الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمُ الْمُلَاصِقُونَ (سم)، وَالْأَصْهَارُ: كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَالْأُخْتَانِ: زَوْجُ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَالْأَهْلُ: الزَّوْجَةُ (سم) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ وَمَا لَا يَمْلِكُ فَيَصِحُّ فِيمَا يَمْلِكُ وَتَبْطُلُ فِي الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ فَلَا يَكُونُ مُزَاحِمًا. أَمَّا الْوَارِثُ أَهْلٌ حَتَّى يَصِحَّ بِإِجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ فَيَصْلُحُ مُزَاحِمًا.
[فصل الوصية للجيران والأصهار والأختان والأهل]
فَصْلٌ (وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمُ الْمُلَاصِقُونَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُجَاوَرَةِ، وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» وَالْمُرَادُ الْمُلَازِقُ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ. وَقَالَا: الْمُلَاصِقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ تِلْكَ السِّكَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا عُرْفًا، يُقَالُ: جَارٌ مُلَاصِقٌ وَغَيْرُ مُلَاصِقٍ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ» ، وَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلِأَنَّ قَصْدَهُ الْبِرُّ، وَهُوَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَعَمُّ إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمْ، وَذَلِكَ بِاتِّحَادِ الْمَسْجِدِ وَالْمَالِكِ وَالسَّاكِنِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ ; لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِ يَتَنَاوَلُهُمْ.
قَالَ: (وَالْأَصْهَارُ: كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام أَعْتَقَ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَتِهِ صَفِيَّةَ» ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ ; لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الصِّهْرِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَبَقَاؤُهَا بِبَقَاءِ النِّكَاحِ.
قَالَ: (وَالْأَخْتَانُ: زَوْجُ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ الْجَمِيعَ. وَمِنْ كَلَامِهِمْ: نِعْمَ الْخَتَنُ الْقَبْرُ. وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اخْتِلَافٌ فِي الْأَصْهَارِ وَالْأَخْتَانِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَالْعُرْفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْحُكْمُ بِهِ.
قَالَ: (وَالْأَهْلُ: الزَّوْجَةُ) وَعِنْدَهُمَا كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ وَتَجْمَعُهُ نَفَقَتُهُ وَمَنْزِلُهُ مِنَ الْأَحْرَارِ دُونَ الرَّقِيقِ، وَإِنْ كَانَ يَعُولُهُ وَلَيْسَ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَدْخُلُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ. قَالَ - تَعَالَى -:{وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَا ذَكَرْنَا، يُقَالُ: تَأَهَّلَ فُلَانٌ بِبَلَدِ كَذَا إِذَا تَزَوَّجَ بِهَا، وَانْصِرَافُ الْفَهْمِ إِلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ. وَقَالَ - تَعَالَى -:
وَالْآلُ: أَهْلُ بَيْتِهِ، وَأَهْلُ نَسَبِهِ: مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَجِنْسُهُ: أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ، وَإِنْ أَوْصَى لِأَقْرِبَائِهِ، أَوْ لِذَوِي قَرَابَتِهِ، أَوْ لِأَرْحَامِهِ، أَوْ لِذَوِي أَرْحَامِهِ، أَوْ لِأَنْسَابِهِ فَهُمُ اثْنَانِ (سم) فَصَاعِدًا مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ غَيْرِ الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ، وَفِي الْجَدِّ رِوَايَتَانِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
{قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا} [القصص: 29] أَيْ لِزَوْجَتِهِ، وَقَالَ - تَعَالَى -:{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] أَيْ زَوْجَتِهِ بِنْتِ شُعَيْبٍ عليه السلام.
قَالَ: (وَالْآلُ: أَهْلُ بَيْتِهِ) لِأَنَّ آلَ فُلَانٍ قَبِيلَتُهُ الَّتِي يُنْسَبُ إِلَيْهَا. وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهِ أَبُوهُ وَجَدُّهُ ; لِأَنَّ الْأَبَ أَصْلُ الْبَيْتِ.
قَالَ: (وَأَهْلُ نَسَبِهِ: مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ) لِأَنَّ النَّسَبَ إِلَى الْآبَاءِ.
