الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَنْفِ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ وَالْعَقْلِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ، وَبَعْضِهِ إِذَا مُنِعَ الْكَلَامُ، وَالصُّلْبُ إِذَا مُنِعَ الْجِمَاعُ، أَوِ انْقَطَعَ مَاؤُهُ أَوِ احْدَوْدَبَ، وَكَذَا إِذَا أَفْضَاهَا فَلَمْ تَسْتَمْسِكِ الْبَوْلَ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ مُسْتَأْمَنَيْنِ جَاءَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَسَاهُمَا وَحَمَلَهُمَا وَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَقِيَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فَقَتَلَهُمَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَمَانِهِمَا، فَوَدَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام بِدِيَتَيْ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ» .
[فصل في النفس الدية]
فَصْلٌ (وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ) لِمَا رُوِّينَا، وَالْمُرَادُ نَفْسُ الْحُرِّ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْوَضِيعُ وَالشَّرِيفُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْحُرْمَةِ وَالْعِصْمَةِ وَكَمَالِ الْأَحْوَالِ فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ فِي الْأَنْفِ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ وَالْعَقْلِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ، وَبَعْضِهِ إِذَا مُنِعَ الْكَلَامُ، وَالصُّلْبُ إِذَا مُنِعَ الْجِمَاعُ، أَوِ انْقَطَعَ مَاؤُهُ، أَوِ احْدَوْدَبَ، وَكَذَا إِذَا أَفَضَاهَا فَلَمْ تَسْتَمْسِكِ الْبَوْلَ) .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ أَوْ أَذْهَبَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ أَصْلًا تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً ; لِأَنَّ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ إِتْلَافٌ لِلنَّفْسِ مَعْنًى فِي حَقِّ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ ; لِأَنَّ قِيَامَ النَّفْسِ مَعْنًى بِقِيَامِ مَنَافِعِهَا، فَكَانَ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ كَتَفْوِيتِ الْحَيَاةِ، وَالْجَمَالُ مَقْصُودٌ فِي الْحَيَوَانَاتِ كَالْمَنْفَعَةِ، وَلِهَذَا تَزْدَادُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكِ بِالْجَمَالِ، وَتَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ إِنَّمَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا لِلْآدَمِيِّ وَشَرَفُهُ بِالْجَمَالِ كَشَرَفِهِ بِالْمَنَافِعِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» ، وَهَكَذَا كَتَبَ عليه الصلاة والسلام لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِذَا قُطِعَ الْأَنْفُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ، وَكَذَا الْمَارِنُ وَالْأَرْنَبَةُ وَالْكُلُّ عُضْوٌ وَاحِدٌ، فَلَا يَجِبُ بِقَطْعِ الْكُلِّ إِلَّا دِيَةً وَاحِدَةً، وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْوَطْءِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَرَمْيِ الْمَاءِ وَدَفْقِهِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْعُلُوقِ عَادَةً.
وَأَمَّا الْحَشَفَةُ فَهِيَ الْأَصْلُ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقِ وَالْقَصَبَةُ تَبَعٌ لَهُ. وَأَمَّا الْعَقْلُ فَمَنْفَعَتُهُ أَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ وَبِهِ يَنْتَفِعُ لِدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَمَنَافِعُهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ مَنَافِعُ مَقْصُودَةٌ.
وَعُمَرُ رضي الله عنه قَضَى فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ حَيْثُ ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ، وَفِي قَطْعِ اللِّسَانِ إِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ النُّطْقِ، وَكَذَلِكَ إِذَا زَالَتْ بِقَطْعِ الْبَعْضِ لِوُجُودِ الْمُوجِبِ. وَلَوْ عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْأَكْثَرِ تَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ مَنْفَعَةُ الْكَلَامِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرِهَا فَحُكُومَةُ عَدْلٍ
وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ خَطَأً فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَا فِي الْبَدَنِ اثْنَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَمَا فِيهِ أَرْبَعَةٌ فَفِي أَحَدِهَا رُبُعُ الدِّيَةِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَتُقْسَمُ عَلَى مَفَاصِلِهَا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ لَكِنْ مَعَ خَلَلٍ، وَالْجِمَاعُ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ جَمَّةٌ، فَإِذَا مَاتَ وَجَبَ بِهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَبِانْقِطَاعِ الْمَاءِ يَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ، وَبِالْحَدَبَةِ يَزُولُ الْجَمَالُ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، فَلَوْ زَالَتِ الْحَدَبَةُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ، وَاسْتِمْسَاكُ الْبَوْلِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِزَوَالِهَا.
قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ خَطَأً فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قَالَ: (وَمَا فِي الْبَدَنِ اثْنَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَهِيَ الْأُذُنَانِ وَالْعَيْنَانِ إِذَا ذَهَبَ نُورُهُمَا سَوَاءٌ ذَهَبَتِ الشَّحْمَةُ أَوْ بَقِيَتْ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بِالنُّورِ لَا بِالشَّحْمَةِ، وَاللَّحْيَانِ وَالشَّفَتَانِ وَالْحَاجِبَانِ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَسَمْعُ الْأُذُنَيْنِ وَثَدْيَا الْمَرْأَةِ وَحَلَمَتَاهُمَا ; لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَسْتَمْسِكُ دُونَهُمَا، وَبِفَوَاتِهِمَا تَفُوتُ مَنْفَعَةُ الْإِرْضَاعِ، وَالْأُنْثَيَانِ وَالْأَلْيَتَانِ إِذَا اسْتُؤْصِلَ لَحْمُهُمَا حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى الْوَرِكِ لَحْمٌ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ» ، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ:«وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَفُوتُ بِفَوَاتِهِمَا أَوِ الْجَمَالَ كَامِلًا، وَبِفَوَاتِ أَحَدِهِمَا يَفُوتُ النِّصْفُ. وَإِذَا قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ مَعَ الذَّكَرِ، أَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ أَوَّلًا ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ فَفِيهِمَا دِيَتَانِ ; لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأُنْثَيَيْنِ بَعْدَ قَطْعِ الذَّكَرِ قَائِمَةٌ وَهِيَ إِمْسَاكُ الْمَنْيِ وَالْبَوْلِ، فَإِنْ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ الذَّكَرَ فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ حُكُومَةُ عَدْلٍ ; لِأَنَّ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ صَارَ خَصِيًّا، وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ حُكُومَةٌ وَلِأَنَّهُ اخْتَلَّتْ مَنْفَعَتُهُ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْإِيلَاجِ فَصَارَ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ.
قَالَ: (وَمَا فِيهِ أَرْبَعَةٌ فَفِي أَحَدِهَا رُبْعُ الدِّيَةِ) ، وَهِيَ أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ وَأَهْدَابُهَا ; لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِهِ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ دَفْعُ الْقَذَى عَنِ الْعَيْنِ، فَإِنْ قَطَعَ الْأَشْفَارَ وَحْدَهَا وَلَيْسَ فِيهَا أَهْدَابٌ فَفِيهَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَهْدَابُ، وَإِنْ قَطَعَهَا مَعًا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْأَنْفِ.
قَالَ: (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ) يَعْنِي مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ» وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، وَفِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشْرٌ فَيُقْسَمُ عَلَيْهَا.
(وَتُقْسَمُ) دِيَةُ الْأُصْبُعِ.
(عَلَى مَفَاصِلِهَا) فَمَا فِيهَا مَفْصِلَانِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَتِهَا، وَمَا فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُهَا اعْتِبَارًا بِانْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى أَصَابِعِهَا.
وَالْكَفُّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ، وَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، فَإِنْ قَلَعَهَا فَنَبَتَتْ أُخْرَى مَكَانَهَا سَقَطَ الْأَرْشُ، وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ إِذَا حُلِقَ فَلَمْ يَنْبُتِ الدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ اللِّحْيَةُ وَالْحَاجِبَانِ وَالْأَهْدَابُ، وَفِي الْيَدِ إِذَا شُلَّتْ، وَالْعَيْنِ إِذَا ذَهَبَ ضَوْؤُهَا الدِّيَةُ، وَفِي الشَّارِبِ، وَلِحْيَةِ الْكَوْسَجِ، وَثَدْيِ الرَّجُلِ، وَذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ، وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَالْكَفُّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ) لِأَنَّ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ بِالْأَصَابِعِ وَالدِّيَةِ وَجَبَتْ بِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ.
