الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
الاعتداء في الصلاة المكتوبة
الصلاة هي عماد الدين وهي موطن لإجابة الدعاء فالصلاة كلها دعاء، فالدعاء روحها وأسها. فكيف يرجو المصلي الإجابة وهو قد اعتدى في دعائه وأين؟ في صلاته.
ومن صور الاعتداء ما يلي:
الاعتداء في الدعاء في الصلاة المكتوبة:
1 -
عدم تحريك اللسان بقدر ما يسمع نفسه في أذكار الصلاة وأدعيتها والاكتفاء بمرورها على القلب:
قال محمد بن رشد (1):
أما قراءة الرجل في نفسه ولم يحرك به لسانه فليس بقراءة على الصحيح لأن القراءة إنما هي النطق باللسان وعليها تقع المجازاة والدليل على ذلك قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها» (2).
(1) محمد بن أحمد بن رشد المالكي، يكنى بالوليد قرطبي زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس وكان إليه المفزع في المشكلات بصيرا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وإليه كانت الرحلة بالتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته. توفي سنة 520هـ وكان مولده سنة 450هـ. انظر الديباج المذهب (1/ 147).
(2)
البخاري، باب الطلاق في الإغلاق برقم 4968، (5/ 2020)، مسلم، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر برقم 127 (1/ 166).
فكما لا يؤاخذ الإنسان بما حدثت به نفسه من الشر ولا يضره فكذلك لا يجازى على ما حدث به نفسه من القراءة أو الخير، المجازاة التي يجازى بها على تحريك اللسان بالقراءة وفعل الخير (1).
ولهذا قرر العلماء المانعون الجنب من القرآن، جواز تمرير الآيات على القلب إذ أن التمرير غير القراءة.
وهذا مما يلحظ على بعض المصلين خصوصا في الصلاة السرية ظنا منه أن الصمت مع قراءة القلب وإمرار الأدعية عليه كافٍ، وقد نص المحققون على أن هذا العمل لا يجزئ في الصلاة بل هي باطلة (2).
2 -
الجهر بأدعية مثل دعاء الاستفتاح لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر به ولذا يعد الجهر بدعاء الاستفتاح من البدع المكروهة في الصلاة لأنه لم يفعله عليه الصلاة والسلام.
3 -
الدعاء أثناء قراءة الفاتحة: اتفق الفقهاء على أنه لا يشرع للمصلي أن يشتغل أثناء قراءة الفاتحة بدعاء ولا غيره بل يجب عليه موالاتها بأن يصل الكلمات بعضها ببعض ولا يفصل إلا بقدر التنفس (3).
ومن صوره:
أ- دعاء المأموم عند قراءة الإمام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كقولهم (استعنت بك يا رب) أو (اللهم إياك نستعين) ونحو ذلك و (رب اغفر لي ولوالدي) حين يقرأ الإمام {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (4).
(1) البيان والتحصيل (1/ 491).
(2)
تصحيح الدعاء 419.
(3)
الدعاء وأحكامه الفقهية 241. رسالة ماجستير، جامعة الإمام، 1424هـ.
(4)
تصحيح الدعاء 420.
ب- تشديد الميم في (آمين).
قال الفقهاء: فإن شدد الميم في (آمين) بطلت الصلاة لأن معناها حينئذ (قاصدين) ولهذا قالوا: يحرم أن يشدد وتبطل الصلاة لأنه أتى بكلام من جنس كلام المخلوقين (1).
4 -
الدعاء عند آية الرحمة والاستعاذة عند آية الوعيد في صلاة الفرض لعدم فعله صلى الله عليه وسلم ذلك.
ولحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة ليست بفريضة فمر بذكر الجنة والنار فقال: «أعوذ بالله من النار» (2). فقيده الراوي بصلاة غير الفريضة وأما حديث حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى
…
وفيه قال: إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ
…
الحديث» (3).
وحديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ فاستاك وتوضأ ثم قال: فصلى فبدأ فاستفتح البقرة لا يمر بآية رحمة إلى وقف فسأل
…
الحديث) (4).
فهي محمولة على النفل دون الفرض لأن الناقلتين لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه فعل ذلك في الفريضة مطلقا. فتبين من ذلك أن الدعاء عند آيات الرحمة والسؤال في صلاة الفرض اعتداء.
