المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثالاعتداء في الهيئة والأداء - الاعتداء في الدعاء صور وضوابط ونماذج من الدعاء الصحيح

[سعود العقيلي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدِّمة

- ‌شكرٌ وتقديرٌ

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدعاء:

- ‌شروطُ الدُّعاء وآدابُه

- ‌إجابةُ الدُّعاء

- ‌ أسباب إجابة الدعاء

- ‌ أوقات وأماكن وأوضاع يُستجاب فيها الدُّعاء

- ‌الباب الأولحقيقة الاعتداء في الدُّعاء

- ‌الفصل الأولتعريف الاعتداء في الدُّعاء

- ‌المبحث الأولتعريف الاعتداء في الدُّعاء في اللُّغة

- ‌المبحث الثَّانيتعريفُ الاعتداء في الدُّعاء في الاصطلاح

- ‌الفصل الثانيأنواع الاعتداء في الدُّعاء

- ‌المبحث الأولالاعتداءُ في المعاني

- ‌المبحث الثَّانيالاعتداء في ألفاظ الدُّعاء

- ‌المبحث الثالثالاعتداء في الهيئة والأداء

- ‌المبحث الرابعالاعتداء في الدعاء المكاني

- ‌المبحث الخامسالاعتداء في الدعاء الزماني

- ‌الباب الثانيالاعتداء في الدعاء في العبادة

- ‌الفصل الأولالاعتداء في الدعاء في الصلاة

- ‌المبحث الأولالاعتداء في الصلاة المكتوبة

- ‌المبحث الثانيالاعتداء في الدعاء في صلاة النافلة

- ‌الفصل الثانيالاعتداء في الدعاء في الحجالاعتداء في الدعاء في الإحرام والطوافوالسعي ويوم عرفة

- ‌الاعتداء في الدعاء في الإحرام والطوافوالسعي ويوم عرفة

- ‌الفصل الثالثالاعتداء في الدعاء في الصيامالاعتداء في الدعاء في الإفطار والسحور

- ‌الاعتداء في الدعاء في الإفطار والسحور

- ‌الباب الثالثنماذج من الدعاء الصحيحمن الكتاب والسنة

- ‌الفصل الأولنماذج من الدعاء من القرآن الكريم

- ‌الفصل الثانينماذج لأدعية نبوية

- ‌الخاتمة

- ‌التوصيات

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثالثالاعتداء في الهيئة والأداء

‌المبحث الثالث

الاعتداء في الهيئة والأداء

وضابطه أن يدعو بهيئة وكيفية جاءت السنة بخلافها.

ومن ذلك:

1 -

أن يدعو ربه دعاءً غير متضرع ولا مستكين (1).

قال ابن القيم: (وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته فمن لم يسأل سؤال مسكين متضرع خائف فهو معتدٍ)(2).

ومن صور ذلك:

أ- رفع الصوت والصياح: قال ابن جريج (3)(من الدعاء والاعتداء، يكره رفع الصوت والثناء والصياح بالدعاء ويؤمر بالتضرع والاستكانة)(4).

وقال الإمام أحمد بن المنير الإسكندراني في حاشيته على تفسير الكشاف عند قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا

يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. ما نصه: (وحسبك في تعيين الإسرار في الدعاء اقترانه بالتضرع في الآية فالإخلال به كالإخلال بالضراعة إلى الله في الدعاء وإن دعاء لا تضرع فيه ولا خشوع لقليل الجدوى فكذلك دعاء لا خفية ولا

(1) الفتاوى (15/ 24).

(2)

بدائع الفوائد (3/ 524).

(3)

ابن جريج: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الإمام العلامة له كنيتان أبو الوليد وأبو خالد، أول من صنف الكتب، حدث عن عطاء ولزمه سبع عشرة سنة وأخذ عنه الأوزاعي والسفيانان والحمادان وكان من أحسن الناس صلاة، توفي سنة 150هـ، انظر تاريخ بغداد (10|400).

(4)

تفسير الطبري (1/ 249).

