المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل ما يحل وما يحرم أكله من الحيوانات] - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٥

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌كِتَابُ الذَّبَائِحِ

- ‌[فصل مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ]

- ‌كِتَابُ الْأُضْحِيَةِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌[فصل يقتل الحر بالحر وبالعبد]

- ‌[فصل الْقصاص في الْأَطْرَافِ]

- ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ

- ‌[فصل في النفس الدية]

- ‌[فصل في أَنْوَاعُ الشِّجَاجِ]

- ‌[فصل من ضرب بطن امرأة]

- ‌[فصل ضَمَانُ الْإِنْسَانِ فِعْلُهُ]

- ‌[فصل جِنَايَةُ الْعَبْدِ]

- ‌بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌بَابُ الْمَعَاقِلِ

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌[فصل ما يجوز الوصية به]

- ‌[فصل أوصى بثلث ماله لرجل وبالسدس لآخر]

- ‌[فصل الوصية للجيران والأصهار والأختان والأهل]

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌فَصْلٌ [فِي الْعَصَبَاتِ]

- ‌[فصل السهام المفروضة]

- ‌[فصل في الحجب]

- ‌[فصل الْعَوْلُ وَأُصُولُ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فصل في الرد على الوارثين]

- ‌[فصل تَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ]

- ‌[فصل مِيرَاثُ الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى]

- ‌[فصل لَا إِرْثَ بِالْأَنْكِحَةِ الْبَاطِلَةِ]

- ‌[فصل مِيرَاثُ الْحَمْلِ]

- ‌[فصل في المناسخات]

- ‌حِسَابُ الْفَرَائِضُ

- ‌[فصل تَصْحِيحُ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فصل المصالحة على التركة]

الفصل: ‌[فصل ما يحل وما يحرم أكله من الحيوانات]

وَإِذَا كَانَ فِي بَطْنِ الْمَذْبُوحِ جَنِينٌ مَيِّتٌ لَمْ يُؤْكَلْ (سم) ، وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ إِلَّا الْخِنْزِيرَ وَالْآدَمِيَّ.

فَصْلٌ

وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَلَا ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَإِذَا كَانَ فِي بَطْنِ الْمَذْبُوحِ جَنِينٌ مَيِّتٌ لَمْ يُؤْكَلْ) وَقَالَا: إِذَا تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» ، وَلِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ مُتَّصِلٌ بِهَا يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَتَنَفَّسُ بِتَنَفُّسِهَا وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا وَيُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهَا، فَيَتَذَكَّى بِذَكَاتِهَا كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَيَوَانٌ بِانْفِرَادِهِ حَتَّى يُتَصَوَّرَ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَيُفْرَدُ بِالذَّكَاةِ، وَلِهَذَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقٍ مُفْرَدٍ، وَتَجِبُ فِيهِ الْغِرَّةُ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَهُ دُونَهَا، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ لَمْ يَخْرُجْ دَمُهُ فَصَارَ كَالْمُنْخَنِقَةِ ; لِأَنَّ بِذَكَاةِ الْأُمِّ لَا يَخْرُجُ دَمُهُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ ; لِأَنَّ الْجَرْحَ مُوجِبٌ لِخُرُوجِ الدَّمِ، وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ مَوْتُهُ بِذَبْحِ الْأُمِّ وَاحْتَمَلَ قَبْلَهُ فَلَا يَحِلُّ بِالشَّكِّ، وَالْحَدِيثُ رُوِيَ بِالنَّصْبِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي الذَّكَاةِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [محمد: 20] وَعَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ احْتَمَلَ التَّشْبِيهَ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران: 133] فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا، وَلِهَذَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَبْحَ الشَّاةِ الْحَامِلِ الَّتِي قَرُبَتْ وِلَادَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إِضَاعَةِ الْوَلَدِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ عِنْدَهُمَا.

قَالَ: (وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ إِلَّا الْخِنْزِيرَ وَالْآدَمِيَّ) فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا ; لِأَنَّ الذَّكَاةَ تُزِيلُ الرُّطُوبِاتِ وَتُخْرِجُ الدِّمَاءَ السَّائِلَةَ، وَهِيَ الْمُنَجَّسَةُ لَا ذَاتَ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ فَيَطْهُرُ كَمَا فِي الدِّبَاغِ. أَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِكَرَامَتِهِ وَحُرْمَتِهِ، وَالْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ وَإِهَانَتِهِ فَلَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهِمَا كَمَا لَا يَعْمَلُ الدِّبَاغُ فِي جِلْدِهِمَا وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّهَارَةِ، وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً فَلَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا فَمُهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: إِنْ فَتَحَتْ فَاهَا وَعَيْنَهَا وَمَدَّتْ رِجْلَهَا وَنَامَ شَعْرُهَا لَمْ تُؤْكَلْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ أُكِلَتْ.