(1) الشرح الممتع (3/ 51).
(2)
مسند أحمد حديث أبي ليلى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى برقم (19078)(4/ 347). وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف لضعف ابن أبي ليلى.
(3)
مسلم، باب استحباب تطويل القراءة (5/ 166) رقم 85.
(4)
سنن أبي داود، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده برقم 151 01/ 293)، سنن النسائي برقم 1132 (2/ 223) وصححه الألباني في تعليقه.
5 -
الزيادة على الدعاء بغير الوارد في الاعتدال بعد الركوع:
معلوم أن الوارد في الاعتدال بعد الركوع التحميد وهو أن يقول ربنا لك الحمد وربما قال: ربنا ولك الحمد، وربما قال: اللهم ربنا لك الحمد، صح ذلك عنه (1).
وقد وردت أحاديث أخرى في الدعاء بعد الاعتدال من الركوع منها حديث ابن عباس في مسلم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» (2). وفي رواية زاد: «اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ» .
أما الزيادة بعد ذلك فممنوعة لأن الاعتدال ليس محلا للاجتهاد في الدعاء فإن زاد فقد اعتدى في دعائه.
6 -
الدعاء بعد التشهد الأول قبل القيام:
ذكر الفقهاء أنه يكره الدعاء في هذا الموطن واستدلوا بما يلي:
1 -
ما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف: وهي الحجارة المحماة على النار حتى يقوم (3). أي أنه لا يطول في جلوسه في هذا الموطن وأنه يقتصر على التشهد فقط دون غيره.
(1) زاد المعاد (1/ 209).
(2)
مسلم، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع برقم 477 (1/ 347).
(3)
أبو داود، باب: في تخفيف القعود برقم 995 (1/ 326) الترمذي، باب مقدار القعود في الركعتين الأوليين برقم 366 (2/ 202) قال أبو عيسى هذا حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 199).
2 -
وكان الحسن يقول: (لا يزيد في الركعتين على التشهد)(1).
3 -
وعن الشعبي قال من زاد في الركعتين الأوليين على التشهد فعليه سجدتا سهو (2).
وسبب إجابة السهو هو تأخير القيام عن محله لأنه لما زاد على التشهد بالدعاء حصل معه التأخر عن القيام لأن الجلوس للتشهد الأول هو بقدر قراءة التشهد فقط ثم يقوم وهذا من حديث ابن مسعود في وصفه لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس في الركعتين الأولين كأنه على الرضف (ولأن الزيادة على التشهد مخالفة للإجماع فإن الطحاوي قال: من زاد على هذا فقد خالف الإجماع)(3).
قال ابن القيم: (ولم ينقل عنه في حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد ولا كان أيضا يستعيذ في من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال (4).
وقد أفتت به اللجنة الدائمة (لا يشرع له الدعاء في التشهد الأول وإنما يشرع في التشهد الثاني بعد الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الأحاديث)(5).
7 -
الدعاء بين التسليمتين:
كقولهم عند التسليم على اليمين أسألك الفوز بالجنة وعلى اليسار أعوذ بك من النار (6).
(1) مصنف ابن أبي شيبة (1/ 263).
(2)
الإحالة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع (1/ 499).
(4)
زاد المعاد (1/ 232).
(5)
فتاوى اللجنة الدائمة، (7/ 130) رقم الفتوى (4927). وينظر: الدعاء وأحكامه الفقهية ص275.
(6)
السنن المبتدعات، ص65.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل إذا سلم عن يمينه يقول: السلام عليكم ورحمة الله، أسألك الفوز بالجنة وعن شماله: السلام عليكم، أسألك النجاة من النار، فهل هذا مكروه أم لا؟
فأجاب: الحمد لله، نعم؛ يكره هذا لأن هذا بدعة فإن هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحبه أحد من العلماء، وهذا إحداث دعاء في الصلاة في غير محله يفصل بأحدهما بين التسليمتين ويصل التسليمة بالآخر وليس لأحد فصل الصفة المشروعة على هذا كما لو قال: سمع الله لمن حمده، أسألك الفوز بالجنة ربنا ولك الحمد أسألك النجاة من النار وأمثال ذلك (1).