ص: 79

وقار يصحبه وترى كثيرًا من أهل زمانك يعتمدون الصراخ والصياح في الدعاء خصوصا في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد وتستدّ المسامع ويهتز الداعي بالناس ولا يعلم أنه جمع بين بدعتين: رفع الصوت في الدعاء وفي المسجد، وربما حصلت للعوام حينئذ رقة لا تحصل مع خفض الصوت ورعاية سمت الوقار وسلوك السنة الثابتة بالآثار، وما هي إلا رقة شبيهة بالرقة العارضة للنساء والأطفال ليست خارجة عن صميم الفؤاد لأنها لو كانت من أصل لكانت عند إتباع السنة في الدعاء وفي خفض الصوت به أوفر وأوفى وأزكى) (1).

قال الطرطوشي: اعلموا أرشدكم الله أن الله أمر بإخفاء الدعاء وأثنى على من أخفاه فقال: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 2 - 3].

وعن أبي موسى الأشعري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأشرفوا على واد فجعل الناس يكبرون ويهللون ويرفعون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا» (2). إنه معكم، فإن قال قائل: ماذا أراد بالإخفاء؟ هل أراد إخفاءه عن الناس وإن جهر به في الخلوات أو أمر بالهمس بالشفتين أو أراد إخفاءه في نفسه؟.

فالجواب: إن قوله (نداء خفيا) الظاهر أنه أراد الهمس بالشفتين ويقال: (أخفى دعاءه عن قومه خاليا في جوف الليل، وناداه بقلبه سرا في نفسه وقيل مخلصا فيه لم يطلع عليه إلا من ناجاه» (3).

(1) الكشاف (2/ 106).

(2)

البخاري، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير برقم 2830 (3/ 1091)، مسلم، باب استحباب خفض الصوت بالذكر رقم 2704 (4/ 2076).

(3)

الدعاء المأثور وآدابه للطرطوشي، ص91.

ص: 80

ويقول شيخ الإسلام في إخفاء الدعاء فوائد عديدة (1):

أحدهما: أنه أعظم إيمانا لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي.

ثانيهما: أنه أعظم في الأدب والتعظيم لأن الملوك لا تُرفع الأصوات عندهم ومن رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت.

وثالثهما: أنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده فإن الخاشع الذليل إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد أنكر قلبه وذلت جوارحه، وخشع صوته حتى أنه ليكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوعه بالنطق وقلبه يسأل طالبا مبتهلا ولسانه لشدة ذلته ساكتا وهذا الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلا.

ورابعها: أنه أبلغ في الإخلاص.

وخامسها: أنه أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء فإن رفع الصوت يفرقه فكلما خفض صوته كان أبلغ في تجريد همته وقصده للمدعو سبحانه.

سادسها: وهو من النكت البديعة جدًا. أنه دال على قرب صاحبه للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله عز وجل: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} فلما استحضر القلب قرب الله عز وجل وأنه أقرب إليه من كل قريب أخفى دعاءه ما أمكنه وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى المعنى بعينه بقوله في الحديث الصحيح لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير

وهم معه في السفر فقال: «أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم

(1) مجموع الفتاوى (15/ 15).

ص: 81

ولا غائبا، إنكم تدعون سمعيا قريبا أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (1) وقد قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص ليس قربا عاما من كل أحد فهو قريب من داعيه وقريب من عابديه وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

وقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] فيه الإرشاد والإعلام بهذا القرب.

وسابعها: إنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال فإن اللسان لا يمل والجوارح لا تتعب بخلاف ما إذا رفع صوته فإنه قد يمل اللسان وتضعف قواه، وهذا نظير من يقرأ ويكرر فإن صوته لا يطول له، بخلاف من خفض صوته.

وثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع والمشوشات فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يدر به أحد فلا يحصل على هذا تشويش ولا غيره وإذا جهر به فرطت له الأرواح البشرية ولابد وما نعته وعارضته ولو لم يكن إلا أن تعلقها به يفرغ عليه همته، فيضعف أثر الدعاء ومن له تجربة يعرف هذا، فإذا أسر الدعاء أمن من هذه المفسدة.

وتاسعها: أن أعظم النعمة الإقبال والتعبد ولكل نعمة حاسد على قدرها دقت أو جلت ولا نعمة أعظم من هذه النعمة فإن أنفس الحاسدين متعلقة بها وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد وقد قال يعقوب عليه السلام لابنه يوسف عليه السلام: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف: 5] وكم من صاحب قلب وجميعه

(1) سبق تخريجه.

