق بملوحته ({ومن كل}) ومن كل واحد منهما ({تأكلون لحمًا طريًّا})[فاطر: 12] وهو السمك.

(وركب الحسن) بفتح الحاء ابن علي بن أبي طالب عليه السلام ورضي الله عنه وعن أبيه (على سرج) متخذ (من جلود كلاب الماء) لأنها طاهرة يجوز أكلها لدخولها في عموم السمك وكذا ما لم يشبه السمك المشهور كالخنزير والفرس. وفي عجائب المخلوقات أن كلب الماء حيوان يداه أطول من رجليه يلطخ بدنه بالطين ليحسبه التمساح طينًا ثم يدخل جوفه فيقطع أمعاءه ويأكلها ويمزق بطنه.

(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (لو أن أهلي أكلوا الضفادع) جمع ضفدع بكسر أوّله وفتحه وضمه مع كسر ثالثه وفتحه في الأول وكسره في الثاني وفتحه في الثالث (لأطعمتهم) منها.

(ولم ير الحسن) البصري -رحمه الله تعالى- (بالسلحفاة) بضم السين وسكون الحاء المهملتين بينهما لام مفتوحة وبعد الفاء ألف فهاء تأنيث أي لم ير بأكلها (بأسًا) وهذا وصله ابن أبي شيبة، وقال سفيان الثوري: أرجو أن لا يكون بالسرطان بأس وظاهر الآية حجة لمن قال بإباحة جميع حيوانات البحر وكذلك حديث "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وجملة حيوان الماء على قسمين سمك وغيره، فأما السمك فميتته حلال مع اختلاف أنواعها ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب، وعند أبي حنيفة لا يحل إلا أن يموت بسبب من وقوع على حجر أو انحسار ماء عنه فيحل لحديث أبي الزبير عن جابر عند أبي داود:"ما ألقاه البحر أو جزز عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه" لكنه مطعون فيه من جهة يحيى بن سليم لسوء حفظه وصحح كونه موقوفًا، وحينئذ فقد عارضه قول أبي بكر وغيره والقياس يقتضي حلّه لأن السمك لو مات في البرّ لأكل بغير تأويل، وأما غير السمك فقسمان: قسم يعيش في البرّ كالضفدع والسرطان والسلحفاة فلا يحل أكله وقسم يعيش في الماء ولا يعيش في البرّ إلا عيش المذبوح فاختلف فيه فقيل: لا يحل منه شيء إلا السمك وهو قول أبي حنيفة، وقيل: إن ميت الكل حلال لأن كلها سمك وإن اختلفت صورتها كالجري وهو قول مالك وظاهر مذهب الشافعي وذهب قوم إلى أن ما له نظير في البرّ يؤكل فميتته من حيوانات البحر حلال وهو كبقر الماء ونحوه وما لا يؤكل نظيره في البر لا تحل ميتته من حيوانات البحر ككلب الماء والخنزير وكذا حمار الوحش، وإن كان له شبه في البر حلال وهو حمار الوحش لأن له شبهًا حرامًا وهو الحمار الأهلي تغليبًا للتحريم، كذا قال في الروضة

وشرح المهذب، والمفتي به حل الجميع إلا السرطان والضفدع والتمساح والسلحفاة لخبث لحمها وللنهي عن قتل الضفدع رواه أبو داود وصححه الحاكم، وقد ذكر الأطباء أن الضفدع نوعان: بري وبحري فالبري يقتل آكله والبحري يضره وكذا يحرم القرش في البحر الملح خلافًا لما

ص: 268

أفتى به المحب الطبري وأما الدنيلس فقيل إن أصله السرطان، فإن ثبت حرم وإلاّ فيحل لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه ولم يأت على تحريمه دليل وقد قال جبريل بن يختيشوع: إنه ينفع من رطوبة المعدة والاستسقاء.

