الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَتَخْيِيرُهَا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ حِينَ أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الثَّلَاثِ مَشْرُوحَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ
[1076]
قَوْلُهَا (إِلَّا أَنَّ نُسَيْبَةَ بَعَثَتْ إِلَيْنَا) هِيَ نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا نَسِيبَةُ بِفَتْحِ النون وكسر السين وهي أم عطية
[1077]
قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ أَكَلَ مِنْهَا وَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا) فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ وَالْفَحْصِ عَنْ أَصْلِ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ
(باب الدُّعَاءِ لِمَنْ أَتَى بِصَدَقَتِهِ)
[1078]
قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَأَتَاهُ أَبِي أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى) هَذَا الدُّعَاءُ وَهُوَ الصَّلَاةُ امْتِثَالٌ لِقَوْلِ الله عز وجل
وصل عليهم وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الدُّعَاءَ لِدَافِعِ الزَّكَاةِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاعْتَمَدُوا الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْأَمْرُ فِي حَقِّنَا لِلنَّدَبِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا وَغَيْرَهُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالدُّعَاءِ وَقَدْ يُجِيبُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ وُجُوبَ الدُّعَاءِ كَانَ مَعْلُومًا لَهُمْ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِأَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَلَاتَهُ سَكَنٌ لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ فِي صِفَةِ الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ وَأَمَّا قَوْلُ السَّاعِي اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلَانٍ فكرهه جمهور أصحابنا وهو مذهب بن عباس ومالك وبن عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا تَبَعًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي لِسَانِ السَّلَفِ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا أَنَّ قَوْلَنَا عز وجل مَخْصُوصٌ بِاللَّهِ سبحانه وتعالى فَكَمَا لَا يُقَالُ مُحَمَّدٌ عز وجل وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا لَا يُقَالُ أَبُو بَكْرٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ هَلْ هُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ أَمْ مُحَرَّمٌ أَوْ مُجَرَّدُ أَدَبٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ شِعَارٌ لِأَهْلِ الْبِدَعِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ شِعَارِهِمْ وَالْمَكْرُوهُ هُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَيُقَالُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَتْبَاعِهِ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَمْنَعُوا مِنْهُ وَقَدْ أُمِرْنَا بِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا السَّلَامُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ وَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُفْرَدُ به غائب ولا يقال قال فلان عليه السلام وَأَمَّا الْمُخَاطَبَةُ بِهِ لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَسُنَّةٌ فَيُقَالُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ أَوْ سَلَامٌ عليك أو عليكم والله أعلم
(فَاقْدُرُوا لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العدد وفي رواية فان غمي عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى فَاقْدُرُوا لَهُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ صَوْمَ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شاء الله تعالى وقال بن سُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وبن قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ قَدِّرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَدَّرْتُ الشَّيْءَ أُقَدِّرُهُ وَأَقْدُرُهُ وَقَدَّرْتُهُ وَأَقْدَرْتُهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنَ التَّقْدِيرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمِنْهُ قَوْلُ الله تعالى فقدرنا فنعم القادرون وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وهو تفسير لاقدروا لَهُ وَلِهَذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي رِوَايَةٍ بَلْ تَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَتَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَيُؤَكِّدُهُ الرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ قَالَ الْمَازِرِيُّ حَمَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فاقدروا له على أن المراد اكمال الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ كَمَا فَسَّرَهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حِسَابَ الْمُنَجِّمِينَ لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ كُلِّفُوا بِهِ ضَاقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَفْرَادٌ وَالشَّرْعُ إِنَّمَا يُعَرِّفُ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُهُ جَمَاهِيرُهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) فَمَعْنَاهُ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ يُقَالُ غُمَّ وَأُغْمِيَ وَغُمِّيَ وَغُمِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا وَالْغَيْنُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَيُقَالُ غُبِّيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَقَدْ غَامَتِ السَّمَاءُ وَغَيَّمَتْ وَأَغَامَتْ وَتَغَيَّمَتْ وَأَغَمَّتْ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَا يوم الثلاثين
[1079]
قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتَ الشَّيَاطِينُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وسلسلت الشياطين) وفي رواية (اذا دَخَلَ رَمَضَانُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ قَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقَالُ رَمَضَانُ عَلَى انْفِرَادِهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُطْلَقُ عَلَى غيره الا بقيد وقال أكثر أصحابنا وبن الْبَاقِلَّانِيِّ إِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إِلَى الشَّهْرِ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ قَالُوا فَيُقَالُ صُمْنَا رَمَضَانَ قُمْنَا رَمَضَانَ وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ وَيُنْدَبُ طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ وَدَخَلَ وَحَضَرَ رَمَضَانُ وَأُحِبُّ رَمَضَانَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَالْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إِطْلَاقِ رَمَضَانَ بِقَرِينَةٍ وَبِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الصَّوَابُ