المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب زكاة الفطر) - شرح النووي على مسلم - جـ ٧

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ

- ‌(كِتَاب الزَّكَاةِ هِيَ فِي اللُّغَةِ النَّمَاءُ وَالتَّطْهِيرُ فَالْمَالُ

- ‌(باب زَكَاةِ الفطر)

- ‌(باب اثم مَانِعِ الزَّكَاةِ)

- ‌(بَابُ إِرْضَاءِ السُّعَاةِ)

- ‌(أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ) الْمُصَدِّقُونَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَهُمُ السُّعَاةُ

- ‌(باب تَغْلِيظِ عُقُوبَةِ مَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ)

- ‌(باب الْحَثِّ عَلَى النَّفَقَةِ وَتَبْشِيرِ الْمُنْفِقِ بِالْخَلَفِ)

- ‌(باب فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ والمملوك)

- ‌(باب الِابْتِدَاءِ فِي النَّفَقَةِ بِالنَّفْسِ ثُمَّ أَهْلِهِ ثُمَّ الْقَرَابَةِ)

- ‌(باب فَضْلِ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْأَقْرَبِينَ وَالزَّوْجِ

- ‌(باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه)

- ‌(ضَبَطْنَاهُ نَفْسَهَا وَنَفْسُهَا بِنَصَبِ السِّينِ وَرَفْعِهَا فالرفع)

- ‌(باب بَيَانِ أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَعْرُوفِ)

- ‌(قَالَ وَقِيلَ عَبَّرَ بِالْيَمِينِ هُنَا عَنْ جِهَةِ الْقَبُولِ وَالرِّضَا إِذِ

- ‌(باب الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)

- ‌(باب الْحَمْلِ بِأُجْرَةٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا وَالنَّهْيِ الشَّدِيدِ)

- ‌(باب فَضْلِ الْمَنِيحَةِ)

- ‌(باب مَثَلِ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ)

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ أَجْرِ الْمُتَصَدِّقِ وَإِنْ وَقَعَتِ الصَّدَقَةُ فِي يَدِ فَاسِقٍ

- ‌(باب أَجْرِ الْخَازِنِ الْأَمِينِ وَالْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ مِنْ بَيْتِ

- ‌(وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سَوَاءً لِأَنَّ

- ‌(باب فضل من ضم إلى الصدقة غيرها من أنواع الْبِرِّ)

- ‌(باب الحث على الانفاق وكراهة الاحصاء)

- ‌(باب الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ وَلَا تَمْتَنِعُ مِنْ

- ‌(باب فَضْلِ إِخْفَاءِ الصَّدَقَةِ)

- ‌(باب بَيَانِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ)

- ‌(باب بَيَانِ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَأَنَّ

- ‌(باب النَّهْيِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ)

- ‌(باب من تحل له المسألة)

- ‌(باب جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع)

- ‌(باب كَرَاهَةِ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا)

- ‌(باب فضل القناعة والحث عليها)

- ‌(باب التحذير من الاغترار بزينة الدنيا وما يبسط مِنْهَا)

- ‌(باب فضل التعفف والصبر والقناعة والحث على كُلُّ ذَلِكَ)

- ‌(باب اعطاء المؤلفة ومن يخاف على ايمانه ان لم يعط)

- ‌(قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْحَدِيثِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ كَذَلِكَ

- ‌(وَهُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ

- ‌(باب تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(باب إِبَاحَةِ الْهَدِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(باب الدُّعَاءِ لِمَنْ أَتَى بِصَدَقَتِهِ)

- ‌(باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ)

- ‌(باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وَصِغَرِهِ)

- ‌(باب بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرَا عِيدٍ لَا

- ‌(باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر)

- ‌(باب فضل السحور وتأكيد استحبابه)

- ‌(باب بَيَانِ وَقْتِ انْقِضَاءِ الصَّوْمِ وَخُرُوجِ النَّهَارِ)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ)

- ‌(أَيْ أَظَلُّ عَلَيْهِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلَالَةٌ لِلْمَذْهَبِ

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي الصَّوْمِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ

- ‌((باب صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ))

- ‌(بَابُ تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى الصَّائِمِ)

- ‌(بَابُ جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ

الفصل: ‌(باب زكاة الفطر)

وَخَالِدٌ وَالْعَبَّاسُ لَمْ تَكُنْ زَكَاةً إِنَّمَا كَانَتْ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَدَبَ النَّاسَ إِلَى الصَّدَقَةِ وَذَكَرَ تَمَامَ الحديث قال بن الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَلْيَقُ بِالْقِصَّةِ فَلَا يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ مَنْعُ الْوَاجِبِ وَعَلَى هَذَا فَعُذْرُ خَالِدٍ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَا بَقِيَ لَهُ مَالٌ يَحْتَمِلُ المواساة بصدقة التطوع ويكون بن جَمِيلٍ شَحَّ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَعَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْعَبَّاسِ هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا أَيْ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إِذَا طُلِبَتْ مِنْهُ هَذَا كلام بن الْقَصَّارِ وَقَالَ الْقَاضِي لَكِنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا فِي الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَبْعَثُ فِي الْفَرِيضَةِ قُلْتُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي الزَّكَاةِ لَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا) مَعْنَاهُ أَنِّي تَسَلَّفْتُ مِنْهُ زَكَاةَ عَامَيْنِ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يُجَوِّزُونَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ مَعْنَاهُ أَنَا أُؤَدِّيهَا عَنْهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَهَا عَنِ الْعَبَّاسِ إِلَى وَقْتِ يَسَارِهِ مِنْ أَجْلِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا وَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَجَّلْتُهَا مِنْهُ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ إِنَّا تَعَجَّلْنَا مِنْهُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ) أَيْ مِثْلُ أَبِيهِ وَفِيهِ تَعْظِيمُ حَقِّ الْعَمِّ