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله البيهقي: (كل) أمر من الأكل (من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي) بالجرّ في الثلاثة وللأصيلي وإن صاده نصراني أو يهودي أو مجوسي برفعها على الفاعلية، وقال الحسن البصري فيما نقله عنه الدميري: رأيت سبعين صحابيًّا يأكلون صيد المجوس ولا يتلجلج في صدورهم شيء من ذلك.

(وقال أبو الدرداء) عويمر بن مالك الأنصاري (في المري) بضم الميم وسكون الراء بعدها تحتية وفي النهاية بتشديد الراء، ولكن جزم النووي بالأول، ونقل الجواليقي في لحن العامة أنهم يحركون الراء والأصل السكون، والذي في القاموس التشديد، وعبارته والمرّي كدرّي أدام كالكامخ وفي الصحاح، والمري الذي يؤتدم به كأنه منسوب إلى المرارة والعامة تخففه قال وأنشدني أبو الغوث:

وأم مثواي لباخية

وعندها المريّ والكامخ

والمري هو أن يجعل في الخمر الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير عن طعم الخمر فيغلب السمك بما أضيف إليه على ضراوة الخمر ويزيل ما فيه من الشدة مع تأثير الشمس في تخليله والقصد منه هضم الطعام وربما يزاد ما فيه حرافة ليزيد في جلاء المعدة واستدعاء الطعام بحرافته، وكان أبو الدرداء وجماعة من الصحابة يأكلونه وهو رأي من يجوّز تخليل الخمر، وهو قول جماعة، واحتج له أبو الدرداء بقوله:(ذبح الخمر النينان والشمس) بفتح الذال المعجمة والموحدة بصيغة الفعل الماضي، والخمر مفعول مقدم على الفاعل لأن التنازع والكلام كان فيها والعرب تقدّم الأهمّ فالأهم، والنينان والشمس فاعلان له، والنينان بكسر النون الأولى جمع نون كعود وعيدان وهو الحوت، وقال القاضيان البيضاوي وعياض: ويروى ذبح الخمر بسكون الموحدة والرفع مبتدأ أو إضافته لتاليه فيجر. قال في النهاية: استعار الذبح للإحلال كأنه يقول كما أن الذبح يحلّ المذبوح فكذلك هذه الأشياء إذا وضعت في الخمر قامت مقام الذبح فاحتلها، وقال البيضاوي: يريد أنها حلّت بالحوت المطروح فيها وطبخها بالشمس فكان ذلك كالذكاة للحيوان، وقال غيره معنى ذبحتها أبطلت فعلها.

وأخرج الحافظ أبو موسى في جزء أفرده لهذه المسألة بسنده عن عطية بن قيس، قال: مرّ رجل من أصحاب أبي الدرداء رضي الله عنه ورجل يتغذى فدعاه إلى طعامه فقال: وما طعامك؟

قال: خبز ومري وزيت. قال: المري الذي يصنع من الخمر؟ قال: نعم، قال: هو خمر فتواعدا إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فسألاه فقال: ذبحت خمرها الشمس والملح والحيتان يقول لا بأس به. وعن ابن وهب سمعت مالكًا يقول: سمعت ابن شهاب سئل عن خمر جعلت في قلة وجعل فيها ملح وأخلاط كثيرة ثم جعلت في الشمس حتى عاد مريًّا يصطبغ به. قال ابن شهاب: شهدت قبيصة بن ذؤيب ينهى أن يجعل الخمر مريًّا إذا أخذ وهو خمر، وعن رجليه مولاة معاوية قالت: حججنا مع عبد الله بن أبي زكريا فأهدى عبد الله بن أبي زكريا لعمر بن عبد العزيز المري الذي يصنع بالخمر فأكل منه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: في المري الذي يعمله المشركون من الخمر لا بأس به ذبحه الملح.

