المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(كتاب صلاة المسافرين وقصرها[685]قولها فرضت الصلاة - شرح النووي على مسلم - جـ ٥

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب المساجد ومواضع الصلاة[520]قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(باب تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقُدْسِ إِلَى الْكَعْبَةِ)

- ‌(باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذ الصور

- ‌(باب فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا)

- ‌(باب الندب إلى وضع الايدي على الركب في الركوع)

- ‌(باب جواز الاقعاء على العقبين)

- ‌(باب تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَنَسْخِ مَا كَانَ مِنْ إِبَاحَتِهِ)

- ‌(باب جَوَازِ لَعْنِ الشَّيْطَانِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْهُ)

- ‌(باب جَوَازِ حَمْلِ الصبيان في الصلاة)

- ‌(بَابُ جَوَازِ الْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(باب كَرَاهَةِ الْاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌(باب كَرَاهَةِ مَسْحِ الْحَصَى)

- ‌(بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(باب جواز الصلاة في النعلين)

- ‌(باب كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ)

- ‌(باب كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ الَّذِي يُرِيدُ أَكْلَهُ في

- ‌(باب نَهْيِ مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ نَحْوَهَا)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنْ نَشْدِ الضَّالَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ

- ‌(باب السهو في الصلاة والسجود له)

- ‌(باب سجود التلاوة)

- ‌(باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على

- ‌(باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته)

- ‌(باب الذكر بعد الصلاة)

- ‌(باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَبَيَانِ صِفَتِهِ)

- ‌(وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ

- ‌(باب مَا يُقَالُ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ بِوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ وَالنَّهْيِ عَنْ

- ‌(بَابُ مَتَى يَقُومُ الناس للصلاة)

- ‌(بَاب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ تِلْكَ الصَّلَاةَ)

- ‌(باب أوقات الصلوات الخمس)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِمَنْ يَمْضِي

- ‌(باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ بِالْعَصْرِ)

- ‌(باب التَّغْلِيظِ فِي تَفْوِيتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ)

- ‌(باب الدَّلِيلِ لِمَنْ قَالَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةِ الْعَصْرِ)

- ‌(باب فَضْلِ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا)

- ‌(باب بَيَانِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ)

- ‌(باب وَقْتِ الْعِشَاءِ وَتَأْخِيرِهَا)

- ‌(باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها)

- ‌(باب كراهة تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَمَا يَفْعَلُهُ

- ‌(باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها)

- ‌(باب الرُّخْصَةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ لعذر)

- ‌(باب جَوَازِ الْجَمَاعَةِ فِي النَّافِلَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى حَصِيرٍ

- ‌(باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعة)

- ‌(باب فَضْلِ الْجُلُوسِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ)

- ‌(باب مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي جميع الصلاة)

- ‌(باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها)

- ‌(كتاب صلاة المسافرين وقصرها[685]قَوْلُهَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ

- ‌(باب الصَّلَاةِ فِي الرِّحَالِ فِي الْمَطَرِ)

- ‌(باب جَوَازِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي السفر حيث

- ‌(باب جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ)

- ‌(باب جَوَازِ الِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ)

- ‌(بَابُ اسْتِحْبَابِ يَمِينِ الْإِمَامِ)

- ‌(باب كراهة المشوع في نافلة بعد شروع المؤذن)

- ‌(باب مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِرَكْعَتَيْنِ وَكَرَاهَةِ الْجُلُوسِ قَبْلَ

- ‌(باب استحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول

- ‌(بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ)

الفصل: ‌(كتاب صلاة المسافرين وقصرها[685]قولها فرضت الصلاة

‌(كتاب صلاة المسافرين وقصرها

[685]

قَوْلُهَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ

رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالْإِتْمَامُ وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ وَلَنَا قَوْلٌ أَنَّ الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ وَوَجْهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَثِيرُونَ الْقَصْرُ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ الْإِتْمَامُ وَيَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِأَنَّ أَكْثَرَ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ كَانَ الْقَصْرُ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمِنْهُمُ الْقَاصِرُ وَمِنْهُمُ الْمُتِمُّ وَمِنْهُمُ الصَّائِمُ وَمِنْهُمُ الْمُفْطِرُ لَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُتِمُّ وَكَذَلِكَ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعُ الْجُنَاحِ وَالْإِبَاحَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ فرضت)

ص: 194

الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ عَلَى سَبِيلِ التَّحْتِيمِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ وَثَبَتَتْ دَلَائِلُ جَوَازِ الْإِتْمَامِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ دَلَائِلِ الشَّرْعِ قَوْلُهُ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ فَقَالَ إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِمَا فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْقَصْرَ جَائِزًا وَالْإِتْمَامَ جَائِزًا فَأَخَذَا بِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ وَهُوَ الْإِتْمَامُ وَقِيلَ لِأَنَّ عُثْمَانَ إِمَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَائِشَةُ أُمُّهُمْ فَكَأَنَّهُمَا فِي مَنَازِلِهِمَا وَأَبْطَلَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما وَقِيلَ لِأَنَّ عُثْمَانَ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَافَرَ بِأَزْوَاجِهِ وَقَصَرَ وَقِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ حَضَرُوا مَعَهُ لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ أَبَدًا حَضَرًا وَسَفَرًا وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَلِ اشْتَهَرَ أَمْرُ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ وَقِيلَ لِأَنَّ عُثْمَانَ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْحَجِّ وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ حَرَامٌ عَلَى الْمُهَاجِرِ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ كَانَ لِعُثْمَانَ أَرْضٌ بِمِنًى وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْإِتْمَامَ وَالْإِقَامَةَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حنيفة وأحمد والجمهور أنه يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي كُلِّ سَفَرٍ مُبَاحٍ وَشَرَطَ بَعْضُ السَّلَفِ كَوْنَهُ سَفَرَ خَوْفٍ وَبَعْضُهُمْ كَوْنَهُ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوٍ وَبَعْضُهُمْ كَوْنَهُ سَفَرَ طَاعَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ وَلَا يَجُوزُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُمَا وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ لا يَجُوزُ الْقَصْرُ إِلَّا فِي مَسِيرَةِ مَرْحَلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ وهي ثمانية وأربعون ميلا هاشمية وَالْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَالْإِصْبَعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يُقْصِرُ فِي أَقَلَّ من ثلاث مراحل وروى عن عثمان وبن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ يَجُوزُ

ص: 195

فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ قَصَرَ

[686]

قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ هُوَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أُخْرَى مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ويقال فيه بن باباه وبن بابي بكسر الباء الثانية قوله عجبت ما عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ مَا عَجِبْتُ وَفِي بَعْضِهَا عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَاللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عَلَيْنَا وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفِيهِ جَوَازُ الْقَصْرِ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَفْضُولَ إِذَا رَأَى الْفَاضِلَ يَعْمَلُ شَيْئًا يُشْكِلُ عَلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[687]

قَوْلُهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ عز وجل الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم في الحضر

ص: 196

أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ عَمِلَ بِظَاهِرِهِ طَائِفَةٌ مِنَ السلف منهم الحسن والضحاك واسحق بْنُ رَاهَوَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ إِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَضَرِ وَجَبَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي السَّفَرِ وَجَبَ رَكْعَتَانِ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَالٍ من الأحوال وتأولوا حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَرَكْعَةٌ أُخْرَى يَأْتِي بِهَا مُنْفَرِدًا كَمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ

[689]

قَوْلُهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ أَيْ مَنْزِلَهُ قَوْلُهُ فَحَانَتْ مِنْهُ

