الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ.
كِتَابُ الْوَصَايَا
وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ ; لِأَنَّ الدِّيَةَ تَقَرَّرَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِتَصَادُقِهِمْ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ بِاعْتِرَافِهِ، وَتَعَذَّرَ إِيجَابُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهَا بَدَلُ النَّفْسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْحُرِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:" وَلَا عَبْدًا " فِيمَا جَنَى عَلَيْهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ ; لِأَنَّ الْمَوْلَى أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْهُمْ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ قَدْرَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهَا ضَمَانُ النَّفْسِ، وَمَا زَادَ فِي مَالِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْمَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
[كِتَابُ الْوَصَايَا]
وَهِيَ جَمْعُ وَصِيَّةٍ، وَالْوَصِيَّةُ: طَلَبُ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمُوصَى إِلَيْهِ بَعْدَ غَيْبَةِ الْوَصِيِّ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى مَصَالِحِهِ كَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَالْقِيَامِ بِحَوَائِجِهِ وَمَصَالِحِ وَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُقَالُ: فُلَانٌ سَافَرَ فَأَوْصَى بِكَذَا، وَفُلَانٌ مَاتَ وَأَوْصَى بِكَذَا.
وَالِاسْتِيصَاءُ: قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، يُقَالُ: فُلَانٌ اسْتَوْصَى مِنْ فُلَانٍ: إِذَا قَبِلَ وَصِيَّتَهُ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ» أَيِ اقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ فَإِنَّهُنَّ أَسْرَى عِنْدَكُمْ ".
(وَهِيَ) قَضِيَّةٌ مَشْرُوعَةٌ وَقُرْبَةٌ.
(مَنْدُوبَةٌ) دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَهَذَا دَلِيلُ شَرْعِيَّتِهَا، وَالسُّنَّةُ مَا رُوِيَ:«أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ مَرِضَ بِمَكَّةَ فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أُخَلِّفُ إِلَّا بِنْتًا أَفَأُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَبِنِصْفِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَبِثُلُثِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ; لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» أَيْ يَسْأَلُونَ النَّاسَ كِفَايَتَهُمْ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ تَضَعُوهُ حَيْثُ شِئْتُمْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:" حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّتِهَا وَيَنْفِي وُجُوبَهَا، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لَهُ مَالٌ يُوصِي فِيهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَصِيَّتُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى النُّدْبِيَّةِ.
وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ مَئُونَةِ الْمُوصِي وَقَضَاءِ دُيُونِهِ، وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالثُّلُثِ تَصِحُّ لِلْأَجْنَبِيِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا بِغَيْرِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْقَاتِلِ (س) وَالْوَارِثِ تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَتُعْتَبَرُ إِجَازَاتُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْمَهْدِيِّينَ وَالسَّلَفَ الصَّالِحَ أَوْصُوا، وَعَلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ حُقُوقٍ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِذَلِكَ، فَإِذَا عَجَزَ بِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُ وَالْوَصِيُّ نَائِبٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، فَكَأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ احْتِيَاطًا لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهَا فَيُنْدَبُ إِلَيْهَا وَتُشْرَعُ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ.
قَالَ: (وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ مَئُونَةِ الْمُوصِي وَقَضَاءِ دُيُونِهِ) عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالثُّلُثِ تَصِحُّ لِلْأَجْنَبِيِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا بِغَيْرِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِمَا رُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ وَهِيَ مُطْلَقَةٌ لَا تَتَقَيَّدُ بِالْمُسْلِمِ وَلَا بِغَيْرِهِ.
قَالَ: (وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْقَاتِلِ وَالْوَارِثِ تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَا تَجُوزُ لِحَدِيثِ سَعْدٍ. وَفِي الْحَدِيثِ: «الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ» ، قِيلَ: مَعْنَاهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْوَارِثِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ ; لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ قَدِ اسْتَغْنَى عَنِ الْمَالِ وَتَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي الثُّلُثِ بِمَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ لِيَتَدَارَكَ مَا فَرَّطَ مِنْهُ وَقَصَّرَ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَقَدْ رَضُوا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِمْ فَيَصِحُّ.