ص: 82

وحال مع الله تعالى قد تحدث بها وأخبر بها فسلبه إياها الأغيار ولهذا يوصي العارفون والشيوخ بحفظ السر مع الله تعالى ولا يطلع عليه أحد، والقوم أعظم شيئا كتمانا لأحوالهم مع الله وما وهب الله من محبته والأنس به وجميعه القلب ولاسيما فعله للمهتدي السالك فإذا تمكن أحدهم وقوي في قلبه وثبت أصول تلك الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء في قلبه –بحيث لا يخشى عليه من العواصف فإنه إذا أبدى حاله مع الله تعالى ليقتدى به ويؤتم به- لم يبال وهذا باب عظيم النفع إنما يعرفه أهله.

وإذا كان الدعاء المأمور بإخفائه يتضمن دعاء الطلب والثناء والمحبة والإقبال على الله تعالى فهو من عظيم الكنوز التي هم أحق بالإخفاء عن أعين الحاسدين.

ب- اتخاذ الدعاء مادة للمزح والتندر: إذ إن الدعاء عبادة كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» (1) فكيف يليق بمؤمن أن يتخذها مادة للمزح والتندر ولأن هذه الحالة أبعد ما تكون عن التضرع والخشوع والله يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55].

وقد تدخل في باب الاستهزاء بالدين وهنا الخطر الأكبر.

ج- الدعاء مع النعاس أو فرط الشبع أو مدافعة الأخبثين أو ملامسة النجاسة أو أثناء كشف العورة وغيرها من الحالات التي لا تناسب التقرب.

د- التلحين والتغني والتطريب والتمطيط في أداء الدعاء، لأنه ينافي الضراعة والابتهال، وهذا مما ابتلينا في زماننا هذا فيندر أن نجد

إماما في القنوت خاصة يبتعد عن مثل هذا التعدي، لأنه يرى أن

هذا الأداء ادعى في التأثير في قلوب الناس مما يحصل به

(1) سنن أحمد، مسند النعمان بن بشير برقم 18759، (4/ 271)، سنن الترمذي، سورة البقرة برقم 2968 (5/ 211).

ص: 83

البكاء وأنه إذا سلك غير ذلك فإنه قد لا يؤثر فيهم، ومما لا شك فيه أن الغاية الحسنة لا تجوز الوسيلة المخترعة على غير هدى. فالخير كل الخير في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك والبعد عن مثل هذا الاعتداء لأنه قد يمنع الإجابة.

قال الكمال ابن الهمام (1): (ما تعارفه الناس في هذه الأزمنة من التمطيط والمبالغة في الصياح والاشتغال بتحريرات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد

إلى أن قال: ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيح كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني، فاستبيان إن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان).اهـ (2).

* الإطالة المملة في دعاء القنوت والتي تشق على الناس وتثقل عبادتهم فيؤمنون وقلوبهم قد كلت وسئمت، وهذا من فتنة الناس عن العبادة وتثقيلها عليهم وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على معاذ إطالة قراءة القرآن في الصلاة فكيف بإطالة غيره.

(1) الكمال بن الهمام/ هو كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود البواسي ثم الإسكندري المعروف بابن الهمام الحنفي عالم فقيه. سمع من والده ومن سراج الدين عمر بن علي الشهير بـ"قاري الهداية" والجمال الحنبلي وسمع منه شمس الدين محمد الشهير بـ"ابن أمير حاج جلي" وغيره، كان نظارا فارسا في البحث فروعيا أصوليها محدثا مفسرا حافظا نحويا كلاميا منطقيا جدليا، من تصانيفه فتح القدير، شرح الهداية والتحرير في الأصول وغير ذلك توفي سنة 861هـ، موسوعة الأعلام (1/ 482).

(2)

فيض القدير (1/ 229).

ص: 84

* وعند التأمل في قنوته صلى الله عليه وسلم وكذا ما ورد من القنوت عن أصحابه رضوان الله عليهم نجده لا يبلغ معشار ما يدعو به كثير من الأئمة اليوم وكان السلف رحمهم الله يحددون القنوت بأشياء يسيره كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله (يقام في القنوت قدر إذا السماء انشقت)(1). وبهذا القدر حدد الحنفية مقدار القنوت (2).