قَالَ: (وَجِنْسُهُ: أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ) لِأَنَّ الشَّخْصَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ، فَابْنُ التُّرْكِيِّ تُرْكِيٌّ، وَابْنُ الْهِنْدِيِّ هِنْدِيٌّ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ وَالنَّسَبِ وَالْجِنْسِ وَالْآلِ أَقْرِبَاؤُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ إِلَى أَقْصَى جَدٍّ يَجْمَعُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ ; لِأَنَّ اسْمَ الْقَرَابَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا، وَالْوَصِيَّةُ لِلْغَنِيِّ الْقَرِيبِ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ صِلَةُ الرَّحِمِ.
قَالَ: (وَإِنْ أَوْصَى لِأَقْرِبَائِهِ أَوْ لِذَوِي قَرَابَتِهِ، أَوْ لِأَرْحَامِهِ، أَوْ لِذَوِي أَرْحَامِهِ، أَوْ لِأَنْسَابِهِ فَهُمُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، غَيْرِ الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ، وَفِي الْجَدِّ رِوَايَتَانِ) وَقَالَ: يَسْتَحِقُّهُ الْوَاحِدُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَحْرَمُ وَغَيْرُ الْمَحْرَمِ وَالْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ إِلَى كُلِّ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَنْتَظِمُ الْكُلَّ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] صَعِدَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام الصَّفَا وَقَالَ: يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ حَتَّى دَعَا قَبَائِلَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» ، فَدَلَّ أَنَّ الْقَرَابَةَ تَتَنَاوَلُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ. وَقَوْلُهُمَا إِلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَالْعَبَّاسِيِّ وَالْعَلَوِيِّ يَدْخُلُ فِي وَصِيَّتِهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعَبَّاسِ وَإِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنهما ; لِأَنَّ الْجَدَّ الْمُسْلِمَ صَارَ هُوَ الْبَيْتُ وَشَرُفُوا بِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَوْلَهُ لِذَوِي قَرَابَتِي اسْمُ جَمْعٍ، وَالْمُثَنَّى جَمْعٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ الِاجْتِمَاعِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الصِّلَةُ فَتَخْتَصُّ بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَالنَّفَقَةِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِلْإِطْلَاقِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ. قَالَ - تَعَالَى -:{لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْوَالِدُ قَرِيبًا لِلْوَلَدِ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ قَرِيبًا لَهُ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَقْرِبَاءَ ; لِأَنَّ الْقَرِيبَ لُغَةً: مَنْ يَتَقَرَّبُ إِلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ، وَتَكُونُ الْجُزْئِيَّةُ بَيْنَهُمَا مُنْعَدِمَةً، وَتُقَرِّبُ الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ، وَالْجَدُّ وَالْحَفَدَةُ الْجُزْئِيَّةُ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ وَارِثًا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ لِلْوَارِثِ.
وَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ فَلِلْعَمِّ النِّصْفُ وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ (سم) ، وَفِي عَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ الْكُلُّ لِلْعَمَّيْنِ (سم) ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ (سم) وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالٌ فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ سَوَاءٌ، وَإِنْ قَالَ لِذِي قَرَابَتِهِ أَوْ ذِي نَسَبِهِ فَكَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ بَطَلَتِ (سم) الْوَصِيَّةُ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَهُوَ أَبُو قَبِيلَةٍ كَبَنِي تَمِيمٍ فَهِيَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا.
(فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ فَلِلْعَمِّ النِّصْفُ وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ) وَقَالَا: بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا.
(وَفِي عَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ الْكُلُّ لِلْعَمَّيْنِ) وَعِنْدَهُمَا بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا. لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، فَلَا يَرِثُ الْخَالُ مَعَ الْعَمَّيْنِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِلْعَمِّ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّثْنِيَةِ لِمَا مَرَّ عِنْدَهُ فَبَقِيَ الْبَاقِي لِلْخَالَيْنِ. وَلَهُمَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَ الْقَرِيبِ يَتَنَاوَلُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ عَلَى مَا مَرَّ.
قَالَ: (وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ) عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا جَمِيعُهُ.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالٌ فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقَرَابَةِ وَهِيَ أَقْوَى مِنَ الْخُئُولَةِ وَالْعَمَّةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً تَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ بِلَفْظِ الْقَرَابَةِ، كَمَا إِذَا كَانَ الْقَرِيبُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا.