ص: 197

الْتِفَاتَةٌ أَيْ حَضَرَتْ وَحَصَلَتْ قَوْلُهُ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي الْمُسَبِّحُ هُنَا الْمُتَنَفِّلُ بِالصَّلَاةِ والسبحة هنا صلاة النفل وقوله لو كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ مَعْنَاهُ لَوِ اخْتَرْتُ التَّنَفُّلَ لَكَانَ إِتْمَامُ فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلِ السُّنَّةُ الْقَصْرُ وَتَرْكُ التَّنَفُّلِ وَمُرَادُهُ النَّافِلَةُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَكْتُوبَاتِ وَأَمَّا النوافل المطلقة فقد كان بن عُمَرَ يَفْعَلُهَا فِي السَّفَرِ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا كَمَا ثَبَتَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الصَّحِيحِ عَنْهُ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي السَّفَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ فكرهها بن عُمَرَ وَآخَرُونَ وَاسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَالْجُمْهُورُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ فِي نَدْبِ الرَّوَاتِبِ وَحَدِيثُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَرَكْعَتَيِ الصُّبْحِ حِينَ نَامُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَحَادِيثُ أُخَرَ صَحِيحَةٌ ذَكَرَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْقِيَاسِ عَلَى النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الرواتب في رحله ولا يراه بن عُمَرَ فَإِنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ أَوْ لَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا وَأَمَّا مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِتَرْكِهَا مِنْ أَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ لَكَانَ إِتْمَامُ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى فَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَرِيضَةَ مُتَحَتِّمَةٌ فَلَوْ شُرِعَتْ تَامَّةً لَتَحَتَّمَ إِتْمَامُهَا وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَهِيَ إِلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ فَالرِّفْقُ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً وَيَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ فَعَلَهَا وَحَصَلَ ثَوَابُهَا وَإِنْ شاء تركها ولا شيء عليه قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنِ بن عُمَرَ ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هذا في حديث بن عُمَرَ قَالَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ سِتَّ سِنِينَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ عُثْمَانَ

ص: 198

أَتَمَّ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَتِهِ وَتَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مِنًى وَالرِّوَايَاتُ الْمَشْهُورَةُ بِإِتْمَامِ عُثْمَانَ بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ خِلَافَتِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِتْمَامِ بِمِنًى خَاصَّةً وَقَدْ فَسَّرَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ إِتْمَامَ عُثْمَانَ إِنَّمَا كَانَ بِمِنًى وَكَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوعٌ بِعَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى لِلْحَاجِّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْصِرُ أَهْلُ مَكَّةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَاتٍ فَعِلَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ النُّسُكُ وَعِنْدَ الجمهور علته السفر والله أعلم قَوْلُهُ

[690]

صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَيُقَالُ سَبْعَةٌ هَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إِلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ مَرْحَلَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ شَرْطُهُ ثَلَاثُ مَرَاحِلٍ وَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ آثَارًا عَنِ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ

ص: 199

أَنَّهُ حِينَ سَافَرَ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَدْرَكَتْهُ الْعَصْرُ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ كَانَ غَايَةَ سَفَرِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ قَطْعًا وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْقَصْرِ فَيَجُوزُ مِنْ حِينِ يُفَارِقُ بُنْيَانَ بَلَدِهِ أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ هَذَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ وَتَفْصِيلُهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا رِوَايَةً ضَعِيفَةً عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وجماعة من أصحاب بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ قَصَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي يَوْمِ خُرُوجِهِ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُنَابِذَةٌ لِلسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ

[691]

قَوْلُهُ يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْهُنَائِيُّ هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مُخَفَّفَةٌ وَبِالْمَدِّ الْمَنْسُوبِ إِلَى هَنَاءَ بْنِ مَالِكِ بْنِ فَهْمٍ قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ هَذَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ وَإِنَّمَا وَقَعَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَسْفَارِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَا كَانَ يُسَافِرُ سَفَرًا طَوِيلًا فَيَخْرُجُ عِنْدَ حُضُورِ فَرِيضَةٍ مَقْصُورَةٍ وَيَتْرُكُ قَصْرَهَا بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَيُتِمُّهَا وَإِنَّمَا كَانَ يُسَافِرُ بَعِيدًا مِنْ وَقْتِ الْمَقْصُورَةِ فَتُدْرِكُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ أكْثَرَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيُصَلِّيهَا حِينَئِذٍ وَالْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ مَعَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مُتَعَاضِدَاتٍ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنَ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى مسافرا

ص: 200

وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[692]