(وَتُعْتَبَرُ إِجَازَتُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ لَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْحَقُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَإِذَا أَجَازُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَيَصِحُّ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ إِنَّمَا امْتَنَعَتْ لِحَقِّ بَاقِي الْوَرَثَةِ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إِقْرَارَ بِدَيْنٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ» ، وَلِأَنَّهُ حَيْفٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِمَا مَرَّ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْجَمِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا خَصَّ بِهِ الْبَعْضَ يَتَأَذَّى الْبَاقِي وَيُثِيرُ بَيْنَهُمُ الْحِقْدَ وَالضَّغَائِنَ وَيُفْضِي إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، فَإِذَا أَجَازَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا حِقْدَ وَلَا ضَغَائِنَ فَيَجُوزُ، فَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ وَرَدَّ الْبَعْضُ جَازَ فِي حَقٍّ الْمُجِيزِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، وَبَطَلَ فِي الْبَاقِي لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ فَلَا تَجُوزُ إِذَا وُجِدَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ» ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ فَقَتَلَهُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِمَا قُلْنَا لِأَنَّ نَفَاذَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِذَا أَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ جَازَتْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ تَجُزْ لِجِنَايَتِهِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ.
وَلَنَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ بُطْلَانَهَا نَفْعٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ كَبُطْلَانِهَا لِلْوَارِثِ وَبِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِذَا أَجَازُوا ذَلِكَ فَقَدْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ فَيَسْقُطُ، وَكُلَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَأَجَازُوهُ
وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ وَبِهِ وَبِأُمِّهِ دُونَهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَالْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي لِأَنَّ السَّبَبَ صَدَرَ مِنْهُ، وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ كَالْمُرْتَهِنِ إِذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّهْنِ.
قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) فَلَا تَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ لَا يُقَابِلُهُ عَمَلٌ مَالِيٌّ وَلَا نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ فَصَارَ كَالْهِبَةِ وَتَنْجِيزِ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ ثُمَّ مَاتَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إِنْ أَدْرَكْتُ فَثُلُثِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً لَا تَصِحُّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ إِذَا أَضَافَاهَا إِلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى زَالَ الْمَانِعُ فَتَصِحُّ.
قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «وَالثُلُثُ كَثِيرٌ» أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ، وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: لِأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ، وَلِأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلُثِ، وَلِأَنَّ فِيهِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِهِ حَقَّهُ لَهُمْ، وَلَا صِلَةَ فِيمَا أُوصِي بِالثُّلُثِ تَامًّا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فَلَا صِلَةَ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَتَرْكُهَا أَفْضَلُ) لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا صَدَقَةَ وَذُو رَحِمٍ مُحْتَاجٌ» ، وَهُوَ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام:«صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» ; لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فَيَكُونُ صَدَقَةً، وَقَرِيبٌ فَيَكُونُ صِلَةً، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ كَانُوا يَسْتَغْنُونَ بِمِيرَاثِهِمْ، قِيلَ: الْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ أَوْ مَبَرَّةٌ وَتَرْكُهَا صِلَةٌ وَالْكُلُّ خَيْرٌ.
قَالَ: (وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ بِهِ وَبِأُمِّهِ دُونَهُ) أَمَّا لِلْحَمْلِ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ لِلْمُوصَى لَهُ فِي الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ، وَالْحَمْلُ أَهْلٌ لِذَلِكَ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُهُ، إِلَّا أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ إِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْهُ فَلَا يَنْتَقِلُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَيِّتًا، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَانْفَصَلَ حَيًّا جَازَتْ، وَإِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا لَمْ تَجُزْ ; لِأَنَّهُ يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إِلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إِلَى سَنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَوَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ; لِأَنَّ فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إِلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ إِلَّا إِذَا
وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَالِ وَالْوَرَثَةِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْوَصَيَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَفِي الْجُحُودِ خِلَافٌ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَلَدَتْهُ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِهِ فَإِنَّمَا تَصِحُّ إِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَالْوَصِيَّةِ بِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِالثَّمَرَةِ وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فَلِأَنْ تَصِحِّ بِالْمَوْجُودِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِأُمِّهِ دُونَهُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إِفْرَادُهُ عَنْهَا صَحَّ إِفْرَادُهَا عَنْهُ ; لِأَنَّ مَا صَحَّ إِفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَمَا لَا فَلَا كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتْبَعُهَا ضَرُورَةُ الِاتِّصَالِ، فَإِذَا أَفْرَدَهَا نَصًّا صَحَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسٌ بِانْفِرَادِهِ فِي الْأَصْلِ.