فإن قلت: ما وجه إيراد المؤلّف لهذا الأثر هنا في طهارة صيد البحر؟ أجيب: بأنه يريد أن السمك طاهر حلال وإن طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح حتى يصير الحرام النجس بإضافتها إليه طاهرًا حلالًا، وهذا إنما يتأتى على القول بجواز تخليل الخمر. وقال الحافظ أبو ذر مما رأيته بهامش اليونينية: إذا طرحت النينان في الخمر ذبحته وحركته فصار مريًّا، وكذلك إذا ترك للشمس، وهذا خلاف مذهب الشافعي، والبخاري -رحمه الله تعالى- لم يتحرّ مذهب إمام بعينه بل اعتمد على ما صحّ عنده من الحديث ثم أكده

ص: 269

بالآثار.

5493 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن دينار (أنه سمع جابرًا) الأنصاري (رضي الله عنه يقول: غزونا جيش الخبط) بفتح الخاء المعجمة والموحدة بعدها مهملة ورق السلم سمي به لأنهم أكلوه من الجوع وذلك سنة ثمان (وأمر) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولابن عساكر وأميرنا (أبو عبيدة) عامر بن عبد الله بن الجراح ولأبي ذر وأمر مبنيًّا للمفعول أيضًا علينا أبو عبيدة بزيادة علينا (فجعنا جوعًا شديدًا فألقى البحر) لنا (حوتًا ميتًا لم ير) بتحتية مضمومة (مثله) بالرفع ولأبي ذر ولم نر بنون مفتوحة مثله بالنصب أي لم نر مثله في الكبر (يقال له العنبر) وهو سمكة بحرية يتخذ من جلدها الأتراس، ويقال للترس عنبر وسمي هذا الحوت بالعنبر لوجوده في جوفه. قال إمامنا الشافعي رحمه الله: حدّثني بعضهم أنه ركب البحر فوقع إلى جزيرة فنظر إلى شجرة مثل عنق الشاة وإذا ثمرها عنبر قال: فتركناه حتى يكبر ثم نأخذه فهبت ريح فألقته في البحر. قال الشافعي: والسمك ودواب البحر تبتلعه أول ما يقع لأنه لين فإذا ابتلعه قلما تسلم إلا قتلها لفرط الحرارة التي فيه فإذا أخذ الصياد السمكة وجده في بطنها

فيقدر أنه منها وإنما هو ثمر نبت (فأكلنا منه) من الحوت (نصف شهر فأخذ أبو عبيدة) بن الجراح (عظمًا من عظامه فمرّ الراكب تحته).

5494 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَمِائَةِ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ: فَأَكَلْنَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا بِوَدَكِهِ حَتَّى صَلَحَتْ أَجْسَامُنَا، قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ. وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (قال: سمعت جابرًا) رضي الله عنه (يقول: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة راكب) فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه (وأميرنا أبو عبيدة) بن الجراح (نرصد عير قريش) بكسر العين المهملة إبلًا تحمل طعامًا لهم. وعند ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدًا.

واستشكل هذا بما في حديث الباب إذ ظاهره المغايرة. وأجيب: بأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرًا لقريش ويقصدون حيًّا من جهينة وحينئذ فلا مغايرة بينهما.

(فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط) بفتحتين ورق السلم وفي رواية أبي الزبير عند مسلم: وكنا نضرب بعصينا الخيط ثم نبله بالماء فنأكله (فسمي جيش الخيط وألقى) إلينا (البحر) لما انتهينا إلى ساحله (حوتًا يقال له العنبر) طوله خمسون ذراعًا يقال له بالة، وفي رواية ابن جريج السابقة في هذا الباب حوتًا ميتًا (فأكلنا) منه (نصف شهر). وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر في المغازي ثماني عشرة ليلة، وفي رواية أبي الزبير عند مسلم فأقمنا عليه شهرًا ويجمع بين ذلك بأن الذي قال ثماني عشرة ضبط ما لم يضبطه غيره ومن قال: نصف شهر ألغى الكسر وهو ثلاثة أيام، ومن قال شهرًا جبر الكسر وضم بقية المدّة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها، ورجح النووي رواية أبي الزبير لما فيها من الزيادة (وادّهنا بودكه) بفتح الواو والدال المهملة أي شحمه (حتى صلحت) بفتح الصاد واللام (أجسامنا) ولأبي الزبير: فلقد رأيتنا نغترف من وقب عينيه بالقلال الدهن ونقتطع منه الفدر كالثور والوقب بفتح الواو وسكون القاف بعدها موحدة النقرة التي فيها الحدقة، والفدر بكسر الفاء وسكون الدال جمع فدرة بفتح ثم سكون القطعة من اللحم وغيره. وفي رواية الخولاني عن جابر عند ابن أبي عاصم في الأطعمة وحملنا ما شئنا من قديد وودك في الأسقية والغرائر، وفي رواية أبي الزبير عند المؤلّف في المغازي أنهم ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا رزقًا أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بعضو

منه فأكله وبهذا تتم الدلالة لجواز أكل ميتة البحر من هذا الحديث وإلاّ فمجرد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة قد يقال إنه للاضطرار، وقد تبين بهذه

ص: 270

الزيادة أن جهة كونها حلالًا ليست بسبب الاضطرار بل لكونها من صيد البحر ويستفاد منه إباحة ميتة البحر سواء مات بنفسه أو بالاصطياد.

(قال) جابر (فأخذ أبو عبيدة) بن الجراح (ضلعًا) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام (من أضلاعه) من أضلاع الحوت (فنصبه فمرّ الراكب تحته) وفي المغازي ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر برحلة فرحت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما وفي أخرى فيها فعمد إلى أطول رجل معه فمرّ تحته (وكان فينا رجل) هو قيس بن سعد بن عبادة (فلما اشتدّ) بنا (الجوع نحر ثلاث جزائر) جمع جزور قال في الفتح: وفيه نظر فإن جزائر جمع جزيرة والجزور إنما يجمع على جُزُر بضمتين فلعله جمع الجمع. وقال في القاموس: والجزور الناقة المجزرة الجمع جزائر وجزر وجزورات (ثم) جاعوا بعد أكلها فنحر (ثلاث جزائر) وكان قيس اشترى الجزر من أعرابي جهني كل جزور بوسق من تمر يوفيه إياه بالمدينة (ثم نهاه أبو عبيدة) عن النحر بسؤال عمر لأبي عبيدة في ذلك.

وبقية قصة قيس مع أبيه لما قدم المدينة أشرت إليها في المغازي مختصرة من حديث رويته في الغيلانيات.

‌13 - باب أَكْلِ الْجَرَادِ

(باب) جواز (أكل الجراد).

قال أهل اللغة فيما نقله الدميري: مشتق من الجرد قالوا: والاشتقاق في أسماء الأجناس قليل جدًّا وهو بري وبحري وبعضه أصفر وبعضه أبيض وبعضه أحمر وبعضه كبير الجثة وبعضه صغيرها، وإذا أراد أن يبيض التمس لبيضه المواضع الصلدة والصخور الصلبة التي لا يعمل فيه المعول فيضربها بذنبه فتنفرج له ثم يلقي بيضه في ذلك الصدع فيكون له كالأفحوص ويكون حاضنًا له ومربيًّا، وللجرادة ستة أرجل يدان في صدرها وقائمتان في وسطها ورجلان في مؤخرها وطرفًا رجليها منشاران، قال: وفي الجراد خلقة عشرة من جبابرة الحيوان وجه فرس وعينا فيل وعنق ثور وقرنا أيل، وصدر أسد وبطن عقرب وجناحا نسر وفخذا جملا ورجلا نعامة وذنب حية، وليس في الحيوان أكثر إفسادًا لما يقتاته الإنسان من الجراد، وقد أحسن القاضي محيي الذين الشهرزوري في وصف الجراد بذلك حيث قال:

لها فخذا بكر وساقا نعامة

وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم

حبتها أفاعي الرمل بطنًا وأنعمت

عليها جياد الخيل بالرأس والفم

قال الأصمعي: أتيت البادية فإذا أعرابي زرع برًّا له فلما قام على سوقه وجاد بسنبله أتاه رجل جراد فجعل الرجل ينظر إليه ولا يعرف كيف الحيلة فأنشد:

مرّ الجراد على زرعي فقلت له

لا تأكلن ولا تشغل بإفساد

فقام منهم خطيب فوق سنبلة

أنا على سفر لا بد من زاد

ولعابه على الأشجار لا يقع على شيء إلاّ أحرقه.

5495 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَوْ سِتًّا كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ. قَالَ سُفْيَانُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى سَبْعَ غَزَوَاتٍ.

وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي يعفور) بفتح التحتية وسكون المهملة وضم الفاء وبعد الواو راء منصرفًا اسمه وفدان بفتح الواو وسكن الفاء بعدها دال مهملة فألف فنون وقيل وافد هو الأكبر لا الأصغر عبد الرحمن بن عبيد لأن الأصغر كما قال ابن أبي حاتم لم يسمع من ابن أبي أوفى بخلاف الأكبر كما (قال: سمعت ابن أبي أوفى) عبد الله (رضي الله عنهما قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستًّا) بالشك. قال في الفتح: من شعبة (كنا نأكل معه) صلى الله عليه وسلم (الجراد) وزاد أبو نعيم في الطب ويأكله معنا وقد نقل النووي الإجماع على حل أكل الجراد وخصه ابن العربي بغير جراد الأندلس لما فيه من الضرر المحض. وفي حديث سلمان عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجراد فقل: لا آكله ولا أحرّمه لكن الصواب أنه مرسل، وعن أحمد إذا قتله البرد لم يؤكل وملخص مذهب مالك إن قطعت رأسه حلّ

ص: 271

به} [الأنعام: 145] وأجمع المسلمون على أنّه لا يفسق آكل ذبيحة المسلم التارك للتسمية، وأيضًا قوله:{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} فإن هذه المناظرة كانت في الميتة كما مرّ، وقال تعالى:{وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} وهذا مخصوص بما ذبح على اسم النصب يعني لو رضيتم بهذه الذبيحة التي ذبحت على اسم إلهية الأوثان لقد رضيتم بإلهيتها وذلك يوجب الشرك. قال إمامنا الشافعي رحمه الله: فأوّل الآية وإن كان عامًّا بحسب الصيغة إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة علمنا أن المراد

من العموم الخصوص، وقال صاحب فتوح الغيب -رحمه الله تعالى-: والمجادلة هي قولهم لم لا تأكلون ما قتله الله وتأكلون ما قتلتموه أنتم وذلك أنما يصح في الميتة فدخل بقوله: {وإنه لفسق} ما أهل لغير الله فيه. وبقوله: {وإن الشياطين ليوحون} الميتة فتحقق قول الشافعي رحمه الله أن النهي مخصوص بما ذبح على النصب أو مات حتف أنفه، واختلف في قوله:{وإنه لفسق} فقيل جملة مستأنفة قالوا ولا يجوز أن تكون منسوقة على سابقتها لأن الأولى طلبية وهذه خبرية، وقيل إنها منسوقة على السابقة ولا يضر تخالفهما وهو مذهب سيبويه، وقيل إنها حالية أي لا تأكلوه والحال أنه فسق.