قَالَ: (وَإِنْ قَالَ لِذِي قَرَابَتِهِ أَوْ ذِي نَسَبِهِ فَكَذَلِكَ) الْخِلَافُ.
(إِلَّا أَنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ) بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ لَفْظَ ذِي فَرْدٍ فَيَسْتَحِقُّهُ الْوَاحِدُ، فَفِي مَسْأَلَةِ الْعَمِّ وَالْخَالَيْنِ يَسْتَحِقُّ الْعَمُّ الْجَمِيعَ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ قَالَ لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَنْسَابِهِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ يَسْتَحِقُّ الْوَاحِدُ الْجَمِيعَ إِذَا انْفَرَدَ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ خَرَجَ تَفْسِيرًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَقْرَبُ اسْمُ فَرْدٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَيَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْأَبْعَدِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَقْرَبِ، وَلَا يَأْخُذُ مَعَهُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ.
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْأَصْلُ مَا مَرَّ.
قَالَ: (أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَهُوَ أَبُو قَبِيلَةٍ كَبَنِي تَمِيمٍ فَهِيَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصُونَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ وَصِيَّةٍ يُحْصَى عَدَدُ أَهْلِهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَهِيَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فَهِيَ سَوَاءٌ، وَيَدْخُلُ فِيهَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ ; لِأَنَّ الْحَقَّ يَجُوزُ إِثْبَاتُهُ لِمُعَيَّنٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ إِلَيْهِ مُمْكِنٌ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى التَّخْصِيصِ فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا غَنِيٌّ كَقَوْلِهِ: فُقَرَاءُ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ مَسَاكِينُهُمْ فَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَالْفُقَرَاءُ مَصَارِفُهَا.
وَإِنْ كَانَ أَبَا صُلْبٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلذُكُورِ (سم) خَاصَّةً، وَلَوْ أَوْصَى لِأَيْتَامِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ عُمْيَانِهِمْ أَوْ زَمْنَاهُمْ أَوْ أَرَامِلِهِمْ وَهُمْ يُحْصَوْنَ فَهِيَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَلِلْفُقَرَاءِ خَاصَّةً.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ يَقَعُ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ، كَقَوْلِهِ لِبَنِي تَمِيمٍ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْعِبَادِ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا لِجَمِيعِ بَنِي تَمِيمٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا لِلْبَعْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَبَطَلَتْ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى. الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ، لَكِنْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ اللَّفْظُ فِي ذَوِي الْحَاجَةِ كَقَوْلِهِ، يَتَامَى بَنِي تَمِيمٍ، أَوْ عُمْيَانِ بَنِي تَمِيمٍ، أَوْ زَمْنَى بَنِي تَمِيمٍ، أَوْ أَرَامِلِ بَنِي تَمِيمٍ، فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَالِاسْمُ يَقَعُ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا ; لِأَنَّهُمْ مُعَيَّنُونَ يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إِلَيْهِمْ فَيَجْرِي اللَّفْظُ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُذَكَّرُ وَيُرَادُ بِهِ غَالِبًا أَهْلُ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ذَكَرَ الْيَتَامَى فِي آيَةِ الْخُمُسِ وَأَرَادَ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ فَوَجَبَ تَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ وَحَمْلُهَا عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ وَالثَّوَابَ فِيهِمْ أَكْثَرُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ غَالِبًا، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ; لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْعَقْدِ لَا يَتَفَضَّلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى كَالِاسْتِحْقَاقِ بِالْبَيْعِ، وَلَوْ قَالَ: لِفُقَرَاءِ بَنِي فُلَانٍ وَهُوَ أَبُو قَبِيلَةٍ لَا يُحْصَوْنَ دَخَلَ مَوَالِيهِمْ فِي الْوَصِيَّةِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَحُلَفَاؤُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا بَنِي أَبٍ لَيْسَ بِقَبِيلَةٍ يُخْتَصُّ بِبَنِي فُلَانٍ مِنَ الْعَرَبِ دُونَ الْمَوَالِي وَالْحُلَفَاءِ ; لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يُحْصَوْا فَالْمُرَادُ بِهَا النِّسْبَةُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْمَوَالِي وَالْحُلَفَاءِ وَإِذَا ذَكَرَ الْبُنُوَّةَ مِمَّنْ يُحْصَوْنَ فَالْمُرَادُ الْأَوْلَادُ دُونَ النِّسْبَةِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ أَبَا صُلْبٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: هُوَ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَطَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فَخِطَابُ الرِّجَالِ يَعُمُّ الْجَمِيعَ كَقَوْلِهِمْ: بَنُو آدَمَ وَبَنُو هَاشِمٍ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ لِلذَّكَرِ خَاصَّةً وَمَا ذَكَرَهُ مَجَازٌ، وَالْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ يُعْطَى وَلَدُ وَلَدِهِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَلَا يَشْتَرِكُ فِي هَذَا النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ، إِنَّمَا هِيَ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً، بِخِلَافِ اسْمِ الْوَلَدِ عَلَى مَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ: (وَلَوْ أَوْصَى لِأَيْتَامِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ عُمْيَانِهِمْ أَوْ زَمْنَاهُمُ أَوْ أَرَامِلِهِمْ وَهُمْ يُحْصَوْنَ فَهِيَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَلِلْفُقَرَاءِ خَاصَّةً) وَقَدْ مَرَّ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَوْصَى لِمُجَاوِرِي مَكَّةَ فَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَيْتَامِ، وَالْيَتِيمُ: كُلُّ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، وَالْأَرْمَلَةُ: كُلُّ امْرَأَةٍ بَالِغَةٍ فَقِيرَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ قَوْلِهِمْ:
أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ قَالَ لِوَلَدِ فُلَانٍ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الِابْنِ فِي الْوَصِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِ الصُّلْبِ، وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَرْمَلَ الْقَوْمُ: إِذَا فَنِيَ زَادُهُمْ، وَيُسَمَّى الذَّكَرُ أَرْمَلًا مَجَازًا، قَالَ:
كُلُّ الْأَرَامِلِ قَدْ قُضِيَتْ حَاجَتُهَا
…
فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ
الْأَيِّمُ: كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَقَدْ جُومِعَتْ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا بَلَغَتْ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ فَقِيرَةً أَوْ غَنِيَّةً، هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله، وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ. الشَّابُّ وَالْفَتَى مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً إِلَى أَنْ يَصِيرَ كَهْلًا ; لِأَنَّهُ مِنْ شَبَّ إِذَا نَمَا وَازْدَادَ وَهُوَ فِي النُّمُوِّ إِلَى أَنْ يَكْتَهِلَ.
وَالْغُلَامُ: مَا لَمْ يَبْلُغْ مِنَ الْغُلْمَةِ وَهِيَ السَّكْرَةُ وَالْغَفْلَةُ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ كَالسَّكْرَانِ فِي لَهْوِهِ وَصِبَاهُ.
وَالْكَهْلُ: مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِذَا خَطَّهُ الشَّيْبُ فَهُوَ شَيْخٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْكَهْلُ مِنْ أَرْبَعِينَ إِلَى خَمْسِينَ إِلَّا إِذَا غَلَبَ الشَّيْبُ فَهُوَ شَيْخٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا بَلَغَ ثَلَاثِينَ وَخَالَطَهُ شَيْبُ فَهُوَ كَهْلٌ، وَإِنْ لَمْ يُخَالِطْهُ فَهُوَ شَابُّ، وَالْعِبْرَةُ لِلشَّيْبِ وَالشَّمَطِ فَإِنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا ذَلِكَ وَأَطْلَقُوا الِاسْمَ عِنْدَ وُجُودِ الْعَلَامَةِ. وَالْكُهُولَةُ مِنَ الِاكْتِهَالِ وَهُوَ الِاكْتِمَالُ، وَمِنْهُ اكْتَهَلَ الزَّرْعُ إِذَا أَدْرَكَ وَابْيَضَّ. وَالشَّيْخُ: مِنْ خَمْسِينَ إِلَى آخِرِ الْعُمْرِ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ إِلَّا بِكِتَابٍ وَحِسَابٍ فَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ لَا يُحْصَوْنَ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُفَوَّضَ الْأَمْرُ إِلَى الْقَاضِي وَهُوَ الْأَحْوَطُ.