قَالَ: (وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَالِ وَالْوَرَثَةِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَوْتِ) حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا وَمَاتَ أَوْ كَانَ لَهُ فَذَهَبَ أَوْ نَقَصَ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَالُهُ حَالَةَ الْمَوْتِ ; لِأَنَّ وَقْتَئِذٍ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ وَيَنْتَقِلُ الْمَالُ إِلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَكَذَلِكَ الْوَرَثَةُ لَا اعْتِبَارَ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَا بِإِجَازَتِهِ وَلَا بِرَدِّهِ لِأَنَّ الْمَالَ إِنَّمَا يَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِغَيْرِ الْمَالِكِ.
قَالَ: (وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ) حَتَّى لَوْ أَجَازَهَا قَبْلَهُ أَوْ رَدَّهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لَأَنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ إِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يُوجَدُ قَبْلَهُ كَمَا إِذَا وُجِدَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَهُوَ إِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْعُقُودِ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافَةٌ عَنِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَثْبُتَ لِلْوَارِثِ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ الْمُوصَى لَهُ وَيَثْبُتُ جَبْرًا شَرْعًا مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ كَانَ لِلْمُوصِي إِلْزَامَهُ الْمِلْكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَا ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَأَوْصَى لَهُ بِمَا يَضُرُّهُ مِثْلَ مَا إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهُ بِمِلْكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ الْقَبُولُ شَرْطًا لَا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ إِلَّا بِالْقَبُولِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمُوصِي قَبْلَ الْقَبُولِ فَتَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ، وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّا، إِلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا: يَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمَّتْ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، وَالتَّوَقُّفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ دَفْعًا لِضَرَرِ لُحُوقِ الْمِنَّةِ وَلَا يَلْحَقُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَنَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ ضَرُورَةَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ كَمَا إِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ كَذَا هَذَا.
قَالَ: (وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَفِي الْجُحُودِ خِلَافٌ) أَمَّا جَوَازُ الرُّجُوعِ؛ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ ; لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْمَوْتِ وَالْقَبُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ قَبْلَ التَّمَامِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ قَبْلَ تَمَامِهِ لَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا، وَالرُّجُوعُ بِالْقَوْلِ قَوْلُهُ: رَجَعْتُ عَنِ الْوَصِيَّةِ أَوْ أَبْطَلْتُهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالرُّجُوعُ بِالْفِعْلِ مِثْلَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنِ الْمُوصَى بِهِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةُ ; لِأَنَّهُ إِذَا زَالَ مِلْكُهُ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إِنَّمَا تَنْفُذُ فِي مِلْكِهِ،
وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ رَدَّهَا فِي وَجْهِ الْمُوصِي فَهُوَ رَدٌّ، وَإِنْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا ضَمَّ إِلَيْهِ الْقَاضِي آخَرَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا اسْتَبْدَلَ بِهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَسَوَاءٌ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ أَوْ لَا، وَكَذَا إِذَا فَعَلَ فِعْلًا لَوْ فَعَلَهُ الْغَاصِبُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ كَانَ رُجُوعًا وَكَذَلِكَ فِعْلٌ يَكُونُ اسْتِهْلَاكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْغَصْبِ، وَكَذَا إِذَا فَعَلَ مَا يَزِيدُ بِهِ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا كَالْبِنَاءِ وَالصَّبْغِ وَالسَّمْنِ فِي السَّوِيقِ وَالْحَشْوِ بِالْقُطْنِ وَخِيَاطَةِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ وَبِالْعَكْسِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى نُقْصَانِهَا لِحُصُولِهَا بِفِعْلِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ.
وَذَبْحُ الشَّاةِ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لِحَاجَتِهِ عَادَةً فَلَا يَبْقَى إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ.
وَأَمَّا الْجُحُودُ فَهُوَ رُجُوعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ; لِأَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي، وَانْتِفَاؤُهُ فِي الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ، وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا، وَمِنَ الرُّجُوعِ قَوْلُهُ: الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ آخَرَ، أَوْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ ; لِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا لَا يَكُونُ رُجُوعًا ; لِأَنَّ الْأُولَى إِنَّمَا بَطَلَتْ ضَرُورَةُ صِحَّةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي بَطَلَتِ الْأُولَى لِصِحَّةِ الثَّانِيَةِ وَبَطَلَتِ الثَّانِيَةُ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَاللَّفْظُ غَيْرُ قَاطِعٍ لَهَا بَلْ صَالِحٌ فَيَثْبُتُ لَهُمَا.
