الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ لَمْ يُثْخِنْهُ الْأَوَّلُ أَكَلَ وَهُوَ لِلثَّانِي.
كِتَابُ الذَّبَائِحِ
وَالذَّكَاةُ اخْتِيَارِيَّةٌ، وَهِيَ الذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ. وَاضْطِرَارِيَّةٌ، وَهِيَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ اتَّفَقَ؛ وَشَرْطُهُمَا التَّسْمِيَةُ، وَكَوْنُ الذَابِحِ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بَرَاحًا وَهُوَ مَعِيبٌ بِالْجِرَاحَةِ، وَالْقِيمَةُ تَجِبُ عِنْدَ الْإِتْلَافِ.
قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يُثْخِنْهُ الْأَوَّلُ أُكِلَ) لِأَنَّهُ صَيْدٌ عَلَى حَالِهِ (وَهُوَ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» .
[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]
وَهُوَ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ، وَالذَّبِيحَةُ: الْمَذْبُوحَةُ، وَكَذَلِكَ الذَّبْحُ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] ، وَالذَّبْحُ مَصْدَرُ ذَبَحَ يَذْبَحُ، وَهُوَ الذَّكَاةُ أَيْضًا، قَالَ - تَعَالَى -:{إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] أَيْ ذَبَحْتُمْ.
(وَالذَّكَاةُ) نَوْعَانِ: (اخْتِيَارِيَّةٌ، وَهِيَ الذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ» أَيْ مَوْضِعُ الذَّكَاةِ، وَهِيَ قَطْعُ عُرُوقٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى مَا يَأْتِيكَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
قَالَ: (وَاضْطِرَارِيَّةٌ: وَهِيَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ اتَّفَقَ) ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَذَلِكَ مِثْلَ الصَّيْدِ وَالْبَعِيرِ النَّادِّ، فَلَوْ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْجُرْحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ أُقِيمَ مَقَامَ الذَّبْحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الذَّبْحِ لِلْحَاجَةِ، وَالْبَقْرُ وَالْبَعِيرُ لَوْ نَدَّا فِي الصَّحْرَاءِ أَوِ الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَوْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهَا، أَمَّا الْبَقَرُ وَالْبَعِيرُ فَرُبَّمَا عَضَّهُ الْبَعِيرُ وَنَطَحَهُ الْبَقَرُ فَتَحَقَّقَ الْعَجْزُ فِيهَا، وَالْمُتَرَدِّي فِي بِئْرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَكَاتِهِ فِي الْعُرُوقِ كَالصَّيْدِ إِذْ لَا يُتَوَهَّمُ مَوْتُهُ بِالْمَاءِ.
قَالَ: (وَشَرْطُهُمَا التَّسْمِيَةُ، وَكَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا) أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وَالْمُرَادُ حَالَةُ النَّحْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] أَيْ سَقَطَتْ بَعْدَ النَّحْرِ، وَمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ فِي الصَّيْدِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ:«فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ» ، فَلَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا لَا تَحِلُّ ; لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، وَلَمْ يُنْقَلْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ عَنِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا، فَالْقَوْلُ بِإِبَاحَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْكِتَابِيُّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنَ النُّصُوصِ مِنْهَا أَمْرٌ بِالتَّسْمِيَةِ، وَمِنْهَا جَعْلُهَا شَرْطًا لِحِلِّ الْأَكْلِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ
فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا حَلَّ، وَإِنْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَسْمِيَةِ لَمْ تُؤْكَلْ، وَإِنْ ذَبَحَ بِشَفْرَةٍ أُخْرَى أُكِلَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - اسْمَ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْمَتْرُوكِ عَامِدًا، وَأَمَّا كَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي طَعَامِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ {حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِي الْمَجُوسِ:«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» ; فَدَلَّ عَلَى حِلِّ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ سَمَّى النَّصْرَانِيُّ الْمَسِيحَ وَسَمِعَهُ الْمُسْلِمُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَهُوَ يَعْنِي الْمَسِيحَ يَأْكُلُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبُطُهَا وَيَقْدِرُ عَلَى الذَّبْحِ، فَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَالصَّبِيِّ إِذَا قَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ، وَالْمُرْتَدُّ لَا مِلَّةَ لَهُ فَلَا تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُ، وَيَجُوزُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ ; لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ لَهُ فَحِلُّهُ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالتَّسْمِيَةِ.
قَالَ: (فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا حَلَّ) ; لِأَنَّ فِي تَحْرِيمِهِ حَرَجًا عَظِيمًا ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَخْلُو عَنِ النِّسْيَانِ فَكَانَ فِي اعْتِبَارِهِ حَرَجٌ. وَسُئِلَ عليه الصلاة والسلام عَمَّنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، فَقَالَ:«اسْمُ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ كُلِّ مُسْلِمٍ» ، وَلِأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِمَا نَسِيَهُ بِالْحَدِيثِ فَلَمْ يَتْرُكْ فَرْضًا عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْعَامِدِ.
