المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ فَهُوَ هَدَرٌ، - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٥

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌كِتَابُ الذَّبَائِحِ

- ‌[فصل مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ]

- ‌كِتَابُ الْأُضْحِيَةِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌[فصل يقتل الحر بالحر وبالعبد]

- ‌[فصل الْقصاص في الْأَطْرَافِ]

- ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ

- ‌[فصل في النفس الدية]

- ‌[فصل في أَنْوَاعُ الشِّجَاجِ]

- ‌[فصل من ضرب بطن امرأة]

- ‌[فصل ضَمَانُ الْإِنْسَانِ فِعْلُهُ]

- ‌[فصل جِنَايَةُ الْعَبْدِ]

- ‌بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌بَابُ الْمَعَاقِلِ

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌[فصل ما يجوز الوصية به]

- ‌[فصل أوصى بثلث ماله لرجل وبالسدس لآخر]

- ‌[فصل الوصية للجيران والأصهار والأختان والأهل]

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌فَصْلٌ [فِي الْعَصَبَاتِ]

- ‌[فصل السهام المفروضة]

- ‌[فصل في الحجب]

- ‌[فصل الْعَوْلُ وَأُصُولُ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فصل في الرد على الوارثين]

- ‌[فصل تَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ]

- ‌[فصل مِيرَاثُ الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى]

- ‌[فصل لَا إِرْثَ بِالْأَنْكِحَةِ الْبَاطِلَةِ]

- ‌[فصل مِيرَاثُ الْحَمْلِ]

- ‌[فصل في المناسخات]

- ‌حِسَابُ الْفَرَائِضُ

- ‌[فصل تَصْحِيحُ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فصل المصالحة على التركة]

الفصل: وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ فَهُوَ هَدَرٌ،

وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ فَهُوَ هَدَرٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَبَسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْهُ إِنْ كَانُوا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ.

‌بَابُ الْمَعَاقِلِ

وَهِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ، وَالْعَاقِلَةُ الَذِينَ يُؤَدُّونَهَا،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ فَهُوَ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَلَا مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ وَلَا يَسْمَعُ الصَّوْتَ مِنْهُ أَهْلُ مِصْرٍ وَلَا قَرْيَةً فَكَانَ هَدَرًا.

قَالَ: (وَإِنْ كَانَ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْهُ إِنْ كَانُوا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ) لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ عَلَيْهِ دَوَابَّهُمْ فَكَانُوا أَخَصَّ بِنُصْرَتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ كَأَهْلِ الْمَحِلَّةِ، وَلَوْ وُجِدَ فِي نَهْرٍ صَغِيرٍ خَاصٍّ مِمَّا يُقْضَى فِيهِ بِالشُّفْعَةِ فَعَلَى عَاقِلَةِ أَرْبَابِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُمْ، فَهُمْ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمْ مَا يُوجَدُ فِيهِ كَالدُّورِ وَالسُّوقِ وَالْمَمْلُوكِ، وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حَالَةَ الْجُرْحِ فَكَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَلَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ كَانَ هَدَرًا كَذَا هَذَا.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَجَبَتْ لِظُهُورِ الْقَتْلِ وَحَالَةَ الظُّهُورِ الدَّارُ مِلْكُ الْوَرَثَةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَهَلْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا وُجِدَ الْمَكَاتَبُ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ ; لِأَنَّ الدَّارَ عَلَى مِلْكِهِ حَالَةَ ظُهُورِ الْقَتْلِ، فَكَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَهَدَرٌ.

رَجُلَانِ فِي بَيْتٍ لَا ثَالِثَ مَعَهُمَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا قَتِيلًا يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ عِنْدَ أَبَى يُوسُفُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَأَنَّهُ قَتَلَهُ صَاحِبُهُ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِالشَّكِّ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ ظَاهِرًا فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَمَا إِذَا وُجِدَ فِي مَحِلَّةٍ.

[بَابُ الْمَعَاقِلِ]

ِ (وَهِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ) وَسُمِّيَتِ الدِّيَةُ عَقْلًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُرَاقَ، وَالثَّانِي أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ إِذَا أُخِذَتْ مِنَ الْإِبِلِ تُجْمَعُ فَتُعْقَلُ ثُمَّ تُسَاقُ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ.

(وَالْعَاقِلَةُ الَّذِينَ يُؤَدُّونَهَا) وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْجَنِينِ حَيْثُ قَالَ عليه الصلاة والسلام لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ: «قُومُوا فَدُوهُ» ، وَرُوِيَ:" أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام جَعَلَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَقُولَةً "، وَالْمَعْقُولُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ الْخَاطِئَ مَعْذُورٌ، وَعُذْرُهُ لَا يَعْدَمُ حُرْمَةَ النَّفْسِ بَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ الدِّيَةَ صِيَانَةً لِلنَّفْسِ عَنِ الْإِهْدَارِ، ثُمَّ فِي إِيجَابِ الْكُلِّ عَلَيْهِ إِجْحَافٌ وَاسْتِئْصَالٌ بِهِ فَيَكُونُ عُقُوبَةً لَهُ، فَتُضَمُّ الْعَاقِلَةُ إِلَيْهِ دَفْعًا لِلْعُقُوبَةِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِظَهْرِ

ص: 58

وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَهُمْ عَاقِلَتُهُ، وَتُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

عَشِيرَتِهِ وَقُوَّةٍ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ بِكَثْرَتِهِمْ وَقُوَّةِ أَنْصَارِهِ مِنْهُمْ، فَكَانُوا كَالْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي الْقَتْلِ فَضَمِنُوا إِلَيْهِ لِذَلِكَ كَالرِّدْءِ وَالْمُعِينِ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ إِذَا قَتَلُوا وَيَتَحَمَّلُونَ عَنْهُ إِذَا قَتَلَ فَتَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَنَةِ كَعَادَةِ النَّاسِ فِي التَّعَارُفِ، بِخِلَافِ الْمُتْلَفَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكْثُرُ قِيمَتُهَا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّخْفِيفِ، وَالدِّيَةُ مَالٌ كَثِيرٌ يُجْحِفُ بِالْقَاتِلِ فَاحْتَاجَ إِلَى التَّخْفِيفِ.

قَالَ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ) كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَهَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا وَجَبَ بِالصُّلْحِ وَالِاعْتِرَافِ أَوْ سَقَطَ الْقَتْلُ فِيهِ بِشُبْهَةٍ كَالْأَبِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِحَدِيثِ الْجَنِينِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَعَمَّدَتْ ضَرْبَهَا بِالْعَمُودِ فَقَضَى عليه الصلاة والسلام بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ أُجْرِيَ كَالْخَطَأِ فِي بَابِ الدِّيَةِ فَكَذَلِكَ فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ. وَقَضَى عُمَرُ رضي الله عنه بِالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.

قَالَ: (فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَهُمْ عَاقِلَتُهُ) وَهُمُ الَّذِينَ لَهُمْ رِزْقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي زَمَانِنَا هُمْ أَهْلُ الْعَسْكَرِ لِكُلِّ رَايَةٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَنَاصَرُونَ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا الْقَرَابَةُ وَالْوَلَاءُ وَالْحِلْفُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَبَقَوْا عَلَى ذَلِكَ إِلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ صَارَ التَّنَاصُرُ بِالدَّوَاوِينِ، فَأَهْلُ كُلِّ دِيوَانٍ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ.

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه فَرَضَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى عَشِيرَةِ الرَّجُلِ فِي أَمْوَالِهِمْ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الدِّيوَانَ فَجَعَلَ الْعَقْلَ فِيهِ، وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ، وَهُوَ عَلَى وِفَاقِ مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام مَعْنًى؛ فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِهِ عَلَى الْعَشِيرَةِ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ ثُمَّ الْوُجُوبِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ، فَإِيجَابُهُ فِيمَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى، وَأَهْلُ كُلِّ دِيوَانٍ فِيمَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ.