قَالَ: (وَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ)، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ» ، وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ الثَّنَايَا وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَاسْمِ السِّنِّ، يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ فَيَجِبُ فِي الْأَسْنَانِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ دِيَةٍ ; لِأَنَّ الْأَسْنَانَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا، عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا. وَأَسْنَانُ الْكَوْسَجِ قَالُوا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فَيَجِبُ دِيَةً وَخُمُسَا دِيَةٍ، وَهَذَا غَيْرُ جَارٍ عَلَى قِيَاسِ الْأَعْضَاءِ إِلَّا أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهَا إِلَى النَّصِّ.
قَالَ: (فَإِنْ قَلَعَهَا فَنَبَتَتْ أُخْرَى مَكَانَهَا سَقَطَ الْأَرْشُ) لِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَلَوْ أَعَادَ الْمَقْلُوعَةَ إِلَى مَكَانِهَا فَنَبَتَتْ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ وَكَذَلِكَ الْأُذُنُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ، وَالْمَقْلُوعُ لَا يَنْبُتُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِقُ بِالْعُرُوقِ وَالْعَصَبِ فَكَانَ وُجُودُ هَذَا النَّبَاتِ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ قَلَعَهُ إِنْسَانٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوِ اسْوَدَّتِ السِّنُّ مِنَ الضَّرْبَةِ أَوِ احْمَرَّتْ أَوِ اخْضَرَّتْ فَفِيهَا الْأَرْشُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهَا إِذَا اسْوَدَّتْ فَإِنَّهَا تَتَنَاثَرُ وَيَفُوتُ بِذَلِكَ الْجَمَالُ كَامِلًا، وَلَوِ اصْفَرَّتْ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تَذْهَبُ مَنْفَعَتُهَا بَلْ تُوجِبُ نُقْصَانَهَا فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ، وَلَوْ ضَرَبَ سِنًّا فَتَحَرَّكَ يَنْتَظِرُ بِهِ حَوْلًا لِاحْتِمَالٍ أَنَّهَا تَشْتَدُّ، وَإِنْ سَقَطَ أَوْ حَدَثَ فِيهِ صِفَةٌ مِمَّا ذَكَرْنَا وَجَبَ فِيهَا مَا قُلْنَا ; لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ تُعْتَبَرُ فِيهَا حَالُ الِاسْتِقْرَارِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«يُسْتَأْنَ بِالْجِرَاحِ حَتَّى يَبْرَأَ» ، وَلِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ لَا يُعْلَمُ الْوَاجِبُ فَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ.
قَالَ: (وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ إِذَا حُلِقَ فَلَمْ يَنْبُتِ الدِّيَةَ، وَكَذَلِكَ اللِّحْيَةُ وَالْحَاجِبَانِ وَالْأَهْدَابُ) ، أَمَّا الْحَاجِبَانِ وَالْأَهْدَابُ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا اللِّحْيَةُ فَلِأَنَّ فِيهَا جَمَالًا كَامِلًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ مَلَائِكَةَ سَمَاءِ الدُّنْيَا تَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالذَّوَائِبِ» .