قال في اللباب: وقد تبجح الرازي بهذا الوجه على الحنفية حيث قلب دليلهم عليهم بهذا الوجه وذلك لأنهم يمنعون من أكل متروك التسمية والشافعية لا يمنعون منه استدلّ الحنفية بظاهر الآية فقال الرازي هذه الجملة حالية ولا يجوز أن تكون معطوفة لتخالفهما طلبًا وخبرًا فتعين أن تكون حالية وإذا كانت حالية كان المعنى لا تأكلوه حال كونه فسقًا ثم هذا الفسق مجمل فسره الله تعالى في موضع آخر فقال: {أو فسقًا أهلّ لغير الله به} يعنى أنه إذا ذكر غير اسم الله على الذبيحة فإنه لا يجوز أكلها لأنه فسق، وقد يجاب بأن يقال سلمنا إن ما أهلّ لغير الله به يكون فسقًا ونحن نقول به ولا يلزم من ذلك أنه إذا لم يذكر اسم الله عليه ولا اسم غيره أن يكون حرامًا وللنزاع فيه مجال من وجوه: منها إنّا لا نسلم امتناع عطف الخبر على الطلب والعكس كما مرّ عن سيبويه، وإن سلم قالوا وللاستناف وما بعدها مستأنف، وإن سلم أيضًا فلا نسلم أن فسقًا في الآية الأخرى مبين للفسق في هذه الآية فإن هذا ليس من باب المجمل والمبين لأن له شروطًا ليس موجودة هنا وسقط قوله ليجادلوكم إلى آخره لأبي ذر.

5498 -

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» . قَالَ: وَقَالَ جَدِّي إِنَّا لَنَرْجُو أَوْ نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ:«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَمَّا السِّنُّ عَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» .

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي البصريّ قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة بن رافع) بفتح العين والموحدة المخففة بعدها تحتية ورفاعة بكسر الراء وتخفيف

الفاء وبعد الألف عين مهملة الأنصاري (عن جدّه رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد التحتية جيم، وقال أبو الاحوص عن سعيد عن عباية عن أبيه عن جدّه وتابع أبا الأحوص على زيادته في الإسناد عن أبيه حسان بن إبراهيم الكرمانيّ عن مسعود بن مسروق أخرجه البيهقي من طريقه وكذا رواه ليث بن أبي سليم عن عباية عن أبيه عن جدّه أنه (قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة) من الأسماء المركبة تركيب إضافة فيعرب الأوّل بوجوده الإعراب والثاني مجرور على الإضافة كأبي هريرة وزاد سفيان الثوري عن أبيه من تهامة وهو مكان بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة كما جزم به أبو بكر الحازمي وياقوت ووقع للقابسي أنها الميقات المشهور وكذا ذكره النووي (فأصاب الناس جوع فأصبنا إبلًا وغنمًا) من المغانم (وكان النبي صلى الله عليه وسلم) كائنًا (في أُخريات الناس) آخرهم ليصونهم ويحفظهم إذ لو تقدّمهم لخيف أن يقتطع الضعيف منهم وكان بالمؤمنين رحيمًا (فعجلوا) من الجوع الذي كان بهم وذبحوا ما غنموه قبل القسمة (فنصبوا القدور) ووضعوا ما ذبحوه فيها وفي رواية الثوري فأغلوا

ص: 274

القدور أي أوقدوا النار تحتها حتى غلت (فدفع) بضم الدال مبنيًّا للمفعول أي وصل (إليهم النبي صلى الله عليه وسلم) ولأبي ذر هنا إليهم ومقتضاه سقوط إليهم الأولى (فأمر) صلى الله عليه وسلم (بالقدور) أن تكفأ (فأكفئت) بضم الهمزة وسكون الكاف. قال ابن فرحون: أي فأمر رجلًا بكفء القدور ولأن أمر يتعدى إلى مفعول به إلى الثاني بالباء ويكون الثاني مصدرًا أو مقدرًا بمصدر تقول أمرتك الخير وأمرتك بالخير وتقول أمرتك بزيد ولا تقول أمرتك زيدًا لأن التقدير أمرتك بإكرام زيد أو بضرب زيد فيحذف المصدر ويقام المضاف إليه مقامه، وكذلك جاء هنا فلا يجوز فأمر القدور إلا بتقدير مضاف أي بكفء القدور فالباء الداخلة على المصدر به حذفه دخلت على القائم مقامه قال: وهذا الذي ظهر لي من التقدير ما وقفت عليه لكن وجدت القواعد تسوق إليه انتهى.

وقوله: فأكفئت أي فقلبت وأفرغ ما فيها أي من المرق كما قاله النووي عقوبة لهم قال: وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع وردّ إلى المغنم ولا يظن أنه أمر بإتلافه مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وهذا من مال الغانمين وأيضًا فالجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة فإن منهم من لم يطبخ ومنهم المستحقون للخمس. فإن قيل: إنه لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم قلنا ولم ينقل أنهم أحرقوه أو أتلفوه فيجب تأويله على وفق القواعد انتهى.

لكن في حديث عاصم بن كليب عن أبيه وله صحبة عن رجل من الأنصار قال: أصاب الناس حاجة شديدة وجهد فأصابوا غنمًا فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي بها إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: "إن النهبة ليست بأحل من الميتة" رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم، وترك تسمية الصحابي لا يضرّ ولا يقال لا يلزم من تتريب اللحم إتلافه لا مكان تداركه بالغسل لأن سياق الحديث يُشعِر بإرادة المبالغة في الزجر عن ذلك وهو كونهم انتهبوا ولم يأخذوا باعتدال فلو كان بصدد أن ينتفع به بعد ذلك لم يكن فيه كبير

زجر لأن الذي يخص الواحد منهم نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وحاجتهم إليها وشهوتهم لها أبلغ في الزجر قاله في الفتح وغيره.

(ثم قسم) صلى الله عليه وسلم (فعدل) أي قابل (عشرة) ولأبي ذر عشرًا (من الغنم ببعير) لنفاسة الإبل إذ ذاك أو قلتها وكثرة الغنم أو كانت هزيلة بحيث كان قيمة البعير عشر شياه وحينئذٍ فلا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي من أن البعير يجزىء عن سبع شياه لأن ذلك هو الغالب في قيمة الشاة والبعير العتدلين، فالأصل أن البعير لسبعة ما لم يعرض عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بحسب ذلك وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك (فند) بفتح الفاء والنون وتشديد الدال فنفر وذهب على وجهه شاردًّا (منها) من الإبل المقسومة (بعير) والفاء عاطفة على السابق (وكان في القوم خيل يسيرة) قال ذلك تمهيدًا لعذرهم في كون البعير الذي ندّ أتعبهم ولم يقدروا على تحصيله (فطلبوه) بفاء العطف والسبب (فأعياهم) فأتعبهم والفاء للعطف على محذوف أي طلبوه ففاتهم ولم يقدروا على تحصيله (فأهوى إليه رجل) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه أي قصد نحوه ورماه (بسهم فحبسه الله) بالسهم لم جعل إصابة السهم له سببًا في وقوفه فهو عز وجل خالق الأسباب والمسببات (فقال النبي صلى الله عليه وسلم):

(إن لهذه البهائم) جمع بهيمة قال: في القاموس كل ذات أربع قوائم وفي رواية الثوري وشعبة إن لهذه الإبل (أوابد) بفتح الهمزة والواو وكسر الموحدة بعدها دال مهملة أي توحشًا ونفرة من الإنس (كأوابد الوحش) وأوابد لا ينصرف لأنه على صيغة منتهى المجموع والكاف يجوز أن تكون اسمًا صفة لأوابد يكون ما بعد الكاف مضافًا إليه أو الكاف حرف جرّ وتاليه مجرور به أي إن لهذه البهائم أوابد كائنة كأوابد الوحش وإنما انصرف أوابد الثاني لأنه أضيف (فما ندّ)

ص: 275