* وكان الحسن البصر رحمه الله يقنت بالقنوت الوارد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قوله: (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع من يفجرك. اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق. اللهم عذب الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبتهم على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم)(3).

ثم يخر الحسن البصري بعد هذا الدعاء ساجدا وكان لا يزيد عليه شيئا وكان بعض من يسأله يقول: يا أبا سعيد أيزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح والتكبير فيقول: لا أنهاكم ولكني سمعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيدون على هذا شيئا وكان يغضب إذا أرادوه على الزيادة (4).

(1) مصنف عبد الرزاق (3/ 122)، وابن أبي شيبة (2/ 308).

(2)

المبسوط (1/ 165)، بدائع الصنائع (1/ 406).

(3)

سبق تخريجه ص53.

(4)

مصنف عبد الرزاق باب القنوت (3/ 116).

ص: 85

* إذاً فالمشروع في القنوت عدم الإطالة، أما إن كانت إطالة لحالة عارضة أو نادرة أو كان في جماعة محصورين يطيلون أو يرضون بالتطويل فلا بأس، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:(ولكن إذا كان إماما فلا ينبغي أن يطيل الدعاء بحيث يشق على من وراءه أو يملهم إلا أن يكونوا جماعة محصورين يرغبون ذلك)(1).

* تعفير الوجه في التراب أثناء الدعاء وهذه هيئة خاصة مرتبطة بعبادةٍ لم يرد دليل على مشروعيتها (2).

* تكلف البكاء والشهقة والخشوع واضطراب الأعضاء خاصة في القنوت ولأن القنوت جزء من أجزاء الصلاة استلزم الأمر معرفة حكم البكاء في الصلاة حتى يتضح حكم البكاء في القنوت وقد ذكر الأحناف والمالكية والحنابلة أن البكاء في الصلاة من خشية الله تعالى لا يبطل الصلاة مطلقا. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: إن هذا ليس من جنس الكلام فلا يمكن قياسه على الكلام (3).

* قد استدلوا ما يلي:

1 -

عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء» (4).

(1) الشرح الممتع (4/ 39).

(2)

وهو رأي الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية، انظر مجلة البيان العدد (160) ص55.

(3)

مجموع الفتاوى (22/ 622).

(4)

أبو داود (1/ 280)، والنسائي (3/ 14)، وقال ابن حجر في الفتح إسناده قوي (1/ 263).

ص: 86

2 -

عن عبد الله بن شداد قال: (سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] (1).

والنشيج رفع الصوت بالبكاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وهذا محفوظ عن عمر ذكره مالك وأحمد وغيرهما)(2).

إذاً فالراجح هو أن البكاء من خشية الله لا يفسد الصلاة لقوة الأدلة وصراحتها وكذلك لأن هذا البكاء ليس من جنس الكلام كما تقدم.

أما استدعاء البكاء وتطلبه من قبل بعض الأئمة والاحتجاج بحديث سعد بن أبي وقاص: «فإن لم تبكوا فتباكوا» . فإن هذا مردود بأمور:

1 -

أن الحديث ضعيف.

2 -

أنه على فرض صحة الحديث فهو في قراءة القرآن كما هو نص الحديث حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا» (3) وليس في الدعاء.

ومن المعلوم أن الدعاء عبادة توقيفية، وهذا الذي وصفت ليس عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنة، فتحقق أنه لا أصل له في الشرع المطهر (4).

(1) صحيح البخاري، باب إذا بكى الإمام في الصلاة (1/ 252).

(2)

الفتاوى (22/ 622).

(3)

أخرجه ابن ماجه رقم (1337)، البيهقي في شعب الإيمان رقم (2051)، أبو يعلى رقم (689)، وفي إسناده أبو رافع واسمه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف متروك.

(4)

تصحيح الدعاء للشيخ د. بكر أبو زيد رحمه الله، ص134.

ص: 87

* الإشارة بأصبعين أثناء الدعاء: فقد نص الفقهاء على أنه يكره الإشارة في الدعاء بأصبعين واستدلوا بما يلي:

1 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يدعو بأصبعين فقال: «أحد أحد» (1).