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ إِذَا حُلِقَ فَلَمْ يَنْبُتْ دِيَةً كَامِلَةً، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَقُولُ فِي اللِّحْيَةِ: إِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ إِذَا كَانَتْ كَامِلَةً يَتَجَمَّلُ بِهَا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ طَاقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا يُتَجَمَّلُ بِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَفَرِّقَةٍ لَا يُتَجَمَّلُ بِهَا وَلَيْسَتْ مِمَّا تَشِينُ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
قَالَ: (وَفِي الْيَدِ إِذَا شُلَّتْ وَالْعَيْنِ إِذَا ذَهَبَ ضَوْؤُهَا الدِّيَةُ) لِأَنَّهَا إِذَا عَدِمَتِ الْمَنْفَعَةُ فَقَدْ عَدِمَتْ مَعْنًى فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَفِي الشَّارِبِ وَلِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَثَدْيِ الرَّجُلِ وَذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ
وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَالْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ، وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ، وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَعَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ فَفِي الْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الزَّائِدِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَشُلَّتِ الْيُسْرَى فَلَا قِصَاصَ (سم) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَعَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرهِ إِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) ، أَمَّا الشَّارِبُ فَهُوَ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ، وَقَدْ قِيلَ: السُّنَّةُ فِيهَا الْحَلْقُ فَلَمْ يَكُنْ جَمَالًا كَامِلًا، وَلِحْيَةُ الْكَوْسَجِ لَيْسَتْ جَمَالًا كَامِلًا، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِي الشَّعْرِ إِنَّمَا يَجِبُ إِذَا فَسَدَ الْمَنْبَتُ، أَمَّا إِذَا عَادَ فَنَبَتَ كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْوَجْبِ، وَثَدْيُ الرَّجُلِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا جَمَالَ، وَذَكَرُ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَالْيَدُ الشَّلَّاءُ وَلِسَانُ الْأَخْرَسِ وَالْعَيْنُ الْعَوْرَاءُ وَالرِّجْلُ الْعَرْجَاءُ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا جَمَالِ فِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ حُكُومَةُ عَدْلٍ تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَأَعْضَاءُ الصَّبِيِّ إِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهَا وَسَلَامَةُ مَنْفَعَتِهَا لَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِالشَّكِّ وَالسَّلَامَةِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ، وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِكَلَامٍ بَلْ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَصِحَّةُ اللِّسَانِ تُعْرَفُ بِالْكَلَامِ، وَالذَّكَرُ بِالْحَرَكَةِ، وَالْعَيْنُ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى النَّظَرِ، فَإِذَا عُرِفَ صِحَّةُ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْبَالِغِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَفِي شَعْرِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا جَمَالَ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ.
وَلَوْ ضَرَبَ الْأُذُنَ فَيَبِسَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ، وَفِي قَلْعِ الْأَظْفَارِ فَلَمْ تَنْبُتْ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ.
قَالَ: (وَإِذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ فَفِي الْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَفِي الزَّائِدِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا جَمَالَ، وَكَذَلِكَ إِنْ قَطَعَهَا مِنَ الْمِرْفَقِ لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشَلَّتْ أُخْرَى، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَشَلَّتِ الْيُسْرَى فَلَا قِصَاصَ) وَقَالَا: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْأُولَى وَالْأَرْشُ فِي الثَّانِيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إِذَا شَجَّهُ مُوَضَّحَةً فَذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ، وَأَجْمَعُوا لَوْ شَجَّهُ مُوَضَّحَةً فَصَارَتْ مُنَقَّلَةً، أَوْ كَسَرَ سِنَّهُ فَاسْوَدَّ الْبَاقِي، أَوْ قَطَعَ الْكَفَّ فَشُلَّ السَّاعِدُ، أَوْ قَطَعَ إِصْبَعًا فَشُلَّ الْكَفُّ، أَوْ قَطَعَ مَفْصِلًا مِنَ الْأُصْبُعِ فَشُلَّ بَاقِيهَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْكُلِّ.
لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ أَنَّهُ تَعَدَّدَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ سُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي أَحَدِهِمَا سُقُوطُهُ فِي الْآخَرِ، كَمَا إِذَا جَنَى عَلَى عُضْوٍ عَمْدًا وَعَلَى آخَرَ خَطَأً.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جِنَايَتَهُ وَقَعَتْ سَارِيَةً بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَالْمَحَلُّ مُتَّحِدٌ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالِ فَتَعَذَّرَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يُنْبِئُ عَنِ الْمُمَاثَلَةِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْقَطْعُ بِصِفَةِ السَّرَايَةِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ وَجَبَ الْمَالُ كَمَا فِي مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ مَا قَاسَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِسَرَايَةٍ لِلْآخَرِ، وَلَوْ قَطَعَ كَفًّا فِيهَا أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْأَصَابِعِ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ.