المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شروط الدعاء وآدابه - الاعتداء في الدعاء صور وضوابط ونماذج من الدعاء الصحيح

[سعود العقيلي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدِّمة

- ‌شكرٌ وتقديرٌ

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدعاء:

- ‌شروطُ الدُّعاء وآدابُه

- ‌إجابةُ الدُّعاء

- ‌ أسباب إجابة الدعاء

- ‌ أوقات وأماكن وأوضاع يُستجاب فيها الدُّعاء

- ‌الباب الأولحقيقة الاعتداء في الدُّعاء

- ‌الفصل الأولتعريف الاعتداء في الدُّعاء

- ‌المبحث الأولتعريف الاعتداء في الدُّعاء في اللُّغة

- ‌المبحث الثَّانيتعريفُ الاعتداء في الدُّعاء في الاصطلاح

- ‌الفصل الثانيأنواع الاعتداء في الدُّعاء

- ‌المبحث الأولالاعتداءُ في المعاني

- ‌المبحث الثَّانيالاعتداء في ألفاظ الدُّعاء

- ‌المبحث الثالثالاعتداء في الهيئة والأداء

- ‌المبحث الرابعالاعتداء في الدعاء المكاني

- ‌المبحث الخامسالاعتداء في الدعاء الزماني

- ‌الباب الثانيالاعتداء في الدعاء في العبادة

- ‌الفصل الأولالاعتداء في الدعاء في الصلاة

- ‌المبحث الأولالاعتداء في الصلاة المكتوبة

- ‌المبحث الثانيالاعتداء في الدعاء في صلاة النافلة

- ‌الفصل الثانيالاعتداء في الدعاء في الحجالاعتداء في الدعاء في الإحرام والطوافوالسعي ويوم عرفة

- ‌الاعتداء في الدعاء في الإحرام والطوافوالسعي ويوم عرفة

- ‌الفصل الثالثالاعتداء في الدعاء في الصيامالاعتداء في الدعاء في الإفطار والسحور

- ‌الاعتداء في الدعاء في الإفطار والسحور

- ‌الباب الثالثنماذج من الدعاء الصحيحمن الكتاب والسنة

- ‌الفصل الأولنماذج من الدعاء من القرآن الكريم

- ‌الفصل الثانينماذج لأدعية نبوية

- ‌الخاتمة

- ‌التوصيات

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌شروط الدعاء وآدابه

المبحث الثاني

‌شروطُ الدُّعاء وآدابُه

إنَّ آدابَ الدُّعاء وما ينبغي أن يتَّصف به الدَّاعي من الصِّفات والأحوال كثيرةٌ جدًّا، وقد توسَّعَ العلماء في ذكر ذلك؛ حيث ذكروا الآدابَ التي يَنبغي للدَّاعي أن يَلتزم بها وبيَّنوا ما في ذلك من الأسرار والحكم؛ كما بيَّنوا كلَّ خصلة من خصال تلك الآداب، وبيَّنوا دليلَها من الكتاب والسُّنَّة وآثار السَّلَف، كما بيَّنوا أوقات الدُّعاء التي تُرجى فيها الإجابة والأماكن الفاضلة التي هي أرجى من غيرها، وبيَّنوا الأحوال والأوصاف التي هي أرجى من غيرها، كما بيَّنوا ألفاظ الأدعية الواردة المطلَقة منها والمقيَّدة وابتهالات وعبر ودروس وتنزيه وتقديس الله تعالى، وكذلك بَيَّنوا ما يتعلَّق بالإجابة، وما يَلزم لها وموانعها (1).

فكلُّ ما عدَّه العلماءُ من الشُّروط هو في الحقيقة آداب وليس شروطاً؛ وذلك لأمور:

1 -

أنَّه لا ينطبق عليها حدُّ الشَّرط المصطلَح عليه؛ وهو ما يَلزم من عَدَمه العدمُ، ولا يَلزم من وجوده وجود؛ لأنَّ عدمَ هذه الشُّروط لا يَلزم منه بطلانُ الدُّعاء.

