الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
أقوى ما يتمسك به القائلون بعدم حجية قول الصحابي
وأقوى ما يتمسك به القائلون بأن قول الصحابي ليس حجة أمران:
الأمر الأول: أنه عند الخلاف يرجع إلى ما قال الله والرسول صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ، إلى غير ذلك من الأدلة، قالوا: ولم يقل الله: فردوه إلى أبي بكر وعمر، ولا إلى الصحابة.
وهذا إذا نظرت في أول الأمر وبادئه، ظننته قويا، بيد أنَّه من أضعف الأدلة؛ وذلك أن مقتضى القول بحجية قول الصحابي أنه ردٌّ إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والذين قالوا إن قول الصحابي حجة ما قالوه إلا أن الأدلة دلت على ذلك، وقد تقدم ذكر بعضها، هذا أولا.
ثانيا: يلزم على هذا ألا يكون الإجماع حجةً، فبهذا نوافق المعتزلة؛ لأن أول من أنكر الإجماع هو النظَّام المعتزلي، كما ذكره ابن قدامة
(1)
، وغيره من أهل العلم
(2)
.
فإذن مقتضى الرجوع إلى كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو القول بأن قول الصحابي حجة؛ لأن الشريعة دلت على هذا.
الأمر الثاني: أن الصحابة ليسوا معصومين، وقد يخطؤون، فكيف نرجع في معرفة الحق والباطل والحلال والحرام إلى أناس قد يخطؤون؟
(1)
انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (1/ 379).
قال أبو المعالي الجويني في «البرهان في أصول الفقه» (1/ 261): «أول من باح بِرَدِّه النظَّام، ثم تابعه طوائف من الروافض» .
(2)
راجع رسالتنا «حجية الإجماع وكشف بعض الشبهات» .
وقد تقدمت الإشارة إلى هذا، وأؤكد ذلك بما يلي: وهو أنه تقدَّم أن الحجة ليست في ذات الصحابي، والصحابي في ذاته ليس معصومًا، بل يخطئ ويصيب؛ لذا إذا اختلفوا على قولين، فالحق في أحد هذين القولين، وإنما الاحتجاج بقولهم من باب الظن الغالب، ثم هو ليس لذاته، وإنما لما انضاف إليه، وهو أنه صورةٌ من صور حكاية الإجماع.
فبهذا إذا قال الصحابي قولا، ولم يخالَف، فالمسألة إجماعٌ فتكون الحجية في عدم مخالفة غيره له لا في ذات الصحابي.
إذن، خلاصة الجواب أن يقال: إن الحجية ليست بذات الصحابي، وإنما لما انضاف إليه؛ وذلك أن الاحتجاج به من باب الظن الغالب، وهو صورةٌ من صور الإجماع.
* * *