قَالَ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا وَتُعْتَبَرُ الثَّلَاثُ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ يَوْمَ الْقَضَاءِ، وَسَوَاءٌ خَرَجَتْ فِي أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْعَطَاءِ تَخْفِيفًا، فَإِذَا حَصَلَتْ فِي أَيِّ وَقْتٍ حَصَلَ وُجِدَ الْمَقْصُودُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، فَإِنْ تَأَخَّرَ خُرُوجُ الْعَطَاءِ لَمْ يُطَالِبُوا بِشَيْءٍ، وَإِنْ تَعَجَّلَ الثَّلَاثَ سِنِينَ أُخِذَ مِنْهَا الْجَمِيعُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا وَجَبَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَانَ كُلُّ ثُلُثٍ فِي سَنَةٍ فَإِذَا وَجَبَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ كَانَ فِي سَنَةٍ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِلَى الثُّلُثَيْنِ فِي سَنَتَيْنِ، وَمَا زَادَ إِلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْعَاقِلَةُ أَصْحَابَ الرِّزْقِ أَخَذَ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنْ خَرَجَتْ أَرْزَاقُهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَخَذَ مِنْهَا الثُّلُثَ، وَإِنْ خَرَجَتْ

ص: 59

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ، وَلَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَيُنْقَصُ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعِ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ فَأَهْلُ حِرْفَتِهِ، وَإِنْ تَنَاصَرُوا بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ، وَيُؤَدِّي الْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أُخِذَ مِنْهَا السُّدُسُ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِحِصَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ كَيْفَمَا خَرَجَ ; لِأَنَّ الْأَرْزَاقَ لَهُمْ كَالْأَعْطِيَةِ لِأَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَأَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَخَذَ مِنْ أَعْطِيَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، فَإِنَّ الرِّزْقَ يَكُونُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لِكُلِّ شَهْرٍ أَوْ لِكُلِّ يَوْمٍ فَيَشُقُّ عَلَيْهِمُ الْأَخْذُ مِنْهُ. أَمَّا الْعَطَاءُ يَكُونُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِقَدْرِ عَنَائِهِ وَاخْتِبَارِهِ فِي الْحُرُوبِ لَا بِحَاجَتِهِ فَكَانَ الْأَخْذُ مِنْهُ أَسْهَلَ.

قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ) وَهُمْ عَصَبَتُهُ مِنَ النَّسَبِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلِ» ، وَلِأَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِالْقُرْبِ.

قَالَ: (وَلَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَيُنْقَصُ مِنْهَا) يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّ سَنَةٍ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ أَوْ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّخْفِيفُ وَتَجِبُ صِلَةً، فَقَدَّرُوهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِالدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمُقَدَّرَاتِ، وَيُزَادُ ثُلُثُ دِرْهَمٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِيَكُونَ الْأَكْثَرُ مِنَ الْأَقَلِّ وَمَا لَمْ يَبْلُغِ النِّصْفَ فَهُوَ فِي حُكْمِهِ.

قَالَ: (فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعِ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا) تَحَرُّزًا عَنِ الْإِجْحَافِ وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى التَّخْفِيفِ فَيُضَمُّ إِلَيْهِمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ؛ لِأَنَّ التَّنَاصُرَ يَقَعُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الدِّيوَانِ إِذَا لَمْ يَتَّسِعِ الدِّيوَانُ لِلدِّيَةِ يُضَمُّ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ الرَّايَاتِ إِلَيْهِمْ نُصْرَةً إِذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ أَوْ دَهَمَهُمْ عَدُوٌّ، وَهُوَ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ إِذْ هُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ فِي رِوَايَةٍ تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ وَرِثَهُ بَيْتُ الْمَالِ، فَإِذَا جَنَى يَكُونُ عَلَيْهِ لِيَكُونَ الْغُنْمُ بِالْغُرْمِ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي مَالِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي إِلَّا أَنَّا أَوْجَبْنَاهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةً عَادَ إِلَى الْأَصْلِ.

قَالَ: (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ فَأَهْلُ حِرْفَتِهِ) وَإِنْ تَنَاصَرُوا بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ.

لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ هُوَ التَّنَاصُرُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ دِيوَانٌ وَلَا عَشِيرَةٌ، قِيلَ: يَعْتَبِرُ الْمَحَالَّ وَالْقُرَى وَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي مَالِهِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ، وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ يَتَنَاصَرُونَ وَيَذُبُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ اللَّقِيطُ. وَلَا تُعْقَلُ مَدِينَةٌ عَنْ مَدِينَةٍ، وَتُعْقَلُ الْمَدِينَةُ عَنْ قُرَاهَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمِصْرِ يَتَنَاصَرُونَ بِدِيوَانِهِمْ وَأَهْلِ سَوَادِهِمْ وَقُرَاهُمْ، وَلَا يَتَنَاصَرُونَ بِأَهْلِ دِيوَانِ مِصْرٍ آخَرَ، وَالْبَادِيَتَانِ إِذَا اخْتَلَفَتَا كَمِصْرَيْنِ.

قَالَ: (وَيُؤَدِّي الْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ) لِأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْكُلُّ مَخَافَةَ الْإِجْحَافِ، وَلَا إِجْحَافَ فِي هَذَا وَلِأَنَّهُ الْجَانِي فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَأَحَدِهِمْ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِالتَّنَاصُرِ وَهُوَ أَوْلَى بِنُصْرَةِ نَفْسِهِ.

ص: 60

وَلَا عَقْلَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ، وَلَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا بِالْعَكْسِ، وَإِذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ، وَعَاقِلَةُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ، وَوَلَدُ الْمُلَاعِنَةِ تَعْقِلُ عَنْهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ، فَإِنِ ادَّعَاهُ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ عَاقِلَةُ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ، وَتَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ خَمْسِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا وَمَا دُونَهَا فِي مَالِ الْجَانِي، وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْجَانِي إِلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَلَا عَقْلَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ) لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه: لَا يُعْقَلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ تُؤَدَّى عَلَى طَرِيقِ الصِّلَةِ وَالتَّبَرُّعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.

(وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ) لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَسْتَنْصِرُ بِهِمْ.

قَالَ: (وَلَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا بِالْعَكْسِ) لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ، وَالْكُفَّارُ يَعْقِلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ; لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ مُعَادَاةٌ وَحِرَابٌ فَلَا يَتَعَاقَلُونَ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ.

قَالَ: (وَإِذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ) كَالْمُسْلِمِ لِالْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِوُجُودِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمْ.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ) فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.

كَمَا قُلْنَا فِي الْمُسْلِمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إِلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا وُجِدَتْ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ.

قَالَ: (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَلِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ.

(وَعَاقِلَةُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ عَقْدٌ يَتَنَاصَرُونَ بِهِ.

قَالَ: (وَوَلَدُ الْمُلَاعِنَةِ تَعْقِلُ عَنْهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ) لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَيْهِمْ فَيَنْصُرُونَهُ.

(فَإِنِ ادَّعَاهُ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ عَاقِلَةُ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الدِّيَةُ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ حَيْثُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَبَطَلَ اللِّعَانُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، فَقَوْمُ الْأُمِّ تَحَمَّلُوا مُضْطَرِّينَ عَنْ قَوْمِ الْأَبِ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ فَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ حِينِ قُضِيَ لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ.

قَالَ: (وَتَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ خَمْسِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا وَمَا دُونَهَا فِي مَالِ الْجَانِي) لِمَا رُوِّينَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهِيَ خَمْسُونَ دِينَارًا. وَعَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا صُلْحًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّ التَّحَمُّلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِنَّمَا كَانَ تَحَرُّزًا عَنِ الْإِجْحَافِ وَهُوَ فِي الْكَثِيرِ دُونَ الْقَلِيلِ. وَالْقَدْرُ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا.

قَالَ: (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْجَانِي إِلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) لِمَا رُوِّينَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ إِقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ، إِذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ رَضُوا بِهِ فَيَلْزَمُهُمْ. وَلَوْ تَصَادَقَ الْقَاتِلُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى أَنَّ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ حَكَمَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ وَكَذَّبَتْهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا

ص: 61