قَالَ: (أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) اعْتِبَارًا بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَرَثَةِ دَلَّ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ قَالَ لِوَلَدِ فُلَانٍ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى التَّفْضِيلِ وَاللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ لِأَنَّ الْوَلَدَ اسْمٌ لِجِنْسِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا أَوْ أَكَثَرَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَمْلُ لِأَنَّهُ وُلِدَ حَتَّى وَرِثَ.
(وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ) لِأَنَّ الْوَلَدَ حَقِيقَةً يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الصُّلْبِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَنَاتٌ لِصُلْبِهِ وَبَنُو ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلْبَنَاتِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ.
(وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الِابْنِ فِي الْوَصِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِ الصُّلْبِ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَنْتَظِمُ وَلَدُ الصُّلْبِ حَقِيقَةً وَوَلَدُ الْوَلَدِ مَجَازًا، فَإِذَا تَعَذَّرَتِ الْحَقِيقَةُ صُرِفَ إِلَى الْمَجَازِ تَحَرُّزًا عَنِ التَّعْطِيلِ.
(وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ)
أَوْصَى لِمَوَالِيهِ فَهِيَ لِمَنْ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَلِأَوْلَادِهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ مَوَالِي الْمَوَالِي إِلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمْ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَرَوَى الْخِصَافُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إِذَا أَخَذَ أَمَانًا لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ لَمْ يُدْخُلْ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْخَصَّافِ أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إِلَى أَبَوَيْهِ حَقِيقَةً وَيُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ مَجَازًا، فَإِذَا نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ أَبِ أَبِيهِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ مَجَازًا، فَكَذَلِكَ يُنْسَبُ إِلَى أَبِ أُمِّهِ، وَلِأَنَّ عِيسَى عليه السلام يُقَالُ لَهُ ابْنُ آدَمَ وَلَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ أُمِّهِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يُنْسَبُونَ إِلَى أَبِيهِمْ.
قَالَ:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا
…
بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
وَإِذَا نُسِبُوا إِلَى آبَائِهِمْ لَمْ يُنْسَبُوا إِلَى أَبِ الْأُمِّ فَلَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] ، وَلَوْ كَانَ وَلَدُ الْبِنْتِ يُنْسَبُ إِلَيْهِ لَكَانَ أَبًا لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما.
قَالَ: (أَوْصَى لِمَوَالِيهِ فَهِيَ لِمَنْ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَلِأَوْلَادِهِمْ) مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَاسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فِيهِ، وَأَوْلَادُهُمْ أَيْضًا يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ بِالْوَلَاءِ الْمُعَلَّقِ بِالْعِتْقِ فَيَدْخُلُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُدَبَّرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لَا يَدْخُلُونَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ لِأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الْحُرِّيَّةَ بِسَبَبٍ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَنُسِبُوا إِلَى الْوَلَاءِ كَالْمُعْتَقِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ وَهَؤُلَاءِ يُعْتَقُونَ عَقِيبَ الْمَوْتِ، وَيَثْبُتُ لَهُمُ الْوَلَاءُ بَعْدَهُ، فَحَالَ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ لَمْ يَكُونُوا مَوَالِيَ فَلَا يَدْخُلُونَ فِيهَا. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ لَمْ أَضْرِبْكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ ضَرْبِهِ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنِ الضَّرْبِ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَسْتَحِقُّ اسْمَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ الْمَوْتِ فَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَأَمَّا مَوَالِي الْمُوَالَاةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا كَانَ الْمُوصِي مِنَ الْعَرَبِ وَلَهُ مَوَالِي عَتَاقَةٍ وَمَوَالِي مُوَالَاةٍ، فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْكُلَّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: الْوَصِيَّةُ لِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَأَوْلَادِهِمْ دُونَ مَوَالِي الْمُوَالَاةِ ; لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ بِالْعِتْقِ، وَوَلَاءَ الْمُوَالَاةِ بِالْعَقْدِ فَهُمَا مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ، وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَلْزَمُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ هُمْ وَالْآبَاءُ إِلَيْهِ بِوَلَاءٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: (وَلَا يَدْخُلُ مَوَالِي الْمَوَالِي إِلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَوَالِي غَيْرِهِ حَقِيقَةً، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ، فَإِنَّ الْمَوَالِيَ حَقِيقَةً الَّذِينَ أُوقِعَ عَلَيْهِمُ الْعِتْقُ، وَمَوَالِي الْمَوَالِي يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ مَجَازًا، فَلَا يَتَنَاوَلُهُمُ الِاسْمُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَوَالِي حَقِيقَةً لِمَا مَرَّ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَوْلَيَانِ فَالثُّلُثُ لَهُمَا ; لِأَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ فِي الْوَصَايَا يُحْمَلُ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِمَا مَرَّ.