2 -

أنَّ العلماء لم يتَّفقوا على تسميتها شروطاً؛ فسمَّاها بعضُهم آداباً وسنناً وبعضهم سمَّاها أركاناً (2).

وهذه الشّروط هي:

1 -

التَّوحيد: شرطُ الدَّاعي أن يكونَ عالماً بأنَّه لا قادرَ على حاجته إلَّا الله، وأنَّ الأمرَ بيده، وأن يكون موحِّدًا لله في ربوبيَّته وأسمائه وصفاته؛ قال تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} . [النمل: 62]، وأن لا يدعو إلَّا الله؛ فلا يجوز له أن يَسألَ غيرَ الله، أو أن يدعوَ غيرَه معه؛ قال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} . [الجن: 18].

(1) الدعاء للعروسي (1/ 163).

(2)

المرجع السابق (1/ 165).

ص: 20

2 -

الإخلاص في الدعاء: وهو من أهمِّ هذه الآداب وأوكدها؛ لأنَّ عدمَ إخلاص الدُّعاء لله تعالى تارةً يكون شركاً صريحاً مخرجاً عن الملة، وقد يكون شركاً أصغر؛ فيكون الدُّعاء محبطاً لا يمكن قبوله واستجابته.

وقد أمر الله- تعالى- بالإخلاص في الدُّعاء فقال: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14].

وقال تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65].

وقال- عَزَّ من قائل: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29].

وقال الحافظُ ابن حجر (1) رحمه الله: وقد دلَّت الآية- يعني بها قوله تعالى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65]- أنَّ الإجابة مشترَطةٌ بالإخلاص (2).

وقال ابنُ مسعود- رضي الله عنه: "إنَّ الله لا يقبل من مسمع، ولا مراء، ولا لاعب، ولا داع إلَّا داعياً دعاء ثبتاً من قلبه"(3).

(1) شيخ الإسلام، الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلانيّ، ولد في مصر في اليوم الثاني عشر من شعبان عام ثلاث وسبعين وسبعمائة، رَحَلَ في طلب العلم إلى بلاد كثيرة، وله مؤلَّفات كثيرة بلغت نحو (150) مائة وخمسين جَمَعَت من السَّعَة والتَّحقيق ما لم يكن لغيرها، ومن أعظمها فتح الباري في شرح صحيح البخاري، توفِّي في مصر في 28 ذي الحجة من عام 852هـ، انظر الضَّوء اللَّامع 1/ 268.

(2)

فتح الباري (11/ 95).

(3)

أخرجه ابن المبارك في الزُّهد ص20 رقم 83 وأحمد في الزُّهد والبخاريّ في الأدب المفرد 2/ 65 رقم 606 وإسناده صحيح، قال الدَّارقطنيُّ: وهو محفوظ من كلام ابن مسعود. (العلل المتناهية 2/ 840).

ص: 21

3 -

المتابَعةُ للرَّسول صلى الله عليه وسلم في دعائه: فإنَّ الدُّعاءَ عبادة توقيفيَّة؛ فَيَنبغي للدَّاعي أن يدعوَ ربَّه بالأدعية المشروعة الواردة في الكتاب والسُّنَّة، أو على الأقل ألَّا يصادم الأدعية المشروعة بالأدعية البديعة.

4 -

إطابة المطعم: وهو من شروط إجابة الدُّعاء؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 27]، وكما في الحديث الذي رواه مسلم:«إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبل إلَّا طَيِّباً» ، ثمَّ ذَكَرَ الرَّجلَ يُطيل السَّفَرَ أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السَّماء: يا رب، يا رب. ومطعمُه حرام، ومشربُه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام؛ فأنَّى يُستجاب لذلك». فقد ردّت دعوة هذا الرجل مع أنَّه قد توفَّرت فيه أسباب الإجابة من التَّبذُّل ورفع الأيدي، وطولُ السَّفَر هو مظنَّةُ انكسار النَّفس بطول الغربة عن الأوطان وتحمُّل المشاقّ.