قَالَ: (وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ رَدَّهَا فِي وَجْهِ الْمُوصِي فَهُوَ رَدٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلْزَامُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
(وَإِنْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ) لِمَا فِيهِ مِنْ خِيَانَةِ الْمَيِّتِ وَغُرُورِهِ، فَإِنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَاثِقًا بِخِلَافَتِهِ بَعْدَهُ فِي أُمُورِهِ وَتَرِكَتِهِ فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَهُ الرُّجُوعُ ; لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ، وَعَلَى أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَافْتَرَقَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ ; لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ إِلْزَامُهُ فَيُخَيَّرُ، ثُمَّ الْقَبُولُ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ يَكُونُ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنَ الْأَهْلِ عَنْ وِلَايَةٍ، وَكَذَا إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ قَضَى مَالًا أَوِ اقْتَضَاهُ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إِنَّمَا تَثْبُتُ حَالَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إِلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْعِلْمِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالْإِرْثِ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا ضَمَّ إِلَيْهِ الْقَاضِي آخَرَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا اسْتَبْدَلَ بِهِ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْأَوْصِيَاءَ ثَلَاثَةٌ: أَمِينٌ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا أُوصِي إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقَرِّرُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي
وَإِنْ أَوْصَى إِلَى عَبْدِهِ وَفِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا جَازَتْ (سم) ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ صَاحِبِهِ (س) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَزْلُهُ ; لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوصِي الْقِيَامُ بِأُمُورِهِ وَمَا أَوْصَى إِلَيْهِ بِهِ، فَإِذَا حَصَلَ فَتَغْيِيرُهُ إِبْطَالٌ لِقَصْدِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَأَمِينٌ عَاجِزٌ، فَالْقَاضِي يَضُمُّ إِلَيْهِ مَنْ يُعِينُهُ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَيْهِ صَحِيحَةٌ لَا يَجُوزُ إِبْطَالُهَا، إِلَّا أَنَّ فِي انْفِرَادِهِ نَوْعُ خَلَلٍ بِبَعْضِ الْمَقْصُودِ لِعَجْزِهِ فَيُضَمُّ إِلَيْهِ آخَرُ تَكْمِيلًا لِلْمَقْصُودِ. وَفَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ، فَيَجِبُ عَزْلُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَابَتُهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنَّمَا أَوْصَى إِلَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رَأْيِهِ وَأَمَانَتِهِ وَكِفَايَتِهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا كَذَلِكَ.
أَمَّا الْفَاسِقُ فَلِاتِّهَامِهِ بِالْخِيَانَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلِلْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ الْبَاعِثَةِ لَهُ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ عَلَى إِجَازَةِ مَوْلَاهُ وَتَمَكُّنِهِ مَنْ حَجْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُخْرِجُهُمُ الْقَاضِي وَيُقِيمُ مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصَ إِلَى أَحَدٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُقِيمَ وَصِيًّا كَذَا هَذَا.
قَالَ: (وَإِنْ أَوْصَى إِلَى عَبْدِهِ وَفِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ لَمْ تَصِحَّ) لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ بَيْعَهُ أَوْ بَيْعَ نَصِيبِهِ فَيَعْجِزُ عَنِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْنَعُهُ فَلَا تَحْصُلُ فَائِدَةُ الْوَصِيَّةِ.
(وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا جَازَتْ) وَقَالَا: لَا تَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي الْوِلَايَةَ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَعَكْسُ الْمَوْضُوعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوَصِيَّةِ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بَيْعَهُ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا، وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَلَا مُنَافَاةَ وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ.
