الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ) هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ وَمَعْنَاهُ إِنْ بَذَلْتَ الْفَاضِلَ عَنْ حَاجَتِكَ وَحَاجَةِ عِيَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ لِبَقَاءِ ثَوَابِهِ وَإِنْ أَمْسَكْتَهُ فَهُوَ شَرٌّ لَكَ لِأَنَّهُ إِنْ أَمْسَكَ عَنِ الْوَاجِبِ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَمْسَكَ عَنِ الْمَنْدُوبِ فَقَدْ نَقَصَ ثَوَابَهُ وَفَوَّتَ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ فِي آخِرَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ شَرٌّ وَمَعْنَى لَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ أَنَّ قَدْرَ الْحَاجَةِ لَا لَوْمَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ فِي الْكَفَافِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ كَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ زَكَوِيٌّ وَوَجَبَتِ الزَّكَاةُ بِشُرُوطِهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ النِّصَابِ لِكَفَافِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَيُحَصِّلُ كِفَايَتَهُ مِنْ جِهَةٍ مُبَاحَةٍ وَمَعْنَى ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أَنَّ الْعِيَالَ وَالْقَرَابَةَ أَحَقُّ مِنَ الْأَجَانِبِ وَقَدْ سَبَقَ
(باب النَّهْيِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ)
مَقْصُودُ الْبَابِ وَأَحَادِيثِهِ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا حَرَامٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَالثَّانِي حَلَالٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِثَلَاثِ شُرُوطٍ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ وَلَا يُلِحَّ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُؤْذِيَ المسؤول فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهِيَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1037]
قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصُبِيِّ) هُوَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِهَا مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي يَحْصُبَ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ إِلَّا حَدِيثًا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يُخِيفُ النَّاسَ فِي اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأَحَادِيثَ وَفِي بَعْضِهَا وَالْأَحَادِيثَ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَمُرَادُ مُعَاوِيَةَ النَّهْيُ عَنِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ لِمَا شَاعَ فِي زَمَنِهِ مِنَ التَّحَدُّثِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَا وُجِدَ فِي كُتُبِهِمْ حِينَ
فُتِحَتْ بُلْدَانُهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ فِي الْأَحَادِيثِ إِلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رضي الله عنه لِضَبْطِهِ الْأَمْرَ وَشِدَّتِهِ فِيهِ وَخَوْفِ النَّاسِ مِنْ سَطْوَتِهِ وَمَنْعِهِ النَّاسَ مِنَ الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْأَحَادِيثِ وَطَلَبِهِ الشَّهَادَةَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى اسْتَقَرَّتِ الْأَحَادِيثُ وَاشْتُهِرَتِ السُّنَنُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) فِيهِ فَضِيلَةُ الْعِلْمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ قَائِدٌ إِلَى تَقْوَى اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ
مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعْطِي حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَسْتُ أَنَا مُعْطِيًا وَإِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ عَلَى مَا عِنْدِي ثُمَّ أَقْسِمُ مَا أُمِرْتُ بِقِسْمَتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا أُمِرْتُ بِهِ فَالْأُمُورُ كُلُّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيرِهِ وَالْإِنْسَانُ مُصَرَّفٌ مَرْبُوبٌ
[1038]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْبَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْإِلْحَافُ الْإِلْحَاحُ
[1039]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (ليس المسكين هذا الطَّوَّافِ) إِلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمِسْكَيْنِ (الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ) إِلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ الْمِسْكِينُ الْكَامِلُ الْمَسْكَنَةِ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ بِالصَّدَقَةِ وَأَحْوَجُ إِلَيْهَا لَيْسَ هُوَ هَذَا الطَّوَّافُ بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَنِ الطَّوَافِ بَلْ مَعْنَاهُ نَفْيُ كَمَالِ الْمَسْكَنَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ واليوم الآخر إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَوْلُهُ (قَالُوا فَمَا الْمِسْكِينُ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا فَمَا الْمِسْكِينُ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَا تَأْتِي كَثِيرًا
لِصِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ
[1040]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ أَيْ قِطْعَةُ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ مَعْنَاهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِيلًا سَاقِطًا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُحْشَرُ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَا لَحْمَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَعَلَامَةً لَهُ بِذَنْبِهِ حِينَ طَلَبَ وَسَأَلَ بِوَجْهِهِ كَمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الْأُخَرُ بِالْعُقُوبَاتِ فِي الْأَعْضَاءِ الَّتِي كَانَتْ بِهَا الْمَعَاصِي وَهَذَا فِيمَنْ سَأَلَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ سُؤَالًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ سَأَلَ تَكَثُّرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1041]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ) قَالَ الْقَاضِي
مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالنَّارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ يَصِيرُ جَمْرًا يُكْوَى بِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ
[1042]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنَ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْأَكْلِ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَالِاكْتِسَابِ بِالْمُبَاحَاتِ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ النَّابِتَيْنِ فِي مَوَاتٍ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ فَيَحْطِبَ بِغَيْرِ تَاءٍ بَيْنَ الْحَاءِ وَالطَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهَكَذَا أَيْضًا فِي النُّسَخِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنَ النَّاسِ بِالْمِيمِ وَفِي نَادِرٍ مِنْهَا عَنِ النَّاسِ بِالْعَيْنِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ على الثاني
[1043]
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ) اسْمُ أَبِي إِدْرِيسَ عَابدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاسْمُ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وبعدها موحدة ويقال بن ثواب بفتح الثاء وتخفيف الواو ويقال بن أثوب ويقال بن عبد الله ويقال بن عوف ويقال بن مُسْلِمٍ وَيُقَالُ اسْمُهُ يَعْقُوبُ بْنُ عَوْفٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالزُّهْدِ وَالْكَرَامَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَحَاسِنِ الْبَاهِرَةِ أَسْلَمَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَلْقَاهُ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ فِي النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ فَتَرَكَهُ فَجَاءَ مُهَاجِرًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَقِيَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْأَنْسَابِ إِنَّهُ أَسْلَمَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَغَلَطٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَأَصْحَابِ التَّوَارِيخِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ وغيرهم والله أعلم قوله (فلقد رأيت أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ) فِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ لِأَنَّهُمْ نُهُوا عَنِ السُّؤَالِ فَحَمَلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّنْزِيهِ عَنْ جَمِيعِ مَا يُسَمَّى سُؤَالًا وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