5 -

عدمُ الاعتداء في الدُّعاء: قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} . [الأعراف: 55]، وسيأتي تفصيل ذلك في الباب الأول إن شاء الله تعالى.

6 -

ألَّا يشغل الدُّعاء عن أمر واجب أو فريضة حاضرة: كأن يشتغل بالدعاء عن صلاة حاضرة أو أن يترك القيام بحق الضيف أو أن يدع خدمة الوالدين.

وقد قيل: شرائطُ الدُّعاء أربعة:

* حفظ القلب عند الوحدة.

* حفظ اللِّسان مع الخلق.

ص: 22

* حفظ العين عن النَّظر إلى ما لا يحل.

* وحفظ البطن عن الحرام (1).

7 -

حضور القلب عند الدُّعاء: فلابدَّ للدَّاعي أن يكون حاضرَ القلب متفهِّماً لما يقول مستشعراً عظمة مَن يدعوه؛ إذ لا يليق بالعبد الذَّليل أن يخاطبَ ربَّه ومولاه بكلام لا يعيه هذا الدَّاعي، وبجمل قد اعتاد تكراره دون فهم لفحواها، أو تجري على لسانه هكذا على سبيل العادة والاسترسال؛ قال صلى الله عليه وسلم:«واعلموا أنَّ اللهَ لا يَستجيب دعاءً من قلب لاه» (2)، قال الإمام النَّوَويّ (3):"وأعلم أنَّ مقصودَ الدُّعاء هو حضورُ القلب كما سبق بيانه، والدَّلائلُ عليه أكثرُ من أن تُحصَر، والعلم به أوضح من أن يذكر"(4).

(1) الدعاء وأحكامه الفقهية، ص139. رسالة ماجستير.

(2)

الترمذي (3479)، الدَّعوات، والحاكم 494، وقال: هذا حديث مستقيم الإسناد تفرَّد به صالح المرّيّ؛ وهو أحد زهَّاد البصرة، ولم يخرِّجاه، وقال الهيثميّ: إسنادُه حسن. (10/ 148).

(3)

هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين أبو زكريا النووي الدمشقي ونوى من أرض حران من أعمال دمشق ولد سنة 631هـ في نوى وتولى والده تربيته ونشأ على العلم وحضه عليه سمع عن أبي إبراهيم ابن إسحاق المغربي وعبد الرحمن بن أحمد بن قدامة المقدسي ومن تلاميذه: الخطيب صدر الدين الجعفري وشهاب الدين أحمد حبوان، وكتاب الدين الاربدي وحدث عنه ابن أبي الفتح والمزي وابن العطار، المنهل العذب الروي 1/ 2.

(4)

الأذكار ص391.

ص: 23

آدابُ الدُّعاء:

كما أنَّ للدعاء شروطاً فكذلك له آداب يحسن توافرها كي يكون الدعاء على الوجه المطلوب، فيرجى قبوله.

قال الطرطوشي (1): "اعلموا- أرشدكم الله- أنَّ للدعاء آداباً مشروعة وشروطاً مفروضة؛ فمن وفَّى وفِّي له، ومَن لزم تلك السِّيرة على شروط الأدب أو شَكَّ نيل ما سأل، ومَن أخلَّ بالآداب استحقَّ ثلاثة خلال: المقت والبعد والحرمان"(2):

1 -

الثَّناء على الله قبل الدُّعاء والصَّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فعن فضالة بن عبيد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لي، وارحمني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، وصل علي ثم ادعه» . ثمَّ صلَّى رجلٌ آخر بعد ذلك، فحمد الله، وصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أيها المصلي ادع تجب» (3). وقال صلى الله عليه وسلم: «كل دعاء محجوب، حتى يصلى على النبي» (4). وهكذا دعاء ذي النون عليه السلام قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوة أخي ذي النون ما