(باب زَكَاةِ الفطر)

[984]

قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى الناس صاعا

ص: 57

من تمر أوصاعا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى فَرَضَ هُنَا فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تعالى وآتوا الزكاة وَلِقَوْلِهِ فَرَضَ وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ إِنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا وَمَعْنَى فَرَضَ قَدَّرَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ لَيْسَتْ فَرْضًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْفِطْرَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا فَرْضُ وَاجِبٍ قَوْلُهُ (مِنْ رَمَضَانَ) إِشَارَةٌ إِلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ وَالثَّانِي تَجِبُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ بِالْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ مَعًا فَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الطُّلُوعِ لَمْ تَجِبْ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَفِي قَوْلِهِ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا قَالَ وَكَانَ سَبَبُ هَذَا أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَطُولُ وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا مِنْ أُمُورٍ تُفَوِّتُ كَمَالَهَا جَعَلَ الشَّرْعُ فِيهَا كَفَّارَةً مَالِيَّةً بَدَلَ النَّقْصِ كَالْهَدْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَذَا الْفِطْرَةُ لِمَا يَكُونُ فِي الصَّوْمِ مِنْ لَغْوٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي إِخْرَاجِهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ إِخْرَاجُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا صَغِيرٍ أَوْ كبير وتعلق من لم يوجبها بأنها تَطْهِيرٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى التَّطْهِيرِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّعْلِيلَ

ص: 58

بِالتَّطْهِيرِ لِغَالِبِ النَّاسِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُوجَدَ التَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ كَصَالِحٍ مُحَقَّقِ الصَّلَاحِ وَكَكَافِرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ وَكَمَا أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فَلَوْ وَجَدَ مَنْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْقَصْرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَإِنَّ دَاوُدَ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ وَأَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَمْكِينَهُ مِنْ كَسْبِهَا كَمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً وَالثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَحْمِلُهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ فَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَلَفْظَةُ عَلَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ لَفْظَةُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ وَبِهِ قال مالك وأبوحنيفة وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَقَوْلُهُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعِيدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَصَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّادَةُ

ص: 59

دُونَ الْعَبِيدِ وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَاعًا مِنْ كَذَا وَصَاعًا مِنْ كَذَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ صَاعٌ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبٍ وَجَبَ صَاعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً وَزَبِيبًا وَجَبَ أَيْضًا صَاعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ نِصْفُ صَاعٍ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ اسْمٌ لِلْحِنْطَةِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ بِبَاقِي الْمَذْكُورَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ قِيَمُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَوْجَبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا صَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَاعٌ وَلَا نَظَرَ إِلَى قِيمَتِهِ وَوَقَعَ في رواية لأبي داود أوصاعا مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَيْسَ لِلْقَائِلَيْنِ بِنِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ إِلَّا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ وَسَنُجِيبُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً ضَعَّفَهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَضَعْفُهَا بَيِّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتُلِفَ فِي النَّوْعِ الْمُخْرَجِ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالشَّعِيرُ إِلَّا خِلَافًا فِي الْبُرِّ لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَخِلَافًا فِي الزَّبِيبِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكِلَاهُمَا مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ بِهِ وَأَمَّا الْأَقِطُ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُخْرَجُ إِلَّا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَقَاسَ مَالِكٌ عَلَى الْخَمْسَةِ كُلَّ مَا هُوَ عَيْشُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْقَطَانِيِّ وَغَيْرِهَا وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يُجِزْ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِخْرَاجَ

ص: 60

الْقِيمَةِ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ قُلْتُ قَالَ أَصْحَابُنَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ كُلُّ حَبٍّ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ وَيُجْزِي الْأَقِطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ قُوتُ نَفْسِهِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عَدَلَ عَنِ الْوَاجِبِ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَدَلَ إِلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِهِ قَوْلُهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ بَلْ وَافَقَهُ فِيهَا ثِقَتَانِ وَهُمَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ فَالضَّحَّاكُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَأَمَّا عُمَرُ فَفِي الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ فَقَوْلُهُ سَمْرَاءِ الشَّامِ هِيَ الْحِنْطَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ فِي جَوَازِ نِصْفِ صَاعٍ حِنْطَةٍ وَالْجُمْهُورُ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً وَأَعْلَمُ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَنَرْجِعُ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَجَدْنَا ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسَ مُتَّفِقًا عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ كَغَيْرِهَا فَوَجَبَ اعْتِمَادُهُ وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ عِلْمٌ فِي مُوَافَقَةِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَذَكَرَهُ كَمَا جَرَى

ص: 61

لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ

[985]

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) صَرِيحٌ فِي إِجْزَائِهِ وَإِبْطَالٍ لِقَوْلِ مَنْ مَنَعَهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَالَ خَالَفَ سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعْمَرًا فِيهِ فَرَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ عِيَاضٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنِ الْحَارِثِ قُلْتُ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ صَحِيحُ السَّمَاعِ عَنْ عياض والله أعلم وقوله (بن أَبِي ذُبَابٍ) هُوَ بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الموحدة قوله (عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ

ص: 62

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ لَا عَلَى الْعَبْدِ نَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ الكلام فيه ومذاهبهم بدلائلها

[986]

قَوْلُهُ (أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجَ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْفِطْرَةِ عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الخروج إلى المصلى والله أعلم

ص: 63