قَالَ: (وَإِنْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَمْ تُؤْكَلْ، وَإِنْ ذَبَحَ بِشَفْرَةٍ أُخْرَى أَكَلَ) ، وَلَوْ أَخَذَ سَهْمًا وَسَمَّى ثُمَّ وَضَعَهُ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُسَمِّ لَا يَحِلُّ، وَلَوْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ حَلَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّبْحِ مَشْرُوطَةٌ عَلَى الذَّبِيحَةِ، قَالَ - تَعَالَى -:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] فَإِذَا تَبَدَّلَتِ الذَّبِيحَةُ ارْتَفَعَ حُكْمُ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا، وَفِي الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ التَّسْمِيَةِ مَشْرُوطَةٌ عَلَى الْآلَةِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» ، وَقَالَ:«فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ» ، فَمَا لَمْ تَتَبَدَّلِ الْآلَةُ فَالتَّسْمِيَةُ بَاقِيَةٌ، وَإِذَا تَبَدَّلَتِ ارْتَفَعَ حُكْمُهَا فَاحْتَاجَ إِلَى تَسْمِيَةٍ أُخْرَى.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - اسْمَ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) ; لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ، فَإِذَا ذُكِرَ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَعَ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَأَمَّا إِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا بِهِ أَوْ مَفْصُولًا، فَإِنْ فَصَلَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ أَوْ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ أَوْ بَعْدَ الذَّبِيحَةِ ; لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الذَّبِيحَةِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ: " اللَّهْمَ تَقَبَّلْ هَذِهِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِيَ بِالْبَلَاغِ» ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَعْطُوفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا حُرِّمَتْ ; لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بِأَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ، أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ، أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَلَوْ رَفَعَهَا لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ
وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَإِنْ عَكَسَ فَذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ كُرِهَ وَيُؤْكَلُ. وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَكَاةِ: الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ، فَإِنْ قَطَعَهَا حَلَّ الْأَكْلُ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً (س) مِنْهَا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مُسْتَأْنَفٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالذَّبِيحَةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا غَيْرَ مَعْطُوفٍ بِأَنْ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْطِفُ لَمْ تُوجَدِ الشَّرِكَةُ فَيَقَعُ الذَّبْحُ خَالِصًا لِلَّهِ - تَعَالَى - إِلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ; لِأَنَّهُ صُورَةُ الْمُحَرَّمِ مِنْ حَيْثُ الْقِرَانِ فِي الذِّكْرِ، وَلَوْ قَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، وَلَوْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ، يَنْوِي التَّسْمِيَةَ حَلَّ، وَالْمَنْقُولُ الْمُتَوَارَثُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَ الذَّبْحِ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَكَذَا فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَوْلَهُ:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] .
قَالَ: (وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَإِنْ عَكَسَ فَذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ كُرِهَ وَيُؤْكَلُ) قَالَ - تَعَالَى -: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، قَالُوا: الْمُرَادُ نَحْرُ الْجَزُورِ. وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، وَقَالَ:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] . وَالذَّبْحُ: مَا يُذْبَحُ وَكَانَ كَبْشًا، وَهُوَ الْمُتَوَارَثُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَإِنَّمَا كُرِهَ إِذَا عَكَسَ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ، وَيُؤْكَلُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِلِّ وَهُوَ قَطْعُ الْعُرُوقِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ.