8 -
رفع البصر إلى السماء في الصلاة أثناء الدعاء:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم» (2).
وجه الدلالة: ظاهر الحديث أن رفع البصر عند الدعاء حال الصلاة حرام لأن العقوبة بالعمى لا تكون إلا محرم وهو وعيد عظيم.
ولما فيه من فوت كمال الخشوع ولأن فيه تشبها بالمجسمة وعبدة الكواكب والتفات إلى غير موضع المصلي (3).
فهو قد أتى بمحرم ولكن لا تبطل صلاته وهو قول جمهور أهل العلم (4).
(1) الفتاوى (32/ 1492).
(2)
البخاري، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة برقم 717 (1/ 261)، مسلم، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة برقم 428 (1/ 321).
(3)
الدعاء وأحكامه الفقهية، ص393. رسالة ماجستير، جامعة الإمام، 1424هـ.
(4)
الشرح الممتع، ص51 - 52.
وبهذا أفتت اللجنة الدائمة (لا يجوز رفع الرأس للمصلي إلى السماء عند تكبيرة الإحرام ولا عند الدعاء لحديث: «لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم» (1).
9 -
الدعاء الجماعي بعد الصلاة:
الدعاء جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة من الإمام والمأموم كالاستغفار بصوت واحد وقولهم بعد الاستغفار: (يا أرحم الراحمين) أو اجتماعهم بعد التسليم من الصبح على: (اللهم أجرني من النار ومن عذاب النار بفضلك يا عزيز يا غفار). إلى غير ذلك.
قال النووي: (فإنها بدعة محدثة لم يعمل بها أحد من السلف)(2).
10 -
دعاء الإمام أو المؤذن وتأمين الجماعة بعد الصلاة:
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (3) والمالكية (4) والشافعية (5) والحنابلة (6) إلى بدعة هذا العمل. لأن هذا العمل لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فضلا على أن يداوم عليه كما يفعله البعض اليوم.
وكذلك لم يكن معهودا عند السلف.
(1) فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 367).
(2)
تصحيح الدعاء، 435، والبداية والنهاية (10/ 296).
(3)
ينظر المبسوط (1/ 38).
(4)
ينظر الحوادث والبدع، ص78 والاعتصام (1/ 453).
(5)
ينظر الحاوي (2/ 194)، والمجموع (3/ 431).
(6)
الفتاوى (22/ 512)، وزاد المعاد (1/ 257). وانظر: الدعاء وأحكامه الفقهية، ص495.
والأصل في الأذكار والعبادات التوقيف وألا يعبد الله إلا بما شرع وكذلك إطلاقها أو توقيتها وبيان كيفياتها وتحديد عددها فيما شرعه الله من الأذكار والأدعية وسائر العبادات مطلقا عن التقييد بوقت أو عدد أو كيفية لا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية أو وقت أو عدد بل نعبده به مطلقا كما ورد. وما ثبت بالأدلة القولية أو العملية تقييده بوقت أو عدد أو تحديد مكان له أو كيفية، عبدنا الله به على ما ثبت من الشرع له ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا الدعاء الجماعي عقب الصلوات أو قراءة القرآن مباشرة أو عقب كل درس، سواء كان ذلك بدعاء الإمام وتأمين المأمومين على دعائه أو كان بدعائهم كلهم جماعة ولم يعرف ذلك أيضا عن الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة رضي الله عنهم فمن التزم بالدعاء الجماعي عقب الصلوات أو بعد كل قراءة للقرآن أو بعد كل درس فقد ابتدع في الدين وأحدث فيه ما ليس منه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (1) وقال: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» (2)(3).
(1) البخاري، باب النجش ومن قال لا يجوز البيع (2/ 753)، مسلم، باب نقض الأحكام الباطلة برقم 1718 (1343).
(2)
البخاري، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود برقم 2250 (2/ 959)، مسلم، باب نقض الأحكام الباطلة 1718 (3/ 1343).
(3)
فتاوى إسلامية (4/ 221 لأصحاب الفضيلة عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهم الله والشيخ عبد الله بن جبرين واللجنة الدائمة وقرارات المجمع الفقهي، المحقق: محمد المُسند.