[فصل مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ]

فَصْلٌ (وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَلَا ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ) ; لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام: «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» ، وَقَوْلُهُ عَقِيبَ النَّوْعَيْنِ مِنَ السِّبَاعِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِمَا فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا لَهُ مِخْلَبٌ وَنَابٌ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَالسَّبُعُ كُلُّ جَارِحٍ قَتَّالٍ مُنْتَهِبٍ مُتَعَدٍّ عَادَةً كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ وَالثَّعْلَبِ وَالدُّبِّ وَالْفِيلِ وَالْقِرْدِ وَالْيَرْبُوعِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالسِّنَّوْرِ الْبَرِّيِّ وَالْأَهْلِيِّ، وَذُو الْمِخْلَبِ مِنَ الطَّيْرِ: الصَّقْرُ

ص: 13

وَلَا تَحِلُّ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَلَا الْبِغَالُ وَلَا الْخَيْلُ (سم) ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَالْبَازِيُّ وَالنَّسْرُ وَالْعُقَابُ وَالشَّاهِينُ وَالْحِدَأَةُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّلَقُ وَالسِّنْجَابُ وَالْفَنَكُ وَالسُّمُّورُ وَمَا شَابَهَهُ سَبُعٌ، وَلَا يُؤْكَلُ ابْنُ عُرْسٍ لِأَنَّهَا ذَاتُ أَنْيَابٍ فَدَخَلَتْ تَحْتَ النَّصِّ، وَفِي الْحَدِيثِ:«نَهَى عَنْ أَكْلِ الْخَطْفَةِ وَالنُّهْبَةِ وَالْمُجَثَّمَةِ» ; فَالْخَطْفَةُ: الَّتِي تَخْتَطِفُ فِي الْهَوَاءِ كَالْبَازِيِّ وَنَحْوِهِ، وَالنُّهْبَةُ: الَّذِي يَنْتَهِبُ عَلَى الْأَرْضِ كَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُجَثَّمَةُ: فَقَدْ رُوِيَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، فَبِالْفَتْحِ كُلُّ صَيْدٍ جَثَمَ عَلَيْهِ الْكَلْبُ حَتَّى مَاتَ غَمًّا، وَبِالْكَسْرِ كُلُّ حَيَوَانٍ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَجْثُمَ عَلَى الصَّيْدِ كَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ، وَمَعْنَى تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَرَامَةٌ لبَنِي آدَمَ لِئَلَّا يَتَعَدَّى إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الذَّمِيمَةِ بِالْأَكْلِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ حَرَامٌ إِلَّا الْجَرَادَ، مِثْلُ الذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقَارِبِ، وَكَذَا سَائِرُ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَمَا يَدِبُّ عَلَيْهَا وَمَا يَسْكُنُ تَحْتَهَا، وَهِيَ الْحَشَرَاتُ كَالْفَأْرَةِ وَالْوَزَغَةِ وَالْيَرْبُوعِ وَالْقُنْفُذِ وَالْحَيَّةِ وَنَحْوِهَا ; لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنَ الْخَبَائِثِ فَيَحْرُمُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] .

قَالَ: (وَلَا تَحِلُّ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَلَا الْبِغَالُ وَلَا الْخَيْلُ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] خَرَجَتْ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ، فَلَوْ جَازَ أَكْلُهَا لَذَكَرَهُ ; لِأَنَّ نِعْمَةَ الْأَكْلِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الرُّكُوبِ. وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَعَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ» . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَحْمُ الْخَيْلِ حَلَالٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَكَلْنَا لَحْمَ فَرَسٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام» ، وَرُوِيَ: " أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي الْخَيْلِ» .

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا تَلَوْنَا مِنَ الْآيَةِ. وَمَا رَوَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» ، وَرَوَى الْمِقْدَامُ بْنُ عَدِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«حَرَامٌ عَلَيْكُمُ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَخَيْلُهَا وَبِغَالُهَا وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ» ، وَلِأَنَّ الْبَغْلَ وَهُوَ نِتَاجُهُ لَا يُؤْكَلُ فَلَا يُؤْكَلُ الْفَرَسُ ; لِأَنَّ أَكْلَ النِّتَاجِ مُعْتَبَرٌ بِأُمِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ لَوْ نَزَا عَلَى الْأَتَانِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُؤْكَلُ؟ فَكَذَا هَذَا.