فِإِنْ كَانَ لَهُ مَوْلًى وَاحِدٌ وَمَوْلَى مُوَالَاةٍ فَالنِّصْفُ لِمَوْلَاهُ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ أَعْتَقُوهُ وَمَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ لَهُ مَوْلًى وَاحِدٌ وَمَوْلَى مُوَالَاةٍ فَالنِّصْفُ لِمَوْلَاهُ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، فَيَسْتَحِقُّ الْوَاحِدُ النِّصْفَ وَيَسْقُطُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَيُصْرَفُ إِلَى الْوَرَثَةِ، وَنَظِيرُهُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَلَدِ وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ وَوَلَدُ وَلَدٍ، فَلِلصُّلْبيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَالْعِلَّةُ مَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ أَعْتَقُوهُ وَمَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْمَوَالِي يَتَنَاوَلُهُمَا وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَنْعَمَ وَالْآخَرَ أُنْعِمَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَرِطَ لَا يَنْتَظِمُ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَبَقِيَ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولًا.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَتَكُونُ لِلْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَنْتَظِمُهُمَا وَلَا يَدْخُلُ مَوَالِي أَبِيهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَدْخُلُونَ لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ حُكْمًا حَتَّى يَرِثَهُمْ بِالْوَلَاءِ فَدَخَلُوا تَحْتَ الِاسْمِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُمْ فَلَا يَكُونُونَ مَوَالِيَهُ حَقِيقَةً وَلَمْ يُنْسَبُوا إِلَيْهِ بِالْوَلَاءِ، بِخِلَافِ ابْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إِلَيْهِ بِالْوَلَاءِ بِوَاسِطَةِ أَبِيهِ وَإِنَّمَا يَرِثُهُمْ بِالْعُصُوبَةِ لَا بِالْوَلَاءِ، بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إِلَيْهِ بِالْوَلَاءِ.
1 -
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ وَصِيٌّ بَاعَ ضَيْعَةً لِلْيَتِيمِ مِنْ مُفْلِسٍ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ وَإِلَّا فَسَخَ الْبَيْعَ نَظَرًا لِلْيَتِيمِ.
أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِأَنْ يَضَعَ ثُلُثَ مَالِهِ حَيْثُ أَحَبَّ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ الْمُوصِي فَيَجْرِي عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَعْطِهِ مَنْ شِئْتَ لَا يُعْطِي نَفْسَهُ ; لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِأَخْذِ غَيْرِهِ، وَالدَّفْعُ وَالْأَخْذُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنَ الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ نَفْسِهِ.
وَلَوْ قَالَ: تَصَدَّقْ عَنِّي بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ عَلَى عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فَتَصَدَّقَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ، أَوْ قَالَ تَصَدَّقْ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَتَصَدَّقَ عَلَى عَشَرَةٍ جَازَ ; لِأَنَّ الصَّدَقَةَ قُرْبَةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَالْمَسَاكِينُ مَصَارِفُ الزَّكَاةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ أَوْ يَهْدِي عَنْهُ هَذِهِ الْبَدَنَةِ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقِيمَةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا دَفْعُ الْقِيَمِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَتَّخِذَ طَعَامًا لِلنَّاسِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيُطْعِمَ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ التَّعْزِيَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَجُوزُ مِنَ الثُّلُثِ لِلَّذِينَ يَحْضُرُونَ التَّعْزِيَةَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَيَطُولُ مَقَامُهُمْ عِنْدَهُ، وَالْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ سَوَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَطُولُ مَقَامُهُ، وَإِنْ فَعَلَ الْوَصِيُّ مِنَ الطَّعَامِ شَيْئًا كَثِيرًا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