وجه الدلالة: معنى قوله: «أحد أحد» أي أشر بأصبع واحدة لأن الذي تدعو إليه واحد وهو الله تعالى، وكرر للتأكيد في التوحيد وإنما نهاه أن يشير بأصبعين لأن الدعاء يجب أن يكون أما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة وإما الإشارة بالواحدة على معنى التوحيد والحكمة في النهي عنه أن يستعمل في التوحيد قلبه اعتقادا ولسانا، ويكون جامعا بين الفعل والقول والاعتقاد (2).

2 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يدعو بأصبعيه جميعا فنهاه وقال: «بأحدهما باليمين» (3).

3 -

وروى الطبراني في الأوسط نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل يشير بأصبعيه فقال: «أوحد .. أوحد» (4).

(1) أبو داود باب الدعاء برقم 1499 (1/ 471)، الترمذي برقم 3557 (5/ 557 وقال حسن صحيح غريب. النسائي باب (النهي عن الإشارة بأصبعين وبأي أصبع أشير؟) 1272 (3/ 38).

(2)

عون المعبود (3/ 167). والدعاء وأحكامه الفقهية، ص177.

(3)

مسند أبي يعلى برقم 6033 (10/ 421)، وأورده الهيثمي في المجمع وقال رجاله رجال الصحيح برقم 17325.

(4)

أورده الهيثمي في المجمع باب ما جاء في الإشارة في الدعاء وقال رجاله رجال الصحيح برقم 17326 (10/ 263) والطبراني في الأوسط برقم 3550 (4/ 37).

ص: 88

السجود لأجل الدعاء:

بحيث يسجد سجودا مجردا لأجل الدعاء كهيئة سجود التلاوة والشكر وهذه صفة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما الأحاديث الواردة والتي فيها ذكر الحث على الإكثار من السجود مثل حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخلني الجنة أو قال: بأحب الأعمال إلى الله، فقال صلى الله عليه وسلم:«عليك بكثرة السجود» (1).

وكذلك حديث ربيعة بن مالك الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال لي: «سلني» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» (2).

وكذلك حديث عبادة بن الصامت أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله عز وجل له بها حسنة ومحا عنه بها سيئة ورفع له بها درجة فاستكثروا من السجود» (3).

فإن المراد بالسجود هنا هو الصلاة فعبر عن كلها ببعضها فإن الشيء يسمى ببعضه لاسيما إذا كان بعض الشيء أهم ما فيه فالسجود أهم ما في الصلاة لما فيه من كمال الخضوع والاستكانة لله تعالى والقرب منه» (4).

(1) مسلم، باب فضل السجود والحث عليه (1/ 353)، برقم 488.

(2)

مسلم، باب فضل السجود والحث عليه (1/ 353)، برقم 489.

(3)

ابن ماجه (1/ 457) برقم 1424. وقال الألباني في التعليق: صحيح.

(4)

توضيح الأحكام (2/ 176).

ص: 89

قال النووي: فيه الحث على كثرة السجود والترغيب فيه والمراد به (السجود في الصلاة)(1).

قال صاحب الديباج على مسلم: (إن كثرة السجود هو كناية عن كثرة الصلاة)(2).

قال العراقي: (وليس المراد هنا السجود المنفصل عن الصلاة كالتلاوة والشكر فإنه إنما يشرع لعارض وإنما المراد سجود الصلاة)(3).

قال الشوكاني في نيل الأوطار: (وهو يدل على أن كثرة السجود مرغب فيها والمراد به السجود في الصلاة (4).

ولا يلزم من كون السجود قربة في الصلاة أن يكون قربة خارج الصلاة. قال الفقيه أبو محمد: لم ترد الشريعة بالتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب لها، فإن القُرب لها أسباب وشرائط وأوقات وأركان لا تصلح بدونها وكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة من غير نسك واقع في وقته بأسبابه وشرائطه فكذلك لا يتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة) (5).

مما سبق يتبين عدم مشروعية السجدة المفردة لأجل الدعاء لأنها هيئة خاصة يتعبد بها لم يرد دليل على مشروعيتها. خاصة إذا كانت ديدن الإنسان كلما أراد أن يدعو سجد.

(1) شرح مسلم (4/ 206).

(2)

الديباج على مسلم (2/ 180).

(3)

فيض القدير (5/ 437).

(4)

نيل الأوطار (4/ 385).

(5)

انظر: كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث، ج1 /ص60.

ص: 90