الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا قَوْلُهُ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا لِتَوَهُّمِهِ أَنَّ ذَلِكَ الضَّوْءَ مِنَ النَّهَارِ الَّذِي يَجِبُ صَوْمُهُ وَهُوَ مَعْنَى لَوْ أَمْسَيْتَ أَيْ تَأَخَّرْتَ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسَاءُ وَتَكْرِيرُهُ الْمُرَاجَعَةَ لِغَلَبَةِ اعْتِقَادِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَهَارٌ يَحْرُمُ فِيهِ الْأَكْلُ مَعَ تَجْوِيزِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْظُرْ إِلَى ذَلِكَ الضَّوْءِ نَظَرًا تَامًّا فَقَصَدَ زِيَادَةَ الْإِعْلَامِ بِبَقَاءِ الضَّوْءِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى الْفِطْرِ لِمَنْ لَا تَلْحَقُهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِيهِ بَيَانُ انْقِضَاءِ الصَّوْمِ بِمُجَرَّدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَذْكِيرُ الْعَالِمِ مَا يُخَافُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَهُ وَأَنَّ الْفِطْرَ عَلَى التَّمْرِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ لَوْ تَرَكَهُ جَازَ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَهُ الْفِطْرُ عَلَى الْمَاءِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا التَّرْتِيبُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فِي الْأَمْرِ بِالْفِطْرِ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ
(باب النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ وَهُوَ صَوْمُ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ بَيْنَهُمَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا عَلَى كَرَاهَتِهِ وَلَهُمْ فِي هَذِهِ الْكَرَاهَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَالثَّانِي كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَبِالنَّهْيِ عَنْهُ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
أَحَادِيثِ الْوِصَالِ فَقِيلَ النَّهْيُ عَنْهُ رَحْمَةٌ وَتَخْفِيفٌ فَمَنْ قَدَرَ فَلَا حَرَجَ وَقَدْ وَاصَلَ جَمَاعَةٌ من السلف الأيام قال وأجازه بن وَهْبٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِلَى السَّحَرِ ثُمَّ حُكِيَ عَنِ الْأَكْثَرِينَ كَرَاهَتَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْوِصَالُ مِنَ الْخَصَائِصِ الَّتِي أُبِيحَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَرُمَتْ عَلَى الْأُمَّةِ وَاحْتُجَّ لِمَنْ أَبَاحَهُ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ نَهَاهُمْ عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ وَفِي بَعْضِهَا لَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ وَفِي بَعْضِهَا لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِعُمُومِ النَّهْيِ وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُوَاصِلُوا وَأَجَابُوا عَلَى قَولِهِ رَحْمَةً بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِلتَّحْرِيمِ وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَتَكَلَّفُوا مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الْوِصَالُ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا فَاحْتُمِلَ لِلْمَصْلَحَةِ فِي تَأْكِيدِ زَجْرِهِمْ وَبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي نَهْيِهِمْ وَالْمَفْسَدَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْوِصَالِ وَهِيَ الْمَلَلُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالتَّعَرُّضُ لِلتَّقْصِيرِ فِي بَعْضِ وَظَائِفِ الدِّينِ مِنْ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ بِخُشُوعِهَا وَأَذْكَارِهَا وَآدَابِهَا وَمُلَازَمَةِ الْأَذْكَارِ وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الْمَشْرُوعَةِ فِي نَهَارِهِ وَلَيْلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1103]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) مَعْنَاهُ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى فِيَّ قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ يُطْعَمُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ كَرَامَةً لَهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ
لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَقْطَعُ كُلَّ نِزَاعٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي وَلَفْظَةُ ظَلَّ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي النَّهَارِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ الْحَقِيقِيُّ فِي النَّهَارِ بِلَا شَكٍّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَاكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ خُذُوا وَتَحَمَّلُوا
[1104]
قَوْلُهُ (فَلَمَّا حَسَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّا خَلْفَهُ جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ حَسَّ بغير ألف ويقع في طرق بعض النُّسَخِ أَحَسَّ بِالْأَلِفِ وَهَذَا هُوَ الْفَصِيحُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَأَمَّا حَسَّ بِحَذْفِ الْأَلِفِ فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَصِحُّ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ وَقَوْلُهُ يَتَجَوَّزُ أَيْ يُخَفِّفُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْجَائِزِ الْمُجْزِي مَعَ بَعْضِ الْمَنْدُوبَاتِ وَالتَّجَوُّزُ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ وَقَوْلُهُ دَخَلَ رَحْلَهُ أَيْ مَنْزِلَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رَحْلُ الرَّجُلِ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ مَنْزِلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ وَغَيْرِهَا