(1) هو أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف الطرطوشي المشهور بابن أبي نوقة ولد سنة 450هـ في مدينة طرطوشة وإليها ينسب. حدث عن أبي الوليد الباجي وأبي بكر الشاشي ومحمد التميمي الحنبلي وحدث عنه أبو علي الصفدي وابن العربي والمهدي بن تومرت كان عالما فاضلا زاهدا قويا في الحق من مصنفاته: سراج الملوك، الحوادث والبدع، الدعاء المأثور، توفي سنة 520 ينظر في ترجمة الأعلام 7/ 133.

(2)

الدعاء المأثور ص44.

(3)

رواه الترمذي في باب (أيها المصلي، ادع تجب)(5/ 516) برقم (3476) وقال أبو عيسى حديث حسن.

(4)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 220)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 216)، وقال الهيثمي (10/ 160) رجاله ثقات موقوفا على علي.

ص: 24

دعا بها مكروب إلا فرج الله كربته: لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين». وفي الترمذي:«دعوة أخي ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)؛ فإنَّه لم يَدْعُ بها مسلمٌ قطُّ إلَّا استجاب له» (1).

وهكذا عامَّة الأدعية النَّبوية على قائلها أفضل الصلاة والسلام؛ فالدُّعاء الذي تقدَّمه الذِّكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدُّعاء المجرَّد؛ فإن انضاف إلى ذلك إخبارُ العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغَ في الإجابة وأفضل (2).

2 -

الإقرارُ بالذَّنب والاعترافُ بالخطيئة: وهذا واضحٌ بيِّنٌ في سيِّد الاستغفار؛ قال شيخ الإسلام (3): "العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنَّة ومطالعة عيب النَّفس والعمل". وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «سيِّدُ الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا

(1) الترمذي رقم 3505، النسائي باب ذكر دعوة ذي النون رقم 10491 (6/ 168) وصححه الألباني في السلسلة برقم 1744، 4/ 325.

(2)

ينظر الوابل الصيب ص120 - 122.

(3)

هو أحمد تقي الدين أبو العباس بن الشيخ شهاب الدين عبد الحليم بن الشيخ أبي بركات، ولد في العاشر من ربيع الأول سنة 660 ستين وستمائة للهجرة، تميز بقوة الحفظ والجد والاجتهاد من صغره وكان قويا في الحجة صادعا بالحق وله المقامات المشهورة في ذلك. من تلاميذه الإمام ابن القيم، وابن كثير، والإمام الذهبي وغيرهم، توفي في سجن القلعة بدمشق سنة سبعمائة وثمان وعشرين. الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة 1/ 146.

ص: 25

أنت» (1) ". فجمع في قوله صلى الله عليه وسلم: «أبوء بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي» . مشاهدة المنَّة ومطالعة عيب النفس والعمل. اهـ

فمشاهدةُ المنَّة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت، وأن لا يرى نفسه إلا مفلسا، وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها؛ بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف، والإفلاس المحض، دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع، وشملته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل، وكمال فاقته وفقره إليه (2)؛ فإنَّ كلَّ داع هذا حاله لَحَريٌّ أن يستجاب له.

3 -

تقديم العمل الصالح قبل الدعاء: قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7 - 8].

أي: إذا فرغتَ من صلاتك فاجهد نفسَك بالدُّعاء وسله حاجتَك" (3).

وقال عبد الله بن عمر: "إذا أردت أن تدعو فقدِّم صدقة أو صلاة أو خير ثم ادع بما شئت". وهذا من الآداب؛ أن يقدِّم بين يدي نجواه صدقة (4).

(1) البخاري باب فضل الاستغفار برقم 5974 5/ 2323.

(2)

ينظر الوابل الصيب لابن القيم ص14 - 15.

(3)

جامع البيان للطبري (12/ 628).

(4)

النووي في الأذكار ص12.

