المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولالاعتداء في المعاني - الاعتداء في الدعاء صور وضوابط ونماذج من الدعاء الصحيح

[سعود العقيلي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدِّمة

- ‌شكرٌ وتقديرٌ

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدعاء:

- ‌شروطُ الدُّعاء وآدابُه

- ‌إجابةُ الدُّعاء

- ‌ أسباب إجابة الدعاء

- ‌ أوقات وأماكن وأوضاع يُستجاب فيها الدُّعاء

- ‌الباب الأولحقيقة الاعتداء في الدُّعاء

- ‌الفصل الأولتعريف الاعتداء في الدُّعاء

- ‌المبحث الأولتعريف الاعتداء في الدُّعاء في اللُّغة

- ‌المبحث الثَّانيتعريفُ الاعتداء في الدُّعاء في الاصطلاح

- ‌الفصل الثانيأنواع الاعتداء في الدُّعاء

- ‌المبحث الأولالاعتداءُ في المعاني

- ‌المبحث الثَّانيالاعتداء في ألفاظ الدُّعاء

- ‌المبحث الثالثالاعتداء في الهيئة والأداء

- ‌المبحث الرابعالاعتداء في الدعاء المكاني

- ‌المبحث الخامسالاعتداء في الدعاء الزماني

- ‌الباب الثانيالاعتداء في الدعاء في العبادة

- ‌الفصل الأولالاعتداء في الدعاء في الصلاة

- ‌المبحث الأولالاعتداء في الصلاة المكتوبة

- ‌المبحث الثانيالاعتداء في الدعاء في صلاة النافلة

- ‌الفصل الثانيالاعتداء في الدعاء في الحجالاعتداء في الدعاء في الإحرام والطوافوالسعي ويوم عرفة

- ‌الاعتداء في الدعاء في الإحرام والطوافوالسعي ويوم عرفة

- ‌الفصل الثالثالاعتداء في الدعاء في الصيامالاعتداء في الدعاء في الإفطار والسحور

- ‌الاعتداء في الدعاء في الإفطار والسحور

- ‌الباب الثالثنماذج من الدعاء الصحيحمن الكتاب والسنة

- ‌الفصل الأولنماذج من الدعاء من القرآن الكريم

- ‌الفصل الثانينماذج لأدعية نبوية

- ‌الخاتمة

- ‌التوصيات

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الأولالاعتداء في المعاني

‌المبحث الأول

الاعتداءُ في المعاني

وضابطُه: أن تتضمَّن هذه الأدعية معاني محرَّمةً أو مكروهةً:

1 -

الدُّعاء بلفظ اللَّهمَّ أُمَّني بكذا أو صلِّ عليّ. ونحو ذلك؛ وهذه الألفاظُ وإن كان في ظاهرها لا بأس بها لكنَّها تحمل معنى سيِّئًا لا يسوَّغُ الدُّعاء به؛ قال ابنُ القَيِّم: (ولا يُسَوَّغُ ولا يَحسن في الدُّعاء أن يقول العبد: اللهمَّ أُمَّني بكذا. بل هذه مستكره في اللفظ والمعنى؛ فإنَّه لا يقال: اقصدني بكذا إلَّا لمن كان يعرض له الغلط والنِّسيان فيقول: اقصدني. وأمَّا مَن لا يفعل إلَّا بإرادته ولا يضلُّ ولا ينسى فلا يقال: اقصدني بكذا (1).

2 -

أن يكون المسؤول ممتنعاً عقلاً وعادة وله صور؛ كإحياء الموتى ورؤية الله في الدُّنيا أو يسأل منازل الأنبياء في الآخرة أو معجزاتهم في الدُّنيا (2).

وكذلك من صوره:

الدُّعاء بجمال يوسف- عليه السلام وبملك سليمان؛ وذلك لأنَّ يوسف أعطي شطر الحسن كما قال عليه الصلاة والسلام (3).

(1) جلاء الإفهام 1/ 145، دار العروبة، الكويت، 1407هـ تحقيق الأرناؤوط.

(2)

الأزهية في أحكام الأدعية ص75.

(3)

صحيح مسلم باب الإسراء 1/ 146.

ص: 52

وأمَّا سليمان فلأنَّه {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (1). قال البغوي (2) في تفسيره: قيل سأل ذلك ليكون آية لنبوَّته ودلالة على رسالته ومعجزة.

