المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل ضمان الإنسان فعله] - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٥

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌كِتَابُ الذَّبَائِحِ

- ‌[فصل مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ]

- ‌كِتَابُ الْأُضْحِيَةِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌[فصل يقتل الحر بالحر وبالعبد]

- ‌[فصل الْقصاص في الْأَطْرَافِ]

- ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ

- ‌[فصل في النفس الدية]

- ‌[فصل في أَنْوَاعُ الشِّجَاجِ]

- ‌[فصل من ضرب بطن امرأة]

- ‌[فصل ضَمَانُ الْإِنْسَانِ فِعْلُهُ]

- ‌[فصل جِنَايَةُ الْعَبْدِ]

- ‌بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌بَابُ الْمَعَاقِلِ

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌[فصل ما يجوز الوصية به]

- ‌[فصل أوصى بثلث ماله لرجل وبالسدس لآخر]

- ‌[فصل الوصية للجيران والأصهار والأختان والأهل]

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌فَصْلٌ [فِي الْعَصَبَاتِ]

- ‌[فصل السهام المفروضة]

- ‌[فصل في الحجب]

- ‌[فصل الْعَوْلُ وَأُصُولُ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فصل في الرد على الوارثين]

- ‌[فصل تَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ]

- ‌[فصل مِيرَاثُ الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى]

- ‌[فصل لَا إِرْثَ بِالْأَنْكِحَةِ الْبَاطِلَةِ]

- ‌[فصل مِيرَاثُ الْحَمْلِ]

- ‌[فصل في المناسخات]

- ‌حِسَابُ الْفَرَائِضُ

- ‌[فصل تَصْحِيحُ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فصل المصالحة على التركة]

الفصل: ‌[فصل ضمان الإنسان فعله]

وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ، وَمَا يَجِبُ فِيهِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ، وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا إِنْ كَانَ ذَكَرًا، وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى.

فَصْلٌ وَمَنْ أَخْرَجَ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ رَوْشَنًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ كَنِيفًا أَوْ دُكَّانًا فَلِرَجُلٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ، فَإِنْ سَقَطَ عَلَى إِنْسَانٍ فَعَطِبَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ طَرَفُ الْمِيزَابِ الَذِي فِي الْحَائِطِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الْخَارِجُ ضَمِنَ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَلَمْ يَفْصِلْ وَلَمْ يَسْأَلْ.

قَالَ: (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِجَوَازِ أَنْ لَا حَيَاةَ فِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْغُرَّةِ لَا غَيْرَ، وَالْكَفَّارَاتُ طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ أَوِ الِاتِّفَاقُ.

قَالَ: (وَمَا يَجِبُ فِيهِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ نَفْسِهِ فَيُورَثُ كَالدِّيَةِ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ.

قَالَ: (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا إِنْ كَانَ ذَكَرًا، وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ خَمْسُمِائَةٍ، وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَالدِّيَةُ مِنَ الْحُرَّةِ كَالْقِيمَةِ مِنَ الْعَبْدِ فَيُعْتَبَرُ بِهِ، وَغُرَّةُ الْجَنِينِ فِي مَالِ الضَّارِبِ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَبِيدَ. وَفِي الْفَتَاوَى: مُعْتَدَّةٌ حَامِلٌ احْتَالَتْ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِإِسْقَاطِ الْحَمْلِ فَعَلَيْهَا الْغُرَّةُ لِلزَّوْجِ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ، وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ.

[فصل ضَمَانُ الْإِنْسَانِ فِعْلُهُ]

فَصْلٌ (وَمَنْ أَخْرَجَ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ رَوْشَنًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ كَنِيفًا أَوْ دُكَّانًا فَلِرَجُلٍ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ) لِأَنَّ الْمُرُورَ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ بِأَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ، فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ إِذَا بَنَى فِيهِ أَحَدُهُمْ شَيْئًا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَقْضُهُ كَذَا هَذَا.

قَالَ: (فَإِنْ سَقَطَ عَلَى إِنْسَانٍ فَعَطِبَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِشَغْلِ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَهَوَاهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشَّغْلِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُبَاحًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَبْرَأُ عَنِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وُجِدَتْ مِنْهُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ.

قَالَ: (وَإِنْ أَصَابَهُ طَرَفُ الْمِيزَابِ الَّذِي فِي الْحَائِطِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي السَّبَبِ ; لِأَنَّ طَرَفَهُ الدَّاخِلُ مَوْضُوعٌ فِي مِلْكِهِ.

(وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الْخَارِجُ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ.

ص: 45

وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ أَوْ لَا يُعْلَمُ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ أَحَدٌ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَضِرُّ بِهِ أَحَدٌ يُكْرَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الْغَيْرِ النَافِذِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا بِأَمْرِهِمْ، وَلَوْ وَضَعَ جَمْرًا فِي الطَرِيقِ ضَمِنَ مَا أَحْرَقَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِذَا مَالَ حَائِطُ إِنْسَانٍ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَطَالَبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ أَمْكَنَهُ نَقْضُهُ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

(وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ أَوْ لَا يَعْلَمُ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ إِضَافَةَ الْمَوْتِ إِلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَيُضَافُ إِلَيْهِمَا.

(ثُمَّ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ أَحَدٌ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ الْمُرُورِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَيَجُوزُ.

(وَإِنْ كَانَ يَسْتَضِرُّ بِهِ أَحَدٌ يُكْرَهُ) لِأَنَّ الْإِضْرَارَ بِالنَّاسِ حَرَامٌ عَقْلًا وَشَرْعًا.

قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الْغَيْرِ النَّافِذِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا بِأَمْرِهِمْ) ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ السُّكْنَى كَوَضْعِ الْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ نَظَرًا إِلَى الْعَادَةِ.

قَالَ: (وَلَوْ وَضَعَ جَمْرًا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ مَا أَحْرَقَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) فَإِنْ حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَحْرَقَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمَ رِيحٍ، وَكَذَا صَبُّ الْمَاءِ وَرَبْطُ الدَّابَّةِ وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاتِّخَاذُ الطِّينِ وَوَضْعُ الْمَتَاعِ، وَكَذَا لَوْ قَعَدَ فِي الطَّرِيقِ لِيَسْتَرِيحَ أَوْ ضَعُفَ عَنِ الْمَشْيِ لِإِعْيَاءٍ أَوْ مَرَضٍ فَعَثَرَ بِهِ أَحَدٌ فَمَاتَ وَجَبَتِ الدِّيَةُ لِمَا قُلْنَا: إِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي السَّبَبِ فَصَارَ كَحَافِرِ الْبِئْرِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ عَثَرَ بِذَلِكَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ وَمَاتَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَاضِعِ لَا عَلَى الْعَاثِرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَدِّي فِي السَّبَبِ دُونَ الْعَاثِرِ، وَإِنْ نَحَّى رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَطِبَ بِهِ إِنْسَانٌ ضَمِنَ مَنْ نَحَّاهُ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ بِالتَّنْحِيَةِ شَغَلَ مَكَانًا آخَرَ وَأَزَالَ أَثَرَ فِعْلِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ الثَّانِي هُوَ الْجَانِي فَيَضْمَنُ، وَلَوْ رَشَّ الطَّرِيقَ أَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ ضَمِنَ.

قَالُوا: هَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمَارُّ بِالرَّشِّ بِأَنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ لَيْلًا، وَإِنْ عَلِمَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَرَ بِرُوحِهِ لَمَّا تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ فَكَانَ مُبَاشِرًا لِلتَّلَفِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُسَبِّبِ، وَكَذَا لَوْ تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَى الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الْمَوْضُوعَةِ فَعَثَرَ بِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَاضِعِ، وَقِيلَ: هَذَا إِذَا رَشَّ بَعْضَ الطَّرِيقِ، أَمَّا إِذَا رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْوَاضِعَ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْمُرُورِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاضِعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَمْ يَحْرُمْ بِهِ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ كَحَافِرِ الْبِئْرِ، وَقَدْ مَرَّ.

قَالَ: (وَإِذَا مَالَ حَائِطُ إِنْسَانٍ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَطَالَبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ أَمْكَنَهُ نَقْضُهُ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ ; لِأَنَّ الْمَيَلَانَ وَشُغْلَ الْهَوَاءِ لَيْسَ بِفِعْلِهِ فَلَمْ يُبَاشِرِ الْقَتْلَ وَلَا سَبَبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْهَوَاءَ صَارَ مَشْغُولًا بِحَائِطِهِ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ عَلَى

ص: 46

وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا ابْتِدَاءً فَسَقَطَ ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، وَيَضْمَنُ الرَاكِبُ مَا وَطِئَتِ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِذَنَبِهَا أَوْ رِجْلِهَا،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مَا مَرَّ، فَإِذَا طُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يُفْرَغْ مَعَ الْإِمْكَانِ صَارَ مُتَعَدِّيًا وَقَبْلَ الطَّلَبِ لَمْ يَصِرْ مُتَعَدِّيًا ; لِأَنَّ الْمَيْلَ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَصَارَ كَثَوْبٍ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي حِجْرِهِ فَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ بِالرَّدِّ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ مَعَ الْإِمْكَانِ فَهَلَكَ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنِ اشْتَغَلَ بِهَدْمِهِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَبِ فَسَقَطَ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ التَّعَدِّي مِنْ وَقْتِ الطَّلَبِ، وَلَوْ نَقَضَهُ فَعَثَرَ رَجُلٌ بِالنَّقْضِ ضَمِنَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ لَمْ يُطَالَبْ بِرَفْعِهِ ; لِأَنَّ الطَّرِيقَ صَارَ مَشْغُولًا بِتُرَابِهِ وَنَقْضِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُهُ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُطَالَبْ بِرَفْعِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ، وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ، وَيُطَالَبُ الْمُشْتَرِي بِالْهَدْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ هَدْمِ الْحَائِطِ، وَالْمُطَالَبَةُ إِنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْهَدْمِ حَتَّى لَا تَصِحَّ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُوَدِّعِ، وَيَصِحُّ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ فِكَاكِ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْأُمُّ فِي حَائِطِ الصَّبِيِّ لِقِيَامِ وِلَايَتِهِمْ، وَالضَّمَانِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ ; لِأَنَّ فِعْلَ هَؤُلَاءِ كَفِعْلِهِ.

قَالَ: (وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا ابْتِدَاءً فَسَقَطَ ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبِنَاءِ فِي هَوَاءٍ مُشْتَرَكٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ: (وَيَضْمَنُ الرَّاكِبُ مَا وَطِئَتِ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا) .

اعْلَمْ أَنَّ رُكُوبَ الدَّابَّةِ وَسَيْرَهَا إِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْ سَيْرِهَا وَحَرَكَاتِهَا إِلَّا الْوَطْءَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ، إِلَّا أَنَّ الْوَطْءَ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِهِ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِثِقَلِهِ، وَلِهَذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْوَطْءِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَدْ مَرَّ، وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا جَنَتْ دَابَّتُهُ وَاقِفًا كَانَ أَوْ سَائِرًا وَطْئًا وَنَفْحًا وَكَدْمًا ; لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي السَّبَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِيقَافُهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَا تَسْيِيرُهَا حَتَّى لَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا وَطِئَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ كَدَمَتْ أَوْ صَدَمَتْ أَوْ أَصَابَتْ بِرَأْسِهَا أَوْ خَبَطَتْ.

(وَلَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِذَنَبِهَا أَوْ رِجْلِهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمُرُورَ فِي الطَّرِيقِ عَامٌّ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ; لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا فَكَانَ مُبَاحًا وَفِيهِ حَقُّ الْعَامَّةِ لِكَوْنِهِ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمْ فَقَيَّدْنَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ وَمُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ، وَالْوَطْءُ وَأَخَوَاتُهُ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِكَوْنِهِ بِمَرْأًى مِنْ عَيْنِهِ فَصَحَّ التَّقْيِيدُ فِيهَا، وَالنَّفْحَةُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا حَالَةَ السَّيْرِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ خَلْفِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ، فَإِنْ أَوْقَفَهَا ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ

ص: 47

وَإِنْ رَاثَتْ فِي الطَرِيقِ وَهِيَ تَسِيرُ أَوْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ لَا ضَمَانَ فِيمَا تَلِفَ بِهِ، وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ، وَالْقَائِدُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا دُونَ رِجْلِهَا وَكَذَا السَّائِقُ، وَإِذَا وَطِئَتْ دَابَّةُ الرَاكِبِ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً فَنَخَسَهَا آخَرُ فَأَصَابَتْ رَجُلًا عَلَى الْفَوْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ، وَإِنِ اجْتَمَعَ السَائِقُ وَالْقَائِدُ أَوِ السَّائِقُ وَالرَّاكِبُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

بِأَنْ لَا تَقِفَ.

(وَإِنْ رَاثَتْ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ تَسِيرُ أَوْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ لَا ضَمَانَ فِيمَا تَلَفَ بِهِ) ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا حَالَةُ السَّيْرِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَوْقَفَهَا لِأَنَّ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ لَا يَرُوثُ حَتَّى يَقِفَ.

قَالَ: (وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ) ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ بِتَرْكِ الْإِيقَافِ، وَالرَّدِيفُ كَالرَّاكِبِ لِأَنَّ السَّيْرَ مُضَافٌ إِلَيْهِمَا، وَبَابُ الْمَسْجِدِ كَالطَّرِيقِ فِي الْإِيقَافِ، فَلَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ مَوْضِعًا لِوُقُوفِ الدَّوَابِّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا حَدَثَ بَيْنَ الْوُقُوفِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مِنْ وُقُوفِ الدَّابَّةِ فِي سُوقِ الدَّوَابِّ ; لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ، وَكَذَلِكَ الْفَلَاةُ وَطَرِيقُ مَكَّةَ إِذَا وَقَفَ فِي غَيْرِ الْمَحَجَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِذْنِ. أَمَّا الْمَحَجَّةُ فَهِيَ كَالطَّرِيقِ.

قَالَ: (وَالْقَائِدُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ يَدَهَا دُونَ رِجْلِهَا، وَكَذَلِكَ السَّائِقُ) مَرْوِيُّ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ النَّفْحَةَ، أَمَّا الْقَائِدُ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْوَطْءِ دُونَ النَّفْحَةِ كَالرَّاكِبِ، وَأَمَّا السَّائِقُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنَ الْوَطْءِ أَيْضًا، وَأَمَّا النَّفْحَةُ قِيلَ: لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، إِذْ لَيْسَ عَلَى رِجْلِهَا مَا يَمْنَعُهَا مِنَ النَّفْحِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ لِأَنَّ النَّفْحَةَ تَبِينُ مِنْ عَيْنِهِ فَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ بِإِبْعَادِ النَّاسِ عَنْهَا وَالتَّحْذِيرِ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَائِدُ، وَقَائِدُ الْقِطَارِ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَبْطَهُ وَصِيَانَتَهُ عَنِ الْوَطْءِ وَالصَّدْمَةِ.

قَالَ: (وَإِذَا وَطِئَتْ دَابَّةٌ الرَّاكِبَ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ.

قَالَ: (وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً فَنَخَسَهَا آخَرُ فَأَصَابَتْ رَجُلًا عَلَى الْفَوْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ) ; لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الدَّابَّةِ النَّفْحَةُ وَالْوَثْبَةُ عِنْدَ النَّخْسِ فَكَانَ مُضَافًا إِلَيْهِ، وَالرَّاكِبُ مُضْطَرٌّ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَصِرْ سَيْرُهَا مُضَافًا إِلَيْهِ فَصَارَ النَّاخِسُ هُوَ الْمُسَبِّبُ، وَلَوْ سَقَطَ الرَّاكِبُ فَمَاتَ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَتَلَتِ الدَّابَّةُ النَّاخِسَ فَهُوَ هَدَرٌ كَحَافِرِ الْبِئْرِ إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ، وَلَوْ أَمَرَهُ الرَّاكِبُ بِالنَّخْسِ ضَمِنَ الرَّاكِبُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ أَمْرُهُ فَصَارَ الْفِعْلُ مُضَافًا إِلَيْهِ، وَلَوْ نَفَرَتْ مِنْ حَجَرٍ وَضَعَهُ رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ، فَالْوَاضِعُ كَالنَّاخِسِ ضَامِنٌ لِأَنَّ الْوَضْعَ سَبَبٌ لِنُفُورِ الدَّابَّةِ أَوْ وَثْبَتِهَا كَالنَّخْسَةِ.