قَالَ: (وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ: الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ)، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: الذَّكَاةُ فِي الْأَوْدَاجِ: وَالْأَوْدَاجُ أَرْبَعَةٌ: الْحُلْقُومُ، وَالْمَرِيءُ، وَالْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْتَ» ، وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ فَيَتَنَاوَلُ ثَلَاثَةً، وَهُوَ الْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ، وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ فَثَبَتَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ اقْتِضَاءً، (فَإِنْ قَطَعَهَا حَلَّ الْأَكْلُ) لِوُجُودِ الذَّكَاةِ، (وَكَذَلِكَ إِذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْهَا) أَيَّ ثَلَاثَةٍ كَانَتْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عِرْقٍ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَحَمَلَ الْكَرْخِيُّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَهَا حَلَّ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا. لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَمْرَ وَرَدَ بِفَرْيِ الْعُرُوقِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مُنْفَصِلٌ عَنِ الْبَاقِينَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ أَكْثَرُهُ فَكَأَنَّهُ قَطَعَهُ إِقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْأَكْثَرِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ مَا يَخْرُجُ بِقَطْعِ جَمِيعِهِ، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ يُبْقِي الْيَسِيرَ مِنَ الْعُرُوقِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقْصَدُ بِقَطْعِهِ غَيْرُ مَا يُقْصَدُ بِقَطْعِ الْآخَرِ، فَإِنَّ الْحُلْقُومَ مَجْرَى النَّفَسِ، وَالْمَرِيءَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالْوَدَجَيْنِ مَجْرَى الدَّمِ، فَإِذَا قَطَعَ أَحَدَ الْوَدَجَيْنِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِقَطْعِهِمَا، وَإِذَا تَرَكَ الْحُلْقُومَ أَوِ الْمَرِيءَ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ قَطْعِهِ بِقَطْعِ مَا سِوَاهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي الْأُصُولِ، فَبِقَطْعِ أَيِّ حَادِثٍ كَانَ حَصَلَ قَطْعُ الْأَكْثَرِ،
وَيَجُوزُ الذَبْحُ بِكُلِّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ، إِلَّا السِّنَّ الْقَائِمَةَ وَالظُّفُرَ الْقَائِمَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحِدَّ شَفْرَتَهُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْلُغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ، أَوْ يَقْطَعَ الرَّأْسَ وَتُؤْكَلُ، وَيُكْرَهُ سَلْخُهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ، وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنَ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ اخْتِيَارِيَّةٌ، وَمَا تَوَحَّشَ مِنَ النَّعَمِ فَاضْطِرَارِيَّةٌ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَهُوَ إِنْهَارُ الدَّمِ وَالتَّسْبِيبُ إِلَى إِزْهَاقِ الرُّوحِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ مَجْرَى النَّفَسِ وَالطَّعَامِ، وَالدَّمُ يَجْرِي بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِهِ تَحَرُّزًا عَنْ زِيَادَةِ التَّعْذِيبِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِكُلِّ مَا أَفَرَى الْأَوْدَاجَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ، إِلَّا السِّنَّ الْقَائِمَةَ وَالظُّفْرَ الْقَائِمَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْتَ وَكُلْ» ، وَقَوْلُهُ:«أَنْهِرِ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«كُلُّ مَا أَنَهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ، مَا خَلَا السِنَّ وَالظُّفُرَ فَإِنَّهُمَا مُدَى الْحَبَشَةِ» ، وَالْحَبَشَةُ كَانُوا يَذْبَحُونَ بِهِمَا قَائِمَيْنِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِهِمَا قَائِمَيْنِ يَحْصُلُ بِقُوَّةِ الْآدَمِيِّ وَثِقَلِهِ فَأَشْبَهَ الْمُنْخَنِقَةَ، وَلَوْ ذَبَحَ بِهِمَا مَنْزُوعَيْنِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَيُكْرَهُ. أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِجُزْءِ الْآدَمِيِّ وَأَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ إِنْهَارُ الدَّمِ وَقَطْعُ الْأَوْدَاجِ. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْبُوحَ بِهِمَا قَائِمَيْنِ مَيْتَةٌ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ نَصًّا، وَمَا لَا يَجِدُ فِيهِ نَصًّا يَتَحَرَّى فَيَقُولُ فِي الْحِلِّ لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي الْحُرْمَةِ لَا يُؤْكَلُ أَوْ يُكْرَهُ.
قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحِدَّ شَفْرَتَهُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» ، وَرَأَى عليه الصلاة والسلام «رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ: هَلَا حَدَدْتَهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا؟»
قَالَ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْلُغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ أَوْ يَقْطَعَ الرَّأْسَ وَتُؤْكَلُ) وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ ; لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام: «نَهَى أَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ إِذَا ذُبِحَتْ» ، وَفَسَّرُوهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةُ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَيُؤْكَلُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهُوَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ فَلَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ سَلْخُهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ) أَيْ يَسْكُنَ اضْطِرَابُهَا، وَكَذَا يُكْرَهُ كَسْرُ عُنُقِهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأَلُّمِ الْحَيَوَانِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا أَلَمَ فَلَا يُكْرَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:«أَلَا لَا تَنْخَعُوا الذَّبِيحَةَ حَتَّى تَجِبَ» أَيْ لَا تَقْطَعُوا رَقَبَتَهَا وَتَفْصِلُوهَا حَتَّى تَسْكُنَ حَرَكَتُهَا، وَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قَفَاهَا إِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعِرْقِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِدُونِ الذَّكَاةِ، وَإِنْ قُطِعَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ حَلَّتْ لِأَنَّهَا مَاتَتْ بِالذَّكَاةِ، كَمَا إِذَا جَرَحَهَا ثُمَّ ذَبَحَهَا، إِلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ فِعْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْأَلَمِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ.
قَالَ: (وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنَ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ اخْتِيَارِيَّةٌ) لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهَا (وَمَا تَوَحَّشَ مِنَ النَّعَمِ فَاضْطِرَارِيَّةٌ) لِلْعَجْزِ عَنِ الِاخْتِيَارِيَّةِ.