وكذلك الدُّعاء بتغيير لون البشرة أو الطُّول أو القصر، وأن تسأل المرأة التي بلغت سن اليأس ولداً، وكذلك التي استُئصل رحمُها، (وهنا قيد: هو أنَّه يجوز أن يسأل العبد ربَّه في مقام الاضطرار والشِّدَّة سؤالاً مطلقاً أن يكشف عنه ضرورة وقعت به فينقض الله له عادة؛ كما إذا حدث له في بادية عطش فدعا الله أن يكشف ما أصابه من الضُّرِّ مطلقاً كان ذلك جائزاً وإن كان في إجابته إيَّاه نقضُ العادة) (3).

وكذلك صلاة الاستسقاء في غير وقتها (موسم نزول الأمطار)؛ فيصلِّي ويدعو دعاء الاستسقاء في وقت الصَّيف مع أنَّ عادةَ هذا البلد أن لا يَنزل المطر إلَّا في الشِّتاء.

3 -

أن يكون على السَّائل حرجٌ مما سأل؛ كسؤال الخمر وغيره من المحرَّمات؛ لما تضمَّنَه سؤالُه من إتاحة الحرام، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» (4).

4 -

أن يكون على السائل حرجٌ مما سأل؛ كسؤال المال والجاه والولد والعافية وطول العمر؛ للتَّفاخر والتَّكاثر والاستعانة بها على قضاء ما حرَّم الله من الشَّهوات.

(1) تفسير البغوي 4/ 64.

(2)

البغوي: هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي الشافعي، ولد سنة 433هـ وكان عالماً بالتفسير ديِّناً ورعاً على معتقد السَّلَف، توفي سنة 516هـ. ينظر طبقات الشافعية، 1/ 47.

(3)

الأزهية في أحكام الأدعية، للزركشي، ص58.

(4)

رواه مسلم، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي برقم 25 (4/ 2095).

ص: 53

5 -

إنَّ حاجتَه إذا عظمت يسألها الله- تعالى- سؤال مستعظم لها في ذات الله؛ بل يسأله الصَّغيرة والكبيرة سؤالاً واحداً؛ للحديث الذي رواه مسلم وابنُ حبَّان عن أبي هريرة: «إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإنه لا يتعاظم على الله شيء» (1).

6 -

أن يدعو السَّائل من باب الاسترسال في الدُّعاء والعادة فقط دون العزم والنِّيَّة؛ كأن يدعو أن يخلِّصَه الله من معصية وهو مصرٌّ عليها ويواقعها.

7 -

طلب نفي ما دلَّ الشَّرع على ثبوته: كالدُّعاء للكفرة بالمغفرة ونفي تخليدهم في النار، أو الدُّعاء على المسلم الموحِّد بالخلود في النَّار.

8 -

طلبُ ثبوت أمر دلَّ الشَّرع على نفيه؛ كقولهم: (اللهم اجعلني أوَّلَ من تنشقُّ عنه الأرض يوم القيامة). أو يسأل الله العصمة من الخطأ والذُّنوب مطلقاً لحديث «كلُّ ابن آدم خطَّاء» (2).

9 -

أن يتعدَّى في الدُّعاء على مَن ظلمه؛ لاسيَّما المسلم، وله صور:

* أن يدعو عليه بملابَسة معصية من المعاصي أو الكفر أو الختم بالكفر أو الرِّدَّة؛ كأن يقول مثلا: اللهم اهتك عرضه. أو: اللهم أَمتْه على غير ملَّة محمد صلى الله عليه وسلم.

* بل المندوب إليه هو الصَّفحُ والعفوُ، وإن دعا عليه فليدع عليه بقضيَّة مثل قضية أو دونها؛ حتى لا يكون ظالماً في الزِّيادة؛ كأن يقول: اللهمَّ افعل به ما فعل بي. أو نحوه. قال الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} .

(1) سبق تخريجه ص19.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده 3/ 198، والترمذي 4/ 659، وقال ابن حجر في البلوغ: إسناده قوي، ص302، وأخرجه الحاكم 4/ 272، وقال: صحيح الإسناد. ولم يخرجاه.

ص: 54

قال ابنُ عبَّاس: لا يحبُّ الله أن يدعو أحد على أحد إلَّا أن يكون مظلوماً؛ فإنَّه قد أرخص له أن يدعو على مَن ظلمه وذلك قوله: «إلا من ظلم .. وإن صبر فهو خير له» . اهـ (1).