قَالَ: (وَإِنِ اجْتَمَعَ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ أَوِ السَّائِقُ وَالرَّاكِبُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا) ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا سَائِقٌ لِلْكُلِّ، وَالْآخَرُ قَائِدٌ لِلْكُلِّ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ، وَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَى

ص: 48

وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ أَوْ مَاشِيَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ، وَلَوْ تَجَاذَبَا حَبْلًا فَانْقَطَعَ وَمَاتَا فَإِنْ وَقَعَا عَلَى ظَهْرَيْهِمَا فَهُمَا هَدَرٌ، وَإِنْ سَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ الْآخَرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فَدِيَةُ الْوَاقِعِ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاقِعِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَهُدِرَ دَمُ الَذِي وَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنْ قَطَعَ آخَرُ الْحَبْلَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

الرَّاكِبِ ; لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَالسَّائِقُ مُسَبِّبٌ وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إِنْ كَانَ الْهَالِكُ آدَمِيًّا فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ تَخْفِيفًا عَلَى الْقَاتِلِ مَخَافَةَ اسْتِئْصَالِهَا لَهُ، وَهَذَا دُونَ الْخَطَأِ فِي الْجِنَايَةِ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّخْفِيفِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ آدَمِيٍّ كَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ فَفِي مَالِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَمْوَالَ.

قَالَ: (وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ أَوْ مَاشِيَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ) ; لِأَنَّ قَتْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مُضَافٌ إِلَى فِعْلِ الْآخَرِ لَا إِلَى فِعْلِهِمَا ; لِأَنَّ الْقَتْلَ يُضَافُ إِلَى سَبَبٍ مَحْظُورٍ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ مُبَاحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَحْظُورٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ إِذْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ فِعْلِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مُبَاحًا فَيُضَافُ قَتْلُهُ كُلُّهُ إِلَى فِعْلِ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا فِي حَقِّهِ وَصَارَ كَالْمَاشِي مَعَ الْحَافِرِ، فَإِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا وَهُوَ الْحَفْرُ وَالْمَشْيُ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ التَّلَفَ إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى فِعْلِ الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لَا إِلَى فِعْلِ الْمَاشِي؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَلَوْ كَانَا عَامِدَيْنِ فِي الِاصْطِدَامِ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ ; لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْظُورٌ فَأُضِيفَ التَّلَفُ إِلَى فِعْلِهِمَا، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَهُمَا هَدَرٌ.

أَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعًا أَوْ فِدَاءً وَقَدْ فَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمَوْلَى لَا إِلَى بَدَلٍ فَسَقَطَ ضَرُورَةً، وَأَمَّا الْعَمْدُ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلَكَ بَعْدَ مَا جَنَى فَسَقَطَ الْقِصَاصُ.

فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ رَجُلٌ سَارٍ عَلَى دَابَّةٍ فَجَاءَ رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَدَمَهُ فَعَطِبَ الْمُؤَخَّرُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقَدَّمِ، وَإِنْ عَطِبَ الْمُقَدَّمُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُؤَخَّرِ، وَكَذَا فِي السَّفِينَتَيْنِ.

وَلَوْ كَانَا دَابَّتَيْنِ وَعَلَيْهِمَا رَاكِبَانِ قَدِ اسْتَقْبَلَتَا وَاصْطَدَمَتَا فَعَطِبَتْ إِحْدَاهُمَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْآخَرِ.

قَالَ: (وَلَوْ تَجَاذَبَا حَبْلًا فَانْقَطَعَ وَمَاتَا، فَإِنْ وَقَعَا عَلَى ظَهْرَيْهِمَا فَهُمَا هَدَرٌ) ; لِأَنَّ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُضَافٌ إِلَى فِعْلِهِ وَقُوَّةِ نَفْسِهِ لَا قُوَّةِ صَاحِبِهِ.

(وَإِنْ سَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ الْآخَرِ) ; لِأَنَّهُ سَقَطَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَجَذْبِهِ.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِدْيَةُ الْوَاقِعِ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاقِعِ عَلَى ظَهْرِهِ) ; لِأَنَّهُ مَاتَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ. (وَهُدِرَ دَمُ الَّذِي وَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ) ; لِأَنَّهُ مَاتَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ.

(وَإِنْ قَطَعَ آخَرُ الْحَبْلَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ) ; لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى فِعْلِهِ وَهُوَ الْقَطْعُ فَكَانَ مُسَبِّبًا.

ص: 49