وَإِنْ أَوْصَى إِلَى صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ فَلَمْ يُخْرِجْهُمُ الْقَاضِي حَتَّى بَلَغَ أَوْ أُعْتِقَ أَوْ أَسَلَمَ، فَالْوَصِيَّةُ مَاضِيَةٌ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ مِنَ الْعَزْلِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَمِينٍ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ أَوْصَى إِلَى مُكَاتَبِهِ جَازَ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى إِنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ أَدَّى عُتِقَ وَهُوَ عَلَى وَصِيَّتِهِ، وَإِنْ عَجَزَ رُدَّ فِي الرِّقِّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ صَاحِبِهِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةٌ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا ثَبَتَ لِلْخَلِيفَةِ مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُسْتَخْلَفِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُوصِيَ مَا رَضِيَ إِلَّا بِرَأْيِهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِتَفْوِيضِهِ فَيُرَاعَى وَصْفُهُ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ، وَفِي اجْتِمَاعِ رَأْيِهِمَا
مَصْلَحَةٌ
فَيَتَقَيَّدُ بِهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ، بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمُسْتَثْنَاةِ لِأَنَّهَا ضَرُورِيَّاتٌ، وَالضَّرُورِيَّاتُ مُسْتَثْنَاةٌ وَهِيَ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ وَمَئُونَةُ الصِّغَارِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَكُسْوَتِهِمْ وَالْخُصُومَةِ وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا، أَمَّا تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ فَسَادَهُ حَتَّى كَانَ لِلْجَارِ فِعْلُهُ، وَكَذَا مَئُونَةُ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِمْ جُوعًا وَعُرْيًا، وَالْخُصُومَةُ لَا يُمْكِنُ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهَا وَبَاقِي الصُّوَرِ الِاجْتِمَاعُ وَالِانْفِرَادُ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى الرَّأْيِ، وَكَذَا رَدُّ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ الْقَاضِي مَكَانَهُ آخَرَ، وَإِذَا أَوْصَى الْوَصِيُّ إِلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي التَّرِكَتَيْنِ وَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَحْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ إِنْ كَانَ أَجْوَدَ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ (سم) لِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ لِلصَّبِيِّ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْتَرِضَ مَالَ الْيَتِيمِ، وَلِلْأَبِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمَا إِقْرَاضُهُ، وَلِلْقَاضِي ذَلِكَ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَحِفْظُ الْأَمْوَالِ وَقَبُولُ الْهِبَةِ ; لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ وَقَبُولُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ.
قَالَ: (وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ الْقَاضِي مَكَانَهُ آخَرَ) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ عِنْدَهُمَا.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْوَاحِدَ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لَكِنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ اثْنَانِ فِي حُقُوقِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ قَصْدِهِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ فَيُنَصَبُ، وَلَوْ أَنَّ الْوَصِيَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إِلَى الثَّانِي فَلَهُ التَّصَرُّفُ وَحْدَهُ كَمَا إِذَا أَوْصَى إِلَى آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَهُ بَاقٍ حُكْمًا بِرَأْيِ وَصِيِّهِ، وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُوَكِّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَوْصَى إِلَى آخَرَ ; لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حَصَلَ بِرَأْيِ الْمُثَنَّى.
قَالَ: (وَإِذَا أَوْصَى الْوَصِيُّ إِلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي التَّرِكَتَيْنِ) تَرِكَتُهُ وَتَرِكَةُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إِلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي ثُمَّ انْتَقَلَتْ إِلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ، وَإِلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ، وَالْجَدُّ قَامَ مَقَامَ الْأَبِ فِي وِلَايَةِ النَّفْسِ فَكَذَا الْوَصِيُّ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ ; لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ وِلَايَتُهُ ثَابِتَةً فِي التَّرِكَتَيْنِ فَكَذَا الْوَصِيُّ تَحْقِيقًا لِلِاسْتِخْلَافِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ فِي تَرِكَةِ نَفْسِهِ وَقَدْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي التَّرِكَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ; لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تَرِكَتِهِ لِأَنَّهُ نُصَّ عَلَيْهَا وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَحْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ إِنْ كَانَ أَجْوَدَ) بِأَنْ كَانَ أَمْلَأَ أَوْ أَيْسَرَ قَضَاءً وَأَعْجَلَ وَفَاءً؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْيَتِيمِ وَالْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ ; وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ إِذْ لَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، فَفِي اعْتِبَارِهِ سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفَاتِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ لِلصَّبِيِّ) بِأَنِ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنَ الْقِيمَةِ أَوْ بَاعَهُ بِأَقَلِّ مِنْهَا، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ. وَلَهُ أَنَّهُ قُرْبَانُ مَالِ الْيَتِيمِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَيَجُوزُ بِالنَّصِّ وَصَارَ كَالْأَبِ.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْتَرِضَ مَالَ الْيَتِيمِ وَلِلْأَبِ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ شِرَاءَ مَالِ الصَّبِيِّ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِقَدَرِ حَاجَتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ.