وفي السُّنَّة بيان للصِّيغة التي يدعو بها على مَن ظلمه؛ فعن جابر- رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمَّ أصلح لي سمعي وبصري واجعلهما الوارثين مني وانصرني على مَن ظلمني وأرني منه ثأري» (2). أمَّا الدُّعاء بالضَّلالة والغواية فكما ذكرنا لا يجوز؛ لقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .

قال بعضُ السَّلَف في معنى المعتدين: (هم الذين يَدْعون على المؤمنين فيما لا يحلُّ فيقولون: اللهمَّ اخزهم، اللهمَّ العنهم).اهـ (3)

وقال سعيد بن جبير: (لا تدعو على المؤمنين بالشَّرِّ: اللهمَّ اخزه والعنه. ونحو ذلك؛ فإنَّ ذلك عدوان).اهـ (4).

وقال الحسنُ البصريُّ: (قد أرخص له أن يدعو على مَن ظلمه من غير أن يتعدَّى عليه)(5).

يقول الإمامُ القرافيُّ: الدُّعاء على الظَّالم له أحوال:

(1) تفسير ابن كثير 1/ 572.

(2)

رواه البخاري في الأدب المفرد 1/ 126، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار 3/ 87) وصححه الألباني في الأدب المفرد برقم 252 (1/ 245).

(3)

الدر المنثور 3/ 475.

(4)

تفسير ابن كثير 1/ 572.

(5)

تفسير البغوي 3/ 237.

ص: 55

* إمَّا بعزله لزوال ظلمه فقط؛ وهذا حسن.

* وثانيهما: بذهاب أولاده وهلاك أهله ونحوهم ممَّن تعلَّق به ولم يحصل منه جناية عليه، وهذا منهيٌّ عنه لأذيَّته مَن لم يمنّ عليه.

* وثالثهما: الدُّعاء بالوقوع في معصية؛ كابتلائه بالشُّرب أو الغيبة أو القذف؛ فينهى عنه أيضاً؛ لأنَّ إرادةَ المعصية للغير معصية.

* ورابعهما: الدُّعاء عليه بحصول مؤلمات أعظم ممَّا يستحقُّه في عقوبته؛ فهذا لا يتَّجه أيضاً؛ لقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} . ففعلُه جائز وتركُه أحسن (1).

قد يشتبه على بعض الناس دليلان في ظاهرهما الدلالة على جواز الدُّعاء على الظالم بالإثم والمعصية:

أحدُهما: من القرآن الكريم؛ وذلك في حكاية الله- عز وجل عن موسى- عليه السلام دعاءه على فرعون وقومه، وفيه:{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88].

فالجواب عن هذا بأن يقال: إنَّ دعاءَ موسى جاء بعد علمه بوحي من الله تعالى أنَّ قومَ فرعون لا يؤمنون ولو جاءتهم كلُّ آية ومعجزة؛ وليس فيه الدُّعاءُ مطلَقاً على كلِّ كافر أو ظالم بطمس القلب واليأس من الإيمان والتَّوبة.

(1) الفواكه الدواني 1/ 470.

ص: 56

يقول ابنُ كثير: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} . قال ابنُ عبَّاس: أي اطبع عليها، {فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} . وهذه الدَّعوةُ كانت من موسى- عليه السلام غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبيَّن له أنَّه لا خيرَ فيهم، ولا يجيء منهم شيء؛ كما دعا نوح- عليه السلام فقال:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} انتهى (1).

ويقول القُرطبيُّ: وقد استشكل بعضُ النَّاس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم، وحكمُ الرُّسُل استدعاء إيمان قومهم؟ (2).

فالجواب: أنَّه لا يجوز أن يدعو نبيٌّ على قومه إلَّا بإذن من الله، وإعلام أنَّه ليس فيهم مَن يؤمن ولا يخرج من أصلابهم مَن يؤمن دليلُه قولُه لنوح- عليه السلام:{أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ} ؛ وعند ذلك قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} . انتهى.

ويقولُ الشَّيخُ أحمد النّفراويّ: اختُلف في جواز الدُّعاء على المسلم العاصي بسوء الخاتمة (3).

قال ابنُ ناجي: أفتى بعضُ شيوخنا بالجواز محتجًّا بدعاء موسى على فرعون بقوله تعالى حكايةً عنه: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [يونس: 88].