ص: 26

4 -

الإلحاح والتّكرار وعدم الضَّجر والملل: ويحصل الإلحاح بتكرار الدعاء مرتين وثلاثا وأكثر للحديث؛ حيث ورد ما يدلُّ على تكريره صلى الله عليه وسلم للدُّعاء ثلاث مرات؛ فقد رَوَى ابنُ مسعود- رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا (1).

وَوَقَعَ في حديث عائشة- رضي الله عنها في قصَّة سحره صلى الله عليه وسلم: «فدعا ثم دعا ثم دعا» (2).

5 -

الدعاء في الرخاء والإكثار منه في وقت اليسر والسَّعة: إنَّ من شأن العبد الصَّالح أن يُلازمَ الدُّعاءَ في حالتي الرَّخاء والشِّدَّة، وأما غير الصالح فإنَّه لا يلتجئ إلى الله تعالى إلَّا في وقت الشِّدَّة ثم ينساه؛ وهذا شأن أكثر النَّاس إلَّا من عصمه الله؛ فقد ذكر الله تعالى هذه الطَّبيعة البشريَّة في عدَّة آيات من كتابه العزيز؛ قال تعالى:{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس: 12].

وقال عزَّ من قائل: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [الزمر: 8].

وقال جل جلاله: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت: 51].

(1) أبو داود، باب في الاستغفار 1/ 477، رقم 1524، والنسائي باب الاقتصار على ثلاث مرات 6/ 119، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(2)

صحيح البخاري باب السحر رقم 55430/ 2174، صحيح مسلم، باب السحر رقم 2189 4/ 1719.

ص: 27

فقد بَيَّنَ الله في هذه الآيات وأمثالها طبيعةَ ابن آدم في الالتجاء إلى الله في الشَّدائد ونسيانه في الرَّخاء، كما بيَّن في آيات أخر مثالاً واقعيًّا من تلك الطَّبيعة البشريَّة فذكر حالة الذين تضطرب بهم السُّفُن وتتلاطم بهم الأمواج، وأنَّهم يخلصون في هذه الحالة؛ قال تعالى:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: 67]، وقال تعالى:{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32].

والذي ينبغي أن يكون عليه المسلم أن يُلازمَ الدُّعاءَ في الرَّخاء والشِّدَّة؛ وذلك أسرعُ في إجابة دعائه، كما ورد في حديث ابن عبَّاس المشهور:«تعرَّف إلى الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة» (1).

والمرادُ بالمعرفة المطلوبة من العبد في الحديث هي "المعرفة الخاصَّة التي تقتضي ميل القلب إلى الله بالكلِّيَّة والانقطاع إليه والأنس به والطّمأنينة بذكره والحياء منه والهيبة له"(2)، ومن المعرفة الخاصَّة التي تقتضي محبَّته لعبده وتقريبه إليه وإجابته لدعائه وإنجاءه من الشَّدائد؛ وهي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربِّه: «ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده

(1) أخرجه الإمام أحمد باب مسند عبد الله بن العباس برقم 2804 (1/ 307)، والترمذي: 4/ 667 برقم 2516 وقال حديث حسن صحيح.

(2)

جامع العلوم والحكم (1/ 189).

ص: 28

التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه». وفي رواية:«ولئن دعاني لأجيبنَّه» (1).

وفي الجملة فمَن عامل الله بالتَّقوى والطَّاعة في حال رخائه عامله اللهُ باللُّطف والإعانة في حال شدَّته.

ومن الأحاديث الدَّالَّة على سرعة إجابة دعاء مَن يلازم الدُّعاء في الرَّخاء ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه مرفوعاً: «مَن سَرَّه أن يستجيب الله له عند الشَّدائد والكرب فليُكثر الدُّعاء في الرَّخاء» (2).