(وَلَيْسَ لَهُمَا إِقْرَاضُهُ، وَلِلْقَاضِي ذَلِكَ) لِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً، فَجُعِلَ مُعَاوَضَةً
وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الْجَدِّ، وَشَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ لَا تَجُوزُ، وَعَلَى الْمَيِّتِ تَجُوزُ، وَتَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ إِنْ كَانُوا كِبَارًا، وَلَا تَجُوزُ إِنْ كَانُوا صِغَارًا (سم) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فِي الْقَاضِي لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ بِوَاسِطَةِ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ تَبَرُّعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَجْزِهِ نَظَرًا وَاحْتِيَاطًا فِي مَالِ الْيَتِيمِ.
قَالَ: (وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الْجَدِّ) لِأَنَّهُ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ وِلَايَةُ الْأَبِ بِالْإِيصَاءِ إِلَيْهِ، فَكَانَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ قَائِمَةً حُكْمًا، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَهُ الْوَصِيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجَدِّ دَلِيلٌ أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْظَرُ مِنْ تَصَرُّفِ الْجَدِّ فَكَانَ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْوِلَايَةُ لِلْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَأَشْفَقُ عَلَى بَنِيهِ فَانْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا مَلَكَ النِّكَاحَ مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ الْوَصِيُّ فِي الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا، وَوَصِيُّ الْجَدِّ كَوَصِيِّ الْأَبِ ; لِأَنَّ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ.
قَالَ: (وَشَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ لَا تَجُوزُ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِنَفْسِهِ وِلَايَةَ الْقَبْضِ.
(وَعَلَى الْمَيِّتِ تَجُوزُ) إِذْ لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ.
(وَتَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ إِنْ كَانُوا كِبَارًا وَلَا تَجُوزُ إِنْ كَانُوا صِغَارًا) أَمَّا الشَّهَادَةُ لِلْكِبَارِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَتْ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لَا تَجُوزُ وَفِي غَيْرِهِ تَجُوزُ.
وَقَالَا: تَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ فَلَا يُثْبِتَانِ لِأَنْفُسِهِمَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فَلَا تُهْمَةَ، بِخِلَافِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ لَهُمَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ لَهُمَا وِلَايَةَ الْحِفْظِ وَوِلَايَةَ بَيْعِ الْمَنْقُولِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ فَتَحَقَّقَتِ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ مَا إِذَا شَهِدَا فِي غَيْرِ التَّرِكَةِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا فِي غَيْرِهَا. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ لِلصِّغَارِ فَلَا تَجُوزُ بِحَالٍ لِلتُّهْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ إِلَى أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فَإِذَا قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ وَلَدِي فَهُوَ كَمَا قَالَ ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْوِكَالَةِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُؤَقَّتَةٌ شَرْعًا بِبُلُوغِ الْأَيْتَامِ أَوْ إِينَاسِ الرُّشْدِ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ مُؤَقَّتَةً شَرْطًا، وَلَوْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ فِي مَالِهِ كَانَ وَصِيًّا فِيهِ وَفِي وَلَدِهِ، وَالْوَصِيُّ فِي نَوْعٍ يَكُونُ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ ; لِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَاحْتَجْنَا إِلَى نَصْبِ آخَرَ، وَالْمُوصِي قَدِ اخْتَارَ هَذَا وَصِيًّا فِي بَعْضِ أُمُورِهِ فَجَعْلُهُ وَصِيًّا فِي الْكُلِّ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَصَرُّفِ هَذَا فِي الْبَعْضِ وَلَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفُ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، وَإِذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِلُّ أَخْذَ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقِيلَ: إِنِ ادَّعَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَخْرَجَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: إِمَّا أَنْ تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ وَتَسْتَوْفِيَ أَوْ تُبَرِّئَهُ وَإِلَّا أَخْرَجْتُكَ مِنَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ أَبْرَأَهُ وَإِلَّا أَخْرَجَهُ وَأَقَامَ غَيْرَهُ، وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَيَعْمَلَ فِيهِ هُوَ مُضَارَبَةً ; لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ، وَلِلْأَبِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ فَكَذَا الْوَصِيُّ، فَإِنْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«ابْتَغُوا فِي مَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا» فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْجِبَ طَائِفَةً مِنَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ بِالْمُضَارَبَةِ احْتَاجَ إِلَى الْإِشْهَادِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ إِنْ لَمْ يَشْهَدْ فَمَا عَمِلَهُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يُتْرَكُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَهُوَ الْإِشْهَادُ، وَلِلْوَصِيِّ