والصَّوابُ عندي أنَّه لا يجوز، وليس في الآية ما يدلُّ على الجواز؛ لأنَّه فرَّق بين الكافر المأيوس من إيمانه كفرعون، وبين المؤمن العاصي المقطوع له بالجنَّة؛ إمَّا ابتداءً أو بعد عذاب. انتهى.

(1) تفسير القرآن العظيم 4/ 290.

(2)

الجامع لأحكام القرآن 8/ 375.

(3)

الفواكه الدواني 1/ 470.

ص: 57

الثاني: حديث جابر بن سمرة- رضي الله عنه في قصَّة شكاية أهل الكوفة سعد بن أبي وقَّاص إلى عمر، وقيام ذلك الرَّجل في المسجد واتِّهامه لسعد بتهم عدَّة قال:

(قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهمَّ إن كان عبدُك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً فأطل عمره، وأطل فقره، وعرِّضْه بالفتن.

وكان بعدُ إذا سُئل يقول: شيخٌ كبيرٌ مفتونٌ أصابتني دعوةُ سعد.

قال عبد الملك: فأنا رأيتُه بعد قد سَقَطَ حاجباه على عينيه من الكبَر، وإنَّه ليتعرَّض للجواري في الطُّرُق يغمزهنَّ) (1).

فَظَنَّ بعضُ النَّاس أنَّ سعداً دعا عليه بالمعصية والإثم؛ ولكنَّ الصَّواب أنَّه دعا عليه بتعرُّضه للفتن والبلايا والمحن في الدِّين والدُّنيا؛ كما قال: (وعَرِّضْه للفتن). والفتنةُ لا تعني المعصية؛ ولكنَّها تعني الشِّدَّة التي قد توقع في المعصية إن لم يَصبر عليها؛ وهذا ما حَصَلَ.

يقول الحافظ ابن حجر: (وفيه جوازُ الدُّعاء على الظالم المعيَّن بما يَستلزم النَّقصَ في دينه، وليس هو مَن طلب وقوع المعصية؛ ولكن من حيث إنَّه يؤدِّي إلى نكاية الظَّالم وعقوبته). انتهى (2).

ثالثا: خيرٌ من ذلك كلِّه: العفوُ وتركُ أمر الظَّالم له- سبحانه وتعالى يوم القيامة؛ وذلك أنَّ مَن عفا عن حقِّه في الدُّنيا أخذه وافراً في الآخرة وأراح قلبَه من شوائب الحقد والغيظ.

(1) رواه البخاري 755.

(2)

فتح الباري 2/ 241.

ص: 58

قال صلى الله عليه وسلم: «يا عقبة بن عامر: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك» (1).

10 -

تحجُّرُ الدُّعاء: ومن ذلك قولُ الأعرابيّ: (اللهمَّ ارحمني ومحمَّدًا ولا ترحم معنا أحداً). فلمَّا سَلَّمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال للأعرابيِّ: «لقد حجَّرتَ واسعاً» . يريد رحمة الله (2).

11 -

تعليقُ الدُّعاء بالمشيئة؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَقُلْ أحدُكم: اللهمَّ اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. ليعزم المسألة؛ فإنَّ اللهَ لا مكرهَ له» (3). ولمسلم: «وليعظم الرَّغبة، فإنَّ اللهَ لا يتعاظمه شيء أعطاه» (4).

فقولُ القائل: (اللهمَّ اغفر لي إن شئت). كأنَّه يقول: لستُ محتاجاً إليك؛ إن شئتَ فاغفر لي، وإن لم تشأ فلستَ بمحتاج. وهذا فعلُ أهل التَّكبير وأهل الإعراض عن الله؛ ولهذا حُرِّمَ هذا اللَّفظ.

وقولُه: «ليعزم المسألة» . هذا أحدُ أسباب المنع في الحديث؛ وهو أنَّ تعليقَه بالمشيئة يدلُّ على الفتور وضعف الهمَّة وقلَّة التعلُّق بالله تعالى؛ ولذا قال: ليعزم المسألة. أي: اسأل بعزم وقوَّة.

قوله: «فإن اللهَ لا مكرهَ له» . هذا السَّبب الثَّاني؛ لأنَّ تعليقَ الدُّعاء بالمشيئة يوهم أنَّ اللهَ له مكره له، ويوهم النَّقصَ لله؛ فإنَّ اللهَ لا مكرهَ له (5).

(1) رواه أحمد (4/ 158) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"891.

(2)

رواه البخاري باب رحمة الناس والبهائم برقم 5664 (5/ 2238).