قَوْلُهُ وَحَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدِ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إِلَى قَرْيَةٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ فَمَنْ بَعْدَهُ وَتَقَدَّمَتْ لِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ بَاقِيهَا فِي مَوَاضِعِهَا ان شاء الله تعالى ويزيد بن خمير بضم الخاء المعجمة ونفير بضم النون وفتح الفاء والسمط بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَيُقَالُ السَّمِطُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ بِحَالٍ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعُمَرَ رضي الله عنه إِنَّمَا هُوَ الْقَصْرُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا غَايَةَ السَّفَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَصَرَ شُرَحْبِيلُ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِيلًا أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ فَعَلَ شَيْئًا يُخَالِفُ الْجُمْهُورَ أَوْ يُتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ لَا أَنَّهَا غَايَتُهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ ظَاهِرٌ وَبِهِ يَصِحُّ احْتِجَاجُهُ بِفِعْلِ عُمَرَ وَنَقْلُهُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَتَى أَرْضًا يُقَالُ لَهَا دُومَيْنِ مِنْ حِمْصَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا هِيَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَالْوَاوُ سَاكِنَةٌ

ص: 201

وَالْمِيمُ مَكْسُورَةٌ وَحِمْصُ لَا يَنْصَرِفُ وَإِنْ كَانَتِ اسْمًا ثُلَاثِيًّا سَاكِنَ الْأَوْسَطِ لِأَنَّهَا عَجَمِيَّةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا الْعُجْمَةُ وَالْعَلَمِيَّةُ وَالتَّأْنِيثُ كَمَاهَ وَجَوْرَ وَنَظَائِرِهِمَا

[693]

قَوْلُهُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ قُلْتُ كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ قَالَ عَشْرًا هَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَامَ فِي مَكَّةَ وَمَا حَوَالَيْهَا لَا فِي نَفْسِ مَكَّةَ فَقَطْ وَالْمُرَادُ فِي سَفَرِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَدِمَ مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَأَقَامَ بِهَا الْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ وَخَرَجَ مِنْهَا فِي الثَّامِنِ إِلَى مِنًى وَذَهَبَ إِلَى عَرَفَاتٍ فِي التَّاسِعِ وَعَادَ إِلَى مِنًى فِي الْعَاشِرِ فَأَقَامَ بِهَا الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَنَفَرَ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ إِلَى مَكَّةَ وَخَرَجَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ فَمُدَّةُ إِقَامَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَكَّةَ وَحَوَالَيْهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِيهَا كُلِّهَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا نَوَى إِقَامَةً دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سِوَى يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ يَقْصُرُ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ إِقَامَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ هُوَ وَالْمُهَاجِرُونَ ثَلَاثًا بِمَكَّةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ إِقَامَةً شَرْعِيَّةً

ص: 202

وَأَنَّ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَا يُحْسَبَانِ مِنْهَا وَبِهَذِهِ الْجُمْلَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَفِيهَا خلاف منتشر للسلف

[694]

قَوْلُهُ بِمِنًى وَغَيْرِهِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مِنًى تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ بِحَسَبِ الْقَصْدِ إِنْ قَصَدَ الْمَوْضِعَ فَمُذَكَّرٌ أَوِ الْبُقْعَةَ فَمُؤَنَّثَةٌ وَإِذَا ذُكِّرَ صُرِفَ وَكُتِبَ بِالْأَلِفِ وَإِنْ أُنِّثَ لَمْ يُصْرَفْ وَكُتِبَ بِالْيَاءِ وَالْمُخْتَارُ تَذْكِيرُهُ وَتَنْوِينُهُ وَسُمِّيَ مِنًى لِمَا يُمْنَى بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ قَوْلُهُ خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ وَسَبَقَ بيانه في

ص: 203

أَوَّلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ

[695]

قَوْلُهُ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ مَعْنَاهُ لَيْتَ عُثْمَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَدَلَ الْأَرْبَعِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي صَدْرِ خلافته يفعلون وَمَقْصُودُهُ كَرَاهَةُ مُخَالَفَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَاهُ وَمَعَ هَذَا فَابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مُوَافِقٌ عَلَى جَوَازِ الْإِتْمَامِ وَلِهَذَا كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ عُثْمَانَ رضي الله عنه مُتِمًّا وَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ عِنْدَهُ وَاجِبًا لَمَا اسْتَجَازَ تَرْكَهُ وَرَاءَ أَحَدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَذُكِرَ

ص: 204