ص: 14

وَيُكْرَهُ الرَّخَمُ وَالْبُغَاثُ وَالْغُرَابُ وَالضَّبُّ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحَشَرَاتُ، وَيَجُوزُ غُرَابُ الزَّرْعِ وَالْعَقْعَقُ وَالْأَرْنَبُ وَالْجَرَادُ وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إِلَّا السَّمَكُ، وَلَا يُؤْكَلُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَيُكْرَهُ الرُّخُمُ وَالْبُغَاثُ وَالْغُرَابُ) ; لِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْجِيَفَ فَكَانَتْ مِنَ الْخَبَائِثِ، إِذِ الْمُرَادُ الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ وَكَذَلِكَ الْغِدَافُ.

قَالَ: (وَالضَّبُّ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: «أَنَّهُ أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام ضَبٌّ فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ، فَجَاءَتْ سَائِلَةٌ فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُطْعِمَهَا، فَقَالَ لَهَا: أَتُطْعِمِينَ مَا لَا تَأْكُلِينَ؟» وَلَوْلَا حُرْمَتُهُ لَمَا مَنَعَهَا عَنِ التَّصَدُّقِ كَمَا فِي شَاةِ الْأَنْصَارِ.

قَالَ: (وَالسُّلَحْفَاةُ) ; لِأَنَّهَا مِنَ الْفَوَاسِقِ (وَالْحَشَرَاتُ) بِدَلِيلِ جَوَازِ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ. قَالَ: (وَيَجُوزُ غُرَابُ الزَّرْعِ وَالْعَقْعَقُ وَالْأَرْنَبُ وَالْجَرَادُ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ: غُرَابُ الزَّرْعِ لَهُ هَيْئَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْغُرَابِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهِ، وَأَنَّهُ يَدَّخِرُ فِي الْمَنَازِلِ وَيُؤْلَفُ كَالْحَمَامِ وَيَطِيرُ وَيَرْجِعُ، وَالْعَقْعَقُ يَخْلِطُ فِي أَكْلِهِ فَأَشْبَهَ الدَّجَاجَ، وَالْأَرْنَبَ، لِمَا رَوَى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قَالَ:«أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام أَرْنَبَةٌ مَشْوِيَّةٌ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا» . قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَمَّا الْوَبَرُ فَلَا أَحْفَظُ فِيهِ شَيْئًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ عِنْدِي كَالْأَرْنَبِ وَهُوَ يَعْتَلِفُ الْبُقُولَ وَالنَّبْتَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْإِبَاحَةِ إِلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْحَظْرِ، وَأَمَّا الْجَرَادُ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» ، وَسَوَاءٌ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ كَالْمَطَرِ وَنَحْوِهِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ.

قَالَ: (وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إِلَّا السَّمَكُ) لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ فَيَحْرُمُ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا حَلَّ السَّمَكُ بِمَا رُوِّينَا مِنَ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ الْجِرِّيثَ وَالْمَارَمَاهِي وَغَيْرِهِمَا. وَعَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام:«أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الضُّفْدَعِ يُجْعَلُ شَحْمُهُ فِي الدَّوَاءِ فَنَهَى عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ وَقَالَ: خَبِيثَةٌ مِنَ الْخَبَائِثِ» .

قَالَ: (وَلَا يُؤْكَلُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ) وَهُوَ مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه:«أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ أَكْلِ الطَّافِي» ، وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: لَا تَبِيعُوا فِي أَسْوَاقِنَا الطَّافِيَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا دَسَرَهُ الْبَحْرُ فَكُلْهُ، وَمَا وَجَدْتَهُ مَطْفُوًّا عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ. وَمَا مَاتَ مِنَ الْحَرِّ أَوِ الْبَرْدِ أَوْ كَدِرِ الْمَاءِ رُوِيَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ ; لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ الْمَاءُ عَلَى الْيُبْسِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ; لَأَنَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ مِنْ صِفَاتِ الزَّمَانِ وَلَيْسَا مِنْ حَوَادِثِ الْمَوْتِ عَادَةً، وَلَوِ ابْتَلَعَتْ سَمَكَةٌ سَمَكَةً تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ حَادِثٌ لِلْمَوْتِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ:

ص: 15