(3)

رواه البخاريّ، باب ليعزم المسألة فإنَّه لا مكره له، برقم 5980 (5/ 2334)، مسلم، باب ليعزم المسألة ولا يقل: إن شئت. برقم 2679 (4/ 2063).

(4)

سبق تخريجه ص26.

(5)

التمهيد شرح كتاب التوحيد ص515.

ص: 59

12 -

الدُّعاء على الأهل والمال والولد والنَّفس؛ لأنه ضررٌ محضٌ وليس فيه مصلحة، وقد نَهَى عنه الشَّارع الحكيم؛ قال صلى الله عليه وسلم:«لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءٌ فيستجيب لكم» (1).

13 -

تَمَنِّي الموت: عن أنس بن مالك- رضي الله عنه، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ من ضُرٍّ أصابه؛ فإن كان لابدَّ فاعلاً فليقل: اللَّهمَّ أحيني ما كانت الحياةُ خيراً لي، وتَوَفَّني إذا كانت الوفاةُ خيراً لي» (2).

وعن أبي عبيد سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنَّى أحدُكم الموتَ؛ إمَّا محسناً؛ فلعلَّه يزداد، وإمَّا مسيئاً؛ فلعلَّه يستعتب» (3).

قال النَّوويُّ: في الحديث التَّصريح بكراهة تَمَنِّي الموت لضُرٍّ نَزَل به من فاقة أو محنة بعدوٍّ ونحوه من مشاقِّ الدُّنيا؛ فأمَّا إذا خاف ضرًّا أو فتنةً في دينه فلا كراهةَ لمفهوم هذا الحديث؛ وقد فَعَلَه خلائق من السَّلَف. اهـ (4).

وأصرحُ منه في ذلك حديثُ معاذ الذي أخرجه أبو داود وصحَّحه الحاكم في القول في دُبُر كلِّ صلاة، وفيه:«وإذا أردتَ بقوم فتنةً فتوفَّني إليك غيرَ مفتون» (5).

(1) مسلم، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر برقم 3009 (4/ 2034).

(2)

البخاري باب نهي تمني المريض الموت، برقم 5347 (5/ 2146)، مسلم، باب كراهة الموت برقم 2680 (4/ 2064).

(3)

البخاري، باب ما يكره من التمني برقم 6808 (6/ 2644).

(4)

فتح الباري (13/ 271).

(5)

رواه الترمذي، باب سورة ص برقم 3233 (5/ 366) وقال الألباني في تعليقه على الحديث صحيح.

ص: 60

قال ابنُ حَجَر في تعليقه على حديث أبي عبيد: (وقد خَطَرَ لي في معنى الحديث أنَّ فيه إشارةً إلى تغبيط المحسن بإحسانه وتحذير المسيء من إساءته؛ فكأنَّه يقول: مَن كان محسناً فليترك تَمَنِّي الموت، وليستمر على إحسانه والازدياد منه، ومَن كان مسيئاً فليترك تمنِّي الموت، وليقلع عن الإساءة؛ لئلَّا يموت على إساءته؛ فيكون على خطر (1).

14 -

الدُّعاء بتعجيل العقوبة:

فعن أنس رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟» قال: نعم؛ كنتُ أقول: اللهمَّ ما كنتَ معاقبني به في الآخرة فعجِّله لي في الدُّنيا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله؛ لا تطيقه، أو لا تستطيعه؛ أفلا قلتَ: اللهمَّ آتنا في الدُّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النَّار» . فدعا اللهَ له فشفاه (2).

عَلَّقَ على هذا الحديث الإمام النَّوويّ في شرحه على صحيح مسلم فقال: قولُه: «قد خَفَت» أي: ضعف. وفي الحديث النَّهي عن الدُّعاء بتعجيل العقوبة، وفيه كراهية تمنِّي البلاء؛ لئلَّا يتضجَّر منه ويسخطه، وربَّما شكا. اهـ (3).

ولماذا يتعجَّل المؤمنُ العقوبةَ وهو يقدم على مولى كريم قد يَصفح ويعفو أصلاً بدون أن يعاقبَه؛ ففيه نوع سوء ظنٍّ بالله؛ لذلك أرشد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الدُّعاء الجامع المانع؛ وهو قولُه: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

(1) المصدر السابق.

(2)

مسلم، باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا برقم 2688 (4/ 2068).

(3)

شرح النووي على مسلم 17/ 183.

ص: 61