6 -

استقبالُ القبلة: وذلك لأنَّ القبلةَ هي الجهة الفاضلة التي ينبغي أن يُتَّجَهَ إليها في العبادات، وهي أيضاً قبلةٌ للدُّعاء كما أنَّها قبلةٌ للصَّلوات، وقد وَرَدَ في ذلك عدَّة أحاديث؛ من ذلك حديث ابن مسعود- رضي الله عنه في إلقاء قريش الأذى على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي؛ وفيه:«استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش» (3).

وحديث عبد الله بن زيد- رضي الله عنه في الاستسقاء؛ قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلَّى يصلِّي، وإنَّه لما دعا أو أراد أن يدعو استقبل القبلة وحوَّل رداءه» (4).

(1) أخرجه البخاري، باب التواضع برقم 6137 (5/ 2384.

(2)

رواه الترمذي: باب أن دعوة المسلم مستجابة برقم 3382) والحاكم كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح برقم 1997 (1/ 729).

(3)

البخاري باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برقم 3743 (4/ 1457)، مسلم باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين برقم 1794 (3/ 1418).

(4)

البخاري باب استقبال القبلة في الاستسقاء برقم 982 (1/ 348)، مسلم كتاب صلاة الاستسقاء برقم 894 (2/ 611).

ص: 29

7 -

الطهارة: وهذا من الآداب التي يَنبغي للدَّاعي أن يتَّصف بها؛ فاللائق بمن يريد خطاب الله ومناجاته أن يكون على أحسن الأحوال؛ ومن ذلك الطَّهارة الظَّاهرة بالوضوء والطَّهارة الباطنة بالتَّوبة والاستغفار؛ حتى يكون مؤهَّلاً لخطاب الله تعالى ومناجاته.

وقد ورد ما يدلُّ على استحباب الوضوء للدُّعاء في حديث أبي موسى الأشعريّ في قصّة استشهاد أبي عامر وطلبه من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الاستغفارَ؛ فلمَّا وصل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وفاته وطلبه منه الاستغفار دعا بماء فتوضَّأ ثم دعا له (1).

8 -

السّواك: ووجه ذلك أنَّ الدُّعاء عبادة باللِّسان؛ فتنظيف الفم عند ذلك أدب حسن، ولهذا جاءت السُّنَّةُ المتواترة بمشروعيَّة السِّواك للصَّلاة، والعلَّةُ في ذلك تنظيفُ المحلِّ الذي يكون الذِّكرُ به في الصَّلاة (2).

9 -

رفع اليدين: قال أبو موسى الأشعريّ- رضي الله عنه: (دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياضَ إبطيه)(3).

وقال ابنُ عمر- رضي الله عنه: (رفع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يديه وقال: «اللهمَّ إنِّي أبرأ إليك ممَّا صَنَعَ خالد» (4).

وعن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ ربَّكم– تبارك وتعالى حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردَّها صفراً خائبتين» (5).

(1) البخاري باب الدعاء عند الوضوء برقم 6020 (5/ 2345).

(2)

انظر تحفة الذاكرين ص44.

(3)

البخاري باب غزوة أوطاس 4/ 1571، مسلم باب فضائل أبي موسى برقم 2498 (4/ 1943).

(4)

رواه البخاري، باب رفع الأيدي في الدعاء برقم 4068 (5/ 2335).

(5)

رواه أبو داود (1488)، الصلاة، باب الدعاء، والترمذي (3556)، باب الدَّعوات، والحاكم: كتاب الدعاء برقم 1830، وقال: صحيح على شرط الشَّيخين، وقال الذَّهبيُّ في التَّلخيص: صحيح.

ص: 30

10 -

الطُّموح وعُلُوُّ الهمَّة: فمن الآداب التي يحسن بالدَّاعي أن يتحلَّى بها أن يكون طموحاً، ذا نفس كبيرة وهمَّة عالية راغباً فيما عند الله من عظيم الثَّواب (1)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«ليعزم المسألة وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» (2).

(1) الدعاء للحمد 43.

(2)

أخرجه مسلم، باب العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت برقم 2679 (4/ 2063).

ص: 31